أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - د.هويدا صالح تكتب: النصوص الغائبة في «حيِّزٌ للإثم»*















المزيد.....

د.هويدا صالح تكتب: النصوص الغائبة في «حيِّزٌ للإثم»*


مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)


الحوار المتمدن-العدد: 5756 - 2018 / 1 / 13 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


د.هويدا صالح تكتب: النصوص الغائبة في «حيِّزٌ للإثم»*
ترى الناقدة الفرنسية جوليا كريستيفا أن النص لوحة فسيفسائية من الاقتباسات. وهذه الاقتباسات أو النصوص الغائبة تتداخل في النص الشعري كمكونات أدبية وثقافية متنوعة تتواشج وتترافد من أجل صناعة الدلالة الكلية للنص. وقد كان من شروط تعلم الشعر، عند العرب، أن يُطلب من الشاعر، في مرحلة التّلقّي، أن يحفظ كثيراً من أشعار غيره، ثم ينساها، في مرحلة العطاء الشعري، لتدخل محفوظاته هذه في نسيج عطائه، ولكن في شكل جديد. وهكذا يغذّي اللاوعي الوعي.
والنص الغائب يعني أن العمل الأدبي الماثل ، إنما يُدرك في علاقته بالأعمال الأدبية الأخرى التي ترفده، والتي تسهم في بناء دلالاته الكلية، فالنص عبارة عن نصوص مختلفة يتناص معها الشاعر، وخطابات متنوعة، خطابات أسطورية وتاريخية ودينية وفنية وأدبية، ليصير النص الماثل تشكيلا جماليا من كل هذه النصوص الغائبة، ويصبح دور المتلقي أن يبحث في حفريات هذه النصوص في محاولة منه لاستقراء الخريطة الجينية للنص الماثل موضوع القراءة، وكأن ليس ثمة حدود بين نص وآخر، وإنما يأخذ النص من نصوص أخرى، ويعطيها في آن، فالنص الغائب مكونا رئيسيا للنص الماثل.وهكذا يبدو (النص الغائب) مكوناً رئيسياً للنص (الماثل)، ذلك أن (النص الماثل) إنما هو خليط من مكونات وروافد مختلفة، ثقافية وأدبية وتاريخية وأسطورية وأنثربولوجية. وقد وعى العرب قديما أهمية الترافد بين الشاعر وما يسبقه من نصوص وخطابات مختلفة، حتى أنهم قالوا في شروط تعلم الشعر، أن يحفظ الشاعر، في مرحلة التّلقّي، كثيراً من أشعار غيره. ثم ينساها، في مرحلة العطاء الشعري، لتدخل محفوظاته هذه في نسيج عطائه، ولكن في شكل جديد. وهكذا يغذّي اللاوعي الوعي.
وهذا هو المفتاح الذي سوف أستخدمه في قراءة ديوان "حيّزٌ للاثم" للشاعر مؤمن سمير، حيث أن قراءة فراغات النص ولامقوله، والحفر عميقا في روافده ونصوصه الغائبة هو ما يمكن أن يعينني كقارئة في مواجهة نص مركب، ومعقد كل هذا التركيب وهذا التعقيد، فلم يراهن مؤمن سمير في نصه الإشكالي على مجرد المتعة الجمالية التي يوفرها الشعر بلغته ومجازاته، إنما راهن بالأساس على أن يحفر في أنثربولوجيا مجتمعية عميقة بحثا مع القارئ عن الوعي الجمعي الذي يراكم طبقات وراء طبقات عبر تاريخ طويل يمتزج فيه الأسطوري بالديني والمدنس بالمقدس والتاريخي الرسمي بالشفهي غير الرسمي.
الأنثى بين المقدس والمدنس:
منذ العنوان، الذي هو العتبة الأولى لقراءة النص، نتعرف على محاولة الشاعر أن يكتب الجانب الآخر من الرواية، الجانب المسكوت عنه، فليس كل الاثم مرفوضا أو مؤثما، إنما يخبرنا أنه سوف يوجد مساحة وحيزا للاثم، بل سوف يبرئه، ليتبادل المدنس الأدوار مع المقدس، طارحا من خلال تلك الجدلية بين المقدس والمدنس أسئلة الذات المسكونة بالقلق الوجودي والحنين إلى الاكتمال بالآخر(الأنثى) والهواجس من كل مساحات التحريم التي تكبل حياتها.
يفتتح النص بالتناص الديني مع لغة القرآن الكريم ولغة التوراه، ليخاطب الأنثى التي لم يعطها اسما بعد، والتي ستتجلى في اسم"عزة" مرة " وهدى" ثانية، و"حبيبتي" ثالثة، ينتظر منها أن تكون أمانا له من الخوف، لكن الخوف يأكل الروح، لينهض الصراع في النص بين الذات والعالم.
في تصاعد درامي تذهب الذات الشاعرة بخوفها نحو "منحدر الغابة" سعيا نحو الأمان: "دوسوا يا أبناء الرب الطيب دوسوا..على ظلها الشهي،ليطهر..المقصلة اقتربت وأنا أسيبك لأداعب السيف اللامع كي أقبض على خوفي الهارب في المرآة وأنت طيري أو اسبقيني لمنحدر الحضن واغمضي عينيك..علَّ الغابةَ تتسع"
لكن الخوف يمارس سطوته على الذات، والغابة لا تتسع، فتواصل الذات الهرب نحو"الكهف"وينتظر من الأنثى أن تكون ملاذه من الخوف: "حاولي أن تسقطي عيونك قرب مرآتي، فينقطع اللهاث ويشير للقتل..ببساطة..حاولي أنا مكبل بشبحين، والنمل والخوف يرعيان في ساقي الهاربة وسرتي التي لا تذكرني قهرا..مكبلٌ .. وأنتظرك..وكأننا..الدخان"..
وبعدما تأتي المرأة التي ينتظر، تبهره ببهائها، فهي المرجوة في الرؤية: "تفرح وتقول أنا التي في بَرِّيَتك وأنا شعبك المحزون لكنك تنكر لأنك مسحور لما خدعتك العاصفة، المقعية جوارك الآن، ثم أبتسم لهالاتها وأشك بالإصبع الصغير فترجع بتولا تمسح أقدامنا بالزيت".
إن التناص مع الكتاب المقدس، لم يكن فقط في الوعي بالتكوين الذهني لأنثى الشاعر التي تشبه أنثى نشيد الإنشاد ومراثي إرميا، إنما أيضا في التكوين اللغوي والتناص مع اللغة التوراتية.
يواصل الشاعر تناصاته ، فيحضر المسيح في النص دون أن يذكر اسمه، فيصبح المسيح كنص غائب أو نص تحتي ماثلا في النص عبر صورة الذات الشاعرة، التي يتنازعها المقدس والمدنس، فحين مسه الشيطان خافت منه الجدة ورأته صورة لذاك الشيطان، في حين أن الأم رأته مباركا كمسيح جديد، لكنه مسيح عصري لا يستطيع أن يفعل شيئا إلا أن يحي كتكوتا ضعيفا : "فاتت على أبي تعويذة العائلة، فشاركه الشيطان في أمي، هكذا طلعت ابن جن، رأسي كبير، ويجري في عروقي دم أسود..الجدة يقينا كانت تعلم، كلما بعثتُ ظلي تزوم وتناجي السقف الذي خبأت فيه إشراقها، بكت مرة، وتقلصت مسالك الأنقاض حزنا على الذي طار لأنني قبلتها على قبلة الرب.. وكانت أمي تشوفني مبروكا، وتقلب رعبها مع الجارات والحقل زهوا، بالولد الذي تكبر جثته في المساء ويحيي الكتاكيت ويصنع من ماء الأكفان فطائر وعرائس ورقية تظهر عيون النار المخبأة".
ويواصل الشاعر رفد نصه بنصوص غائبة، فيتناص مع قصة الخلق، يحاول أن يعيد تمثلها، فيخلق لذاته القلقة جنة خاصة به، وتصير حواءه العصرية جنته:"الآن أنا أحب نفسي، وأربّي لها كل يوم حياة، لكنني للحق لست سعيدا، لهذا سوف أخلق من ضلعي الأيسر جنة أغادرها قبل أن يصحو أبانا، حوافرها كأنها أجنحة وأحط لها قلبا يُنقّط بحرا وصحاري، كلما أحلق وألحس في ذكراها حضنها الشفيف".
يواصل الشاعر تناصه مع النصوص الدينية، فيتناص في أكثر من موضع مع القرآن الكريم، لغة وصورا، وكذلك يتناص مع قصة خروج النبي محمد من بيته إلى هجرته في المدينة، لكنه خروج جديد يناسب ذاتا عصرية يأكلها الخوف والقلق، ولا تجد الراحة إلا بين يدي وكفيّ المرأة بكل تجلياتها، المرأة الأولى، المرأة صانعة الحياة وواهبتها، ليصبح الرجل ساعيا للاكتمال بها، ليختم الديوان بقصيدة يفاوض فيها الرب إن هو تركها تحبه، يقدم له كل فروض الطاعة:
"دقيقة أخرى يا رب دعها دقيقة
مسافة أن تربت على نهمي وتفتح قلبها لأدخل
وأغلق الظلال ورائي،
وأغزل النشيج..
لحظة تكفي لأن تنفرج وردتي، وأذوق الحنين في عظمي وأمتصه للجدران الثرثارة
والجوع والأشباح
من أجل خاطر محبتك لها، وقربها منكَ".
وهكذا يحتاج نص مؤمن سمير إلى قارئ مثقف ومنفتح على كثير من المعارف حتى يتمكن من أن يعيد إنتاج الدلالة التي يرفدها مؤمن بروافد معرفية كثيرة.
*"حيزٌ للإثم " شعر ، مؤمن سمير ، دار بتانة 2017



#مؤمن_سمير (هاشتاغ)       Moemen_Samir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤمن سمير يتخذها سلاحاً في ديوانه الجديد:الاحتفاء بالمحبة... ...
- أصدرت له -بتانة- :-حيز للإثم-..مؤمن سمير فى حواره: الجوائز م ...
- -مؤمن سمير موهبة شعرية تتنوع أنغامها -بقلم/أحمد اللاوندى
- مؤمن سمير.. حطاب أعمى بلا خبز ولا نبيذ بقلم/ محمد نبيل
- كيف يغفو - الحطاب الأعمى - في - حيِّزٍ للإثم - ؟ مؤمن سمير . ...
- مأساة الإنسان في عصر الجفاف .مؤمن سمير.. في ديوان -إغفاءة ال ...
- - عندما يؤذي الشاعر نفسه-بقلم / مؤمن سمير
- الضئيل العالق في غمر الأسلاف :قراءة في ديوان - عالقٌ في الغم ...
- قراءة لقصيدة من ديوان -بهجة الاحتضار- لمؤمن سمير بقلم/د.بهاء ...
- -أروِي عن الملك الذي لم يظلم شعبه- بقلم / ياسمين مجدي
- نقاد المؤسسة الرسمية يبتغون وجه السلطة ورضاها: الشاع ...
- - عن الكبار وأزمنتهم التي لا تغيب - بقلم / مؤمن سمير
- عرَّاب قصيدة النثر المصرية ينتقل إلى فضاءٍ أرحب
- مؤمن سمير.. حطاب أعمى بلا خبز ولا نبيذ
- رقصٌ ملون
- المشهد النقدي اليوم كما يراه المبدع، ما بين سلطة تتلاشى وفسا ...
- حوار مع الشاعرالمصري مؤمن سمير في الموقع العراقي - كتابات-
- إلى الشاعر الكبير / مؤمن سمير بمناسبة تكريمه : شعر / أحمد جل ...
- * لا تُصَدِّقي يا هدى * شعر / مؤمن سمير . مصر
- - يقول عضوكِ - شعر / مؤمن سمير . مصر


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - د.هويدا صالح تكتب: النصوص الغائبة في «حيِّزٌ للإثم»*