أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - إشكالية الدولة والإنسان مواطن















المزيد.....

إشكالية الدولة والإنسان مواطن


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5753 - 2018 / 1 / 10 - 00:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الإنسان منذ فجر التأريخ ومن أول يوم أسست فيه شكل الدولة الأول، عاش في أزمة حقيقية بين الرضوخ لقاعدة التعايش والتنازل عن جزء من حريته الشخصية وبين أن يمارس طبيعيته الأولى القائمة على تجسيد وظيفته بدون قيود تمنع تواصله مع الإنسان الأخر, هذه القيود التي تفرضها حدود الجغرافية السياسية والتاريخ والأنتماء وشروط الدولة ولنا في صفحات التاريخ الكثير من المصاديق والأمثلة .
رضخ الإنسان تماما في جميع مراحل التأريخ بوجه عام لاشتراطات وألتزامات الدولة وحقوقها وواجباتها المقابلة، ولم يشذ عن ذلك إلا في حالات نادرة ولأسباب خاصة لكنه على عموم الوصف دخل في كنف الدولة، التي كان يتأمل منها أن تستجيب له على الأقل في تأمين الحد الأدنى من إنسانيته وفق قوانين الطبيعة التي تؤمن بالتوازن والديمومة والموائمة بين مختلف الحقوق والواجبات, في حالات نادرة ونادرة جدا أستجابت الدولة بشكل أو بأخر لها وجسدتها واقعا, ولكن الدولة في حد ذاتها تعيش في أزمة أخرى أزمة التوازن بين الطبقات والصراع الناشئ بينها وبين واجبها المتمثل في بسط إدارة عادلة وبالتساوي بين المواطنين أعضاء وطرف العقد الأجتماعي الذي أنشأها، هذه الأزمة كانت بنيوية بالأساس والتي هي محض نتاج الأنا وتطرفها.
أزمة الدولة في كل المجتمعات أزمة مركبة من مجموعة أزمات تتداخل وتشكل ظاهرة عامة في كل المجتمعات المدنية والدينية لا فرق, وحتى الدولة الحديثة عندما تبني كيانها على شعار المساواة والعدل تواجه معضلة حقيقية في تطبيق هذه الشروط, فهناك التفاوت الوظيفي وهناك التباين الطبقي وهناك صراع المصالح التي لا تتوافق مع مشروع الدولة القائم على المساواة, مثلا في أمريكا التي ترفع شعار المساواة كقاعدة ديمقراطية ليبرالية وهي من صميم تفكير المجتمع ونتاج الفلسفة الاقتصادية والفكرية الحاكمة، لا يمكن أن يزعم أحد لمجرد الزعم أن المساواة متحققة والمجتمع منقسم مصالحيا إلى طبقات وفئات حاكمة ومحكومة، أقتصاديا وأجتماعيا وسياسيا وهذا ما لا ينكره عاقل أو منصف .
الأزمة من وجه أخر تبدو أكثر تأثيرا على الإنسانية حينما تفشل الدولة في تلبية حاجة الإنسان الفطرية للخلاص من طوق العبودية, الإنسان حر في طبيعته ولكن ما أن يتنازل عن جزء مهم منها يعاوده الهاجس الفطري مرة أخرى للتحرر من عبوديته للنظام والخضوع لقانون المجتمع, هذا الهاجس ليس في الحقيقة إلا إنعكاس للأنا التي كلما تضايقت بالقانون كلما حاولت التفلت عنه, لذا فإن قاعدة كل ممنوع مرغوب هي ترجمة حقيقية لهذه الإشكالية التي تعمق شعور الإنسان من أن خضوعه وإن كان بإرادته أو وفق ما وجد عليه المجتمع هو خضوع قهري، ومن جهة أخرى يحرص على التكامل مع الأخر به، ومن جهة ثانية يتلمس حاجته للتخلص منها عبر محاولة الألتفاف والمناورة بمختلف الوسائل التي يتيحها القانون أو تفرضها طريقة التعامل فيه, وهنا تكثر حالات أنتهاك القانون والخروج عن العرف الأجتماعي إرضاء للأنا وليس فقط ميل انحرافي نتج عن مقدمات غير صحيحة .
أزمة الدول تتلخص بكيفية الجمع بين ميول الإنسان الطبيعية المتناقضة بين الحرية والمدنية الأجتماعية وبين واجب الدولة في بسط السلطة وتعميم القوة الضابطة، وتحقيق صورة الوجود الجمعي المتناسق مع ضرورة الدولة ونجاح مشروعها التنظيمي, هذا ونحن نتكلم عن الدولة المثالية الأفتراضية أما الصور الواقعية فإشكالاتها لا تعد ولا تحصى بسبب من عدم أستواء القاعدة القانونية أو عدم قابلية العقد الأجتماعي الناظم من التوافق مع الطبيعة، أو عدم جدية الدولة في تطبيق مبدأ العدالة وفرض العدل، والكثير مما يعانيه الإنسان من أختلالات في التوازن النوعي والكيفي بين الصورة الأساس والواقع المعاش .
هذه الأزمة المركبة لم تجد لها حلا مناسبا ولا حتى مقاربات للحل بل زاد من تعميق الأزمة سيطرة القوة على القانون، وأصبحت الدولة في أشكال منها وصور تمثل القهر والإستلاب والتعدي على الحق الإنساني الطبيعي, بدل أن تحاور الدولة نخبة المجتمع لتتجاوز الإشكالية سارعت الدولة إلى التضييق على الإنسان وقمع الصوت المنادي بالإصلاح ومحاولة العودة للأسس الطبيعية للدولة, فتحولت الدولة من جهاز تنظيمي توسطي بين القيادة الهرمية والدستور والعقد الأجتماعي من جهة والشعب من جهة أخرى، إلى سلطة شرطية تراع مصالح النظام كقوة مسيطرة وأهملت الواجب التنظيمي التوسطي، وأنحازت بالكلية إلى الإنسان المتمرد بأنانيته المفرطة سواء أكان ملكا أو رئيسا للجمهورية والأمثلة لا تعد من وفرتها .
كلما أصر الإنسان الحاكم على ممارسة السلطة الغاشمة تزداد الأزمة تعقيدا وتؤدي إلى نتائج كارثية على المجتمع، وهتك للقانون وتتحول لغة الحوار بين الشعب والسلطة إلى لغة القوة والسلاح الذي سيطال الجميع عندما يخرج البعض حاملا السلاح بوجه الدولة لأن محاور التفاهم مغلقة, كل من السلطة والمتمرد على استعداد لهتك كل الحدود وأهمها حقوق الإنسان عندما يجعل موضوع الأنتصار على الأخر الهدف الأساسيله، وليس أنتصار قيم الإنسان وحريته وحقوقه المتاجر بها دوما, تتشخصن المعركة هنا بين منهجين متضادين لا يلتقيان لا في رؤية ولا في منهج سوى في لغة قوة السلاح.
قد يظن البعض أن المشكلة التي أشرنا عليها هي من طبائع البشر الأعتيادية التي تدور بين الرغبة بالبقاء في أطار مجتمع، وتنازع على الصلاحيات داخل هذه الرغبة وأستجابة لها, والحقيقة أن الأمر لا يجري هكذا ولا يفسر بهذه الصورة خاصة وأن الفرض يكون على مستوى التنازع على سطح واحد بمستوى واحد مثلا نزاع النظائر بين الأقران, لكن هذا التنازع يكون على أساس تناقض ناتج عن خلل في تطبيق قواعد العقد الأجتماعي الذي توافق عليه المجتمع بين أفراده على أساس أنهم متساوون فيه بما فيه من حقوق وألتزامات متبادلة بينهما وهو ما لا نجده واقعا ولا نتيجة .
الشعور بخرق هذا الإحساس ومن خلال وقائع على الأرض يحاول كل طرف متضرر من أن يطالب بحقه، وكل طرف متعدي يحاول تبرير ذلك بمسوغات مختلفة في أن يصلوا للحل الوسط, ولكن ليس في كل الأحوال فقد تكون هناك نقاط لا تقبل المساومة أو الحوار عليها، وهي نقاط الوجود والهوية الذاتية والمصير المتعلق بالمستقبل، لا يمكن لعاقل أن يساوم على هذه أما أن تكون القواعد النظامية حاكمة وفق مبدأ العدالة أو تنتهي بإنشقاق عنها .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات جان فالجان البغدادي .... ح1
- رؤى فلسفية في قضية العلمانية ح1
- إشكالية طوطمة الرب من خلال أستغلال النص الديني ح1
- إشكالية طوطمة الرب من خلال أستغلال النص الديني ح2
- جدلية الدين والدولة.... أزمة مستحكمة أم إشكالية تجسيد ح1
- جدلية الدين والدولة.... أزمة مستحكمة أم إشكالية تجسيد ح2
- ثنائية الحب والجنون (رزاق وعالم مخبول ) ح8
- ثنائية الحب والجنون (رزاق وعالم مخبول) ح9
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح7
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح6
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح5
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح4
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح3
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح2
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح1
- إشكالية التابع والمتبوع في الواقع العربي والإسلامي وأثرها عل ...
- تحرير المرأة هدف لتحرير الإنسان
- من أغاني الفجر
- الوعي وإشكاليات المعرفة
- لعنات يومية في مذكرات شعب


المزيد.....




- ماذا قال محمد بن سلمان عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل ...
- حريق مهول يلتهم آلاف الهكتارات في كاتالونيا بسبب موجة الحر ا ...
- عواصف عنيفة تضرب وسط وشرق أوروبا وتخلّف قتلى ودماراً واسعاً ...
- تونس ـ أحكام بالسجن بحق سياسيين ومسؤولين سابقين بينهم الغنوش ...
- 110 قتلى في فيضانات تكساس وعمليات البحث مستمرة
- الحوثيون يبثون مشاهد لإغراق السفينة -ماجيك سيز-
- عراقجي: مهتمون بالدبلوماسية وكنا على أعتاب إنجاز تاريخي مع و ...
- انقسامات في حكومة الكاميرون بشأن ترشح بول بيا للانتخابات الر ...
- هل أسس ماسك حزبه تحدياً لترامب؟ وهل سينجح؟
- فيضانات عارمة في تكساس تجرف كوخًٌا بمن فيه.. شاهد ما حدث لهم ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - إشكالية الدولة والإنسان مواطن