عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 5742 - 2017 / 12 / 30 - 17:07
المحور:
سيرة ذاتية
تصادف انني كنت أشاهد فيلم "القاهرة في الليل" الذي أُنتج في ستينات القرن الماضي، ثم قرأت في الانباء في صباح اليوم التالي أخبار الهجوم على كنيسة مار مينا العجايبي في حلوان. ولا أعرف لماذا تداعى إلى ذهني أوبريت "الليلة الكبيرة" بينما كنت أقرأ هذه الاخبار الصادمة.
عشت في مصر قبل أن يزحف التصحر الديني على روحها. تعلمت في جامعة الاسكندرية ولم أر أي فتاة ترتدي حجاب أو شاب بلحية يملأ الخبث نظرات عينيه. كانت جامعة الاسكندرية مكان علم وثقافة وأناقة واختلاط وفرح.
رأيت مسيحيين ومسلمين في مولد السيد البدوي، ورأيت مسلمين ومسيحيين في مولد مار جرجس. كنت شخصيا أحد رواد طريقة صوفية في الاسكندرية لأتعلم وأعرف عن قرب، وفي الوقت نفسه، كنت أدرس اللاهوت، على كاهن من بودابست تمصّر، في كنيسة الجزويت في حي "سيدي جابر".
كان المصريون يذهبون إلى المناسبات الدينية لإحياء مناسبة روحية لها علاقة بالقلب، فمن كان يذهب إلى "المولد" كان يطلب بتضرع وخشوع من صاحبه أن يعطيه بإذن الله ما يريده. و"المولد" كلمة تُقال عن إحتفالات المسيحيين والمسلمين واليهود المصريين الدينية، كما سمعت من الذين عاصروا الوجود اليهودي في مصر، لأن مصر مصّرت جميع الاديان الوافدة إليها، قبل أن يغزوها التصحر الديني.
كانت مدن مصر آمنة في الليل والنهار. لم تعرف مصر معنى كلمة حاجز أمني قبل موجة التصحّر الديني. لم تعرف مصر إنتشار السلاح بين المواطنين، لدرجة أن قتلة الرئيس السادات إشتروا أسلحة قديمة جدا من مصادر تحت الارض، فلم تنفجر القنابل التي أُلقيت على المنصة وتعطل رشاش أحدهم وهو يطلق النار. السلاح كان للجيش والشرطة، ويملك الخفيف منه بعض المهربين والقتلة المأجورين في صعيد مصر.
"كل سنة وإنتم طيبين وبعودة" كانت تقال من المصريين للمصريين بغض النظر عن أديانهم في المناسبات الدينية كافة. وأصبحت هذا العبارة في زوايا نسيان مصر لتاريخها، وذاكرة المهاجرين الذين تخطوا الخمسين.
هل يمكن أن تمر مناسبة دينية مسيحية بدون بلطجة على الكنائس والناس الامنين فيها وهيبة الدولة المصرية؟
أطلب من القارىء مشاهدة "القاهرة في الليل" و"الليلة الكبيرة" على "يوتيوب" ليدرك أكثر ما كتبته.
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟