|
ثورة أكتوبر ونبوءة دورنوفو
بشير السباعي
الحوار المتمدن-العدد: 5716 - 2017 / 12 / 2 - 20:08
المحور:
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
في 22 يناير 2016 ، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن لينين زرعَ قنبلةً ذريّةً إيديولوجيةً في روسيا أخرجتها عن مسار تاريخهاوأردف أن ستالين أحسن عملًا بإعادته روسيا إلى هذا المسار .المقصود، بالطبع، هو أن البولشفية نزلت على روسيا من سماء صافية وأن ستالين أحسن عملًا بإدارة ظهره لتراثها الثوري.
غداةَ انهيار الاتحاد السوفييتي، صادفنا من يقولون إن ثورة أكتوبر 1917 كانت عملًا إرادويًّا لا ينبثق من المعطيات الاجتماعية-السياسية التي لم تكن تسمح، في ظنهم، بالانتقال من ثورة فبراير الديموقراطية إلى ثورة اشتراكية. بل صادفنا من قطعوا شوطًا أبعد وزعموا أن ثورة أكتوبر تنتمي إلى التاريخ اليهودي بأكثر من انتمائها للتاريخ الروسي!
وفي السنوات الأخيرة، أخذت تظهر في روسيا مؤلفاتٌ تتحدث عن مؤامرة حاكها الإنجليز أو حاكها الألمان ترمي إلى إضعاف روسيا باستخدام البلاشفة، بل وتتحدث عن تواطؤ مباشر بين البلاشفة والألمان أو الإنجليز في هذا الاتجاه!
بالطبع، لم تصمد هذه المزاعم أمام ردود مؤرخين روس وأميركيين، محايدين في معظمهم.
المسألة المهمة، بالطبع، هي مسألة الاتجاه الذي كانت روسيا تتجه إليه بالفعل غداة نشوب الحرب العالمية الأولى.
في يناير 1917، أمام مجموعة من الشبان الاشتراكيين السويسريين، في زيورخ، ألقى لينين محاضرةً قال فيها إن جيله قد لا يشهد الثورة الاشتراكية.
بعد أسابيع قليلة من إلقاء هذه المحاضرة، نشبت الثورة في روسيا، وما كان يأمل لينين في أن يحققه الجيل التالى أصبح على رأس جدول أعماله هو: تنظيم جركة الجماهير حول برنامج يدفعُ في اتجاه الثورة الاشتراكية.فما الذي أدى إلى انتقال لينين من التشاؤم إلى التفاؤل؟
إن ما حدث هو ما توقعه في أوائل 1914 بيوتر دورنوفو، عضو مجلس دوما الدولة ووزير الداخلية الأسبق في روسيا القيصرية!
في تقرير بعث به دورنوفو إلى القيصر في فبراير 1914 بشأن الحرب العالمية المحدقة ومصائرها المحتملة، أشار وزير الداخلية الأسبق إلى أن روسيا ” تُعدُّ تربة ملائمة بشكل خاص للهزات الاجتماعية، حيث إن ممّا لا شك فيه أن الجماهير الشعبية تؤمن بمبادىء الاشتراكية العفوية. وعلى الرغم مما يبديه المجتمع الروسي من معارضة، عفوية هي أيضًا، شأنها في ذلك شأن اشتراكية فئات السكان العريضة، فإن الثورة السياسية في روسيا غير ممكنة، وسوف تتحول أي حركة ثورية إلى ثورة اجتماعية. فالمعارضة (الليبرالية) عندنا لا يدعمها أحد، وهي لا تتمتع بأي تأييد في صفوف الشعب، فهو لا يرى أي فارق بين الموظف الحكومي والمثقف (الليبرالي). والإنسان الروسي البسيط، عاملًا كان أم فلّاحًا، لا يسعى إلى الفوز بالحقوق السياسية، فهي لا تلزمه وليست مفهومة بالنسبة له. إن الفلّاح يحلم بالحصول من دون مقابل على حصة من الأرض التي لا يملكها، والعامل يحلم بتسليمه كل رأس مال وأرباح صاحب المصنع، وأطماعهما لا تتعدى ذلك. ولا يتطلب الأمر سوى ترويج هذه الشعارات وسط السكان مع تساهل السلطة الحكومية حيال تحريضٍ في هذا الاتجاه حتى تنحدر روسيا لا محالة إلى الفوضى التي ابتليت بها في زمن اضطرابات عامي 1905-1906 الذي لا يُنسىى.”
سننحي جانبًا، بالطبع، الصيغ التي يتحدث دورنوفو بها عن أحلام الفلاحين والعمال عن الجماهير الشعبية و”المجتمع”، وعن التقدم والانحدار، فمن غير المتوقع سماع لغة أخرى من وزير داخلية أسبق كان يصدر الأوامر لمديري الأمن في العامين المذكورين باتخاذ كل التدابير الممكنة لسحق الثورة، منهيًا أوامره بكلمتي: “على مسؤوليتي”!
المهم، بالطبع، هو رصد دورنوفو لانتشار الميول الاشتراكية العفوية وسط الشعب ولتفاهة نفوذ “المجتمع” الليبرالي المعارض، وتأكيد الرجل على أن الأزمة سوف تستتبع لا محالة نشوب ثورة اشتراكية.
لكن دورنوفو يرى في تقريره أنه في حالة انتصار روسيا في الحرب العالمية المحدقة قد يتسنّى تبديل المشهد. غير أن احتمال هذا الانتصار غير وارد.
يستطرد الرجل:
“في حالة الفشل، والذي لا يجب استبعاد إمكانية حدوثه في الصراع مع خصم كألمانيا، فإن الثورة الاجتماعية، في أكثر مظاهرها تطرفًا، إنما تعد حتمية عندنا. وكما سبق أن قلنا بالفعل، فهي سوف تبدأ بعزو جميع الإخفاقات إلى الحكومة. وسوف تبدأ في المؤسسات التشريعية حملةٌضاريةٌ ضدها (أي ضد الحكومة)، وهي حملةٌ سوف يترتب عليها نشوء انتفاضات ثورية في البلد. وسترفع هذه الانتفاضات شعارات اشتراكية، سيكون بوسعها إنهاض وتعبئة فئات عريضة من السكان. في البداية، سيدور الحديث عن إعادة توزيع الأرض، ثم عن الاقتسام العام لكل الثروات والممتلكات. أمّا الجيش المهزوم، والذي سيكون قد خسر عندئذ خلال الحرب (العالمية) قوامه من الكوادر الصلبة، وعَمّ كتلته الكبرى الطموحُ الفلّاحيُّ العام إلى الفوز بالأرض، فسوف يكون متفسخًا إلى أبعد حد، بحيث يتعذر عليه أن يكون ركيزةً للقانون والنظام. وأما المؤسسات التشريعية وأحزاب المثقفين المعارضة الفاقدة للهيبة الحقيقية في أعين الشعب، فلن يكون بوسعها السيطرة على الأمواج الشعبية الهادرة التي أطلقتها، وسوف تنحدر روسيا إلى فوضى محزنة، يتعذر الركونُ إلى تنبؤ بمخرَجها” .
واقع أننا بإزاء رسم للمسار الرئيسي للأحداث، وهو مسارٌ ينبثق من التاريخ الروسي وليس مفروضًا عليه من خارجه: لم يكن بإمكان الإمبراطورية الروسية الصمود في وجه أعباء حرب مع ألمانيا، ولم تكن القوى الاجتماعية والسياسية السائدة مستعدة لتقديم أي تنازلات للشعب في المسألتين الأهم: مسألة الأرض ومسألة السلام .
ما لم يتنبأ به دورنوفو، هو أن حزبًا ثوريًّا، هو الحزب البولشفي، سوف يتمكن في ظروف كهذه من توسيع صفوفه هو وكسب الهيمنة السياسية بين الجماهير بتنظيم نضالاتها تحت شعارات محددة، على رأسها: الأرض للفلاحين! السلام للشعوب! السلطة للسوفييتات !
لم يكن هناك أي مخرج آخر من محنة المسار الذي جرّ روسيا إلى مذبحة الحرب العالمية الأولى.
#بشير_السباعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من اليساريين الروس، إلى رفاقنا في الولايات المتحدة الأميركية
-
المعنى لا يكمن خارج لا نهائية الإنسان
-
سورياليون أم تروتسكيون؟
-
ماركس ودستويفسكي
-
من هو السيد أراجون؟
-
مَرايا كافافي
-
مختاراتٌ من أعمال كاتبٍ سورياليّ
-
كيف تنبأ تروتسكي ببلقنة أوروبا .بقلم .نيكولا بونال
-
أوباما، فرنسا والإمبريالية الأوريلية الجديدة
-
كيف تنبأ تروتسكي ببلقنة أوروبا
-
الفن وعصر الآلة
-
أثر مصر وفرنسا على حساسية إدمون جابيس الشعرية - ستيفن جيرون
-
فوق الأرصفة المنسية
-
آهِ يا لونَ بَشرةٍ من ياسمين!- قسطنطين كاڤافي
-
جويس منصور - كواسر
-
جويس منصور - تمزقات
-
جويس منصور - صرخات
-
الحركة السوريالية في مصر - بلاء السديم - جورج حنين
-
الأمم، العنف،الاتصال والرياضة
-
وجوه الاجتماع البشري: المجتمع، الهوية والجماعات
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
الإنسان يصنع مصيره: الثورة الروسية بعيون جرامشي
/ أنطونيو جرامشي
-
هل ما زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار -الاتحاد السُّوفْيَات
...
/ عبد الرحمان النوضة
-
بابلو ميراندا* : ثورة أكتوبر والحزب الثوري للبروليتاريا
/ مرتضى العبيدي
-
الحركة العمالية العالمية في ظل الذكرى المئوية لثورة أكتوبر
/ عبد السلام أديب
-
سلطان غالييف: الوجه الإسلامي للثورة الشيوعية
/ سفيان البالي
-
اشتراكية دون وفرة: سيناريو أناركي للثورة البلشفية
/ سامح سعيد عبود
-
أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الأول)
/ علاء سند بريك هنيدي
-
شروط الأزمة الثّوريّة في روسيا والتّصدّي للتّيّارات الانتهاز
...
/ ابراهيم العثماني
-
نساء روسيا ١٩١٧ في أعين المؤرّخين ال
...
/ وسام سعادة
-
النساء في الثورة الروسية عن العمل والحرية والحب
/ سنثيا كريشاتي
المزيد.....
|