|
|
أوباما، فرنسا والإمبريالية الأوريلية الجديدة
بشير السباعي
الحوار المتمدن-العدد: 4100 - 2013 / 5 / 22 - 17:28
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
نيكولا بونال
ترجمة: بشير السباعي
استيقظي استيقظي وتكلمي بنشيد، قم يا باراك وَاسْبِ سَبْيَكَ يا ابن أبيِينُوعَم. "قُضاة، 5 : 12"
لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا تفعل فرنسا في مالي بعد أن انقضَّت بهذه الجسارة على أفغانستان وليبيا وسوريا. يعتقد البعض أننا ننصاع لأجندة أميركية حيث إن باراك أوباما قد قرَّر عدم توسيخ يده في كثير من أماكن هذاالعالم الموحلة. وبحسب ويليام إنجدال، فإن فرنسا الآن هي مجرد مرتزق مأجور من الأميركيين. ويعتقد آخرون أننا، مرة أخرى، أداة بيد قطر: إن رئيسنا الذي كان فرنسيًّا يبدو الآن رعيةً قطريةً مُترَفَةً بأكثر مما يبدو مواطنًا فرنسيًّا. إلاَّ أن بالإمكان القول إن قطر ليست راضيةً عن أدائنا في مالي! وقد ذهب أبعدُ المعلقين نظرًا بالفعل إلى أن الإرهابيين الذين يُقاتِلون في مالي هم الإرهابيون الذين ساعدناهم في ليبيا أو نسلحهم وندربهم في سوريا. لذا، كما كان من شأن موليير أن يتساءل، مادورنا في هذه الاشتغالة؟
دعونا نطرح جانبًا الدوافع الحقيقية و الجدية التي من شأنها أن تتمثل في المال والمواد الخام وصدام الحضارات الذي يجمع شمل رجال الأعمال والأمراء والمهرجين – المفوَّضين السياسييِّن في كل هذا العالم الشجاع الجديد.
• في سوريا، من شأن البعض أن يحلموا بخط أنابيب جديد يبتعد عن أعداء أصبحوا الآن كلاسيكيين كروسيا، المورِّدِ المنطقي الذي يمدنا بالغاز، وإيران (التي لم يقصفها أوباما بعد، ولماذا؟). وفي ليبيا، حلم آخرون بشركات نفطٍ مُخَصخَصة. وفي مالي، بحسب الباحث كريستوفر بولين، مناجمُ الذهب المشتهاة التي هي ملكٌ لروتشايلد الذي لا سبيل إلى التهرب منه، والحكومة الفرنسية الخدوم عليها أن تدافع عنها باجتهادٍ ضد نهابين لا يَرحَمون. إلاَّ أن في مالي يورانيومَ أيضًا، وهذه المرة يؤكد المعلق الشهير تييري ميسان أن الحكومة الفرنسية وجنودها العالميين إنما يدافعون أساسًا عن مصالح آرييفا، العملاق النووي الفرنسي الآخذ في التداعي والانهيار. ويرى السيد ميسان أن مما يُسعد الحكومة الفرنسية أيضًا تدمير جمهورية الجزائر وربما تقويض المصالح الصينية في أفريقيا (هل حكومتنا على هذه الدرجة من القوة؟). يعتقد آخرون أن حكومتنا "الاشتراكية – الإمبريالية"، إذا استخدمنا مصطلحاتٍ لينينية، كانت بحاجةٍ إلى ترقيص الكلب، كما في فيلم هوليوودي جيد، إلى شن حرب إلهاءٍ كي تُحَوِّلَ أنظار الرأي العام عن المشاكل الداخلية المتزايدة وعن الآثار الجانبية للاحتجاجات المناهِضة لزواج المثليين.
لكنني أعتقد أن كل هؤلاء المعلقين الطيبين جَانَبَهم الصواب: فرنسا ليست بحاجة إلى أن تكون طائرة أوباما المقاتلة، فرنسا لا تخوض الحرب لأجل قطر، بل إن فرنسا لا تريد النفط ولا الغاز ولا اليورانيوم. فرنسا ليست حاذقة إلى هذا الحد لكي تقاتل من أجل ذلك. فرنسا، كبوش الإبن والمفتش كلوزو، تريد محاربة الإرهاب. في أفغانستان، في سوريا، في ليبيا، في مالي، نحارب الإرهاب! هذا هو ما يقوله وزير خارجيتها المهيب، وأنا أزعم أن علينا الإصغاء إليه متواضعين وأن نفهم دوافعه العميقة.
ما الإرهاب؟ إنه مجرد كلمة تُحدِثُ الرعب، ويمكن لهذه الكلمة المرعبة أن تتسبب منذ انتهاء الحرب الباردة في أي نوعٍ من الحروب، حتى لو كان أكثرها عبثيةً وبشاعة. لقد عاش الناس في وقت من الأوقات خائفين من الشيطان، وغوغاء ما بعد - المسيحية يحيون في الخوف من الإرهابيين الذين يلدهم الحاسوب، وهو خوفٌ قامت بتصديره الميديا. ونحن نحارب الإرهابيين في كل مكان ومهما كانت التكاليف. هذا كل ما في الأمر! ذات مرة قال الكاتب العظيم سيلين إن الجنس اللاتيني قد تم تخديره بالكلمات. إنه يعتقد أن العالم كلمة. وهذا القول المأثور هو القول المشروع أكثر من سواه من الأقوال المأثورة. الكلمة تصبح عالمًا. فكروا في استخدام كلمة كالتلوث أو الديموقراطية أو العنصرية...
الحرب الفرنسية التكرارية بشكل كوميدي هي بالطبع حرب يخوضها الأخيار ضد الأشرار.
لكن الوقت قد حان لتشغيل آلة الزمن في اتجاه الماضي. لأن هذه المصطلحات هي مصطلحاتٌ إمبراطوريةٌ بشكلٍ نموذجي وها قد عدنا إلى الأزمنة الإمبراطورية! إن نهاية التاريخ، إذا ما استخدمنا لغةً ماركسية، هي التكرار المسخرة لكثير من كوابيسنا المنسية. والأجندة الفرنسية الجديدة تعمل كالأجندة الأخيرة حين زعم سياسيونا السابقون، وكلهم يساريون بالطبع، والذين كانوا منخرطين في فتوحات القرن التاسع عشر أو مؤخرًا في عمليات التعذيب في الجزائر، إنهم كانوا يقاتلون في سبيل الديموقراطية والتنوير والتسامح ومحبة الإنسانية. ذات مرة صدر تصريح مفضوح عن جول فيري، الذي منح اسمه المهيب لكثير من شوارعنا العظيمة الحزينة والرمادية، قال فيه إن للأجناس الأرقى على الأجناس الأوطى واجب تمدينها. وهذا هو السبب في أننا مستمرون في قتل كل هؤلاء العرب أوالأفارقة: لخيرهم. ولكن طالعوا ما كتبه حول موضوع الإمبريالية البريئة هذا جون هوبسون، الشارح الإنجليزي الرائع للإمبريالية البريطانية في العصر الفيكتوري:
"تُوجَدُ لدى نسبةٍ ملحوظة وإن لم تكن كبيرة من أبناء الأمة البريطانية رغبة صادقة في نشر المسيحية بين الوثنيين، للحدِّ من الوحشية ومن والمكابدات الأخرى التي يعتقدون أنها موجودة في البلدان الأقل حظًّا من بلدهم، وللقيام بعمل طيب في العالم لصالح الإنسانية".
ذلك كان الدافع الرئيسي للإمبريالية في نظر هوبسون: ليس الاقتصاد وإنما الأخلاق!
تعتمد جميع الخطابات الإمبريالية على الكلام المعسول والكلام المزدوج والتشويهات اللغوية. إذا قَصَفتَ بغداد أو هيروشيما، فأنت إنسانيّ؛ إذا لم تُرِد محو طهران، فأنتَ خطرٌ على البشرية؛ إذا دَمَّرتَ ليبيا مستخدمًا عصاباتٍ فاشية، فأنت تعمل لصالح الديموقراطية وطليعة إمارات الحرية العالمية... وإذا قضت طائراتك التي من دون طيارين على عائلات في باكستان، فهي تُنَظِّفُ العالم، بل تُطَهِّرُه. بهذا الشكل نحفظ السلم في هذا العالم النيو – إنجيلي، الجدير بسِفرِ القضاة.
#بشير_السباعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف تنبأ تروتسكي ببلقنة أوروبا
-
الفن وعصر الآلة
-
أثر مصر وفرنسا على حساسية إدمون جابيس الشعرية - ستيفن جيرون
-
فوق الأرصفة المنسية
-
آهِ يا لونَ بَشرةٍ من ياسمين!- قسطنطين كاڤافي
-
جويس منصور - كواسر
-
جويس منصور - تمزقات
-
جويس منصور - صرخات
-
الحركة السوريالية في مصر - بلاء السديم - جورج حنين
-
الأمم، العنف،الاتصال والرياضة
-
وجوه الاجتماع البشري: المجتمع، الهوية والجماعات
-
أغنيةُ الغريب - أصواتٌ فرانكوفونية مصرية
-
الحركة الطلابية الثورية النظرية والممارسة - إرنست ماندل
-
الكومونة تحيا! - إرنست ماندل
-
النظرية الماركسية في الدولة - إرنست ماندل
-
الفاشية ما هي؟ كيف نهزمها؟ - ليون تروتسكي
-
الماركسية والدين
المزيد.....
-
بلاغ صحفـــــي لـــــفريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب صـ
...
-
Self-Determination, Not Goodwill, Will Decide the Global Sou
...
-
The False Stability of the “Right” in Italy
-
Missile Defense Fraud Goes Ballistic: Needless, Unworkable,
...
-
“من له مصلحة في استمرار الاحتقان بالمديرية الجهوية للاستشارة
...
-
الشيوعي العراقي: بعزم لا يلين نواصل نضالنا رغم كثافة التحديا
...
-
Polishing Genocide: Israel’s Desperate War to Erase History
...
-
سبع أطروحات حول انتفاضات جيل Z في الجنوب العالمي
-
في اليوم الثاني من الإحتجاجات عمال “مياه الشرب” يجبرون رئيس
...
-
الأمن يقتحم “الوراق”.. متضامنون مع أهالي الجزيرة
المزيد.....
-
الأسس المادية للحكم الذاتي بسوس جنوب المغرب
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو&
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة
/ رزكار عقراوي
-
كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|