أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رينا ميني - الإنتقال














المزيد.....

الإنتقال


رينا ميني

الحوار المتمدن-العدد: 5707 - 2017 / 11 / 23 - 00:30
المحور: الادب والفن
    


لست أدري من أي بدأ كل شيء. كلّ ما أذكره هو الظلام الدامس. حياتي كلها تحولت إلى ذلك البحر الأسود حيث كنت عالقة في وسطه،وحيدة، يائسة وميتة من الداخل. ما زلتُ أذكر دموعي التي كانت تملأ قاربي الصغير المحطم. ما زلتُ أذكر الغضب الذي كان يتملكني تجاه كل شيء،وخصوصاً تجاهك أنت. فبالنسبة لي كنتَ أنتَ سبب كل المآسي التي مررتُ بها، وكلّ ضحكة كنتُ أفتعلها وقتها، كانت لمجرّد السخرية.لسنين طويلة، كنتُ أصرخ في وجهك وأطردك خارج أسواري إلى أن فقدت رؤياك. ورغم ذلك كنتَ هناك بجانبي. لم يكن باستطاعتي رؤيتك أو سماعك. كلّ ما كنتُ أبصره هو الألم الذي كان يمزقني، وقلبي النازف بغزارة. وإذ رأيتُني أغرق، لم أخف، بل استسلمتُ وقبلتُ حقيقة أنّه في أي لحظة سوف يبتلعني هذا البحر ويخفيني في أعماقه القاسية والباردة.
وبالرغم من هذا، وفي لمحة من الزمن، لا أدري كيف، لمستَ روحي. فبدأتُ أسمع صوتك من جديد. قلت لي:"لا تنظري نحو الماضي، بل أنظري إليّ". وكنتُ ما زلت أرفض سماعك، لكنك أصرّيت قائلاً: "ليس عليكِ أن تغرقي، أنا هنا، أنظري إليّ وتنفّسي". وفعلتُ كما قلتَ، ولأول مرّة في حياتي شعرت بالطمأنينة. مشيتَ نحوي ومددتَ لي يدك وقلتَ لي: "ها أنا ذا، آن أوان أن تخرجي من هذا القارب". تعجبتُ كثيراً وقلتُ لك: "أتدرك ماذا تقول يا رجل؟ أنا في وسط البحر، وإن غادرتُ القارب فأنا هالكة لا محالة". فأجبتني: "وحدك ستغرقين، إنما بمساعدتي لن يحدث هذا. ثقي بي، لن أتركك أبداً". أمسكتُ بيدك وخرجت من القارب، وسرتُ بجانبك، وإذ بي أطفو على كل أحزاني وأوجاعي إلى أن وصلنا إلى الشاطئ. هناك طلبتَ منّي أن أسير في دربٍ وجدتُه أمامي، وكان ذلك الدرب الضيّق المرعب هو ماضيّ. للوهلة الأولى خفتُ ورفضتُ أن أواجه معاناتي مرّةً أخرى. فقلتَ لي أنّه لا بد لي أن أعبر هذه الرحلة، وأنك دائماً بجانبي، وأنك ستنتظرني ريثما أعود.
ومشيتُ في هذه الغابة المظلمة إلى أن وصلتُ لحائط مسدود، هناك حيث كنتُ عالقة طوال الوقت. ومع ذلك استطعتُ تخطّيه، وتذكرتُ كل ما فعلتُه، وكل ما مررتُ به، محللةً المتاعب وأسبابها. عندها أدركتُك. أدركتُ أنّك الحب والخير، وأنّي لستُ ابنتك الوحيدة، وبالتالي فإنك غير قادرٍ على التفرقة بين أبنائك لا في الخير، ولا بالشرّ الذي نفعله على الأخصّ. أدركتُ أننا جميعاً بشر وجميعنا نخطئ، وأنّه ليس هناك خطأٌ صغير وآخر كبير. فأي عملٍ صغيرٍ نقوم به يؤذي الإنسان - حتى ولو كان كذبة صغيرة قد تؤدي إلى نتيجة مؤلمة- تؤذيك. ,أدركتُ أنك تنظر إلينا جميعاً بنفس العين الحنونة، المُحبّة. وفهمت أننا كلّنا بحاجة إلى الخلاص، فليس فينا أحد بريء. فهمتُ وعدتُ نادمةً على كل الظلم الذي ألحقته بك، ووجدتُك تنتظرني وقد سامحتني كالعادة.
منذ ذلك اليوم، وأنا بداتُ اتغيّر نحو الأفضل.بدأتُ اقدّر كلّ لحظة فرحٍ وكلّ ضحكةٍ من القلب. بدأتُ أتأمّل الجمال وأميّزه، وعدتُ للغناء من جديد. وبالرغم من أن حياتي ما زال يتخللها الألم، لكنّي لم أعرف الغرق ثانيةً، لأنني أعي أنّك دائماً معي، تتلقّفني في كلّ مرّة كي لا أقع. ما زلتُ اغضب أحياناً، وأبكي من حينٍ لحين، ولكنّي ما عدتُ يائسة. معك تعلّمتُ أنّك تصنع ما هو خير لي حتّى من خلال عذاباتي.
لقد أعدتَ إليّ سلامي... المجد لك يا الله.



#رينا_ميني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو الحرّية
- الموت يقرع الأجراس
- آمنت
- غريبة
- موطني
- الدولة العليّة باقية
- رنين الهوى
- ثمرٌ وزؤان
- من عمق الروح
- وداعاً ..
- زمن الفجور
- إلى روح سميح القاسم
- مسيحيو(ن)
- غزّة تحت الحصار
- قدرٌ أعمى
- تعال
- حبيبتي
- في ذكرى المجازر الأرمنية
- أحلام الصبا
- اللاجئين..بين الحقوق والتمرّد


المزيد.....




- ذاكرة الألم والإبداع في أدب -أفريقيا المدهشة- بعين كتّابها
- “361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة ...
- -أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف ...
- بإسرائيل.. رفع صورة محمد بن سلمان والسيسي مع ترامب و8 قادة ع ...
- الخرّوبة سيرة المكان والهويّة في ررواية رشيد النجّاب
- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رينا ميني - الإنتقال