ابراهيم حجاج
الحوار المتمدن-العدد: 5701 - 2017 / 11 / 17 - 11:57
المحور:
الادب والفن
"تتكون كلمة مونودراما Monodrama وفقا للمصطلح اليونانى من شقين (مونو Mono) بمعنى واحد، و(دراما Drama) بمعنى الفعل" ، لتصبح دلالة الكلمة المركبة هى (الفعل الواحد). ولا يغنى هذا التعريف اللفظى عن التعريف الإجرائى؛ حيث جاء تعريف المونودراما فى معجم أكسفورد (Oxford) على أنها : "مقطوعة قصيرة فردية لممثل واحد أو لممثلة واحدة مستندة بشخوص صامتة "
أما "لويس كارتون Lewis Cartoon" فقد عرف المونودراما فى كتابه "قوة الشخص الواحد" على أنها "دراما الشخصية الواحدة"
ومن خلال التعريفين السابقين، وقع المصطلح فى إشكالية حول ماهية هذه الشخصية، ومن الذى يقوم بالفعل، هل هو الشخصية المسرحية الفاعلة التى تتأزم، أم الشخصية المؤدية للفعل (الممثل)، وانقسم النقاد والباحثون إلى فئتين: فمنهم من يعرف المونودراما على أنها "دراما الشخصية الواحدة"، ومنهم من يعرفها على أنها "دراما الممثل الواحد"، لكن الباحث يتفق مع التعريف الأخير؛ حيث لا يختلف أحد على أن المونودراما هى نوع من الدراما، والدراما فى عرف "أرسطو" Aristotle (384-322ق.م)، "محاكاة لأفعال، والشخصية المسرحية – فى حد ذاتها – عاجزة عن الفعل إلا من خلال الممثل"، هذا فضلًا عن أن المونودراما تتضمن شخصيات افتراضية عديدة، تقوم الشخصية الرئيسة باستدعائها من الماضى ومن هنا تخرج المونودراما من دائرة الشخصية الواحدة لتصبح دراما الممثل الواحد الذى يؤدى أدوارًا متعددة، وهو ما يؤكده "إبراهيم حمادة" ، حيث يعرف المونودراما على أنها "المسرحية المتكاملة فى ذاتها" التى تتطلب ممثلًا واحدًا – أو ممثلة – كى يؤديها كلها فوق الخشبة أمام المتفرجين".
ويرى الباحث أن التعريف السابق لم يحدد بشكل واضح ملامح هذا النوع الذى يمتلك خصائص، ومقومات متفردة، تميزه عن بقية الفنون الأخرى، ويتفق الباحث وتعريف الكاتبة السعودية "ملحة عبد الله" للمونودراما حيث عرفت هذا النوع من الدراما على أنه "محاكاة لفعل درامى محدد له طول معين لشخصية واحدة يقدمها ممثل واحد مستعرضًا أزمة الشخصية تجاه نفسها، أو تجاه الآخرين من خلال المناجاة والجاذبية والحوار مع شخصيات افتراضية، ومشفوعًا بألوان التزين الفنى."
ويرى الباحث أن تعريف الكاتبة "ملحة عبد الله"، قد تضمن إطارًا جامعًا مانعًا، لهذا النوع الفنى، واضعًا فى اعتباره نظرية "أرسطو" القديمة فى تعريف الدراما، ونظريات السرد الحديثة؛ حيث يتعرض لماهية المونودراما، ومضمونها ، وأهم مقوماتها الفنية والجمالية؛ فيؤكد على طابعها الفردى، ومضمونها النفسى المتأصل، فهى تعكس معاناة شخصية درامية وحيدة تعانى أزمة، واغترابا نفسيا أو اجتماعيا على أن تجسد تلك الأزمة من خلال صوت أحادى منفرد فى شكل مناجاة. أو حوار درامى مع شخصيات افتراضية تستحضرها الشخصية الرئيسة من خلال فعلى التخيل والاستدعاء.
كما يشير التعريف السابق، إلى ضرورة توظيف المقومات الفنية الجمالية - والتى هى موضوع البحث- باعتبارها محسنات للعمل الفنى، لإثراء قيمته وزيادة تأثيره، ويفرق الكاتب المونودرامى "أمين بكير" بين المونودراما والمونولوج فيقول "إن هناك خطأ شائعًا يقع فيه من يتعرضون لكتابة هذا الجنس الأدبى من المسرح فهم يتصورون أنه بالإمكان كتابة مونولوج أو كما أسماه المسرحيون القدماء حوار طويل جانبى هو فى الواقع جزء من عمل مسرحى، وإطلاق مسمى مونودراما أو حتى مشروع للمونودراما عليه، فالحق أن هذا الاجتزاء لا يشبع عرضًا مسرحيًا، ولا يمكن له أن يكون دراما مستقلة."، والصحيح أن المونولوج والمناجاة والجانبية هى تركيبة باتحادها تشكل بنية المونودراما على المستوى الحوارى.
وعلى الرغم من شيوع هذا النوع من الدراما، وإنفراده بمساحة من الاهتمام من قبل كتاب المسرح، فإنه يواجه إشكالية حقيقية، وهى إشكالية التلقى، حيث تعد المونودراما من أصعب الأجناس الأدبية على مستوى الكتابة، لأنها تعتمد على شخصية وحيدة، هى الحامل الرئيس لكل ما يدور من أحداث وأفعال، فى إطار السياق الدرامى للنص، فضلًا عن غياب الحوار التقليدى، الذى ظل وسيلة الكاتب المسرحى، فى تقديم الشخصيات ، وتطوير الأحداث، والاستعاضة عنه بالسرد، مما يؤدى إلى سقوط النص فى هاوية الملل والرتابة، وهو ما دفع الباحث إلى دراسة هذه الإشكالية، والبحث فى مدى قدرة كاتب المونودراما، على فضها من خلال بحثه عن أشكال وتقنيات جديدة تمكنه من ضبط الترهل الذى يمكن أن ينتج عن الحوار السردى الطويل، الذى يجعل من النص عبئًا ثقيلًا على المتلقى، الذى لا يجد ما يشده فيه فيرفضه، ويمكن فض هذه الاشكالية من خلال توظيف كاتب المونودراما لمجموعة من الآليات والتقنيات الفنية والجمالية التى ساهمت فى كسر أحادية الصوت وتدفق إيقاع الأحداث مثل:
- آلية الاسترجاع (الفلاش باك), واستشراف المستقبل, حيث لم تنتظم مكونات السرد زمنيًا, ولكنها تتحرك حركة ترددية بين الماضى والحاضر والمستقبل, دون قيود.
- آلية استدعاء شخصيات افتراضية صامتة من الماضى، التى تساهم فى تعميق الصوت الدرامى الأحادى للشخصية المونودرامية.
- النمط البنائى الترددى الذى لم يدفع السرد إلى مسار عشوائى رغم تداخل الأحداث والأزمنة بفضل الوحدة العضوية للنص ككل.
- توظيف الضمائر الثلاثة (المتكلم-المخاطب-الغائب) التى تعد من أهم الأسباب التى تؤدى إلى سرعة إيقاع الحدث, حيث الحركة السريعة من ضمير إلى ضمير, كما لاحظ الباحث أن ضمير المتكلم قد استولى على زمام الحكى عندما يريد الكاتب الكشف عن مكنون الشخصية الداخلى أما ضمير المخاطب فقد يزرعه الكاتب عند توظيفه لآلية الاستدعاء ليوجد نوعًا من الأبنية الحوارية تقاوم طبيعة النص السردية, كما يوظف الكاتب ضمير الغائب ليتيح للسارد منطقة علوية يطل منها على ماضيه بأحداثه وشخوصه.
- كما أن الصوت الخارجى من أهم الآليات التى يوظفها الكاتب والتى تساهم فى كسر أحادية الصوت المنفرد, وخلق نوع من التوتر الدرامى للشخصية والمتلقى على السواء.
- اعتماد الكاتب على آلية المزج بين لغة سمعية ذاتية انفعالية مشحونة بالتوتر والاضطراب النفسى, ولغة حركية بصرية لتجسيد هذا التوتر, مما ساهم فى حالة التجسيد التصويرى للموقف الدرامى.
- توظيف الكاتب الصمت باعتباره واسطة تتمظهر من خلالها الحالات النفسية للشخصية الدرامية, وتزيد من حالة الترقب لدى المتلقى.
- اعتماد النص فى أحد أجزائه على آلية التناص مع نصوص سابقة لمبدعين آخرين لتوطيد الفكرة وتأكيدها فى خيال المتلقى.
- توظيف الكاتب للأسئلة والمحسنات البديعية فى اللغة مما أعطى للنص ثقلًا بلاغيًا وتعبيريًا. كما ابتعدت لغة "مطرود" عن أسلوب الخطابة والنزعة الوعظية والتحريض المباشر.
- محاولة الكاتب لاستنبات التقنيات الملحمية عن طريق اللجوء إلى الخطاب المباشر الموجه للجمهور – فى بعض الأحيان – ليحقق انزياحًا وخروجًا عن المسرح التقليدى السائد, ويحقق تواصلًا حميميًا وايجابيًا مع المتفرج الذى يقف موقف الناقد, يرى ويفكر, فيرفض ويغير.
- تضمن السرد لبعض الفجوات, وتغييب جزء من الحدث ليمنح المتلقى الحق فى ملئه بإعمال خياله متوافقًا فى ذلك مع النظريات الحديثة فى التلقى, لكنه –أحيانًا وبعد فترة زمنية ليست بعيدة- كان يقدم سردًا آخر يملأ الفجوة فى السرد السابق, ليضمن ربط المتلقى بالسرد وحثه علي الاحتفاظ بذاكرة نابضة لتتبع خيوط الحكاية.
#ابراهيم_حجاج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟