أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي فؤاد - الطبيب














المزيد.....

الطبيب


سامي فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 5695 - 2017 / 11 / 11 - 20:54
المحور: الادب والفن
    


كانت هذه هي الليلة الثالثة لي في هذه القرية طبيب مقيم في وحدتها الصحية كان نقلي إلي هنا يُشبه عقوبة نفي لمكان نائي يبعد عن مدينتي مئات الكيلو مترات أما انا فقد اعتبرتها وقت للبعد عن حياة الصخب في المدينة وفرصة جيدة لمراجعة النفس وكما علمني استاذي أن مهنتنا في الأصل مهنة الشقاء والبحث عن من يحتاجنا ولو في أقسي الظروف ، ولسكون الليل هنا أصوات مهيبة وكأنها الشياطين تمرح بعد ان نام الناس ولا يقطعها إلا نباح الكلاب وطنين البعوض ولدغاته ، حتي النظر من خلف النافذة الزجاجية يُزيد الأمر مهابة فالأشجار العالية تبدو وكأنها حيوانات خرافية ورغم كل هذا الليلة أصبحت أحسن حالاً من الليالي السابقة وقررت أن أستعين بالمذياع والقراءة لقطع ساعات الليل الطويلة ، يقطع سكون الليل طرقات خفيفة علي حجرتي فقد خصصت حجرة لسكن الطبيب في الوحدة وتبينت انها حالة مرضية ورغم سعادتي أن جزء من الوقت سعود بفائدة خشيت وتمنيت أن يكون أسعاف الحالة في متناول يدي وبحسب الأدوات المتاحة هنا ، كان طفل صغير يعاني من أرتفاع درجة الحرارة أجريت له اللازم ووضعت عليه قطع قطن مبللة ولم أنسي أن اعلم أمه ان يكون هذا هو الإسعاف الأول في مثل تلك الحالة وان تحرص دائما علي استبدال ملابسة المبللة بملابس جافة كان يبدو عليهم رقة الحال وجهالة الام بمثل تلك الأ شياء أنهيت الكشف واعطيتهم ما تيسر من دواء متوافر وشرعت في تسجيل الحالة وعمل تذكرة علاج حيث أن الكشف الليلي ليس مجاني بل له مقابل زهيد جزء منه للطبيب وضحكت كثيراً عندما وضع الأب علي المنضدة أربعة بيضات في مقابل الكشف معتذراً أنه لم يسعفه الوقت لإحضار النقود وفهمت انه لا يملك نقود فأبتسمت له مطمئناً وطلبت منه أن يأخذ معه ثمن الكشف الذي تركه علي وعد أن يهتموا بنظافة وعلاج الطفل خرجوا ولم ينقطع صوت دعواتهم إلا تدريجياً بإبتعادهم ومرت ليلة وليالي ويوم وأيام وأعتدت علي القرية بل وعلي شياطين ليلها ، ولكن إن كان لكل شيء في حياتنا وجه آخر وإن كان الليل هو الوجه الآخر للنهار والظلام هو الوجه الأخر للنور فالشر هو الوجه الآخر للخير وكنت قد رأيت أكثر من وجه لهذا القرية بجانب وجهها الطيب فقد رأيت الجهل والسذاجة والخرافة وسلوك القبلية تسيطر علي معظم العقول لكن لم أري الوجه الشرير إلا في هذه الليلة عندما هتك سكون الليل صوت إطلاق نار تبعها صوت ضجيج وصرخات وبعد وقت بقليل لم أدركه جيداً اقترب الضجيج اكثر وأكثر حتي وجدته طرقات علي باب حجرتي كان علي ان استعد لإستقبال السيد ضابط المركز ووكيل النائب العام واستضافة جثة القتيل ايضاً ،والطبيب الذي درس وشرح لن يخشي جسد لمجرد أن به رصاصة أو طعنه أو شيء أكثر من هذا لكن ما هالني لماذا يحدث قتل في هذه القرية ، أجابني علي هذا السؤال الضابط الشاب عندما سردت عليه كل مالاحظته علي القرية من طيبة وبراءة استوقفني قائلاً ولكنهم بشر منهم من يحمل الخير والشر معاً أو غلب احدهم علي الآخر والقرية بشر وبيوت وأبواب مغلقة تُغلق أبوابها علي أسرار تُفتح علي صوت رصاصة أو سقوط قتيل وما كان يُقال همساً وشكاً يقال علناً ويقيناً ولأول مرة أخشي القرية وأخشي نهارها بل ولا أصدق برائتها ،ومرت الأيام متشابهة في القرية وأقتربت أكثر وأكثر من سكانها وعرفت أنهم عندما يأمنوا للغريب يتحدثوا وعندما يتحدثوا يبوحوا بأسرارهم ليس بأسرارهم هم بل أصرار غيرهم ومن غيرهم تعرف أسرارهم ، حتي كان نهار غير كل نهار في حرارته وكآبته كانت الحالة فتاة أكلت حبة ثمار بعدما رش والدها الأرض والفتاة تتلوي من الألم وبسرعة هرعت لإنقاذ الفتاة ظناً أنها طفله لا تدرك حتي تفعل ذلك وهالني أنها فتاه في ربيعها السابع عشر وأحزنني أنني وصلت متأخراً وقد أكون أستدعيت متأخراً كان للفتاه أشقاء صغار يبكون وكانت الأم تجلس شاردة حزينه لكن لم أري في عينها دمعة واحدة ،نظرات الأب قاسية تحمل معاني كثيرة لم أحتمل تفسيرها سألني المُحيطين عن إن كنت سأصرح لهم بدفنها وأكدت لهم أنه لن يحدث إلا بعد إستدعاء الشرطة والنيابة وهنا صرخت الأم وكادت تقبلي قدمي وهي تردد " غلابة ومساكين يابية والنبي ما تخليه موت وخراب ديار يابيه " لم أحتمل صرخاتها وحاولت التراجع خطوات وجدتها منحنية متشبثة بقدمي حتي زوجها قاسي الملامح رأيت في عينيه إنكسار ومذله وحزن لم أراه من قبل ولم أفسره إلا بعدها بوقت ليس قليل كل هذا لم يقضي علي شكوك تثاورني بل كلما أقتربت من وجه الفتاة أقتربت لليقين حضر الضابط ونقلت إلية شكوكي وأندهشت فصديقي الذي ظننته أقرب للقسوة مني يمسكني من يدي قائلاً هذه لحظة للرحمه وليست للعدالة وإن كانت كل العدالة. أعلم أنه قد يكون دُس لها السم ومن دسه أبوها وأمها لكن أنظر لهؤلاء الصغار حكمنا بحسب الحقيقة سيقضي عليهم وعلي حياتهم وأقسي ما في القرية أنها لاتنسي مثل تلك الحكايات وعار تتوارثه أجيال ، قاطعته ولكن هل يبقي القاتل بلا عقاب قال لي ومن قال انها عقوبه قاسية لم ينص عليها اي قانون ولا يصدرها قاضي أنها عقوبة ضمير أهلها الذي كانوا قضاة وجلادين وكان حكمهم القاسي ليست علي الفتاة فالموت عقوبة وقتيه لها وعقوبه ألم ووجع لهم باقي العمر حكمهم كان من أجل المجتمع ومن أجل حق هؤلاء الأطفال في الحياة ، وكنت سأنفذ معك العدالة لو كان المجتمع عادلاً يحاكم فقط من أخطأ وليس ذويه حتي أحفادهم كدت أقول له ولكن لو كان هذا من أجل الشرف فهناك شريك للفتاة لماذا يظل طليقاً ولماذا لا يقتل ولكني سرعان ما تذكرت احتفالهم وتهليلهم لقطع قماش ملوثة بالدماء تصاحبها أغاني الفخربالشرف .



#سامي_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزيزي المجاهد لك جنتك ....
- البِشعة والجلسات العرفية
- الواعظ
- يناير في عيونهم
- الشرق والغرب
- نفسك معانا
- الغنوة الأخيرة
- يا وابور قولي رايح علي فين
- هل الضمير هو العقل ؟
- قبل القتال
- همسات قصص قصيرة
- علامات علي الطريق
- شر البلية ما يضحك
- الأشقاء والشقاء
- النسيج الوطني الواحد : هل مزقه البلطجي حمام الكموني أم غيره ...


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي فؤاد - الطبيب