أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - الفن ليس جميلا لأن الحياة حقيرة















المزيد.....

الفن ليس جميلا لأن الحياة حقيرة


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 5693 - 2017 / 11 / 9 - 11:53
المحور: الادب والفن
    



انها واحدة من أهم الروايات التي كتبت في القرن العشرين، "السقوط الحر" للكاتب الإنكليزي الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1983 "وليم غولدينغ" وبترجمة من "محمد درويش" المترجم العراقي النشط الذي قدّم لنا من قبل كتاب كولون ولسون المهم "فن الرواية" عام 1986 وأتبعه برواية لنفس الكاتب تحت عنوان "طفيليات العقل" 1989 ثمّ رواية الكاتب الإنكليزي الكبير "كنجزلي ايمس" بعنوان "جيم المحظوظ" والتي صدرت طبعتها العربية ببغداد عام 1990 ورواية "امرأة الضابط الفرنسي" لــ "جون فاولز" عام 1994 وغيرها من الأعمال المميزة في عالم الثقافة الإنكليزية. وقد قدّم السيد محمد درويش للرواية بمقدمة مختصرة ولكنها مهمة من أجل أن تكون مدخلا للقراءة تعين القارئ غير المختصّ على خوض غمار الرواية، وعلى هذه المقدمة اعتمدنا في تقديم بعض المعلومات عن وليم غولدينغ وروايته المهمة السقوط الحر.
إنّ الإختلافات في اتجاهات الكتابة الروائية -معتمدين على تعريف الرواية بوصفها وسيلة للتعامل مع الحقيقة- تنشأ أصلا عن اختلاف أساسي في وجهة النظر الخاصة بطبيعة الحقيقة. وتبدو الرواية في نهاية المطاف بيانا صادقا لانطباع فردي مصحّح بالرجوع إلى الحقيقة، والحقيقة المعنية هنا هي الحقيقة الطبيعية. ومن هذا المنطلق يكون الصدق صفة أسمى من الجمال وتصبح مسألة العدل وإشاعة العدل مطلب الفنان وغايته. إنّ مجرد الجمال في الفن يبدو تافها والنجاح على حساب سعادات الآخرين أنانية مريعة. هذه هي واحدة من المشكلات التي تعامل معها "غولدينغ" بنجاح وإن كان مصحوبا ببعض الأسى وذلك عائد في النهاية إلى صلب مشكلة تتعلق بالشعر فقد أوضح "غولدينغ" في مقالة نشرها في وقت مبكر من حياته أنّ إحدى المآسي التي تعين عليه أن يتحمّلها في حياته هي عجزه عن كتابة الشعر فأنتج بدلا من ذلك عددا من الروايات التي تنحى في ثيمتها الرئيسية باتجاه الرؤية الشعرية للعالم مستعملا الرمز في التعبير عن أبطاله وسقوطهم فروايته الأولى "إله الذباب" على سبيل المثال لا تقدم لنا قصّة مجموعة من الطلبة ألقت بهم الأقدار في جزيرة معزولة وحسب، بل ترسم خطوطا متقاطعة مثيرة للشجن لمجمل تاريخ الإنسان مسلطة الضوء على التطور الإجتماعي بوصفه نتاج السقوط بدءا من تناول الفاكهة المحرمة وانتهاءا بأعمال القتل الجماعي وتشبه هذه الرواية رواية أخرى لـ"غولدينغ" وهي "الورثة" وهو كتاب أسطوري يمكن تفسيره في ضوء المفاهيم الدينية. يبدو إنّ لهذه الملاحظة علاقة بمشكلة فلسفية بارزة تظهر للعيان بمجرد محاولتنا تقديم تعريفات ناجزة لألفاظ مثل "الصدق – الحقيقة-الجمال- العدل- السعادة". فالصدق يتمثل في حقائق الكون الطبيعي كما يتخيله العلم ومن واجب الفنان أن يبرز هذه الحقائق أو هذا الصدق وبما أنّ الحياة ليست جميلة بل منحطة وحقيرة كما أظهر ذلك "داروين" وغيره فالفن ليس جميلا. إنّ الجمال فيما يتعلّق بالأدب يتمثّل بخصائص الأسلوب والتركيب الشكلي من حيث السهولة والمحسنات الزخرفية أمّا فيما يتعلّق بالحياة فالجمال يتعلّق في عالم من السلوك المهذّب. إنّ الأسلوب والسلوك قد يحجبان الواقع المؤلم لما نعتبره هو الحقيقة. لذلك فإنّ العدالة تقوم بكشف الوجه الجامد وعلى الأغلب البشع للعالم الطبيعي ومن الطبيعي أيضا أن يكون عدم التعاطف مع مثل هذا الهدف صعبا وخصوصا في السنوات الأخيرة حيث ساد النتاج السطحي لكثير من الكتابات في انكلترا وأمريكا.
إنّ منهجا مثل هذا لم ينجح حتى في اجتذاب كتاب أعظم موهبة وفراسة من "وليم غولدينغ" فقبل مائة عام أو أكثر من الآن أي حوالي 1892 م كتب "ستيفن غرين" يقول: "لقد رفضت مدرسة التحذلق في الأدب وبدا لي أنّ هناك شيئا في الحياة يفوق جلوس الإنسان وإجهاد دماغه بالتفتيش عن الكلمات البارعة وهكذا تورطت في الحرب الجميلة بين أولئك الذين يقولون بأن الفنّ بديل الطبيعة للإنسان وبأنّنا سنكون على أقصى ما يمكن من الطبيعة والصدق..".
إنّ ما يميز "غولدينغ" ليس هو مجرد الأسلوب الذي اختلف به عن غيره من كتاب عصره بل أيضا هو الوسائل التي أفاد بها من تقاليد الخط الأدبي الطويل مطبقا دروس الماضي على شكل أولاني لم يكد حتى الآن يكتسب تعريفا محدّدا. لقد اكتسب من الماضي المفهوم القائل بأنّ الإنسان شخصية بطولية مأساوية وبهذا استبدل تفاؤلية القرن التاسع عشر بالشك والسخرية سخرية مريرة تلك التي يعتمدها "غولدينغ" في معظم رواياته خاصة " إله الذباب" و"الورثة" وقد أعاد ترسيخ الرأي القائل بأنّ الفن ليس مجرد تابع للأخلاق والتقدم الاجتماعي فإذا ما اختلف في هذه الوجهة عن الروائيين المعاصرين له فانه يكون قد تعلم الكثير منهم وقد صب ما تعلمه منهم ومن الكتاب الذين سبقوه حياة وقوة جديدتين في المفاهيم القديمة فهو قد تعلم أولا الأمانة والوضوح في معالجة الموضوعة الرئيسة له وثانيا قد أدرك أهمية التغيير الإجتماعي كعامل مهم في تجارب هذا العصر..
وعلى العموم فإن هاتين النقطتين: الثيمة والتغير، تصبان في بؤرة واحدة تشكل المنظور الرئيس لأعمال "غولدينغ" منذ روايته الأولى "إله الذباب" ألا وهي "الرؤية الدينية للعالم"، عالم الحقيقة، وإذا ما أخذنا برأي الناقد "فرنك كيرمود" فإن المضمون الديني في أعمال "غولدينغ" يتفاوت في درجة وضوحه من رواية إلى أخرى ولكنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخفى على القارئ في روايته الرابعة والتي هي موضوع استعراضنا هذا، السقوط الحر، فعنوان هذه الرواية كما هو واضح مستمد من قصة سقوط الإنسان الواردة في الكتاب المقدس.. فهذه الرواية تناقش مسألة لاهوتية بحتة، فعندما يدرك الإنسان حقيقته يلح عليه السؤال التالي: متى يسقط الإنسان وما هي الحدود التي إذا تجاوزها يصبح من الهالكين وتزول عنه نعمة الله؟
ويشير الناقد "بيتر كامب" في مقالة له منشورة في كتاب "الرواية في القرن العشرين" إلى أنّ روايات "غولدينغ" عموما ذات مغزى واحد وهو أنّ الإنسان ينتج الشر مثلما تنتج النحلة العسل، وإن هذه الروايات تعالج مشكلة مأزق الفرد بوصفه إنسانا وأنّ الهدف الأساس من وراء هذه الروايات هو جعل الإنسان يواجه حقيقة محزنة تتمثل في قسوته وشهواته إضافة إلى ذلك فإن هذه الروايات تعلن عن إيمان راسخ بأن الإنسان أسير خطيئته الأصلية وأنّ طبيعته آثمة وإن وضعه محفوف بالمخاطر.
أما في روايته هذه "السقوط الحر" فإن "غولدينغ" يثير سؤالين أساسيين هما: "متى فقدت حريتي؟" و "كيف فقدت حريتي؟" فسعى من خلال الإجابة عليهما أن يرسخ مفهومه عن أن الإنسان يسقط في الخطيئة وهو حر الإرادة. فيستعرض بطله الفنان الأسير في أحد المعتقلات النازية حياته قبل الأسر وبعده (بضمير المتكلم) في محاولة لاكتشاف حقيقة انه لم يعد يملك القدرة على الإختيار واتخاذ القرار. وكل ذلك بأسلوب شيق يؤكد مكنة هذا الروائي وطريقته في الترميز والواقعية في آن واحد للتعبير عن فكاره الفلسفية والدينية والاجتماعية.



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل الذي يظهر بعد العاشرة
- امبراطور الآيسكريم
- خيال الذات وتحولات الهاجس في قصص الهمبول: حوار مع الروائي عم ...
- الثلج يشتعل كإرادة وفكرة
- الروائي سامي حجازي: هنالك رغبة حقيقة لدى العرب لقراءة الأدب ...
- دارفور والسودان القرن الثامن عشر في رواية متفردة: أمير تاج ا ...
- الروائي العراقي صلاح صلاح: العهر هو ديمومة العالم، والبكاء ه ...
- سَردٌ قادمٌ من السودان، و“شاورما“ تركية بنكهة إفريقية..
- تَذْكَارُ جليلة
- الروائي العراقي حسين رحيم: في أدبنا العربي، الروايات كثيرة و ...
- ماذا لو كان الإعلام محرضاً على العنف والنزاع؟
- الاستبداد الرمزي ومولد سوسيولوغ عراقي جديد
- كاتب عربي يطلب الدفن في تل أبيب
- ظاهرةُ فوزي كريم: تشكيلٌ جانبيٌّ لشاعرٍ
- السياب لَحْظَتنا
- قبل أن تغادر بطبعتين ورقية ورقمية جديد الشاعرة هيام كامل عرا ...
- الروائية السورية لينا هويان الحسن: أكتب لأمدح الصحراء ولأهشم ...
- مواطنو الربيع العربي بين التنكيل والتمثيل
- معنى السجال الثقافي
- لنَكْتُبَ الشِّعْرَ نثراً وَلَوْ بٍحُرِّيَّة..


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - الفن ليس جميلا لأن الحياة حقيرة