|
الاخلال بالتوازن
فاضل عمر
الحوار المتمدن-العدد: 5687 - 2017 / 11 / 3 - 15:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة لابد منها كما هو معلوم، ان التوازن في كل شىء هو اساس الاستقرار، ابتدءا من ذرة الهايدروجين الى المجموعة الشمسية و الى الكون. واي اخلال في التوازن لابد ان يؤدي الى حالة من الفوضى، التي لابد ان تؤدي الى حالة اخرى من الاستقرار والا لبقيت الفوضى هي السائدة، و الفوضى هي عملية لاحياتية في اقل تقدير. كما نعلم، ان ابسط تعريف للفوضى هو؛ عدم الانتظام و التشوّش الكامل. اذن، لابد ان تكون الفوضى حالة مؤقتة و وسطية والا لتم تدمير كل شىء نهائيا وفقدنا التكهن بالمستقبل و صورة الحياة. اذن، التوازن- مقابل الاخلال بالتوازن و صناعة الفوضى- يساوي و يوازي كل الانظمة و الانماط الموجودة و المتعارف عليها، اي الحياة بشقيها الطبيعي و المجتمعي. هذه لا تشبه الثابت و المتحول (الكائن و الحياة؛ الماء و دورتها؛...)، و لا تشبه الديالكتيك الماركسي وانما هي تدخل متعمد فيهما لخلق الحالة الذرية و من ثم اعادة التجربة او الخلق و بصورة اخرى، سواءاً أكانت مخالفة او مشابهة للصورة الاولى. ربما اكبر مقاربة لما اقول هي التجربة العلمية المسيطرة عليها من الخارج، اي التجربة الخطرة في بيئة محدودة و محمية. الدولة القوية تؤدي دور العالم في المختبر، في بيئة مسيطرة عليها، تقوم باجراء تجاربها، و مهما كانت النتيجة، هي الفائزة لانها؛ اما توصلت الى نتيجة ايجابية او الغت نتيجة خاطئة. لكي لا ابتعد عن الموضوع اود ان اقول ان كل الدول و الامم و حتى الشركات الكبرى و الشخصیات العالمیة، معرضة للتجربة من قبل القوى العظمى و بالتالی الاستفادة من النتائج المحتملة. التوازن في كل العلاقات هو سبب و مسبب الاسقرار الاول و الاخير في كل الانظمة الموجودة، فعلى سبيل المثال لولا التوازن بين مكونات جسم الانسان و العمل بين اعضاءه، لايمكن ان يعيش الانسان و سيتحلل الى مكوناته الطبيعية. و اية اخلال في التوازن يؤدي الى المرض في مراحله البدائية، فيضطر الانسان الى اللجؤ الى الطبيب (وفي حالة الدول، تلجأ الدول التي عرّضت لعدم التوازن-المرض- الى الدول العظمى للعلاج و اعادة الاستقرار). هنا، وفي هذه المرحلة، الاخلال باية توازن بين طرفين من قبل طرف ثالث هو اِمراض الطرفين و اجبارهما طلب العلاج من مسبب المرض نفسه عادة، وذلك لاعادة التوازن الى الميزان المختل من قبله ولكن بصورة غير مباشرة. طبعا اعادة التوازن يحتاج الى حَكَم و الى آليات العلاج، و هنا ياتي دور حكاية من التراث الغربي حسب ما اتصور، لفهم الصورة على حقيقتها. حكاية القطتان و القرد الذكي هنالك قصة توجيهية للاطفال في اللغات الاوربية و مترجمة الى اكثرية اللغات، مفادها انه في سالف الازمان كانت هنالك قطتان تعيشان في بيت احد الفلاحين. وفي احدى الايام، رمى الفلاح قطعة جبنة للقطتان، هرعت القطتان الى الجبنة و قررتا ان تتقاسماها فيما بينهما. لكن عند التقسيم، كانت احدى القطع اكبر من الثانية... فتجادلتا و تناوشتا فيما بينهما للحصول على القطعة الكبرى. عندها ظهر قرد ذكي و سأل عن سبب جدالهما. وعندما علم السبب، قدم خدماته للمصالحة بينهما. طبعاً رضيت القطتان بالمقترح و قدمتا القطعتين للقرد الذكي لكي يقسمهما بالعدل اي بالتساوي. حضر القرد ميزانا و وضع القطعتين في الميزان، فعلاً، كانت احدى القطعة الكبرى اثقل، فاخذ القطعة الكبيرة و قضم وصلة منها وبلعها و اعاد القطعة للميزان، فاختل الميزان مرة اخرى نحو الطرف الاخر، هنا اعاد القضم على القطعة الاخرى... وهكذا دواليك الى ان بقيت قطعة صغيرة واحدة... فاخذها القرد و قال للقطتين: آسف وهذه القطعة الصغيرة، هي اجرة خدمتي للفصل بينكما. وبلع اخر ما تبقى من قطعتي الجبن. نظر القطتان الى بعضهما و ادركا غلطتهما ولكن، بعد فوات الاوان. ادرجت هذه الحكاية في مقالتي ليس بدافع التهكم او الاساءة ولا حتى للتشبيه، ولكن لتكون مدخلا الى فهم ادق لما يحدث في الشرق الاوسط و مناطق اخرى من العالم، وهو اعادة لسيناريو نفس القصة ولكن على مستوى الدول، ومن قبل ساسة و جنرالات القوى الكبرى و خبراءها. طبعاً يطبقونها على امثالنا، الذين لم يقرأ لهم اباءهم و لا امهاتهم هذه القصة و غيرها، قبل النوم، وان كانوا قد قرأوها، قراوها كقصة و لم يشرحوا المغزى و الحكمة. ساورد بعض الامثلة الصارخة على التطبيقات العملية لهذه السياسة: • الحرب العراقية الايرانية: منذ تاسيس دولة العراق على هذه الجغرافية، كانت ايران اقوى منها، وكانت لهم علاقات متميزة مع اكثر من 75% من العراقين؛ الشيعة العرب بسبب المذهب و الكورد بسبب التاريخ و الثقافة المشتركة، لكن لم نسمع او نقرأ ان ايران حاولت احتلال العراق او التدخل في شؤونها الداخلية، ما عدا دعمها للحقوق القومية الكوردية لفترة من الزمن. وهي و في كل الاحوال لم تكن على حساب الارض العربية في العراق. في الجانب العراقي تم تأميم النفط و تم تسليح الجيش العراقي باحدث الاسلحة السوفياتية و اصبحت قوة خطرة على الدول النفطية و خاصة بايديولوجيتها القومية (امة عربية واحدة) وكان لابد من ايجاد منافس لهذه القوة او هذا الاخلال بميزان القوى او تفريغها... فعند اندلاع الثورة الايرانية و حل الجيش الايراني، حدث الاختلال في توازن القوة شرقا بين العراق و ايران فتم توجيه القوة نحو الشرق بدل الجنوب و الغرب؛ هدفي حاملي فكرة (امة عربية واحدة). هذا التوجه الجديد ادّت الى حرب دموية و مدمرة لمدة ثمان سنوات. السؤال هو؛ من اخلّ بالتوازن؟ و من وجه اتجاه الحرب من الغرب و الجنوب الى الشرق؟ و من اشعل فتيل الحرب؟ واخيراً من استفاد من هذا الحرب؟ • بعد الحرب العراقية الايرانية، اصبحت ايران قوة عسكرية كبيرة ذات ايديولوجيا مذهبية و خطرة على الخليج و دول اخرى. هنا تدخل الغرب (طبعا بعد توريط العراق في حرب الكويت و طردها و حصارها) و فرض عقوبات عسكرية و اقتصادية ضد ايران... هذه العقوبات ادت الى تقوية ايران وذلك باعتمادها على نفسها و خلق حالة من عدم التوازن مع السعودية و دول الخليج. ايران تدخلت في لبنان و سوريا و اليمن و العراق الجديد، واصبحت تهيمن على المنافذ البرية و البحرية في الشرق الاوسط او على وشك الهيمنة... هنا على الدول الباقية، ان تتسارع الى اسواق الاسلحة او الجيوش الجاهزة للاستئجار باسم القواعد العسكرية. و هذا ما يحدث؛ شراء مزيد من الاسلحة و الاستعانة بالخبراء و القواعد الاجنبية. • توحيد اليمنين و ظهور تيار شيعي تحاول استلام السلطة و بدعم ايراني: الوضع اليمني الجديد الى تخويف السعودية من استلام الشيعة الزيدية السلطة اليمنية و وصول الهيمنة الايرانية الى جنوبها و الى مضيق باب المندب. حتما ادت الى تبني السعودية مشروع اعادة الحكومة الشرعية ولو بالقوة... وهذه ادت الى مزيد من الاسلحة و حرب يمنية-يمنية و يمنية- سعودية و حلفائها. • دولة العراق و حكامها: منذ تأسيس المملكة العراقية (1921) و بعدها الجمهورية (1958-2003) تسلطت اقلية سنية عروبوية على الاكثرية الشيعية و الكوردية في العراق. مما ادى الى ثورات و حروب دائمة و نزيف بشري و اقتصادي دائم داخليا و تنازلات دائمة للخارج، للابقاء على الوضع الموجود وادامته. وعند ظهور حل معقول و مقبول عام 2003-2005، لم يدم الحل ان لم اقل لم يتم تطبيقها و في النهاية تم استبدال هيمنة الاقلية السنية الى هيمنة الاكثرية الشيعية! مما ادت الى حربين مدمرتين مع العرب السنة و حاليا الحرب الثالثة قائمة مع الكورد... ولا اتصور بان الحروب ستنتهي الى ان ينتهي العقلية السائدة. • دولة سوريا: في اكثر فترات تاريخ سوريا الحديثة، كان نفس الوضع العراقي سائدا ولكن بالعكس، اي تسلّط اقلية شيعية-عروبوية على اكثرية عربية سنية و كوردية و سريانية في سوريا. هذه التجربة في ادارة دولة متعددة الاعراق و الاديان و المذاهب، ادت الى عدم توازن قابل للانفجار في اية لحظة... وهي منفجرة حاليا، ونظرا لتدخل عدة دول في شؤونها و حلولها و لتشابك المصالح فيها، لابد ان يعيد التاريخ نفسه في المستقبل. هذه بعض النماذج المرئية لعملية الاخلال بالتوازن و اعادة قصة القطتان و القرد الذكي؛ خلق عدم التوازن، مما يؤدي الى خلق مناطق توتر عالية او حروب محلية، عندها يأتي دور القرد الذكي الذي يسارع الى وضع الميزان و محاولة احقاق الحق و ازهاق الباطل، ولكن سرعان ما يتحول الحق الى باطل و الباطل الى حق و هكذا ستتكرر السيناريوهات الجبنوية (من كلمة جبنة) الى ان تنضب آبار النفط او ان نتعلم ان نحتكم الى العقل و المنطق و علاقات الاخوة بدلا عن الاحتكام الى القرود الذكية. خاتمة شخصية طبعاً، مع التعارف على فكرة او نظرية الاخلال و علاجها، اردت ان اوجه رسالة الى الكل عامة و الى السيد رئيس وزراء العراق خاصة، ان كانت له السلطة الفعلية في العراق: لقد اعطاك الاقليم قطعتي الجبنة، فقسمهما بانصاف و لاتحاول ان تستمع الى القرود الذكية التي تحوم حولكم، لكي لا تعطي كل الجبن للحكام و ما اكثرهم، هذا اذا لم تكن قد اعطيتهم خلال زياراتك المكوكية في الايام الماضية.
#فاضل_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نی-;---;--نوى ما بعد داعش.. ملاحظات
-
رأی-;- فی-;- مصی-;-ر العراق
-
داعش؛ من صراع الحضارات الى حرب الحضارات
المزيد.....
-
ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع
...
-
هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
-
كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
-
مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق
...
-
بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا
...
-
الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
-
-وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم
...
-
بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا
...
-
عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر
...
-
خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|