أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزالدين الماصرة - الفلسطينيون القدامى















المزيد.....



الفلسطينيون القدامى


عزالدين الماصرة

الحوار المتمدن-العدد: 5682 - 2017 / 10 / 28 - 14:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    




مقدّمة:
لم تكن القبائل الكنعانيّة الأموريّة في فلسطين وحدها، بل كانت منتشرةً في بلاد الشام كلها، وبالتّالي، فهي على الرغم من نظام (دول المدن) منذ (3200 ق.م)، فقد وحَّدتْ بلاد الشام، لغويًا، وثقافيًا، وحضاريًا، ضمن مفهوم (الكَنْعَنَة الثّقافيّة)، وربّما (العرقية). وكانت دول المدن الكنعانية، تشكّل أحلافًا مؤقتة أحيانًا، ودائمة أحيانًا أخرى. وأعتقد أيضًا، أنَّ الأسماء المتنوعة لقبائل فلسطين، وشرق الأردن، مثل: (الأموريين، والهكسوس، واليبوسيين، والمؤابيين، والأدوميين، والعمونيين)، ما هي إلاّ قبائل كنعانيّة. أمّا، ( الفلسطيُّون)، فهم قبائل تفرَّعت من القبائل الكنعانيَّة أيضًا، وهم أصليّون في فلسطين، مثلهم مثل القبائل الكنعانيّة الأخرى، كذلك، فإنِّ القبائل الآراميّة، لاحقًا، هي كنعانيّة أيضًا، كذلك: العرب (أهل البداوة)، والأنباط. ومعنى ذلك، أنَّ (الكَنْعَنَه الثّقافيَّة)، هي الأصل، مع الإعتراف بالتعدديَّة، والتَّنوُّع، ولا تناقض في ذلك. أما المكان الأصلي لهذه القبائل الكنعانيَّة، فهو بلاد الشام من شمالها إلى جنوبها، ومن ساحلها إلى باديتها، ولم يجيئوا من مكان آخر. وهذا لا ينفي (الاستقبال، والاندماج، والإرسال)، لقبائل أخرى من أمكنة أخرى، ذابت في القبائل الكنعانيّة واندمجت، وأصبحت الثقافة الكنعانيّة، ثقافةً لها. أمّا افتراض (نظرية الهجرات)، بأنَّ فلسطين، كانت فارغة من السكَّان، فهو أمرٌ لا يمكن الاقتناع به، خصوصًا أنَّ فلسطين، هي (مهد الإنسان الأوّل)، كما يُجمع على ذلك، معظم العلماء. وبتقديري أنَّ الكنعانيين، هم من بنو أريحا، واخترعوا الزِّراعة، منذ عصور ما قبل التاريخ في فلسطين. ولم تتوقف (الكَنْعَنَة الثقافيَّة)، عند ميلاد (المسيح الفلسطيني) أيضًا، بل ظلَّت متواصلة في القرون، التي تلت الميلاد. أمَّا التقسيمات الإداريَّة، التي وُصَفتْ بأنّها (مناطق كنعانيَّة)، فقد تغيَّرت من زمن إلى آخر، بفعل السيطرة العسكريَّة والاقتصاديَّة. كما أنَّ الأسماء تغيَّرت أحيانًا، والدليل على ذلك أنَّ اسماً مثل: (فينيقيين)، هو معادل للكنعانيين، فالفينيقيّون، هم: (Phoenicians)، حيث قُلبت (الباء)، (فاءً) في اليونانية القديمة، وبالتالي، فهُم حرفيًا (بني كنعان). أمَّا وصف سكَّان فلسطين في القرن الخامس ق.م، عند هيرودوت، بأنّهم (سوريُّون)، فقد جاء متأخرًا، وهو وصف صحيح. ولم يكن شعب (فينيقيا = بني كنعان) السوري، وشعب (فلسطين) السّوري، إلاّ شعبًا واحدًا، على الأقل في نظر الامبراطوريات القديمة. وقد توحَّدت (الشعوب الكنعانيّة) في اللُّغة والدّين، والآثار.
- يقول (ميخائيل نسطور): ظهر اسم (كنعان) في نصوص مسماريَّة، عُثر عليها في (تل العمارنة، وبوغازكوي)، بأشكال متعددة: كيناخنا، كيناخني، كيناخي. ثمَّ فُسِّرت كلمة (كنعان)، بوصفها كلمة حورية، واكتشف أيضًا أن كلمة (كيناخّو)، كانت تعني (الصباغ الأرجواني الأحمر في النصوص الأكاديّة في (مدينة نوزو الحوريّة)). وفهم منه أنّه يعني صفة مشتقّة من (كنعان)، التسمية المحلية الأصلية لفينيقيا، الشهيرة بإنتاج الأرجوان. وحسب أولبرايت، فإنِّ (كنعان) تسمية حورية لفينيقيا، بوصفها بلد الصباغ الأرجواني (موريكس). أمّا افتراض أنَّ (كنعان)، هي الأرض المنخفضة، فلم يعد مقبولاً، لأنَّ الجذر (كنع)، لا ينطوي على معنى فعل الانخفاض. أما (كنعنو)، فله دلالة على (أرض الغروب)، أو (الأرض الغربيَّة)، وهي الترجمة أو المرادف لعبارة (أمورو)، وهي تدلُّ على سوريا الطبيعيّة، وعبارتا: (كنعان)، و(أمورّو)، جاءتا مترادفتين إلى حدّ بعيد. ومن جهة أخرى، فإنَّ كلمتي (فينيقي، وفينيقيا)، اشتقتا في الاغريقية من المفردة (فوينيكس)، بمعنى (أحمر)، أو مصبوغ باللون الأحمر، ومدهون باللون القرمزي. أمّا كلمة (فُوَّة) العربية، فهي اسم يطلق على الجذور الصبغية، التي تنبت في كل من سوريا وفلسطين ومصر. كما نجد أنّ تقنية إنتاج الأرجوان، تعطينا اشتقاقًا وحيداً ومقنعًا لكلمة (بورفيرا = الفَوَران، الغَلَيان)، كما في الفعل العربي: فارَ، فَوَرانًا، بمعنى حالة الغليان، والفعل الآرامي: (بَربِر)، ويعني الحركة وعدم الاستقرار. وهكذا، يضيف نسطور: يبدو أن صيَّادي الأرجوان الفينيقيين (الكنعانيين) من العصر البرونزي، انجذبوا إلى بحر (إيجة)، لكثرة (المُرّيق) فيه، ونقلو إلى اليونان، التعبير التقني الدالّ على (عملية الغلي)، بصفته تعبيرًا دالاً على الصباغ الأرجواني، الذي يتم الحصول عليه من خلال طريقة الغلي الطويل -(ميخائيل نسطور: كنعان، وفينيقيا، قَدْمس، 2001 – ص:19-27).
- ويقول (علي فهمي خشيم)، بأنَّ (بونيقيا، أو بونيًّا)، الدالَّتين على سكّان شمال افريقيا)، هما تعريبٌ لما أراد الأروبيّون تمييزه من اللّغة والتّاريخ الكنعانيين في شمال افريقيا، وقرطاجة بالذّات، عن الوطن الأم في بلاد الشام. وهم انطلقو ممّا ورثوه عن اللاتينية (Punicus, Poenus)، وعن اليونانيّة (Phoinix)، والأصل فيها: (بنو كنعان): سقطت النون المزيدة أصلاً على الجذر (كنع)، فكانت (بنوكَنَعْ)، وطبيعي أن تسقط العين التي لا توجد في اليونانيّة، كما حذفت النون المكررة، فكانت (بنوك، بَنَك) مع إبدال الباء المفردة، باءً مهموسة (P)، والكاف، خاءً، (بنخ)، كما أبدلت الباء في المصريّة القديمة، فاءً، فنجدها (فنخ). وهذه الخاء، هي التي صارت في اللغات الأوروبية، تُنطق (كْسْ-X)، وحوّلت في العربيّة إلى قاف (فَنَقَ)، ومنها الترجمة الخاطئة: (فينيقيا، فينيقيون). ولا صحَّة إطلاقًا لما يُروى من أنَّ تسمية (فينيقيا) أصلها، اللون الأحمر الأرجواني، أو النخلة في اليونانيّة. فالنقوش القرطاجيّة، مكتوبة بلهجة قرطاجه، الكنعانيّة العروبيّة.
- ويقول (ريتشارد فراي) عن أصل اسم (سورية): على امتداد التاريخ إلى يومنا هذا، ظلَّ الالتباس بين الكلمتين: (سورية)، و(آشور) قائمًا. وقد درج الإغريق على إطلاق اسم (سوريين)، دون حرف الألف المتصدر على الاسم (أشور) على الآشوريين. وقد وضع هيرودوت، اسم: (سوري، وآشوري)، مترادفين، وهو يقول بأنَّ السوريين يعرفون باسم (الكبادوكيين = ديار بكر)، لدى الفرس. ويضيف (فراي)، بأنَّ الإغريق استخدموا عبارة (سورية/آشور) لأول مرَّة في أوائل (القرن السابع، ق.م) ، وكانت لهم صلة بأهالي قيليقيا، وقبدونيا، الذين أطلقوا عليهم اسم: (السوريين). ومع اعتماد (اللغة الآرامية) في الألف الثاني ق.م في الإدارة الأشورية، فقد تمَّ الخلط بين الكلمة (آشوري) السياسية، وعبارة (الناطق بالآرامية) اللغويّة. أما الإغريق، فلم يستخدموا قطُّ عبارة (آرامي)، بل اكتفوا بكلمة (سوري). ومع حلول العهد البيزنطي، كان استخدام كلمة (سوري)، قد انتشر في الكتابات الأوروبية. أما اسم (الشام)، فقد أطلقة العرب على سورية الحاليّة، حيث ربطوا اسم سورية، باللغة السوريانيّة – (ريتشارد فراي: اسم سورية، دار قدمس: ص:9-17).
- ويرى (علي فهمي خشيم)، بأنَّ تسمية (العرب)، لم تكن معروفة قبل (القرن الثامن ق.م). وقد سُجّلتْ أوّل مرة على الألواح الأكادية في صور: (أريبي، أروبو، أرابي، أرابو، أريبو، أربايا). (والهمزة مبدلة من العين في القلم المسماري)، بمعنى: أهل البداوة، أو الصحراء، أي البادون الظاهرون من غير سكّان بيوت الطين والحجر في المدن والقرى. وكان عرب الجزيرة، يEدعون في التسجيلات الهيروغليفية المصرية، ال-(أمو)، وهي نفسها، (الأميُّون)، كما وردت في القرآن الكريم. وقد عُرف عرب جنوب الجزيرة (أهل اليمن)، بأسماء من مثل: (المعينيين، السبئيين، الحمْيرَين)، بينما عرف عرب شمال الجزيرة، بأسماء من مثل: (العدنانيين، المضريين، الحجازيين)، وكلهم عرب. ومع مرور الزمان، وظهور الإسلام وانتشاره، وقيام الدولة الإسلامية الكبرى، التي اسّسها أهل الجزيرة، بفتوحاتهم، تحدّدت كلمة (عرب)، بإطلاقها على أهل الجزيرة جميعًا، وانحصرت التسمية فيهم، لكنَّ صفة (العروبة)، ليست صفة خاصة بأهل الجزيرة. وبالتالي، فإنّ: (الكنعانيين، والآراميين، والبابليين، والأكاديين، والأشوريين)، هم جميعاً: (عروبيون) في الأصل وفي الأساس، والدليل على ذلك هو اللغة. كذلك الأمر، بالنسبة للعرب (الأمازيغ) في إفريقيا الشمالية، الذين جاءوا من فلسطين إلى مصر، ثمّ هاجروا إلى شمال إفريقيا، بعد سقوط دولة الهكسوس الكنعانية في مصر)، ويحلّل (علي فهمي خشيم)، كلمة (ليبيّا)، بالقول: إنّ صورتها في النقوش الهيروغليفية المصرية، هي كلمة (ربو – RBW)، كُتبت بتحريك الأحرف الساكنة في كتابات المحدثين: (ريبو)، وأصلها: (أربو)، وهي أساسًا: (عربو، عريبو)، أي: عرب وأعراب، بمعنى أهل البداوة. وقد أبدل اليونان (الراء) في صيغة (ربو) إلى (لام)، فكانت: (لبو)، وبالتحريك والتحريف أيضًا، كانت (لوبو، ليبو، لوبيا، ليبيا) – (علي فهمي خشيم: سفر العرب الأمازيغ).
- ويقول (محمد بيّومي مهران)، بأنّ أقدم نصّ وردت فيه لفظة (عرب)، يرجع تاريخه إلى عهد الملك الآشوري (شلمنصر الثالث – 859-824 ق.م)، وبالتحديد في معركة (قرقرة- 853 ق.م)، والتي اشترك فيها، أمير عربي، يُدعى (جندب = جنديبو)، إلى جانب تحالف الأمراء (الكنعانيين)، ضدَّ الملك الأشوري. وفي عهد تجلات بلاصّر الثالث (745-727 ق.م)، عُثر في (كالح) على حوليات، جاءت فيها إشارات إلى (جزية من زبيبة ملكة بلاد العرب). وهناك نص ثالث يقول فيه الملك الأشوري: (أما شمسي (سمسي) ملكة بلاد العرب، التي حنثت بيمين (شمس)... فقد أصبحت خائفة من جيشي). وفي نقوش سنحريب (705-681 ق.م)، وولده إسرحدون (680-669 ق.م)، تتحدث النقوش عن سيطرة سنحريب على بادية شمال بلاد العرب فضلاً عن إخضاعة لملكة العرب (تعل خونو) صاحبة دومة الجندل، وأسْر الملكة أو الأميرة العربيّة: تاربو (تبؤة). وفي القرن السادس ق.م، تظهر كلمة عرب (عرابة، Arabaya). في النصوص الفارسيّة المكتوبة باللّغة الأخمينية، وذلك في نقش انتصارات دارا الأوّل (522-486 ق.م). حيث عاشت قبائل عربية في شبه جزيرة سيناء قبل الميلاد. وكان اسخيلوس من اليونان (525-456 ف.م) – أول من ذكر العرب من اليونان. ثم هيرودوت المؤرخ، الذي أطلق على بلاد العرب، لفظ (Arabie)، ويعني بها (البادية، وشبه جزيرة العرب + سيناء). وفي القرآن: جاءت كلمة (عربي): 11 مرة: (وصفًا للغة :عشر مرات، وصفًا للرسول مرة واحدة). هكذا أصبحت كلمة (عرب) علمًا على العرب جميعا. والعربية في نظر الاسلام كانت مفهوما دينيا وثقافيا، أكثر منه عرقيا: (فمن تكلم العربية، فهو عربي – الرسول). أمَّا العمالقة، فهم من العرب البائدة، كان منهم: الجبابرة بالشام – وهم الكنعانيّون، والفراعين بمصر (الطبري).
أمّا اصل كلمة (عماليق) فقد نُحت من اسم قبيلة عربية، كان موطنها، بجهة العقبة أو (شمال العقبة) – وأبو العمالقة، هو أول من تكلّم العربيّة، وهم من العرب العاربة. والعماليق سكنوا جنوب فلسطين، أو جنوب غرب البحر الميت، وتحالفوا مع ملك مؤاب عجلون. وكانت القوافل التجاريّة القادمة من غزة إلى العقبة، تمرُّ في أرض العماليق، وظلوا يسكنون جبل سعير. وكان أهل (مدين)، عربًا، سكنوا قريتهم (مدين) في أرض (معان) في أطراف الشام، وتمددّتْ قبائل مدين إلى مؤاب شمالاً، وإلى خليج العقبة، حتى سيناء – انظر:(محمد بيومي مهران: تاريخ العرب القديم).
- أمّا – (ديفيد غرافس، وم.أكنر)، فيقولان عن اسم (العرب) في اللاتينية، مايلي: على الرغم من الإقلاع عن استخدام كلمة: (سرسن/سركن)، على امتداد القرون الثلاثة الأخيرة، فقد كانت تلك التسمية الأوروبية الرئيسية، الدالّ على المتكلمين بالعربيّة، عبر حقبة زمنيّة دامت اثني عشر قرنا. ونحن نريد – يقول الباحثان – أن نطرح المفردة، مشتقة من عبارة تقنيّة في القاموس السياسي لسكَّان (شمال الجزيرة العربيّة)، وهذه المفردة، هي (شركت)، بمعنى: (اتّحاد شراكة)، وذلك هو الاصل الوحيد المعقول لغويًا. وكان (الاتّحاد الثمودي)، قد عقد تحالفا مع روما بعد عام (169م)، ومكانه، هو: (جنوب منتصف خط ممتدّ بين البتراء، وبين الميناء الأبيض على البحر الأحمر)، فالبقعة التي يظهر فيها هذا الاتّحاد، كانت موطن (المديانيين) في العصر البرونزي المتأخر. ويعود الاستخدام الأقدم لعبارة: (سرسن/سركن) إلى القرن الثاني الميلادي. وفي كتاب الجغرافيا لبطليموس (النصف الأول من القرن الثاني الميلادي)، يقوم بوضع: (السرسن/السركن) في منطقة، يمكنها أن تضم (الروَّافة)، وفي إشارة أخرى، يضعهم في (شبه جزيرة سيناء)، قرب الحدود المصريّة. وقد اختفت عبارة (ثمودني)، التي كانت شائعة في روما بصورة شبه كاملة، وذلك بعد القرن الثاني الميلادي. وهناك إشارة واحدة ظهرت بعدَ ذلك، هي:(فرسان (السرسن/السركن) الثموديين، خدموا في مصر، والفرسان الثموديين الإليريكيين، خدموا في (بيرساما) بفلسطين). وبالمثل أصبحت كلمة (عرب)، مهجورة مع حلول القرن الرابع الميلادي. أمّا العبارة الدالّة على الكتل السكانيّة الكبيرة المقيمة في البادية العربيّة، والجماعات الموجودة في فلسطين وسوريّة، والمنتمية إلى الكتل، فكانت تدعى: (سرسن/سركن). وهكذا كان هذا المصطلح مرتبطا بالاتحاد الثمودي، ثم اتّسع ليشمل تسميات أخرى دالَّة على سكان المنطقة. أما مع حلول القرن الرابع الميلادي، فما لبثت عبارة (سرسن/سركن)، أن باتت شائعة كوصف لأهالي (شمال الجزيرة العربية). وهناك دلائل تقول بأنَّ (سرسن/سركن)، هم قبائل تعيش في سيناء، (السواركة). أمَّا الرأي الأوسع انتشارا حول جذر (سرسن/سركن)، فهو بإعادة العبارة إلى كلمة (شرق - شرقيين)، لأنَّ (سرسن/سركن)، سكنوا مناطق تقع إلى الشرق من فلسطين. ويبقى التفسير الجدّي الوحيد متمثلاً، في توجه فلسطين نحو البوادي المتطرفة عبر نهر الأردن. ثمَّ جرى أخيرًا، طرح فكرة تقول بأنَّ كلمة (سرسن/سركن)، مشتقةٌ من الجذر (شَراق) العربية، و(شرءقو) الأكاديَّة، وتعني: (اولئك الذين ينتهكون الحدود السياسيّة)، أو: ربط التسمية المصريّة لسكان (أقصى جنوب فلسطين)، بكلمة (شوسو). ولهذا يقدم (الباحثان): كلمة (شركت) النبطيَّة، التي لها علاقة بالفعل العربي: شرك، بمعنى: ساهم، انضّم، انخرط، أصبح شريكًا، وتعني (رابطة، أو اتحاد، أو شراكة سياسية)، ولهذا من الممكن القول بأن كلمة (سرسن/سركن)، اشتُقَّت من (شركت). وما لبثت هذه العبارة – يضيف الباحثان – أن انتقلت إلى اللغة الدبلوماسية النبطيّة، ثمَّ إلى اللاتينية والاغريقية. وكانت (أقوام سرسن/سركن)، تعيش في القسم الشمالي من الجزيرة العربية- انظر: (ديفيد غرافس، م.أكنر: أصل تسمية العرب في اللاتينية، قَدْمس 2004).
- أمَّا (هيرودوت)، فهو يقدّم عدّة إشارات عن (العرب)، منها أنَّ ديانة أفرودويت (اللات عند العرب)، انتقلت إلى الفرس عن طريق العرب والأشوريين، ومنها أنَّ طائر الفينيق (العنقاء)، يقطع بلاد العرب، كلّ خمسمائة سنه مرَّة نحو مصر، حاملاً أباه المدهون بصمغ المُرّ الطيب، ليحطَّ به في معبد الشمس، ويدفنة هناك. كذلك تهاجر الأفاعي الطائرة (الجراد) من بلاد العرب إلى مصر في فصل الربيع، إلاَّ أنَّ طائر أبو منجل، يتصدّى لها ويقتلها. ويصف هيرودوت، شبه جزيرة سيناء، بأنّها (من كاديتس (غزة)، حتى جينيسيوس، جميع الموانئ تتبع ملك العرب. ومن جينيسيوس حتى (سبخة البردويل)، التي يقع جبل كاسيوس بالقرب منها، وينحدر ليصل إلى البحر، فإنَّها تتبع السوريين (الفلسطينيين). وقد استعان قمبيز الفارسي، بملك العرب، فمنحه المساعدة، وتبادل الفريقان العهود، ويختم هيرودوت الخبر بالقول: (ما من أُمَّةٍ تحترم العهود وتُقدّسُها مثل العرب). ويعبد العرب إلهين، هما: أوروتال، واللاّت. وهم يحلقون شعرهم بشكل دائري وفي منطقة الصدغين، تقربًا لأوروتال. أمَّا بلاد العرب، فهي تقع في أقصى الجنوب من العالم المأهول، وهي المكان الوحيد، الذي ينتج (البخور،و المُرّ، والسنا، والقرفة، والصمغ، ويتكبد العرب في جمعها مصاعب جمَّة. وتكثر في بلادهم الأفاعي الطائرة، (الجراد). وقد سمّى العرب (القرفة)، قرفة، حيث التقطوا الاسم من الكنعانيين (الفينيقيين)، واشتهر العرب بالبخور والطيب والعطور. أمّا (الفينيقيون)، فهم سكان شواطئ البحر الأبيض المتوسط، جاءوا من شواطئ البحر الأرثيري. وزار هيرودوت، مدينة صور في بلاد الفينيقيين، التي يوجد فيها معبد لهرقل (ملكارت)، بني مع بناء المدينة، قبل 2300 سنة من زيارة هيرودوت. وتكلم هيرودوت عن كيفية اكتشاف ساحل ليبيا من الفينيقيين. وقد أدخل القدموسيّون (قدموس بن أغنور)، الكتابة إلى بلاد الاغريق، حيث يقول هيرودوروت: (وهي فنٌّ لم يكن على ما أظن معروفًا لدى الإغريق حتى ذلك الحين)، وظلّ الإغريق يشيرون إليها على أنها: (الأبجديّة الفينيقية)، و(الأحرف القَدْموسية). وقد خاض الفينيقيون حروبًا بحرية كثيرة، متحالفين مع الفرس، ومنها الحرب التي تمَّ فيها تشكيل أسطول بحري (فينيقي – فلسطي) مشترك. وقد استخدم هيرودوت في كتابه مصطلحات مثل:(بلاد العرب، العرب، بحر العرب، خليج العرب)، بصفتها: شبه جزيرة العرب، وشبه جزيرة سيناء- (تاريخ هيرودوت ترجمة: عبد الإله الملاَّح، 2001).
- أمَّا، (جواد علي)، فيرى أنَّ (بلاد العرب)، هي: جزيرة العرب وامتدادها، الذي يكوّن باديةَ الشام حتى نهايتها عند اقتراب الفرات من أرض بلاد الشام. وتدخل في (العربية)، بادية فلسطين، وطور سيناء، حتى شواطئ النيل). وقالت العرب بأنَّ (يعرب القحطاني)، هو أول من نطق بالعربيّة، ولم يخطر ببال من قالوا ذلك – يقول جواد علي- أنَّ سكان اليمن قبل الاسلام، كانوا ينطقون بلهجات تختلف عن لهجة القرآن الكريم، حتى ذهب الأمر بعلماء العربيّة إلى إخراج (الحميريّة، واللهجات العربية الجنوبية الأخرى) من العربية، وقصروا العربية على عربية القرآن الكريم (العربية الحجازية). أمّا اليونان والرومان، فقد كانت لفظة (Arabae) تعني: جزيرة العرب وبلاد الشام، وسكانها هم عرب على اختلاف لغاتهم ولهجاتهم. وعند هيرودوت، أضيفت: شبه جزيرة سيناء. ووردت لفظة عرب بمعنى (أعراب البادية) عند آخرين. أما النص الوحيد – يقول جواد علي – الذي وردت فيه لفظة (العرب) علمًا على العرب جميعا (من حَضَر وأعراب)، ونُعت فيه لسانهم، باللسان العربي، فهو (القرآن الكريم). وخلاصة ما تقدَّم، يضيف جواد علي، أنَّ لفظة (ع ر ب = عرب)، هي بمعنى التبدّي والأعرابية في كل اللغات السامية، ولم تكن تفهم إلاّ بهذا المعنى في أقدم النصوص التاريخية، وهي الأشورية، وقد عنت بها (البدو عامة). ويلاحظ أنَّ عددًا من القبائل العربية الضاربة في الشمال، والساكنة في العراق وفي بلاد الشام، تأثرت بلغة (بني إرم)، فكتبت بها، مع أنهم لم يكونوا من بني إرم، ولهذا حُسبوا على بني إرم، مع أنَّ أصلهم من جنس آخر. وقد استعمل اليونان كلمة: (Saraceni)، و(Saracenes)، واستعملها اللاتينيون على هذه الصورة: (Saracenus)، وذلك في معنى (العرب)، وأطلقوها على قبائل عربية، كانت تقيم في (بادية الشام، وفي طور سيناء، وفي الصحراء المتصلة بمنطقة أدوم)، وتوسع مدلولها في القرون الرابع والخامس والسادس بعد الميلاد، حيث أطلقت على العرب عامة. وتعني (سرسين، أو سركين)، (الشّرق)، أو (سكّان الخيام). وعُرف العرب عند الفرس، وعند بني إرم (الأرميين)، بتسمية أخرى، هي: (Tayayo, Taiy)، أي (قبائل طي)، المتاخمة لحدود امبراطورية الفرس. ويختتم جواد علي حول تفسير قول أحد العلماء العرب عن (لسان حِمْيَر): (ما لسان حِمْيَر وأقاصي اليمن بلساننا، ولا عربيتهم بعربيتنا)، فيقول: نحن لا نستطيع إنكار عروبة هذه الأقوام العربية، لمجرد اختلاف لسانها عن لساننا، أو لوصول كتابات منها مكتوبة بلغة لا نفهمها، ويقرر جواد علي بأنّ (لغة حمْير عربية) – (جواد علي: المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج- 1، ص:13-36). وقد قيل بأنَّ (الفينيقيين)، جاءوا من قلب الجزيرة العربية، وعلى التحديد من قبائل (الحِمْيرَيين)، ولهذا، فتسمية (فينيقيين) تبعا لذلك، هي (الرجال الحُمر)- (جان مازيل: تاريخ الحضارة الفينيقية (الكنعانية)، 1998)، وجاءت لفظة (Pheniciens) في عنوان الكتاب، وهي (بني كنعان). هنا يقول (عبد الله الحلو) في مقدمته لكتاب مازيل، مايلي:
أولا: أقيمت مملكة الحميريين في نهاية القرن الثاني ق.م، واستمرت حتى أواخر القرن الأول الميلادي، ولكن خلال القرن العشرين ق.م، الذي جعله (مازيل)، بداية للاستقرار الفينيقي (الحميري) على الساحل الكنعاني، لم يكن أي شيء معروفًا عن القبائل الحميريين أو غيرهم في جنوب جزيرة العرب.
ثانيا: هناك أدلَّة كثيرة على أن الفينيقيين أنفسهم، سكان المدن الساحليّة، كانوا في كل أدوار تاريخهم، يعتبرون أنفسهم (كنعانيين)، ولم يوجد ما يشير إلى أنهم وصفوا أنفسهم ولو مرَّة واحدة بالحميريين في أي وقت من الأوقات، كما لم يقولوا عن أنفسهم، بأنهم (فينيقيون)، لأن هذه التسمية لم تكن محلية، ولم تستخدم محليا، بل كان الإغريق هم من أطلقوها واستخدموها. وحتى بعد زوال (قرطاجة)، كان من بقي من سكانها،في شمال إفريقيا، يسمّون أنفسهم (كنعانيين)- (عبد الله الحلو: ص13-14). فالفينيقيون، هم، الكنعانيون أنفسهم، أو (بنو كنعان)، أو فرعٌ من كنعان. ونحن نؤكد أن (الاستشراق الفرنسي) في القرن التاسع عشرعلى وجه التحديد، رجع إلى (الجذر اليوناني الأوروبي)، بشأن تسمية الكنعانيين بالفينيقيين، ومع صعود الاستعمار الثقافي، من أجل فصل (لبنان) عن سوريا الطبيعية (الكنعانية)، قام بتغذية النزعة (الفينيقية!!)، بفصلها عن الحضارة الكنعانية التي تشمل الشام، وكانت هذه النزعة، عمودًا أساسيًا في مشروع الفكر الفرانكوفوني.

ملاحظات (1)
أولا: أجمعت أغلبية العلماء على أنَّ (كنعان، وأمورو)، مُسميَّان لاسم واحد، أي أنهما من المترادفات، ولاصحَّة إطلاقًا للمحاولات الاستشراقية التي حاولت فصل كنعان عن أمورو، أو فصل فينيقيا عن كنعان، لأنَّ قبائل أمورو، وقبائل فينيقيا، هي القبائل الكنعانية نفسها. وينطبق الأمر نفسه على القبائل الفلسطينيَّة، فهي كنعانيّة. والكنعانيون، هم: (عروبيون في الأصل والأساس)، كما أكّد ذلك العالم الليبي علي فهمي خشيم. وهذه القبائل الكنعانية كانت أصليَّة في مناطقها في الجغرافيا الكنعانية، ولم تكن مستوردةً من جزيرة العرب، أو اليونان، أو الأناضول، أو غيرها، لأنّها قديمةٌ في مواطنها الأصليّة، في ما يُسمّى لاحقا في العصر الحديث: (بلاد الشام)، وهو الاسم الذي ظهر في القرون الوسطى، بعد الإسلام.
وبالتالي، فإنّ مفهوم (الكنعنة)، هو المعادل المفهوم (العروبة)، وهذا المصطلحان، لا يحملان أية إشارة للتناقض. وهذا ينطبق أيضا على الآراميين، والبابليين والأكاديين، والأشوريين، والمصريين القدامى، والحميريين، والسبئيين، والمعينيين، وغيرهم، لأنّ الجغرافيا، واللغة، والدين، والآثار، (رغم التعددية والتنوع الثقافي والعرقي)، توحّدهم، بعد أن نعترف بخصوصيات الهُويّة المتحركة. فالهُويّة، لها نواة صلبة، وهي متحركة ومتحولة في آن معاً، حتى في العالم القديم قبل الإسلام.
ثانيا: أميل إلى القول بأنَّ (كنعان)، قد تحمل معنى (أرض الأرجوان)، و(الأرض الغربية)، أما لفظة (فينيقيين)، فهي حرفيا: (بني كنعان)، حرَّفها الإغريق. أمّا لفظة (سوريا)، فهي أقرب إلى الاشتقاق من (أشور)، ولاحقًا: (السريان)، الذين كانوا يتكلمون (الكنعانية الآرامية). ويجب أن نتذكّر دائما أنّ (بني كنعان) لم يطلقوا على أنفسهم أيّة مرّة، اسم (فينيقيين = اليونانية)، أو: (حميريين)، حسب أصحاب نظرية الهجرات. أمَّا (الأمازيغ) في شمال إفريقيا، فهم، (كنعانيون عرب)، منذ رحيلهم عن فلسطين إلى مصر، وحتى قرطاجة، وقد أشار إلى ذلك: القدّيس أوغسطين الجزائري (توفي عام 435م)، حين قال: (إذا سألتم سكان البوادي، عندنا في نوميديا (الجزائر الشرقية)، قالوا: نحن كنعانيون)، وأشاركذلك لهذه المسألة ابن خلدون. وقد كانت (قرطاجة)، هي (نيويورك العالم القديم- جان مازيل).
أمّا – الوجود والانتشار الكنعاني في اليونان، وقبرص، وكريت، وسردينيا، وصقلية، وكابري، وقادس الإسبانية، وفي بريطانيا وأميركا، وافريقيا، فهو وجود حقيقي ومؤثر، تدعمة الآثار. وبالتّالي: يمكن التأكيد، بأنّ (الثقافة الكنعانيّة)، عالمية، بل هي الأولى في العالم القديم.
ثالثا: إذا كان اسم (سورية)، قد ظهر في القرن السابع ق.م، لأول مرّة، وظهر بوضوح في كتاب هيرودوت في القرن الخامس ق.م، فإنّ اسم (العرب)، ظهر لأول مرّة في عهد شلمنصَّر الثالث (859-824 ق.م)، أي في القرن الثامن ق.م، ولم تكن اللفظة معروفة قبل ذلك. وقد ظهرت في النصوص: (الأمير العربي جندب = جنديبو)، (وزبيبة ملكة العرب)، و(شمسي، ملكة بلاد العرب)، و(تعل خونو)، ملكة العرب في دومة جندل، و(الأميرة تاربو) العربية. أمّا في اليونان، فقد ظهرت لفظة العرب في كتابات إسخيليوس (525-486 ق.م). ثم ذكرها هيرودوت (جزيرة العرب، وشبه جزيرة سيناء). ويبدو أنّ لفظة (سرسن/سركن)، التي تعادل معنى (الاتحاد)، كانت تطلق على عرب جنوب سوريا، وشبه جزيرة سيناء. وقد مرَّت كلمة (عرب)، بمرحلتين: الأولى، بمعنى (سكَّان البادية)، أو (سكَّان الخيام)، أو (البدو)، وكانت تعني: جزيرة العرب، وبادية سوريا، وفلسطين، وشرق الأردن، وشبه جزيرة سيناء. ولم يكن لها في هذه المرحلة، مدلولٌ عرقي مُوحِّد. أمّا، منذ (القرآن الكريم)، فقد اتّسع معنى لفظة (العرب)، ليصبح معنى ثقافيًا لغويًا، واجتماعيًا (بادية، وحَضَر) مع تعدديّة عرقية. وأصبحت اللغة العربية والإسلام، هما الناظمان لمفهوم الهُويّة العربية، مع الإعتراف بالمسيحية العربية في إطار العروبة. ولم تكن (الكنعنة القديمة)، سوى هذه (العروبة الجديدة)، حتى لو تغيَّرت الأسماء.

جغرافيا بلاد كنعان
تبدو خارطة (بلاد كنعان) في كتاب (دي لاسي أوليري): (بلاد العرب قبل محمد)- ص46، على النحو التالي: (3000-1300 ق.م):
أولا: فلسطين، وشرق الأردن: قادش برنيع، بريّة صين، برية شور، بئر السبع، حبرون، لخيش، عجلون، غزَّة، جرار، بيت لحم، بيت شمس، جازر، أورسالم، أريحا، بيت إيل، جبعون، يافا، شكيم، بيت شان، مجدّو، دور، بحر الجليل (طبريا)، عكّو، حاصور، بحر العربة (الحولة)، باشان (الرفائيون)- وادي عربة، بحر الملح (البحر الميت)، بصيرة، جبل سعير، أدوم، وادي أرنون (الموجب)، جبل نبو، حشبون، عمَّون، جلعاد، نهر اليرموك.
ثانيا: سوريا ولبنان: بُصرى، حوران، قطنَّا، دمشق، جبل حرمون (الشيخ)، بعلبك، بعل جاد، نهر العاصي، حمص، حماة، أوغاريت (رأس شمرا)- جزيرة أرواد، عرقة، الأرز، بترون، جبيل، بيروت، صيدون، صور، نهر الليطاني، قادش.
ومعنى ذلك، أنَّ أقصى منطقة في (بلاد كنعان) في الشَّمال، هي (اللاذقية)، أمّا أقصى منطقة في الجنوب، فهي قادش برينع، وجبل سعير، أمّا شرقًا، فهي بصرى الشام. أما غربًا فهي مدن البحر المتوسط: (غزَّة، يافا، عكا، صور، صيدا، بيروت ،جبيل ،بترون، عرقة ،جزيرة أرواد).
ويقول (محمد الخطيب)، في كتابه (الحضارة الفينيقية): أطلق اسم كنعان في أول الأمر على (الساحل وغربي فلسطين)، ثمَّ أصبح الاسم الجغرافي المتعارف عليه لفلسطين، وقسم كبير من سوريا. وكان كنعان، أول اسم لفلسطين. وكان تعبير لغة كنعان، يطلق بصورة عامة على لغة فلسطين. غير أنّ أسلاف الذين سُمّوا كنعانيين، كانوا غالبا في البلاد، قبل ذلك بأكثر من ألف سنه. وقد تأسست المدن، مثل: (أريحا، بيسان، ومجدّو)، التي لها أسماء كنعانية واضحة، قبل عام 3000 ق.م. وظهرت في الكتابات الأثرية قي النصف الأول للألف الثاني، مدنٌ أخرى مثل: (عكّو، صور، صيدا، جْبيل، سيميرا)، وكلها أسماء كنعانية، وظهرت مدن كنعانية أخرى في إطار نظام ممالك المدن، مثل: (عَرْقَة، وأرواد) في الشمال، (وغزّة، عسقلان، لاكيش، مجدّو، حاصور، شكيم، أورسالم، حبرون) في فلسطين (بُنيت حبرون عام 2743 ق.م)، ووردت أسماؤها في تقارير حملات توحتمس الثالث في مطلع القرن الخامس عشر ق.م.
كان الاموريون الكنعانيون، الذين ظهر اسمهم في وثائق سرجون الأكادي (2450 ق.م)، هم مؤسسو: (ليبنون، وصيدون، وعسقلون، وحرمون، وحبرون)، وبنوا (حلبو)، عاصمة إقليم يمخاض، وجبيل، وقطنة (تل المشرفة) شمال شرقي حمص، وحرانو، وحماة، ودمشق، وعرقة، وأرواد، وشيجات (شمال البترون)، والبترون، وسميرا، وصور وصيدا وبيروت – ويضيف محمد الخطيب بأنّ (الكنعانين، لا يختلفون في شيء عن الآموريين، فهما فرعان من أرومه واحدة)، وأنّ الكنعانيين كانوا مستقرين في البلاد منذ (3000 ق.م)، وكان الأموريون الكنعانيون، مستقرين في جنوب فلسطين وشرق الأردن، ثم تمددوا شمالاً، تدل على ذلك أسماء المدن الكنعانية في إقليمي فلسطين وفينيقيا: أريحا، بيت شان، مجدو، عكا، صور، صيدا، جبيل، عرقة، سميرا، وأوغاريت، وأرواد. وهكذا وضع الكنعانيون، الأساس الأول للمدن الفنيقية في الشمال، كما وضعوا الأساس لجميع المدن الفلسطينية في الجنوب – (محمد الخطيب: الحضارة الفنيقية، 2006: ص9-31).
ويقول (محمد أبو المحاسن عصفور)، بأن الإقليم السوري في المصطلح اليوناني، هو الممتد بين جبال طوروس، شمالا، وسيناء جنوبا، وبين البحر المتوسط غربا، والبادية وبلاد ما بين النهرين شرقا. ويجمع المؤرخون – كما يقول- بأن الأموريين، والكنعانيين كانوا في منتصف الألف الثالث ق.م في (شمال سوريا، وأواسط حوض الفرات، وساحل المتوسط). وقد عثر على آثار العصر الحجري القديم في الأماكن التالية: (نهر الجوز (شمال البترون)، نهر ابراهيم، نهر الكلب، بيروت (فرن الشباك، بير حسن)، صخور الحمام، نهر بيروت،جبيل، خالدي، صيدا، أنطلياس، قصر عقيل). ويحدد الباحث، أهم المراكز الفنيقية في (كنعانيا)، ومنها: (رأس شمرا (شمال أوغاريت)، أوغاريت، أرواد، جبيل، صور ،صيدا، عكا). وقد ازدهرت أوغاريت، ابتداء من الألف الثاني ق.م، وخربت سنة 1180 ق.م. وعثر في جبيل على آثار من عصور مختلفة، ترجع إلى الألف الثالث ق.م، وحتى القرن الثاني الميلادي. وكانت لها علاقات تجارية مع مصر، غير أن النفوذ المصري في جبيل، أخذ في الأفول إلى أن زال نهائيًا. ففي عهد رمسيس التاسع، احتجزت (جبيل) رُسُلَ الفرعون، فترة طويلة (17 عاما). وكان لصور الفضل في تأسيس قرطاجة- (محمد أبو المحاسن عصفور: المدن الفينيقية، 1981).
أما (فيصل عبد الله)، فيقول بأن العمارة والحضارة في الشام وفلسطين، بدأت منذ عشرة آلاف سنة على الاقل، وأن اسماء أقطار بلاد الشام منفردة، أقدم من اسم (الشام)، المرتبطة بالتاريخ الإسلامي. ويعتقد الباحث أن سوريا، هي : سور، شور، أشور، وأنَّ (شام هي سام). وعليه، فإن (سام وسامية، هي شام وشامية). ولعل (أريحا) في فلسطين، هي: (أول مهد لحضارة العصور الحجرية الحديثة في التاسع ق.م، حيث تمت الثورة الزراعية في الألف الرابع ق.م). ويمكن القول، يضيف الباحث، بأن سورية وفلسطين تمثلان قمة تطور العصر الحجري الحديث المتأخر، وتبعتها الجزيرة السورية العليا، بأوائل فخارياتها الملونة المتميزة. وتتحدد سمات الحضارة النطوفية (9500-8800 ق.م) في فلسطين، وفي موقع (مريبط) في الفرات الأوسط، وتل أسود، قرب دمشق، حيث تظهر البيوت المستطيلة والأسوار والقبور، ومستودعات تخزين المواد الزراعية، وحظائر المواشي، والفخار الأبيض الفج، وفن صناعة النصب والتماثيل. ويعترض الباحث على تسمية حضارة بلاد الشام (سوريا وفلسطين ولبنان والأردن)، بالحضارة الكنعانية!!، رغم ورود اسم (كنعان) في نص الملك أدريمي، كما يعترض على مصطلح: فينيقيا، ويصف الفلسطينيين (الغزاة)، (هكذا بالحرف!!)، أما البديل لديه فهو تسمية: الحضارة الاوغاريتية الأمورية!!)- (فيصل عبد الله :تاريخ بلاد الشام، جامعة دمشق، 2003-2004-ص: 108+ 149+ 205+ 209).
اما (مصطفى طلاس)، فيوافق على أن الكنعانيين لا يتميزون عرقيا عن الأموريين، وهو يقول بأن الكنعانيين أقاموا مجموعة (دول المدن). وكانت دول المدن تقع جغرافياً: بين جبل الأقرع (كاسيوس) في الشمال، وشواطئ فلسطين في الجنوب، وتمتعت الشواطئ بازدهار كبير، مثل: أرواد، عرقة، طرابلس، البترون، جبيل، بيروت، صيدا، صور، عكا، يافا، أسدود، عسقلان، غزة. وانطلاقا من المناطق السورية الجنوبية (فلسطين) يقول طلاس، اندفع الهكسوس نحو مصر، التي سيطروا عليها في منتصف القرن (18 ق.م)، ثم أخرجوا منها عام (1567 ق.م). ويعترض الباحث على محاولات المستشرقين، عزل (كنعان/فلسطين) عن بقية العالم الكنعاني الأكبر. ويستشهد بقول (كلود شيفر): (ثبت لنا، أن بلاد الكنعانيين بين شواطئ المتوسط الشرقية، وصحراء سورية، اتسعت في الجنوب من فلسطين الجنوبية إلى أوغاريت، وانتشر الكنعانيون شمالاً في سهول (دانونا – أضنة) الخصبة، واستثمروها منذ النصف الأول للألف الثاني ق.م، مؤسسين على السواحل، نقاط ارتكاز لتجارتهم... وقد بلغ من كثافة الوجود الكنعاني في هذه الأرجاء، أنَّ ملك صور (1400 – 1350 ق.م) في رسالة إلى أخناتون، ذكر فيها، (أَضَنَةْ)، ضمن أرض كنعان). وهكذا، فقد انتظم الكنعانيون، يضيف (طلاس)، في عدة (دول مدن)، يقع أغلبها غربي الأنهر الثلاثة: (العاصي، الليطاني، ونهر الأردن)، وحتى الفرات ودجلة، حيث برزت منذ 1500 ق.م، عدّة تكتلات:
1. مجموعة المدن الشمالية: وعلى رأسها مملكة أوغاريت.
2. دول أرواد: جزيرة أرواد، مع مدينة سمورا من ناحية البرّ.
3. مجموعة الساحل الأوسط: جْبيل، بيروت، صيدون.
4. مجموعة الساحل الجنوبي: صور، عكّو، مجدّو (تل المتسلم)، إضافة إلى مجموعة المدن الفلسطية: أسدود، غزّة، عسقلان، عقرون، جت.
5. المدن الجنوبية: يبوس (أوروساليم)، يريحو (أريحا)، حبرون (الخليل)، شخم (نابلس).
ويرى (طلاس)، أنه من غير الصحيح، حصر تسمية (كنعان) بفلسطين، كما يعترض على تسمية (الكنعانيين) في الساحل الأوسط (اللبناني حاليًا)، بأنهم (فينيقيون!!)، إذْ لم يطلق الكنعانيون في هذه المنطقة في أيه فترة من تواريخهم اسم (فينيقي)، بل كانون يصفون أنفسهم، بأنهم: (كنعانيون). ونحن نوافق طلاس على هذين الاعتراضين، لكنّنا، لا نوافقه على نظرية (شعوب البحر = الفلسط)، فالفلسطيّون القدامى، هم سكان أصليون في فلسطين، وهم فرعٌ من القبائل الكنعانية، ولم يسكنوا المدن الخمس (من يافا إلى غزّة) فقط، بل سكنوا كلَّ فلسطين، لأنه باعتقادنا، أنَّ الأسماء: (أموري، فينيقي، فلسطي)، ما هي إلاّفروعٌ من كنعان. ويورد (طلاس) جملة لابن منظور، تقول: (كان الكنعانيون أُمَّةً تتكلم بلغةٍ، تضارع العربية). وقد ظلّت التسمية الكنعانية، شائعة في المجال السوري، ففي عهد سلوقس الرابع (187 – 175 ق.م)، نجد قطعة نقدية، كتب على الوجه الأول منها باليونانية (لاوديكة في فينيقيا، وهو اسم بيروت، بينما نجد على الوجه الثاني، باللغة الكنعانية (لاوديكة في كنعان)، وكانت (سوريا اليونانية)، حسب سترابون، (58 ق.م – 25 ب.م)، تشمل الأقاليم التالية:
1. الكوماجين: مقاطعة عاصمتها: سميساط.
2. سوريا الأولى: أنطاكية، ومرفأ سلوقية، وأفامية، واللاذقية.
3. سوريا المُجوّفة (La Coell Syrie): مرتفعات وديان العاصي والأردن، وعاصمتها: دمشق.
4. إقليم الجنوب: فينيقيا، وفلسطين.
وفي العهد الروماني، حافظت سورية على وحدتها العميقة، حيث قُسّمت إلى أربعة أقاليم: (سوريا المُجوّفة، فينيقيا، فلسطين، لبنان)، وتمَّ فصل بعض مناطق الزاوية الشمالية الغربية من سوريا، لصالح (قيليقية)، وفصل جزء من (الممرّ السوري)، والضفة الغربية للفرات، لصالح المقاطعة الفراتية، مع إخضاع إقليم جنوب البحر الميت للولاية (العربية)، التي شملت سيناء، وحتى خط حدودي يسير من رأس خليج السويس إلى رفح على ساحل المتوسط – (مصطفى طلاس: سوريا الطبيعية، جـ1، 2001).
- أمّا (إبراهيم الشريقي)، فيتحدث عن (ممالك المدن الكنعانية)، كما يلي: يصل عدد المدن الكنعانية إلى (135 مدينة)، منها:
1. حبرون: كانت قرية صغيرة، اسمها (أربع) نسبة إلى (ربع) ابن عشيرة العناقيين، ثم أصبحت مملكة، سُمّيت باسم ملكها: (حبرو) من عشيرة بني حث العناقية، وتبوّأت مركزاً ممتازاً بين الممالك الكنعانية.
2. أوروساليم: نسبةً إلى سالم اليبوسي (الذي أقام هيكلاً للعبادة على مرتفع عالٍ، لعبادة الإله (شالم).
3. شكيم: نسبة لملكها الكنعاني شكيم.
4. أريحا: سُمّيت (يريحو)، أي مدينة القمر بالكنعانية والآرامية.
5. مَجدّو: مدينة أسَّسها الكنعانيون (3000 ق.م)، واسمها بالكنعانية يعني: (نفحة، أو قطعة)، وهي (تلّ المتسلم)، وعلى مقربة منها، قرية اللجّون.
6. بيت شان (بيسان): سُمّيت نسبة للإله شان (إله الحقول).
7. حاصور: أسَّسها الملك الكنعاني (آصور = آزور)، عام 2700 ق.م، وتقع شمال بحيرة طبريا، ومن مشاهير ملوكها: (يابين). حافظت على استقلالها حتى أواخر القرن (11 ق.م)، وهي حاليّا: (تلّ وقّاص).
8. لخيش: أسَّسها الكنعانيون عام (2600 ق.م)، غربي الخليل، واسمها حاليّا: (تل الدوير).
9. عاي: تقع غرب أريحا، وهي من أقدم المدن الكنعانية.
10. عجلون: تقع في منطقة غزّة، تأسست (عام 2700 ق.م)، وفيها هيكل كنعاني للإلهة (عجالين = ملكة الجبل).
11. عكّا: سُمّيت بالكنعانية (عكّو)، بمعنى: الرمل الحارّ. تأسست عام 2800 ق.م.
12. كرمل: تأسست (عام 2600 ق.م)، ومعنى الكرمل، الحقول الخضراء.
13. يافي (يافا): تأسست عام 2400 ق.م، ومعناها بالكنعانية والآرامية: الجميلة.
14. جبعة: تقع جنوب غربي أريحا. تأسست عام 2600 ق.م، ومعناها بالكنعانية: (غَرْسَة)، واسمها الحالي: (تل الغول).
15. المدن الكنعانية في الساحل الجنوبي: غزّة، أسدود، عسقلان، عقرون، جت (عراق المنشية).
16. الكدن الكنعانية في الساحل الشمالي: أوغاريت، أرواد، سميرا، البترون، عرقة، جبيل، بيروت، صيدا، صور.
17. قرى ومدن كنعانية أخرى في غرب نهر الأردن: ياجور، يعلوت، حشمون، رمّون، لاكيش، بيت داجون، عاشان، ديمونة، الزيب، سيعور، حلحول... الخ.
وفيما يلي، هذا جدولٌ بعدد سكّان (بلاد كنعان) في أواخر القرن الأول، ق.م، حيث بلغ عدد سكان سوريا الطبيعية (ستة ملايين نسمة)، على النحو التالي:
1. سكان كنعانيون أصليون: 720 ألف 36.5%
2. قبائل عربية: 550 ألف 27.5%
3. سكان المدن الساحلية الفلسطية: 180 ألف 9.5%
4. يونان ومكدونيون: 115 ألف 5.5%
5. آخرون: 420 ألف 21%
6. أوروساليم: 170 ألف
7. البترا: 120 ألف
8. نابلس: 110 ألاف
9. جرش: 100 ألف
10. بيسان: 80 ألف
11. اللاذقية: 225 ألف
12. أفامية: 200 ألف
13. دمشق: 240 ألف
وتثبت الوثائق التاريخية أن الكنعانيين كانوا في فلسطين، وأُطلق اسم كنعان على ما يلي: (من صيدا إلى غزّة، ومن ساحل المتوسط حتى البحر الميت شرقًا، ومن بحيرة طبريا شمالاً، حتى بئر السبع جنوبّا)، وكان ذلك (عام 3500 ق.م) – انظر: (إبراهيم الشريقي: أورشليم وأرض كنعان، عمّان، 1985).
- ويرى (فيليب حِتّي)، أنَّ الاختلاف العرقي بين الأموريين والكنعانيين معدوم، وأنَّ الأموريين يتحدثون بلهجة كنعانية شرقية، وأنَّ إحدى مناطق الفرات، معروفة عند البابليين باسم (سوري – Su-Ri)، وأنَّ اليونان أطلقوا اسم (فينيقي) على الشعب الكنعاني عام 1200 ق.م، مرادفاً للكنعاني. كما أطلق اسم (كنعان)، أول الأمر على الساحل، وغرب فلسطين، ثمّ أصبح الاسم الجغرافي المتعارف عليه لفلسطين، وقسم كبير من سوريا. وبدأت الديانة واللغة الكنعانيتان بالظهور، حوالي مطلع الألف الثاني ق.م. غير أن أسلاف الذين سُمّوا كنعانيين، كانوا غالبًا في البلاد، قبل أكثر من ألف سنة (3000 ق.م). وتأسست مدن كنعانية، مثل: أريحا (7000 ق.م)، وبيت شان (بيسان)، ومَجدّو (تل المتسلم)، قبل (3000 ق.م). وظهرت في الكتابات الأثرية في النصف الأول من الألف الثاني، ق.م، مدن أخرى لها أسماء كنعانية: عكّو (عكّا)، صور، صيدا، جْبيل، عرقة، سيميرا. وانتشرت المدن الكنعانية على طول الساحل من جبل كاشيوس، وحتى مرتفعات فلسطين. وظهرت في سوريا الجنوبية: غزة، عسقلان، جازر، لاكيش، حازور، شكيم، أورساليم، وشمالاً: أرواد، وظهر أسلوب (اتحاد المدن الاختياري). وكانت أسماء ملوك الهكسوس الذين حكموا مصر (1730 – 1580 ق.م)، كنعانية، أمورية – (فيليب حتي: تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين، 1951).
- أمّا (ديل ميديكو)، فيقول في كتاب (الشريعة الكنعانية)، أو (النصوص الكنعانية)، التي تعود إلى القرن الخامس عشر، ق.م، بأنَّ (الملك الكبير)، تمرَّد على الإله (بعل)، والملك الكبير، هو ملك الملوك السبعة في سوريا، وفلسطين. وكان يجب أن يعود إلى عبادة (إيل، وعشتار). وتتضمن النصوص أخبار الملك الكبير، التي كتبها (إيلي ميلكو)، بأمرٍ من (نقمد، ملك) أوغاريت، ويبدو أن ميلكو، كان كاتباً لملك صور، ثمَّ انتقل إلى أوغاريت، حيث شغل موقع كبير الكهنة. والملحمة الكنعانية، تعود إلى القرن الخامس عشر ق.م. أما الكنعانيون، فهم (شعب إيل)، سكان المدن السبعة، وكانت فلسطين مقسمة منذ القدم إلى سبعة مناطق. وكانوا (الكنعانيون) يميزون في جنوب بلادهم بين منطقة (أمورو)، التي تقع إلى الشمال من فلسطين (موريا الشمالية)، وبين فلسطين (موريَّة)، وعلى ذلك، فإن سهل (زيف)، يقع في جنوب فلسطين. وكان (بنو عيناق) العمالقة، يعيشون في منطقة (حبرون)، وهم فروع ثلاثة: أحيمان، شيشاي، وتلماي. وكان تلماي الحبروني، هو (هوميروس فلسطين). كذلك كان سكَّان (مؤاب، وعمّون) من العمالقة، وكانوا يسمونهم: الإيميين، أو الزمزميين. وكان جدُّ العناقيين (العمالقة)، هو: (أربع)، الذي يقيم في جبل حبرون. واتخذ (الملك الكبير)، ملك المدن الكنعانية السبعة، قد اتخذ له عشيقة أجنبيَّة، مما أثار شعور الكراهية له من قبل الشعب الكنعاني، ولم يكن له حليف، سوى ملك دمشق – (ديل ميديكو: الشريعة الكنعانية، دمشق، 1988).
- ويقول (إسرائيل ولفنسون): الكنعانيون، هم الذين اخترعوا السفينة، واهتدوا إلى صنع الزجاج، وهم الذين اخترعوا الكتابة الأبجدية المختزلة، حيث أصبح الخط الكنعاني، أساساً لجميع خطوط العالم المتمدن في الشرق والغرب. ولهم تأثيرهم الديني في جميع الأمم السامية، فقد كانت ديانتهم، أرقى الديانات الوثنية، تأثر بها: الآراميون، والعرب، و(بنو إسرائيل) وهم من القبائل المندثرة في جزيرة العرب. وهم موجودون (الكنعانيون) في فلسطين وسوريا منذ 2500 ق.م. وقد شغل الكنعانيون المنطقة الممتدة من ناحية الإسكندرونة، حتى عكّا، وكانت المنطقة الممتدة من حيفا حتى غزة، كنعانية. وكان الإغريق يسمّون الكنعانيين (فينيقيين)، وهي تسمية تعني الجنس الكنعاني، فهو يشملهم جميعاً، سواءٌ أكانوا في الساحل أم داخل البلاد، لأنَّ جميع الأمم، لا تعرف الكنعانيين بهذا الاسم (فينيقي)، ولا باسم آخر قريب منه. ولم ينصّ التاريخ على أن سوريا كانت مأهولة بأحد قبل الكنعانيين، لكن يغلب الظن بأن بعض مناطق سوريا وفلسطين، كانت آهلة ببعض الأقوام من أقدم الأزمنة. وقد ظهرت الجيوش الكنعانية على ضفاف الفرات. وازداد نفوذ الكنعانيين في (بابل) إلى أن تمكنت إحدى أسرهم من الاستيلاء على عرش بابل، وهي أسرة (سومابي – soumabi)، عام 2300 ق.م. وكان للأسرة الكنعانية، تأثير عظيم في حياة بابل، فقد أدخلوا عقائدهم إلى العراق. كما كانت اللغة الكنعانية، ذات نفوذ كبير في اللغة البابلية. وهذا يدلُّ على أن الكنعانيين، كانت لهم حضارة قبل أن يتغلبوا على بابل. وسادس ملوك هذه الأسرة الكنعانية، في بابل، هو: (حمّورابي –Hamourabi)، صاحب الشريعة الشهيرة، وهي تمثل عقلية بابل وشومر، وتدلُّ على الروح الكنعانية – (ولفنسون: تاريخ اللغات السامية، مصر، 1929).
- ويقول (موسكاتي): بأن المنطقة المكوَّنة من (فلسطين وفينيقيا)، كانت تسمى (كنعان)، وسكانُها هم كنعانيون، وكان قبل ذلك، يطلق على المنطقة السورية – الفلسطينية بأسرها وعلى سُكّانها. لهذا من المستحسن معالجة تاريخ (سوريا وفلسطين) على أنه موضوع واحد، دون أية حدود صناعية، وبالتالي لا بُدّ أن نعالج موضوع السوريين، بمدلولهم الواسع من حيث هم وحدة لا سبيل إلى إنكارها بين الشعوب الكبيرة. وهنا لا معنى للتمييز بين الآراميين، وبقية العناصر مجتمعة، أي الكنعانيين - (موسكاتي: الحضارات السامية القديمة، 1957).

مصطفى مراد الدبّاغ: المدن الكنعانيّة في فلسطين:
- أما (مصطفى مراد الدبَّاغ)، فهو يُعدّدُ (المدن الكنعانية)، التي ما تزال محافظة على أسمائها حتى اليوم، أو حُرّفتْ تحريفاً بسيطاً، ومنها في فلسطين:
1. أريحا: وهو يرى أن اسمها في السريانية، يعني (الرائحة، الأريج). ذكر اليعقوبي، أن أهل أريحا، وعمَّان، قوم من بني قيس، وجماعة من قريش.
2. أشدود: فيها قبر عبد الله بن أبي السَرْح.
3. بئر السبع: أقام فيها عمرو بن العاص، وسليمان بن عبد الملك.
4. بِزِق - Bezek: كانت على بقعة قرية (إبْزيق) في أراضي طوباس.
5. بني بَرَق: هي قرية (ابن بْراق)، شمال غرب يافا، وعُرفت لاحقاً باسم: (الخيرية).
6. بني عيم: أُقيمتْ على أنقاضها بلدة (القاين) الكنعانية، وسكَّانها كنعانيون أصليون منذ الألف الرابع ق.م. وسُمِّيت (بني نعيم، اسمها الحالي)، نسبة للصحابي نعيم الداري، منذ العام التاسع للهجرة. وكانت تسمّى (كفر البريك) في العهد الروماني. وفيها التقى إبراهيم مع ابن شقيقه لوط بعد زلزال البحر الميت (ع.م).
7. بيت تَفّوح: إلى الغرب من الخليل: واسمها الحالي: (تفّوح).
8. بيت لحم: نسبة إلى الإله (لَخْمو) الكنعاني، ومعناها بالسريانية: بيت الخبز. وكانت تسمّى (أفراتة). تقع شمال الخليل، وهي تنسب إلى قبائل لخم، وفيها ولد المسيح (عيسى نب مريم).
9. تْعنِّكْ: بمعنى: (أرض رملية)، وهي من أعمال جنين.
10. تقُوع: بمعنى: (نصب الخيام)، وهي تُقُوع الحالية.
11. جبع: بمعنى: أكمة. تقع شمال شرقي القدس.
12. جت كرمل: وهي قرية (جت)، تتبع مدينة طول كرم.
13. جُديرة: بمعنى: حظيرة الغنم. تقع شمال غربي القدس.
14. جِمْزو: بمعنى: شجرة الجُمّير. تقع شرق اللّد.
15. حلحول: بمعنى الارتجاف، والحركة. تقع في مدخل (الخليل) الشمالي. فيها قبر ينسب إلى النبي يونس بن متّى.
16. رامة: بمعنى: المرتفعة. تقع شمال القدس. وهناك أكثر من (رامة) في فلسطين.
17. رَفيا: هي مدينة رَفَحْ الفلسطينية على الحدود مع مصر.
18. رَمُّون: بمعنى: رُمَّان. تقع شمال الناصرة. وهناك أكثر من (رمّون) في فلسطين، ولعل اللفظة تشير إلى إله العواصف والرعود، ثمَّ: الخُضْرة.
19. شارونا: جنوب غربي طبريا. وهي لفظة كنعانية، بمعنى: السهول المنبسطة.
20. صَرْعَة: بمعنى مدينة (الزنبور). تقع غرب القدس.
21. عَتْليت: مدينة كنعانية قديمة. تقع على الساحل إلى الجنوب من حيفا.
22. طاباس: بمعنى: ضياء. وهي طوباس الحالية.
23. بيت داجون: هي بيت دَجَنْ، الواقعة إلى الشرق من يافا.
24. عَزْموط: بمعنى: (قويٌّ حتى الموت)، وهي من قرى نابلس.
25. عكّو (عكّا): بمعنى: الرمل الحارّ. ذُكرت من بين المدن التي احتلَّها الفرعون طثميس الثالث في القرن الخامس عشر ق.م. كانت تُصنع فيها السفن في العصر الأموي. وكانت مصانع السفن فيها، تنافس مصانع السفن في الاسكندرية. وأمام أسوار عكّا، عام 1799م (أضاع نابليون مستقبله)، كما قال هو نفسه عن نفسه، ومنها انطلقت عام 1749م. – دولة ظاهر العُمَر الزيداني الفلسطينية.
26. عَنَّاب: بمعنى: مكان العنب. تقع غرب بلدة الظاهرية قرب الخليل.
27. عين دور: اسمها الحالي (إندور). تقع جنوب شرقي الناصرة.
28. غزَّة: بمعنى (قويّ، أو: كنوز، أو: مخازن). فيها قبر هاشم بن عبد مناف، جدّ الرسول (ص).
29. فِرْعَتون: فَرْعتا الحالية، قرب نابلس.
30. قَرْيوت: بمعنى: مدن. تقع قرب نابلس.
31. كابول: تقع جنوب شرقي عكّا. اشتهرت بمزارع قصب السُكَّر.
32. الكِرْمل: بمعنى: مثمر. تقع جنوب شرقي الخليل، بين بلدتي: يطّا، وبني نعيم.
33. مَخْماس: شمال القدس.
34. المجدل: بمعنى البرج، أو: القلعة. تقع على مسافة 25كم، شمال غزَّة. وكانت تسمّى: (مجدل جاد) نسبة إلى (إله الحظّ) عند الكنعانيين.
35. هِربي: كلمة كنعانية، بمعنى: (الكثرة، الوفرة). وهي قرية هربيا حالياً. تقع بين غزَّة، والمجدل.
36. يافا: مشتقة من الكلمة الكنعانية: يافِه (yafi)، بمعنى: الجميلة. احتلَّها طثميس الثالث في القرن (15 ق.م.). ارتكب فيها نابليون مذبحة كبيرة، عام 1799م، (4 آلاف شهيد). وفي يافا، قبر الوليّ الصالح (برهان الدين إبراهيم العجمي). ومن مواقعها الأثرية: (تل جريشة)، الذي كانت تقام عليه بلدة (جت رَمُّون)، التي ترجع إلى (3000 ق.م).
37. يُوطة: بلدة (يطَّة)، جنوب الخليل، وفيها قبر النبي يحيى بن زكريا، (يوحنّا المعمدان).
- أما (المدن الكنعانية)، التي تغيّر اسمها، أو حُرِّف، فمنها:
1. آبل بيت معكة: هي آبل القمح، قرب صفد، وبها آثار كنعانية. وآبل بمعنى: المرج.
2. أرْسوف: مشتقٌ من (رَشف)، الإله الكنعاني الأموري. وتقع في جوارها خرائب قرية (الحرم)، أو (سيدنا علي)، شمال يافا.
3. إشْتَموع: بمعنى: الطاعة، وهي بلدة السموع، جنوب الخليل.
4. أشقلون: عسقلان. تقع خرائبها على البحر، غربي المجدل. وتقع على بقعتها (قرية الجورة) على بعد 27 كم من غزَّة. وقد ولد فيها الخليفة الفاطمي أبو الميمون عبد المجيد، الملقب بالحافظ بن محمد المستنصر (1131-1149م). وفي عسقلان (مشهد الحسين بن علي)، الذي كان به رأس الحسين، الذي نقل لاحقاً إلى مصر، قبل أن يستولي الإفرنج على عسقلان. وفي ظاهر عسقلان، هناك (وادي النمل)، الذي قيل إنه مذكور في القرآن الكريم.
5. أشنة: كان للكنعانيين مدينتان، تحملان نفس الاسم: تقوم الأولى في منطقة قرية (عِسْلين)، بالقرب من (صرعة)، قرب القدس. والثانية، هي: (إدْنة) من أعمال الخليل.
6. أشير: قرية (تياسير)، شمال شرقي نابلس.
7. أَفْراتة: بمعنى: المثمرة. وهي اليوم، بيت لحم، (شمال الخليل).
8. إجْزيب: بمعنى: السيل، وهي قرية (الزيب)، شمال عكّا، لها شاطئ جميل. وينسب إليها، القاضي أبو علي الحسن بن الهيثم التميمي، الزيـبي، أو الزيباوي.
9. أناحرة: بمعنى: مضيق. يُحتمل أن تكون قرية (الناعورة) من أعمال الناصرة.
10. أونو (كفر عانة): بمعنى: قويّ، تقع جنوب شرقي يافا. ولها اسم آخر، هو: (كفر عمُّوني: قرية العمَّوني).
11. أيَّلون: بمعنى بلّوطة. (ورد ذكرها في رسائل: تل العمارنة).
12. بيئروت: بمعنى: آبار، وهي بلدة البيرة.
13. بوصقَة: بمعنى: مرتفع، أو أرض صخرية. يرجَّح أنها بلدة (الدوايمة) - الخليل.
14. بعل شليشة: كفر ثلث - طولكرم.
15. بيت إيل: بيت الله، وهي حالياً بلدة (بيتين). وكان اسمها (اللوز).
16. بَعْلَة: بمعنى: سيّدة. أطلق الكنعانيون الاسم على عدّة أماكن، منها: قرية المغار، وقرية (قطر إسلام)، وخربة أبي تلول (جنوب شرقي بئر السبع).
17. بيت حورون: بمعنى: المغارة. وتعرف اليوم ب-: (بيت عور).
18. بيت شان: بيسان.
19. بيت شمش: كانت تقوم في قرية (العُبيدية) في جنوب بحيرة طبريا.
20. بيت عناة: بمعنى: بيت الجواب. وهي قرية (البعنة)، شرق عكّا، و(البعنة) كلمة آرامية كنعانية، بمعنى: (بيت الأغنام). ويحتمل أن تكون: (اسم الآلهة: عانات - أنيس فريحة)، والاسم باق في قرية البعنة، وعناتا، شمال شرقي القدس.
21. تزيفوت: صفد الحالية، ذكرتها النقوش المصرية في القرن 14 ق.م.
22. ثِمنَة حارس: قرية كفل حارس - نابلس.
23. جازر: أنشأها (الكنعانيون الفلسطيّون) في عصور ما قبل التاريخ. وموقعها اليوم، يعرف باسم (تل الجَزَر) في قرية (أبو شوشة)، غرب عمواس، الواقعة على طريق القدس - يافا. ومعنى جازر: نصيب، أو مهر العروس.
24. جت: وهي (عراق المنشيَّة)، بين غزَّة، والخليل.
25. جلجال: بمعنى: متدحرج. وهي حالياً، قرية (جلجولية - طولكرم).
26. جَلّيم: بيت جالا، حالياً. بمعنى: كوم.
27. جُوشن: بلدة الظاهرية - الخليل.
28. جيلوه: بمعنى: رقص، فرح. وهي (جالا)، القرية الواقعة على مسيرة كيلو مترين إلى الغرب من قرية (بيت أُمَّر - الخليل).
29. حديد: مدينة كنعانية، تقوم على بقعتها قرية (الحديثة - شمال شرقي اللُّد).
30. حَلْقة: قرية (يَرْكا)، شمال شرقي عكّا.
31. حمّات: بمعنى: ينابيع حارّة. أقيمت على البقعة المعروفة باسم: حمّامات طبريا، وأخرى باسم (تل الحمّة) في طوباس - نابلس.
32. خاتيتان: لعلَّها قرية (إبثان)، غرب قرية عتيل - طول كرم.
33. دَبْرة: بمعنى: مرعى. (دبّورية حالياً). تقع شرق الناصرة في سفح (جبل ثابور).
34. دومة: بمعنى: سكوت. وبقعتها تعرف باسم: الدير، أو دومة، شمال بلدة الظاهرية - الخليل.
35. دَنَّة: تقوم على بقعتها، قرية (السيميا)، قرب بلدة السموع - الخليل.
36. دورْ: وهي قرية (الطنطورا)، جنوب عَتْليت في الساحل الفلسطيني.
37. راقم: بمعنى: خدمة حدائق الزهور. تقع على بقعة (قلنديا - القدس).
38. زانوح: بمعنى: أجمة. موقعها: قرية (بيت عَمْرة - يطّا، الخليل).
39. سوكور: قرية شويكة - طولكرم، حالياً.
40. شَعَلبيّم: بمعنى: مأوى الثعالب، وهي مدينة كنعانية أمورية.
41. شكيم: بمعنى: ارتفاع. وهي (بلاطة - نابلس).
42. شمرون: بمعنى: حارس، وهي قرية السميرية، شمال عكّا. وذكر آخرون، أنها: (تلّ السمُّونية) في مرج ابن عامر.
43. شونم: قرية (سولم)، جنوب شرقي الناصرة. بمعنى: مكان الراحة.
44. صَدّيم: قرية حِطّين حالياً.
45. عَربوت: لعلّها: قرية عرَّابة - جنين.
46. عرونة: ذكرت في النقوش المصرية. كانت تقوم في تلّ قرية عارة.
47. عطاروت: كفر عقب الحالية، شمال القدس.
48. عَفْرة: قرية الطيبة - رام الله.
49. العُفني: قرية (جِفْنة، رام الله).
50. عين جنيّم: بمعنى: عين الجنائن. وهي جنين اليوم.
51. قادش: وهي قرية (قَدَس)، شمال صفد.
52. قرية أربع: وهي الخليل، وعُرفت فيما بعد باسم (حبرون)... لكنَّ الاسم السابق لأربع، هو: (خِلّْ إيل - ع.م).
53. قرية سِفْر: بُنيت في الألف الثالث ق.م، وعرفت باسم: (دبير). وهي حالياً: (بيت مِرْسِمْ - جنوب غربي الخليل).
54. قعيلة: بمعنى حصن. موقعها اليوم: (خربة كيله)، أو قرية (قيلا)، شمال غربي الخليل. وردت في النقوش المصرية.
55. كسلوت: بمعنى: صلب. وهي قرية (إكسال - الناصرة).
56. لِبْنَة: بمعنى: البياض. مدينة كنعانية (قرية تل الصافي - الخليل).
57. مَعارة: بمعنى: موقع عارٍ من الأشجار. وهي (بيت أُومَّر - الخليل).
58. مَقيدة: بمعنى: موقع الرعاة. وهي قرية (المغار، الرملة).
59. نَعَرات: قرية (عين الديوك)، قرب أريحا.
60. نَفْتوح: وهي قرية (لِفْتا - القدس).
61. يَبوس: أورسالم في القرن الرابع عشر ق.م، (القدس).
62. يرموث: قرية كوكب الهوا - بيسان.
63. يزرعيل: بمعنى: الله يزرع. وهي قرية (زِرعين - جنين).
64. قرية بعل: قرية العنب حالياً.
65. يفتاح: تقوم على بقعة بلدة (ترقوميا) - الخليل.
- ويذكر مصطفى مراد الدباغ، المدن الكنعانية، التي كانت عامرة وهي حالياً، خرائب وآثار، ومنها:
1. آبل محولة: تقع في تل سفري، نابلس.
2. إبق: قرب جبال فقُّوعة، بيسان.
3. إبْلعام: خربة (بلْعَمة، جنين).
4. إتورين: خربة بورين، طولكرم.
5. أدامة: خربة دامية، جنوب غربي طبريا.
6. آرب: بمعنى: كمين. تعرف باسم (الرابية)، شرق قرية (دومة - الخليل).
7. أزنوت طابور: خربة أُمّ جبيل، الناصرة.
8. أفيق: بمعنى: قوة، قلعة، يعتقد أنها (رأس العين): 17كم، شمال شرقي يافا. وهناك (خربة أفيق) - الخليل، المعروفة باسم: (خربة كنعان).
9. إجزيب: تقع في تل البيضا بين بيت جبرين، وعدلام - الخليل، (وهي غير إجزيب، عكَّا).
10. إكشاف: بمعنى: سحر. تقوم على (تل كيسان)، جنوب شرقي عكّا، تعود إلى النقوش المصرية في القرن (15 ق.م).
11. إلْتَقُون: خربة الدير، حوسان، بيت لحم.
12. عقرون: خربة المُقَنع، جنوب شرق قرية (عاقر - الرملة).
13. بيت العامق: بمعنى: بيت الوادي. كانت تقوم على (تل ميماس)، قرب قرية عَمْقا، شمال شرقي عكّا.
14. تل العجول: جنوب غزة. وكانت ميناءً شهيراً.
15. بيت شمش: بيت إله الشمس. كانت تقوم على تلّ الرُميلة، قرب خربة عين شمس في جوار قرية (عرطوف)، ولعلها بنيت في الألف الثالث ق.م.
16. بيت صور: خربة برج السور، قرب الخليل.
17. تِرْسة: بمعنى: فرح. خرائبها تقع على تل الفارعة الشمالي، نابلس.
18. تَمْنَة: خربة تبنة، القريبة من بيت شمس، القدس، و(تبنة، بيت لحم).
19. جبعة: تل الفول، شمال القدس.
20. جِرار: تل جمَّة، (12 كم)، شمال تل الفارعة الجنوبي.
21. حاصور: بمعنى: المعسكر، أو الحصن، وهي خربة وقَّاص أو تلّ القدح، غرب جسر بنات يعقوب. وهناك حاصور كنعانية أيضاً في (النقب) باسم: الجبارية.
22. حصون تامار: بمعنى: رملة النخيل. سكنها الكنعانيون الأموريون في أقدم عصورها، وهي (عين جدي)، وكانت تابعة لبريَّة (بني نعيم - الخليل).
23. رَحوب: مدينة كنعانية، تقع في (تلّ الصارم)، جنوب بيسان.
24. رقَّة: بمعنى: شاطئ. كانت تقع مكان مدينة طبريا الحالية.
25. شاروحين: بمعنى: المسكن الحَسَنْ. كانت تقوم على تل الفارعة الجنوبي بين غزَّة وبئر السبع.
26. شكرون: خربة (صُقْرير)، شمال أسدود. وقال آخرون أنَّ (شكرون الكنعانية): كانت تقع على (تل الفول، الرملة).
27. شيلوه: بمعنى: مكان الراحة. تقع خرائبها في أراضي قرية (قريوت، نابلس).
28. صفاة: تقوم على (تل المشاش)، شرق بئر السبع.
29. صِقْلاغ: تل خويلفة، بئر السبع.
30. صيعور: بمعنى: صُغَر. هي بلدة (سعير) الخليلية.
31. زيف: خربة زيف بين بلدتي يطّا، وبني نعيم - الخليل.
32. عاي: بمعنى: أنقاض. بقعتها في تل عاي، شرق رام الله، واكتشف فيها معبد كنعاني، يعود إلى (2600 ق.م).
33. عَدْلام: بمعنى: مخابئ. من مدن الكنعانيين العظيمة. تقوم بقعتها حالياً على (تل الشيخ مذكور)، شمال شرقي بيت جبرين - الخليل.
34. تلّ عراد: بمعنى: حمار الوحش: مدينة كنعانية على مسيرة (17 ميلاً)، جنوب الخليل، باتجاه بئر السبع، تحالف أهلها مع العمالقة.
35. عروعير: وهي خربة عَرْعَرة، قرب بئر السبع.
36. عزيقة: خربة تلّ زكريا، قرب بلدة زكريا - الخليل.
37. عصيون جابر: مدينة أدومية. تقع على (تل الخليفة) في منتصف المسافة بين (المرشش) الفلسطيني، ومدينة العقبة الحالية.
38. القاين: خربة (ياقين) في أرض بلدة بني نعيم - الخليل الحالية، وهي بلدة القاين الكنعانية، المبنيَّة على أنقاض مدينة (بني عيم)، أو: (بنو عام)، التي وردت في مسلَّة الفرعون مرنبتاح، (لأنَّ حملة الفرعون تمَّت في جنوب فلسطين، وليس في شمالها - ع.م). وفي القاين، التقى إبراهيم مع لوط، وقبر لوط موجود في بلدة بني نعيم الحالية، وفيها ولد (عمّون، ومؤاب)، ابنا رجلين من القينيين المديانيين، حفيدا النبي لوط.
39. قَلَمونْ: جنوب شرقي حيفا. وكانت تقوم على (تلّ أبو حوّام)، عند مصبّ نهر المُقطَّع، وهي أقرب ميناء لبيسان، ومَجدّو. تأسست (1600 ق.م).
40. كنّروتْ: أو: كِنّارة. بلدة كنعانية، تقع على ساحل بحيرة طبريا الشمالي الغربي. وكان اسم البحيرة أيضاً: بحيرة كِنَّروتْ.
41. لايش: تل القاضي حالياً. بناها الصيدونيون، وهي (دان) أيضاً، بمعنى: قاضي.
42. (لاكيش): مدينة تنتمي إلى مرحلة (4000 ق.م). تقع في (تل الدوير).
43. مدينة الملح: تقوم على بقعة خربة قمران.
44. مريشة: وهي اليوم (تل صَنْدَحْنَة)، جنوب بيت جبرين - الخليل. و(صندحنة)، كلمة لاتينية، مشتقة من (سانتا آنا).
45. المصفاة: تعرف اليوم، باسم (تلّ النصبة)، قرب بلدة البيرة، رام الله.
46. مَعون: تقوم على تل معين، جنوب الخليل، قرب قرية (الكِرْمِلْ).
47. صُرْمعين: شرق وسط بلدة بني نعيم - الخليل الحالية. قيل: إنها تعني: (سور ماء العين)، أو: (سور قبيلة المَعينيّين).
48. يرموث: تقوم على (خربة اليرموك)، شمال بيت جبرين - الخليل.
49. الفارة: بمعنى: مدينة العجل، شمال شرق القدس. ذكروا أنها (عين فارة).
50. عجلون: مدينة كنعانية أمورية تقع قرب غزَّة - انظر: (مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، الجزء الأول، 1973 - ص:420-461).

معاوية إبراهيم: آثار فلسطين في عصر دُويلات المُدُن (3200-1200 ق.م):
يقول معاوية إبراهيم بأن منطقة الشرق القديم، ومنها فلسطين، شهدت مع نهاية (الألف الرابع ق.م)، تغيراً حاسماً من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والمعمارية. وأكثر ما يميز فلسطين في هذه المرحلة، ظهور أعداد كبيرة من المدافن المقطوعة في الصخر، تنسب إلى حضارة (الغسول - بئر السبع) وظهر نوعان من (الفخّار)، أحدهما في شمال فلسطين، ومنطقة مرج ابن عامر، من النوع الرمادي المصقول، والآخر في جنوب فلسطين من النوع الأحمر المصقول أيضاً. وتطورت أشكال فخَّارية عن سابقاتها، في مواقع: (تل المتسلم، وبيسان، والعفولة، وتل أبو زريق، وتل الأساور، وخربة الشيخ ميصر، وخربة الكرك، وتل أم حماد الشرقي، وتل أبو العلايق، وأريحا، وباب الذراع، وتل الفارعة الشمالي، ويازور، وتل عي، وتل الدوير). وتدلّنا بعض مجموعات (المدافن) على أنها قطعت من الصخر. وظهرت علاقات وطيدة بين فلسطين والمناطق المجاورة في نهاية الألف الرابع ق.م. ظهر الكثير من المكتشفات المتشابهة: (الفخارية، والأختام الأسطوانية، ورؤوس الهراوات الكُمثريَّة الشكل) في كل من فلسطين ومصر، حتى أن بعض الجرار الفخارية غالباً ما تمَّ تصديرها إلى مصر، أو أنها تقليد للصناعة الفلسطينية. كما وجدت أقرب الأمثلة للفخار الفلسطيني في الأناضول، وفي مواقع الساحل السوري مثل: طرطوس. وظهر ما يشبه هذا الفخار في عدد من مواقع بلاد ما بين النهرين. ويبدو أنّ سكان فلسطين في مرحلة (3000-2700 ق.م)، بنوا المدن المحصَّنة المنتشرة في كل أنحاء فلسطين، أصبحت تمثل وحدات سياسية مستقلة، أشبه بدويلات المدن، التي يتبعها عدد من القرى الزراعية، ومن أهم هذه المواقع: (تل المتسلم، تل تعْنِّكْ، بيسان، العفولة، تل الفارعة الشمالي، خربة الكرك، أريحا، تل أم حماد الشرقي في وادي الأردن. كذلك: باب الذراع في منطقة اللسان، شرق البحر الميت. والتل (عي)، وتل النصبة، والقدس في الوسط، وتل الدوير وتل عراد، وتل أبو شوشة، وتل بيت مِرْسِمْ في الجنوب، ورأس العين، وخربة الشيخ ميصر، وتل الشيخ العريني (جَتْ)، بالقرب من الساحل الفلسطيني. وهناك (موقع جاوة) في الصحراء على بعد حوالي (7.5 كم) إلى الشرق من (مدينة المفرق). وتتميز هذه المرحلة باستعمال عجلة الفخار. واهتدى سكان فلسطين إلى خلط النحاس مع القصدير، فأنتجوا أدوات برونزية، كما اكتشفت المدافن (القُببية)، ومدافن الغرفة المستطيلة، والمدافن العمودية المقطوعة من الصخر. وهناك إجماع على أن هذه المدافن تعود إلى أواخر الألف الثالث، ق.م. وربّما ترجع للأموريين (الكنعانيين)، الذين عرفوا باسم: (مرتو: وأمورو). أما في مرحلة (2300-2000 ق.م)، فقد عُثر على (المدافن) في عشرات المواقع في فلسطين وشرق الأردن (تل العجول قرب غزّة، وتل الدوير، وعين سامية، وظهر مرزبانة، والجيب، وخربة كوفين، وتل المتسلّم، وأريحا. كذلك في مواقع غور الأردن: تل أكتنو، تل أم حماد الشرقي، سيل الحمّة، وحتى تل القدح إلى الشمال من بحيرة طبريا. كذلك في: باب الذراع في منطقة اللسان، شرق البحر الميت، ومدينة عمّان وحولها، وموقع الحصن، قرب إربد). أما في (أريحا)، فقد عُثر على أقدم البقايا الإنسانية، التي تُرجع إلى (الفترة الناطوفية)، ومن ثمّ تمّ العثور على بقايا تعود إلى العصر الحجري الحديث، سواءٌ ما قبل الفخار، أو الفخار (8000-4500 ق.م). أما موقع (تل عْراد) في منطقة النقب الفلسطينية، التي تقع على بعد (30 كم) شمال شرقي بئر السبع، فقد عُثر في مدينة العصر البرونزي المبكر على نظام لتزويد المدينة بالمياه، وعلى نظام للتحصينات مبنيِّ بشكل جيد. ويبدو أن الناس، سكنوا الكهوف أولاً، ثم ازدهرت المدينة، ولم يُلاحظ أي تغيّر عرقي فيها. ويدل نظام التحصينات على دراية في تخطيط المدن، وعلى مجتمع منظَّم، وعلى عمارة عسكرية متميزة. أما بالنسبة للبيوت السكنية، فقد جاءت ملامحها العمائرية مميزةً لفترة العصر البرونزي المبكر الثاني. وكانت بداية السكنى لموقع تل عراد، هي فترة العصر البرونزي المبكر الأول. أما موقع: التل (عي)، بين قرية بيتين، ودير دبوان، قرب رام الله، فقد دلّت الحفريات أنه كان مسكوناً منذ (3100 ق.م)، وقد جاءت المدينة محصَّنة، لها أبواب وأبراج. ووجدت فيها، معابد وقصور وقبور وبيوت. وقد دُمّرت المدينة، حوالي (2400 ق.م). وانوجدت مظاهر مصرية فيها، وهناك تأثيرات لحضارة خربة الكرك في شمال كنعان في تحولات مدينة: التل (عي). أما موقع خربة الكرك، التي تقع على الشاطئ الجنوبي الغربي لبحيرة طبرية، فقد تميزت بنوع خاص من الفخَّار، رمادي اللون، ومصقول. وعثر فيها على أدوات صوّانية، وعلى بيوت مبنية من البازلت. وكانت بداية السكنى في خربة الكرك، في العصر البرونزي القديم الأول. أما موقع (يازور)، الذي يبعد حوالي (6 كم) عن يافا، فقد اكتشفت (مقابر) تعود إلى العصر الحجري النحاسي، وتمَّ اكتشاف بقايا من مرحلة العصر البرونزي القديم. كذلك اكتشاف أدوات فخارية، تشبه فخاريات أريحا: أمّا في موقع: تل الشيخ العريني، مقابل عراق المنشية (مدينة جَتْ الفلسطينية)، فقد تمّ التعرف على بقايا ترجع في تاريخها إلى نهاية العصر الحجري النحاسي، والبرونزي القديم، والحديدي، والهلّيني، والبيزنطي والإسلامي، حيث وُجد مبنى ضخم، وأدوات فخارية، ومعاصر زيتون. أما في (تل الفارعة الشمالي)، الذي يقع بين نابلس وطوباس، والذي اتفق الباحثون، على أنه موقع (ترصة) الكنعاني، فقد انتقل تل الفارعة من مجرد مكان عادي للسكن في مرحلة العصر الحجري النحاسي إلى (مدينة مُحصَّنة) في العصر البرونزي القديم. أما في موقع (باب الذراع)، الذي يقع إلى الشرق من منطقة البحر الميت، فقد كشفت الحفريات في هذا الموقع عن مدينة أثرية، تعتبر من أهم المواقع الأثرية في شرق الأردن. وذكر المنقبون أن أولى بوادر الاستقرار في هذا الموقع، كانت في حوالي (3100 ق.م). وفيها عدّة أنواع من القبور، وجدران، وأبراج، ومعبد، يعطينا فكرة واضحة عن المعابد الكنعانية الأولى.
أمّا في العصر البرونزي الوسيط، فقد كان من الواضح - والكلام دائماً لمعاوية
إبراهيم - أنه مع بداية الألف الثاني ق.م، بدأت المدن تنشط وتنتشر من جديد. وظهرت معها أنماط جديدة من العمارة والمدافن، والخزف والأسلحة. وتتميز هذه المرحلة بعلاقات تجارية وسياسية مع مصر، وعمق بلاد الشام، خصوصاً: شمال سوريا، والساحل السوري، وشرقي الأناضول. وقد وردت معلومات في سجلاّت مصر، وما بين النهرين، عن فلسطين، وهناك إشارات واضحة عن دويلات المدن الفلسطينية: عسقلان، حاصور (تل القدح)، شكيم (تل بلاطة)، كذلك القدس. كما تكلمت النصوص المصرية عن الحملات التي نظمَّها الفراعنة (الأسرة 12)، لاستغلال مناجم النحاس في سيناء، وجنوب فلسطين. وهناك معلومات في النصوص عن الحياة اليومية والمحاصيل الزراعية في فلسطين، مثل إنتاج: القمح والشعير والزيتون، والفواكه، وحقول الكرمة والتين. وتشير إلى أن طعام السكان، يتضمن اللحوم والعسل والألبان. وهناك معلومات عن الحياة الدينية في فلسطين: (الإله حدد إله العواصف، والآلهة آنو، وشماش، إله الشمس، وإله النجم والجبل، والإله بعل، والآلهة: بعلة). وتشرح النصوص بداية التغلغل السياسي والعسكري المصري (الأسرة: 12، 13) في جنوب فلسطين بشكل خاص، حيث يظهر تاثير الصناعات المصرية في: أوغاريت، وجبيل، وبيروت في الساحل الكنعاني، وفي (النيرب، قرب حلب)، والمشيرفة (قطنا) في سوريا الداخلية. كذلك يظهر التأثير في (تل العجول، قرب غزة)، وتل أبو شوشة، وتل المتسلم، وتل الفارعة الشمالي، ونهاريا، وأريحا، ورأس العين، وصفد. ويتميز العصر البرونزي الوسيط، بصناعة متطورة للخزف بأشكاله الحلزونية. ورافق ذلك، ظهور الأسلحة البرونزية، وفخار العجلة. وبدأت وثائق: تل حريري (ماري)، وتل مرديخ (إبلا) تزودنا ببعض المعلومات عن فلسطين مع نهاية الألف الثالث ق.م، والنصف الأول من الألف الثاني ق.م. وتشير اللوحات الطينية في (تل مرديخ) إلى وجود علاقات تجارية مع الكثير من المدن الفلسطينية، مثل: حاصور، ولآش، ومجدّو، ويافا، وأسدود. ووصلت هذه العلاقات إلى جنوب فلسطين، وشبه جزيرة سيناء. وقد جاء في هذه الوثائق أنّ لغة سكان المنطقة، وأسماء الأشخاص، جاءت (كنعانية)، التي تفرعت منها: الأوغاريتية، والآرامية، والمؤابية، والعمّونية، واللهجة الفينيقية، و(سفتْ كنعن). ومقابل الكنعانية، كانت الأكادية، شرقاً، وتفرع منها: البابلية، والآشورية. وكانت أهمية (حاصور) الفلسطينية، أنها كانت تُصدّر (القصدير) الذي يدخل في صناعة البرونز. كما ظهرت مبان عامة في معظم المدن الفلسطينية. ويتسم العصر البرونزي الأخير (من منتصف القرن السادس عشر حتى أواخر القرن: 13 ق.م)، بالسيطرة المصرية شبه التامة على بلاد الشام (بلاد كنعان)، أثناء حكم الأسرتين (18 و19)، بعد هزيمة الهكسوس، ورحيلهم عن مصر، وملاحقة الفراعنة لهم، حتى (شاروحين) في جنوب فلسطين. وقد انحصرت حملات أحمس في النصف الثاني من القرن السادس عشر في فلسطين الجنوبية، لكنها مهَّدت الطريق لإخضاع فلسطين، وشرق الأردن، وغالبية المناطق السورية، أثناء حملات توحتمس الثالث (16 حملة عسكرية)، وصل بعضها إلى نهر الفرات، شمال سوريا الشرقي. وكانت أبرز هذه الحملات هي تلك التي انتصر فيها الفراعنة في (معركة مجدّو) على اتحاد دويلات المدن الكنعانية، التي قادها: ملك حاصور، وملك قادش، حيث حاصر الفرعون مدينة مجدّو الفلسطينية، سبعة أشهر، وقد بلغ مجموع المدن السورية (الكنعانية) حوالي (350 مدينة)، حسب قوائم توحتمس الثالث. ولهذه القوائم أهمية أخرى تتعلق ب- (أقدم التقسيمات الإدارية)، المدونة لبلاد كنعان (بلاد الشام):
أولاً: منطقة كوميدي: يتبعها البقاع الجنوبي، ودمشق، وباشان، وشمالي وادي الأردن.
ثانياً: منطقة غزة: يتبعها، سهل مرج ابن عامر، وعكا، والسهل الساحلي، وجبال القدس والخليل.
ثالثاً: منطقة صومر: يتبعها، البقاع الشمالي، والجليل الشمالي، والساحل اللبناني، وأمورو.
وعندما علم سكان البقاع وحكامهم بخبر وفاة توحتمس، سرعان ما ثاروا، وأخرجوا الحاميات المصرية. وقد أثارت هذه الثورة، غضب (أمينوفيس الثاني)، خليفة توحتمس الثالث، فشنّ حملات انتقامية عام 1448 ق.م، ضدّ (قطنا، وقادش) في منطقة نهر العاصي: (وكان من بين الأسرى، أعداد كبيرة من الحوريين ونسائهم، والكنعانيين مع صغار أبنائهم وبناتهم، إلى جانب فرقة موسيقية مكونة من «270 عازفة»، وبصحبتهنَّ أدوات موسيقية من الذهب والفضّة). وكانت آخر حملات (أمينوفيس) الانتقامية، موجهة ضدَّ (مدن مرج ابن عامر، والجليل الغربي وقراهما)، التي كانت مراكز للثورة أيام ابيه. وتظهر رسائل حكّام الممالك الكنعانية في فلسطين، الصراعات بين هؤلاء الحكام في عصر العمارنة، بتشجيع من الفراعنة، فقد حُرّم على هؤلاء الحكّام عقد الاتفاقات والتحالفات فيما بينهم، ما لم تنسجم مع مصلحة مصر، ويوافق عليها الفرعون. وقد قُسّمت (بلاد كنعان) في عصر العمارنة إلى ثلاثة أقسام إدارية:
1. مقاطعة أمورو: مركزها صومورا، وتضمُّ بشكل رئيس، منطقة الساحل من أوغاريت، وحتى جْبيل.
2. منطقة أوبي: مركزها كوميدي، وتتبع الأردن.
3. منطقة كنعان: فلسطين الحالية، التي كانت تمتدّ حتى (صور)، وأحياناً حتى (جبيل)، وكان مركزها: غزَّة.
وكان لممثلي الفرعون، سلطة على حكام المدن، وكانت بيسان، أهم المراكز المصرية في عمق فلسطين. وبسبب التبعية المطلقة لحكام المدن الكنعانية لمصر، وكذلك التضحيات الكبيرة التي كان يقدمها سكان فلسطين، ومنها: الضرائب، والمنتجات الزراعية والصناعية وأعمال السُخرة الشاقة، والإهانات، والعقوبات الصارمة، كانت تؤدي أحياناً إلى انفجار الوضع، احتجاجاً على العلاقة المتناقضة بين السكان، وحكام المدن الموالين للنظام المصري، مثل الثورات التي حدثت في: (تْعِنّكْ، والجولان، وطبقة فحل، وعشتروت، وغيرها). وأخذ النفوذ المصري يضعف في عهد أخناتون، حتى معركة قادش بين المصريين، والحثيين وأمورو عام 1286 ق.م. ومن المواقع الأثرية في السجلاّت المصرية: عكا، تل أبو حوام، يافا، يفنة يَمْ، أسدود، عسقلان، غزة، تل العجول، رافيان ورأس العين، وذلك في المنطقة الساحلية. أما مواقع مرج ابن عامر، فهي: تل المتسلم، تل نْعنّكْ، وبيسان. أما المواقع الجبلية فهي: بلاطة، بيتين، القدس، أبو شوشة، عين شمس، عراق المنشية (جَتْ)، تل الدوير، تل الحسي، تل بيت مِرْسِمْ، تل جمَّة، تل الفارعة الجنوبي. أما مواقع غور الأردن، فهي: أريحا، طبقة فحل، السعيدية، تل المزار، دير عَلاّ، كتارة السمرة. أما مواقع شرق الأردن، فهي: قويلبة، تل إربد، ظهر المدينة، أُمّ الدنانير في حوض البقعة، عمّان، سحاب - انظر: (معاوية إبراهيم: الموسوعة الفلسطينية، بيروت، 1995، ص:58-111).

ملاحظات (2):
أولاً: كان كنعان، هو الاسم الأول لفلسطين. ثمَّ أصبح الاسم الجغرافي لفلسطين وقسم كبير من سوريا الطبيعية. وهناك إجماع عند الباحثين بأنَّ القبائل الأمورية، والفلسطينية، والفينيقية، واليبوسيَّة، والأدومية، والمؤابية، والعمّونية، والأوغاريتية، والصورية، والصيداوية، والجبليّة، والعربية بمعنى البدوية، وغيرها، ما هي إلاّ قبائل (كنعانية)، حيث كانت هذه القبائل تسمّى بأسماء المدن التي تقيم فيها، أو في مقاطعات أوسع. وقد ثبت بالدليل القطعي أن لفظة (فينيقيين)، هي المعادل للكنعانيين لغوياً وجغرافياً، وأنَّ أهل مقاطعة فينيقيا، لم يصفوا أنفسهم، ولو مرّةً في التاريخ، بأنهم فينيقيون، بل كانوا يسمّون أنفسهم كنعانيين. كذلك لم تكن فلسطين وحدها، هي الكنعانية، بل وامتدّ الاسم إلى شمال سوريا. ووصلت تأثيرات الكنعنة إلى خارج بلاد كنعان، حيث حكم الكنعانيون (بابل) في العراق القديم، (أسرة حمّورابي، توصف بأنها كنعانية)، وحكموا مصر لأكثر من قرنين، وهم القبائل الكنعانية المسمّاة بالهكسوس، ووصلوا إلى شمال إفريقيا، وأسسوا عدة دول، أهمّها قرطاجة. أما تأثيرات الكنعنة عالمياً، فقد امتدَّت في مراحل متعددة إلى أوروبا، وإفريقيا. وكانوا يسمّون أنفسهم في هذه البلدان (كنعانيين). وكانت شبه جزيرة سيناء، (كنعانية – مصرية)، ولم توضع حدود بين فلسطين ومصر إلاّ في العصر الحديث، وتحديداً عام 1906 في اتفاقية الحدود، التي صاغها الاحتلال البريطاني مع الدولة العثمانية، حيث أصبح حَدُّ فلسطين مع مصر، هو مدينة رفح، بينما كانت الحدود بين مصر وفلسطين، طيلة التاريخ القديم، متغيّرة، حسب السيطرة العسكرية عندما بدأ اهتمام الفراعنة، بمناجم الفيروز في سيناء. آنذاك كانت قبائل كنعانية أمورية (الشاسو)، تسكن سيناء، وهي قبائل كان يطلق عليها اسم: (العرب)، كما أشار هيرودوت.
ثانياً: من الخطأ التفرقة بين الفلسطينيين، والكنعانيين، لأنّ الفلسطينيين هم قبائل كنعانية، ومن الخطأ، حصرهم في الساحل الجنوبي لفلسطين في المدن الفلسطينية الخمس، لأنَّ الآثار، أثبتت وجودهم في شرق فلسطين وجنوبها، وشمالها، أي في نفس المناطق التي أطلق عليها الباحثون، صفة (الكنعانية)، وسبب هذا الخلط هو أن الفلسطينيين، والكنعانيين، هم من أصل واحد، وهم سكان فلسطين منذ العصور الحجرية. وحضارة أريحا، أقدم مدينة في العالم، شاهدة على ذلك. كذلك الأمر، بالنسبة للأموريين، فهم كنعانيو فلسطين، وسوريا، ولبنان، والأردن. تدلُّ على ذلك، اللغة، والدين والآثار. فالأسماء: (أموري، يبوسي، فينيقي، فلسطي، أدومي، عمّوني، مؤابي، أوغاريتي، جبيلي)، ما هي إلا مُسمَّيات لاسم واحد، هو (كنعاني). كذلك الأمر بالنسبة للعرب، فهم (بدو) الكنعانيين، في بادية الشام، وشبه جزيرة سيناء، وشبه جزيرة العرب.
ثالثاً: نوافق على أن مصطلح بلاد كنعان، كان محدوداً، ثمَّ اتسع ليشمل مناطق فلسطينن وأقسام من سوريا ولبنان وفلسطين، ثمَّ اتسع أكثر ليصبح، كما وصفه (كلود شيفر)، أي من شواطئ المتوسط الشرقية، حتى بادية الشام، ومن سهول (دانونا: أَضَنَة)، شمالاً، وحتى سيناء، وصحراء النقب، وخليج العقبة، جنوباً. وكانت بلاد كنعان، موحَّدةً في القرن الخامس عشر ق.م، ثقافياً واقتصادياً ولغوياً، ودينياً، مع تنوع وتعددية عرقية، يَجمعُها مصطلح (الكَنْعَنَةُ الثقافية). وقد اتخذت المدن الكنعانية لها نظام (دويلات، أو إمارات، أو مشيخات) مستقلة، وبينها يقوم تبادل اقتصادي وسياسي ولغوي وديني. هذا التبادل، نقلها من مرحلة (دويلة المدينة) إلى مرحلة (الاتحادات، والأحلاف) العسكرية في مراحل مختلفة، كما هو حال (الحلف الكنعاني) في معركة قرقرة، ضدّ الإمبراطورية الآشورية، أو (الحلف الكنعاني) في معركتي: قادش، ومجدّو ضدَّ الإمبراطورية المصرية.
رابعاً: أقدم التقسيمات الإدارية لبلاد كنعان، في (القرن السادس عشر ق.م)، هو الذي قسَّمها إلى ثلاثة أقسام: منطقة كوميدي، ومنطقة صومر، ومنطقة غزة، وهو أشبه بنظام المقاطعات، أي ان بلاد كنعان كانت تمتدّ من منطقة أمورو في حوض نهر العاصي شمالاً، وحتى غزة والقدس والخليل جنوباً. ومن ساحل المتوسط الشرقي، حتى دمشق، وشمال شرقي نهر الأردن، شرقاً. ثمَّ مرَّت عبر القرون اللاحقة بتقسيمات إدارية مختلفة.
خامساً: أحدث التقسيمات الإدارية لبلاد كنعان (سوريا الطبيعيّة)، هو التقسيم البيزنطي (527م-565م)، تبدأ من الشمال: مقاطعات (إيسورية، وقيليقية) في الجزء البحري الغربي، والفرات ودجلة، وبلاد ما بين النهرين في الجزء القاري أو الشرقي. وكانت عاصمة مقاطعة إيسوريا، هي سلوقية التي تقع عند مصب نهر كاليكا دنوس، وتضم المقاطعة (25 مدينة). أما قيليقية، فكانت تقسم إلى منطقتين: الأولى، عاصمتها: طرطوس، والثانية عاصمتها: أنازارب. أمّا المدن الرئيسة في قيليقية، فهي: أضنة، اسكندرون، (المصيصيَّة)، وأرسوز. أما أبرشية الشرق، التي عاصمتها أنطاكية، فقد كانت فيها مقاطعتان: (سوريا الأولى)، وعاصمتها أنطاكية، وكانت تضم منطقة بحرية فيها مرافئ: سلوقية، اللاذقية، جَبْلة. ثم مناطق قاريَّة، فيها عدة مراكز حضرية: حلب، خناصر، قِنّسرين. أمّا، (سوريا الثانية)، فكانت عاصمتها: أفامية، ومدنها الرئيسة، هي: الرستن، حماة، رفنيَّة. أمّا المقاطعات الشمالية للشرق السوري، المكوَّنة من مناطق الفرات ودجلة، وبلاد ما بين النهرين، فقد كانت (منبج)، عاصمة منطقة الفرات، ومدنها الرئيسة: باليس (مسكنة)، كورش، جرابلس، مرعش، والرصافة، وسميساط. أما منطقة (الدجلة)، وعاصمتها (أورفة)، فكانت تضم: ساروج، الرقَّة، حرَّان، قرقيسية. وتنتمي لمنطقة ما بين النهرين: ديار بكر، دارا، ميافارقين، ونصيبين.
أمّا - مقاطعة (فينيقيا) الكنعانية، فهي مقسمة إلى منطقتين: الأولى، هي: (فينيقيا الأولى)، عاصمتها صور، ومدنها: بيروت، طرطوس، جزيرة أرواد، طرابلس، جْبيل، بانياس، صيدا، عكّا. أما (فينيقيا الثانية)، التي عاصمتها، دمشق، فتضمُّ: حمص، بعلبك، تدمر، سوق وادي بردى. وفي جنوب غرب أبرشية الشرق، تقع (فلسطين)، التي قُسّمت إلى ثلاث مقاطعات: (فلسطين الأولى)، وعاصمتها: قيسارية، ومدنها: (القدس، والخليل، وبيت لحم، ونابلس، ويافا، وغزة، وعسقلان). أمَّا (فلسطين الثانية) التي عاصمتها: بيسان، فتضم: جَرَش، وطبريا. أما (فلسطين الثالثة)، فهي: شرق الأردن، وعاصمتها: البترا.
أمَّا - جنوب شرق سوريا الطبيعية في العهد البيزنطي، فقد كان يُسمّى (ولاية العربية)، ويضمّ أربعة مناطق إدارية: منطقة الشمال (البلقاء حالياً)، وعاصمتها: عمَّان (فيلادلفيا)، ومنها مدن: مأدبة (مادبا)، ومعان، وأمّ الرسَّاس. أما المناطق الأخرى، فهي على التوالي: (البثنية)، ومدنها: درعا، والصنمين، ونوى. ومنطقة (حوران)، وعاصمتها: بُصرى، ومدنها: قنوات، وشقّا، وشهبا، والسويداء. أمَّا منطقة اللجى، ومدنها، هي: براق، إزرع، ومِسْميَّة - (مصطفى طلاس: سوريا الطبيعية، ج1، ص:118-121).
سادساً: كانت شبه جزيرة سيناء، توصف بأنها من (المناطق الآسيوية)، وهي متاخمة لإقليم فلسطين (الآسيوي). وقد شهدت العلاقات المصرية - الفلسطينية، توثقاً منذ (الألف الثالث ق.م). وكان الملك سنفرو (2650-2600 ق.م)، حسب برستيد، هو (أعظم من استغلَّ معدن النحاس في سيناء). وقد استوردت مصر من فلسطين: الأخشاب، والنبيذ، والصوف، والقطران، والكبريت، والعاج، وصمغ الصنوبر، الذي كان يعتبر عنصراً هاماً في بناء السفن. كما استوردت مصر، زيت الزيتون من سورية وكنعان، الذي يستخدم في التحنيط. وتشير الأدلة إلى استيراد مصر لزيت الزيتون من فلسطين، حيث عثر على العديد من معاصر الزيتون في فلسطين، إضافة إلى ورود (أشجار التين والعنب) في فلسطين في النصوص المصرية، خصوصاً في أريحا. كذلك استورد المصريون: العطور، والدببة السورية، وحيوانات أخرى من بلاد كنعان. أما مصر، فقد صدَّرت إلى فلسطين: الأواني الحجرية، والذهب، والكتّان، والحبال، والقمح. وبالنسبة للطرق التجارية، فقد كانت سيناء هي الممرّ الرئيس، وأصبح ساحلها الشمالي، الطريق البرّي الرئيس الذي يربط مصر بفلسطين، حيث اتصلت مصر بالمواقع الحضارية الفلسطينية: أريحا، بيسان، تل المتسلم، عن الطريق البرّي، الذي يسير بمحاذاة ساحل المتوسط إلى فلسطين (شرق الدلتا، وجنوب فلسطين). أما، الطرق البحرية، فقد شهدت نشاطاً تجارياً بين مصر، وموانئ الساحل الفلسطيني، والساحل الكنعاني الشمالي (من الدلتا المصرية إلى جْبيل). ولعبت جْبيل، وأوغاريت، دوراً مهماً في هذه العلاقة. ولم يقتصر النشاط التجاري على البحر المتوسط، بل امتدّ إلى البحر الأحمر، الذي لعب دوراً ملموساً في المواصلات والتجارة بين مصر وفلسطين. وقد شكَّل البحر الأحمر مع وادي عربة في جنوب فلسطين، طريقاً بحرياً وبريّاً مهمّاً منذ عصور ما قبل (الأُسر المصرية)، فقد عُثر على (أصداف البحر الأحمر) في مخلَّفات حضارة بئر السبع. وقد كانت الحملات العسكرية الفرعونية، من أجل تأمين طرق التجارة البريَّة، والبحرية. ويظهر منظر لأسرى آسيويين في سفن مصرية منتصرة، في عهد الملك (ساحورع) من الأسرة الخامسة، ومنظر آخر، يظهر استيلاء المصريين على (حصن كنعاني)، يُسمّى: (نيديا).
وتذكر سجلات الملك (بيبي الأول: 2375-2350 ق.م)، بأنه صدَّ هجوماً لقبائل فلسطينية، هددت المصالح المصرية في جنوب فلسطين، أو ربّما هدَّدت الحدود المصرية. وقام بيبي الأول، بحملة عسكرية مؤلفة من عشرة آلاف جندي لمحاربة العناصر الآسيوية في فلسطين، أو في منطقة (بحيرة البردويل) في سيناء. والأرجح، حسب النصوص، أن يكون المكان في فلسطين الجنوبية. ويبدو أن بعض العناصر الآسيوية (الفلسطينية)، قد استقرت في مصر، حيث عثر على تابوتين في مدخل (الفَيُّوم) يرجعان إلى مصر الأسرة الرابعة، يحملان (أسماء كنعانية) أمورية. أما التأثيرات الفلسطينية في مصر، فتظهر في الصناعة الفخارية المصرية، فقد عثر على موجودات خزفية فلسطينية في قبور الجيزة، وموقع سقَّارة، وأبيدوس. وعُثر في مواقع مصرية على فخاريات من (جبيل، وأوغاريت). ومن جهة أخرى، يتبين من وجود الأدوات المصرية في المدن الفلسطينية، وسوريا ولبنان، وبصورة خاصة في (بيبلوس: جْبيل)، على علاقات تجارية وسياسية قوية بين بلاد كنعان، ومصر. وكان هناك نفوذ مصري قوي في جنوب فلسطين، منذ مرحلة الأسرة الأولى، كذلك في مناطق شمال وشرق فلسطين: (مجدّو، بيسان، غزَّة). وتدلُّ المصادر المصرية، والفلسطينية، مؤيدة بالآثار على قوة الصلات بين مصر وفلسطين في (الألف الثالث ق.م) - انظر: (عزالدين غريبة: المجلة العربية للثقافة، مارس (آذار)، 1982: ص:26-43).


الكنعانيون: أصليّون، أم مهاجرون!
1. فراس السوَّاح: الكنعانيون أصليون في مواقعهم:
يقول فراس السوَّاح بأنَّ المؤرخين أطلقوا اسم (الكنعانيين) على سكّان المنطقة السورية، وهي المنطقة المحصورة: (بين وادي الفرات شرقاً، والبحر المتوسط غرباً، وبين جبال طوروس شمالاً، وحدود الصحراء العربية جنوباً). كما وردت تسمية (كنعان)، و(كنعانيون) للدلالة على أرض فلسطين وشعبها، حيث استعملها المصريون القدامى، للدلالة على المناطق الجنوبية الغربية من سورية، وهي المناطق التي كانوا على احتكاك بها منذ بدايات التاريخ المصري. وترد التسمية في النصوص المصرية، بصيغة (بي كنعان - pe kanan). كما نجد تسمية (كنعان) في بعض النصوص السورية من الألف الثاني ق.م، مثل نص إدريمي، ملك (ألالاخ)، وهو يتحدث عن لجوء إدريمي هارباً من مملكته قرب أنطاكية إلى (مدينة أميا في أرض كنعان)، قرب طرابلس الحالية. ويقول موسكاتي بأنَّ (شريحة لا بأس بها، كانت تتباهى بأصلها الذي تسميه: كنعانياً، خلال العصر الروماني). ولذلك، يقول فراس السوّاح، بأنَّ (التسمية: كنعان) هي تسمية لمنطقة جغرافية بالدرجة الأولى. وهذه المنطقة، هي الأراضي الممتدة على طول الساحل السوري، ابتداءً من أوغاريت، وما يليها، مع بعض الامتدادات نحو الداخل، كما هو حال منطقة فلسطين. وتشمل أيضاً مناطق غربي الفرات منذ العصر الحجري الحديث. وقد أطلق (باولو ماتييه) على اللغة (الإيبلائية)، صفة (الكنعانية المبكّرة proto-Canaanit)، ورأى في مملكة إيبلا، نموذجاً عن الحضارة الكنعانية في الألف الثالث ق.م. وقد أسّس الأموريون الكنعانيون في المدن السورية الكبرى مثل: ماري وحلب وقطنة، أسراً حاكمة. وتظهر في فلسطين، آثار أركيولوجية واضحة عن الدمار التام لعدد كبير من المدن، أعقبه فترة فراغ سكاني دامت أكثر من قرنين في بعض المواقع، وعثروا في مواقع المدن المدمرة على آثار حياة بدوية لجماعات آمورية، واعتقدوا أن هذه الجماعات هي المسؤولة عن تدمير ثقافة البرونز المبكر في فلسطين. أما حقيقة ما جرى خلال الفترة الانتقالية من البرونز المبكر إلى البرونز الوسيط، فهي كالتالي، حسب طومسون: مع الربع الأخير للألف الثالث ق.م، انتهى المناخ البارد المطير، الذي ساد المنطقة منذ أواسط الألف الرابع ق.م، وتبعه بشكل مفاجئ مناخ حار وجاف، استمر حتى مطلع الألف الثاني ق.م. وفي فلسطين، استمرت المدن الواقعة في مناطق الوديان الخصبة والسهلية، ولكن تحت شروط قاسية، تقلص حجمها وعدد سكانها، بسبب الجفاف. كذلك الأمر بالنسبة للمناطق الجنوبية، مثل: تل عراد، وبئر السبع، التي تحولت إلى أرض قاحلة، بعد أن كانت مزدهرة زراعياً لفترة طويلة. وفي مناطق شرق الأردن، تحوّل السكان من الزراعة إلى الرعي. وتمَّ نزوح أعداد كبيرة من سكان المناطق الواقعة على حدود البوادي، ممن تحولوا إلى الرعي المتنقل، (نحو الجزيرة العربية، حاملين إليها اللغة الساميَّة)، حسب طومسون. وفي فلسطين، يبدو أن دمار البيوت تمَّ بشكل طبيعين نتيجة العوامل الطبيعية. وفي عام (1950 ق.م)، انتهت فترة الجفاف. وعاد الازدهار لسوريا وفلسطين، وأعيد بناء المدن. وقد تطابقت بداية فترة الازدهار مع بداية عصر البرونز الوسيط (1950-1550 ق.م). كما أن الثقافة المحلية في الفترة الانتقالية، تُظهر ارتباطاً مع البرونز المبكر، خصوصاً في فلسطين، أكثر من أي مكان آخر في سوريا، واستمرت الثقافة السكانية خلال فترات لاحقة. وشهد عصر البرونز الوسيط (1950-1600 ق.م)، قيام دويلات المدن، مثل: (كركميش، ماري، ألالاخ، قطنة، قادش). وفي فلسطين، نضجت البنى الأساسية للمدن التي كانت أشبه بالقرى خلال الألف الثالث ق.م. وأخذت هذه البنى تتشكل تدريجياً، وفق نظام دولة المدينة، مثل: (شكيم، حاصور، ومَجدّو) - (فراس السوّاح: آرام دمشق وفلسطين: ص:15-28). أما ما يقوله (السوّاح) في كتاب آخر، فهو أنَّ أرض كنعان، تاريخياً، هي المناطق السورية الواقعة إلى الغرب من نهر الفرات بما فيها فلسطين، وأن (الكنعانيين) كانوا موجودين في (سوريا الجنوبية)، منذ الألف الرابع ق.م، ذلك أن العديد من المدن التي أسست مع نهاية الألف الرابع، ومطلع الألف الثالث، مثل: (بيت شان، مجدّو)، تحمل أسماءً كنعانية، لكنَّ السوَّاح يضيف اسم (أريحا)، وهذا أمر مشكوك فيه، لأن أريحا، تأسست في الألف التاسع ق.م، وربّما قبل ذلك. أما عن أصل الكنعانيين، فيرى ما يراه موسكاتي: (الحق أن أكثر النظريات قرباً من المنطق السليم، هي التي تجعل الكنعانيين أصيلين في أرضهم وترى في مدنهم الأولى، تطوراً طبيعياً لقرى العصور الحجري الأقدم). ذلك أن الكثير من مستقرات الكنعانيين التاريخيين، كانت قرى مزدهرة في عصور ما قبل التاريخ. والدليل على ذلك، وجود (أريحا، جبيل، أوغاريت). فأريحا كانت أحد المراكز القليلة، التي ظهرت فيها الزراعة لأول مرّة في التاريخ مع مطالع العصر الحجري الحديث، خلال الألف الثامن ق.م. وخلال فترة حكم الهكسوس لمصر، ازدهرت المدن الكنعانية، واستطاعت تدريجياً امتصاص موجة الأموريين، منذ مطلع الألف الثاني ق.م. ورأي السوّاح هذا، يؤكد عدم صحة أسبقية الأموريين في التسلسل التاريخي، فهُم قبائل كنعانية، جاءت إلى فلسطين، والكنعانيون فيها - (فراس السواح: الحدث التوراتي - ص:247-249).

2. أحمد سوسة: الكنعانيون في فلسطين مع بداية الألف الثالثة:
يقول أحمد سوسة، بأنَّ الآثريين، الذين أجروا تنقيبات في بعض المدن، التي تحمل أسماء كنعانية أصيلة، مثل: (أريحا، مَجدّو، جازر)، أرجعوا تاريخ هذه المدن إلى (ما قبل الألف الثالثة ق.م)، واعتبروا (أريحا)، أقدم مدن العالم، وأنَّ أقدم المعابد الكنعانية تقع في أريحا، ومجدو، وترجع إلى أوائل الألف الثالثة ق.م. ويقول أولبرايت، بأنه: (لدينا من الأدلة والبراهين على أن الكنعانيين، استقروا في فلسطين في أوائل الألف الثالثة ق.م، حيث عثر على أسماء كنعانية، ترجع إلى الأسرة الخامسة المصرية (6592 ق.م). وقد ورد ذكر (كنعان) في رسائل تل العمارنة التي تعود إلى القرن 15 ق.م، باسم (knakhni)، وكانت هذه التسمية، تطلق على القسم الجنوبي من بلاد الشرق، المشتملة على فلسطين، أما القسم الشمالي، فكان يسمّى (أمورو)، ويشمل منطقتي لبنان وشرق الأردن. وقد ورد، كما قال سميث، في الكتابات القديمة، ذكر مدينة بابلية باسم (كنعان)، وسُمّي ساكنها (كنعاني)، وهو نفس اسم كنعان الفلسطيني، ويعتقد أن التسمية، جاءت عن طريق انتقال مهاجرين من كنعان إلى بابل). وتطلق تسمية كنعان حتى اليوم على موضع في لواء ديالا في العراق، كذلك توجد بلدة كنعان في مقاطعة نيوهمشاير الأميركية. ومما لا شكَّ فيه - يتابع أحمد سوسة - بأن الكنعانيين هم أقدم الأقوام الذين استقروا في فلسطين، وإليهم يعود تأسيس حضارة فلسطين القديمة. والأرجح عند سوسة أن (لغتهم كانت في الأصل، اللغة التي اعتبرت أقرب لغة إلى أم اللغات السامية، أي العربية القديمة). وترجع الحضارة الكنعانية إلى عصور واغلة في القدم، فمنذ العصر الحجري الحديث (7000-5000 ق.م)، بدأت هذه الحضارة والتمدن. فاكتشف الكنعانيون، النحاس، والبرونز، الذي أصبح استعماله شائعاً منذ أواسط الألف الثالثة ق.م. وقد اشتهر الكنعانيون بما ابتكروه من وسائل الدفاع عن مدنهم، مثل إنشاء القلاع، والحصون، والأنفاق، مثل (نفق جازر)، ونفق يبوس في القدس، من أجل الوصول إلى ينابيع المياه. وأعظم عمل قدَّمه الكنعانيون هو اختراعهم للأبجدية. وقد أشار المؤرخون إلى أنَّ قبائل الأمازيغ في شمال إفريقيا، كانوا في فلسطين إلى جانب الكنعانيين. وأهم المدن الكنعانية هي: عكّو، أكزيب (الزيب حالياً)، وأحلب (محلبا الآشورية)، وقانة، وصور، وصرفة (صرفند حالياً)، وصيدون، وعرقة، وسين، وصمار (سومرة حالياً)، وبيرستوش (بيروت حالياً)، وبيبلوس (جبيل حالياً)، وأرواد (رادوس)، وأوغاريت (تل رأس شمرا حالياً) - (أحمد سوسة: العرب واليهود في التاريخ، ص:89-100).
3. محمد أديب العامري: نظرية الهجرات:
يقول العامري بأن أريحا، هي أقدم مدن العالم إطلاقاً، (8000 ق.م). وهو يرى أن أريحا الأولى، بدأ السكن فيها حوالي (9000 ق.م)، أمَّا أريحا الثانية، فهي (أريحا النطوفية)، حوالي (7000 ق.م). أمّا (أريحا الثالثة)، فهي (أريحا الكنعانية)، حوالي (3000 ق.م). وكانت أريحا مدينة مسوّرة، لكن العامري، أسوة بالكتابات المعروفة حول نظرية الهجرات، يسير في نفس الاتجاه، حيث يرى أن الكنعانيين، جاءوا من شرق جزيرة العرب، ويدلّل على ذلك، بوجود تشابه بين أسماء المدن والقرى الكنعانية في (الخليج العربي، والساحل الشرقي للجزيرة)، وبين أسماء المدن والقرى الكنعانية في فلسطين ولبنان، مثل: منطقة كنعان، التي تقع على الساحل الشرقي لجزيرة العرب، وجزيرة أرواد، التي تسمّى الآن، (المُحرّق) في البحرين، و(مدينة صور) في ساحل عُمان، و(جزيرة صيدا) في الساحل الشرقي للجزيرة، و(جْبيل) في ساحل الإحساء، وغيرها، إضافة إلى ذلك، تشابه في المقابر والهياكل والمساكن). وكانت هجرة الكنعانيين إلى فلسطين، والهلال الخصيب في حوالي (4500 ق.م). حيث كانت (ماري) عاصمتهم، وسكن الكنعانيون (الفلسطينيون، واليبوسيون والفينيقيون) في السهول والسواحل الشاميَّة. وقال السير جيمس فريزر، بأنَّ: (الناطقين بالعربية من فلَّاحي فلسطين (اليوم)، ما زالوا مرتبطين بأرض فلسطين، لم يتركوها، ولا اقتلعوا منها، وإنْ طغت عليهم، موجات من الغزو، فهم ظلوا صامدين ومقيمين فيها). وقال أولبرايت، بأن العنصر السامي (العربي)، قد بقي العنصر الأساسي في التركيب العرقي لفلسطين منذ الفترة (10.000-3000 ق.م). وقال أوليري: (في حالة فلسطين، ما يحمل على الاعتقاد بأنَّ أكثريَّة الفلَّاحين الحاليين، هم أحفاد الكنعانيين). ويضيف العامري بأنّ عدد المدن الكنعانية في فلسطين، خلال الألف الثاني ق. م، لم يكن يقلّ عن (مائتي مدينة) - (محمد أديب العامري: عروبة فلسطين في التاريخ: ص:249-266).


4. كمال الصليبي: أرض الكنعانيين في عسير:
يقول كمال الصليبي بأن (أرض كنعان)، تقع في غرب شبه الجزيرة العربية، وليس في فلسطين، وهي تضمُّ، المنحدرات البحرية لعسير من منطقة (بلَّحْمر) في الشمال، عبر (رجال ألمع)، إلى منطقة (جيزان) في الجنوب. وهنا يمكن ملاحظة وجود قريتين تُسميان (قناع): (قنع تقارن بالجذر كَنَعَ، ومنه كنْعَنْ) في منطقة (المجاردة)، شمال منطقة بلْحَمر. وفي الجوار الأوسع ذاته هناك قرية تُسمَّى (العزَّة)، وكذلك قرية تسمى (القناع)، وواحدة تُسمى، (ذي القناع)، وواحدة تسمى: القَنَعاتْ. وهناك قريتان تُسميان: (القنعة) في جيزان. وأخيراً، هناك قرية تسمى (آل كُنعان)، وتعنيى حرفياً: إله كنعان في وادي بيشة، عبر الشق المائي من منطقة المجاردة. ويعود كمال الصليبي ليؤكد نظرية الهجرات من شبه الجزيرة العربية، أبرزها، هجرة (الكنعانيين-، والفلستيين، والفينيقيين) إلى السواحل الشامية لشرق البحر المتوسط، حيث نقلوا اسماء أمكنتهم في شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين وسوريا، ومنها: (غزة، وعسقلان، صور، صيدون، جبيل، أرواد، لبنان، داجون، يروشليم، بيت لحم، حبرون، شمرون، جرزيم عيبال، الكرمل، الجليل، حرمون، الأردن)، وغيرها. وهو يرى مثلاً أنَّ (معركة قرقرة)، التي خاضها (الاتحاد الكنعاني) ضد الآشوريين، كانت في (القنفذة) في تهامة الحجاز. ويضيف الصليبي أن (الكنعانية والآرامية والعربية)، متساوية في القدم، ومن الناحية اللغوية، تعتبر العربية أقدم الثلاث، وأن (الكنعانية)، كانت اللغة الأصلية للسكان الأصليين في المرتفعات الغربية للبادية الشامية العربية، في الشام وشبه الجزيرة العريبة - (كمال الصليبي: التوراة جاءت من جزيرة العرب، ص:33-44 + ص:101).

الخلاصة:
نشأ الكنعانيون في بلادهم الأصليّة (بلاد كنعان)، أي: فلسطين، والاردن، وسوريا، ولبنان، الحالية، منذ (الألف الرابعة ق.م)، على الأقلّ، وهم أحفاد الحضارة الكبَّاريَّة، والحضارة النطوفية، وحضارة أريحا (9000 ق.م)، وحضارة (إيبلا)، وحضارة (صور وجْبيل). وقد ظلَّت هذه الحضارة الكنعانية، مسيطرة ثقافياً، ولغوياً، واقتصادياً، حتى بعد ميلاد المسيح، رُغم تبدُّل وتغيُّر الأسماء: (فالأموريون، والهكسوس، والفينيقيون، والعرب، والسوريون، بل والبابليّون)، ينتمون جميعاً إلى (الحضارة الكنعانية). ويبدو لي أنَّ الكنعانيين، في فترة الجفاف في الثلث الأخير من الألف الثالثة، ق.م، وحتى حوالي العام (1950 ق.م)، قد هاجر الكثيرون منهم من بلاد الشام إلى شبه الجزيرة العربية واليمن، حين تحوّلوا من مزارعين إلى رعاة، ونقلوا معهم ثقافتهم الزراعية، بل نقلوا معهم لغتهم الكنعانية، حيث ولدت منها: اللغتان: الآرامية (السريانية)، والعربية القديمة. ورغم الجفاف، لم ينقطع التواصل الحضاري للسكان في بلاد كنعان الأصلية، خلال فترة الجفاف، إذْ استعادت المدن الكنعانية الشامية ازدهارها. وبالتالي، قد يكون، ما يُسمى: (اللغة السامية الأُم)، هي اللغة الكنعانية نفسها. وبطبيعة الحال، نقل الكنعانيون من (بلاد كنعان)، التي نوافق على الرأي، الذي يقول بأن: (فلسطين، وشرق الأردن، هما مهد الحضارة السامية)، نقلوا أسماء قراهم ومدنهم إلى شبه الجزيرة العربية، وليس العكس كما تزعم (نظرية الهجرات). صحيحٌ أنَّ التقسيمات الإدارية لبلاد كنعان، اختلفت فيها التسميات للمناطق الجغرافية، إلاّ أن (بلاد كنعان الحقيقية)، ظلَّت حتى العهد البيزنطي - الروماني، تعني جغرافيا: ساحل المتوسط الشرقي، من (رأس شمرا)، حتى غزّة، ومن ساحل البحر المتوسط، حتى بادية الشام شرقاً، وتشمل: فلسطين الداخلية، وشرق الأردن، حتى خليج العقبة، بل وصلت شمالاً حتى (أضَنَة)، حسب كلود شيفر، رغم إطلاق اسم كنعان في البداية على (فلسطين وفينيقيا). وعلى الرُغم من نظام (دُويلات المدن) في البلاد الكنعانية، إلاّ أنَّ نظام (الاتحاد والأحلاف) الكنعانية، كان يسود أحياناً، علاقات دول المدن في بعض الفترات المصيرية، خصوصاً في وجه الأخطار القادمة من الإمبراطورية الأشورية في العراق، ومملكة الفراعنة في مصر. وعلى الرغم من قسوة الحملات العسكرية الأشورية - المصرية على سكّان بلاد الشام، حيث كان هدفها، جباية الضرائب، والسيطرة على طرق التجارة، إلاّ أنَّ العلاقات الثقافية المتبادلة، كذلك الاقتصادية، لم تتوقف بين الطرفين: الكنعاني من جهة، والمصري الأشوري من جهة أخرى، ممّا أحدث (ثقافة التهجين)، وكان التأثير والتأثر متبادلاً، أي لم تكن بلاد الشام، مجرد متأثر، كما يزعم بعض الباحثين، بل على العكس: الهكسوس الكنعانيون، حكموا مصر، طيلة أكثر من قرنين، والكنعانيون الأموريون، حكموا بابل، طيلة فترة حكم أسرة حمّورابي، الكنعاني الأموري. والاتحادات والتحالفات الكنعانية، قاومت الحملات الأشورية - المصرية، العسكرية في: قَرْقرة، وقادشن ومجّدو، وكامد اللوز، وأمورو، وأسدود، وصور، وغزة، وغيرها.
كذلك وُجدت آثار كنعانية فلسطيَّة في مصر وبابل. وكان المصريون يهتمّون بجنوب فلسطين، بصفته المدخل الاستراتيجي إلى مصر. وبالتالي، كانت شبه جزيرة سيناء، (شبه كنعانية)، وصفت بأنَّ سكّانها من الآسيويين، لذلك اهتم بها الفراعنة، بسبب موقعها الاستراتيجي، وأيضاً بسبب الصراع بين الكنعانيين الفلسطينيين، وبين الفراعنة، على معادن النحاس والفيروز فيها. ولم توثَّق الحدود بين مصر وفلسطين إلاّ في العصر الحديث (اتفاقية الحدود عام 1906). وفي فلسطين الجنوبية، ولدت (أوّل أبجدية في العالم)، هي الأبجدية الكنعانية الأولى، التي وجدت آثارها في سيناء، ونُسبت إلى أسرى، أو عُمّال كنعانيين من جنوب فلسطين (غزَّة، الخليل، بئر السبع)، والتي تطوَّرت لاحقاً في أوغاريت، ووصلت حالة النضج في (جبيل، وصور)، وانتقلت أبجديتها إلى اليونان، وباقي بلدان العالم. ويبدو لي أنَّ الفلسطينيين، والفينيقيين، هم شعب واحد كنعاني، والدليل، هو اللغة المشتركة، وصناعة السفن المشتركة، والتجارة المشتركة، والعادات والتقاليد المشتركة. وقد أطلق اسم (سوريا) على بلاد الشام منذ القرن السابع ق.م، وأشار له هيرودوت في القرن الخامس ق.م. ولم يكن الأنباط، الذين تكلموا (الكنعانية الآرامية)، سوى الأدوميين الكنعانيين في القرن الثامن ق.م، حيث مهَّد الأنباط لظهور اللغة العربية، التي هي ابنة الآرامية (السريانية). وقد كان مصطلح (العرب)، قبل الميلاد، يعني (البداوة)، ثمَّ اصبح يعني الحضارة العربية، منذ الإسلام. ولهذا كله، نقول: إنَّ (الكنعنة الثقافية)، هي الاسم الحقيقي القديم، لسوريا الطبيعية، لاحقاً، وهي تعادل (العروبة الثقافية)، بعد الإسلام.



#عزالدين_الماصرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسطينيون القدامى


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزالدين الماصرة - الفلسطينيون القدامى