أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جودت هوشيار - في أحد الشوارع المألوفة : قصة قصيرة للكاتب ايفان بونين - ترجمها عن النص الروسي وقدم لها : جودت هوشيار















المزيد.....

في أحد الشوارع المألوفة : قصة قصيرة للكاتب ايفان بونين - ترجمها عن النص الروسي وقدم لها : جودت هوشيار


جودت هوشيار
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 5665 - 2017 / 10 / 10 - 19:02
المحور: الادب والفن
    


كلمة تقديم
هذه القصة فريدة من نوعها ، حيث يتداخل فيها النثر الفني والشعر، على نحو لا يمكن الفصل بينهما ، دون الأخلال بسياقها ، وبنائها ، وقيمها الجمالية العالية .
قصص بونين أشبه بالشعر المنثور، بجمال لغتها ، ومعمارها الفني المحكم ، بحيث لا تستطيع أن تحذف كلمة واحدة من أي نص سردي له دون أن يترك فراغاً ، أو تستبدلها ، دون أن يتشوه المعنى .
ولا ننسى أنه بدأ حياته شاعراً مجيدا ، ونال أهم جائزة أدبية روسية في العهد القيصري ، وهي جائزة " بوشكين " في عام 1903 عن ديوانه " سقوط أوراق الشجر " ، ونال الجائزة ذاتها للمرة الثانية في عام 1909 عن الجزئين الثالث والرابع من مجموعة مؤلفاته الكاملة .،وانتخب على إثرها عضواً فخرياً في اكاديمية العلوم الروسية . وظل طوال حياته الأبداعية يكتب الشعر أحياناً ، ولكنه معروف في المقام الأول ككاتب قصصي من طراز رفيع . ويشكل مدرسة متميزة في فن القصة القصيرة ، كسلفه العظيم أنطون تشيخوف .
إن الحب العارم، لا يمكن أن يدوم طويلاً ، أو يكون له نهاية سعيدة . واذا إنتهى بالزواج –على أحسن الفروض – يكون حال الزوج ، كما جاء في المثل الفرنسي : " من يتزوج عن حب ، تكون لياليه طيبة وأيامه تعيسة ". وهذا ما كان يؤمن به بونين ، وقال - في أكثر من مرة – إن الحب الحقيقي ، هو ذروة التوهج
العاطفي . ولا يمكن للأنسان البقاء في هذه الذروة لفترة طويلة ، فظروف الحياة يمكن أن تفرق بين الحبيبين في أي لحظة ، وقد ينقلب الحب بمرور الزمن الى ملل وكآبة ورتابة . وكما يقول بايرون " غالباً ما يكون من الأسهل الموت من أجل الحبيبة ، من العيش معها ".
في هذه القصة ، كما في العديد من أعماله الفنية، وخاصة مجموعته القصصية الرائعة " الدروب الظليلة " مشاهد ايروتيكية ، ولكن بونين يعرف ، كيف يختار كلماته المعبرة عن الحب اللاهب ، دون ان ينزلق الى مهاوي الأبتذال .، ويعرف جيداً الحد الفاصل بين " الأيروتيكا" الراقية وبين " البورنوغرافيا " الرخيصة ، التي لا تتطلب موهبة حقيقية ، أو مهارة فنية .
بطل القصة – وهو مغترب روسي مسن ، يتذكر- وهو يمشي على رصيف بولفار باريسي - قصة حب عارم بينه وبين فتاة فقيرة من عامة الشعب ، قبل عدة عقود من الزمن ، عندما كان طالباً في موسكو . ويبدو من وصف البيت الخشبي والجرس المربوط بالسلك ، والفنارات ، أن البطل يعود بذاكرته الى العهد القيصري ، في أواخر القرن التاسع عشر . ومن الواضح أنه يستعذب ذكرياته الحميمة ، ويجد فيها سعادة حقيقية ، يفتقدها ، في شيخوخته في بلاد الغربة. فهي ( الذكريات ) سعادة قصوى. لأن ذكرى الماضي تنير روح البطل وتسمو بها .
عندما كتب بونين هذه القصة في عام 1944 كان في الرابعة والسبعين من عمره ويعيش في مدينة بجنوب فرنسا ، مختبئاً عن عيون رجال الجستابو ، خلال الأحتلال الألماني لفرنسا ، ويمر بضائقة مالية شديدة ، ولم يكن قد بقي شيء يذكر من قيمة جائزة نوبل في الآداب ، التي حصل عليها في عام 1933 . وكان يعيش على دخل شحيح يأتيه من كتبه المترجمة الى الإنجليزية واللغات الأوروبية الأخرى . ان المعنى الحقيقي لهذه القصة ، هو أن البطل انما يحاول التغلب على مصاعب الحياة بأستعادة أسعد لحظات حياته .
القصة
في ليلة خريفية باريسية ، كنت أمشي في بولفار خافت الضؤ ، داكن من الخضرة الكثيفة النضرة ، حيث الفنارات تحتها تشع ببريق معدني - وانا أحس بالشباب والبهجة ، وأردد بيني وبين نفسي :
في شارع مألوف
اتذكر منزلا قديماً
فيه سلم عال معتم
ونوافذ مسدلة الستائر
ابيات رائعة ! ومن عجب ، ان كل هذا قد حدث لي ايضا في زمن ما .
موسكو . منطقة بريسنيا . شوارع مثلوجة مقفرة . بيت خشبي صغير ، وانا الطالب ، ذلك الأنا ، الذي لا اصدق الان له وجوداً .
كان هناك ضوء غامض
يومض حتى منتصف الليل
وفي البيت الخشبي ايضا ، كان ثمة ضوء يومض وعاصفة ثلجية تهب ، والريح تجرف الثلوج من على سطوح البيوت الخشبية ، فتلتف كالدخان المتصاعد ، وتضيء ما وراء الستارة القطنية الحمراء .
آه ، يا لها من فتاة معجزة ،
تهرع للقائي في ذلك البيت
في ساعة أثيرة
محلولة الجدائل
وهذا ايضا حدث لي. إبنة شماس في مدينة سيربوخوف ، تركت عائلتها الفقيرة وجاءت الى موسكو للدراسة ... وها أنا اصعد الى الشرفة الخشبية الأمامية المغطاة بالثلوج ، وأسحب حلقة الجرس . الممدود نحو المدخل . الجرس يرن وراء الباب .اسمع وقع خطوات متقافزة تنزل من السلم الخشبي الشديد الانحدار .تفتح الباب ، فتهب عليها رياح العاصفة ، وعلى شالها ، وبلوزتها البيضاء ... كنت أهرع الى تقبيلها وأحضنها وأصد الرياح عنها . ثم كنا نركض الى الاعلى في البرد القارس ، وعتمة السلم ، الى غرفتها الباردة ايضا ، المنارة بمصباح نفطي ، شاحب الضؤ . الستارة الحمراء على النافذة ، وتحتها منضدة عليها هذا المصباح. قرب الحائط سرير حديدي كنت القي عليها معطفي وسترتي ، كيفما إتفق ، وأخذها عندي ، واجلسها على ركبتي ، وانا جالس على السرير ، واحس من خلال التنورة بجسدها ، وبعظامها .
لم تكن ضفائرها محلولة ، بل كان لها شعر أشقر مجعد ، ووجه فتاة من عامة الشعب ، شفاف من الجوع , وعيناها ايضا كانتا شفافتين فلاحيتين ، وشفتاها رقيقتين، كالتي تكون عادة عند الفتيات الواهنات .
تلتصق بشفاهي
ليس على نحو طفولي
بل متوقدة كالناضجات
وتهمس في أذني مرتعشة
أسمع دعنا نهرب !
نهرب ! الى اين وممن ؟ يالروعة هذه السذاجة الطفولية " نهرب ! " .
نحن لم يكن لدينا " نهرب " بل شفاه واهنة ، هي احلى شفاه في الدنيا . ودموع تطفر من عيوننا من فيض السعادة . وبسبب الاجهاد المضني للجسدين الفتيين كان كل واحد منا يضع رأسه على كتف الآخر . وكانت شفتاها تشتعلان ، كما في القيظ . عندما كنت أفك أزرار بلوزتها , وأقبل الصدر الحليبي البكر بحلمتيها الصلبتين , غير الناضجتين ... وعندما تستعيد وعيها ، تقفز وتشعل الطباخ الكحولي ، وتسخن الشاي فنشربه، ونحن نأكل الخبز الأبيض مع الجبنة ذات الغلاف الاحمر ، ونتكلم دونما نهاية عن مستقبلنا ، ونحس كيف إن الرياح الباردة المنعشة تهب وراء الستارة ، ونسمع تساقط الثلوج على النافذة :
" في شارع معروف أتذكر منزلاً قديماًً ".
ماذا أذكر ايضا ؟ أذكر أنني ودعتها في ربيع تلك السنة في محطة قطار كورسك . كيف اسرعنا الى الرصيف مع سلتها المصنوعة من الصفصاف ، وبطانيتها الحمراء الملفوفة والمشدودة بالأحزمة , ركضنا بمحاذاة القطار الطويل ، الذي كان على وشك التحرك, اذكر كيف صعدت أخيرا الى مدخل احدى العربات ، ونحن نتحدث قبل الوداع ، ونقبل ايدي بعضنا البعض ، وكيف وعدتها باللحاق بها في سيربوخوف بعد أسبوعين . لا أذكر أي شيء بعد ذلك . ولم يكن هناك شيء بعد ذلك أبداً .



#جودت_هوشيار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كامارغ
- ثلاث قصص قصيرة جداً لفرانز كافكا
- الكاتب الذي ركعت مارلين ديتريتش على ركبتيها لتحيّته !
- مأساة الكتّاب الروس
- تشيخوف الأميركي
- من أدب الحرب : قصة -السعادة- لإيليا إهرنبورغ
- إله الكتابة
- الرواية البوليفونية الجديدة
- الأدب العالمي ... مفهومه وقضاياه
- البياتي في ذاكرة طلبة البعثات في موسكو
- أوجه الإختلاف والتشابه بين الصحافة والأدب
- عبدالوهاب البياتي في موسكو ... ملاحظات وإنطباعات
- متعة القراءة العميقة
- سحر الإستهلال الروائي الجاذب
- حيّوا معي هذه السيدة العظيمة
- من هو الكاتب الحقيقي ؟
- في حضرة ناظم حكمت
- عودة مدهشة للروائية الأميركية هاربر لي
- مناورة بوتين الذكية !
- ترومان كابوتي ... العبقري الذي جنى على نفسه


المزيد.....




- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...
- فيديو صادم.. الرصاص يخرس الموسيقى ويحول احتفالا إلى مأساة
- كيف حال قرار بريطاني دون أن تصبح دبي جزءاً من الهند؟


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جودت هوشيار - في أحد الشوارع المألوفة : قصة قصيرة للكاتب ايفان بونين - ترجمها عن النص الروسي وقدم لها : جودت هوشيار