أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عيسى الصباغ - ملابسات موت الشاعر














المزيد.....

ملابسات موت الشاعر


عيسى الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 5658 - 2017 / 10 / 3 - 23:34
المحور: الادب والفن
    


في ورقته النقدية التي ألقيت في مؤتمر عُقد في عمان – الأردن عام 2008 ، حول آثار الحصار الاقتصادي على العراق ، أشار الناقد سهيل سامي نادر – وهو يكتب توثيقا للبيئة الثقافية آنذاك – الى وفاة الشاعر رعد عبد القادر إذ قال : (اعتقل صديقنا المشترك الشاعر عبد الزهرة زكي، وبعدها بيومين فقط توقف قلب رعد عبد القادر تأثرا) استوقفتني هذه الفقرة ، وعلى وجه التحديد الصيغة ( تأثّرا) ، إذ يُفهم من السياق – على نحو مباشر وسريع - أن وفاة الشاعر جاءت نتيجة تأثّره باعتقال صديقهما المشترك . ومن المعروف أن الشاعر ، رحمه الله ، كان مصابا بالسكري ، وقد التهم هذا المرض الكثير من جسده حتى بان عليه الهُزال ، وافترش الاصفرار محيّاه ، وقد كان في يفاعته جمّ الوسامة قويّ البنية ، لذا مرّ على ذهني خاطر بهيئة سؤال : أيكذب المثقف ؟ ثم سرعان ما أزحت هذا الخاطر كما يزاح الفائض من الأشياء من فوق المنضدة ، وعدت الى الصيغة ( تأثّرا) فوجدت أن الناقد قد أسقط متعلّقها ، وأطلق صيغته بلا قيد . ما معنى كلامي هذا ؟ أقول إن التأثّر يتعدّى بأحد حروف الجر الثلاثة : تأثّر به ، وتأثّر منه وتأثّر له ، والناقد حرّر (تأثّرا) من متعلّقه ( به ، منه ، له ) وجعله مفتوحا قابلا جميع الاحتمالات ، وكلّ احتمال يَضعُف بالآخر ، والآخر يضعُف به إذ لا يمكننا التعويل على أحد منها ، مما يعني أن المهم في ذلك هو التأثّر نفسه الذي تفجّر في كيان الراحل وليس سببه ، على الرغم من أن موضع الصيغة كان لبيان السبب أو العلة ( مفعول لأجله ) . باعتقادي أنها مراوغة ذكية ، مراوغة اللغة ، ومن جانب آخر محايلة القارئ وإيهامه . هذا الفن اللغوي لم يعزب عن أذهان سلفنا ( الصالح طبعا) من اللغويّين والأصوليين ، فقد حفلت كتبهم بمعالجة حذف المتعلقات والفضلات ، محلّلين ومفسّرين دلالات الحذف .
في ذكرى مرور اثني عشر عاما على رحيل رعد عبد قادر كتبت جريدة الصباح – في الصفحة الثقافية – ما يأتي : (إن أحد أسباب انهيار صحة عبد القادر وإصابته بالنوبة القلبية التي أدت إلى وفاته في الثالث عشر من كانون الثاني في العام 2003، كانت بسبب اعتقال زكي من قبل "المخابرات العراقية" في عهد النظام المباد ). وهنا أيضا تأتي العبارة ( بسبب اعتقال زكي ) مكتنفة بالغموض ، ما طبيعة هذا السبب ؟ أيكون السبب هو الحزن الشديد على صديقه أم الخوف من زيارة رجال المخابرات له ليكون مصيره كمصير صديقه أو كلاهما ؟ في الحقيقة أن الشاعر رعد عبد القادر – قبل أن يكون شاعرا معارضا - كان ابن المؤسسة الثقافية الرسمية للنظام السابق أو المباد بحسب تعبيرهم ، نشأ وترعرع في ظلالها ، وتسنّم مواقع ثقافية كانت مثار حسد من أخماس الشعراء وأعشار المثقفين ، ولم ينجُ من لمزهم وغمزهم بسبب مواقفه السياسية المعبّرة عن آيديولوجية النظام آنذاك ، على الرغم من أنه كان نبيلا مع الجميع .
لم يتسنّ لي مجالسته إلا مرة أو مرتين ، كان ذلك في أثناء تحوّله الفكري ومصارعته المرض ، وقتذاك كان يتحدّث في الفكر الاسلامي أو ما شابه ، وكنت أصغي اليه بانتباه وأوّجه اليه بين الحين والآخر سؤالا لأتلقى إجابات ذات طابع تقليدي لا تُسمن ولا تُغني من جوع ، لم أشأ مجادلته أو معارضته فقد غمرني بلطفه وأدبه فهو من النوع الذي يقال عنه ( عالي الجناب ) . لم تعجبني مجموعته جوائز السنة الكبيسة ، فقد رأيت فيها – بحسب ذائقتي - صياغات مفتعلة وتعمّل وتكلّف ، أي صناعة شعرية فحسب ، وبعد وفاته قرأت له قصائد جيدة تدل على موهبة حقيقية .
إذن السبب الذي ورد في مقالة جريدة الصباح يحتمل الحزن أو الخوف الشديدين أو كلاهما ، وأضيف احتمالا آخر يتعلّق – إن لم أكن مخطئا - بخجله ، وهو الحييّ ، من مواجهة رفاق قدامى بحقيقة تحوّله السياسي في أثناء استجوابه إن وقع اصطحابه الى أقبية الأمن أو المخابرات . هذه الاحتمالات – وربما هناك أخرى - أجملتها صيغة الناقد ( تأثّرا ) . يقول الشاعر عبد الزهرة زكي في مقالة نشرها موقع كتّاب العراق تحت عنوان : رعد عبد القادر ..الشاعر أكثر كرماً من الحياة ، (في السجن كان حضور رعد دائما معي، في زنزانتي الانفرادية. كنت أخشى أن يجرجر إلى التحقيق بسببي، كان معروفاً أنه من أقرب أصدقائي، وقد يكون مفيداً في التوصل إلى سر لم يبلغوه، هكذا تخيلتهم يفكرون .... فيما كنت، أحياناً أخرى، أتحسب من أن يستغل وضعي لجرجرة رعد للتحقيق أو التوقيف في أيام ملتبسة ومشحونة بكل الاحتمالات ) . اعتقد أن هذا النص يكشف أو يحدس – في الاقل - سبب توقف قلب الشاعر رعد عبد القادر .
ومن الغريب حقا أن القاص سعد هادي بعد سماعه بوفاة الشاعر عبد القادر – وهو صديقه أيضا - يكتب في موقع الأخبار قائلا أن ( رعد عبد القادر الذي توفي فجأة في 13 كانون الثاني (يناير) 2003 إثر نوبة قلبية، كان يتنبأ بالكارثة التي ستحدث بعد رحيله ) ، إن كلمة (فجأة ) تشي بأن القاص لم يعرف شيئا عن ملابسات موته ولم يتابعها ،مع أنه في وقت وفاته كان في العراق ، بخلاف ما كان عليه الروائي حمزة الحسن الذي كان يعيش بعيدا عن بلده ، إذ رسم سيناريو لموته ونشره على موقع الحوار المتمدن ، يفترض فيه أنه في أثناء زيارة رعد لصديقه عبد الزهرة يداهم الأخير في حضوره ، وكان مشهد الاعتقال ( فوق طاقة القلب الذي انتظر هو الآخر هؤلاء وقتا طويلا ومخيفا، لكنهم تأخروا عليه ) ثم عاد مسرعا الى البيت وقد شعر بالاختناق و( بتوعك حالته الصحية وقرف وخوف وحاول، في لحظة شعور غريزي بالموت، فتح كل الأبواب والنوافذ .. لكن الموت كان يزحف على جسد الشاعر كأفعى أو أصابع سرية ) ، ثم يختم السيناريو بتعليق ذات طابع تراجيدي : (لقد فجر مشهد دخول رجال الأمن قلب الشاعر الرقيق وقتل بلا رصاص )



#عيسى_الصباغ (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أئمة مساجدنا من الشواذ
- هل كان صدام حسين -شقاوة-
- حدّثتني أشعارهم
- خلف ابن أمين والربيع العربي
- مباهج الذكورة وتكريس سلطة الرجل
- هل للديمقراطية صكوك غفران
- شكوى خروف في الهوى لخروف
- بغداد صارت جنّة
- تمرّد الروح على قفصها الطيني .. مواجهات كازانتزاكي
- من أدبيات الفيسبوك .. خطاب الأسماء المستعارة
- مسرح الملائكة..أقوى معلم للاخلاق وخير دافع للسلوك الطيب


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عيسى الصباغ - ملابسات موت الشاعر