|
بغداد صارت جنّة
عيسى الصباغ
الحوار المتمدن-العدد: 3769 - 2012 / 6 / 25 - 22:57
المحور:
كتابات ساخرة
يتساءل الناس أين تذهب المليارات من الدنانير والدولارات التي تخصّص لأعمال البناء والإعمار ؟ وأين المليارات الأخرى التي تتدفق من ريع الحقول النفطية ،وأموال الضرائب تلك التي تنزل كالسياط على ظهور المواطنين ،ومع كلّ هذا ، لم يروا بناية جديدة لمدرسة ، أو مستشفى ، والشوارع ما زالت تملؤها الحُفر والمطبّات ، والمتقاعدون ما فتئوا يدبّجون عرائض الاسترحام ، و و و... وما دام الشيء بالشيء يُذكر ، فقد حدّثني من أثق بأمانته ،ونزاهته ،ونظافة يده ، : إن السلطان في إسلامبول أصدر أوامره العلية الى والي بغداد ،إذ اقتضت تلك الأوامر أن تُضاء الولاية ، وتنوّر أزقّتها جميعا في أيام العيد ، ليبتهج الأهالي بهذه المناسبة السعيدة ، كما أمر – دام ظلّه – أن يُنفق على الإنارة من خزينة الولاية . امتلأ قلب الوالي بالسرور ، وطار فرحا ، وحثّ خطاه سريعا الى الخزينة ،وسحب ألف ليرةٍ ذهبا بحضور متولي الحسبة ، ثمّ صرف المتولي ، وأرسل الى وزيره وأمره بالحضور الفوري ، فزفّ اليه الخبر السار ، بأن أمير المؤمنين – جعل الله ظلّه وارفا على الأمة – أمر بأن تُضاء بغداد كافة ، ثمّ ناوله (500) ليرة ذهبا ، لتنفيذ أوامر السلطان المطاعة ، خرج الوزير من ديوان الوالي ويكاد قلبه يقفز من صدره ابتهاجا بهذا الخبر ، فأرسل يطلب رئيس البلدية ، ولما حضر، أخبره أن حضرة السلطان الأفخم - ردّ الله كيد عدوّه - أمر بإنارة بغداد طوال أيام العيد السعيد لإسعاد أهلها ، وابتهاجا بهذه الأيام المباركة ، ثمّ ناوله (250) ليرة داعيا الله أن ينصر السلطان ويُديمه ذخرا للعالمين . خرج رئيس البلدية وفوق محيّاه ابتسامة باذخة ، فأحضر جميع مختاري بغداد ، وفي اجتماع عاجل عطّرته الدعوات للباب العالي صاحب الأيادي البيضاء على العباد ، ثمّ والي بغداد باني مجد الولاية ، والحريص على تنفيذ الإرادات السلطانية ،وأمرهم بعد ذلك بتبليغ أهالي بغداد كافة ، وحاضرهم يُعلم الغايب بأن يدقّ كلّ واحد منهم خازوقا أمام بيته ويعلّق عليه فانوسا يشتعل طوال أيام العيد ، وكلّ من يُخالف أمر السلطان - حفظه الله - يُرمى في غيابة السجن ويُقيّد بالأصفاد ويُجلد ويُغرّم . حلّ العيد وكانت أيامه سعيدة فعلا على أهل بغداد ، إذ تعالت الأصوات من المآذن وهي تكبّر وتمجّد وتهلّل ، وصخب الصبية في الأزقة وقد أذهلتهم وخطفت ابصارهم أنوار الفوانيس ، وجأر الرجال بالدعاء للسلطان أولا والوالي ثانيا ، واندلقت هلاهل النسوة من الأبواب والشبابيك ، وانسلّت محلّقة من الفتحات المقرنصة في الشناشيل ، وهزّت مدافع العيد بأصواتها المدوّية أسوار بغداد وعلت على كلّ صوت لتغطّي على أنين المسجونين ، وصرخات البائسين ممن لا يمتلك ثمن الخازوق والفانوس والزيت ، غير أن ظهورهم هي الأخرى كانت تلتهب وتحمرّ وتتوهج من شدّة السياط والجماغات التي كان يوقعها عليهم الجندرمة . من جانب آخر وقف الوالي على سطح داره فرأى بغداد شعلة من الوهج الحالم ، فابتسم ومسح على شاربيه الخنجريين وقد تناثرت الغبطة من بدلته العسكرية ذات النياشين والأوسمة ، ثمّ صرخ بملْ حنجرته : واخ واخ ... بغداد صارت جنّة .
#عيسى_الصباغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تمرّد الروح على قفصها الطيني .. مواجهات كازانتزاكي
-
من أدبيات الفيسبوك .. خطاب الأسماء المستعارة
-
مسرح الملائكة..أقوى معلم للاخلاق وخير دافع للسلوك الطيب
المزيد.....
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
-
-الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم -
...
-
أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج
...
-
الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
-
وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على
...
-
البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|