أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - معرض استعادي للفنانة البريطانية راتشيل وايتريد في«تيت غاليري» بلندن















المزيد.....

معرض استعادي للفنانة البريطانية راتشيل وايتريد في«تيت غاليري» بلندن


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5649 - 2017 / 9 / 24 - 06:28
المحور: الادب والفن
    


راتشيل وايتريد تنحت الفراغ وتحيي الأماكن المهملة

نظّم «تيت غاليري» بلندن معرضاً استعادياً للفنانة البريطانية راتشيل وايتريد التي يقترن اسمها بالموضوعات اليومية العابرة التي لا يلتفت إليها أحد لكنها استطاعت أن ترسّخها في ذاكرة المُشاهدين الذين يتأملون أعمالها النحتية على وجه التحديد. وبغية استيعاب تفاصيل هذا المعرض الاستعادي الذي يغطّي ثلاثة عقود زمنية من تجربة الفنانة وايتريد لا بد لنا أن نتوقف عند بعض المحطات الرئيسة التي تشكِّل علاماتٍ فارقة في منجزها الفني المثير للجدل. وُلدت راتشيل في مدينة إلفورد، شرق لندن عام 1963، درست الرسم في جامعة برايتون لمدة ثلاث سنوات لكنها لم تُكرِّس حياتها للرسم إلاّ لماما، كما درست النحت لمدة سنتين في مدرسة سلَيد للفنون بلندن ونالت شهادة الماجستير. وخلال سنوات الدراسة انتظمت في ورشة عمل تحت إشراف النحّات البريطاني ريتشارد ويلسون قبل أن تنطلق في إقامة معارضها الشخصية والمشتركة حيث رُشحت أول مرة لجائزة تيرنر عام 1991 وفازت بها عام 1993 عن عملها النحتي المعنون «بيت» وكانت في حينه أول امرأة تنال هذه الجائزة الرفيعة التي تُمنح للفنانين البريطانيين تحت سنّ الخمسين وتبلغ قيمتها المادية 25 ألف جنيه إسترليني وتحظى باهتمامٍ إعلامي واسع النطاق.
يشتمل المعرض مبدئياً على ستين عملاً فنياً غير أن بعض هذه الأعمال يتألف من تسع وحدات مثل أكياس الماء الساخنة، والمناضد التسع أيضاً، ولفافات الورق الملونة التي تستعمل في بيوت الراحة. أما الرسوم فقد بلغ عددها 35 رسماً أخذ بعضها شكل اللوحة الفنية، بينما انضوى القسم الأكبر منها تحت باب التخطيطات والرسوم التوضيحية التي تبيّن للمتلقي الطرق المختلفة التي طوّرت بها الفنانة غالبية أعمالها النحتية الكبيرة التي تحتاج إلى إضاءات تزيل عنها اللبس والغموض الذي ينتابها.
وبما أنّ المعرض يغطي ثلاثة عقود من تجربتها الفنية فلا بد لنا أن نسلِّط بعض الضوء على ثيماتها الرئيسة وتقنياتها المُحببة التي تستجيب إلى هذا النمط من الأعمال الفنية التي تصدم المتلقي أول الأمر ثم تتسرّب إليه مثل إيقاع منوِّم. لعل أبرز الثيمات التي تتعاطى معها الفنانة وايتريد هي الأماكن المهملة أو السلبية في البيت، وتحنيط الهواء في الغرف، وتحويل كل موجودات المنزل إلى أعمال نحتية مثل الموقد، المغسلة، حوض الاستحمام، الخزانة، السرير، الفِراش، الوسادة، الباب، الشُبّاك، المكتبة، المائدة، الكرسي، الأريكة، التلفاز، أدوات المطبخ، الحديقة، الأصص، السقيفة، غرف المنزل، والبيت برمته. وحينما لا تكتفي بهذه الموضوعات النحتية فإما أن تخرج إلى المدينة أو تتجه إلى أعماق الطبيعة لتزيّن الجبال الشاهقة أو الخلجان النائية بأعمال فنية تحمل بصمات المكان بعد أن تُضفي عليه لمساتها الإنسانية الحميمة.
كُلفت الفنانة وايتريد بإنجاز الكثير من النُصُب والأعمال النحتية الكبيرة نذكر منها «البيت» الذي وضعت عليه اللمسات الأخيرة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1993، وظل منتصباً بطبقاته الثلاث لمدة أحد عشر أسبوعاً ثم قوّضته البلدية في 11 يناير (كانون الثاني) عام 1994، و«برج الماء» في نيويورك عام 1998، و«مكتبة النُصب التذكاري للهولوكوست» في فيينا عام 2000، ونُصب قاعدة التمثال الفارغة في ساحة الطرف الأغرّ بلندن عام 2001، هذا إضافة إلى سلسلة الأعمال النحتية التي نفّذتها في أماكن بعيدة جداً مثل غران في النرويج، وجزيرة الحاكم في نيويورك، وصحراء موهافي في كاليفورنيا.
بدأ اهتمام وايتريد بالموضوعات المنزلية في أواخر الثمانينات من القرن الماضي حيث أنجزت أول نموذج لـكيس الماء الساخن الذي أطلقت عليه اسم Torso لأنه يُشبه تماماً الجذع البشري، ومنْ يدقق جيداً في هذا النموذج تحديداً سيكتشف أنّ الشَعر يغطي هذا الجذع المقطوع الرأس، والمبتور الأطراف. ومنْ يلج المعرض الاستعادي سيجد هذا الجذع كأول عمل نحتي معروض يليه الخِزانة، والموقد، والمنضدة، والفِراش، وهي مصنوعة من الجص والخشب واللبّاد والزجاج والبوليستايرين. وفي الصالة ذاتها هناك عدة أعمال نحتية أخرى مثل حوض الاستحمام والمغسلة والموقد وما إلى ذلك من التجهيزات المنزلية المعروفة التي لا يخطر ببال المُشاهد أنها يمكن أن تتحول إلى موضوعات فنية.
من بين الأعمال النحتية الضخمة لهذا المعرض هو «غرفة 101» وهي غرفة في مبنى «بي بي سي» التي كان يعمل فيها الروائي جورج أورويل خلال الحرب العالمية الثانية، ويُعتقَد أن هذه الغرفة بالذات هي التي ألهمته للكتابة عن «غرفة 101» أو غرفة الرعب في تحفته الروائية الدايستوبية 1984، ما يلفت الانتباه في هذا العمل الفني ليس جماله وقوته الرمزية فقط وإنما الدقة في تصوير شقوق الجدار وتصدعاته الصغيرة التي توحي بأن الفنانة تلتقط الأشياء الصغيرة التي قد لا ينتبه لها المُشاهد العادي.
وما دُمنا في سياق الأعمال النحتية الضخمة فلا بد لنا أن نتوقف عند منحوتة «ممرات المكتبة» وكأنّ التركيز منصبٌ على الممرات بوصفها «أمكنة مهملة» وليس على الكتب التي تعدها النخبة مصدراً للمعرفة والثقافة والتعليم. أما المنحوتة الكبيرة الأخرى فهي «السلالم» التي تكاد تلامس سقف الصالة المرتفع، والمنفذة بالجص والخشب والفايبرغلاس، وتبدو وكأنها قطعة واحدة لكنها في حقيقة الأمر مؤلفة من عشر قطع مربوطة ربطاً قوياً، وهي ليست ثقيلة كما يتصور البعض لأنها مجوّفة ولا يبلغ سمكها الخارجي أكثر من 80ملم لا غير.
تهتم وايتريد منذ زمن مبكر بالمناضد والأرائك والكراسي ولو توقفنا عن عمل «المناضد التسع» المنفذة بالكونكريت والبوليستايرين التي توحي بأنها مصاطب للجلوس أكثر من كونها مناضد طعام، ولعل البعض يرى فيها أشكالاً لقبور فرعونية ولكنها ليست كذلك، فإن ما تقصده الفنانة بهذه التكوينات ليس المنضدة بحد ذاتها وإنما الفراغ السلبي أو المهمل أسفل المنضدة الذي نفذته بمادتي الكونكريت والبوليستايرين كي تكون خفيفة ويمكن حملها بسهولة لكن الزائر سيعتقد بكل تأكيد أن هذه المناضد تحتاج إلى رافعة كي يتمّ نقلها من مكان إلى آخر.
أشاد النقاد البريطانيون بمشروع «100 مكان»، والمقصود هنا هو الفراغات المهملة تحت الكراسي وقد عُرضت في دوﭬين غاليريز إلى جانب مجموعة من الأعمال الفنية لعدد من النحاتين البريطانيين والأميركيين أمثال ليندا بينغليس، أنتوني كارو، ريتشارد داد، ريتشارد ديكِن، مايكل دِين، باري فلاناغن، بأربارا هيبورث، سارة لوكاس، روبرت موريس وريبيكا وارن. لم يكن هذا العمل أصيلاً مائة في المائة فلقد سبقها إلى تحنيط الفراغ القائم تحت الكرسي النحات الأميركي بروس ناومان عام 1965، أما الفنانة وايتريد فقد عمّقت هذه الفكرة وتوسعت بها حتى أنها حنّطت الفراغات الموجودة تحت الأرائك والمصاطب وأسرة النوم وغيرها من الأماكن المُهمَلة في البيوت والدوائر الرسمية. وفي هذا المشروع الذي يتألف من مائة وحدة نفذتها الفنانة بالجص والخرسانة والمطاط والراتنج فكان هدفها أن تجعل ما هو غير مرئي مرئياً، وأن تجعل الداخل خارجاً بتقنية مينيمالية اختزالية لا تخلو من بعض اللمسات التجريدية رغم أنّ أعمالها تشخيصية بامتياز.
لم تُبقِ وايتريد شيئا في المنزل إلاّ واستثمرته في عمل فني مثل الأرضيات، والجدران، والأبواب، والشبابيك، والمخازن وما إلى ذلك من أشياء تنتمي إلى الحياة اليومية لكنها لم تخطر ببال الكثيرين أنها يمكن أن تتحول إلى أعمال فنية سوف يُكتب لها الشهرة والخلود.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان علي الموسوي بين فكرة الأمومة وهاجس الجسد الإنساني
- مُعجم طنجة . . سيرة مدينة تحتفي بالثقافة المُضادّة
- رسائل خاتون بغداد ودورها في تعرية المواقف المحجوبة
- فرناندو بيسوّا. . الكاتب المختبئ وراء أنداده السبعين
- فرق يهودية معاصرة تتنازعها الاختلافات الدينية
- الفنان التشكيلي سعد علي: ما أزال تائهًا بين ثنايا الروح الحل ...
- الفنانة مونيك باستيانس . . شغف بالطبيعة ونزوع لتجميلها
- البوح وسيلة للاعتراف في النص السردي
- الكتابة والحياة: سيرة جريئة كتبها علي الشوك قبل ضمور الذاكرة
- محمد شكري جميل . . عرّاب السينما العراقية بلا مُنازع
- حكاية البنت التي طارت عصافيرها: لغة سلسة وبناء قصصي متماسك
- رازقي . . رواية جريئة تفتقر إلى الثيمة الرئيسة
- اللاجئ العراقي وثنائية الهجرة والحنين إلى الوطن
- الشخصية المُناهضة للحرب في رواية السبيليات
- تيت غاليري بلندن يحتفي بالفنانة التركية فخر النساء زيد
- أديب كمال الدين . . . الشاعرُ المُتعبِّد في صومعة الحرف ومحر ...
- ديفيد هوكني في معرضة الاستعادي الثاني في غاليري Tate Britain ...
- السنة المفقودة. . . سيرة ذاتية مُصوَّرة
- بيضاء كالثلج. . البحث عن آصرة الأخوّة المُفتَرضة
- عاشقات سعد علي يمرحنَ في فردوسهِ المُتخيَّل


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - معرض استعادي للفنانة البريطانية راتشيل وايتريد في«تيت غاليري» بلندن