أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - السنة المفقودة. . . سيرة ذاتية مُصوَّرة















المزيد.....

السنة المفقودة. . . سيرة ذاتية مُصوَّرة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5571 - 2017 / 7 / 4 - 14:55
المحور: الادب والفن
    


يراهن القاص والروائي الأرجنتيني بيدرو ميرال على قوّة الموضوع وفرادته في النوفيلا الجديدة التي تحمل عنوان "السنة المفقودة"، فقد اختار المؤلّف بطلاً مُلتبسًا يحيطه الغموض والإبهام في حياته ومماته على حدٍّ سواء. تُرى، ما سرّ هذه الشخصية الإشكالية؟ وكيف تحوّلت إلى لغزٍ عصيّ على الحل؟ ومع أنّ خوان سالفاتييرا هو الشخصية المحورية، وبطل النوفيلا بلا مُنازع لكنه لا يسرد الأحداث لسبب منطقي، إذ تعرّض إلى حادث مروِّع حينما شبَّ حصانه في الغابة وأسقطهُ عن ظهره لكن قدمه علُقت في رِكاب السَّرج وظل متدليًا بين قوائم الجواد الذي يركض عبر الأشجار حتى كُسرت جمجمته، وتحطم فكّهُ، ففقدَ القدرة على الكلام وهو في سن التاسعة، وحينما أفاق من غيبوبته وجد الألوان المائية التي منحها إيّاه الطبيب فشرع في الرسم الذي سيتحول لاحقًا إلى وسيلة تعبيرية لتدوين سيرته الذاتية والاجتماعية والعاطفية.
يحرق سلفاتييرا كل ما رسمه قبل سن العشرين ثم ينهمك في رسم أطول لوحة فنية في العالم سوف تستغرقه نحو ستين عامًا مُحطّمًا فيها الرقم القياسي لعملٍ فني معروض على شاشة في بكين يبلغ طوله 618 مترًا رسمه 400 راهب بوذي، بينما بلغ طول عمل سالفاتييرا أربعة كيلومترات وهو مُبدعه الوحيد الذي نفّذه على ستين لِفافة قماشية.
تتمحور الروايات العظيمة، في الأعم الأغلب، على المآسي والمواقف المفجعة، ونوفيلا "السنة المفقودة" التي تحتفي بالحب، والتكتّم، والخيانة، والغضب، والتفاني لكنها لا تخلو من الموت، والإحباط، والخسائر الجمّة. وربما تكون هذه الخلطة السحرية من المعطيات المتناقضة هي التي منحت الثيمة الرئيسة حرارتها، وصدقها، وألقها الخاص الذي يقترب من العمل الأسطوري الذي يتشكّل أمام عيني القارئ كلما توغل في النص، وتشعّب فيه قبل أن يصل إلى نهايته الصادمة.
تتميز هذه النوفيلا بحبكتها الرصينة، وأحداثها المثيرة التي تنمو وتتطوّر تدريجيًا أمام عيني القارئ، فالكاتب بيدرو ميرال ينثر عددًا من البذور في مستهل النص ثم سرعان ما تشق التربة لتكتسح الغموض، وتكشف سرًا من الأسرار المدفونة أو المُنزوية بين ثنايا النص السردي. فحينما كان الوالد سالفاتييرا راقدًا في المستشفى زاره ولداه ميغيل ولويس فسأله الأخير عمّا يجب أن يفعلاه باللفافات المرسومة فوضع سَبّابته أسفل عينه ورفع ذقنه باتجاه أمهما وقد فهما منه "إن حافظا عليها أو شيء من هذا القبيل"، ولكنه في حقيقة الأمر كان يقول:"افعلا ما تريدانه بلفافات الرسم، ولكن، انتبها لأمّكما. لا تسمحا لها برؤية الأشياء التي رسمتها"(ص116). لقد تكشّفت الجملة المضللة الآن، وفاحت رائحة اللصوصية العاطفية، واحتمال الخيانة الزوجية وارد جدًا، ولعل مكانها الأنسب هي اللوحة أو النصوص الإبداعية المكتوبة التي يتعرّى فيها الإنسان حتى من ورقة التوت ويبوح بكل فضائحة دفعة واحدة.
وبما أن الوالد سالفاتييرا أبكم فقد أسند الكاتب بيدرو ميرال مهمة الروي إلى ميغيل لسبب منطقي أيضًا فسوف نكتشف لاحقًا أن هذا الابن يحب الكتابة، وهي موهبة موازية لمَلَكة الرسم التي يتوفر عليها سالفاتييرا. وعبر آليّة السرد الشيّقة، والتنقّل بين الماضي والحاضر، نتعرف على جذور العائلة التي قدِم فيها الجد رافاييل سالفاتييرا مع أخيه بابلو إلى الأرجنتين واستقرا في برّانكالس. أما العائلة المحورية في هذه النوفيلا فتتكوّن من الأب خوان سالفاتييرا، الموظف الأبكم في مكتب البريد، والأم هيلينيا راميراز التي تعطي دروسًا في اللغة الإنكَليزية. لا تقف النوفيلا عند حدود الأبناء الثلاثة وهم لويس، ميغيل، وإيستيلا، وإنما تمتد إلى الحفيد غاستون، ابن ميغيل من زوجته السابقة سيلفيا الذي سيترك لولده مكانًا فارغًا كي يسطِّر فيه هواجسه الإبداعية.
تُشبّه لوحة سالفاتييرا غالبًا بالنهر المُتدفِّق الذي لا يقطع جريانه شيء، وهي الصفة ذاتها التي تتمتع بها لغة النوفيلا المنسابة التي تأخذ بتلابيب القارئ وهو يتعرّف على هذا الإنسان الأبكم الذي تعلّم من الآخرين ومن الكتب الفنية الشيء الكثير، كما روّض نفسه على الانغماس في الرسم، وظل يحفر في دواخله حتى وصل إلى المنجم الإبداعي الكامن في أعماقه. تعلّم من هربرت هولت، وهو رسّام ألماني فوضوي، تقنيات الرسم الزيتي، والمنظورية، ومزج الألوان، ودراسة النِسب، والأهم من ذلك كله فقد علّمه "أن يرسم كل يوم"(ص22). كما جمع كتبًا فنية عديدة ومتنوعة يقرأها ويتمثلها بعين الفنان الذي بدأ يدرك سرّ الإبداع وجماليته فلا غرابة أن يحب فيلاسكويز، فرانشيسكو زورباران، كرافاجيو، ديغا، غوغان، كانديديو لوبيز وغيرهم الكثير، لكنه لم يزر مُتحفًا، ولم يُنظِّم معرضًا، ولم يستجب لأي حوار صحفي. كان محتفيًا بعزلته الفنية وكأنما يرسم لنفسه لإشباع حاجة روحية تخضع من دون شك لأوضاعه النفسية. فبعد غرق ابنته إيستيلا غاب التوازن في لوحته، وفي أزمنة الانقلابات العسكرية كان يهرب إلى الطبيعة مستجيرًا بها من قسوة المستبدين وفظاظتهم.
رسم سالفاتييرا في لوحته العملاقة كل شيء تقريبًا على مدى ستين عامًا، رسم الأهل والأقارب والأصدقاء، رسم الطبيعة بأشجارها وأنهارها وغيومها حتى اعتبرتها الدولة جزءًا من التراث الوطني والإقليمي فمنعت بيعها ونقلها إلى الخارج لكنها لم تقدّم دعمًا لهذا العمل الفني لوضعه في متحف أو مكان مناسب الأمر الذي دفع ميغيل للموافقة على بيعه لمؤسسة رويل الهولندية التي صوّرته رقميًا على أمل نقل لفافاته الستين إلى أمستردام . وحينما يتم العثور على اللفافة المفقودة تتكشف الخيانات الزوجية للوالد الأبكم، فقد رسم في هذه اللفافة صورًا حميمة ليوجينيا راكامورا، زميلته الجميلة في مكتب البريد، تُوحي من دون شك بأنه أقام معها علاقة عاطفية رغم فارق السن الكبير بينهما. لم تكن يوجينيا هي المرأة الوحيدة التي أحبها سالفاتييرا خارج إطار الزوجية وإنما هناك امرأة سوداء تشبه روحًا تائهة سنكتشف أنها أم إيبانيز الابن. وحينما يسأله الراوي إن كان يعرف شيئًا عن أبيه يأتيه الردّ باردًا ومُحايدًا: "فقط، إنه كان أبكم!" فيوقن ميغيل بأن إيبانيز الابن هو أخوه غير الشقيق.
يحترق الكوخ في خاتمة المطاف فيشعر ميغيل بأن حياة عائلته برمتها كانت تضيع في اللهب. ومن حسن الحظ أن بوريس الهولندي قد أنهى تصوير اللفافات رقميًا ولم يبق أمامه سوى تصوير لفافة السنة المفقودة التي تركوها عند إيبانيز في الجانب الأوروغواني. تصل النسخة الرقمية واللفافة إلى متحف رويل بأمستردام دون مشاكل جمركية. ويسافر ميغيل بإلحاح من ابنه غاستون إلى أمستردام ليستمتعا برؤية قيلولة يوجينيا راكامورا عند الطرف الآخر من الأرض وتحت إضاءة اصطناعية.
ربما تكون الثيمة المحورية لهذه النوفيلا المُذهلة هي الجملة التي عدّلها ميغيل قليلاً لتصبح "الصفحة هي المكان الوحيد في الكون الذي تركه أبي فارغًا من أجلي"(ص128) فلقد ورث الابن عن أبيه هاجس الإبداع، وبدأ يكتب كل صباح أشياءه الخاصة، وفي المساء يعمل في صحيفة محلية.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ نوفيلا "السنة المفقودة" قد صدرت عن دار "مسكيلياني" في تونس، وقد نقلها إلى العربية المترجم أشرف القرقني فيما راجع النص الأستاذ شوقي العنيزي لكنه لم يسلم من الأخطاء الفادحة التي سنفرد لها مقالاً خاصًا في الأيام القليلة القادمة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيضاء كالثلج. . البحث عن آصرة الأخوّة المُفتَرضة
- عاشقات سعد علي يمرحنَ في فردوسهِ المُتخيَّل
- انتظار السَمَرْمَرْ: رواية متماسكة وليست محْكيات مشتّتة
- -بطنها المأوى- لدُنى غالي. . . نموذخ صادم لأدب المنفى والسجو ...
- سلامًا للغربة . . وداعًا للوطن: المبدعون يصنعون شخصية الأمة
- شخصيات جاكومَتي الخيطية ترحل من الوجود إلى العدم
- إشكالية الإقحام و الفبركة في رواية بهار
- فيلم الكَنّاوي: ساجر النار: أصداء التاريخ وسؤال الحرية المطل ...
- تواشج الأشكال والمضامين في رواية -العدد صفر- لأُمبرتو إيكو
- قُصاصة ورق . . نص سردي يعرّي قسوة السلطة السورية
- لمَسات ورّاق فرنسي الهوى: توحش اللغة الإنكَليزية ودموية ثقاف ...
- الفنان التعبيري ستار كاووش ينهل ثيماته من كتاب الحُب
- التفكير بالعين: مقاربة نقدية تفتقر للإجابات الشافية
- ديفيد هوكني: الفنان الذي خلّد الطبيعة والأصدقاء
- رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان
- مقدمات وإشارات تعريفية بآثار إبداعية ومعرفية
- عذراء سنجار: وطن مخطوف وطائفة مُستباحة
- التربية الجمالية في الفكر المعاصر
- سينما المؤلف
- ضوء القمر ولغته البصرية المرهفة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - السنة المفقودة. . . سيرة ذاتية مُصوَّرة