أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تواشج الأشكال والمضامين في رواية -العدد صفر- لأُمبرتو إيكو















المزيد.....

تواشج الأشكال والمضامين في رواية -العدد صفر- لأُمبرتو إيكو


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5524 - 2017 / 5 / 18 - 10:37
المحور: الادب والفن
    


نقد الإعلام الإيطالي وتعرية الصحافة المكتوبة

قبلَ أن يُفارق الحياة في 19 فبراير 2016 خلّف لنا إُمْبَرتو إيكو روايته السابعة التي تحمل عنوان "العدد صفر" وقد تُرجمت كالعادة إلى عدة لغات من بينها اللغة العربية حيث سارعَ الدكتور أحمد الصّمعي بنقلها من الإيطالية مباشرة إلى لغة الضادّ، وقد سبقَ له أن ترجمَ ثلاث روايات لإيكو وهي "اسم الوردة"، "جزيرة اليوم السابق" و "مقبرة براغ".
لا يمكن قراءة رواية "العدد صفر" أو غيرها من روايات إيكو قراءة أُحادية الجانب ذلك لأن تحليل المضامين بعيدًا عن ملامسة الأشكال الروائية لا يفي بالغرض المطلوب. فروايات أُمبرتو إيكو على وجه الخصوص تتواشج فيها الأشكال مع المضامين، وتتشابك فيها الرموز والأبعاد الأسطورية، ولا يمكن إهمال الجوانب السيميائية المبثوثة في أنساقها السردية. ولابد للناقد الحصيف أن يضع في الاعتبار أنّ إيكو ليس روائيًا فحسب، وإنما هو سيميائي، وفيلسوف، وأستاذ جامعي، وناقد أدبي، ويكتب للأطفال أيضًا، فلاغرابة في أن تتسرّب الرموز والإشارات إلى تضاعيف جُمَلهِ وأنساقهِ السرديّة، ولا غروَ في أن تتسلل المفاهيم الفلسفية إلى مضامينه الروائية التي تنطوي غالبًا على ثلاثة أنواع أدبية تترجّح بين التاريخ السريّ، والجريمة والغموض، والخيال التأملي. كما يجب ألاّ نأخذ على محمل الجدّ بعض تصريحاته الصحفية التي يقول فيها بأنه لا يكتب الرواية إلاّ في عطلة نهاية الأسبوع وكأنّ كتابة الرواية تزجية للوقت ولا تحتاج إلى تلك الجهودة المُضنية التي يبذلها في السيمياء، والفلسفة، والتحليلات النقدية الرصينة.
تبدو أن الثيمة الرئيسة لهذه الرواية هي نقد الصحافة المكتوبة على وجه التحديد وتعرية الإعلام الإيطالي منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي وحتى الآن ولكن النص الروائي مُحتشد بثيماتٍ أخر مثل الفساد الإداري، ونظرية المؤامرة، والتحرّيات، والتصفيات الجسدية التي تقع في وَضَح النهار. وعلى الرغم من هذه الأجواء الكابية إلاّ أنّ الحُب ينبع من وسط هذا الخراب ويتحوّل إلى مُنقذٍ لشخصينِ عاشقينِ أوشكا أن يسقطا في هُوّة اليأس المُطلَق.
تتمحور الرواية مبدئيًا حول صحيفة اسمها "الغد" لن ترى النور أبدًا لأن ناشرها أراد لها أن تكون أداة ابتزاز أكثر منها وسيلة إعلامية نزيهة بحجة البحث عن الحقيقة ونشرها مهما كلّف الثمن. تتألف هيأة تحرير الصحيفة من ستة أشخاص وهم: "برغادوتشيو، كامبريا، لوتشيدي، بلاتينو، كوستانتسا، ومايا"، إضافة إلى رئيس التحرير سيمَي، ومساعده كولونا الذي وافقَ على أن يكون كاتبهُ الخفيّ Ghostwriter الذي يؤلف له كتابًا يحمل عنوان "الغدّ، الأمس" وهو عبارة عن مُذكّرات صحفي يروي سنة من العمل المتواصل لإنجاز جريدة يومية لن تصدر أبدا مقابلَ 80 مليون ليرة مُعفاة من الضرائب.
ما يجمع أعضاء هيأة التحرير برمتها هو الفشل، وغالبيتهم لا يحمل إجازة جامعية، ولم يعملوا في صحف رصينة مُعتَبرة وإنما نهلوا جُلّ خبرتهم من صحف محلية تُعنى بالنميمة، والفضائح، والكلمات المتقاطعة، والأبراج، والألغاز. فكيف لصحيفة من هذا النوع أن تكون مُختلفة، ومُستعدة لقول الحقيقة في كل شيء؟
تنطلق أحداث الرواية عام 1992 في مدينة ميلانو ومن خلال اجتماعات هيأة التحرير لإصدار الأعداد التجريبية الأولى تتكشف أسرار العمل الصحفي وأساليبه المريبة للتأثير في الرأي العام، فـ "الصُحف تعلّم الناس كيف ينبغي أن يفكِّروا"(ص76). وعلى الرغم من أهمية سيمَي Simei كشخصية وسيطة بين المموِّل وهيأة التحرير إلاّ أنّ القارئ يظل مُنشدًّا إلى كولونا بوصفه راويًا وبطلاً للنص الروائي ومن خلال الاحتكاك به، والتواصل معه تأخذ بقية الشخصيات رونقها وبالذات برغّادوتشيو المسكون بهاجس المؤامرة، ومايا فريزيا التي سوف يحبها ويتماهى بها لأنها تحولت من شحرور ضعيف إلى ذئبة مسعورة تهاجم أي شخص يحاول إلحاق الضرر بالإنسان الذي أحبّته وأخلصت له على الرغم من فارق السن الذي جاوز العقدين بقليل.
كتبَ إيكو هذه الرواية كشكلٍ فني بتقنية المذكرّات التي تنحصر في عدة أشهر من عام 1992 لكن الراوي ينتقل بسلاسة من الحاضر الروائي إلى الماضي الفعلي عبر شخصية برغادوتشيو المتخصص بكشف الأسرار والفضائح. ففي حديث شيّق مع الراوي كولونا يخبره قائلاً: "عندي نبأ مثير ستبيع بسببه الجريدة مائة ألف نسخة لو كانت في السوق. . . إنها قنبلة تتعلّق بموسوليني"(ص79). تُرى، هل أن هذا الموسوليني زائف أم أنه يتحدث عن النسخة الحقيقية التي واجهت مصيرها المحتوم على يد العقيد فاليريو كما تقول الرواية الرسمية. هذه الحكاية سواء أكانت مُختَلَقة أم حقيقية هي بحد ذاتها رواية مكتملة داخل رواية بغض النظر عن نظرية المؤامرة المحلية أو الكونية التي يركِّز عليها إيكو في عدد من رواياته التي يضع فيها قارئه في دائرة الترقّب والتشويق. ثمة لمسة إنسانية تجعلنا نشهق بالحسرة ليس على زوجته راكيلي وابنه رومانو وابنته آنا ماريا الذين نقدر معاناتهم ولكن على عشيقته كلاريتا بيتاتشي التي تصوّرت أنها ستقابل عشيقها موسوليني وليس شبيهه الذي ورطته الفاتيكان بركوب سيارة موسوليني الحقيقي الذي ذهب، بحسب نظرية المؤامرة، في اتجاهين لا ثالث لهما، فإما أن يكون قد اختبأ في الفاتيكان أو أنه هرب إلى الأرجنتين وسوف يعود لتنفيذ الانقلاب الذي تدبرهُ أطراف عديدة كالفاتيكان، والمخابرات المركزية الأميركية، والماسونية، وبعض المراكز التي تهيمن على حركة الأموال في العالم، لكن لا أحد يعرف لماذا توقفت محاولة الانقلاب في الساعات الأخيرة!
ربما يستغرب القارئ العربي هذه القسوة التي أبداها المقاومون الذين أعدموا موسوليني وعشيقته كلاريتا فهذه الأخيرة لم تكن أكثر من خليلة تعلّقت، لسبب ما، بقائد كبير، وقررت أن تذهب في المغامرة إلى أقصاها بغض النظر عن العواقب الوخيمة التي تنتظرها. ما يلفت الانتباه هو العنف التي أبداه البعض من أبناء الشعب الإيطالي الذي شوّه معالم موسوليني، وحطّم جمجمته، ولم يعد بالإمكان التعرّف إليه، والتأكد من طول قامته حتى أن إحدى النساء قد أطلقت عليه خمس رصاصات لأنها فقدت في الحرب خمسة أبناء.
الرواية ذات بنية بوليسية كما توحي جملتها الاستهلالية حيث يقول كولونا: "في هذا الصباح لا يسيل الماء من الحنفية"(ص5) فلابد أن شخصًا ما قد دخل بيته وأغلق صنبور الماء وبثّ الخوف في أطرافه، هذا الكاتب القلق، الفاشل الذي يحلم أن يؤلف كتابًا يملأ قلبه فرحًا، ويعبئ جيبه نقودا، لكن الأمر الذي ضاعف مخاوفه هو مقتل برغادوتشيو بطعنة واحدة في الظهر الأمر الذي حرّضه على الاختفاء قبل أن يغادر إلى جزيرة سان جوليو في الجنوب الإيطالي حيث ستشرق الشمس مرة أخرى.
الاتفاق الذي أُبرمَ بين سيمَي وكولونا على تأليف كتاب "الغد، أمس" قد أُلغي تمامًا بعد حادثة القتل المروّعة، كما توقف العمل على إصدار الأعداد التجريبية من الصحفية وقد أخذ كولونا كل مستحقاته مقابل أن يختبئ في مدينة نائية أو يعبر الحدود، لكن مايا، هذه الكائنة الرقيقة التي كان يتصورها ضعيفة، واهنة أثبتت له العكس فقد أعادت له الثقة بالنفس، وأرجعت له السكينة المفقودة بعد أن نصحتهُ بالعودة إلى ترجماته من اللغة الألمانية على أن تعود هي إلى الكتابة في مجلاتها الجديرة بصالونات حلاقة السيدات.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قُصاصة ورق . . نص سردي يعرّي قسوة السلطة السورية
- لمَسات ورّاق فرنسي الهوى: توحش اللغة الإنكَليزية ودموية ثقاف ...
- الفنان التعبيري ستار كاووش ينهل ثيماته من كتاب الحُب
- التفكير بالعين: مقاربة نقدية تفتقر للإجابات الشافية
- ديفيد هوكني: الفنان الذي خلّد الطبيعة والأصدقاء
- رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان
- مقدمات وإشارات تعريفية بآثار إبداعية ومعرفية
- عذراء سنجار: وطن مخطوف وطائفة مُستباحة
- التربية الجمالية في الفكر المعاصر
- سينما المؤلف
- ضوء القمر ولغته البصرية المرهفة
- رواية -التوأم-. . نص أدبي مُدوّن بعينٍ سينمائية
- لا أحد يعود. . . نصوص متماسكة ترتدي حُللاً جديدة
- عام السرطان: سيرة روائية لمقارعة المرض العُضال
- رولان بارت الكاتب الذي أماتَ المؤلف، وأحيا القارئ
- فيلم Elle سردية بصرية تخالف توقعات المُشاهدين
- فيديل كاسترو: عدوّ أميركا اللدود
- النكهة المحليّة في قصص فاتحة مرشيد
- مانشستر على البحر: قوّة التقمّص وبراعة الأداء
- نساء في الظل يقوّضنَ جدران الفصل العنصري


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تواشج الأشكال والمضامين في رواية -العدد صفر- لأُمبرتو إيكو