أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان















المزيد.....

رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5509 - 2017 / 5 / 2 - 00:21
المحور: الادب والفن
    


بركان من الحُب تفجّر ثم عاد إلى سباته الطويل

فاجأت الروائية السورية غادة السمّان الوسط الثقافي العربي مرّة ثانية حينما أقدمت على نشر سبع رسائل عاطفية كتبها لها الشاعر اللبناني أنسي الحاج في شهر ديسمبر عام 1963، لكنها لم تردّ على أيٍ من الرسائل السبع التي تجمع بين الحُب والقلق والتفاني من جهة، وبين الهشاشة والنزق والانكسار من جهة أخرى.
ما يثير الانتباه في هذه الرسائل العُذرية هو سرّيتها والتكتّم الشديد عليها لأكثر من خمسة عقود، فلم يبح المُرسِل حتى لأصدقائه المقرّبين جدًا بهذا "الحُب الصامت" الذي كان يعتلج في صدره، ولم يتسرّب منه شيء إلىعموده الصحفي في الملحق الثقافيلجريدة"النهار" اللبنانية. كما أخفت غادة فحوى هذه الرسائل الملتاعة ولم تُلمِّح إليها من قريب أو بعيد، آخذين بنظر الاعتبار أنها تنتمي إلى أسرة برجوازية متفتحة لا تجد حرجًا في أن تمنح ابنتها مساحة كافية من الحرية الشخصية التي تؤهلها للعيش كإنسانة متحضرّة ومستقلة.
حينما كتب أنسي الحاج هذه الرسائل كان صحفيًا وشاعرًا شابًا معروفًا يقترن اسمه بقصيدة النثر العربية وقد أصدر حتى ذلك الحين مجموعتين وهما: "لن" و "الرأس المقطوع". أما غادة فكانت تواصل دراستها العليا في الجامعة الأميركية ببيروت، وتكتب للصحافة اللبنانية ولم يكن في رصيدها الأدبي سوى مجموعة قصصية واحدة تحمل عنوان "عيناكَ قدري"
يشتمل الكتاب الصادر عن "دار الطليعة" ببيروت سبع رسائل، ثلاث منها مُؤرّخة في الأيام الأول من ديسمبر 1963 أما الأربع الباقيات فقد جاءت خلوًّا من التواريخ لكن زخم توتِّرها وانفعالها يشير إلى أن زمن كتابتها ليس بعيدًا عن زمن الرسائل المؤرّخة ولعلهُ كتَبها كلها في غضون عشرة أيام بسبب الهزّة العاطفية المفاجئة التي انتابته لأيامٍ معدودة ثم سرعان ما تعافى منها ربما لأنه لم يتلقَ ردًّا على أي من الرسائل المذكورة التي تكشف بالدليل القاطع أن أوضاعه النفسية كانت قلقة، ومضطربة جدًا، وأنه كان على وشك الانهيار. وقد عبّر عن حاجته الماسّة إليها في رسالته الأولى حيث قال:"إنني بحاجة إليكِ"(ص10) وأكثر من ذلك فقد أحبّ فيها ذكاءها الحادّ، وطاقتها الخلاقة، وإحساسها المُرهَفالذي يتناسب مع شاعر يعرف سلفًا مستقبله الأدبي على الرغم من صِغر سنِّه وحداثة تجربته الشعرية.
يعترف الحاج غير مرة في رسالته الثانية بأنهيُحبّ غادةويعشقها هي دون بقية النساء حينما يقول:"إنني أحبّ أن أحبك. . . لأنكِ تُمثِّلين في نظري خشبة الخلاص الوحيدة الممكنة أو اللاممكنة"(ص25). وإذا تفحّصنا هذا الكم الكبير من البوح والاعترافات العاطفية الصريحة فسنجد أن حافز الحُب ثقافي قبل كل شي. فما إن بدأت الصحف اللبنانية بنشرِ قصصها حتى شعر بانجذابٍ سحري غريب إلى هواجسها الأدبية قبل أن يلتفت إلى مفاتنها الجسدية اليافعة وهي آنذاك في سنّ الحادية والعشرين. لقد أيقنَ بأن قلبها ينبض في صدره، وأن دماءها تسيل في عروقه الأمر الذي دفعه إلى التساؤل المُمضّ: "ألم تشعري بنبراتِ صوتي المليئة باللهفة؟"(ص26).
لا شكّ في أنّ الحاج كان مدهوشًا بموهبة غادة، ومتفاجئًا بحضورها الباذخ، ويعتقد أنها "منذورة له" ولابدّ أن تنشأ بينهما "علاقة حميمة غير عادية"(ص27) لأنها، حسب زعْمه، لا يمكن أن تعرف أجمل من حبّ هذا الشاعر المتيّم بها روحًا وفكرًا وجسدا.
يسعى الحاج في رسالته الثالثة إلى الذوبان في غادة والتماهي بها كليًا، فبعد مرحلة إعلان الحُب يريد أن يمضي بالتجربة إلى أقصاها حيث يقول:"أريد أن أحبّك حتى النهاية" ولعله يشير من طرف غير خفي إلى رغبته الصادقة في الفناء بالمرأة المثقفة التي أبهرتهُ، وقطّعت أنفاسه، ودفعته لخوض هذه المغامرة العاطفية على الرغم من ارتباطه الرسمي بامرأة أخرى.
تنطوي الرسائل على تناقضات عديدة مرّدها الخيبة، والفقد، والإحساس المتواصل بالخسارة، فتارة يُحبها حدّ الفناء، وتارة أخرى يشكّك في هذاالحُب الذي باغتهُ مثل بركان خامد ما إن تفجّر حتى عاد إلى سباته الطويل.
لا يقتصر هذا الحُب على المعطيات الثقافية والفكرية للمحبوبة وإنما يتعداه إلى الجوانب الحسيّة التي نتلمّسها في الجُمل الجريئة الآتية التي يقول فيها:"أشعرُ بجوعٍ إلى صدركِ. بنَهمٍ إلى وجهكِ ويديكِ ودفئكِ وفمكِ وعُنُقكِ، إلى عينيكِ"(ص65). لم تنطلق هذا الجسارة من فراغ ولعلها كانت ضَنينة مُتمنِّعة في عواطفها لذلك لم تكلِّف نفسها عناء الردّ على رسائله السبع، بل اكتفت بالإجابات الشفهية الحادّة المُحيِّرة التي تضعه في دائرة التوتّر والانفعال. فهو يستذكر ما قالتهُ في لقاء سابق ويتساءل بحُرقة شديدة: "لماذا قلتِ لي ذلك المساء إننا لن نلتقي أبدًا ولن نفترق أبدًا"(ص66) وهذا يعني أنهما مثل خطّين متوازيين لا يلتقيان أبدًا بينما كان الحاج يتمنى أن يكونا مثل نهرين يصبّان في مجرىً واحد ويتماهيان إلى الأبد.
تنفرد الرسالة السادسة بكونها أقصر الرسائل ولعلها الأشحّ ثيمة وأفكارًا. وهي تتمحور على حدْس المُرسِل بأنها سوف تعتذر عن موعد مُتّفَق عليه سلفًا. كما تفضح هذه الرسالة مواقفه وآرائه الشخصية المتناقضة، فالمرأة الاستثنائية المُبدِعة التي تمردت على القيم والتقاليد البالية تتصرّف الآن مثل باقي النساء الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن سبب "حاجته الملحّة" إلى امرأة مُشابهة لجميع النساء.
يتخذ الحاج من قصيدة "لم أتزوّج بعد" مُنطلقًا لرسالته الأخيرة التي تقوم على فكرة الانتظار، فإذا جاءت حبيبة الروح فسوف يفنى فيها بكل تأكيد، وإذا لم تأتِ فإن الهاوية تنتظره رغم أنه لا يمتلك الشجاعة الكافية للإقدام على الانتحار.
نستنتج من محاولة الإهداء بأن غادة قد نأَتْ بنفسها بطريقة مهذّبة عن هذه القصة العاطفية التي اتقدت بين جوانح الشاعر أنسي الحاج ولم تستجب لها كليًا، فمن غير المعقول ألاّ تردّ على سبع رسائل متتالية إذا لم يكن هناك عائق ما يستحيل تجاوزه أو القبول به.
لم يُسعِفنا الإهداء بشيء، ولم تفِدنا "لحظة النوستالجيا" بحُجةٍ رصينة ملموسة تفسِّر عجزها عن تمزيق هذه الرسائل التي وصفتها بـ "الرائعة أدبيًا" لذلك فضّلت نشرها "أيًّا كان الثمن". تُرى، ما الذي تريده غادة السمّان من قُرّائها وهم كُثر في العالم العربي؟ هل تطلب منهم أن يفتشوا عن انطباعاتها وردود أفعالها في أسئلة أنسي الحاج المشوّشة أصلاً، أم تتمنّى عليهم فكّ الطلاسم، والرجم بالغيب، وقراءة ما بين السطور لنعرف سبب نفورها من هذه القصة العاطفية التي تتأججت من طرف واحد بينما ظلّت مشاعر الطرف الآخر جامدة كالصقيع.
انتقت غادة السمّان بعض الآراء والانطباعات الشخصية لأربعة كُتّاب عرب وزيّنت بها ظهر الغلاف الأخير ولعل القاسم المشترك بين هذه المقتطفات هو جرأة غادة وشجاعتها في حياتها الشخصية وكتاباتها الإبداعية على حد سواء.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن غادة السمّان قد أصدرت أكثر من أربعين كتابًا في القصة والرواية والشعر وأدب الرحلات أبرزها "رحيل المرافئ القديمة"، "بيروت 75"، و "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمّان". ومن المؤمّل أن تنشر لاحقًا رسائلها الموجّهة إلى الصحفي ناصر الدين النشاشيبي والشاعر كمال ناصر المُودَعة حاليًا في أحد البنوك السويسرية.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدمات وإشارات تعريفية بآثار إبداعية ومعرفية
- عذراء سنجار: وطن مخطوف وطائفة مُستباحة
- التربية الجمالية في الفكر المعاصر
- سينما المؤلف
- ضوء القمر ولغته البصرية المرهفة
- رواية -التوأم-. . نص أدبي مُدوّن بعينٍ سينمائية
- لا أحد يعود. . . نصوص متماسكة ترتدي حُللاً جديدة
- عام السرطان: سيرة روائية لمقارعة المرض العُضال
- رولان بارت الكاتب الذي أماتَ المؤلف، وأحيا القارئ
- فيلم Elle سردية بصرية تخالف توقعات المُشاهدين
- فيديل كاسترو: عدوّ أميركا اللدود
- النكهة المحليّة في قصص فاتحة مرشيد
- مانشستر على البحر: قوّة التقمّص وبراعة الأداء
- نساء في الظل يقوّضنَ جدران الفصل العنصري
- عفوية السرد وسلاسته في معارك الصحراء
- الحداثة: مقدمة قصيرة جدًا
- المصداقية والإبهار في فيلم مواقع مقدسة: البتراء
- الأدب الإنجليزي ومراحل تطوره عبر ستة عصور
- جيرنيكا: أيقونة الألم البشري
- جاذبية اللغة البصرية في فيلم يوم الملِك


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان