أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - جاذبية اللغة البصرية في فيلم يوم الملِك















المزيد.....

جاذبية اللغة البصرية في فيلم يوم الملِك


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5381 - 2016 / 12 / 24 - 16:27
المحور: الادب والفن
    


أفردَ القائمون على الدورة الحادية والعشرين لمهرجان بورتبيللو السينمائي بلندن يومًا كاملاً للأفلام الهولندية والفرنسية القصيرة حيث تمّ عرض 11 فيلمًا هولنديًا و 4 أفلام فرنسية لعل أبرزها "تحت شجرة التفاح" لأريك فان سخايك، و "بينغو" لباتريك سخونماكر، و "ياديكون" لمارك بيكافيز وغيرها من الأفلام القصيرة التي تنتمي إلى بلدين يشاركان كل عام مشاركة فعّالة في هذا المهرجان الذي يحتفي بالمواهب الشابة وبالسينما المستقلة حصرًا.
لا تختلف الأفلام الروائية القصيرة في تقنيتها عن القصص القصيرة التي تحتاج إلى سرعة الدخول في الحدث، وإيجاد العُقدة، وحلِّها خلال مدة زمنية قصيرة. فلا مجال للحشو والترهل والإسهاب في كلا الجنسين الإبداعيين، بل أن اللغة السينمائية لا تحتمل الثرثرة البصرية على الإطلاق. فالصورة السينمائية يجب أن تكون دالّة وبليغة وآسرة الجمال وبخلاف ذلك فإنها ستجد طريقها إلى سلّة المهملات بأسرع وقت ممكن.
يحتاج الفيلم القصير إلى مخرج بارع في لعبته الفنية، وإذا لم يكن كذلك فإن بنية الفيلم ستكون مفكّكة بالتأكيد وعُرضة للانهيار في أي لحظة. وفيلم "يوم المَلِك" للمخرج الهولندي ستيفن فاوترلود هو من بين الأفلام المُتقَنة التي أدخلت البهجة إلى قلوب المشاهدين على مدى خمس وعشرين دقيقة باستثناء لحظات الخصام الخاطفة التي نشبت بين رون وعمر ومرّت مرور سحابة عابرة.
لابد من الإشارة إلى أن القصة السينمائية وما تنطوي عليه من سيناريو وحوار قد أُنجِزت من قِبل المخرج فاوترلود والكاتب مارتن فان فورنفيلد، أي أن المخرج قد استأنس برأي كاتب وسينارست آخر كي يمنح القصة قوة إضافية ويخلّصها من الزوائد التي قد لا يراها المخرج بنفسه. فالفيلم كنوع فني هو قصير، ودرامي، وعائلي وموسيقي، وأكثر من ذلك فهو يمسّ اللاجئين والمغتربين الذين لاذوا بهذا البلد الكريم وانسجموا في تركيبته الاجتماعية واللغوية إلى حدٍ كبير.
لا شك في أن المُشاهد غير الهولندي يحتاج إلى بعض المعلومات لما يحدث في "يوم الملك" أو "يوم الملكة" سابقًا. وباختصار شديد أنه عيد وطني تحدث فيه عدة فعاليات مثل السوق الحرة التي تُباع فيها الأدوات المستعملة، وألعاب متنوعة للأطفال، وعزف موسيقى فردية وجماعية، بينما يرتدي غالبية الهولنديين اللون البرتقالي الذي يرمز للعائلة المالكة. وقد ركّز كاتبا النص والمخرج على هذه الفعاليات الأربع وبنيا قصة الفيلم المُحْكمة.
في المشهد الاستهلالي للفيلم نرى مجموعة من الهولنديين المحتفلين بيوم الملك وقد ارتدى الجميع الملابس البرتقالية اللون وبضمنهم عائلة عربية تتكون من الأب والأم والابن الصغير يونس "وليد طه الإدريسي" الذي جسّد الدور باتقانٍ شديد. تبدو هيمنة الأب عمر "صبري سعيد الحمّص" واضحة منذ البداية حيث كلّف ابنه الصغير الذي لم يتجاوز الأحد عشر عامًا ببيع الأدوات الاحتياطية للسيارات وطلب منه أن يسجِّل مبيعاته طوال اليوم. تُرى، هل يستطيع يونس أن يكبح مشاعره الطفولية طوال النهار ويظل بعيدًا عن الأطفال المبتهجين كي يبيع لأبيه كل مالديه من أدوات احتياطية؟ في الجهة المقابلة لهم جاء رون "مارتاين فيشر" مع ابنه المغني الشعبي كيلفن "يوستن دي فيلت" الذي اعتلى المنصة وبدأ يغني فيما جلس والده وراء منضدة كي يبيع الأقراص الغنائية المدمجة لكن نزعته المعادية للأجانب دفعته للاحتكاك بوالد يونس الذي حافظ على رباطة جأشه وظل يداري الموقف عن كثب. بدأ يونس يتململ لأنه يريد مشاركة الأطفال لهوهم وفرحهم ويبدو أن مهمة البيع أكبر من نزعته الطفولية فتناول دفتر المبيعات وشرع بكتابة كلمات أغنية "راب" كي يتذكرها جيدًا. وبما أن بنية القصة السينمائية متوازية فإن التذمر قد انتقل إلى الطفل الهولندي "كيلفن" خصوصًا حينما رأى رجلاً هولنديًا كبير السن يُلقي بنفسه في ملعب مائي زلق دون أن يشعر بالحرج لإظهار مشاعره الطفولية. عندها قرر أن يُعطِّل المولِّد الكهربائي الذي نصبه الوالد حيث فتح فوّهته وأدخل فيها برغيًا طويلاً كان يونس قد رماه في أثناء تمرده الصامت وشعوره بالغيظ الشديد. والمفارقة في هذه الحادثة أن "رون" الذي تجاوز على "عمر" قبل قليل يطلب منه الآن المساعدة علّه يجد حلاً للمولّد الكهربائي الذي توقف على حين غرّة. وبالفعل ينجح "عمر" في إعادة تشغيل المولّد، ويردم الهوّة التي حدثت بينه وبين الرجل الهولندي المُحب للخصام في أقل تقدير. يترك كيلفن المنصة ويخلع قميصه فقط ليرمي نفسه في المياه ويلهو مع الصغار والكبار ويمارس طفولته الحقيقية من دون قيود أو اشتراطات مسبقة. وهكذا يضع الأبناء آباءهم في موقف لا يُحسدون عليه حيث قفز يونس إلى المنصة والتقط المايكروفون وبدأ يغني أغنية الراب التي دوّن كلماتها قبل قليل، ثم دعا كيلفن كي يرافقه على المنصة، ثم نادى على طفل يعزف الأوكورديون ليشرع الصبيان الثلاثة في الغناء الأمر الذي فاجأ الآباء وجعلهم يستسلمون للأمر الواقع ويتخلون عن فكرة بيع الأدوات الاحتياطة والأقراص المدمجة، فهذا العيد الوطني هو مناسبة للبهجة واللهو والفرح وليس لكبح مشاعر الأطفال وتقييدهم بمهمات عسيرة أكبر من أعمارهم الفتيّة. لقد أثار هؤلاء الصبيان الثلاثة بغنائهم الجميل جمهرة الناس المحيطة بهم وبدأوا يغنون ويرقصون معهم وكأن الفرح هو عنوان العيد ولغته الوحيدة التي يجب أن تطغى على كل الناس سواء أكانوا هولنديين أصليين أم لاجئين ومغتربين باتوا يشكلون جزءًا أساسياً من نسيج المجتمع الهولندي المعاصر ويساهمون في إغناء حياته الثقافية والفنية على حد سواء.
لو دققنا في تشظيات الثيمة الرئيسة لهذا الفيلم لوجدناها كثيرة جدًا لعل أبرزها أن الأطفال هم الذين يقررون مصائرهم، ويختارون مستقبلهم، وإذا اختلف الآباء بشأن الهجرة والمهاجرين فإن الأبناء قد يتفقون، وينسجمون تمامًا كما حصل بين يونس وكيلفن وعازف الأكورديون، وإذا كانت الأصداء والتداعيات السياسية قد تفرّق الآباء فإن الغناء لوحده كافٍ لأن يجمع الأبناء ويوحدّهم مهما اختلفت أعراقهم وأديانهم وسحنات وجوههم. فيلم "يوم الملك" يمجد الموسيقى والغناء والتكافل الاجتماعي، ويُعلي من شأن الفرح والمرح، ويدعو إلى الولوج في دائرة البهجة النساء والرجال، والصغار والكبار، ولا يفرّق بين هولندي أصيل أو قادم من وراء الحدود. بكلمات قليلة، هذا فيلم يحضُّ على التفكير، ويحقق المتعة البصرية، ويستنطق بلغة غير مباشرة جماليات الزمان والمكان والحدث الوطني الذي يوّحد الهولنديين، ويعمِّق بينهم أواصر المحبة والتسامح والأخاء.
جدير ذكره أن المخرج ستيفن فاوترلود هو من مواليد أوترخت. تخرّج في مدرسة الفنون الجميلة، وأنجز مجموعة من الأفلام القصيرة نذكر منها "غِيدو"، "كل شيء ممكن"، "فتاة على الجانب الآخر"، "سوبر ستار"، "يوم الملك" وسواها من الأفلام الأخرى. نال فاوترلود عددًا من الجوائز من بينها جائزة إيمي الدولية للأطفال في أميركا، وجائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم قصير في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي للأطفال.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُذكّرات صيّاد لتورغينيف: قرأها القيصر فألغى نظام القنانة في ...
- أنثولوجيا شعرية تدور في فلَك الأم
- المنحى العجائبي في رواية -ياقوت- لمريم مشتاوي
- الدَّادائية والسِّريالية: دعوة لتجاوز المتعة والتأثير في حيا ...
- البنية النفسية والثقافية في رواية عِشق لمريم مشتاوي
- جمالية اللغة البصرية في فيلم -بأقصى سرعة- لرينغر هوفل
- الشكل الفني الجديد في -جوهرة التَّعْكَر-
- إشكالات الحَبْكة في رواية سماء قريبة من بيتنا
- رحلة الفنان سعد علي من صندوق الدنيا إلى أبواب الفرج والمحبّة
- التشكيلي الهندي بُوبِن كاكار : إرضاء الجميع غاية لا تُدرَك
- أوغادين: عار إثيوبيا المخفي
- قيثارة أور الذهبية وعبق الزمن السومري القديم
- زرادشت: النجمة الصفراء. . .مغامرة وثائقية بلا أدلّة
- الأحياء المتوهجة في ممالك العتمة وأعماق البحار
- الفنان الكوبي ويفريدو لام وشخصياته المهجّنة في التيْت غاليري
- رصانة القصة في فيلم -على حلّة عيني- لليلى بوزيد
- ترييف العاصمة المنغولية آلان باتور في فيلم وثائقي
- حيث تنمو الأعشاب عالياً
- إشكالية الموت في فيلم -شبابِك الجنّة- لفارس نعناع
- الدورة الحادية والعشرون لمهرجان بورتوبيللو السينمائي بلندن


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - جاذبية اللغة البصرية في فيلم يوم الملِك