أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - عفوية السرد وسلاسته في معارك الصحراء















المزيد.....

عفوية السرد وسلاسته في معارك الصحراء


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5439 - 2017 / 2 / 21 - 12:16
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن دار "الأهلية" بعمّان رواية "معارك الصحراء" للروائي المكسيكي خوسيه إميليو باتشيكو ، وقد ترجمها عن الإسبانية مباشرة شادي روحانا. لم تكن هذه "النوفيلا" هي العمل السردي الوحيد لباتشيكو فقد سبق له أن أصدر أربع مجموعات قصصية وروائية وهي "دماء ميدوسا"، "مبدأ اللذة"، "سوف تموت بعيدًا" و "الريح وقصص أخرى" التي تناول فيها موضوعات الحُب، والصداقة، والفساد، والنبذ الاجتماعي، والتطهير العِرقي وما إلى ذلك. لا بدّ من الإشارة إلى أن باتشيكو هو واحد من أهم شعراء أميركا اللاتينية في النصف الثاني من القرن العشرين وقد نال العديد من الجوائز المحلية والعالمية عن مجمل أعماله الشعرية والنثرية.
إذا كان شعر باتشيكو يتّسم "بالدقة الشديدة، والبساطة المُخادِعة" فإن نثره يتميّز "بعفوية السرد وسلاسته"، كما أن الجزء الناتئ من جبل الجليد العائم في قصصه ونوفيلاته يُغري القارئ بالغوص في الأعماق السحيقة التي تتيح له رؤية الأشياء على حقيقتها. ومَن يقرأ "معارك الصحراء" بدقة وأناة سوف يرى في المشهدالبانورامي صورًا متداخلة تجمع بين الثقافة، والسياسة، والاقتصاد، والدين، وعلم النفس، والتاريخ، والحضارة إن شئتم في 68 صفحة لاغير!
تدور أحداث الرواية بعد الحرب العالمية الثانية لكن أنساقها السردية تتشظى في بعض الأحيان لتمتدّ إلى عام 1926 حينما قام الرئيس بلوتاركو إليّاس كاييس بالحدّ من نفوذ الكنيسة الكاثوليكية وهيمنتها على عقول الناس البسطاء لكن الأساقفة أنشأوا مليشيات شعبية لمقاومة سياسات الحكومة العلمانية فأفضت بالنتيجة إلى الحرب الأهلية "الكريستيروس" عام 1929 مُخلِّفة وراءها نحو 250 ألف قتيل.
يبدأ الراوي كارلوس في مستهل النوفيلا الحديث بصيغة المتكلم المراوغة التي تنطوي على تناقض ظاهري: "أتذكّر، لا أتذكّر"(ص9) ليمهِّد لنا الطريق إلى العالَم القديم الذي كان يهيمن عليه شلل الأطفال، والحمّى القِلاعية، والفيضانات وسواها من أمراض العصر وكوارثه المميتة. وبالمقابل انتشرت من جديد أغنية "البوليرو" القديمة من بويرتو ريكو التي يقول مطلعها: "مهما كان علوّ السماء / مهما كان عمق البحر / حبّي العميق لكِ سيحطِّمُ من أجلكِ كل جدار"(ص10) لكن هذا العالَم الموبوء سرعان ما يتلاشى ليحل محله عالَم جديد يتسم بالثراء الفاحش لحفنة من البشر بينما يطغى الفقر على السواد الأعظم من الناس. لا أحد يشكّ في فساد الرئيس ميغيل أليمان وحلقته الضيقة لكن الصناعة، والزراعة، والإعمار، وتعبيد الشوارع قد وجدت طريقها إلى العاصمة مكسيكو وغيّرت ملامحها الحضارية، بل أن الحداثة نفسها قد غزت هذه المدينة الكبيرة وصار الناس يسمعون كلمات وعبارات جديدة لم يألفوها من قبل.
ما إن نتعرّف على دلالة "معارك الصحراء" التي تدور رحاها بين الأطفال على أرض حمراء خالية من الأشجار والنباتات حتى نلج إلى بوابة الأحداث ونُمسِك بالخيط الأول الذي يفضي بنا إلى والد "جيم"، الشخص الغامض، الرجراج الذي لا نعرف عنه سوى صداقته للرئيس أليمان، وظهوره المتكرر إلى جواره في الاحتفالات الرسمية، وصوره المنشورة في الصحف والتي لا تشي بأي شبه بينه وبين ولده جيم، بينما يؤكد هذا الصبي بأنه يشبه أمه كثيرًا. تتسارع الأحداث فنعرف أن ماريانا، والدة جيم، هي مجرد عشيقة لذلك المليونير. أما والد جيم الحقيقي فهو صحفي أميركي اصطحب ماريانا ذات مرة في رحلة استجمامية إلى سان فرانسيسكو من دون أن يتزوجها فحملت منه هذا الطفل الذي يتحدث الآن اللغتين الإنكليزية والإسبانية بطلاقة.
توطدّت علاقة الراوي "كارلوس" بصديقه "جيم" بعد أن رفض الطعن بشرف هذه العائلة من قبل بقية التلاميذ فدعاه هذا الأخير إلى منزله، وما إن رأى ماريانا، والدة جيم اليافعة والأنيقة والجميلة حتى تعلّق بها، وكان يجيب على أسئلتها الكثيرة ويستمع في الوقت ذاته إلى أغنية "البوليرو" ويحاول المحافظة على هذه اللحظة من النسيان لأن مايشعر به من حُب قد لا يتكرر أبدًا.
لم تتأخر ذروة هذا الحدث العاطفي كثيرًا فقد تسلل كارلوس من المدرسة بعد أن استأذن من مدرِّس اللغة الإسبانية وتوجّه إلى شقّة ماريانا ليقول لها: "عذرًا مدام، إنني وقعتُ في حُبِّك"(ص38) لم تغضب منه، ولم تسخر من بوْحِه لأنها كانت تفهمه، وعليه أن يُدرك بأنه مثل ابنها، وأنها أم لأعزّ صديق عنده، وطلبت منه أن يتعامل مع الموضوع كمزحة عابرة سوف يتذكّرها بعد سنوات طويلة بابتسامة مرسومة على وجهه لكن الأبوين لم يتعاملا معه بهذه الدماثة والحنوّ وإنما أجبراه على المثول أمام الكاهن للاعتراف بذنبه والذهاب إلى طبيب نفسي لمعالجة اضطراباته العقلية على الرغم من توبته، وتعّهده بالعودة إلى الطريق الصحيح، ومع ذلك فقد أثبتت الفحوصات بأن سلوكه الشاذ ناجم عن الشعور بالإهمال من قبل الوالدين، وقسوتهم المفرطة عليه. لم يكن بقية أشقائه أفضل حالاً منه، فهكتور حاول اغتصاب الخادمة فنُقل إلى السرداب. فيما أحبّت شقيقته "إيسابيلا" الممثل "إستيبان" الذي أساء الأدب أمام والدها فطرده من البيت ثم أشبعهُ هكتور لكْمًا حتى ضرّجه بالدماء الأمر الذي دفعهُ لاحقًا إلى الانتحار في غرفة فندق بائس.
يشكِّل اللقاء الحاسم بين كارلوس وروساليس، أفقر الطلاب ماديًا في الصف، انعطافة شديدة في الرواية وعليه أن يتلقى الأخبار الصادمة التي وقعت في غيابه، إذ تبيّن أن ماريانا قد ماتت، وأن "جيم" قد ترك المدرسة وهو يعيش في سان فرانسيسكو مع والده الحقيقي. وأن سبب وفاة الأم يعود إلى عشيقها المليونير الذي صفعها أمام الجميع وأسمعها كلمات نابية لأنها انتقدت السرقات الكبيرة التي تحدث داخل الحكومة. وحينما عادت إلى البيت انتحرت فتعددت الشائعات بين تناول حبوب النيمبوتال، وقطع الوريد بشفرة الحلاقة، وإطلاق النار على الرأس مباشرة أو أنها فعلت ذلك كله تباعًا لكن الشيء المؤكد أن "جيم" الذي استفاق صباحًا وجدها ميتة وغارقة في الدماء.
لم تنتهِ الأحداث المثيرة عند هذا الحدّ فالناس يقولون إنّ ماريانا قد كتبت رسالة إلى "جيم" بالإنكليزية تعتذر له فيها عمّا فعلت، وربما هناك رسالة أخرى كتبتها لكارلوس مَن يدري؟ وحينما غادر المطعم الذي دعا روساليس إليه رأى الموت في كل مكان، ومع ذلك فقد ظل يفكر فيما إذا كانت قصة انتحارها حقيقية أم لا؟ كيف له أن يعرف هذه القصة الغامضة بعد أن هُدِّم حيّ روما برمته ولم تبقَ أي ذكرى من مكسيك تلك السنوات؟ لكن الشيء الوحيد الذي يعرفه جيدًا هو "إذا كانت ماريانا على قيد الحياة فهي اليوم ابنة ستين عامًا"(68) أما الراوي كارلوس الذي "يتذكّر ولا يتذكّر" فهو في منتصف العمر وقد سرد لنا قصته كمراهق أحب امرأة بعمر أمه في "العالم القديم" الذي تقوّض وحلّ محلهُ عالَمًا حديثًا يشعر فيه الإنسان المكسيكي بالغُربة والاغتراب معًا.
لابد من الإشارة في خاتمة المطاف إلى أن شادي روحانا لم يكن موفقًا تمامًا في ترجمة هذا النص الذي تسللت إلى صفحاته العديد من الكلمات والجمل العامية مثل "الطوش" و "قفشته على حقيقته" و "أطلطل من الباب" وكان بإمكانه استعمال "المشادّة"، و "كشفته" و "أشرئب برأسي" كي تكون الترجمة دقيقة وأمينة في الوقت ذاته.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة: مقدمة قصيرة جدًا
- المصداقية والإبهار في فيلم مواقع مقدسة: البتراء
- الأدب الإنجليزي ومراحل تطوره عبر ستة عصور
- جيرنيكا: أيقونة الألم البشري
- جاذبية اللغة البصرية في فيلم يوم الملِك
- مُذكّرات صيّاد لتورغينيف: قرأها القيصر فألغى نظام القنانة في ...
- أنثولوجيا شعرية تدور في فلَك الأم
- المنحى العجائبي في رواية -ياقوت- لمريم مشتاوي
- الدَّادائية والسِّريالية: دعوة لتجاوز المتعة والتأثير في حيا ...
- البنية النفسية والثقافية في رواية عِشق لمريم مشتاوي
- جمالية اللغة البصرية في فيلم -بأقصى سرعة- لرينغر هوفل
- الشكل الفني الجديد في -جوهرة التَّعْكَر-
- إشكالات الحَبْكة في رواية سماء قريبة من بيتنا
- رحلة الفنان سعد علي من صندوق الدنيا إلى أبواب الفرج والمحبّة
- التشكيلي الهندي بُوبِن كاكار : إرضاء الجميع غاية لا تُدرَك
- أوغادين: عار إثيوبيا المخفي
- قيثارة أور الذهبية وعبق الزمن السومري القديم
- زرادشت: النجمة الصفراء. . .مغامرة وثائقية بلا أدلّة
- الأحياء المتوهجة في ممالك العتمة وأعماق البحار
- الفنان الكوبي ويفريدو لام وشخصياته المهجّنة في التيْت غاليري


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - عفوية السرد وسلاسته في معارك الصحراء