أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رواية -التوأم-. . نص أدبي مُدوّن بعينٍ سينمائية















المزيد.....

رواية -التوأم-. . نص أدبي مُدوّن بعينٍ سينمائية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5469 - 2017 / 3 / 23 - 12:47
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن المركز الثقافي للكتاب بالدار البيضاء الطبعة الثانية من رواية "التوأم" للشاعرة والروائية المغربية فاتحة مُرشيد التي بلغ رصيدها السردي حتى الآن خمس روايات. تنفرد هذه الرواية بثلاث سمات أساسية وهي تعدد الثيمات اللافتة للنظر، ومتانة البنية المعمارية، والمقاربة السينمائية شكلاً ومضمونًا. تكتظ الفصول الأربعة لهذه الرواية بمحاور رئيسة لابدّ من الوقوف عندها جميعًا لأنها تشكِّل لُحمة النص وسَداته وهي بحسب أهميتها في الهيكل الروائي "لغز التوائم"، "الحُب المستحيل"،"الهَوَس الشبقي"، "متلازمة ستندال"، ثم تتبعها ثيمات مُكمِّلة للنص الروائي ومُؤازِرة له مثل "الشيبانيين" أو المهاجرين المغاربة في فرنسا، والولع بالتُحف الفنية، والعزلة، والتسامح وثيمات أخرى علمية وثقافية لا تقلّ أهمية عن سابقاتها.
قد لا يستغرب الذين يعرفون الشاعرة والروائية مُرشيد من كثب سبب تعاطيها مع موضوعات علمية فهي طبيبة متخصصة تحمل شهادةالدكتوراه في طب الأطفال ويهمّها جدًا أن تفكّ بعض ألغاز التوائم التي لمّا تزل غامضة ومُبهمةحتى الوقت الراهن. وعلى الرغم من الطبيعة العلمية لهذه الثيمة إلاّ أنّ الروائية استطاعت أن تروِّض هذا المُعطى العلمي وتذوّبه في نسيج النص السردي، وتجعلَ منه عنصرَ تشويق ينطوي على الكثير من المعلومات المثيرة التي هي أقرب إلى الكشوفاتالنفسية منها إلى أي شيء آخر. وبغية إحاطة النص بشيء من الإثارة فإن الروائية تضعنا أمام ثلاثة توائم تتمثّل بطائري الحُب اللذين لا يستطيع أحدهما أن يعيش بمعزل عن الآخر، والتوأم مُراد الذي فَقد نصفه الثاني منير في حادثة سير، والتوأم الذي أنجبته نور وهما وائل وجاد، ولعل عنوان الرواية ينطبق على التوائم الثلاثة حتى وإن كان الأول مجازيًا، ولعل القاسم المشترك بينها جميعًا أن التوائم لا تستطيع العيش بمنأى عن أنصافها المشطورة لأنها تموت، بشكل أو بآخر، إذا ما انفصلت أو تباعدت قسرا.
تقنيًا يمكننا القول بأنّ هذه الرواية مكتوبة بعين سينمائية ليس لأن أبطالها الثلاثة سينمائيون فحسب وإنما لتعالقاتها النصيّة مع اقتباسات هي أقرب إلى الحِكَم والأمثال والأقوال المأثورة لعشرة مُخرجين سينمائيين غالبيتهم فرنسيين والبقية من إيطاليا وإنكلترا وأميركا. وقد شيّدت الروائية من هذه الشذرات المُقتَبسة عالمًا حُلُميًا موازيًا للعالم الواقعي الذي لا يستجيب عادة لتطلعات الشخصيات الرئيسة، ولا يرتقي إلى مخيّلاتهاالمجنّحة. فالمُخرج السينمائي الحالم مراد تزوّج من نادية بينما كان يُحّب شقيقتها نور لكن هذه الأخيرة وقعت في حُب الروائي كمال الخلفي. وعلى الرغم من انفصالهما المفاجئ إلاّ أنها كانت تفكِّر به، وتريد أن تعرف لماذا تخلى عنها بهذه السرعة؟ تحتشد هذه الرواية بالمفاجآت ولعل أشدّها صدمة هي مفاجأة "الحُب المحظور" الذي يتقِّد في صدر مراد من دون أن تشعر به نور أو تُدركه نادية المنغمسة في عملها حدّ التفاني. فهل يظل وفيًا لزوجته أم ينزلق إلى حمأة الخيانة؟لا يختلف عنه صديقه الحميم موريس كوهن في شخصيته الإشكالية لكنّ عذره الوحيد هو إصابته بمرض هَوَس العِشق، وأن بيترا التي كان يعتقد أنها تحبهُ قد خُطِبت إلى شخص آخر طَعنهُ موريس بالسكّين ودخل السجن بسببه، وحينما برأتهُ المحكمة لأنه كان يعاني من هذيان مرضي ترك دراسته في الهندسة المعمارية واشتغل مع عمّه إسحق في محل لبيع التحف القديمة، ومِن هناك نشأ ولعهُ باللُقى الأثرية والأعمال الفنية، ثم اشترى بعد وفاة والده صالة كي يمارس فيها شغفهُ الفني، ويتخذ من قسمها الخلفي "مغارة" للعزلة، وصومعة لتأمل الذات المُلتاعة.
لم تكن الثيمات الفرعية لتأثيث النص وملء الفراغات لأنه محبوك، وخالٍ من الزوائد. فثيمة "الشيبانيين" أو المهاجرين المغاربة في فرنسا هي موضوع فيلمه الروائي الذي أسماه "السلسلة" أول الأمر، ثم غيّره لاحقًا إلى "ثمن الغياب" وهو يتمحور على ثنائية الغربة والحنين، ولعل أقصى ما يطمح إليه "حُمّان" المُتقاعد المغربي المُسنّ هو أن يموت في بلده ويُدفن هناك.
المفاجأة الثانية التي صعقت مُراد تحديدًا وأربكته هي حمْل نور من كمال الخلفي قبيل الطلاق، وتضاعفت المفاجأة حينما أثبتت الفحوصات الطبية أن الجنين الذي تحمله في بطنها توأم فيلتمس منها غير مرة أن تحتفظ بهما على أن يتحمّل هو قسطًا كبيرًا من المسؤولية خصوصًا وأنه عقيم لا ينتظر من نادية أن تنجب له ذرية في السنوات القادمة. فيخترع لنادية قصة حصول نور على منحة دراسية لسنة واحدة من جامعة ميامي لتطوير مهاراتها الفنية واللغوية التي قد تفتح لها طريقًا إلى العالمية. ورغم أن الأمور كانت تسير على وفق الخطّة المرسومة لها في التكتم والحذر الشديد إلاّ أن نادية تكتشف هذه الحكاية المُلفقة فيضطر للاعتراف بالخطة التي دبّرها مع نور للتستر على قصة الحمل التي لم تشأ أن يعرف بها أحد لكن طلب نادية الوحيد بعد أن استفاقت من غيبوبتها وتأكيد الأطباء على إصابتها بالتهاب الكبد الفايروسي الحاد هو أن يُخبر كمال بالحقيقة ويترك له القول الفصل في قبول الإبوة من عدمها.
تتحرك شخصيات الرواية في ثلاث قارات وهي أفريقيا، أوروبا وأميركا الشمالية وقد اختارت مُرشيد من باريس وفلورنسا مكانين لمفاجآت من نوع آخر. الأولى مشكلة "الشيبانيين المغاربة" الذين أفنوا أعمارهم في المصانع الفرنسية ولم يحصلوا بالمقابل على حقوقهم التقاعدية المقرونة بإمكانية الانتقال إلى المغرب إلاّ بشق الأنفس حيث انتحر بعضهم،وعاش البعض الآخر في عزلة موحشة بعيدًا عن الأهل والأصدقاء. أما أسباب السفر إلى فلورنسا فهي كثيرة من بينها مُشاركة مراد في مهرجان فلورنسا السينمائي واصطحاب نور بدلاً من نادية المدمنة على العمل كي تكسر عزلتها وتنفض عن نفسها غبار الكآبة قليلاً لعله يقنعها أيضًا بعدم إسقاط التوأم اللذين انجذب إليهما بشكل غامض وكأنهما نزلا من صلبه. وبما أن مفاجآت الرواية كثيرة فقد صادفا كمال في نفس الفندق الذي يقيمان فيه بفلورنسا بحجة توقيع روايته الأخيرة المترجمة إلى الإيطالية، لكن ما أغاظ نور أكثر أن طليقها قد جاء بصحبة صديقته الجديدة لاورا وكأنه لم يمرّ بتجربة زوجية قوّضها في رمشة عين. لو وضعنا سيرة كمال جانبًا وركّزنا على حالة الإغماء التي أصيبت بها نور في كنيسة سانتا كروز، ليس لأنها حامل وإنما لإصابتها بمتلازمة "ستندال" أمام المعطيات الجمالية المذهلة التي لا يتحمّلها أصحاب الأحاسيس المُرهفة فيسقطون في غيبوبة مؤقتة أمام النُصب والتماثيل الفنية المتقنة التي تغصّ بهامتاحف فلورنسا وكنائسها المذهلة. أما المفاجأة الأخيرة في الرواية فهي اعتراف والد مراد بالسبب الرئيس الذي دفعه لطلاق زوجته لأنه اكتشفها تخونه من أحمد، جارهم الذي كان يدرس في الخارج فلم تسمح كرامته بإبقائها على ذمته، ومع ذلك فلم يتزوج بعدها لأنها المرأة الوحيدة التي أحبّها، وكرّس حياته من أجلها.
لا شكّ في أنّ الروائية فاتحة مُرشيد قد قامت بدراسات معمقة سواء في مجال اختصاصها الطبي أو في المجالات الفنية والثقافية لتغذي روايتها بهذا الكم الكبير من المعلومات الشيقة التي أثرت عملها الأدبي الذي يتوفر على معظم الاشتراطات الفنية الناجحة التي تؤهله للصمود أمام تقادم الأعوام.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أحد يعود. . . نصوص متماسكة ترتدي حُللاً جديدة
- عام السرطان: سيرة روائية لمقارعة المرض العُضال
- رولان بارت الكاتب الذي أماتَ المؤلف، وأحيا القارئ
- فيلم Elle سردية بصرية تخالف توقعات المُشاهدين
- فيديل كاسترو: عدوّ أميركا اللدود
- النكهة المحليّة في قصص فاتحة مرشيد
- مانشستر على البحر: قوّة التقمّص وبراعة الأداء
- نساء في الظل يقوّضنَ جدران الفصل العنصري
- عفوية السرد وسلاسته في معارك الصحراء
- الحداثة: مقدمة قصيرة جدًا
- المصداقية والإبهار في فيلم مواقع مقدسة: البتراء
- الأدب الإنجليزي ومراحل تطوره عبر ستة عصور
- جيرنيكا: أيقونة الألم البشري
- جاذبية اللغة البصرية في فيلم يوم الملِك
- مُذكّرات صيّاد لتورغينيف: قرأها القيصر فألغى نظام القنانة في ...
- أنثولوجيا شعرية تدور في فلَك الأم
- المنحى العجائبي في رواية -ياقوت- لمريم مشتاوي
- الدَّادائية والسِّريالية: دعوة لتجاوز المتعة والتأثير في حيا ...
- البنية النفسية والثقافية في رواية عِشق لمريم مشتاوي
- جمالية اللغة البصرية في فيلم -بأقصى سرعة- لرينغر هوفل


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رواية -التوأم-. . نص أدبي مُدوّن بعينٍ سينمائية