أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفنانة مونيك باستيانس . . شغف بالطبيعة ونزوع لتجميلها















المزيد.....

الفنانة مونيك باستيانس . . شغف بالطبيعة ونزوع لتجميلها


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5623 - 2017 / 8 / 28 - 11:19
المحور: الادب والفن
    


بحضور جماهيري كثيف في بلدة "شيفا" التابعة لمدينة فالنسيا الإسبانية تم افتتاح العمل النحتي الكبير الذي يحمل عنوان "رائحة الشمس" للفنانة الإسبانية من أصول هولندية- بلجيكية مونيك باستيانس. وهذه المنحوتة عبارة عن جدارية ضخمة تضم في متنها "الريليفيّ" البارز بصمات راحات الأيدي لأربعة آلاف مواطن شيفاوي من الطفل الرضيع الذي يتراوح عمره أسبوعين حتى الشيخ الطاعن في السن الذي يبلغ عمره تسعين عامًا. الفكرة الرئيسة لهذا العمل الفني هي تآزر مواطني هذه البلدة، وتناغمهم، وتكافلهم الدائم مهما اختلفت الأصول، وتنوعت المشارب، وتعددت المرجعيات. فالحُب شعارهم، والصداقة مذهبهم، والعيش المُشترك هو هاجسهم الأول والأخير. نفّذت باستيانس بصمات الأيدي التي هي عبارة عن كُرات طينية مضغوطة قليلاً بالأصابع على راحة اليد ومفخورة بالنار ومثبتة بمادة لاصقة على سطح الجدارية التي أخذت شكل الزورق العائم على ماء البِركة، أو شكل الطائر الذي يحاول الهبوط على سطح الماء.
لم يكن هذا العمل النحتي القائم على البصمات هو الأول من نوعه فقد سبق لباستيانس في عام 2015 أن أنجزت ثلاثة أعمال كروية لبصمات الأصابع لأربعة آلاف طالب من طلبة كلية آركوس في مدينة هيرلين الهولندية.
ولكي نتعمّق بثيمات وتقنيات هذه الفنانة الدؤوبة التي يقترن اسمها دائمًا بالحداثة والابتكار لابد أن نتوقف عند المحاور الفنية الأربعة التي انغمست فيها منذ دراستها في أواسط السبعينات بقسم النحت في أكاديمية الفنون البصرية بأوتريخت، وهذه المحاور هي: المداخلات الفنية في جسد الطبيعة والحياة Interventions ، والأعمال التركيبية Installations، والأعمال النحتية Sculptures، والرسوم Drawings وسوف نركِّز على المحور الأول آملين أن نتناول المحاور الباقية في دراسة لاحقة.
بدأت باستيانس حياتها الفنية بالنحت، حقل تخصصها الرئيس، لكنها اكتشفت أن عملية النحت تستغرق وقتًا طويلاً لذلك التجأت إلى الرسم كي تعمل بعفوية وتلقائية كلما عنَّ لها أن تنهمك في عمل فني يلبّي رغباتها الآنية السريعة، ومع ذلك فقد أنجزت منحوتات برونزية لأشكال بشرية حوّلتها شيئًا فشيئًا إلى طيور، أو إلى كائنات مهجّنة تجمع بين شكل الطير وشكل الإنسان في آنٍ معا. والغريب أنها أنجزت قبل رحلتها إلى إسبانيا منحوتات مُحلِّقة في الفضاء وكأنها كانت تدرك في دخيلتها بأنها سوف تغادر هولندا وستجد ضالتها في المدن الإسبانية التي تحتضن حضارات وثقافات وأديان مختلفة تعايشت على مرّ العصور، وتنافرت في بعض الأوقات العصيبة العابرة.
وبما أن مشاريعها في المحاور الأربعة كثيرة ومتنوعة فسوف نقتصر على تناول البعض منها الذي يحيط القارئ علمًا بموضوعاتها وأساليبها ومقارباتها الفنية. لعل أبرز الثيمات التي تشتغل عليها الفنانة باستيانس هي الطبيعة، والإنسان، والمجتمع، والتجليات الروحية في مختلف الديانات السماوية والأرضية، هذا إضافة إلى توظيف بعض الجوانب الفلسفية، والتعاطي مع الأمثال التي وجدت طريقها إلى نماذج محددة من أعمالها الفنية. تبدو الطبيعة هي المكان المفضّل لأعمالها الفنية التي تتدخل في الطبيعة برًا وبحرًا وفضاءً وغالبًا ما تضيف إليها عناصر جمالية مثل المظلات، والنيونات، واللالئ الكبيرة البيضاء التي تُحدث تغييرًا جذريًا في المكان الجغرافي الذي تشتغل عليه كما في تحفها الفنية المُبهرة "الطحالب الزرقاء"، أو سلسلة أعمال "كل الطرق تؤدي إلى روما"، أو "قناديل البحر" التي زينّت شاطئ المتوسط وغيّرت إيقاعه اللوني المعتاد. وحينما يقف المتلقي أمام أعمالها الفنية عليه أن يستنفر أربعًا من حواسه في الأقل وهي البصر والسمع والشمّ واللمس ولعله يحتاج الحاسة السادسة لسبر أغوار بعض الأشياء المخبأَة وراء الأشكال والتكوينات العصيّة على التفسير.
لا تكتفي باستيانس بما هو موجود في الطبيعة، فالهوّة العميقة بين جبلين صخريين تُجسِّرها بخطوط مستقيمة أو مائلة من اللالئ البيضاء، والغابات الكثيفة الأشجار تزيّنها بمظلات وردية تتدلى من أعمدة معدنية منحنية، أما الجسور والقناطر القديمة فتطليها بألوان صارخة تعيد إليها الحياة من جديد. وإذا تعذرت عليها الأشكال والتكوينات الجميلة فإنها تستخرج البُصيلات والدَرَنات من أعماق الأرض ثم تصوغها بأحجام كبيرة وتثبتها في الأماكن الفارغة في قلب الطبيعة.
لابد من الوقوف عند مشروعها القديم بعض الشيء لأنه علامة فارقة في حياتها الفنية إذ حوّلت 270 شجرة برتقال ميتة، قيل إنها فارقت الحياة بسبب الحزن، إلى بستان من الألوان المبهجة على رأسها اللون الأحمر والوردي والأبيض الشفاف.
أشرنا إلى اهتمامها بالديانات السماوية الثلاث وربما تكون "يد فاطمة" نسبه إلى فاطمة الزهراء، هي واحدة من تجليات اهتمامها بالديانة الإسلامية التي ترسخت خلال ثمانية قرون في هذا البلد. فصورة هذه اليد تعتبر تعويذة لتفادي الحسد والسحر، وتميمة لدرء الأخطار والبلايا. وقد نفّذت الفنانة سبعة تكوينات من كُرات زرقاء مليئة بالهليوم مثبتة فوق أعمدة معدنية بطول 17 م. وفي السياق ذاته فإن باستيانس تهتم بالديانات الأخر مثل الديانة الشنتوية اليابانية لأن هذه الأخيرة تمجِّد الطبيعة وتحث على الاهتمام بها. وربما يكون مشروع "أعواد الثقاب" هو إشارة تحذيرية لكل الناس لحماية غاباتهم من الحرائق المدمرة التي تفتك بمساحات شاسعة من المناطق المُشجرة التي يبعث منظرها الكارثي على الحزن والأسى العميقين. فإلى جانب كل شجرة محترقة غرزت باستيانس أعواد ثقاب كبيرة الحجم بطول 4 م تحذيرًا من حرائق مُقبلة.
ما يميّز الأعمال التركيبية عن سابقتها هو المكان، فالأولى كانت في قلب الطبيعة، بينما تأخذ الأعمال التركيبية Installations مكانها في المتاحف، والجامعات، والمباني التاريخية، والساحات العامة وبقية المناطق المأهولة بالسُكّان في المدينة. ولابد من الأخذ بعين الاعتبار أن بعض هذه الأعمال التركيبية الضخمة يحتاج إلى رافعات وشاحنات وعمل مضني لحدّادين ولحّامين وتقنيين في الضوء والصوت وما إلى ذلك وبإشراف مباشر من باستيانس التي توقّع العمل باسمها في نهاية الأمر بعد أن تضع عليه اللمسات الأخيرة. يحتل محور النحت مساحة كبيرة من تجربة الفنانة باستيانس، فهو شغفها الأول، واختصاصها الدقيق، وقد أنجزت حتى الآن 48 مشروعًا، بمعدل عشرة أعمال أو أكثر لكل مشروع ويكفي أن نشير هنا إلى بعض هذه المشروعات مثل "حذاء السندريلا"، و "فالانتاين" و "للحيطان آذان" وهي في مجملها أفكار جديدة لم تُطرَق من قبل. وعلى الرغم من ارتباط الأعمال النحتيّة بالحواضر والمدن إلاّ أن عشق الفنانة للفضاءات المفتوحة هو الذي دفعها لأن تنجز منحوتة "فالانتاين" في قلب الطبيعة مستعينة بعدد من العمال الذين شيدوا هذا الصرح الجميل في منطقة زراعية هادئة مُحتفية بعزلتها وبإيقاعها الداخلي الخاص.
يبدو أن محور الرسم هو أقل المحاور الأربعة من حيث الكم، فقد أنجزت حتى الآن عشرة مشاريع وهي في مجملها تكرار لبعض مشاريع المحاور الثلاثة التي أشرنا إليها سلفًا، ولعلها نماذج أولية مصغرة لتماثيلها، ومداخلاتها الفنية، وأعمالها التركيبية الكبيرة.
نخلص إلى القول بأن باستيانس هي نبع من الأفكار المتدفقة التي لا تنضب، وأن أسلوبها الفني يعود إليها فقط ويصعب أن تجد مصادره عند فنانين آخرين رغم أنها كانت تنتمي في بداياتها الفنية إلى جماعة الـ Fluxus التي وصفها الناقد الفني الهولندي هاري روهيّ بأنها "الحركة الفنية الأكثر تطرفًا وتجريبية في الستينات".



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البوح وسيلة للاعتراف في النص السردي
- الكتابة والحياة: سيرة جريئة كتبها علي الشوك قبل ضمور الذاكرة
- محمد شكري جميل . . عرّاب السينما العراقية بلا مُنازع
- حكاية البنت التي طارت عصافيرها: لغة سلسة وبناء قصصي متماسك
- رازقي . . رواية جريئة تفتقر إلى الثيمة الرئيسة
- اللاجئ العراقي وثنائية الهجرة والحنين إلى الوطن
- الشخصية المُناهضة للحرب في رواية السبيليات
- تيت غاليري بلندن يحتفي بالفنانة التركية فخر النساء زيد
- أديب كمال الدين . . . الشاعرُ المُتعبِّد في صومعة الحرف ومحر ...
- ديفيد هوكني في معرضة الاستعادي الثاني في غاليري Tate Britain ...
- السنة المفقودة. . . سيرة ذاتية مُصوَّرة
- بيضاء كالثلج. . البحث عن آصرة الأخوّة المُفتَرضة
- عاشقات سعد علي يمرحنَ في فردوسهِ المُتخيَّل
- انتظار السَمَرْمَرْ: رواية متماسكة وليست محْكيات مشتّتة
- -بطنها المأوى- لدُنى غالي. . . نموذخ صادم لأدب المنفى والسجو ...
- سلامًا للغربة . . وداعًا للوطن: المبدعون يصنعون شخصية الأمة
- شخصيات جاكومَتي الخيطية ترحل من الوجود إلى العدم
- إشكالية الإقحام و الفبركة في رواية بهار
- فيلم الكَنّاوي: ساجر النار: أصداء التاريخ وسؤال الحرية المطل ...
- تواشج الأشكال والمضامين في رواية -العدد صفر- لأُمبرتو إيكو


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفنانة مونيك باستيانس . . شغف بالطبيعة ونزوع لتجميلها