أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - عن ملوك أمريكا














المزيد.....

عن ملوك أمريكا


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1461 - 2006 / 2 / 14 - 11:27
المحور: الادب والفن
    


تناقلت وكالات الأنباء وعشرات المواقع على الإنترنيت خبر وفاة طبيب الأسنان الأمريكي ليستر هوفمان، الشهير في بلاده لأسباب لا تتصل البتة بإنجازاته في حقل اختصاصه، بل لأنه ببساطة كان آخر غريب وقعت عيناه على المغنّي الأمريكي الراحل إلفيس بريسلي (1935ـ1977)، النجم الأشهر في موسيقى «الروك أند رول»، والأيقونة الكبرى لأجيال وأجيال، «الملك» تارة، و«ملك الملوك» طوراً. ففي ليلة 15/16 آب (أغسطس) 1977 زار بريسلي عيادة هوفمان، حيث قام الأخير بتنظيف اثنين من أسنان "الملك" وحشو نخر واحد، فدخل التاريخ من هذا الباب وحده! ذلك لأنّ النجم عاد إلى بيته تلك الليلة ولم يخرج منه إلا في الكفن، إذْ عُثر عليه في اليوم التالي جثة هامدة، ملقى على أرض الحمام إثر تناوله جرعة عالية قاتلة من المخدرات. أمّا الأشهر من هوفمان في هذا الميدان فهي جنجر ألدمان، صديقة الملك التي كانت في فراشه حتى ربع الساعة الأخير قبيل انتحاره.
هذا التفصيل، وسواه عشرات التفاصيل الأخرى ذات المحتوى المماثل، يندرج في "الهستيريا البريسلية"، أو ذلك الهوس الجَمْعي الذي استولى ويظلّ يستولي على مخيال شعبي واسع عريض في الولايات المتحدة وخارجها، رغم انقضاء قرابة ثلاثة عقود على رحيل النجم. وفي كلّ 15 آب من كلّ سنة، خصوصاً إذا تصادف هذا التاريخ ذاته مع ذكرى عاشرة أو عشرين أو خمس وعشرين، يتعيّن على قاطني مدينة ممفيس أن يعيشوا حال اغتراب تامّ عن مدينتهم العزيزة، ولا يكون في وسع الكثيرين منهم أن يجزموا على وجه اليقين ما إذا كانت ممفيس في أيام ذكرى "الملك" هي ذاتها ممفيس المالوفة: القديمة، الجنوبية بامتياز، النمطية، التي يستحيل في حالات أخرى الخلط بينها وبين أية مدينة أمريكية أخرى.
وإذا كانت المدينة قد تعوّدت على هذا الحجيج السنوي الذي ينطوي على توافد عشرات الآلاف من عشّاق "الملك"، بل وأحسنت وفادته لأسباب تجارية وسياحية قبل الأسباب الثقافية، فإنّ الأمر أحياناً يبلغ مستوى استثنائياً بالفعل. في آخر احتفالية أحصى أحد مواطني ممفيس أكثر من 90 فريق تلفزة من أمريكا والعالم، وأخذه العجب الشديد إذ شاهد المعدّات المعقدة التي ستتولى النقل الحيّ لوقائع الحجّ والحجيج، فتساءل: «هل اختاروا ممفيس لتنظيم الألعاب الأولمبية»؟ أستاذ اللغة الإنكليزية في إحدى مدارس المدينة قرر التواري عن أنظار تلامذته طيلة أيام الإحتفال لأنه كان أعجز من أن يفسّر لهم القاعدة اللغوية وراء نحت كلمات إنكليزية جديدة عجيبة، من نوع Elvisness مثلاً! وفي الشوارع والفنادق والبارات تحتشد عشرات الوفود القادمة من أربع رياح الأرض، وتتنفنّن «أطقم إلفسية» في إدخال عشرات التنويعات على ملامح الملك، فتحتفظ ببضع معطيات كلاسيكية معروفة (الشعر الأسود، الغرّة الناتئة، الياقة العريضة، السترة الجلدية)، ولكنها تضفي أيضاً بعض الخصائص «الوطنية» للبلد الذي يجيء منه الطاقم: هذا إلفيس ألماني، وذاك إلفيس أسترالي، والثالث ياباني...
وبالطبع، هنالك أشغال وأعمال وتجارة و"بزنس" كامل، بمئات الملايين من الدولارات، خلف هذا الهوس وتلك الذكرى وذاك الحجيج. الشركة التي تحتكر إنتاج أو ترخيص مختلف أنواع البضائع المعتمدة على شخصية الملك تدعىElvis Presley Enterprise، وتديرها أرملته بريسيلا وابنته الوحيدة ليزا ماري. رقم الأرباح تجاوز الـ 100 مليون دولار منذ الذكرى العشرين، والمنتوجات يمكن أن تكون أي شيء يخطر على البال: ثياب، طعام، أدوات منزلية، تماثيل، عطور، مداليات...
وليس الأمر أن "الملك" لا يستحقّ التكريم، خصوصاً وأنه جمع في شخصيته بين ضمير الأمريكي الجنوبي الأبيض وضمير الأمريكي الجنوبي الأسود، بين موسيقى البيض وإيقاعات السود، بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، وبين البوهيمية القصوى ومنتهى التفاني في الإخلاص لفكرة العائلة. المسألة أن هذا التكريم السنوي انقلب إلى ما يشبه الطقس الشعائري المحموم الذي يحتفل بموت مقدّس أكثر مما يتذكّر عبقرية إنسانية بشرية من لحم ودم. «في السنوات القادمة سوف يصبح الإعجاب بإلفيس ديانة مستقلة لأن عشاقه سيحوّلونه إلى مسيح رمزي، وستصبح غريسلاند [مزرعة بريسلي التي انقلبت إلى متحف خاصّ به] بمثابة بيت لحم ثانية»، تتنبأ بيكي يانسي التي عملت سكرتيرة شخصية للملك طيلة سنوات عديدة. تقول ذلك وتبكي بحزن صادق، لأنها بين قلة قليلة اختبرت عن كثب تلك الجوانب الآدمية الإنسانية في شخصية بريسلي: نجاحاته وإخفاقاته، أفراحه وأتراحه، قوّته وضعفه.
غير بعيد عن آلاف الشموع المضاءة على ضريح الملك، الأقرب إلى مذبح في الواقع، يحدث عادة أن يجتمع أكاديميون كهول رصينون في أروقة جامعة مسيسيبي، لإحياء ذكرى ابن بارّ آخر من أبناء مدينة ممفيس، هو الروائي الأمريكي الكبير وليم فوكنر (1897ـ1962). وذات يوم، في عام 1997، شاءت المصادفة القاسية أن تتزامن الذكرى العشرون لوفاة "الملك" مع الذكرى المئوية لولادة فوكنر، فطغت الذكرى الأولى على الثانية، وكادت أن تطمسها تماماً. وهكذا لم يجد الأكاديميون بدّاً من إجراء مصالحة من نوع ما، فأدخلوا تعديلاً جذرياً على برنامج أنشطتهم، وخصصوا خمس حلقات دراسية تحت عنوان: «فوكنر، بريسلي، والهوّية الجنوبية: دراسات مقارنة»!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء البيانوني خدّام: طيران فوق عشّ الوقواق؟
- الدانمرك أم النظام العربي؟
- ما خلا فلسطين، ديمقراطيات -بلاد بوش- على قدم وساق
- فتّشْ عن الشعر
- العراق: فواتير ديمقراطية ال -بزنس- المضرّجة بالدولار
- ذاكرة -ربيع دمشق-: ما تزال البنية عصيّة على الإصلاح
- غوانتانامو في العام الخامس: وصمة عار أم عدالة أمريكية الطراز ...
- برابرة عيد الأضحى
- غياب شارون: مفاعيل مشهد عابر للحدود والأقاليم
- سورية في 2006: القادم أعظم... هذه السنة أيضاً
- ديمقراطية أمريكا المعاصرة: أين جورج أورويل من جورج بوش
- النابغة والجولان
- دمشق بعد ميليس 2 واغتيال تويني: خمس رسائل انتحار
- بلد سيزير وقانون ساركوزي
- اتفاقية سلام سورية إسرائيلية: المأزق عميق والمخرج عالق
- بيريس الأخير: هل تبقى سوى التلاشي في الهواء الطلق؟
- الصفيح والخيش
- سقط المتاع
- قمّة المعلوماتية: إحتكار التكنولوجيا أم اجتماع المعرفة؟
- إستشراق أسعد بيك


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - عن ملوك أمريكا