أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حزب العمل الشيوعي في سورية - الآن - العدد (34) شباط 2006















المزيد.....



الآن - العدد (34) شباط 2006


حزب العمل الشيوعي في سورية

الحوار المتمدن-العدد: 1460 - 2006 / 2 / 13 - 10:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


• إلغاء احتكار السلطة وقيام نظام ديموقراطي معاصر لكل المجتمع.
• قيام أوسع جبهة عمل ديموقراطي علني وسلمي.
• مقاومة وإسقاط المخططات الأمريكية والصهيونية.
• حزب يساري من طراز جديد.
نشرة غير دورية تصدر عن حزب العمل الشيوعي في سورية Syria now @ Personal. Ro
العدد (34) شباط 2006 سعر النسخة 25 ل.س
1ـ الافتتاحية
2 ـ حماس حزب الاخوان المسلمين
3 ـ النظام السوري وازدواجية المعايير
4 ـ ترحيب بالرفيق محمد ديب
5 ـ ترحيب بنشطاء المنتديات
6 ـ خدام من الفساد إلى المعارضة
7 ـ الاخوان المسلمون بين النص والتضليل
8 ـ كلمات ذات مدلول في الوطنية
9 ـ اليسار الحالم وطغيان الايديولوجيا
10 ـ العامل الخارجي في التغيير
11 ـ قانون الأحزاب وعملية الانتقال
12 ـ رسالة إلى الرفاق
13 ـ المجتمع المدني والمجتمع الأهلي
14 ـ لبنان والخروج من مأزق الوصاية
15 ـ الشعب الأمريكي هو المستهدف
16 ـ فجر الحرية يسطع من جديد
بيان توضيحي من اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق

لم يمض سوى زمن قصير على إطلاق إعلان دمشق، حتى خلق حيوية عالية في الوسط السياسي السوري وبالرغم من أن ردود الفعل لم تستقر بعد، والأمر برمته لا يزال انتقالياً، إلا أن الكثير من الحوارات والمواقف والملاحظات الانتقادية والتحفظات، بشكل خاص في أوساط المعارضة الوطنية الديموقراطية تقتضي منا المساهمة في عملية التفاعل الجارية، من خلال إيضاح الروحية التي كنا نفكر بها والتدقيق في المعاني التي ساهمت فيها أيضاً الملاحظات التي قدمت والحوارات التي دارت حول الإعلان، وانطلاقاً من هذا ندعو كل فعاليات المعارضة (في الداخل والخارج) التي تجد نفسها في صف الإعلان أن تنضم إليه لتتحول إلى موقع الفعل من داخله.
البقية على الصفحة الآخيرة



الافتتاحية:
قرارات النظام المجنونة في رفع الأسعار
ويتساءل كثيرون:
هل جن جنون النظام؟ وفقد كل عقلانية في حساباته المتعلقة بمصالحه الضيقة وضرورات استمراره في السلطة، عندما راح يطلق باضطراد موجة غلاء مقوننة، وهو في قمة التأزم السياسي والضغوط السياسية عليه؟ كيف يجرؤ على اللعب في هذا المستوى من العامل الداخلي الشعبي والضغط عليه حتى الاختناق واحتمال الانفجار؟ هل في هذا خطأ وفقدان للتوجه المناسب أم هو توافق وانسجام تامين في إصراره على إهمال الوضع الداخلي والتركيز في نفس الوقت على ديماغوجيا الخطاب الوطني بعوامل قوته الخارجية من لبنان إلى إيران؟ هل هذا هو الإصلاح الاقتصادي الموعود، أم أن النظام مضطر إلى ذلك من أجل التكيف السياسي الضروري في هذه الشروط الحرجة؟ أم أن الأمر لا يخرج أبداً عن إطار أو مآل طريقة تفكير سلطة بورجوازية الدولة البيروقراطية وتناقض مصالحها مع مصالح القوى الشعبية؟ هل نصدق ادعاءات النظام، وقراراته «الموعودة» في مؤتمر حزبه الأخير بخصوص الاهتمام بمصالح الطبقات الشعبية وتحسين مستوى معيشتها (بزيادة الرواتب والأجور بنسبة 5% ومبلغ مقطوع /800/ل.س على أساس الراتب)، وعدم التفريط بها، وقضايا السوق الاجتماعي، أم نصدق الوقائع والقرارات المجنونة؟.
بين اجتماعي مجلس الأمن الأخيرين المتعلقين بسورية، انطلقت أزمة اقتصادية داخلية سريعة بسبب الخوف من احتمالات التطور الخطرة والمتسارعة.. وعدم ثقة المواطنين بالدولة.. وتقديراتهم أن الفأس ستقع في رؤوسهم.. فسحبت الكثير من الودائع وتراجع سعر الليرة أمام الدولار (62 ليرة للدولار الواحد)... فتحركت آلة الدولة بكل بؤسها لإقناع الرأي العام والشارع السوري أن الاقتصاد آمن، قوي، ومستقر، فاستخدمت الإعلام الاقتصادي من خلال أسماء العديد من الشركات وأصحابها العرب ومشاريع استثمارية خاصة بهم، كذلك من خلال أعضاء غرف التجارة والصناعة والسياحة السوريين.. وفي المقابل رفعت سعر الفوائد كتشجيع لضبط سحب الودائع، وعقّدت شروط سحب العملات الصعبة، كما ألغت العديد من القروض وتشددت في الشروط الأخرى المتاحة، وهناك تأكيدات أن البنك المركزي قد ضخ كميات كبيرة من القطع الأجنبي في إطار عملية الضبط السريعة تلك.. وعلى الرغم من كل ذلك نحن نعتقد أن تراجع الخطر السياسي، بتراجع السوية المتوقعة في قرار مجلس الأمن.. وابتراد مسألة الحريري... كل ذلك شكّل عاملاً حاسماً في تراجع سعر صرف الدولار وليس الإجراءات الاقتصادية للسلطة.
ومن جنون إلى جنون،.. رفعت الدولة رسوم العقارات على البيع والشراء وصلت حدود 26% من القيمة المقدرة، وارتفعت رسوم السيارات ورسوم الاستهلاك والرفاهية لتؤثر على قطاعات شعبية إضافية. وكانت قمة الجنون في رفع أسعار مادتي الإسمنت والبنزين واستمرار عمليات التسريب الإعلامي والدعاوي برفع أسعار مواد أخرى.. منها رفع الدعم الحكومي لعدد من المواد.. وصولاً إلى رفع سعر مادة المازوت في أيار القادم.
ماذا سيفعل رفع سعر مادة الإسمنت..؟ إنه سيقضي على أحلام قطاعات واسعة في التسجيل على بيت وشرائه بأقساط.. فالقرض العقاري ثابت.. وتكاليف البيوت تضاعفت بين التكاليف الحقيقية.. والوهمية في لعبة السوق.. دون أن ننسى الصعوبات الهائلة في تأمين القرض العقاري في هذه الشروط.. وبالطبع ستتأثر كل الأعمال والخدمات الأخرى المرتبطة بمادة الإسمنت.. صحيح أن ارتفاع سعر مادة البنزين لن يقارب أبداً مخاطر ارتفاع سعر مادة المازوت.. لكنه زاد تكاليفاً إضافيةً في الكثير من جوانب الحياة ومتاعب عدة في العلاقات بين قطاعات مختلفة في المجتمع.
إن خبراء السلطة وأجرائها الاقتصاديين الانتهازيين (جوقتها) يطرحون مثلاً أن الأمر يتعلق بضغوط الاتحاد الأوربي استعداداً تدريجياً لتنفيذ اتفاقات الشراكة وما تفترضه من ضرورة التوافق بين قوانين الاتحاد وشروطه.. مما يتطلب رفع الدعم عن المواد وتحرير السوق السورية.. ويضيف البعض من الجوقة أن أسعار هذه المواد في الأسواق المجاورة أعلى بكثير منها في سوريا مما خلق عمليات تهريب خطرة وخسارات اقتصادية كبيرة. ويضيف آخرون أن سعر مادة الإسمنت في سوريا هو سعر السوق السوداء.. فلماذا لا نرفع السعر الرسمي ونؤمن المادة عبر أذون استثمار صناعية جديدة في القطاع الخاص وإطلاق عملية الاستيراد لهذه المادة.. بصورة حرة.. وتعويم عملية التنافس لتأمين المادة واستقرار سعرها.
بالطبع حتى لو تم تجاوز مسألة المقارنة بين دخل المواطن في سوريا مع دخل المواطن في البلدان المجاورة وهي تضعنا أمام مفارقات كبيرة وغير منصفة. مع ذلك ينبري بعض «الاقتصاديين» الانتهازيين أو المنتفعين، لإيجاد مبررات إضافية للسلطة والادعاء أنه في حال إضافة قيمة الدعم على المواد إلى دخل المواطن السوري فإنه يصبح أعلى من دخل المواطن في الدول المجاورة، وهكذا فحتى لو رُفع الدعم فإن دخله سيبقى موازياً للدخول المجاورة.. ما هذا النفاق..! ما هذا الدفاع المتسق مع مصالح السلطة؟!
وما يلفت النظر في أداء السلطة أولاً هو ذلك التخبط والانتقال في المعالجة المؤقتة والهشة وخلق الأزمات ومراكمتها. وثانياً هو الانحياز المطلق. بدون أي ارتباك.. إلى اقتصاد السوق. ويفعل كل هذا على حساب صف قوى العمل الاجتماعية والقوى الشعبية دون أي حسابات..
وفي كل ذلك نعتقد أن النظام يبحث عن حلول تكيفية لأزمته السياسية مع العامل الخارجي.. من خلال إظهار حسن النوايا ومغازلة الاتحاد الأوروبي والاستعداد للانصياع والخضوع لشروط الاتفاقات على الأقل في الميدان الاقتصادي. حتى ولو أدى ذلك إلى ردود فعل وتحركات اجتماعية داخلية.. فهو مستعد لقمعها وضبطها.. وذو خبرة عالية في ذلك..
هل يخطىء النظام ويستمر في اعتقاده الأبدي أن رهاباته القديمة التي فرضها على المجتمع والوطن.. ووسائله القديمة.. كفيلة بجعله مطمئناً على مستوى ردود فعل الشارع الشعبي.، ويندفع إلى المزيد من الإمعان في حل أزمته على حساب الداخل السوري والقوى الشعبية.. ليدفع بيده هذه المرة إلى أزمة مركبة في الوطن بين السياسة والاقتصاد والاجتماع.. ولتتسع الحراكات من مستوى النخبة السياسية إلى قطاعات شعبية أكثر اتساعاً، وليصبح الشارع هو ميدان المواجهة مع النظام.. من منطلق المصالح الاجتماعية الذي سيتطور سريعاً ويتصاعد إلى القضايا السياسية المركزية..
ويتطلب ذلك من القوى اليسارية.. التنبه والاستعداد والعمل المباشر للدفاع عن مصالح قوى العمل الاجتماعية والشعبية ورفع وعيها ومستوى تنظيماتها النقابية والأهلية الأخرى.. فهي القوى الكفيلة بالدفاع عن مصالحها ومكاسبها.. التي يأكلها النظام بالتشارك مع جوقة الرأسماليين جميعهم..
الانتخابات التشريعية الفلسطينية:
«حماس» حزب الإخوان المسلمين في فلسطين
إلى الحكومة عبر صناديق الاقتراع

لم تكن قيادة «حماس» حزب الإخوان المسلمين في فلسطين تتوقع هذا الانتصار الباهر. وهذا الزحف الجماهيري الفلسطيني للاقتراع للمشروع الإخواني في فلسطين. لكن الذي لم تدركه القوى السياسية الفلسطينية المنطوية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية. مدى الضيق والحيف الذي لحق بالمواطن الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من تسلط رموز السلطة الفلسطينية. وفصائل المعارضة واليسار الديموقراطي الفلسطيني التي لم تشكل بديلاً حقيقياً لحزب السلطة الفلسطينية «فتح». وعدم تعاطيها مع المشروع الشاروني كما يجب منذ اجتياح 2002 للضفة الغربية.
إن مؤشرات تبدل مواقف الناخب الفلسطيني بدأت تسير باتجاه معاقبة حزب السلطة منذ الانتخابات البلدية الأولى التي جرت في قطاع غزة حين تعرض حزب السلطة «فتح» إلى هزيمة ديموقراطية واضحة بينما فصائل اليسار الفلسطيني تعرضت لمزيد من الانزواء. ولم تستطع التقدم خطوة باتجاه الاتفاق على برنامج حد أدنى إنتخابي تخوض هذه التجربة في قائمة موحدة.
وتعمقت هذه الظاهرة في الانتخابات البلدية في الضفة الغربية التي تقدمت بها حركة «حماس» على حزب السلطة تقدماً جزئياً في حين لم تغب أحزاب اليسار والمستقلون فكان التمثيل متقارب نوعاً ما حيث حصلت «حماس» على 122 مقعداً أي ما نسبته (29%)، فيما حصلت حركة فتح على 108 مقاعد بنسبة (26%). والمستقلين حصلوا على 104 بنسبة (25%). في منتصف الشهر الأخير من العام 2005 الفائت. لكن ما عمق هذا الاتجاه عند المواطن الفلسطيني هو الصراع الدائر بين أجنحة حزب السلطة «فتح». حيث لم تستطع هذه الأجنحة الوصول إلى صيغة القائمة الموحدة منذ البداية إذ جرى التقدم إلى هيئة الانتخابات العامة بقائمتين للحركة، ثم جرى توحيدهما في قائمة واحدة بعد تمديد مهلة الترشيح لساعات.
وما زاد الأمر سوءاً هو حالة الانفلات الأمني التي تقوم بها مجموعات محسوبة على حركة فتح والسلطة الفلسطينية وأجهزتها حيث قامت باقتحامات متكررة لمقرات اللجنة الانتخابية أو مراكز السلطة، وحتى لمعبر رفح الحدودي وإغلاقه لساعات، واختطاف أجانب بعضهم من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية. كل هذا السلوك الفتحاوي دعا إلى التساؤل حول من يقف وراء هذه الحالة، وإلى أين سوف تصل؟ وهل هذا السلوك يوفر الذرائع لاستقدام قوى من خارج الحدود الفلسطينية لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية!!!
وفي ذات الوقت ما زالت السلطة الفلسطينية تتعرض لضغوط صهيونية وأمريكية وأوروبية متلاحقة لنزع سلاح المقاومة. وحاولت هذه الأطراف جميعاً بالإضافة إلى اللجنة الرباعية منع «حماس» من المشاركة في هذه الانتخابات خاصة بعد قراءة المؤشرات الواضحة في آخر جولة من الانتخابات البلدية التي جرت في الضفة الغربية والمذكورة سابقاً في مقالنا.
ومع مرور الزمن تواصلت الضغوط على السلطة الفلسطينية إلى حد التلويح بقطع الدول المانحة لمساعداتها المالية للسلطة والتي تشكل بنداً رئيسياً في موازنة السلطة. يضاف إلى ذلك محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي عرقلة هذه الانتخابات من خلال موضوع مشاركة القدس فيها عبر إعلانها في البداية عن معارضتها إجراء انتخابات فلسطينية في القدس، ومنع المرشحين من القيام بالدعاية في المدينة. وتراجع سلطات الاحتلال إلى الشروط والضمانات التي جرت في الانتخابات الأولى للمجلس التشريعي في العام 1996 بعد اتفاقيات أوسلو. وهذا التراجع بالموقف لم يعكس تغيراً بالموقف «الإسرائيلي» وإنما رغبة في عدم الوقوف في وجوه المطالبة الأميركية بتسهيل العملية الانتخابية في القدس لاثبات جدية الإدارة الأميركية في الترويج لمشروعها الشرق الأوسط الكبير ودعواتها للديموقراطية في المنطقة على الطريقة الأمريكية.
وجرت هذه الانتخابات مع استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في حصارها لمدن الضفة الغربية واحتلال لكل الريف الفلسطيني خارج هذه المدن بوجود أكثر من 500 حاجز عسكري موزع في كل أنحاء الضفة الغربية ومدنها الفلسطينية. وأيضاً استمرار أعمال القتل والاغتيال واقتحام المدن والمخيمات وبوجود المصاعب الاقتصادية التي يعيشها سكان المناطق الفلسطينية. كل ذلك جعل بعض الفصائل الفلسطينية تعزف عن المشاركة في هذه الانتخابات لأنها تعيد اعطاء الشرعية للمؤسسات التي انبثقت عن اتفاقيات أوسلو. وتركيز جهود هذه العملية الانتخابية على دفع عملية التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني ومن هذه الفصائل «الجهاد الإسلامي ـ الجبهة الشعبية القيادة العامة...الخ».
وعلى وقع المشاركة الشعبية الفلسطينية العارمة أصرت القيادة الصهيونية على الاستمرار بفرض رؤيتها للحل الذي تقوم به على أساس الفصل الأحادي الجانب ونزع سلاح المقاومة الفلسطينية. وضم القدس الشرقية والأراضي الموجودة خارج جدار الفصل العنصري. بما في ذلك الكتل الاستيطانية الكبيرة وغور الأردن. وإبقاء السيطرة على الأجواء والمنافذ والثروات الباطنية. بما يؤكد استمرار السيطرة والتخلص من العبء السكاني الفلسطيني في المدن الفلسطينية. وهذا ما يعرف بـ«مشروع شارون» الاستراتيجي الصهيوني المستمر في ظل غياب صاحب وقائد هذا المشروع.
الانتخابات ونتائجها:
خاضت القوى والفصائل الفلسطينية الانتخابات التي جرت في 25/1/2006. بعشرة قوائم هي «التغيير والإصلاح، حماس»، «المستقبل، فتح»، «الشهيد أبو علي مصطفى، الجبهة الشعبية»، «البديل، الجبهة الديموقراطية وفدا وحزب الشعب ومستقلون»، «الشهيد أبو العباس، جبهة التحرير الفلسطينية»، «الحرية والعدالة الاجتماعية، جبهة النضال الشعبي»، «فلسطين المستقلة، المبادرة ومستقلون»، «الطريق الثالث، سلام فياض وعشراوي وآخرون»، «الإئتلاف الوطني والديموقراطي»، و«العدالة الفلسطينية».
ويضاف إلى ذلك مرشحون بحسب الدوائر الانتخابية حيث بلغ عدد المرشحون إلى 433 بينما بلغ عدد المرشحون حسب القوائم النسبية 366 مرشحاً.
وسجل جميع المراقبون الدوليون والمحليون والعرب أن هذه الانتخابات جرت في أجواء ديموقراطية في ظل الظروف التي سبق شرحها مع عدم تدخل السلطة الفلسطينية وأجهزة الأمن لتغيير النتائج فكانت نتائج الانتخابات مفاجأة للجميع حيث فازت «حماس» بأغلبية واضحة وصلت إلى 76 مقعداً فيما حصلت «فتح» حزب السلطة على 43 مقعداً. والجبهة الشعبية ثلاثة مقاعد، والجبهة الديموقراطية وفدا وحزب الشعب مقعدين، والباقي للمستقلين.
من الواضح في القراءة الأولى لهذه النتائج أن الشعب الفلسطيني منح أصواته إلى خيار المقاومة في الساحة الفلسطينية مبتعداً عن خيارات الحل السلمي فقط. وأن الناخب الفلسطيني ملّ الوعود التي قدمتها «فتح» حزب السلطة في الإصلاح ومحاربة الفساد.
إن دخول «حماس» إلى المجلس التشريعي بهذه القوة يشكل مدخلاً للتغيير في النظام السياسي للسلطة الفلسطينية، ولموازين القوى في الساحة الفلسطينية.
هزيمة لليسار الفلسطيني والقوى الديموقراطية:
من خلال نتائج الانتخابات الفلسطينية نستطيع القول أن قوى اليسار التقليدي في الساحة الفلسطينية منية بهزيمة كبيرة تؤكد على ضعف تواجدها وعدم استثمارها للعمل الفدائي المسلح في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ بداية الانتفاضة في 29/9/2000 وحتى اقفال صناديق الاقتراع، يعلل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أسباب الهزيمة بالقول: «أن الجبهة الشعبية توصلت إلى اتفاق مع الجبهة الديموقراطية يمثل الحد الأدنى لوجود برنامج سياسي وديموقراطي ما بين التنظيمين، ولكن يبدو أن ظروف الجبهة الديموقراطية الخاصة، قد حالت دون أن نتفق معها على تشكيل قائمة موحدة للجبهتين». مبيناً أن من الأسباب التي حالت دون إيجاد صيغة متفق عليها مع الديموقراطية حول ترتيب أسماء القائمة، هو عدم وجود تقدير دقيق لوزن كل القوى اليسارية».
وأكد سعدات «أن الجبهة الديموقراطية خاضت الانتخابات الرئاسية، وتستطيع أن تقدر وزنها، ولكن نحن في الجبهة الشعبية لم نخض هذه الانتخابات مباشرة واكتفينا بدعم مصطفى البرغوثي. لذلك لا نستطيع تقدير وزننا الحقيقي»(1).
بينما يعزي الأمين العام للجبهة الديموقراطية «نايف حواتمة» خسارة قوى اليسار إلى:
1 ـ القانون الانتخابي
2 ـ فشل القوى الديموقراطية التقدمية في توحيد صفوفها على الرغم من التقاطعات البرنامجية والسياسية الكبيرة.
3 ـ في الدوائر حقق العديد من المرشحين الديموقراطيين نتائج متقدمة، ولو كان هناك توافق موضوعي بين القوى الديموقراطية على دعم المرشحين أصحاب الفرصة الأكبر في النجاح لاستطاع عدد من هؤلاء أن يحققوا الفوز الأكيد.
4 ـ الحصار المادي والسياسي الذي وقع على الفصائل الديموقراطية التقدمية من قبل السلطة الفلسطينية وعديد من العواصم العربية.
ولا ينفي حواتمة ضرورة التدقيق في أساليب عمل هذه القوى حيث لم تجمع بين القول والعمل في ممارسة وتنفيذ برامج النضال والعمل حسب الأولويات التي تفرضها مرحلة الانتفاضة بالسياسة التوحيدية الواقعية وتكامل وسائل النضال في المقاومة المسلحة والجماهيرية»(2).
هذه الأسباب التي تعلنها الفصائل اليسارية عن أسباب هزيمتها، لكن على ما يبدو أن هناك أخطاء كبيرة وقاتلة لهذا الضعف والهزال الذي تعاني منه فصائل اليسار الفلسطيني التي لم تقدم نقد جدي لتراجع حضورها مقابل التقدم الذي يحققه التيار الإسلامي في الساحة الفلسطينية.
هل من تغير على برنامج حماس:
يعلن قادة حماس منذ فوزها الكاسح في الانتخابات بأنه لا تغير يذكر في الخط الاستراتيجي للحركة تجاه كافة الثوابت السياسية للحركة. لكن هناك معالجات واقعية بعد تشكيل الحكومة يمكن أن تقدم عليها «حماس». من مثل الدخول في هدنة طويلة الأجل. وتسليم السلاح في حال انسحاب جيش الاحتلال من مناطق 1967. وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة. وإنه لا تفاوض مع حكومة الاحتلال، والعمل على تغير مواقف الاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية وأمريكا من الحركة والشعب الفلسطيني.
إن الوضع الجديد في الساحة الفلسطينية وضع رئيس السلطة الفلسطينية أمام خيارات محددة أما تكليف حماس وتشكيل حكومة وحدة وطنية بدون «فتح» حزب السلطة تمسك فيها حماس بالمفاصل الأساسية في الحكومة. أو تشكيل حكومة طوارىء.
أخيراً إن حزب الإخوان المسلمين «حماس» على رأس الحكومة الفلسطينية لننتظر ونرى كيفية سلوك هذا الحزب تجاه الكيان الصهيوني وأمريكا والاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية. وتجاه قضايا الشعب الفلسطيني. هل سيبقى صامداً أمام مغريات السلطة؟ أم يعمل على إشراك المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة في تسيير شؤونه.
(1) الهدف العدد/1373/ كانون الثاني (يناير) 2006. مقابلة سعدات مع وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا».
(2) أبيض وأسود العدد /160/ في 6/2/2006 مقابلة مع حواتمة.
النظام السوري وازدواجية المعايير
حسيبة عبد الرحمن
أظهرت التلفزة السورية والعربية النظام السوري وكأنه قد غير بنيته وطبيعته ( البوليسية التي لا تزال تفخر بانتمائها لبنية وآلية نظام ديكتاتوري ينازع من أجل البقاء ) وذلك عبر نقل وقائع المظاهرة بتاريخ 4 /2/ 2006 حيث أحرق المتظاهرون السفارة الدنمركية والنرويجية وحاولوا الوصول إلى السفارة الفرنسية (عندئذ ٍمنعهم النظام ) على خلفية الرسوم الكاريكاتورية لصحيفة دنمركية «مهملة» تحولت فجأة إلى قضية رأي عام إسلامي تجاوزت التوقعات، ورمت في زاوية مهملة قضايا وطنية ذات حساسية عالية ومهمة كقضية فلسطين وعلى وجه الخصوص القدس واحتلال العراق .
كان من الممكن والطبيعي أن تفسر المظاهرة على أنها تطور في حقل الحريات العامة ومنها حرية التظاهر والتعبير في الساحة السورية، لو أن النظام سمح لمجموعة " ربيع دمشق" بإقامة مؤتمرهم الصحفي ( قبل يومين أو ثلاثة من التظاهرة الإسلامية ) دون تدخل أمني لمنعها، وقد سبق للأجهزة الأمنية من قبل أن منعت اجتماع قوى إعلان دمشق كجزء من استمرار سياسة النظام القمعية ضد كل أشكال التعبير وخصوصا ً فيما يتعلق بالحقل الديمقراطي.
أسئلة كثيرة تطرحها التظاهرة وأولها :لماذا أفسح النظام المجال للتظاهر وما هو دوره في خروجها ؟
ما هي الرسائل التي يود النظام إرسالها إلى الخارج ؟
ما علاقة التظاهرة في دمشق بما جرى في تظاهرة بيروت ؟
هل يريد النظام أن يؤسلم نظامه تماشياً مع الموجة الإسلامية وعلى خطا توأمه اللدود النظام العراقي المخلوع كي يستمر في السلطة ؟. أو أن ما يجري لا يعدو تجيير واستثمار سياسي من قبل النظام ؟
أسئلة مشروعة لأي متابع للساحة السورية ولانسداد أفق التطور الديمقراطي فيها . وعلينا محاولة الإجابة عليها أو على بعض منها بما نعتقد أنه صحيحاً .
أولاً: إن النظام قد بدأ بمغازلة الإسلاميين منذ زمن طويل وأقام علاقات مع بعضهم كـ«حماس ـ حزب الله ـ يوسف القرضاوي» وغيرهم كثر، أي أنه أقام علاقات مع الإسلاميين غير السوريين (تناول السفير السوري الإفطار على مائدة الإخوان المسلمين في مصر) وأفسح المجال لنشاط التجمعات الدينية الإسلامية غير المنظمة سياسياً وهذا واضح لأي مراقب لحركة الجوامع وغيرها في سوريا. محاولاً النظام اتباع سياسة امتصاص المد الإسلامي داخل سوريا (تفريغ الشحن الدينية بقضية لا تمس النظام ) والذي يعني تقويض (نظامه) ذا التكوين الطائفي وبعض الأحيان العلماني.
ثانياً: لا يزال الشعب السوري يعيش تحت رهاب القمع والابتعاد عن السياسة والحراك المطلبي والوطني والاجتماعي وبالتالي فإن خروج تظاهرة بهذا الحجم وتوجهها نحو السفارة الدنمركية لا يمكن أن يحصل لولا تواطؤ النظام معها وبالأصح دوره في خروج التظاهرة وتعبئتها ولكن لماذا ؟
ثالثاً: إن النظام السوري أراد إرسال رسالة واضحة للغرب مستفيداً من نجاح حماس ، وهي: أن الديمقراطية ستوصل قوى إسلامية معادية للغرب في سوريا كما حصل في فلسطين وبالتالي فإن خيارهم له هو الأفضل وإلا فهذا مستقبل سوريا وفي رسالة أخرى غير مباشرة من لبنان تقول انظروا ما آلت إليه الأمور بعد خروجنا ( حرق كنائس ..) ما بالكم إذا سقطت أنا؟ وبالتالي فإن رسالته تعني إما أنا وإما الفوضى !!
رابعاً: إن النظام السوري في خطوته تراجع عن المزية ربما الوحيدة لنظامه (نظام غير ديني ) فإذا بدأ التوجه نحو الأسلمة فهذا يعني إعلان سقوطه المدوي لأن من يريد النظام الإسلامي لن يقبل بالنظام السوري وإنما يختار نظام الإخوان المسلمين . أما إذا كان يريد اللعب على حبال المد الإسلامي وأخذ شرعيته " المفقودة " من خلال دعم التيار الإسلامي " الغير سوري " فهذا أيضاً يعرضه لقطع حبل من الحبال أو السقوط لانعدام التوازن .
في النهاية يبدو أن النظام يتبع سياسة الغرب في ازدواجية المعايير (ما حدا أحسن من حدا) فهم يفسحون المجال أمام انتقاد الإسلام وبعض الأحيان المسيحية (من وجهة نظرنا هذا حق لأي شخص غير مؤمن لأنه ينطلق من أرضية مادية غير دينية ولكن عندما تخرج من رجل متدين يهودي أو مسيحي تجاه الإسلام فهي تأخذ أبعاداً أخرى لها علاقة بصراع الأديان والإساءة لدين من منظور معرفي ديني آخر) في حين تقيم أوربا والولايات المتحدة الأمريكية الدنيا ولا تقعدها حول أية وجهة نظر إسلامية أو مسيحية تتعرض إلى واقعة دنيوية "كالهولوغوست وغيرها " ليست دينية مقدسة، أو عند انتقاد طابع "الدولة الإسرائيلية " العنصري عندئذ تكال الاتهامات من معاداة السامية..الخ . وهذا ما اتبعه النظام فسمح للمتظاهرين والمحتجين على الرسوم الكاريكاتورية التي صدرت في الصحف الدنمركية والنروجية وفي الوقت ذاته قام ويقوم النظام من خلال أجهزته الأمنية بقمع أي محاولة للنخب السياسية في التظاهر أو الاحتجاج على قضايا الحريات العامة أو الفساد أو ..الخ .
وبهذا يكون النظام قد مارس سياسة الغرب في ازدواجية المعايير؟...

الرفيق محمد ديب.. أهلاً
زنابق لأيام سجنك القديمة والجديدة.. وكوشات من الفل والياسمين.. وكلمات قاصرة ..
أهلاً بك في وطن حاول العسس أن يخيطوه على مقاسهم، قطعتَ الخيوطَ وحلقتَ في فضاءٍ رحبٍ بلا قيود..
أهلاً بك رفيقنا الغالي محمد ديب وعذراً على تقصيرنا.
أهلاً بك في ثوب حريتك الجديد.
أهلاً بك بين محبيك وهم كثر وفي مقدمتهم محاموك الذين بذلوا جهوداً كبيرة لكي تكون بين أطفالك فلهم كل الشكر....


أهـــــــلاً


رياض سيف ـ حبيب عيسى ـ وليد البني ـ فواز تللو ـ مأمون الحمصي.
أهلاً بنشطاء المنتديات... «ربيع دمشق» المسلوب غدراً منا ومنكم..
أهلاً بقاماتكم المرفوعة وأيديكم الممدودة التي احتضنت وتحتضن سوريا خضراء شامخة في ربيع لا ينتهي.
التي ستفتح يوماً على الكلمة الحرة ، الوطنية، التي تعيش هم الوطن.
أهلاً بكم .. على طريق «الحرية».


خدام من القمع والفساد إلى " المعارضة "
فراس يونس

هدأت الأجواء العاصفة التي خلفتها إطلالة – عبد الحليم خدام- المتلفزة عبر محطة العربية, وما تلاها من تصريحات من خلال أكثر من منبر إعلامي, وإن يك ثمة نار إقليمية ودولية ( تحت الرماد) قابلة للاستزادة من ضخ تصريحاته المعارضة, والتي لابد أن تعزز من الضغوط الدولية على النظام السوري وتضيق الخناق عليه , سواءً لجهة التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري , أو الموقف من ضبط الحدود الدولية مع العراق , أو علاقاته مع الأطراف الفلسطينية ودعم - الإرهاب – وفق التقييم الأمريكي السائد .
لم يأت انشقاق خدام من سخط نفسي طارئ إلى ما آلت إليه سورية من بؤس وانحطاط مادي ومعنوي , أو صحوة ضمير على مظالم سياسية واجتماعية ساهم السيد خدام في الانتصار لها وتبريرها وتكريس أجوائها البوليسية عبر تنمية القمع ( المستدامة), بقدر ما كان لوزن العوامل الخارجية الدافع الحاسم في حزم حقائبه والخروج من موقع سلطة سياسية ضعيفة إقليمياً ومنزوعة الغطاء الدولي إلى مواقع معارضة النظام السافرة ويأتي في مقدمة هذه العوامل تداعيات ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق و الخروج السوري من لبنان بعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري , والتي دلل أداء السياسة السورية خلال السنوات المنصرمة على ضعف التكيف مع التطورات الإقليمية والدولية, وعدم قراءة تلك التطورات على ضوء موازين القوى الجديدة, وضيق أفق المناورات السياسية غير القادرة على إعادة إنتاج أداء سياسي متوازن ومستقل نسبياً وفعال, مما اتسمت به حقبة الرئيس الراحل في ميدان السياسة الخارجية السورية , والتي يستند إليها السيد خدام كمرجعية سياسية وديبلوماسية جنبت سورية ونظامها السياسي الكثير من الخضات وامتصاص الأزمات الإقليمية, والضغوط الدولية .
إن وزن العوامل الدولية الضاغطة , سينعكس بلا ريب على قاعدة استقرار آليات النهب المعهودة في الداخل السوري والتي (تميل موازينها نحو احتكار تدريجي لحفنة ضيقة في الطبقة السياسية الحاكمة), لتتداعى قواعد استقرارها لصالح آليات نهب جديدة تحت غطاء ليبرالي لا يخلو من جاذبية الخطاب, وقانونية الإجراءات الشكلية, تسعى من خلالها لانتزاع قبول وشرعنة دولية, من هذه الزاوية فإن ما يقال عن خدام بأنه لم يطرح نفسه معارضاً لبنية النظام بل طرح نفسه (محدثاً) من داخل هذه البنية لم يجانب الصواب , ذلك أن استشراف الخطر من قبل السيد خدام أتى متلمساً لمالآت سوداوية وكارثية لمستقبل النظام السياسي في سورية إن لم يتم تدارك الأمر بالسرعة المطلوبة ولو كانت تكلفتها الخروج على السلطة, والانتظام في قاطرة التحولات المرتقبة التي يروم المجتمع الدولي تحقيقها واستهدافها.
يمكن قراءة خطوة انشقاق خدام على ضوء السياقات والمعطيات التالية : أولاً- المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة عازم من خلال تغيير سلوك النظام التدريجي على إجراء تغييرات نوعية تعادل بأهميتها سقوطه السياسي و بأقل الخسائر , وردود الأفعال العنيفة .
ثانياً - تجاوز مبدأ الشرعية الداخلية لصالح انتزاع شرعية دولية سياسية, لابد أن تكون معبراً ضرورياً لإعادة إنتاج آليات حكم وتحكم سياسي ملائم وفعال في الداخل السوري .
ثالثاُ- بناء على ما سبق , يمكن اعتبار خطوة خدام, ميلاً اتجاهياً لقسم من الطبقة السياسية الحاكمة السورية, لم تعد قادرة على الاستمرار ( والعيش) وفق آليات وطرائق الحكم المعهودة سواء من ناحية الاحتكار المضطرد لأسباب الثروة والسلطة , أو من ناحية إدارة ملفات السياسة الخارجية, ومالها من انعكاس على الاستقرار الإقليمي المطلوب أمريكياً وأوربياً .
جولة في ردود الأفعال:
1- كان حرياً بأعضاء مجلس الشعب السوري بدلاً من حفلة القدح والشتم المقررة بالقلم والورقة واستنفار مشاعر الغضب المبرمج, أن تتحول إلي جلسة محاسبة وتقديم كشف حساب بكل الملفات الوطنية من فساد وإفقار وغياب الحريات , ومساءلة المسؤولين لما آلت إليه البلاد من انحطاط شامل وتحديد المسؤوليات بأسمائها ومواقعها, وأن تتسع دائرة فتح الملفات , لأن السيد خدام لم يأت من كوكب المريخ , وملفات فساده وفساد عائلته لم تكن معزولة الروابط والصلات عن شبكة الفساد المتربصة بالبلاد والعباد . هل يعقل أن لا يضطلع الرأي العام بمعرفة رأي سلطته بمسائل خطيرة ومهينة إلا بعد أن انشقاق مدوي كانشقاق خدام – كملف النفايات النووية- التي لزمت كل السلطات المعنية : التشريعية والتنفيذية والقضائية والسياسية الصمت خلال أكثر من/20/ عام ودون أي تعليق أو مساءلة تذكر , ومحاسبة الشركاء والأدوات وكل المعنيين , أم أن فتح مثل هذا الملف قد يودي بإعادة تقييم مرحلة سوداء من تاريخ سورية المعاصر بعيد الانتصار الساحق على المجتمع السوري , في أعقاب أزمة الثمانين الخطيرة؟.
2- ما بعث على المرارة هو تلك الإشارات المرحبة بانشقاق خدام سواء لجهة إمكانية انضمامه إلى المعارضة الوطنية الديموقراطية , وبالخصوص ذاك الترحاب اللندني الصادر من جماعة الإخوان المسلمين بالتعاون مع خدام .
قد تتضمن السياسة النفعية في وجه من وجوهها تنحية إحكام القيمة الأخلاقية والمعنوية لصالح إجراء ضروري كالتعاون أو التحالف أو لاعتبارات التكتيك السياسي المشروع , ومد يد التعاون إلى خدام في حال ثبوت ذلك يستوجب تقديم كشف تقييم بسجل خدام (المشرف جداً) في مسؤولياته الضالعة خلال /35/ عام في استشراء الفساد والنهب ومصادرة الحريات , وعسكرة البلاد , وسوء العلاقات الأخوية مع اللبنانيين , إن من يجرب المجرب عقله مخرب .
مع ذلك , ثمة درس تاريخي هام قدمته لنا تجارب الأنظمة الشمولية, إن مفتاح التحولات السياسية يأتي من ( فوق), من تصدعات غير منظورة ومتوقعة , ومما لاشك فيه أن خطوة خدام تمثل ميلاً موضوعياً لإمكانية حصول تلك التصدعات مستقبلاً, خاصة إذا ما استطاعت المجموعة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي تبني واستثمار تلك التطورات بما تمليه مصلحتها , ويبدو من السابق لأوانه الحديث في الأوساط الدولية والإقليمية اعتبار خدام حصان طروادة لتحقيق الاختراق المنشود دولياً في بنية النظام وسياساته . ثمة اتجاهات متعاكسة تفعل فعلها في المنطقة العربية , ما يسمح للنظام السوري في التقاط أنفاسه وامتصاص ضربة خدام السياسية والإعلامية , مع بقاء هاجس كونه – أي خدام – الصندوق الأسود لحقبة 35 عام وما يتعلق بملف اغتيال الرئيس الحريري على وجه الخصوص , على أية حال لا رهان حقيقي في التغيير المرتقب إلا على الشعب السوري, الذي يبدو معطلاً وشبه غائب اليوم , في استنهاض قواه الجبارة , وعلى المعارضة الوطنية الديموقراطية التي تبدو – ونحن منها – مرتبكة بين الانسجام والتمسك بالبرنامج الديموقراطي والذي يعبر إعلان دمشق عن أهم عناوينه واتجاه سمته وقواه الاجتماعية , وبين ضرورات التكتيك السياسي الذي لم نتمرسه, بسبب غياب السياسة , وأهلها , ومجتمعها , مما يدعونا كقوى سياسية داخل إعلان دمشق وخارجه – مادام الإعلان لا يستنفذ العمل الوطني في سورية - لخوض حوار منهجي ومسؤول في مسائل المهمات الراهنة – التاكتيك - بأفق أهميتها وضرورتها على أرضية التمسك بالبرنامج الديموقراطي – حصيلة تلاقي القوى الديموقراطية على أهداف وحلول ومخارج تاريخية – من أجل عبور سورية الضروري إلى توضع سياسي جديد يعيد وضعها وشعبها ووزنها الاستراتيجي في الإعتبار.

الإخوان المسلمون بين «النص والتضليل»
بقلم:/ع/
لقد أصرت الحركة الإسلامية عبر نموذج الإخوان المسلمين، حتى بعد الميثاق وبعد البرنامج السياسي، (والنقد)!! أن تجري عمليات التفكير السياسي والممارسة السياسية وفق العقلية اللا تاريخية للإسلام، عقلية بعيدة عن الوقائع، والواقع، ومدلولاتهما، عقلية تعبد النص، النص الذي تختاره هي فقط، عقلية النقل... لماذا كل هذا؟.
لقد أتحفتنا حركة الإخوان وأيقنا مصدقين بولائها للنصوص، لكن ولكي تظهر هذه العقلية بمظهر اللائق المدني ولتخفي هذا (الولاء القندهاري للنص) لا مانع عندها من أن تظهر بلباس الازدواجية لتصدر لنا مواقف سياسية بصيغ ومفردات القاموس السياسي الدارج مثل إن الولاية للشعب، للأمة بينما يظل النص = التشريع للسماء!! ولكي تظل اللوحة مكتملة عندها لا مانع من تجاوز الشكلانية القديمة ونفيها، فلم تعد الجبية القصيرة واللحى الطويلة، والشوارب الحليقة متماشية مع اللوك العصري وخاصة في المواقف المعدة للإعلام على الشاشة فقط ليتم القبول من الأمة والشعب، لا بل في المواقف المعدة للإعلام على الشاشة فقط ليتم القبول من الأمة والشعب، لا بل حتى صارت اللغة لغة سياسية وليست اللغة الدينية التي اعتدناها!!
كثرة هي النصوص التي يتجاوزها وينساها العقل الإخواني وهذا طبيعي عندهم، إذا فهمنا أن النصوص الدينية أتت عبر سياق تاريخي في الزمان والمكان، ومع تغير حاجات الناس وتغيرات الزمان نفسه، بقيت مدلولات واقعية ـ حسب المنظور العقلي، لا النقلي ـ وهو الأمر الذي عبر عنه الشيخ جودت سعيد كمفكر إصلاحي إسلامي لامع أنه (قرآن الحياة) قرآن الممارسة الحية (للعصر النبوي الذهبي) وذلك بسياق تفريقه النظري بين المدلول الحياتي وكتاب الله تعالى كنص واضح..
يمكن لنا في هذا السياق ولتوضيح ما أردناه أن نشير إلى الآيات الكريمة التي غالباً مع الكثير من الآيات الأخرى التي يتم تجاهلها:
﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم......﴾ آل عمران 64.
﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن..﴾ النحل125.
﴿قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ....﴾ الإسراء.
﴿...ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم...﴾ .
﴿.. لئن بسطت يدك إليّ لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين...﴾ .
﴿وضرب الله مثلاً رجلين أحدكما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلٌّ على مولاه أينما يوجهه لا يأتِ بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم﴾ النحل 76.
إذا كانت الغايات والسبل والطرائق واضحة جلية في هذه النصوص، لا بل إن حتى دلالاتها واضحة كذلك.. وحتى أكثر من ذلك فالدلالات هي نفسها وعينها حتى في بعض نصوص التشريع ذاته. وسنترك هذا الأمر لذوي الاختصاص.
ما يهمنا في لفت النظر إليه عبر الحوار البناء والمثمر هو في الحقل السياسي، حقل الاختلاف.
إن الفساد والطغيان وقوة الاستبداد الفئوي والعصابي هي علائم مجتمع التفاوت، مجتمع الملكية الخاصة الملك فيه أساسٌ ومولدٌ لنمو كل مظاهر سيطرة الضرورة المستبدة، هذه التي شكلت على مدى التاريخ غياباً لكل قوى العقل والفكر والحرية، بما هي قوى طبيعية للتطور الذي أراده الإنسان، لذلك كانت هذه السيطرة للضرورة هي دائماً انزياحاً عن المسار الطبيعي لتطور التاريخ البشري، هذا الانزياح شكل تراجعاً وانتكاساً للوعي البشري نحو العبودية المتعددة المستويات للنشاط البشري، لا بل وانتكاساً للقيم الإنسانية والخلقية في التحرر من الاستبداد والطموح إلى الحرية.
يبدو لي بداية أن المسافة الضيقة بين الخطأ والصواب هي مسافة تواجد العقل البراغماتي المضلل لجماعة الإخوان وخاصة في شكلها المسوّق إعلامياً وقبل المضي في ما نريده لا بد من التوضيح أن مناخاً عاماً لمجتمعنا إنما يشكل منطلقاً سياسياً لابد منه يحقق شروط انعتاق وشروط نهضة وتنمية مجتمعية حاجة البلاد لها في حدها الأقصى، هذا المناخ وهذا السقف الذي يجتمع الجميع عليه ومن أجله، وتحته، إنما يشكل قيمة سامية سياسية وأخلاقية ووطنية عليا هو بالإسم (الحرية) الحاجة التي لا رجعة عنها مطلباً ومنطلقاً لبداية تطور جديد وطبيعي في البلاد. في ظل هذا المطلب، وتحت هذا السقف دعونا نقترب أو نختلف وعلى هذا يمكن القول أو الفصل بين أمرين:
الأول: الحريات والاعتقاد الديني والدنيوي حق مقدس ترعاه وتحميه الدساتير والقوانين البشرية..
الثاني: شؤون الحياة العامة، والخاصة المدنية والسياسية والاقتصادية والإدارة هي من صنع البشر المختلفين والمتفقين، وهم أعلم بخلاصهم.. ﴿أنتم أعلم بشؤون دنياكم﴾ قرآن كريم.
إن نداء وخطاب أن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، والموعظة الحسنة، ونبذ القتل والإقصاء وصولاً إلى مجتمع سيادة (العقل والرشد) أو لمجتمع الديموقراطية والعدالة والمساواة بوسائل سلمية لا تخضع الآخر لأية مشيئة مفروضة قسراً إنما يتطلب قبل كل شيء ولكي لا نختلف في الجوهر في مراحل لاحقة:
1 ـ مسعىً وموقفاً صريحاً ونقداً ذاتياً جريئاً للماضي يؤسس معرفةً وبرنامجاً لنبذ قوى القتل والاستبداد، مؤسسات، أفراد، أحزاب، وأيديولوجيات وسياسات دول. ومن جميع الأطراف.
2 ـ موقفاً صريحاً من قوى التهجير والاحتلال والقوى الخارجية.
3 ـ يتطلب من الخطاب الديني كخطاب سياسي، موقفاً من الجهل والظلامية والطغيان التي كانت عبر التاريخ الطويل مصدراً ومولداً للفساد والاستبداد بما هو (فرعنة ونمردة) على كرامة الإنسان، وعلى علمه، وحريته وقيمه الأخلاقية البشرية ﴿... ألم ترى كيف فعل ربك بعاد ... وفرعون ... فأكثروا فيها الفساد....﴾ إلى آخر الآية الكريمة.
4 ـ يتطلب الواقع العياني من الخطاب الديني الإقلاع عن فكرة القوة المستمدة من خارج الأمة والشعب، إن الاحتماء واللجوء للنصوص السماوية لا تشكل مصدر قوة، إنما هي تسيء لجوهر الدين، لا بل وتبشرنا بأن عقلاً مستبداً جديداً سيطل علينا بين تارة وأخرى بشكل جديد وزيف جديد.
إن نظاماً ديموقراطياً يرعى ويحمي المواطن بداية الأمر، ويسعى لتأصيل حقوق الإنسان وفق الشرعة العالمية لحقوق الإنسان المعترف بها دولياً في مرحلة لاحقة ويحمي هذا الإنسان من كل أشكال الإضطهاد والاستغلال. هو ما يشكل نقطة الالتقاء المشترك ومنطلقاً بين التيارات السياسية، نظاماً يرفع رؤوس الناس باسم شرف وحرية المواطنة وصولاً للإنسان الحر. نظاماً للدولة الحرة الديموقراطية التي لا تخضع لسيد ما، لدولة هي نفسها المعيار العام، وليس المعيار الوهم الاعتقادي، هي نفسها الدولة التي لا تخضع إلاّ لنفسها، ونفسها هي تلك القوانين والدساتير التي يصيغها الشعب عينه، لتحميه ويحميها، تدافع عنه، ويعتبرها كرامته الوطنية، دون شرط أو قيد خارجي دون (وصايات أخلاقية) للنصوص أو للقوى البرانية التي تستبد بالعقل وتسيّره دون اختيار. المراد دولة تقوم على دوافع الكرامة الوطنية والحرية بمقتضى إرادة الشعوب وحريتها، والشرف العام الشخصي والحر.
على أرضية هذه المنطلقات وعلى طريق الفعل الديموقراطي المتنافس نبذاً وجذباً يمكن للناس قراءة وقبول البرامج السياسية لكل التيارات إسلامية كانت أم علمانية. ديموقراطية كانت قومية أم ماركسية، فبمقدار ما تحمل وتمثل هذه التيارات لمصالح أكبر الشرائح الاجتماعية من مصالح مادية ومعنوية بمقدار ما تعبر عن أوسع كتلة إجتماعية متضررة من الاستبداد والاضطهاد. بمقدار ما يتم قبولها أو رفضها وهو الشكل الأساسي الأبرز في عملية الإختيار والإقتراع وتفضيل أحدها عن الآخر، وليس بمقدار ما تحمي نفسها بحصون النصوص الغيبية المفروضة. التي تشكل نوعاً من الردع العقائدي النفسي، وقوة تخويف وترهيب منها لمجرد الابتعاد عنها أو عدم قوبلها‍.. القبول على البرامج وليس على العناوين الدينية العريضة.
لذلك كان لا بد من الإشارة والتمييز:
1 ـ أن الحريات حق شخصي ومقدس.
2 ـ الاعتقاد كذلك حق شخصي ومقدس.
3 ـ الدستور كمنظم تشريعي أعلى يقره الشعب يصون ويحمي الحريات والاعتقاد للمجتمع ولأفراده.
4 ـ وظيفة القوانين حماية الحريات على اختلافها دينية، سياسية، وتطويرها لا الحد منها والتضييق عليها.
5 ـ إن مفهوم الأكثرية لا يحتمل فكرة الإخضاع. وقسر وتوجيه الآخر، إنما يصبح فهمه على أسس الالتزام الطوعي والقانوني ببرامج سياسية محددة زمنياً، وعلى أرضية الفهم التداولي للسلطة السياسية، ويكفل للأقليات السياسية المكونة الأخرى في المجتمع، حريتها وحق نقضها للأكثرية. فلا سيطرة مطلقة بعد اليوم في ظل مناخات الديموقراطية، إنما السيطرة والإدارة تتم وفق المصالح العليا للمجتمع تحددها الدساتير والقوانين.
6 ـ الحريات الشخصية هي إطار التنوع الثقافي المجتمعي الغني، فمن الواجب الحرص عليها وتطويرها، لما تشكله من ينبوع أخلاقي غني، يمكن توظيفه كمنتظم قيمي، ومعياري يشكل دافعاً أخلاقياً باتجاه الوحدة الوطنية، وباتجاه التنمية الوطنية الشاملة على أسس فهم عصري وجديد لمعادلة (الدافعية الأخلاقية والقيم باتجاه تنمية اقتصادية مستقلة لحدود واسعة وقوية). إن الدافعية المعيارية تشكل في هذا الحقل صماماً لتطوير الإمكانيات المادية، بمقدار ما تحقق لهذه الدافعية معايير الإنسانية والكرامة الشخصية، لتصبح مشاركة في التطوير الوطني، دفاعاً عن مصلحتها ومصلحة الآخر الوطني، وهو الأمر الذي اثبتته التجارب (الاقتصادية الضيقة) التي كانت خارج السيطرة الإرادية لنظم قطاعات الدولة ونظم الاستبداد.
7 ـ لا بد من الفصل بين القانون وفضاء الحرية، حيث الحرية سابقة على القانون وهي صانعة للقوانين، وعلى القانون حمايتها وتفعيلها كونها الفضاء الأرحب لقوة الأوطان، لذلك كان لا بد من التمييز بين الحرية والقوانين والتشريعات التي تنفذها الأكثرية السياسية، وعلى هذا الأساس يمكن القول أن فهم الدين على أساس النصوص إنما يشكل إساءة مقصودة أو غير مقصودة أولاً للإنسان. ثانياً فالإنسان السيد (خليفة الله على الأرض).. القوة الصانعة في الطبيعة والمجتمع، إن تسيير الشؤون المجتمعية على الأسس النصية يمثل استحضاراً لمستبد جديد، بإسم النص يخضع الآخر، ووعي الآخر المختلف ليقيده بأسوار وحصون معرفة الخضوع، وليحد من حريته التي هي حرية الجميع.
وهو الأمر الذي يسيء إلى جوهر الدين فكراً وشرعاً، الأمر الذي لا نريده للدين إطلاقاً، فالدين الطبيعي شيء والدين السياسي شيء آخر مختلف تماماً، إن الأساس والغاية في الأديان ليس الأديان تماماً، إنما حسب الرؤية الدينية النيرة، إنما هو الرشد والخير واللاإكراه. إن المقدس هو العدل والمساواة وليس الدين ونصوصه وليس القيد الضيق المفروض برانياً على الآخر عبر نصوص مجتزأة من فيض الخير البشري الذي هو الأساس في منطق الحياة، وما هذا الخير إلا شكلاً من دعوات الخلاص ـ عبر التاريخ ـ البشري من الظلم الاستبدادي، والحقيقة المطلقة التي يدعي امتلاكها المدافعين عن السلف الماضي.. (الصالح).. متناسين أن الصلاح متغير في الزمان والمكان..
• دعوة تستوجب التفكير.. وعملاً آخر:
إن خطاً منهجياً ونظرياً، واختلاطاً واضحاً في الفهم السائد للدين عند جماعة الإخوان المسلمين لم يستطيعوا التخلص منه وما يلحقه من ممارسات سياسية وإعلامية وهو أمرٌ على غاية من الأهمية لما يشكله من إعاقة لعملية التغيير الديموقراطي وتقدمها خطوات على الأرض، وهو يعيد تأثيره في إضافة تراكم سلبي جديد في تاريخ الجماعة، ويعطي مبررات لا ضرورة لها لاستمرار نهج الاستئصال الموجود أصلاً في بنية وسياسة الاستبداد القائمة في سياسات النظام وموقفه من القوى السياسية.
فالإخوان ما زالوا ولطالما يتوقون إلى مجتمع الولاية ومجتمع التشريع النصي، الولاية مصدرها الأمة والشعب، والتشريع مصدره سماوي خارج عن إرادة الأمة والشعب، مازالوا يشكلون حالة رعب وخوف في إعادة حركة تطور المجتمع السوري إلى الوراء، لما تشكله كذلك هذه الرغبة عندهم من تضييق واستبداد على الحريات العامة.. إنهم يعيدون علينا التاريخ وفق منطق الاستبداد الأكثر تخلفاً وتضرراً، مفضلاً منطق الاستسلام والخضوع عن سيرورة التحرر والانعتاق وصولاً لمجتمع العدل وربما الرفاه.. إن تقديس مفهوم (والي الله على الأرض) إنما هو تقديس نصي براني، وليس احتراماً مدنياً للقوانين، حيث جوهره الإخضاع القسري للمشيئة (العليا).
إن مفهوم روحية النص المقدس إنما هي ما يمكن أن يدعى (قرآن الحياة) الذي يشكل استجابة للحرية والطواعية الذاتية لنداء العقل والرشد وامتلاكاً لسنن وقوانين التطور حسب ما يرى الشيخ الإسلامي جودت سعيد، الأمر الذي لم تستطع رؤيته بعد حركة الإخوان المسلمين فالسيد زهير سالم ـ أحد قياديي الحركة الإخوانية ـ يبتعد عن روحية النصوص ليدخلها في متاهات الديماغوجية السياسية، ليقول: أنه يمكننا ياأخي أن نحكم بالشريعة الإسلامية دون أن نسميها شريعة‍!!! ألم نقل أن العقل الاستبدادي الجديد يسيء إلى جوهر الدين والإنسان معاً. إن هذا العقل يستخف بحرية الإنسان وعقله عبر ألاعيب الديماغوجية والتضليل السياسي الذي يمثل أحد أهم وجوه الاستبداد السابق وهو ما جعل شعوبنا وقوانا تدفع أثماناً باهظة من القهر والاضطهاد ونزف الثروات لعقود أربعة أو أكثر من الزمان.
إن الله كرّم بني آدم.. ويأتينا (الباطل) الفهم الخاطىء والمغلوط لجوهر الحريات والديموقراطية عند جماعة الإخوان ليقدموا لنا كليشات جديدة مفصلّة حسب مفاهيم السيادة والولاية عندهم لنصل بعد هذه المرارة الأبدية إلى سلطة شمولية (دينية) أخرى.
لقد بات من الضروري أن تستوعب كل الجهات السياسية أن الشعوب تريد حريتها غير منقوصة من أرباب النصوص، أو من أرباب السياسة. إن الحركة لم تغير بعد ما بأنفسها،.. فكيف ستغير مجتمع وسلطة الاستبداد؟! إن المجتمع بعد اجتياز النقطة الأساس في انتقاله هو من سيختار القوانين والنصوص التي تنظم حركته وليس الوالي حسب الفهم الإخواني.
إن أرقى من سيحقق المصلحة الذاتية للشعوب هو باختيار الشعوب نفسها، وهو الأمر الذي لن نختلف عليه عند ذاك مهما أطلق عليه من تسميات أرضياً، أو شيوعياً، ديموقراطياً، أو سماوياً. طالما أنه يحقق شروط الحرية والنهضة التي لا تغضب (الله)، إنما قد تغضب أهل الدين السياسي الجدد.
إن نداء الإلتقاء على كلمة سواء تجمع الفرقاء تتعارض كلياً مع فهم الإخوان للولاية التي تستحضر مجتمع التسلط المتناقض جذرياً مع مفاهيم العقل والرشد الإسلاميين كما وتتعارض مع خطاب الرسل التاريخي ومفاهيم الحريات والديموقراطية، الذي ترفض القتل والتهجير..
إن مفهوم الولاية والتشريع المحمول على إرادات ولائية لغير الشعوب إنما يمثل ابتعاد عن منطق الخطاب الديموقراطي للعصر كما يمثل ابتعاد الرواية العقلانية للدين ذاته وعن القراءة المحددة لروح مفاهيم الدين الإسلامي.
إن الحركة تحمل إلينا فيتو الولاية، وفيتو النص اللذان يشكلان تناقضاً فيما بينهما لا يجتمعان معاً كذلك تبشرنا بفيتو الديكتاتورية الجديدة..
إن السياسة هي شأن أرضي، للعباد.. وما التعلق بمفاهيم سابقة على العصر، إلا شكلاً من أشكال التصغير للدين لا نريده وخاصة كونه يأتي لصالح مفاهيم التسلط الولائي الذي يفقد الدين من تماسكه الداخلي (الإيمائي) وينقص منه قوة جذبه الروحي الداخلي!!.
إن شروط الانعاش والنمو أو الموات والموت النهائي، إنما تكبر وتتسع في ظل مناخات الحرية والديموقراطية لأي فكرة أو برامج، وهو الأمر الذي لا يعيدنا إلى الوراء لإنتاج حلقة جديدة من الإكراه والاستبداد، الذي يوقعنا في بوتقة جديدة للعبودية الإنسانية..
إن الرؤية التاريخية للمفاهيم الدينية هي التي تنقلنا إلى واقع جديد أكثر تطوراً وأكثر نمواً على هذا يمكن قراءة التطورات السياسية إن في إفغانستان.. أو في ماليزيا.. أو في أي بقعة في العالم.

كلمات ذات مدلول في الوطنية
راتب شعبو
رغم ما يتميز به مفهوم الوطنية من بعد معنوي أو نفسي ما وراء نظري، وهو بعد يستقي نسغه من الحساسية الأزلية المعقدة للعلاقة بين الذات والآخر، فإنه يمكن مقاربة هذا المفهوم نظرياً عبر السعي إلى تلمس خيوطه الموضوعية التي تمنحه مشروعيته كمفهوم وتلمس السياق الذي ترعرع فيه. وسنقول سلفاً إن هذا البعد المعنوي الذي يشترك فيه مفهوم الوطنية مع كل المعتقدات التي تقوم بوظيفة خلق الانتماءات ورعايتها، يعتقل اليوم قدراً غير قليل من طاقات القوى المعارضة للأنظمة ولا سيما في منطقتنا. فكما تحتكر الدولة العنف المشروع كذلك تحتكر العلاقة مع الخارج (الآخر) وتجسد (ذات) الأمة في وجه هذا الآخر في الوعي العام، وتحوز بالتالي على البعد المعنوي لمفهوم الوطنية الذي ذكرناه للتو. ولا أحد مثلنا يعرف كيف تلتهم «الوطنية» الحقوق وتسوغ الانتهاكات الفظيعة والإفقار وتجعل من الديموقراطية مؤامرة ومن النقد خيانة وما إلى ذلك.
ربما يجوز الحديث عن مفهوم قديم وآخر حديث للوطنية، القديم القائم على التحرير السياسي (نضال ضد قوات احتلال)، والحديث القائم على التحرير الاقتصادي (نضال ضد يد السوق الخفية). رغم أن سياق العولمة الرأسمالية يعيد اليوم إحياء المفهوم القديم كما نشهد في العراق وأفغانستان. واللب من المفهومين هو استعادة السيطرة على تاريخ البلد.

خلفية:
يشهد العالم، بفعل آليات التوسع الدائم لعلاقات الانتاج الرأسمالية، أي بفعل القوانين التي تحكم تجدد علاقات الانتاج الرأسمالية نفسها، نزوعين متعارضين هما: النزوع نحو حت واضمحلال سيادة الدول وتكريس قوانين عالمية لها الغلبة على القوانين «الوطنية»، قوانين فوق الدول لها مؤسساتها العالمية، والنزوع المقابل إلى تكريس الحدود السياسية وحتى الإمعان في التجزيء السياسي في المناطق الواقعة خارج مراكز رأس المال العالمي. فنحن نشهد حركة تعولم (توحيد) وحركة تجزؤ (تفتيت) في الوقت نفسه، أو لنقل حركة تعولم تولد وتستدعي حركة تجزؤ. وهذه الحركة المركبة تعكس في الواقع التناقض الذي يسكن علاقة الإنتاج الرأسمالية في طورها العالمي الحالي، التناقض بين التركز الشديد لرأسمال من جهمة والانبساط الشديد لعملية الإنتاج من جهة أخرى.
بكلام آخر: إن علاقة الإنتاج الرأسمالية التي اكتسحت الحواجز الماقبل رأسمالية وتجاوزتها ودشنت نشوء السوق القومية (حرية حركة عناصر الإنتاج) والدولة ـ الأمة كتعبير سياسي عنها، فاضت عن الأسواق القومية دون أن تتمكن من نسخ ما قامت به في الإطار القومي على إطار عالمي، بفعل الحدود السياسية القائمة غالباً على تمايزات قومية من جهة، وبفعل ما ينطوي عليه قانون الإنتاج الرأسمالي في بعده العالمي من ميل إلى المركزة والتهميش في آن من جهة ثانية. فجاء توحيد العالم على يد العلاقات الرأسمالية توحيداً تقسيمياً إذا جاز القول، اتخذ شكل انقسام العالم إلى شطرين متكاملين، شطر متطور صناعي مولد (مركز) وآخر متخلف خدمي تكميلي (هامش). إذ تم فتح الحدود أمام الرساميل ووسائل الإنتاج (الشركات والمؤسسات الرأسمالية) مع الحفاظ على وتكريس التقسيم السياسي (أي الحد من حرية حركة اليد العاملة). ما جعل من البلدان في الشطر المهمش من العالم منفى لأزمات العلاقات الرأسمالية، أو مكباً لنفاياتها (الإفقار والبطالة والتهميش والفساد السياسي ...إلخ)، وأفقد المجتمع في هذه البلدان تماسكه.
تلك هي الخلفية العميقة التي يتحرك عليها مفهوم الوطنية، والتي قادت إلى جعل التحرر الاقتصادي أساس مفهوم الوطنية، بعد أن تبين أن التحرر السياسي (خروج جيوش المستعمر) لم يؤسس لاستقلال حقيقي، وأنه كان كما اتضح في الواقع اسماً على غير مسمى. وإذا كان التحرر الوطني من الاستعمار المباشر عملاً واضحاً بغاياته ووسائله، ما جعل منه فعلاً سياسياً يمتلك قدرة هائلة على التأثير والحشد والنجاح (انظر التجارب الحديثة في لبنان وفلسطين والصومال والعراق، الملاحظ أن جميعها تجارب عربية)، فإن السعي إلى التحرر الاقتصادي يبدو، لغياب الوضوح في الهدف والوسائل، وربما بسبب الخلل في طرح إشكاليته أصلاً، نضالاً معاقاً وحائراً وعقيماً. لقد تمحور فهم التحرر الاقتصادي، كمحتوى أصلي لمفهوم الوطنية الحديث، على الانفكاك من أسر العلاقة مع السوق الرأسمالية من موقع التابع وبناء اقتصاد متمركز على ذاته وغير «مندلق إلى الخارج» حسب تعبير سمير أمين، أحد أبرز أنصار هذا التوجه. وقد جهد الفكر الاقتصادي في البحث عن معنى لهذا التحرر الاقتصادي (الانفكاك) وعن السبيل إليه، وما تزال هذه المهمة شاخصة وعصية. الأمر الذي يصب في صالح دوام السلطات القائمة، ويفسر إلى جانب عوامل أخرى تعطل المعارضة السياسية لهذه السلطات، واقتصار برامجها على الديموقراطية السياسية. من المهم، والحال هذه، تلمس حدود مفهوم الوطنية اليوم بعد سير العولمة شوطاً طويلاً في مرحلة مابعد الاستعمار المباشر.
إشكالية المفهوم
إن إشكالية مفهوم الوطنية تنشأ في الشطر المهمش الذي يعيش مشكلة استلاب اقتصادي، بمعنى فقدانه السيطرة على اقتصاده ومقدراته (على تاريخه) بفعل ارتهانه إلى شبكة العلاقات الاقتصادية العالمية من موقع تابع ـ دون وجود أفق للتحرر من هذا الاستلاب ولا سيما بعد انهيار التجربة السوفييتية ومشتقاتها التي كانت تشكل فيما مضى سنداً للاستقلال عن السوق العالمية أو لوهم الاستقلال عنها ـ وهذا الاستلاب يغذي نزوعاً سياسياً استقلالياً «وطنيا» معاقاً لم ينجز له برنامج سياسي اقتصادي إلى اليوم وقد لا ينجز، وقد يكون طرح المشكلة على هذا النحو خاطئاً في الأصل. أما في الشطر المسيطر من العالم الرأسمالي فيقتصر مفهوم الوطنية على الدفاع عن الوطن على غرار قانون (Patriot act) في أمريكا مثلاً، أي المشكلة ثمة مغايرة جملة.
تنبع الإشكالية من أن بلداننا، لأسباب تاريخية، انخرطت في السوق الرأسمالية من موقع ضعيف وتابع بآليات تعيد إنتاج هذا الضعف والتبعية، وباتت الدولة في هذه البلدان هي الشكل السياسي المعبر عن هذه التبعية، تحميها وتجددها وتجد في ذلك وظيفتها، أي باتت الدولة في هذه الحال تنتمي من حيث الوظيفة إلى الخارج المسيطر أكثر مما تنتمي إلى الداخل «الوطني». ولا غرو أن بعض الحركات الثورية اعتبرت السلطات المستبدة في بلدانها استعماراً يجب تحرير البلاد منه (ثورة الساندينيين في نيكاراغوا مثلاً). وبين إدراك هذا الواقع (التبعية والتهميش) والعجز عن إدراك المخرج السياسي ـ الاقتصادي منه يعيش مفهوم الوطنية مأزقه الذي هو مأزق المعارضة الوطنية عينه.
إن طاقة الرفض التي يولدها هذا الواقع، وبسبب غياب النهج الاقتصادي التحرري وانغلاق أفق الحل، تتصعد ـ إذا استعرنا المفهوم الفرويدي ـ في المستوى السياسي على شكل نزعة ليبرالية/ ديموقراطية تتماشى مع الوضع العالمي الجديد أحادي القطب، أو على شكل حركات سياسية إسلامية شعبوية لا توجد الوطنية في منظومتها المفهومية أصلاً، وهي أشكال تهرب من وجه المشكلة، بآلية غير مدركة غالباً. فنشهد اليوم بالتالي حركات سياسية غير متمفصلة على مشكلتها الحقيقية، تعاني من انزياح في الوعي يعطل آلية الحوار ويعطل آلية إحداث تغيير مهم على مستوى الواقع الاقتصادي.
وبديهي أن الرفض الذي يتجلى على شكل من هذه الأشكال لا يعي ذاته إلا كذلك، أي لا يعي أنه رفض مصعّد يبحث عن حل خارج إطار المشكلة، وأنه يهرب بشكل غير موعى من مشكلة مستعصية. في سورية مثلاً تثير قضية مصافحة الرئيس السوري لنظيره الإسرائيلي من ردود الفعل «الوطنية» أكثر مما يثيره القانون رقم عشرة لعام 1991 والذي يعطي الرأسمال الأجنبي نفس امتيازات الرأسمال السوري والعربي. وهذا تعبير عن الفشل في مواجهة ما يفترض أنه قانون ينخر السيادة الوطنية ولكن لا يمكن الوقوف في وجهه لأنه ضروري لإنعاش اقتصاد راكد، وتفريغ طاقة الإحباط هذه، بدلاً من ذلك، على حركة رمزية لا تبلغ أهميتها وخطورتها لدى التحليل جزءاً يسيراً من أهمية وخطورة القانون المذكور وتعديلاته.
خصوصية سورية
يوصلنا هذا إلى خصوصية موضوع الوطنية في سورية نظراً إلى تزامن أو تعايش المشكلة الوطنية القديمة والحديثة لدينا، فهناك أرض سورية محتلة (الجولان) وتعتبر الدولة السورية هي الممثل الشرعي (الدولي) لها وصاحبة الحق في العمل على استعادتها. وهذا ما يجعل الدولة، في غياب أي جهة غير رسمية تتولى قضية الجولان، تستولي على مشروعية حركة تحرر وطني، بمعناه القديم، وهي الدولة التي بحكم موقعها في الشطر التابع والمهمش من العالم الرأسمالي تشكل التعبير السياسي عن علاقات اقتصادية متسقة مع السوق الرأسمالية العالمية، وجزءاً مكوناً مما يمكن اعتباره دولة عالمية تقوم على إعادة إنتاج الواقع الاقتصادي العالمي وحمايته. وهذا الموقع المزدوج يعطي الدولة السورية قدرة على المناورة في الداخل والخارج.
أخيراً وبالمناسبة، إن من اللافت ضعف حضور قضية الجولان في السياسة السورية سواء الرسمية أو الشعبية، قياساً بما ينتظر أن تمثله قضية كهذه على مستوى البلد الأم. وهذا ينسحب على المعارضة كما على النظام ويحتاج إلى نظر لأنه بالفعل يطرح سؤالاً يحرض على التفكير.


اليسار الحالم وطغيان الأيديولوجيا
المجموعات اليسارية الناقمة على "إعلان دمشق" نموذجا
مفيد ديوب
إن الحديث عن أزمة اليسار وفشل أحزابه في عالمنا المتخلف " ذو شجون " ويحتاج بالوقت ذاته إلى جهود كبيرة من المشتغلين بالحقل النظري والفكري وتوجه تلك الجهود إلى الجذور العميقة في التاريخ الاقتصادي ـ الاجتماعي والسياسي من جهة وإلى التاريخ الثقافي عموما والثقافة السياسية خصوصاً.
وبتوجّه سريع هنا لإلقاء نظرة عاجلة على أسباب فشل أحزاب اليسار نجد أنفسنا أمام ممر إجباري يفضي إلى تلك الجذور" التاريخية "وأكتفي بالإشارة إليها وبالاستخلاص إلى تعلقها " بتخلف البني الاجتماعية الاقتصادية لمجتمعاتنا" والتي أفضت إلى عدم قدرة تلك البني على فرز قواها الخاصة التاريخية التي تراكم نضالاتها وصولا إلى حالات متقدمة هذا من جهة وإلى فقر الثقافة وحالة الإعاقة التي تعاني منها وخاصة في المجال الفكري ـالسياسي وتحولها بذاتها إلى إعاقة كبيرة لأي منتج عقلي جديد هذا من جهة ثانية, وهذا الأخير بدوره ما أجبر رواد النهضة عندنا إلى الاستنجاد ـ لسد هذا العجز والفراغ ـ بالفكر الأوروبي المتطّور والذي قطعت مجتمعاته أشواطا هائلة من التطور ,أملا من مفكري النهضة بأن جهودهم تلك واستجلاب المقولات والمفاهيم والنظم الغربية وتطبيقها ستفضي إلى ردم هوة التخلف بيننا وبين الغرب ,إلا أن ما زاد من تعقيد الأمور والصعوبات أمام مهمتهم الإرادوية ومن ثم فشل مشروعهم, انزلاق دولهم الحديثة العهد إلى مستنقع الدول الشمولية وأنظمتها الديكتاتورية التي سيطرت على مجمل تاريخ شعوب " الحضارة العربية ـ الإسلامية ".وإلى تدخل عدواني من ذاك الغرب "المعتدى به " وإنشاء دولة إسرائيل العدوانية العنصرية الطامعة والمهددة للوجود والمشاريع0 وكل ذلك على أنقاض مشروع الدولة الوطنية البرجوازية الديمقراطية التي لم تكاد ترى النور .
فالأفكار و الأيديولوجيا المستجلبة من الغرب أو حتى المعرّبة محليا لم يتاح لها الفضاء الديمقراطي كي يتم اختبارها تفهمها إثرائها / مقاربتها للواقع / مما أدى ذلك إلى تحوّلها إلى منظومات فكرية جامدة دخلت في حقل التقديس وتكلست, وعجزت الأحزاب عن الإفادة منها واشتقاق المهام السياسية التي تفرضها احتياجات الواقع وكل هذا أودى أيضا إلى طغيان الأيديولوجيا في الوقت الذي لم يتاح للنخب من التعرف على السياسة وعلى ممارستها وخطواتها التراكمية, وعليه وجدت القاعدة الذهنية العربية السابقة " إما كل شيء وإما لا شيء " نفسها هي المستمرة والسائدة أيضا 0 لقد أدى ذلك إلى هدر نصف قرن كي تكتشف تلك النخب أنها مارست الأيديولوجيا باسم السياسة, وإن طغيان تلك الأيديولوجيا جعلها مقطوعة الجذور في مجتمعاتها وعنها, ومحصورة في دكاكين النخب المفلسة, وأنها هدرت نصف قرن وهي تتصارع مع بعضها دون أن تفكر لو لحظة بضرورة الاعتراف يبعضها وتفتش عن قواسم مشتركة للتأسيس لمشروع وطن جديد يلبي احتياجات أبناءه 0
وما نشهده اليوم من حراك فكري وسياسي بطيء ليس سوى استيقاظ متأخر من سبات أشبه بالموات, ومحاولة التقاط بعض أسباب الفشل و تجاوز المحن بأقل الخسائر, وتعلّم أبسط أشكال ممارسة السياسة بمعنى التفتيش عن المشتركات الوطنية الديمقراطية بين مكونات المجتمع وتعبيراته السياسية للتأسيس لمرحلة انتقالية ما بين الديكتاتورية وبين المجتمع المفتوح على آفاق أفضل, وحرف المسار عن فراغ يفضي إلى الفوضى والاحتمالات الخطرة 0
إن الاستمرار من قبل اليسار باستخدام المقصات الصدئة في رسم الأهواء والرغبات النظرية الفكرية والسياسية ومحاولة فرضها على الآخرين, ومحاولة قسر الواقع على تلك التصورات النظرية ليس سوى استمرار هيمنة الأيديولوجيا وطغيانها على السياسة في وقت ( يمنع اجتماع أكثر من ثلاثة ) 0 إن من يقلل من حجم المشكلات التي تعانيها شعوبنا سواء من التخلف في الثقافة المهيمنة, أو سواء في تخلف البنيات الاجتماعية ـ الاقتصادية وعلاقات الإنتاج, مرورا بما أفرزته الدكتاتورية وحالة العجز المجتمعي تجاهها, وصولا إلى المجتمعات التي لم تندمج وطنيا, والتهديد بالاقتتال الأهلي الذي يلاحقها, وبالنهاية إلى مشكلات المعارضة السياسية وتمزقها وتشرذمها 0
إن من يقلل من ثقل وحجم ذلك كله يقفز فوق الواقع ويقع في فخ التنظير, ويتحول إلى إعاقة أمام مراكمة خطوات سياسية تعالج المشكلات المباشرة على الأرض 0 وإن اتهام " المجموعة اليسارية "لإعلان دمشق" وفهمها له أنه "ديمقراطية الطوائف" و"سيء الذكر" يقفز من فوق حقيقتين :
الأولى : هيمنة الثقافة والوعي والممارسة التكفيرية التي سادت خلال النصف قرن المنصرم بين جميع مكونات الشعب السوري, وبين نخبه السياسية أيضا, وكان أبرزها حالة التكفير بين اليساريين والعلمانيين عموما وبين الإسلام الديني والسياسي و حتى الثقافي,وتفاقم هذه الحالة كثيرا بادعاء السلطة الديكتاتورية العلمانية, و هي التي ألغت السياسة و مارست العنف ضد الجميع0 وخاصة ما حصل من عنف متبادل بين السلطة و الإخوان المسلمين وصدور قانون /49/القاضي بإعدام من تثبت انتماؤه لذاك التنظيم , وتحوّل ذاك القانون إلى سيف مسلّط على رقاب جميع أبناء الطائفة السنية دون استثناء0 كل ذلك أفرز احتقان طائفيا إضافيا على أرضية اتصاف النظام من قبل خصومه ب"الحكم العلوي"0 حتى بات الجميع يخاف الجميع وطحنت هذه الرحى من جملة ما طحنته الانتماء للوطن أيضا, ودفعت به إلى الانتماء إلى الجماعات "الما قبل" وطنية 0 أمام كل ذلك بات من الضروري على القوى السياسية العلمانية معالجة هذا الأمر بواقعية وابسط شيء يمكن أن تقوم به هو إرسال الرسائل التطمينية إلى المكونات الإسلامية ولكامل أطراف مروحتها الواسعة, والاعتراف بهم بوجودهم ودعوتهم إلى المشروع الوطني الذي هو قيد التشّكل0 ومن هنا أهمية "إعلان دمشق" أو أعمال مشابهة تراكم باتجاه رفع واستنهاض الطاقة الوطنية على حساب ما قبلها ,وجذب السوريين إلى ميدان السياسة على حساب استمرار إدارة الظهر لها, وعلى حساب العنف ومخاطره , في الوقت الذي نشهد أطراف المروحة الإسلامية تتقدم بمجملها وتتأرجح بالوقت ذاته ما بين " الإسلام العلماني"وبين الإسلام الجهادي التكفيري 0 إن دور العلمانيين واليساريين في التعاطي الايجابي سيساهم بشكل فعال في سحب ورقة العنف من التداول ,لكن الدور السلبي المتشنج والتشكيكي واستخدام المقصات الفكرية والسياسية القديمة سيساهم بدفع الكثير من تلك الأطراف إلى القطب ألعنفي الذي يتربص بالجميع وسيكون "اليسار المتشنج" قد تسبب بانتحاره وانتحار الوطن 0
الثانية : ينسحب ما سبق على القوى السياسية العلمانية التي لم تتعود ممارسة السياسة بصفتها التفتيش عن المشتركات عوضا عن التنقيب عن المختلفات وتعميقها التي اعتادت نهجها 0 وهذا ما يستوجب منها ومن جميع المتشاركين في مشروع ما تقديم التنازلات الفكرية أو السياسية كي يتم التوصل إلى صيغة توافق يقبل بها الجميع , ومن يرفض تقديم التنازلات لإنجاح عمل جمعي فهو مستمر في إقصائيته السابقة محاولا فرض منطقه على الآخر المختلف على قاعدة " إما أن تكون معي أو أنت ضدي " كما لا يقبل إنجاز المهام على مراحل وخطوة خطوة , بل هو متمسك بأوهامه وأحلامه بأن تحصل معجزة وتحقق له ما يحلم به0 وينطبق عليه المثل الشعبي " من كبر الحجر ما ضرب " ويكتفي بتكبير اتهاماته على الآخرين الذين يحاولوا أن يفعلوا شيئا0

العامل الخارجي في التغيير الديموقراطي
«نعمة أم نقمة»
بقلم: عهد
ربما نظرة من منطلق المصلحة الطبقية المحددة والعيانية لشعوب منطقتنا تجاه مسألة تدخل العوامل الخارجية في مجريات التطور الاجتماعي السياسي وصراعاته، تجعلنا نميز مستويات محددة لهذه العوامل..
إن المستوى الأول انطلق من مصالح الهيمنة والسيطرة على (مناطق النفوذ) ليكون بذلك عامل رعاية وحماية لفئة وطبقة محددة، أطلق يدها، وأباح لها دون النظر إلى الكيفية والشكل الذي اتخذته في انتاج مصلحتها ومصالحه بالذات فشكّل بذلك عامل تناقض تاريخي مع مصلحة الشعوب في تحررها الوطني وفي عملية التطور التاريخي والبشري لهذه البلدان، وبنفس الوقت أضعف ثقة هذه الشعوب بسياساته التي اتجهت للهيمنة على المنطقة ومقدراتها، ولم يستطع ستر حقيقته وتضليله حيث اعتمد على تبرير كل الوسائل باتجاه غاياته عندما وصل الأمر إلى التهديد بالحصار الإقتصادي، والمجاعات المترتبة عليها، إضافة إلى اختلاق الحروب في أكثر من مكان في العالم، لقد شكل انحياز هذا العمل طيلةى عقود إلى معسكر العدو التاريخي لشعوبنا نقطة افتراق وتناقض عدائي مثلته السياسات الأمريكية وإسرائيل وبدرجة أقل السياسات الأوروبية..
وكذلك يمكن أن نلحظ مستوى آخر مختلف عن سابقه اختلافاً صريحاً، انطلق من مصلحته الخاصة أولاً ومن تناقضه الداخلي مع ذاته (نظرياً وسياسياً) تناقض بين الدور المنوط بها تاريخياً القيام به وبين ممارسته السياسية (البراغماتية) الضيقة على الصعيد الدولي، إضافة لغياب كلي للموقف الثوري الصريح والمطلوب من مصالح شعوب حركة التحرر في بلداننا العربية. إن البحث والحديث في هذا المستوى يطول في أسبابه وصيرورته ونتائجه وانكساراته وهو ما يبعث الألم والمرارة والذي يمكن تأجيله لمكان آخر، لكن في كلا المستويين لم يكن تدخل العامل الخارجي عموماً وفي دول المنطقة بخاصة، تدخلاً موجهاً ومحدداً إن محدودية الزمن فظل التدخل لمصلحة السلطات وعلى حساب الشعوب عامةً، كما ظل هذا التدخل يشكل فعل إقحامٍ وهيمنة، طابعه العام سيطرة طبقة وشريحة محددة لم يكن فيها ـ الخارج ـ إلا امتداد لبعد وعمق طبقي محلي داخلي، لم يكن فيها حيادياً على الإطلاق، لا بل إنه شكّل عامل ضمان ورعاية وحماية واستمرار لتعميق التناقض الرئيسي بين مصالح الشعوب ومصالح رأس المال ولصالح استمرار مصالح العدو القومي وبقاء مسألة الاحتلال قائمة على مدار عقود من الزمن.
بالاتجاه العام كان العامل الخارجي القوة التي تؤمن وتوفر كل مستلزمات الهيمنة السياسية لنظم الاستبداد ولأطراف الصراع على الساحتين السورية واللبنانية دولياً وإقليمياً، وبدورها كانت تلك الأطراف بهذه الدرجة أو تلك وبالحد الأدنى تشكل للعامل الخارجي حالة من الرضى والقبول ستفيده في لحظة محددة من تناقض المصالح، أو الصراع، وهو الأمر الذي جلب للمنطقة مزيداً من الانقسامات الداخلية والإقليمية، وتفريق شعوب المنطقة وذلك عبر ردها لاتجاهات قبلية أو طائفية، وتغيب البعد الطبقي، السياسي لمصالحها كما ولجرها لمزيد من الاحتراب الطائفي السياسي. وهو الأمر الذي يوّفر لتدخل قوى العامل الخارجي، المناخ الملائم في استحضاره وهو ما يمكن تأكيده اليوم عبر دعوات الفوضى البناءة أو في الدعوات الواضحة اليوم في استقدامه وتدخله لحل المشاكل الحاضرة وربما (المفتعلة).
إن الواقع السياسي وتواضعاته المقسمة في المنطقة، سورياً ولبنانياً، ومستويات التعارض بين القوى السياسية والطرف المهيمن الأقوى، خلق درجة من التناقض والتعارض بين الداخل والخارج أدخل مجتمعنا كاملاً في أزمة حادة، أسبابها واستحقاقاتها عميقة وكبيرة، يبدو فيها العامل الخارجي الأمريكي محوراً يشكل مزيداً من التضييق والضغط على المنطقة برمتها أولاً وعلى النظام السوري اقليمياً بدرجة ثانية وذلك عبر مشاريعه، مشاريع الهيمنة (الشرق الأوسط الكبير) وتأتي قرارات مجلس الأمن 1559 ـ 1636 ولجنة التحقيق بداية للطريق...
والحقيقة ما يهمنا التركيز عليه الآن هو ما نريده من مسألة واحدة، إن هذه التعارضات والاختلافات في رؤية هذه العوامل (الخارجية) أسبابها، أهدافها، هي التي تشكل محطة ونقطة تعارض واستقطاب سلبي في الدعوات التي نسمعها أو نقرؤها وبالتالي فإن هذه الدعوات تعمل على تثبيت القوى الشعبية والسياسية القادرة على تخطي الإشكالية ـ الأزمة. وهو الأمر الذي يقود إختلافات في جوهر وشكل السبيل للخروج من الأزمة.
إن الدعوات وإن كانت شخصيةأو هي لقوى سياسية لا يجوز بحال أن تخلط كل شيء معاً. إن الخير كله ليس في مكان واحد أبداً، وكذلك الخطأ.. إن الحقيقة يجب أن تقال وفي كل الأحوال، إن سبيل الحوار وثقافة الحوار هي بداية للطريق الصحيح. لقد أثبتت التجربة السياسية أن سياسات الهيمنة أياً كانت لم تكن في تاريخ الشعوب مصدر خلاص أو تحرير، ولا عوامل قوة في وجه قوة معتدية.. إن الحلول مختلفة والخروج من الأزمة والوقوف على أسبابها وقواها في محاولة لخلق القوة النقيض التي تسعى للخروج من الأزمة المجتمعية السياسية هو حل لجوهر التناقضات والاعتمالات التي تشهدها الساحة السورية هذه الفترة وهو ما سيحاول الإجابة عنه مشروعاً حضارياً وطنياً ديموقراطياً يجب أن تبنى نواته في هذه البلاد، باختيار الشعب، وباختيار الجميع، وبموافقتهم، باستحواذهم على موارد بلادهم ومقدراتهم، وعبر ثقافة الحوار والحرية والاعتراف بمصالح الآخر، بثقافة الآخر دون هيمنة أو سيطرة، دون احتلال أو استبداد وهو الأمر الذي تكثفه قوة القطب الثالث أو قوة التغيير الوطني الديموقراطي المستقل والمعارض.
• رؤية أحادية: إن أهم ما يميز دعوات أصحاب هذه الرواية للتغيير الديموقراطي وحوامله الخارجية (الأمريكية تحديداً) أنها أحادية وغير سياسية، وهي تضخم جوانب في الأزمة الحاصلة للوصول إلى نتائج معينة، لا بل ولرسم سياسات هي أساساً من صنع إرادة خارجية ليست إرادتهم، صحيح قد تكون أحياناً النوايا سليمة لكن هذا لا يكفي، إن الولع بالخلاص يعمي عن المقدمات والحيثيات والمجريات المؤثرة في الواقع السياسي السوري، وهو ما نراه تارةً في حالة تعامي عن الحقائق، وتارةً أخرى في حالة غياب منهجي للرؤية.
وهل لنا أن نسأل أصحاب هذه الرؤية أنه إذا لم تتحقق الديموقراطية مثلاً في النموذج العراقي الجار ماذا سيقولون؟. طبعاً إنه الإرهاب، إنهم أهل التكفير، سيجيبون.. والحقيقة هي غير ذلك تماماً إن نظاماً ديموقراطياً بحق، ودولة قانون بحق، الدولة المنتخبة بدون ضغوط، تستطيع وبكل سعة المفهوم الديموقراطي أن تستوعب الجميع، حتى أولئك البعثيين الذين لم تتلوث أياديهم قتلاً أو نهباً لمقدرات شعوبهم، وهو الأمر الذي اختلف عليه في لقاء القاهرة بين الطالباني والجعفري!! فأي ديموقراطية هذه التي لا تستوعب حزباً قومياً حتى لو أصبح خطابه من منسيات الماضي، أو هو انقطع عن جذوره في المجتمع.
إن ديموقراطية هي ديموقراطية الحرب المشتعلة والمستمرة بفرض أساليب التدمير والتخريب لكل البنى التحتية للمجتمع، ولطاقات الشعوب ومقدراتها، وبكل ثقل القوة العسكرية وجيوشها، كيف ستكون هي خلاصٌ لشعوب هذه البلدان، إن البنية الاجتماعية لن يكتب لها النهوض من قاع التدمير والحروب المفروضة، ولن تستطيع بناء النظام السياسي الديموقراطي.. وبالتالي سيكون نظامها وحريتها والانتخاب فيها وبرلماناً كله محضراً مسبقاً وبأقل تقدير فإنها ستعطينا دولة وقوانين في ظل قوى الإحتلال والدمار تحمل طابعها أو بعضاً من مصالحها إن لم نقل جميعها.. إن الحرية هي دائماً المعطي الواقعي للشعوب وبهذه الحال لن تكون الحرية أكثر من حرية لبناء مرتكزات الهيمنة السياسية الأمريكية التي ستعيد صناعة وصياغة المنطقة وانتاج عولمة مصالحها وهو الأمر الذي سيبقى محدداً ومسقوفاً بقوانين جداً (ديموقراطية) لانتاج أشكال التبعية للقطب الأقوى، والنيل من المنجزات المتبقية للشعوب بعد تفتيت كل مستويات القوة الأخرى لها، وهو ما تفعله دعوات أصحاب الرؤية الأحادية من ازدراء لمفاهيم منجز الاستقلال الوطني بكل مستوياته لا بل والتقليل من أهميته وهو طموح أن تجد هذه الشعوب لنفسها مكاناً يحقق استقلالاً ما نسبياً لمفاهيم الوطن والمصلحة المحلية ـ وطبعاً في إطار التطور الرأسمالي العالمي الحاصل ـ لقد أضحت مفاهيم الوطن والاستقلال والحفاظ عليهما عندهم تشكل نوعاً من الرفض السلبي من جهة ومن جهة أخرى تشكل فعل إعاقة لدعوات الديموقراطية المقاومة بالفعل الخارجي.
بهذا المعنى إن ما نراه أحادية في الرؤية عندهم ليس هو إغفال الخطورة التدميرية للعامل الخارجي، فحسب لا بل صار الأمر موقعاً للتجاهل تارةً أو للتقديس والتبشير عند البعض، ولست مبالغاً، أو قد لا أكون إذا قلت إن في هذا نوعاً من المازوشية السياسية التي تتلذذ بمجاعات، وإبادة، وحرق، وتدمير الآخر، الشعوب. وقد انغلقت هذه الرؤية على أوهامها بخلاص سياسي هي غير قادرة أصلاً عن القيام به أو حتى المجاهرة فيه فلذلك أنابت وأوكلت غيرها للقيام به.
إن هذا العقل (الغير سياسي) الذي لا يقبل بالجزء، فأراد الكل من الآخر المختلف أساساً، هو عقلٌ خارج العقل وخارج المجتمع، إنه عقل منفصل عن المحيط الاجتماعي لشروط وجوده ذاتها، وجوده هو (انغلاقاً ونفياً). وبالتالي ولكي يحافظ على أقل شكلٍ لوجوده يظل محدوداً في طرحه الأقصوي وأسير تواجده الأقلي، يستقوي بالقوي ويريد الكمال، فلا يراه ولا يجده ولا يصل إليه لذلك تحل فيه الإنابة محل الأصالة المفقودة بنية وفعلاً ذاتياً فيه، وهو مايسفر عن تخبط نظري ومنهجي، وانتقالات راديكالية متباينة أو قل متناقضة في مساره مرة ماركسية ومرة ليبرالية، ومرة أصولية، وأخرى أدواتية، مواقع جديدة غير مؤطرة وغير متناسقة بين القول والفعل، مقطوعة الجذور، ممتدة إلى المقبل عبر المجهول إلاّ في التصورات الذهنية. حتى باتت هذه العقلية رهينة دورانها حول ذاتها. فلم تعد ترى الحدود بين الرؤية الموضوعية لعوامل الفعل والتأثير في تطور ظواهر المجتمع وأهميتها، وبين مخاطر وخطورة ما يحصل في الواقع. فهل يكمن في ذلك نوعاً من التغرب السياسي؟!
الحقيقة إنه غياب المنهج في رؤية المحددات الدقيقة للتطور والفعل السياسي في لحظة التفاعل والذي بات نقطة استقالة هذه العقلية في الوجود السياسي الفاعل.
إن المستوى العام الذي ربما يشكل استجابة على الأغلب للديموقراطية (الضاغطة والمخلصّة) هو ذلك الحد الذي يتوفر عند نقطة محددة (هي نقطة ارتكاز جديدة ليس أكثر لإمكانية مفتوحة على احتمالات يحدد اتجاه التطور فيها وترجيح أحدها محصلة قوة الفعل للقوى السياسية المختلفة ببرامجها ومصالحها الطبقية وما تمثله من وعيها في اللحظة التاريخية عند لحظة القطع السياسي مع النظام الشمولي أو لحظة التحول السياسي).
عند نقطة الإرتكاز هذه، عند هذه العتبة والتي يشكل موضوعياً قبولاً أو رضى يكلف الخارج أن يكون شرطاً مقبولاً، وتصبح مهمة استبعاده مهمة وطنية قصوى.
1 ـ بمقاربة استجابة السياسات العامة للنظام السوري مع سير التطور السياسي العالمي ومتغيراته الكبيرة نجد أنها وقفت عند حدود الانغلاق الذي قاد إلى عزلة شبه تامة، وهما الصيغتان اللتان أهم ما يميز الخطاب القومي، الذي تجاوزته المتغيرات، وهو ما عبرت عنه واتسمت به سياسات النظام وبدرجة أمانة ذاتية عالية وهو الأمر الذي شكل التعارضات والتناقضات في أكثر من جهة مع العامل الخارجي الأوحد أمريكياً.
2 ـ إن تدخل الإدارة الأمريكية لفرض شروط الهيمنة ـ عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن ـ شكل عبر التجربة الحية ولحد ما، و ربما يشكل عبر تعقيدات الوضع الإقليمي ـ الشرق أوسطي ـ في اللحظة الراهنة وامتدادها على الأقل وعبر مسارات تعقد الأزمة السورية إمكانية لوجود صيغ (تواطىء سياسي) إذا صحت التسمية، حتى إذا ما أصبحت هذه الإمكانية هي نوع من الإرتكاز المحدد لنظام سياسي ما بعد شمولي، نظاماً متداخلاً فيه من السابق والجديد، بصيغ وأشكال أوامرية (ديموقراطية)، يريدها الطرف القوي الخارجي، إن نظاماً جديداً سيكون مستجيباً للإرادة السياسية والخاضع لاستراتيجية الخارج بكل عوامله البرانية الضاغطة أولاً، والمتآلفة معه فيما بعد، إن تحقق هذا الاحتمال إنما يشكل موضوعياً انتقالاً لعتبة وإمكانية جديدة لنضالات ديموقراطية وربما أكثر نضالات طبقية ووطنية، حيث أن شكل السيطرة حينذاك ستلجأ في ظل مستوى التطور العالمي، لأشكال من إدارة الحكم مختلفة كلياً أو جزئياً عن السابق، هي متقدمة بالمعنى السياسي من الشكل الشمولي إن نقطة التكيف والتحول السياسي ستظل تشكل حداً أدنى، لبداية جديدة وتطور يصعب رسم تفاصيله.
إن ذلك يمكن رؤيته من زاوية أخرى أنه يوضع الوجع الآخر (للديموقراطية البورجوازية) التي تبني سياستها على المصلحة الضيقة للرأسمال، لا يهمها مصلحة الشعوب الأخرى، ولا القيمة المعيارية الأخلاقية للمفهوم الديموقراطي ـ وهو ما يشهد عليه تاريخها إن في بلدانها أو البلدان التي احتلتها ـ الذي لا يتغنى به إلا أولئك المتعلقون الجدد (بالإدعاء الديموقراطي) بعد أن كانوا وللأمس القريب. وحسبما سمّوا أنفسهم في أنهم ، محض ديكتاتوريين!!.
3 ـ إن إغفال الجوانب السوداء في الديموقراطية السياسية المخصصة) كمعطى موضوعي أعطته البشرية بكل أشكاله شيء، ورؤية هذا المعطى وتفحص جوانبه الإيجابية والسلبية ومفاعيله كقوة خارجية متداخلة بتناقضها مع الداخل المحلي، الذي قد يشكل في لحظة (التسخين) نقلة أخرى معينة. شيٌ آخر مختلف تماماً.
4 ـ أما أن يقال أن نظاماً (ديموقراطياً) قادم إلينا ـ كما في التجربة العراقية ـ مفروضاً بوسائل سوبر عنفية، وسائل فائقة التدمير وبالصيغ الديموقراطية، لا يمكن بحق وصفه إلا بمقاييس النتائج المدمرة المحققة على الأرض.. (إن الديموقراطية هي التي تطلق الرصاص على الشعوب والتي لا بد أن تواجه بمزيد من الديموقراطية الحقيقية)، إن الاستحقاق الفعلي للتاريخ ولقواه الحية، هو الديموقراطية الحقيقية، وليس ديموقراطية التقسيم والطوائف والشيع التي تحاول الإدارة الأمريكية تصوير الواقع على أساسه.
إن الغايات مهما أصبحت سامية طالما أنها تفرض بوسائل غير شريفة، وغير مقدسة ليست هي بحق غايات مقدسة مهما تبرقعت، لا بل والأنكى من هذا يعود علينا البعض بعد كل هذا ليقول «.. إننا لا نستطيع التضحية بمصالح البروليتاريا وبمصالح الطبقات الشعبية وبالمصالح الحقيقية لذوي الدخل المحدود..»!!
أخيراً وحتى يمكن استعادة الاتجاه إلى صواب ما، مفترض ذهنياً، نقول إن تحديد المفاهيم والرؤية شيٌ على قدر من الأهمية والنبل، لكن الانتظار والولع (بالبراني الضاغط المخلّص) والخضوع لتلك المفاهيم المغايرة هو ما سيعطل في توازن واتجاه مصلحة القوى ويقدم الأوطان ولائم للآخر يقتسمها مع الشركاء المحليين، ويبقى الآخرون، أصحاب الدعوات والتغيير المحمول من الخارج، ليس كمبارس فحسب، وإنما متفرجون في أحسن الأحوال، وحتى نبتعد عن كل هذا ونبتعد عن الغرق في الأحكام المسبقة لفهمنا لجميع العوامل الخارجية والداخلية في عملية التغيير الوطني الديموقراطي لابد من:
1 ـ إعادة النظر للأهمية والوزن الذين يحملهما تطور الوضع السياسي الراهن من تطور احتمال الفوضى الشاملة أو الفوضى المصنعة مسبقاً. أين الجهود؟ وما المكان الصحيح لجهة رسم الخطط وسياسات المواجهة؟ إن معرفتنا الدقيقة والملموسة، والمخطط لها بدقة تفرض علينا التعبئة وفق ما تقتضيه مصلحة القطب الثالث للتغيير الوطني الديموقراطي المستقل عن كل استحواز وهيمنة أياً تكن أطرافها. إن القطب الثالث للشعوب ما زال يتوق إلى التحرر من الاستبداد المحلي مثلما يطمح لتحرير أوطانه من المحتل الخارجي، حيث طريق الحرية هو طريق الانعتاق، انعتاق المواطن والوطن من القيود جميعها، بهذا المعنى يغدو صحيحاً فعل الاستقلال والتعبئة على المفاهيم الوطنية والديموقراطية الحقيقية، والمواطن الحر، والابتعاد عن الخطر الكارثي الما قبل مدني، كالطائفية والفئوية والقبلية والإثنية ووضعها في سياقها السياسي والطبقي، كل ذلك لصالح مفاهيم الوطن المستقل الحر والديموقراطي، المستعد والقوي بشعبه.
إن ما سبق يشكل عملاً مفتاحياً يجب الإمساك به وعدم التفريط باستقلاله عن قوتي الاستقطاب الداخلي والخارجي، لما تشكله هاتان القوتان من حدي الخطر التاريخي والراهني على البعد الطبقي (مصالح الشعوب) لمفهوم الوطن والديموقراطية على السواء.
إن وطناً ضعيفاً ومحطماً بفعل الاستبداد الشمولي المتحكم بكل مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية، لا يمكن، وليس بمقدوره صنع الديموقراطية، أو الدفاع عن ذاته. كذلك بالمقابل فإن ديموقراطية برانية (محتلة) تحاول فرض هيمنتها عبر كل قوى التدمير الشامل وتصويب الرصاص إلى صدر الشعوب لا تبني وطناً حراً ومواطناً حراً.. إنما تنتج مصالح فئوية تابعة لها، تنتج سلطات تابعة مثلما رعت وباركت أنظمة الاستبداد التابع..
2 ـ طالما شكلت عمليات الانتقال والتطور التاريخي بُعداً تقدمياً للمجتمع، فإن هذا لا يمكن فهمه إلا على اعتبار أنه تراجعاً في شروط الطبقة المقهورة، وتقدماً للأغلبية وبالتالي يصبح من الصواب مقاربة هذا التقدم عبر وضع استقلال الشعوب، وحرية مقاومتها بمواجهة مفهوم إرهاب الدولة المهيمنة عالمياً أمراً بالاتجاه الصحيح شكلاً ومحتوى..
3 ـ إن تقدماً في أحد جوانب التغيير قد يصحبه أو يترافق معه تراجعات عديدة في ميادين مختلفة وهنا لابد من التنبه والإشارة لمن يرى أن الأمور بعيدة، الأمر لا يبدو من لوحة التناقضات الإقليمية هكذا، فإذا ما دقت الطبول على الأبواب، يلزم التنبه لمسألة تحويل النعمة إلى نقمة، باتجاه القوى المسببة في الأزمة المجتمعية، وقد يصبح التغيير نقمة على أهله ويغدو الوضع الوطني كارثياً وهو ما يجعلنا نشير دوماً أن سياسات الإدارة الأمريكية ستقتصر على ما هو مرجح على شكل من أشكال تغيير الحكم والإدارة في الأنظمة المحلية وهو بذلك يؤكد حقيقة التواطىء بين الخارج ومرتكزاته المهيمنة محلياً. وهو ما سيشكل خذلاناً لأصحاب الرأي بالتغيير الديموقراطي الشامل المحمول خارجياً من جهة، ومن جهة أخرى يكفل ذلك نوعاً من إعادة إنتاج المصلحة الأمريكية بما ينسجم ولو جزئياً مع مشروعها الشرق أوسطي، نقول جزئياً بمعنى أنها قد تجد بحد أدنى من القوننة المحلية وسلطة بصيغة حكم مختلفة لحد ما، ما يحقق مصلحتها الراهنة، فهل هذه هي الديموقراطية التي يبشرونا بها.
4 ـ إن الديموقراطية لا تأتي إلاّ بالأفعال والنضالات الديموقراطية التي تشكل في جوهرها مشروعاً بنائياً حضارياً وسياساً للتنوير والتنمية الإجتماعية لأي شعب وبالتالي فإنها تشكل استحقاقاً تاريخياً وسياسياً لمرحلة طويلة من الانكسارات الوطنية والاستبداد الشامل ولمرحلة طويلة ونضالاً طويلاً، وإن حوامل هذا المشروع إنما هي متغايرة ومناقضة تاريخياً مع ما تمثله سياسة الإدارة الأمريكية سابقاً وراهناً وهو الأمر الذي تأخذه الإدارة الأمريكية الحالية بالحسبان في سياستها الراهنة تجاه سوريا ولبنان بالحسبان لأنه في أحد وجوهه يمثل عرقلة لخياراتها السياسية المباشرة، حيث بدائلها المحلية في حالة عدم جاهزية.
أخيراً إن ثمة أمل كبير للشعوب ولهذه الأوطان تحت الشمس، وإن التفاتة بسيطة لما يجري في أمريكا اللاتينية، الأرجنتين، البرازيل.. كوبا.. يعزز إختيار الشعوب في طريق استقلالها إن المواجهة للامبريالية عبر الديموقراطية الحقيقية، والتنوع الاقتصادي والمساواة والعدالة الإجتماعية والسلام. شيء، والإنصياع لخيارها شيء آخر. وقد سمعنا مؤخراً كلمات الرئيس البوليفي ايغوموراليس: «حان الوقت الذي تدافع فيه الشعوب في آسية، والشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية عن حقوقها...».


قانون الأحزاب وعملية الانتقال في سورية

أولا : الشرط المتحكم في ملف قانون الأحزاب ( مقدمة ضرورية )
كي لا يبدو الأمر حوار فانتازيا، أو مجرد حوار ذهني ، أو مساهمة مقصودة في التأجيل أو تعطيل ملف هام ، يجب أن نلحظ بوضوح ، أن القضية برمتها ، يتحكم بها طرف واحد في الوطن، هو النظام ، عبر احتكار السلطة ،، ووجود دستور يحمي ذلك ، إلى جانب القوانين الأخرى الناظمة ( طبيعية واستثنائية ) مع كامل الجهاز البيروقراطي الذي يشرف على تأمين الحالة ( الجهاز الإيديولوجي ، المتمثل بالحزب القائد للمجتمع والدولة، الجهاز الأمني ، الجهاز الإداري ، الجهاز الإعلامي ) ، وكل هذا يمثل وضعا متقادما ، ارتبط بموجة " الشرعية الثورية " العالمية ، ومرحلة انتهت أسسها وشروطها التاريخية ، ويجب تجاوزها إلى الشرعية الديموقراطية المجتمعية ، والعملية الانتخابية الحرة . إن السلطة وحتى الآن لم تبد أي إشارة ، أو استعداد لإشراك الآخر ( المجتمع ، فعالياته ، المعارضة ) في أي تفصيل يتعلق بعملية الانتقال الديموقراطي المطلوبة في سورية ، من أجل إلغاء احتكار السلطة ،وقيام نظام ديموقراطي معاصر لكامل المجتمع ، بصورة سلمية ، تدريجية ، آمنة ، وتوافقية ، وبدون هذا الإشراك ، سيكون الأمر من جهة السلطة ،سعيا لإعادة إنتاج ذاتها تكيفيا ، والمحافظة على سماتها الأساسية القائمة .
إن عملية الإنتقال المعنية ، تحتمل إمكانية تحقق تراكمات تطورية ، إيجابية ، في العديد من الملفات ، ومنها ملف قانون الأحزاب ، وهذا رهن بموازين القوى في الوطن ، وحاجات النظام التكيفية بتأثير العديد من المفاعيل الخارجية والداخلية . بينما نفترض أن المخاطرالشديدة التي يتعرض لها الوطن الآن، تحتم ضرورة إطلاق عملية توافقية تشاركية مباشرة ، بين جميع فعاليات الوطن ، لخلق سياق نقيض لسياق احتكار السلطة القائم ، والتعاطي مع الملفات البطيئة والسريعة بصورة آمنة ، وإلا فإن عملية الانتقال سيقطع عليها الطريق بالوسائل القسرية ، وستنفتح على أكثر الاحتمالات خطورة ، عبر العامل الخارجي كما نرجح ،وخلال زمن قصير .
إن الحوار بهذه السوية ، والشكل ، تقتصر فائدته على الجانب المبدئي والنظري ، وهو خارج سياق التشارك الجاد والمطلوب بين النظام والآخر ، وبما أن الحيز محدد وضيق ، فلا يمكن التقدم بنص كامل لمشروع قانون أحزاب ، مع التفسيرات الضرورية ، ولذا فسيقتصر الأمر على عض المبادىء والقيم الأساسية .
ثانيا : في المبادىء الأساسية لقانون أحزاب ، ديموقراطي وعصري :
1 – الانسجام الكامل مع دستور المستقبل الديموقراطي ، على صعيد المبادىء ، والقيم ، والمفاهيم السياسية ، والأخلاقية ، وضمان حقوق الأقلية السياسية ، والعمل العلني الصريح ، السلمي ، والمبادىء الوطنية الدستورية ، ووحدة الوطن الجغرافية ، والبشرية ، والسيادية ، وانتسابه القومي العربي ، وما يفترضه هذا من مهمات ، دون التناقض مع تأمين حقوق الأقليات القومية الأخرى، وما يفترضه هذا من إمكانية انخراطها في أحزاب وطنية مركزية ،تؤكد وتحقق لحظ المهمات الخاصة بها .
2 – التأكيد على مبادىء حقوق الإنسان ، وعلى مرجعيتها الأكثر رقيا وتطورا ، التي اتفقت عليها الشرعية الانسانية والدولية ، في المواثيق المعروفة .
3 –السهولة العالية في شروط تشكيل الأحزاب ، بشكل خاص ما يتعلق بالحد الأدنى العددي للهيئة التأسيسية ، وذلك لتشجيع عملية التمثيل النسبي الدقيقة لفعاليات المجتمع الحقيقية ، في الهيئات التشريعية .
4 – تأكيد مبدأ الانطلاق من الأسس ( فوق وطنية ) ، أي رفض الانطلاق من الأسس والمرجعيات العصبية ، التي تساهم في تفتيت الوحدة الوطنية ، كأن يكون الأمر على أساس الدين ، أو الطائفة ، أو العشيرة . وتأكيد وقف أي دعاوة أو تحريض سياسي ديني ، أو طائفي ، أو فاشي .
5 – إن برنامج أي حزب ، أو أهدافه ، يجب أن تسمح بالإمكانية الفعلية للتمثيل الوطني البشري والجغرافي ، أي يجب أن يكون حزبا لجميع المواطنين .
6 – يحق ويمكن لأي حزب ، أن يستعين في مبادئه ، ودعايته بقيم دينية عامة (أخلاقية، اجتماعية ،إيمانية ، اقتصادية ) دون أن تشكل أساسا للتعبئة والتحريض في طائفة بعينها .
7 – الاسم الخاص بالحزب ، ودلالاته ، مرتبطة بالمبادىء السابقة، وغيرها مما يتفق عليه .
8 – الحد الأدنى في عدد الهيئة التأسيسية ، لقبول ترخيص لحزب ، هو مجموع خمسين شخصا ، من عشرة محافظات ، كل محافظة خمسة .
9 – مالية الحزب من اشتراكات الأعضاء ، وتبرعات الأنصار ، ومساعدات الدولة التي ينص عليه القانون ، ويحق لكل حزب الاقتراض المتساوي من الدولة ، بالكفالات المعروفة بنكيا ، لتمويل حملات الانتخابات ، أو تطوير النشاطات ، ويخضع كامل الوضع المالي لعمليات المحاسبة القانونية والنظامية العلنية .
10 – حقوق الأحزاب تجاه الدولة ، تسهيلات حد أدنى لكل حزب، مثل مكتبين في مدينتين يختارهما الحزب المعني ، حقوق متساوية في النشاط والدعاوة في وسائل الإعلام الرسمية ، والمؤسسات والمراكز الثقافية ، وحد أدنى من التأسيسات الأولية في المكاتب ، وسائل اتصال ، وسائل طباعة ، ويعود كل ذلك مع ميزانية الحزب إلى وزارة الأحزاب ، عند حل الحزب بالطرق القانونية .

فاتح محمد جاموس – عضو المكتب السياسي في حزب العمل الشيوعي

رفاقي الأعزاء في حزب العمل الشيوعي:
تحية رفاقية:
لقد قرأت البيان الذي أصدره حزبنا بالتعاون مع مجموعة الأحزاب والمنظمات الماركسية المعارضة الأخرى تحت عنوان «بيان بمثابة ورقة حساب أولية» ولقد أعجبني البيان ولدي مجموعة من الملاحظات التي يقع بعضها في الخندق الإيجابي والأخر في الخندق السلبي. فإيماننا بالديموقراطية يجب أن يعطينا الحق بالنقد والنقد الذاتي.
الملاحظات الإيجابية:
1 ـ جاء في البيان «انطلاق الأطراف المذكورة من مواقع المعارضة للنظام القائم في سوريا» وهذا يؤكد أن تحالفنا هو للماركسيين المعارضين فقط فأنا لا أرضى بالتحالف مع أي حزب من أحزاب الجبهة حتى لو كان ماركسياً لأنني وبكل بساطة أرى نفسي بعيداً عن أحزاب الجبهة أكثر من بعدي عن الإخوان المسلمين.
فعلى الأقل الإخوان لديهم مبادىء.
2 ـ جاء في البيان «لينين وقع في خطأ الإرادوية حين قرر أن يجعل من ثورة أوكتوبر ثورة اشتراكية» وهنا تبرز الشجاعة البارزة في النقد الذاتي حيث أنه ولأول مرة يجرؤ شخص ماركسي على انتقاد لينين الذي كان يعد إله الماركسيين في مرحلة انحطاط الأحزاب الماركسية التي لا تزال مستمرة حتى الآن.
وفعلاً فقد أخطأ لينين حين حول ثورة أوكتوبر إلى ثورة اشتراكية لأن روسيا كانت دولة زراعية لا صناعية.
الملاحظات السلبية:
1 ـ إن هذا التحالف هو تحالف ضيق إذ أننا الآن نواجه في الشارع السوري خيارات أحلاهما مرّ (البعث أو الإخوان) وضيق هذا التحالف يجعل هزيمتنا محتمة ضد هذين الطرفين اللذان حاربا الشعب السوري وسببا موت واعتقال أبنائه.
لذلك يجب أن يتوسع تحالفنا ليشمل جميع قوى المعارضة العلمانية في الداخل والخارج (من ماركسيين إلى أكراد إلى قوميين سوريين إلى ناصريين وبعثيين منشقين إلى ليبراليين...الخ)
ويقوم هذا التحالف على الأسس التالية:
1 ـ الشعب السوري وحده صاحب الحق في تغيير النظام أو الإبقاء عليه وبالطرق السلمية.
2 ـ تحويل سوريا إلى دولة علمانية وديموقراطية.
3 ـ الدفاع عن الحقوق والحريات التي اغتصبها نظام البعث الأمني.
حسين كباش

المجتمع المدني والمجتمع الأهلي
د. فارس إيغو
المجتمع المدني هو ميدان مفتوح ومستقل وسط الفضاء الاجتماعي، تمارس فيه الحياة الاجتماعية بصورة حرة كما يتمثل ذلك في النوادي الثقافية والجمعيات الخيرية،أو في الأحزاب السياسية والمنظمات والحركات التي يهتم أفرادها بالدفاع عن الحقوق والحريات،وسواها من المؤسسات ذات الطابع الإرادي والتطوعي أو الوسطي و التداولي.
فهو ميدان حر،بمعنى أنه يتيح للأفراد أو للجماعات من الناس ممارسة حريتهم في الاختلاف و الاختيار ، أو في التجمع و التنظيم ، أو في إبداء الرأي والتعبير .
وهو تداولي بمعنى أنه يتيح لهم ممارسة حقهم في مناقشة القضايا العامة أو القرارات التي تمس مصالحهم وتتعلق بمصائرهم. وهو مستقل بمعنى أنه ينبني ويتشكل بمعزل أو بمواجهة السلطات السياسية أو الاقتصادية أو المجتمعية . وهذه السلطات الثلاث تشكل أركان المجتمع،كما تتجسد، أولاً في الدولة وقوانينها وأجهزتها وشرطتها، وكما تمارس ثانياً في المهن و الأعمال بأنظمتها ومصالحها، وكما تنشر ثالثاً وخاصة في المجتمع الأهلي بانتماءاته وروابطه! العائلية أو الطائفية أو القومية. عند التحديد السلبي للمجتمع المدني ، لما هو مدني بالتحديد،فإنه أول ما يخطر ببالنا هو مقابلة ماهو مدني مع ماهو ديني،وفي كثير من المعاجم المختصة والأدبيات الاجتماعية والسياسية تُستعمل لفظتا الديني والمدني كلفظتين متقابلتين،مثل: السلطة الدينية والسلطة المدنية، والدولة الدينية والدولة المدنية.وفي هذه الحالة يبدو أن معنى المدني يتطابق إلى حد كبير مع معنى الدنيوي دون أن يكون هذا التطابق كلياً.
وكذلك،يتميز المدني عن العسكري، فالمدني يُستعمل في كثير من الحالات في مقابل العسكري. فنقول مثلاً:السلك العسكري والسلك المدني، الثياب العسكرية والثياب المدنية، السلوك العسكري و السلوك المدني وحكومة عسكرية وحكومة مدنية.
المغزى من هذه المقدمات هو إخراج معنى المدني من نظام سلطة مُحدد( ديني ، عسكري ). ويظهر كأن المدني موجود دون ارتباط بسلطة نظام مُحدد. [1]
أما التمييز الأصعب من التمييزين السابقين،فهو بين المدني والسياسي وبين المدني والأهلي... ولا شك، أن المجال المدني والمجال السياسي هما من أكثر المجالات الاجتماعية تداخلاًَ وتمفصلاً. والمجتمع الغربي ،الذي يتميز بعراقة الممارسة الديمقراطية والتي تمتد إلى أكثر من قرنين من الزمن ، قد تبلور المجتمع السياسي فيه إلى درجة كبيرة، بحيث يتحدد كمجال مستقل له حدوده الواضحة،وبنفس الوقت تمفصلاته و تداخلاته مع المجالات الأخرى،ولاسيما مع المجال المدني والحيز العام
Spherc publiqw المتشكل بين المجتمع السياسي من جهة ، ومجتمع السوق من جهة ثانية، والحيز الخاص. هذا الحيز العام شغلته المنظمات المدنية غير الحكومية (N.O.G.S ). باختصار،إن التمييز بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، كما هو موجود حالياً في الغرب، أمر تاريخي يتعلق بتطور مفهوم المجتمع المدني وتمايزه عن المجتمع السياسي ومجتمع السوق ،. إن هذا الأمر لا يخضع لظرفنا التاريخي الحالي ، حيث المجتمع المدني منخرط في عملية دؤوبة لبناء المجتمع السياسي على أركان جديدة،تتيح المجال للمشاركة والتداول.فالفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي عندنا، لم يحدث بعد،وربما في مستقبل قريب أو بعيد، تبعاً لتطور أو تعرقل العملية الديمقراطية،تاريخيا. والأحزاب السياسية ربما تكون من أكثر مؤسسات المجتمع السياسي تمفصلاً وتداخلاً مع المجتمع المدني. فهي من جانب تشكل بنية سياسية مُعدة لتسلم السلطة ، في وقت من الأوقات، ومن ! هنا تجذرها في آليات السلطة، وهي في نفس الوقت مكاناً للتداول والحوار والصراع النظيف ، وكذلك معامل لتفريخ الأفكار، ومعاهد للتثقيف السياسي الديمقراطي والمدني، ومن هذا الجانب تشكل أرقى مجال مدني في المجتمع. إلا أن اقتصار أي حزب سياسي ،على آليات السلطة من السيطرة، والوصول إلى المناصب ، واقتسام المغانم، فقط،يُفرغ الحزب من أي طرح مدني ويحوله إلى بنية سلطوية بامتياز.
ونصل إلى مفهوم المجتمع الأهلي،الذي يتحدد بالرجوع إلى معنى الأهل، والارتباطات المختلفة الناشئة في سياقه . إنه المجتمع القائم على نظام العلاقات القرابية بالمعنى الواسع الذي يمتد من العائلة الصغيرة حتى القبيلة ويستوعب في إمتداده عنصر الجوار والجيران .
وهناك مصطلحات أخرى تعطي معناً قريباً لمعنى المجتمع الأهلي .
وهي المجتمع الطائفي والمجتمع الإقليمي، وهي تدخل كلها في نطاق المجتمع الأهلي
في المجتمع المدني، تتشكل العلاقات بصورة إرادية تعاقدية، إذ بوسع المرء أن يدخل إليه ويخرج منه بملء حريته ، لكي ينخرط مع أعضائه في علاقات تقوم على المساواة والتبادل . أما العلاقات داخل العائلة والطائفة، فهي علاقات موروثة ومفروضة، ولها منطقها الحصري، إذ هي تقتصر على أناس دون أناس . وهي أخيراً ذات طابع قسري عامودي يجعلها وحيدة الإتجاه كما هو شأن العلاقات بين الأب والإبن أو بين رجل الدين ورعيته . صحيح أنها علاقات أليفة وحميمة ، إذ هي تشكل لحمة الإجتماع وبيئته الطبيعية، ولكنها قد تتحول إلى مؤسسة عنصرية أو إلى عصبية فاشية في حال التعصب والإنغلاق .
ويمكننا عمل جدول تفريقي ، يبين الفروقات و التمايزات بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي ، المجتمع المدني المجتمع الأهلي.
٭ نوعية التوزيع الإجتمالي توزع أفقي توزع عامودي
٭ شكل التضامن قائم على أساس المصلحة والمبادئ عاطفي،عصبوي،مذهبي
٭ العضوية إختياري ،طوعية بالولادة،غير إختيارية في أغلب الحالات...
٭ الرابطة مبادئ دموية،رمزية،روحية.
٭السلطة أدنى حد من السلطة،وفي حال وجودها فإنها ذات هيكلية أفقية، وفيها درجة كبيرة من الحداثة،أي معروضة للتداول هيراركية،رأسية،وتميل أحياناً إلى السلطوية....
٭أشكال الجماعات وتسمياتها أحزاب، لجان حقوقية،منظمات الدفاع عن البيئة،نقابات عمالية، حركات السلام، الحركات النسوية، التجمعات الاقتصادية لحماية المستهلك،جمعيات ذات أهداف إنسانية،(باختصار: الأحزاب +noGs) الأسرة ، القبيلة، العشيرة ،الطوائف الروابط الإقليمية، الجمعيات الدينية وتضم
(1)الجمعيات الوقف الديني
(2) الجمعيات الخيرية الدينية
(3)الرابطات والجمعيات الصوفية
إن المجتمع الأهلي ، هو المجتمع الطبيعي، أي المجتمع الأول تاريخياً،وقد تطور بشكل كبير وتمايز في خلال العصور الوسطى للحضارة العربية والإسلامية،وقد تمثل خاصة، بالإضافة إلى روابط الأسرة والعشيرة، بالجماعات الصوفية وجمعيات الوقف الإسلاميولجان الزكاة ... ولقد تميزت الجماعات والطرق الصوفية، منذ القرن الرابع الهجري ، بكونها جماعات أهلية متطورة، خارج التعبير الأهلي للجماعة (أي خارج العائلة وإمتداداتها) . لقد كانت هذه الجماعات الصوفية منظمة تنظيماً هرمياً، حتى أن التصوف في القرون الوسطى، تحول إلى مؤسسات دينية اجتماعية وسياسية في مناطق متعددة من الإمبراطورية العربية _ الإسلامية، خاصة في خراسان وفارس والعراق ، ومن ثم فيما بعد في الأندلس و مصر ، وأهم هذه الجماعات كانت الجماعات الإسماعيلية التي كان لها أهدف سياسية بالإضافة إلى التعاليم الدينية والتي وظفت لصالح هذه الأهداف.
ولقد توسعت هذه الحراكات الصوفية، بشكل واسع النطاق خلال القرن الرا بع والخامس الهجري ، في عهد السلاجقة ... وتحولت إلى مؤسسات ينتظم أعضاؤها في خانقاهات (=تكايا، ربط) يديرها شيوخ وترعاها الدولة، وتلتمس السند الشعبي منها وبواسطتها .
لقد كانت جمعيات الوقف والزكاة ،والجماعات والروابط الصوفية، حلقات متقدمة من تطور المجتمع الأهلي في القرون الوسطى العربية _ الإسلامية، وقد أثبتت قدرتها على إنتاج ذاتها محلياً دون دعم خارجي أمام الدولة ... وقد استمر المجتمع الأهلي العربي في التطور في العصور المتقدمة ، وظهرت الروابط المهنية ، مثل روابط التجار ، وشكلت حلقة أخرى من تقدم المجتمع الأهلي نحو تميزات جديدة. وفي الفترة التي تلت التحرر من الخلافة العثمانية ، إتسع المجتمع الأهلي ، متجهاً نحو التعقد والتطور بصورة كمية وكيفية، واستمر ذلك في الفترة ما بعد الإستقلال ، وكان من الممكن أن يؤدي هذا التراكم إلى إنتاج روابط جديدة شبه مدنية، بعيداً عن الروابط الأهل والُمعتقد... إلا أن الفترة التي سميت بالمرحلة الثورية، كانت قاصمة و قاضية على البوادر الجنينية للمجتمع المدني العربي، إن الدولة الشمولية، لا تترك وراءها إلا مجتمعاً أهلياً ، لكن مجتمعاً أهلياً بالروابط البدائية والأولية ... والمجتمع المدني كتنظيمات ومؤسسات اجتماعية مؤلفة من مواطنين أحرار، تآلفو وبشكل طوعي ، يختلف اختلافاً جذرياً عن المجتمع الأهلي، المؤلف من بين جمعية عضوية، يُولد فيها الإنسان . إن الخلط بين مفهوم المجتمع المدني ومفهوم المجتمع الأهلي شائع جداً في كتابات الباحثين والمثقفين العرب ، وأصل هذا الخلط، إما من قصور نظري في فهم تاريخية تشكل هذا المفهوم في الظروف التاريخية الموضوعية التي عاشتها أوربا في القرن الثامن عشر من جهة ، أو هو نابع من اتجاه فكري يسعى عن وعي ،لإغراق المجتمع المدني في المجتمع الأهلي على اعتبار أن المجتمع المدني هو المجتمع الأهلي ، والأخير كمفهوم وواقع متأصل في التاريخ العربي _الإسلامي ،بالتالي ليس من داعٍ لاستيراد شيء موجود عندنا. إن هذا الاتجاه، يهدف، فيما يهدف من خلال طروحاته، إلى قصر الحداثة على الشكليات وبعض الممارسات والآليات المعزولة عن أي مضمون تاريخي . أي أنه يقصر الحداثة على التراث والتقليد، لكن بصياغات جديدة قد تكون في أغلب الأحوال شكلية ولفظية[2] فقط إن أطلاق صفة المجتمع المدني على المجتمع الأهلي القروسطية، هو نوع من المفارقة التاريخية Ana chronisme وتتجلى بإطلاق مفهوم حديث جداً على مفهوم قديم قدم المجتمع الإنساني .
وما نشهده من تكاثر الكتابات التي تخص مفهوم المجتمع الأهلي كبديل للمجتمع المدني ، على الساحة الثقافية العربية ، له ما يقابله في الساحة الثقافية في الغرب ، حيث ثمة عودة إلى الحديث عن مؤسسات المجتمع الأهلي ، كالعائلة والكنية، تحت يافطة المجتمع المدني بسبب تفسخ العائلة والتمزق الذي يعانيه المجتمع في الغرب في نسيجه وعلائقه... لكن هذه مشاكل تختص مرحلة ما بعد الحداثة ولا يمكن إسقاطها بشكل ميكانيكي على واقعنا العربي الذي مازال يترنح بين التقليد والحداثة .
وليس بعيداً عن ذلك الكلام الذي يدور اليوم على
« حقوق ثقافية » لإغناء المفهوم الشكلي لحقوق الإنسان . فلا فرد من دون طائفة أو قبيلة أو مهنة ، أو قومية في مجتمع متعدد القوميات .بهذا المعنى ليس المجتمع مجتمعاً للمساواة أمام القانون ، بقدر ماهو حيز لممارسة حق الاختلاف وحرية الرأي،على نحو يجعل المرء يعترف بأن الآخر مساوِ له في الحقوق بما فيه حقه في أن يكون مختلفاً . وهذا ما نشاهده في المجتمع الإنكليزي الذي تبنى التجربة الاجتماعية الُمسماة بـ« التمييز الإيجابي» ...
إن الانتقال إلى الحالة المدنية لا يملي إلغاء الروابط الأهلية القائمة في المجتمع ، بل يوجب تنظيمها واستثمار إرثها في إنتاج علاقة جديدة تحرر حيوية الأفراد. فتحولهم من رعايا في العشيرة والطائفة والمذهب، إلى مواطنين مؤهلين للتنافس على خدمة المجتمع في إطار مؤسسات تؤمن المساواة والعدل الحقوقي .
إن المجتمع المدني حالة من إنسان الجديد الذي يقدم نفسه من خارج الروابط التقليدية في إطار تنظيمي جديد، لأن الحالة المدنية لا تتشكل من أشخاص أو فئات ،بل تعبَّر عن نفسها بمشاريع ورؤى وأفكار مشدودة إلى مصلحة واحدة تحقق الخير العام للمجموع. ولذلك فهي تحتاج أساساً إلى أحزاب وبنى سياسة فكرية قادرة على احتضان المجتمع الأهلي ، والعمل من خلاله على إنتاج عادات عقلية وروحية جديدة تجد معينها في أساس مُعرف نقدي يسدد الرؤية إلى الصالح العام، ويؤمن أفضل حالة اتزان ممكنة في الحقل الاجتماعي .
هذه الحالة الجديدة المتقدمة تحتاج إضافة للوعي الجديد، إلى روح متشبعة بالحرية الخالصة التي تشتعل في الوجدان خارج عسف الأنظمة وإملاءات الطوائف و المذاهب و عصبياتها التي تنسج للفرد نمطاً يحدد إطاره الذاتي.والشرط الأساسي في هذا النمط / الإطار، إذ أن الفرد لسلطة العشيرة ولمرجعيات الطائفة و المذاهب ، وانصياعه في السلوك اليومي لدواعي العصبيات الصغيرة في مواجهة الآخر . ومثل هذا السلوك يكرس في الفرد عادات روحية وثقافية لا تتعايش مع الحرية التي كل نقيض لها هو انحراف عن قانون الحياة.
إن التحول من المجتمع الأهلي إلى المجتمع المدني لا يتم عبر التبشير الفكري و الثقافي ، بل يحتاج إلى ممارسة اجتماعية، بما يخلق التوازن ، لا في سبيل القضاء على الأهلي ، كما حاولت النظم اليوتوبية من أفلاطون إلى ماركس إلى لينين إلى ستالين إلى هتلر إلى موسوليني، بآليات متعددة وأيديولوجيات متفاوته . إنما خلق التوازن والتعاون والتنافس بينهما . إن أصل ومنشأ المنظومة الإجتماعية الإنسانية ، هو مفهوم القرابة، الذي تطور فيما بعد إلى مفهوم الأهل والعشيرة والقبيلة .والمجتمع المدني حالة تطورية متقدمة، للعلاقات الإنسانية نشأت عن طريق التقدم الإقتصادي والسياسي والفكري للإنسان في عصور النهضة والعصر الحديث، لكن هذه الحالة التي نشأت في رحم المجتمع الأهلي بشكل مُجاوز لا تقف في حالة تنافي وتضاد معه ، فالعلاقة تقوم على عنصر التوازن والمنافسة بين المجتمعين . وهيغل يميز بين المجتمع على مستوى العائلة وعلى مستوى المجتمع المدني، ويدعو هذا الأخير بمجتمع الحاجات والتوسطات ،ونحن نضيف إلى ذلك مفهوم التواصلية، عطفاً على مفهوم العقل التواصلي لهابرامس ، كعقل جمعي ممكن أن يتجاوز العقل الأداتي المحدود ... والمرتبط بالمصالح الضيقة.لتصبح التواصلية عامل ضم وجمع ليس على مستوى المجتمع المحلي فقط ، بل على مستوى المجتمع الإنساني كافة ...
هوامش
[1] ليس المعنى هنا،أنه لا يوجد سلطة في داخل المجتمع المدني، بل معناه أن المجتمع المدني في حد ذاته ،لا يقوم على نظام سلطة مُحدد.
[2] كمثال لهذا الخلط،كتاب « المجتمع الأهلي ودوره في بناء الديمقراطية » ، حوارات لقرن جديد : أ. عبد الغفار شكر ،أ.د محمد مورو . دار الفكر ، ط1 نيسان 2005 . ومن عنوان الكتاب نرى أنا الناشر يتبنى هذا الخلط المقصود بين المفهومين، أو حتى أحياناً المطابقة التامة بينهما، لكن هذه المطابقة عندما تحصل، فإنه! ا تكون لصالح مفهوم الأهل. ونلاحظ في مقدمة الناشر أنه يتدخل من البداية ويقوم بعملية مصادرة فكرية للمفهوم لصالح الجمعيات الأهلية ... فهو يقول« إذا كان الغرب اليوم قد أسس جمعيات أهلية ينهض من خلالها بأعباء اجتماعية ويُنفذ مشاريع تدعم الاقتصاد القومي وترفع المستوى الحضاري لمجتمعاته، وإذا كانت تلك الجمعيات أيضاً تغذي المؤسسات البحثية ، وتُنشئ الجامعات الرائدة ، وتؤسس المراكز الصحية لمكافحة الأمراض الخطيرة وتمول المشاريع الإنسانية، فهل استطاع الشرق أن يحذو حذو الغرب ، في هذا المجال؟» أما عنوان المداخلة الأولى للأستاذ ع . شكر ، وهو ذو اتجاه يساري فهي بعنوان « المجتمع المدني ودوره في بناء الديمقراطية» رغم ما فيها من تشويش نظري واضح للمفهوم ، إلا أن المداخلة فيها نقاط أساسية مُهمة ، وتشير إلى عناصر مهمة وأساسية في المفهوم .
أما مداخلة أ.د.محمد مورو، وهو مفكر إسلامي جهادي،فهي تحت عنوان « إشكاليات المصطلح والممارسة »، فهو يأخذ نفس مصادرة الناشر، في اعتبار المجتمع الأهلي هو الأصل ، أما مفهوم المجتمع المدني فهو غريب علينا ، وفكرة مستوردة تهدف إلى غزونا ثقافياً وإغراقنا في سوق العولمة.
لبنان والخروج من مأزق الوصاية الخارجية
يمكن أن نطرح بعض الأسئلة في بداية هذه المقالة كمدخل إلى الحديث عن الوصاية الخارجية التي تعرض لها لبنان منذ الاستقلال.
ـ هل حقق لبنان دولة ذات سيادة بعد الاستقلال وهل يستطيع العيش بدون وصاية خارجية بحكم المكون الاجتماعي والثقافي القائم...؟؟
عندما تشكل دولة لبنان في بداية القرن الماضي. ضمنت متصرفية جبل لبنان/ المارونية/ أجزاء واسعة من الخاصرة السورية. وأسس فيما بعد دولة لبنان الكبير. ووفقاً لتقسيمات سايكس ـ بيكو أصبح لبنان تحت الوصاية والاحتلال الفرنسي. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وما تمخض عنها من قوى دولية جديدة غرباً وشرقاً. حصل لبنان كغيره من دول العالم الثالث على الاستقلال، ثم شارك في تأسيس الجامعة العربية. دون أن ينص دستوره على عروبة لبنان /وهي مفارقة بعض الشيء/ كانت المرحلة الأولى بعد الاستقلال ترسيخ الكيان اللبناني بوصلة سياسية وثقافية فرنسية بامتياز. ونظام ديموقراطي (طائفي) يمثل الموارنة الحجر الأساس في المعادلة السياسية ـ الاقتصادية الداخلية.
ورغم وجود لبنان على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. عقدت السلطة اللبنانية اتفاق هدنة بعد حرب /1948/ وأضحى لبنان خارج معادلة الصراع العربي الإسرائيلي.
وعندما جاء المد القومي والشيوعي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تحركت قطاعات واسعة تحت هذه التأثيرات بما تكرس بانتفاضة /1958/ التي أسقطت الرئيس شمعون الذي حاول ربط لبنان بأحلاف عسكرية وسياسية استعمارية آنذاك.
خلال تلك الفترة كانت إسرائيل تقضم وتعتدي على لبنان وجنوبه دون أن تحرك السلطة الرسمية ساكناً.
وعشية هزيمة حزيران /1967/ وهزيمة الفكر القومي معه /البعثي ـ الناصري/. كان ملك الأردن يحضر لمجازر أيلول الأسود ضد الشعب الفلسطيني وضد منظمة التحرير الفلسطينية رأس حربة حركة التحرر العربي.
وهكذا وجد النظام العربي الرسمي المهزوم الخروج من المأزق الفلسطيني في الأردن. بلبنان كحلقة ضعيفة في النظام الرسمي العربي. مكاناً لمنظمة التحرير الفلسطينية. ضمن ما سمي آنذاك اتفاق القاهرة الذي شرّع الوجود العسكري والسياسي على الأرض اللبنانية، ووجدت منظمة التحرير الفلسطينية أرضاً خصبة بوجود قوى سياسية واجتماعية حاضنة لها. تمثلت في الأحزاب الماركسية والقومية.
في ظل ازدهار بيروت العاصمة الاقتصادية والتجارية كانت بقية أجزاء لبنان شمالاً وجنوباً تعيش حالة الفقر والبؤس الاجتماعي وكأن هذين الشطرين في بلد آخر، خارج لبنان. هذه المعطيات الاقتصادية والسياسية كونت خميرة الحرب الأهلية.
عشية انفجار الحرب الأهلية، كانت القوى الاجتماعية والسياسية اللبنانية قد توضعت على تشابكات إقليمية ودولية.
1 ـ الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط والحركة الشيوعية. المدعومة من منظمة التحرير رفعت شعار من أجل سلطة وطنية ديموقراطية.
2 ـ السلطة اللبنانية الرسمية التي وجدت في النظام السوري ضالتها من أجل الحفاظ على النظام الطائفي. هذا النظام الذي لا يرغب بوجود نظام وطني ديموقراطي في الخاصرة السورية.
3 ـ القرار الماروني الشعبي الذي عقد حلفاً مع إسرائيل للدفاع عن وجوده ومصالحه المهددة بشكل كامل هذه المرة.
4 ـ جاء دخول العامل السوري إلى لبنان ليس نتيجة الجغرافية السياسية الحاضرة دوماً في العلاقة السورية العيانية بل القرار الأمريكي والعربي الرسمي ـ وقرار النظام السوري في مواجهة تنامي الحركة الوطنية اللبنانية. التي وضعت على جدول أعمالها خروج لبنان من الوصاية الفرنسية وإقامة سلطة وطنية ديموقراطية تتناقض مع النموذج السوري والعربي بشكل عام.
لقد لعب النظام السوري دوراً وظيفياً في المنطقة بتفويض أمريكي في تصفية الحركة الوطنية اللبنانية والحد من تأثير منظمة التحرير في لبنان. وهكذا وجدت الحركة الوطنية اللبنانية نفسها محاصرة عربياً ودولياً. ثم جاء مقتل كمال جنبلاط ليضع حداً لطموحات الحركة الوطنية اللبنانية. وقلب صفحة جديدة في تاريخ لبنان بوجود الجيش السوري. الذي لعب دوراً مركزياً في تطويع كل المتحاربين وإخراج منظمة التحرير من المعادلة اللبنانية.
بعد اتفاق الطائف بدأ النظام السوري المفوض دولياً وعربيا ترسيخ دولة طائفية على طريقته. ويعمل ما يخدم مصالحه في الدرجة الأولى مع إرضاء المفوضين له بالحد الأدنى. ثم جاءت حرب الخليج الثانية واحتلال الكويت حيث فوض بوش الأب النظام السوري بلبنان بشكل نهائي. لوقوفه على جانب القوات الأمريكية التي طردت العراقيين من الكويت فتجسد ذلك على أرض الواقع لبنانياً بإسقاط حكومة عون. بحيث أصبح النظام السوري الحلقة الأساسية في المعادلة اللبنانية الداخلية. صغيره وكبيره، والحقيقة أن العلاقة التي ربطت لبنان بالنظام خلال تلك الحقبة هي فوق الاحتلال وفوق الوصاية وحتى الاتحاد بل يمكن تصنيفها بأن بلداً ما وقع تحت قبضة مجموعة من القتلة واللصوص هكذا باختصار يمكن تصنيف الوجود السوري في لبنان. وبعد انتصار الثورة الإيرانية ـ والتحالف الاستراتيجي الذي عقده النظام السوري مع القيادة الدينية الجديدة. دخلت إيران إلى المعادلة اللبنانية بقوة عسكرية وعقائدية وسياسية. توافقت وطموحات النظام السوري.
فهكذا قلب النظام /ظهر المجن/ لحلفائه الذين أسقطوا معه اتفاق /17/أيار. بعدما خسر جنبلاط والشيوعيين الدعم السوفييتي لحلفاً جديد تمثل في /حزب الله/ وحركة أمل/ وحتى يبدأ الأمر مقبولاً عربياً وأمريكياً جاء النظام برفيق الحريري رئيساً لوزراء لبنان كزعامة جديدة في لبنان خارج الزعامات السياسية التقليدية السنية. واضعاً النظام نصب عينه، استراتيجية سياسية يبقى بموجبها في لبنان وصياً شرعياً حتى نهاية حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي واستعادة الجولان من خلال الإمساك بالورقة اللبنانية.
حتى بعد مقتل الحريري كان النظام يراهن على صفقة مع الأمريكيين يجدد بموجبها الوكالة الحصرية في لبنان مقابل دوراً أمنياً وسياسياً له في العراق دون أن يقرأ المتغيرات السياسية الأمريكية والدولية في المنطقة والعالم. والتي استقرت على تحالف أمريكي ـ فرنسي تجاه المنطقة وسوريا تحديداً. بدأت بموجبها فرنسا تتخلص من سياسة شيراك في رئاسته الأولى وكان أول هذه المتغيرات تجاه النظام السوري. هكذا التقط الحريري وحلفائه أن الوضع الدولي واللبناني جاهز لتحالف إسلامي ـ مسيحي عريض يقلب الطاولة على النظام السوري. والخروج من الوصاية السورية، ولأن الأخير استشعر بالخطر الداهم. قام بالتمديد للحود، رغم المعارضة الداخلية والخارجية.
لقد جاء مقتل الحرير ليكون /لعنة/ على النظام السوري في ظل المتغيرات والتبادلات المتسارعة نحو إضعاف النظام السوري. وإخراجه مطروداً من لبنان مكللاً بالخزي والعار واتهامه بالجريمة.
وأخيراً إن النظام السوري الذي لعب دوراً مركزياً في قطع الصيرورة على خروج لبنان من الوصاية الفرنسية إبان الحرب الأهلية وتصفية الحركة الوطنية وإخراج المعادلة الفلسطينية من العامل الداخلي اللبناني. جاء مقتل الحريري ليكن رافعة للشعب اللبناني من أجل وطن حر وقراراً حر.
فجر
الشعب الأميركي هو المستهدف من عمليات الـ«سي.آي.إيه»
بقلم نذير جزماتي
أجمع قادة التحالف الحكومي المسيحي ـ الاشتراكي، على مطالبة الولايات المتحدة بالكشف عن الرحلات السرية التي قامت بها طائرات تابعة للاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) في عدد من الدول الأوروبية، بينها ألمانيا ونقلت خلالها متطرفين مشتبهاً بهم إلى معتقلات خاصة في دول شرق أوربا حيث أُخضعوا للتعذيب.
وذكرت تقارير إعلامية بحسب ما ورد في صحيفة «فيلت أم زونتاغ» أن طائرات الاستخبارات الأميركية هبطت 80 مرة في ألمانيا بين 2002 و 2004 وهي تنقل بصورة غير مشروعة، اسلاميين معتقلين لاستجوابهم في معتقلات خاصة وسرية في أوربا حيث تعرضوا فيها لأعمال التعذيب.
وحذر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوربي المار بروك وهو مسيحي ديموقراطي في ألمانيا، حذر رومانيا من نتائج تعاونها مع الاستخبارات الأميركية في هذا الشأن. (صحيفة «الحياة» اللندنية في 28/11/2005) وكتبت جريدة «السفير» اللبنانية في 5/12/2005 أن «تطورات قضيتي الرحلات «المشبوهة» لطائرات الاستخبارات المركزية الأميركية فوق أوربا، وسجونها السرية المثيرة للجدل، طغت على جولة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس الأوروبية..» وكان المكتب التنفيذي للاتحاد الأوربي ينتظر توضيحات حاسمة خلال زيارة رايس.
«وكانت بريطانيا قد طلبت توضيحاً بهذا الشأن بوصفها تترأس دورة الاتحاد الحالية.. وكشفت صحيفة «سكوتلاند أون صنداي» عن رسالة ثانية لوزير الخارجية البريطاني جاك سترو، جاءت بعد تزايد الغضب على طرفي الأطلسي بسبب رحلات التعذيب ومرورها عبر الأجواء البريطانية وتوقفها في مطارات المملكة المتحدة، وتطالب رايس بـ«تقديم تفاصيل أكبر عن الرحلات.»
وذكرت صحيفة «دير شبيغل» الألمانية أن لدى برلين لائحة مفصلة تزيد عن 430 رحلة جوية سرية قامت بها طائرات الـ«سي.آي.إيه» في المجال الجوي الألماني، بالإضافة إلى عمليات هبوط في مطارات تقع في ألمانيا. وما يقال عن ألمانيا وبريطانيا يقال عن دول أوربية أخرى، أو بالأحرى، عن كل الدول الأوربية من دون أدنى استثناء. والفارق بين دولة أوربية وأخرى هو فارق حضاري، ذلك أن الدول الأوربية الشرقية اختصت، مع دول من العالم الثالث، من ضمنها دول عربية شرق أوسطية وشمال أفريقية، بالسجون السرية الرهيبة التي يجري فيها التعذيب لحساب الولايات المتحدة الأميركية. وعلى سبيل المثال، ألقي القبض في مقدونيا على خالد المصري (أي أختطف)، وهو حائز على الجنسية الألمانية من أصول لبنانية، لأنهم اشتبهوا به، وحُمل إلى أفغانستان حيث عُذب، واتضح خطأ الأميركييين، فأفرج عنه في ألبانيا وليس في ألمانيا.
وقد قالت كونداليسا رايس إلى الأوربيين: إننا في حالة حرب ضد الارهابيين، ولا بد من إطلاق يد جهاز المخابرات إذا كنا نريد الانتصار في هذه الحرب. فتفهم القادة الأوربيون حق القادة الأميركيين في إخفاء كل ما يجري في غوانتانامو، وفي أبو غريب، وفي باقي سجون العالم التي تستخدمها أميركا عن الشعب الأميركي الذي لا يمكن أن يسكت. ولكن الشعوب الأوربية وقواها التقدمية أعلنت الحرب على تجار الحروب في أميركا وأوربا.
ومن جهة أخرى، ثمة تضارب في تصريحات السفير الأميركي في لندن عن نقل مشتبه بهم بتورطه بالإرهاب إلى سوريا. ومع ذلك فإن ماهر عرار الكندي من أصل سوري أُلقي القبض عليه في الولايات المتحدة عام 2002 ونقل إلى الأردن ثم إلى سوريا، وأطلق سراحه بعد سنة بفضل تدخل الحكومة الكندية. وقال الرجل أنه تعرض للتعذيب أثناء احتجازه في سوريا. وقالت كونداليسا رايس بهذا الشأن «أننا لا نسلم أي شخص نحتجزه إلى أي مكان نعتقد أنه سيتعرض للتعذيب. ونفت اليمن أن يكون لها يد في إقامة سجون سرية لهذا الغرض أو لغيره، في حين أن وليد محمد شاهر سُلم إلى اليمن منذ أكثر من عام ونصف العالم، وسُلم صلاح ناصر سالم قرو، ومحمد فرج باشميله، ومحمد صالح عبد الله الأسد في أيار الفائت 2005. وهناك تاجر المخدرات كرامة ضمان (34سنة) الذي ألقي القبض عليه في باكستان، وبقي في سجن قاعدة بغرام الأميركية في باكستان قبل أن يُرسل إلى غوانتانامو. وأكدت زوجة الإرهابي الإسلامي المفترض أن يكون سورياً مصطفى ست مريم ناصر، أن زوجها يرجح أن يكون قد اعتقل في باكستان في نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت 2005 ومحتجز لدى قوات غير باكستانية («الحياة» 27/12/2005).

أمريكا اللاتينية
«فجر الحرية يسطع من جديد»
توفيق عمران
يتزايد الاعتراف اتساعاً بتجربة أمريكا اللاتينية التاريخية في مجال التحولات الديموقراطية العميقة وبقيمتها العالمية الشاملة. فهذه التجربة في متناول الجميع دون أن تُفرض على أحد ويستطيع كل ديموقراطي وكل معادٍ للإمبريالية والعنصرية دون تمييز في القومية والعرق أن يستقي من هذه التجربة الثمينة كل ما يجده فيها من مفيد ليطبقه في الحياة آخذاً بعين الاعتبار خصائص بلده التاريخية والثقافية والاجتماعية والقومية..
وإذا كان شكل الاستعمار في بلدان العالم الثالث ينحصر في ربط هذه البلدان بمصالحه بغية التصرف بثرواتها الطبيعية واستغلال شعوبها وأراضيها المخططاته الاستراتيجية إلى أبعد مدى فإن هذه الحالة كانت مختلفة في دول أمريكا اللاتينية. حيث أن المستعمرين الإسبان والإنكليز وغيرهم شنوا حرباً شعواء ضد شعوب هذه البلدان بقصد الإبادة الجماعية والتدمير الكامل لبنى المجتمع وقواه الأساسية والبشرية.
فقد شن الإسبان والإنكليز حرب ابادة جماعية ضد سكان أمريكا الأصليين عن طريق الحروب واستخدام أبشع الأسلحة الفتاكة ونشر الأوبئة الفظيعة التي تفتك بالبشر جميعاً كالحمى والتيفوس وغيرها حيث أدت مجمل هذه الممارسات إلى نقص هائل في عدد السكان في أمريكا اللاتينية وإبادة شعوب بكاملها في أمريكا الشمالية.
وأن أشكال النضال التي اتبعتها شعوب أمريكا اللاتينية لم تقل أهمية عن الأشكال التي مارستها شعوب البلدان المستعمَرة فهي تدرجت من تمرد الأفراد القابعين تحت الجور والظلم إلى أشكال أكبر من التمرد والعصيان وأكثر تطوراً كالبؤر الثورية وغيرها إلا أن أغلبها أصيب بانتكاسات وتراجعات لسبب أو لآخر ولو أنها في مرحلة معينة حققت انتصاراً فعلياً مثل «كوبا». وإن كان هذا عائداً لجملة من الأسباب الذاتية والموضوعية لهذا البلد ولطبيعة وظروف القوى التي قادت الحركة الثورية منها.
ماذا في دول أمريكا اللاتينية بالتحديد:
1 ـ أن ابتداء مرحلة جديدة من النضالات الديموقراطية والتحررية في دول أمريكا اللاتينية يشكل السمة الأساسية لتطور العملية التاريخية لهذه البلدان وأما مهماتها فهي الحصور على الاستقلال الاقتصادي وإقامة مجتمع حر وديموقراطي وترسيخ السيادة الوطنية.
مثل هذا التصور يستوحي المنطق التاريخي بشأن تطور العملية الديموقراطية فإننا نلاحظ أنها في مرحلتها الأولى موجهة ضد السيطرة الامبريالية ومن ثم إلى الانتقال إلى مستقبل التغلب على التخلف الاقتصادي والتقني العلمي والاجتماعي والثقافي لأنه يشكل «التخلف» أثراً من آثار السياسة الامبريالية القائمة على نهب الشعوب واستغلالها.
2 ـ ان العملية التاريخية لا تسير في خطٍ مستقيم وليست مقدره سلفاً بل نشهد فيها بروز أشكال عديدة للتطور ممكنة موضوعياً... فاختيار وتجسيد الشكل الأمثل يتوقفان على قدرة الفرد ووعيه وإرادته وعلى مجموع القوى السياسية والاجتماعية والطبقية التي لها مصلحة حقيقية في هذا التطور ومن هنا تأتي أهمية اختيار الكفاءة والصلاحية والشعور بالمسؤولية والتنظيم والارادة في تطبيقها... أي قضية الدور الهائل العائد إلى العامل البشري...
وإذا كانت هذه العملية التاريخية تتعارض إلى حدٍ ما مع الفهم الماركسي لتطور المجتمعات والانتقال بها إلى الثورة الاشتراكية عبر المرور بمراحل عديدة إلا أننا نجد فيها تعميقاً حقيقياً لفهم الماركسية وتطويراً حقيقياً للمسألة النظرية بمسألة حرق المراحل.
إن خضوع دول أمريكا اللاتينية إلى استعمار دام عدة قرون مستمرة وإلى تدمير فاقع لبنى المجتمع البشرية والطبقية وإلى تحطيم كل ما يسمى ببنية الدولة في أدنى مستوياتها وإلى الاستغلال الفاقع لكل القدرات الطبيعية والبشرية والاقتصادية.. حيث تحول البشر بأجمعهم إلى عمال وأجراء لا يتقاضون حتى قيمة الطعام الذي يأكلونه فقد تحول المجتمع بكليته أطفالاً ونساءً ورجال إلى عبيد وخدم وأجراء يعملون لصالح شركات النهب والاستغلال والظلم حتى وصل الأمر بالفرد والإنسان إلى درجة أنه يعمل من أجل أن يموت لاستبداله بأجراء آخرين وعبيد يتم جلبهم على سفنٍ كبيرة من أفريقيا للعمل مكانهم في مزارع قصب السكر وحقول صيد السمك وفي مناجم الذهب والفضه.
3 ـ إن ابتعاد أمريكا اللاتينية عن باقي قارات العالم والتدمير الاستعماري الهائل جعلها بعيدةً كل البعد عن التماس المباشر مع الأحداث العالمية وبالتالي جعلها رهينة المصالح الإمبريالية والتناقضات الرأسمالية المرتبطة أساساً بالنهب الكبير والتنافس الحاد على تكديس الثروة. من هنا كان لهذه التناقضات الاستعمارية والرأسمالية بين الشركات المتنافسة الأثر الكبير في نقل هذه الحالة إلى طبقات العبيد والأجراء وغيرهم.
تجلى هذا الصراع في نقل الوعي إلى العديد من الأسياد وبالتالي جر قسم من عامة المجتمع إلى المطالبة بقليل من الحقوق والمطالب المتعلقة بتحسين الأجور وتحسين الوضع الصحي والمعاشي وغير ذلك.
ـ إن مثل هذا الاستغلال القاسي أثار أيضاً الاضطرابات بين صفوف الأرقاء والمأجورين واختلفت شدتها من منطقة إلى أخرى وذلك اعماداً على ما تقدمه الظروف الموضوعية.
ـ كما أن ارتفاع حدة التناقضات بين الدول الاستعمارية المتنافسة على شدة النهب والاستغلال دفع الكثير من هيئات المجتمع المدني.. وكثيراً من المؤسسات الأهلية والمدنية في أوربا تحديداً إلى نقل جزءاً من الوعي الإنساني في كثير من الأحيان إلى البلدان اللاتينية وكان للثورة الفرنسية أثراً كبيراً في ذلك.. مما دفع الكثير من سكان اللاتينية إلى حمل السلاح... كما أن الإسبان قدموا عرضاً مغرياً بالتحالف مع العبيد والأقنان للوقوف في وجه الفرنسيين.
4 ـ إن المخاض العسير الذي عاشته هذه البلدان في سبيل تحررها من كل أشكال السيطرة والاستغلال لم تلق النجاح الكافي... بل بالعكس دفعت شعوبها أثماناً باهظة من جراء هذا المخاض ولا تزال محاولات الامبريالية العالمية تسعى جاهدةً للإطاحة بكل محاولة جادة للانفصال عن المركز الامبريالي أو الاستقلال الاقتصادي والسياسي عنه.
فقد عملت الدوائر الامبريالية بمحاولات متنوعة لاسقاط نظام فيدل كاسترو في كوبا ولكنها لم تنجح حتى الآن.
ـ كما أسقطت نظام بنما الديموقراطي بتدخل مباشر من قبل أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية.
ـ وتم أيضاً اسقاط مجموعة من النظم الديموقراطية في نيكاراغوا والارجنتين والمكسيك وفي مقدمتهم الانقلاب الدموي على نظام سلفادور الليندي.. وغيره الكثير لما لهذه البلدان من أهمية استراتيجية في استقرار النظام الرأسمالي العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية.
5 ـ في مواجهة الضغوط الامبريالية القاسية والصعبة التي تمارسها الإدارة الأمريكية من أشكالها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وأغلبها عسكرياً كان لابد لشعوب أمريكا اللاتينية أن ترتقي إلى حالة تستطيع من خلالها التخلص من هذا الكابوس المدمر والخطير.
إن شكل الديموقراطية الشعبية الذي تجلى في خيارات شعوب بعض بلدان أمريكا اللاتينية لهو الشكل الأرقى في النظرية والممارسة والتطبيق وإن يكن أن هذه الدول قد استفادت من الأشكال الليبرالية للديموقراطية التي نقلها الامبرياليون. فإن طبيعة الصراع الذي تخوضه شعوب اللاتينية ضد مستغليها وأشكال الانزياحات الطبقية ومستوى حالة الفقر المدقع الذي شهدته والتصاق النخبة السياسية بهذه الطبقات والفئات.. ومستوى المواجهة العنيفة للدول الاستعمارية قد دفع كثيراً من هذه الدول وخصوصاً فنزويلا وبوليفيا إلى اختيار شكل الديموقراطية المعتمدة أساساً على مجموع القوى الشعبية المتحالفة ضد الرأسمال الاستغلالي المتمثل بشركات النهب والاستغلال... وهكذا فقد تمكنت قوى المجتمع أن تفرز قواها السياسية معتمدة على شكل الانتخابات الحرة وصناديق الاقتراع وتكاتف كل القوى والفعاليات الاجتماعية والوطنية والسياسية فأنتجت شكلاً راقياً من أشكال الاختيار الديموقراطي لرسم واقع سياسي قد يمتد إلى كثير من البلدان في العالم أجمع وأن يكون نموذجاً حياً لتطور هذه البلدان وشعوب أخرى في سبيل تحررها من الظلم والاستغلال في ظروف الهيمنة الامبريالية والعولمة المتأمركة، وسيادة نمط النظم الاستبدادية في كثير من بلدان العالم الثالث.
آفاق مفتوحة:
إن مهام التجربة الديموقراطية اللاتينية تفترض:
ـ إجراء تغيير جذري في استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي التوصل إلى اكتفاء بلدانها الذاتي الوطني والجماعي.. ولهذه الغاية يفترض تكنيس كل التكتلات الاقتصادية الرأسمالية القديمة وتنسيقها والشروع في التكامل الاقتصادي والاجتماعي على نطاق بلدانها وستكون العوامل الخارجية والموارد الداخلية أساساً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ـ لا شك أن أشكال ودينامية القوى الديموقراطية والتي بدأت تسير في طريق تقدمي للتنمية مطلوب أن يكون دورها قيادياً وثابتاً بالرغم من اختلافات مستويات التطور ووتائر تشكل العلاقات الاجتماعية الجديدة وخاصية القيادة السياسية وطابع الأهداف الأساسية والمباشرة لها.. وتعزيز السيادة السياسية لهذه القوى.
ـ ان القوى الاجتماعية والبشرية التي تشكل الحامل الرئيسي لهذه البنية السياسية والديموقراطية هي قوىً محطمة ومدمرة وبالتالي فإن الاهتمام بها ودفع سويتها المعاشية والارتقاء بها من حالة الفقر المدقع إلى حالة سليمة ومعافاة يشكل الأرضية الحقيقية لاستمرار وديمومة ثبات وصمود الحامل الاجتماعي لأنه القادر إلى جانب قواه السياسية على مواجهة مؤامرات ومخططات الامبريالية لاسقاط هذه الأنظمة.
ـ ان تحقيق العدالة والمساواة وتوزيع الثروات الاقتصادية والخيرات على جموع الشعوب وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص وإيجاد السبل لتطوير امكانيات المشاريع المتعلقة بالتنمية والتطوير وغير ذلك. يشكل عاملاً مهماً في دفع قدرات المجتمع على تحمل أعباء الصراع والمواجهات التي قد تلجأ إليها الامبريالية مستقبلاً.
ـ إن ترسيخ مبدأ الديموقراطية الشعبية وتفعيلها بما يكفل سلامة واستمرار هذا النهج وتعميمه على سائر المجتمعات اللاتينية يشكل قوة أساسية تساهم في تحرير اللاتينية من السيطرة الامبريالية ومد جسور حقيقية بين شعوبها وقواها السياسية والطبقية والديموقراطية، كما يحقق رافعة لكل القارة للتوصل إلى استقلال حقيقي والإسراع في إنجاز المهمات الاجتماعية والاقتصادية التي تطرح أمامها.
خاتمة:
إن تجربة أمريكا اللاتينية في التغيير الديموقراطي بعد أن اكتملت مقومات تحققه من حيث المسار الفعلي لتطور هذه البلدان ومن حيث اعتماده كمنهج في حياة مجتمعاتها وأنه المخرج الحقيقي من حياة التبعية والاستغلال للامبريالية... وانه يشكل طريقاً مشروعاً وقانونياً للحرية والاستقلال وباعتباره منقذاً لشعوب وبلدان العالم الثالث.
فإن هذه التجربة غنية جداً بكل ملامحها الفكرية والانسانية والثقافية وبالتالي علينا دراستها بجدية فائقة والأخذ بها واعتمادها كمنقذ للبشرية من أتون الصراعات الدامية التي قد تفرض علينا في ظل ميزان قوىً لا وزن فيها لنا ولا معيار.
وإذا كانت دراستنا لهذه التجربة قد تكون متميزة بأهدافها وتطلعاتها فإننا نقول إن الماركسية هي اللحظة التاريخية لتحرر بلدان أمريكا اللاتينية بأي شكل من الأشكال...
وأما نحن فإن الماركسية بالنسبة لنا هي اللحظة التاريخية التي تنقلنا نقلةً نوعية نحو الخلاص من قوى الاستبداد والظلم والرأسمالية، نحو مجتمع تسوده العدالة والمساواة واحترام الجميع.
تتمة البيان التوضيحي:
واعتقاداً منا بأن الإعلان لا يستنفذ العمل الوطني في سورية، وتأكيداً للتوافقات الواردة فيه ولما ورد في البيان المشترك مع المنظمة الآثورية واستكمالاً لهما نوضح ما يلي:
1 ـ إن الأخطار التي تتعرض لها سورية متعددة ومتنوعة إنها تواجه مخاطر وتحديات خارجية تتمثل أساساً في مشاريع الهيمنة والسيطرة الأمريكية والصهيونية على المنطقة، وهي مشاريع شديدة الخطورة، تخلق الاضطرابات والحروب، التي تتجلى في استمرار العدوان الصهيوني على أهلنا في فلسطين المحتلة وفي استمرار احتلال الجولان السورية، وفي الاحتلال الأمريكي للعراق والنتائج المترتبة عليه.
كما تواجه تحديات وأخطار داخلية ناتجة عن الاستبداد والفساد، وإذا كنا نركز اليوم على المخاطر الداخلية فلأننا ندرك أن التصدي للمخاطر الخارجية لن يتحقق في ظل استمرار الاستبداد الذي يلغي دور الشعب وحقه في المقاومة وقدرته على ممارستها مع تأكيدنا الدائم على أن مقاومة الاحتلال والمشاريع العدوانية الخارجية تبقى هدفاً مشتركاً لنا وجزءاً من رؤيتنا لإقامة الدولة الوطنية الديموقراطية المستقلة.
2 ـ إن سوريا جزء عضوي من الأمة العربية وسيمكنها التغيير الديموقراطي من القيام بكل ما يترتب على انتمائها من مهام وقضايا قومية، وهذا لا يتناقض مع ما ورد في إعلان دمشق حول حقوق القوميات الأخرى خاصة الكردية، وهي بمجموعها جزء من النسيج الوطني السوري.
3 ـ إن مفاهيمنا الديموقراطية والقيمية بعيدة كل البعد عن المفاهيم المتخلفة والمغلقة للعصبيات ما قبل وطنية... وهي تعتمد كما ورد في الإعلان مفهوم المواطنة والحقوق والواجبات المتساوية والدولة المدنية وهكذا فإن ما ورد في الإعلان بخصوص المكون الثقافي «الأبرز» ودين الأكثرية وعبارات أخرى كان يستهدف التأكيد على قيم الإسلام التحررية والإنسانية التي تتشارك معه فيها الأديان والثقافات الأخرى، ويصعب بالتالي أن تقوم وحدة وطنية حقيقية دون دورها الكبير ومسؤوليتها جميعاً.
4 ـ أن يكون التغيير الوطني الديموقراطي المتمثل بإلغاء احتكار السلطة وإنهاء الاستبداد المهمة المركزية في إعلان دمشق، فهذا لا يعني تجاهل أو اهمال المهمات الأخرى المتعلقة بالمسألة الوطنية، والفساد والتنمية، والبطالة والقضايا المعيشية وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ـ بالإضافة إلى قضايا المرأة والشباب.
وبما أن الديموقراطية قيمة بحد ذاتها لا تقبل أي تأجيل أو انتظار ـ فإنها المدخل الضروري لانجاز هذه المهام.
دمشق 31/1/2006 اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق



#حزب_العمل_الشيوعي_في_سورية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اجتماع الهيئة المركزية لحزب العمل الشيوعي تحليل سياسي
- الآن - العدد (33) كانون أول 2005
- البيان التأسيسي للجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في س ...
- بيان من حزب العمل الشيوعي في سورية
- إعلان دمشق، وموقفنا بين المبدئية والممارسة- الخط الثالث
- الآن - العدد (32) تشرين الثاني 2005
- تدويل الوضع السوري ( المسألة السورية) تداعيات لجنة التحقيق ا ...
- الآن -العدد (31) أيلول 2005
- بيان اثر اعتقال بعض ناشطي (خميس الاعتصام) في طرطوس
- نداء إلى أبناء وطننا السوري حيال أحداث القدموس الثانية
- الآن العدد 29
- بيان صادر عن حزب العمل الشيوعي ـ المكتب السياسي
- الآن العدد28
- بيان من حزب العمل الشيوعي
- الآن العدد (27) أيار
- نشرة الآن العدد 26
- الوطن في خطر دعــوة الى حـوار وعمــل انقـاذي مشتـــرك
- العدد 25نشرة الآن
- نشرة الآن- العدد 24
- الآن


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حزب العمل الشيوعي في سورية - الآن - العدد (34) شباط 2006