أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حزب العمل الشيوعي في سورية - الآن - العدد (33) كانون أول 2005















المزيد.....



الآن - العدد (33) كانون أول 2005


حزب العمل الشيوعي في سورية

الحوار المتمدن-العدد: 1403 - 2005 / 12 / 18 - 11:22
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الآن •إلغاء احتكار السلطة وقيام نظام ديموقراطي معاصر لكل المجتمع.
• قيام أوسع جبهة عمل ديموقراطي علني وسلمي.
• مقاومة وإسقاط المخططات الأمريكية والصهيونية.
• حزب يساري من طراز جديد.
نشرة غير دورية تصدر عن حزب العمل الشيوعي في سورية Syria now @ Personal. Ro
العدد (33) كانون أول 2005 سعر النسخة 25 ل.س
1ـ الافتتاحية (1)
2 ـ الافتتاحية (2)
3 ـ إعلان دمشق وموقفنا بين المبدئية والممارسة
4 ـ حملة تبرع وطني
5 ـ بيان بمثابة ورقة حساب
6_بدلاً من أن تقول للآخرين قم بكذا وكذا تفضل قم به أنت
7ـ يطعمك الحج والناس راجعة
8 ـ خصوصية الأقليات في ضوء المشترك الوطني
9 ـ مواقف حزب العمل هل هي بهلوانية سياسية أم ماذا؟
10 ـ ملف حول إعلان دمشق
11 ـ بيان عن م س لحزب العمل الشيوعي
12 ـ في ذكراك يا كريم
13 ـ إهداء إلى الصديق محمد ديب
14 ـ مع عدم الموافقة
15 ـ اعترافات
16 ـ لا للاغتيالات السياسية
17 ـ تعزية
افتتاحية واحد
تقرير ميلتس، مراوحة في المكان

لم يأت قرار مجلس الأمن 1644 بجديد سوى التمديد للجنة التحقيق الدولية مدة

نصف عام على أن تقدم كل ثلاثة أشهر تقريراً. وهذا يعني استمرار الضغوط الدولية

على السلطة السورية من أجل التعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية.

وعلى الرغم من الظروف الموضوعية في لبنان ( اغتيال النائب والصحفي

جبران تويني ) التي فتحت الآفاق أمام الأكثرية النيابية المشكلة للحكومة اللبنانية

لمزيد من تدويل الحالة اللبنانية والعلاقات مع سوريا من خلال السعي عير مجلس

الأمن :
1_توسيع مهام لجنة التحقيق لتشمل الاغتيالات _ما بعد التمديد للرئيس لحود

2_ تشكيل محكمة ذات طابع دولي. افتتاحية واحد

لكن رياح مجلس الأمن لم تكن مؤاتية لسفن الأكثرية النيابية اللبنانية، حيث لم تتمكن

الترويكا ( الفرنسية، الإنجليزية، الأمريكية) تمرير قرار يلبي طلب الأكثرية النيابية

اللبنانية، وكان للثلاثي المؤقت ( روسيا، الصين، الجزائر ) دوراً فاعلا ً في عدم

تمرير مشروع الترويكا .

وقد سبق القرار تجميع قوى ما سمي ب14 آذار ولو من زاوية الشكل، حيث استعاد

حيويته في المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية اللبنانية، وبنفس الوقت مررت أكثرية

مجلس الوزراء اللبناني قرارها الطلب من مجلس الأمن توسيع مهام لجنة التحقيق

…الخ إضافة إلى تشكيل محكمة دولية الأمر الذي دفع وزراء حزب الله وحركة أمل

إلى تعليق مشاركتهم في الحكومة اللبنانية وتداعيات خطوة حزب الله وأمل على

الحكومة اللبنانية والذي اضطر مندوب الأمم المتحدة لارسن لقاء وزير حزب الله

محمد فنيش ( وزير الطاقة) والطلب منه العودة إلى الوزارة.

لقد دفع التصعيد اللبناني الجامعة العربية بشخص أمينها العام عمرو موسى للتحرك

السريع بين سورية والأكثرية النيابية اللبنانية في محاولة لتطويق التصعيد الجديد في

أزمة العلاقات اللبنانية السورية.

من جهة ثانية كانت الوقائع الخاصة بالقرار 1636 قد دفعت السلطة السورية

لخوض معركة شكلا نية لجهة تغيير مكان استجواب الضباط السوريين الخمسة. لكن

اغتيال تويني أجبر السلطة السورية على إدانة ونقل حادثة الاغتيال على الفضائية

السورية وهذا تطور جديد في التعاطي مع الحالة اللبنانية.

إن التطورات الجديدة في المنطقة بدأت تفرض إيقاعاً غير مألوف في سلوك النظام

السوري تجاه الحالة اللبنانية في محاولة منه تخفيف آثار الأحداث المستجدة في

الوضع اللبناني بالتساوق مع تعاطي مجلس الأمن معه.

تلك الظروف والمستجدات تدفع النظام السوري للتعاطي بمرونة مع الأوضاع

الجديدة والعامل الخارجي، في حين لا تزال قبضته الحديدية تطبق على الوضع

الداخلي وقوى المعارضة الداخلية، فهل تصاعد وتسارع الأحداث في المحيط

سترخي هذه القبضة؟.







نعم ، الوطن في خطر، لكن أي تعبئة يحتاج

دعا رئيس الجمهورية في خطابه الأخير إلى تكتيك التعبئة على الصعيد الداخلي بهدف مقاومة «الخطر الواقع على سوريا» والمتمثل «بمؤامرة تقودها الإدارة الأمريكية»، وتداعيات تدويل الوضع السوري بعد مقتل الحريري القرار (1559، وتشكيل لجنة التحقيق الدولية، تقرير ميليتس وقرار مجلس الأمن 1636) بالإضافة إلى التكتيكات الأمريكية الخاصة، بالتعاون مع أهم بلدان أوروبا (بريطانيا/ فرنسا) حسب المتاح أو الممكن في إطار الشرعية الدولية أولاً، أو الخروج عنها عند بروز ضرورات أمريكية ثانياً. كيف ننظر إلى مجمل هذه الأمور؟ من زاوية التعبئة القائمة من جهة النظام، والتعبئة البديلة المطلوبة؟
سمات ومظاهر التعبئة التي أطلقتها السلطة هي على الوجه التالي:
ـ يقع العنوان الرئيسي للتعبئة في حقل المسألة الوطنية والقومية: فخطاب الرئيس وضع هذه المسألة في الواجهة كلياً، عوّمها على السطح، ألغى الوجوه الأخرى للأزمة في الوطن، قلل من أهمية بعضها، أو أجلها فكل شيء يمكن ويجب تأجيله أمام الخطر الخارجي الداهم، فهذا جرح نازف، ويجب ايقاف النزف أولاً (بلغة الطب والحياة). إن التعبئة السياسية والإعلامية للنظام في الداخل والخارج اعتمدت على نظرية المؤامرة بسبب مواقف النظام تجاه القضايا في (فلسطين، لبنان، العراق، الجولان) ومنعكس ذلك وطنياً في سوريا، وعلاقة الأمر بالصراع مع الكيان الصهيوني، وقضايا مقاومة الاحتلالات حول سوريا، والعلاقة مع هذه المقاومات، وهكذا فالسياسة الأمريكية تجاه النظام غير مرتبطة بقضية الديموقراطية، أو قضية اغتيال الحريري وتداعياتها اللاحقة، أو قضية الإرهاب الدولي، بل تقوم على تناقض المواقف من تلك المسائل، والإدارة الأمريكية في كل ذلك على علاقة عضوية مع الكيان الصهيوني، أهدافاً، تخطيطاً، تنسيقاً وتنفيذاً..
ومن ذلك اشتق النظام عنواناً رئيسياً حاسماً في التعبئة هو (الوطن في خطر)، فالمؤامرة في السياسة الأمريكية تتجاوز قضية التناقض مع النظام والخطر الواقع عليه إلى التناقض مع الشعب والمجتمع والوطن.
ـ خلال التعبئة برز العلم الوطني بكثافة ملحوظة بالمقارنة مع علم البعث وصور رئيس الجمهورية، برز العلم بقيمته الدلالية عوضاً عن الرموز ودلالاتها السلطوية، كما نصبت خيم الوطن، وتقدم اسم سوريا على كل الأسماء، تقدمت عبارة الوطن وأهمية سوريا وتاريخها في الموضوع القومي والوطني، برزت أهمية وحساسية المسألة الوطنية في سوريا، وما أثاره ويثيره كل ذلك من مواقف وردود فعل أمريكية وإسرائيلية.
ـ أن تكتيك التعبئة بكليته قام على قناعة جديدة أو قديمة جزئياً إنما معلنة هذه المرة لدى النظام مفادها أن هناك قراراً أمريكياً بتصفيته أو اسقاطه أو عدم لحظ أي مصلحة خاصة به، وغياب أي أمل في أن يكون الخيار أو المخرج الأمريكي تجاه الوضع السوري من داخل النظام، وهكذا لا بد من تغيير العلاقة والمحصلة العامة بين وجهي سياسة النظام السابقة في مواجهة الاستراتيجية الأمريكية، إذ كانت سابقاً لصالح المساومة والخضوع للابتزاز وتقديم التنازلات لتصبح الآن في صالح مقاومة هذه الاستراتيجية.. وهذا يحتاج إلى تكتيكات متنوعة واسعة، يحتاج إلى تعبئة داخلية مختلفة.
ـ إن التعبئة العلنية العامة، أو الجماهيرية إن صح التعبير، لا تزال بعيدة عن دق طبول الحرب والجعجعة (الصدامية، العراقية)، وهذا يتعلق بكامل الفروقات بين النظامين وحدود العقلانية بينهما، تتعلق بالفروق بين شروط الساحتين والمستوى الذي وصلت إليه الضغوط الأمريكية والدولية، على العموم لا تزال التعبئة القائمة عقلانية من المنظور السياسي والإعلامي العام، فهي تحاول عدم التحمية، والابتعاد عن صيغ تحدي الإدارة والرأي العام الدولي، أو استثارة ردود فعل خطرة، هي كذلك على الرغم من الارتشاحات الكثيرة لطبيعة النظام ونهجه وأخطاء «ماكينته» البيروقراطية المهترئة والفاسدة، الجامدة، التي فقدت مرونتها وحماسها للتكيف مع مثل هذه الشروط.
ـ ما رشح عن أوساط السلطة في الحلقات المتنفذة الضيقة، هناك تعبئة تقوم على قناعة عميقة بأن القرار الأمريكي بإسقاط النظام قرار لا رجعة عنه، والمسألة مسألة زمن، وتكتيكات خاصة بهذا الشرط أو ذاك.. كما تجري التعبئة على هذا الأساس بشكل خاص في وسط الجيش بتركيز مميز على الوحدات الخاصة فيه، كذلك في وسط حزب البعث.. لتصل إلى بقية المؤسسات السلطوية، تجري التعبئة من ذلك المنطلق مع الحرص على أن يكون الأمر بجماعه بعيداً عن التهويش، وفي ذلك الإطار تجري الاستعدادات لأخطر احتمالات فرض عقوبات وحصارات مختلفة، لا بل يجري الاستعداد النفسي والعملياتي لاستخدام الطاقة القصوى في الهرب إلى الأمام وإشعال المنطقة برمتها إذا أمكن، واستخدام صنوف السلاح الأكثر فتكاً والمتوفرة في سوريا بضربة خاصة ضد إسرائيل (علي وعلى أعدائي).. صحيح أن المراقبين قد قرأوا ذلك في خطاب الرئيس، وربما أخذته بعين الاعتبار أطراف الصراع الأخرى.. لكن حقيقته الداخلية في أوساط السلطة هي أكثر أهمية وجدية.. وفي رأينا لا يؤثر شكل أو مظهر التعبئة المختلف في السوية الجماهيرية عنه في سويات مراكز السلطة ومؤسساتها.
ـ تحاول السلطة إبراز الأشكال الحضارية والإنسانية والمدنية أو الأهلية، والأخلاقية في التعبئة، إبراز الأشكال ذات الطابع الجماهيري المتنوع والشامل، تسعى السلطة كي تبدو الحراكات ذات طابع وطني عفوي جماهيري، أو مؤسسي في الحد الأدنى.. تشترك كل قطاعات المجتمع (التجار، الطلاب، المثقفين.. مع الوجود الدائم للأطفال.. والتركيز شعارات السلام وحب الحياة، وسوريا التاريخ والحضارة، وترك الشعب السوري آمناً).
من جهتنا كنا نحاول ومن فترة غير قصيرة التأكيد بالتحليل القرائني أن هناك قراراً أمريكياً بتصفية النظام. وأن الخطر يتجاوزه إلى الوطن، ويتعلق هذا جوهرياً بطبيعة الطرف الخارجي في الصراع (الإدارة الأمريكية) واستراتيجيتها بالهيمنة وطبيعتها غير الديموقراطية، وغير الأخلاقية في تعاطيها مع أي آخر في العالم، من المراكز الرأسمالية المختلفة. لإعادة صياغة المنطقة من منظور المصالح والأهداف الأمريكية المتقاطعة عضوياً مع الكيان الصهيوني إذ لا يمكن أن يغيب عن بال أحد العلاقة التاريخية للإدارة الأمريكية (جمهوري، ديموقراطي) مع قضايانا الوطنية الأساسية وصراعنا مع الكيان الصهيوني، ومسألة الجولان، ويتعلق الأمر بموجة الصراع الأمريكية مع الإسلام عموماً، والإسلام السياسي بكل تياراته، وأهمية هذا في حياة شعوب المنطقة ومسألة الانتقائية والمعايير المزدوجة والانحياز كلية إلى صف الكيان الصهيوني، ويتعلق الأمر أخيراً بكثافة التدخل الأمريكي في العمل السياسي الوطني السوري مع إمكانية استخدام وسائل لا أخلاقية عسكرية أو اقتصادية تطال المجتمع والشعب أو بعض دوائره، بل يكفي إصرار الإدارة على التدخل الكثيف وقسم القوى داخل المجتمع والمعارضة بالتمفصل على العامل الأمريكي.. وهو العامل الذي سيدفع إلى احتمالات الحرب الأهلية وذلك بسبب المعرفة الدقيقة للإدارة بشروط الساحة السورية وهشاشة الوحدة الوطنية وتقدم الاحتقانات والعصبيات المتخلفة ودور النظام ومسؤوليته الحاسمة في كل ذلك والفجوة القائمة بينه وبين المجتمع.. مع ذلك تصر الإدارة على التدخل وهي عامل انقسام.. يصعب جداً إن لم نقل من المستحيل الاتفاق عليه ايجابياً في سوريا بعد ما ذكرناه عن طبيعته وتاريخه وسياساته.. بل يصعب جداً إن لم يكن من المستحيل أيضاً إدارة صراع سياسي سلمي وآمن على العامل الأمريكي الخارجي.. وهذه المسائل برمتها تتجاوز النظام كثيراً في خطورتها والقضايا التي تمسها.. تتجاوزه إلى الوطن والمسألة الوطنية والخطر الواقع على الوطن.. وهذا ليس افتعالاً أو كذباً أو تضخيماً إنها حقيقة تدركها قطاعات شعبية واسعة بحسها الأولي الكامن الذي جمده النظام بسلوكه ونهجه القمعي.. وتدركه الآن وعياً حسياً ووعياً منطقياً مقارناً بدروس الساحة العراقية واللبنانية.
ـ على الرغم من كل ذلك كنا ولا نزال نعتبر المهمة المركزية في الوطن السوري قائمة في الحقل الديموقراطي، بغاية إلغاء احتكار السلطة وقيام نظام سياسي ديموقراطي معاصر لكامل المجتمع نراها كذلك لا بسبب دورها الحاسم والمفتاحي في حل الأزمة والإنقاذ الوطني.. بل لأن الديموقراطية قيمة بحد ذاتها.
ـ ان تعبئة النظام تقوم على مصالحه ونابعة من بنيته الطبقية ذات المصالح الفئوية الضيقة. لا تنطلق من مصالح الوطن العليا. ومع استمرار الضغوط الخارجية عليه فقد يلجأ إلى الاستقواء بالمجتمع والمعارضة الوطنية الديموقراطية والتقدم بعدد من التنازلات.. لكن الآن وفي كل الأحوال فإن النظام عندما يطلق تعبئة على المسألة الوطنية فإنه يدرك حساسية هذه المسألة وخطورتها، يدرك أهميتها، يدرك حقيقتها ويحاول استغلال الأمر بالدمج الشديد والخلط والتمويه بين مصالحه ومصالح الوطن بين الخطر الواقع على الوطن والخطر الواقع عليه.. يحاول جعل الأمر شيئاً واحداً، وحتى الآن نجح النظام جزئياً في خلق رد فعل وطني عاطفي في وسط الجمهور الشعبي.
ـ إن المشكلة الرئيسية في التعبئة القائمة أنها تأتي من النظام بطبيعته في احتكار السلطة، طبيعته القمعية الشمولية، وعزله الأبدي للمجتمع ومنع أي حراك فيه، وتدميره للمعارضة. مما خلق رهابات شديدة في المجتمع ومنع أي رد فعل وطني عفوي سلبه قدرته على التكيف والتنظيم والمقاومة في مثل هذه الحالات.
ـ كل محاولات النظام في جعل التعبئة تأخذ الطابع والسمات الظاهرية التي شرحناها.. فإنها بدت سلطوية.. انطلقت بقرار مسبق.. ليس هذا فحسب بل بالمقابل وعلى الضفة الأخرى كان هناك قرار سلطوي أمني بمنع أي حراكات مستقلة مهما كان طابعها مجتمعياً أو من قبل قوى المعارضة. من الطبيعي في هذه الحالة أن تتسم التعبئة بكل أمراض وأخطاء السلطة وأجهزتها.. وتتسم بطبيعة العلاقة القائمة مع المجتمع وردود الفعل الأساسية فيها.. تتسم بالعاطفية، والضعف والحالة المؤقتة، كذلك بالهشاشة والقابلية السريعة للإنكسار.
ـ ان تعبئة النظام غيبت المسألة الديموقراطية المفتاحية في إطلاق طاقة وطنية مختلفة كلياً عن الماضي.. غابت الإنجازات الديموقراطية الضرورية لتحرير طاقة المجتمع والشعب، إنه الجدل الخاطىء كلية في علاقة الديموقراطية بالوطنية.. إنه منظور النظام للأمر.. إن أي جدل خاطىء بين هذين الحقلين كما تبرز وجهة نظر في بعض أوساط النخبة السورية التي تتجاهل كلية المسألة الوطنية ومسألة الخطر الواقع على الوطن.. هي الوجه الآخر لموقف النظام في الأزمة القائمة.
إن الجدل الصحيح بين المسألة الديموقراطية والوطنية يفترض بالمعارضة الوطنية الديموقراطية أن تتجاوز تعبئة النظام التي ننتقدها بطرح تعبئة بديلة مستقلة وفعالة تدمج بين الديموقراطي والوطني بحسب أهمية كل قضية فيهما حتى الآن.. على المعارضة عدم ترك الأمر للنظام.. عليها أن تتقدم عملياً وبالممارسة إلى حراكات فعلية في الشارع مهما كلف الأمر، وأن تطرح وجهة نظرها والجدل الصحيح بينهما. إن إدارة الظهر للمسألة الوطنية، تأجيلها، عدم لحظها.. لن يفهم في هذه الظروف الحرجة من قبل شعبنا ومجتمعنا إلاّ تنسيقاً بصورة أو بأخرى مع العامل الخارجي .. فلننطلق إلى استكمال صوابية موقفنا الديموقراطي المعارض بين المهمة المركزية بإلغاء احتكار السلطة والاهتمام الجاد والعملي بالمسألة الوطنية كما تستحق الآن.. وإلاّ فإنها ستقودنا إلى المحرقة.. كما حرقت غيرنا سابقاً، وستقودنا إلى المزيد من الضعف والعزلة والوقوف على هامش الأحداث.

(هـ . ت)
- بيـــان -
حزب العمل الشيوعي
أواسط تشرين الثاني 2005
بين الحرص والخوف على العمل الوطني الديمقراطي

إعلان دمشق، وموقفنا بين المبدئية والممارسة ( الخط الثالث)


أولاً - حول البيان :
نتوجه ببياننا وموقفنا إلى كامل الوطن ، وبشكل خاص وصريح إلى جيل الشباب الذي سينخرط قريباً جداً في العمل الديمقراطي ، على جدل العلاقة بين المهمة المركزية بإلغاء احتكار السلطة وتحقيق الانتقال الديمقراطي الشامل ، ومهمة الموقف الواضح في المسألة الوطنية ومقاومة أي تدخل خارجي سلبي وضار ، من أي طراز كان . و ليجعل كل هذا فعالاً، مندفعاً وبنّاءً. إلى جيل سيكون روح وعقل وجسد هذا العمل ، ونتوجه إليه لقناعتنا أيضاً أنه يريد الحقيقة واضحة ،بلا توسطات أو كواليس وبعيداً عن الثقافة الشفهية والاتهامات والالتباسات التي نعتقد أنه لا نحبها جميعها في عصر القيم الديمقراطية والعلنية .
أ- لقد حان الوقت لتوضيح كامل موقفنا من إعلان دمشق . بل تأخرنا كما يعتقد كثيرون، (وفي هذا بعض الصحة)، ويسألوننا: لماذا لم تكتبوا تحفظاتكم بالترافق الفوري مع قرار الانضمام إلى الإعلان، خاصةً وأن قراركم قد أكد بأن هناك تحفظات. لقد كتب الجميع في ذلك بما فيها الأطراف المبادرة في الإعلان والموقّعة عليه... ماذا بقي لكم من خصوصية ؟ ممّ تخافون وما هو موقفكم بالضبط وما هي حساباتكم ؟
ب- وعندما كان الأمر بالنسبة لنا لا يتوقف ( أساساً ) عند التحفظات ، بل في جملة وجوه موقفنا واعتباراته ، بما يعنيه تفاعلياً مع عملية الإقصاء القصدية لنا ولغيرنا ، كذلك قراءتنا وتخوفاتنا الشديدة من ردود الفعل السلبية على محتوى وشكل كذلك التفاصيل المختلفة وعلاقتها بمستقبل الوطن والعمل الوطني الديمقراطي ، ثم موقفنا بين المبدئية والممارسة المطلوبة لاحقاً بالعلاقة مع الإعلان ، كذلك بالعلاقة مع المشاريع التي سبقته أو ستأتي بعده ، والتزاماتنا المنهجية والمبدئية والأخلاقية تجاهها . من أجل كل ذلك اتخذنا موقفنا المبدئي السريع بالانضمام إلى صف الإعلان وأردنا أن نعطي انطباعاً على الموقف الصحيح المتنبّه والحذر والمتعالي على ردود الفعل والحريص على العمل الوطني ، معتقدين أنه بعد ذلك ستأتي اللحظة المناسبة لتوضيح بقية وجوه موقفنا بما فيه التحفظات ، وها هي قد جاءت .. إذ تكشّفت ردود الفعل والمواقف بجملتها، وحان الوقت لتوضيح وتعميم موقفنا.
ج- كما حدّدنا موقفنا وعرفنا مسؤولياتنا تجاه الحوارات المشتركة ، ومشاريع التوافقات والإعلانات التي صدرت ، والحراكات التي تحققت على الأرض في صفوف المعارضة الديمقراطية السورية - من لجنة التنسيق" الحقوقية " في بداية السنة وكل ما صدر عنها مروراً بمشروع إعلان دمشق الأول في الشهر الخامس، توافقاته ، اشتراطاته ، دورنا وردّنا المكتوب والمحدد على هذا المشروع ، الذي توقف وفشل دون أن يرى النور ، إلى لقاء دير الزور للمعارضة الديمقراطية ، الإعداد العلني له ، والحوارات المسبقة المفتوحة والحضور الواسع ، ثم التوافقات التي صدرت عنه ولا نزال نعتبرها الأكثر دقة ،وضوحاً وتحديداً لمستقبل العمل الوطني الديمقراطي ، لحاجاته ، ضروراته وحساسياته ، تحديداً في الموقف من السلطة ومسألة المهمة المركزية والتكتيكات المتعلقة بها ، إلى الموقف من العامل الخارجي وحضوره الملموس والمحدد والكبير في العمل والاستقطاب الوطني داخل سوريا ( العامل الأمريكي ) ، إلى مفهوم الوطن والمواطنة والمرجعية في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، بالتوافق أن يكون الإعلان العالمي هو المرجعية لقطع الطريق على أي إمكانية لتطور العصبيات المتخلفة من طائفية وغيرها ، إلى مسألة الأقليات القومية والحلول المتعلقة بها من منظور قيمي ديمقراطي وطني ومنظور خصوصيتها ، خاصةً المسألة الكردية الآثورية - بنفس الروحية ، اتخذنا موقفنا بقرار الانضمام إلى إعلان دمشق ، وهكذا فإن كل ما نكتبه أوسنكتبه ونمارسه ينطلق من داخل الصف أو البيت الواحد ومصالح الوطن العليا ، على الرغم من مشاكل هذا البيت .
د – ربما ، بل هي المرة الأولى فعلياً في تاريخ حزب العمل الشيوعي الذي نتخذ فيه قراراً، موقفاً سريعاً مباشراً ، لننخرط من حيث المبدأ والممارسة في عمل من داخله دون أن نكون قد شاركنا بأي مستوى فيه ،لا حواراً ولا إعداداً ولا نتائج ولا حسابات ، ليس هذا فحسب بل فعلنا ذلك ونحن على معرفة تامة بقيام العمل وتقدمه ، بالتزامن مع عملية إقصائنا القصدية والمتقنة ،فعلنا ذلك مع محاولاتنا ومحاولات بعض الأصدقاء تلافي الأمر والاكتفاء بردّ التهم والأسباب المتعلقة بإقصائنا ، ذلك بصورة شفهية كما هو المنطق الدارج، حرصاً على العمل نفسه ،وخوفاً من تفاقم منطق الاتهام ضدنا ، وكامل الحرج الذي سيتسببه الموقف المعلن والدقيق في تاريخ العمل الوطني الديمقراطي المعارض وعلاقتنا به ، وحقيقة المواقف السياسية داخله وتغيراتها ، كما حقيقة الادعاء الديمقراطي وعلاقتها بالممارسة في وسط المعارضة . إذ يعتقد البعض أن العمل والنقد من الداخل ( مهما جاء تناقضياً ومجرّحاً وحاداً )، يعتقد أن مثل هذا العمل ، يبقى بنّاءً ومقبولاً أكثر من أي نقد دقيق على أرضية الحقائق من خارج البيت ، دون أن ندري من هو البيت، ومن هو الذي داخله أو خارجه، وكم بيتاً هناك .
و- ومن نفس المنطلقات السابقة، لتكون محصلتها إيجابية ، نؤجل نشر الحقائق المتعلقة بعمل المعارضة على مدى سنوات الانفتاح الأخيرة، وعلاقتها بالماضي ، بنهج الماضي وعقليته واتجاهاته ، ونحن على ثقة أنه ستأتي اللحظة أوالشروط حيث يصبح فيه نشر وثيقتنا وموقفنا مفيداً وضرورياً ، بما فيها التفاصيل المتعلقة بأسباب إقصائنا . تلك الأسباب التي نشرتها" شفاهةً" الجهة المبادرة في إعلان دمشق، والمسؤولة عن عملية الإقصاء بصورة أساسية ، دون أن يعني ذلك أن الأطراف الأخرى لا تتحمل مسؤولية هامة في عدم مقاومة نهج الإقصاء ذلك كما يجب .تلك الأطراف التي اشتركنا معها في مشاريع هامة، وتعرف حقيقة موقفنا من كل الأسباب التي طُرحت ، كالقول: إننا فصيل غير معارض في الأساس ، أوهمّنا قَسم العمل الوطني ، أواننا طرف يضيّع وقت الآخرين بالتدقيق في المواقف والتوافقات ،التفصيلات ،أوالادعاء غير الصادق، أن هناك من حاورنا و دعانا بينما رفضنا ذلك !!
ثانياً - في أسباب قرارنا :
في 16-10-2005 صدر إعلان دمشق، تحددت القوى والفعاليات الأولى والأفراد الموقعين، اكتملت معرفتنا بها، كما اطّلعنا على النص، واكتملت معرفتنا به أيضاً، قدًرنا بسرعة الكثير من الأشياء وردود الفعل السلبية المحتملة. قدّرنا ما سيفعله الإعلام بطرح التساؤلات والاتهامات والشكوك الأكثر حرجاً وخطورةً ،ثم قدًرنا ردود الفعل المحتملة في الصف الوطني الديمقراطي المعارض، واحتمالات الاستقطاب فيه للمستقبل القريب والبعيد، واحتمالات انقساماته على قضايا العمل الوطني.
في اليوم الثاني وعلى الرغم من معرفتنا بعملية إقصائنا، وكل" الادعاءات " التي قيلت في أسبابها ، متجاوزين كل قضايا الكبرياء السياسي الحزبي وردود الفعل المفترضة ؛ قمنا بأنفسنا بعملية الاتصال بالجهة المعنية بالمبادرة وإعلان دمشق، وحاولنا أن نقدم أونعطي إشارة واضحة حول قرارنا وتوجهنا، كذلك أسبابه الشاملة، وتحفظاتنا، والوجوه الأخرى لموقفنا.
وفي اليوم الثالث اتخذنا قرارنا المحدد بعد نقاش طويل في هيئة المكتب السياسي وكادر إضافي من الهيئة المركزية ، كتبنا : "بلاغ : حرصاً على وحدة العمل الوطني الديمقراطي في سوريا، وعلى الرغم من تحفظاتنا التي سنذكرها في وقت لاحق ، نعلن قرارنا بالموافقة على إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي ، ونتحمّل كامل مسؤولياتنا تجاه ذلك . المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي – 18 – ت 1 - 2005 " ... فما هي الأسباب ؟
أ – إن المخاطر التي يتعرض لها الوطن الآن أشد بكثير مقارنة بنهاية السبعينات و بداية الثمانينات وهي لا تحتمل المساهمة بأي موقف أورد فعل لقسم القوى الوطنية المعارضة ( كما حصل في حينه ) ، كما لا يجوز تعميق الآثار والحساسيات السلبية القديمة في صفوفها ، ولا تجوز أية مساهمة لترك أي ارتسامات إضافية على الأسس العصبية المتخلفة .
ب – صحيح أننا أُقصينا ولم نساهم بأي شيء في إعلان دمشق، ولم نأخذ أي دور في الحوار والمناقشات وإبداء وجهة نظرنا، إلا أنه نص مفتوح، كما قال عن نفسه ، وقابل للتغيير والتطوير. بهذا المعنى، ها نحن نتقدم بموقفنا ووجهة نظرنا لنبدأ عملية التفاعل....
ج – على الرغم من كل ما جرى بخصوص نهج الإقصاء ، وعلى الرغم من التباسات النص ، إلا أننا على ثقة كبيرة أن الكثير من القوى و الفعاليات الموقعة على إعلان دمشق تتقاطع معنا ونتقاطع معها على مفهوم الخط الثالث ، ونستطيع سويةً إنجاز عمل ديمقراطي معارض جاد وواضح ، لا إقصاء فيه ،إنجاز برنامج وأدوات ووسائل ومؤسسات ديمقراطية تنطلق جميعها من مصلحة الوطن ومستقبله .
د - إن القوى الموقعة على إعلان دمشق تمثل طيفاً هاماً يجب العمل على تطويره وتوسيعه، من طيف آخر خارج الإعلان له ملاحظاته و تحفظاته. يجب العمل على ذلك بحماس على الرغم من احتمالات الاستقطاب والانقسام المتوقعة في العمل الوطني ، وعلى الرغم من محاولاتنا و نوايانا نحن وغيرنا لمنع ذلك .
و – وعلى اعتبار أن الإعلان والنص ، القوى والفعاليات الموقعة، لا تشكل إطاراً محدداً بعد، ولا يشكل بدوره عقداً أوميثاقاً نهائياً، ولم تتشكل مؤسساته ولا آليات تطويره، فإن هذا يشكل سبباً إيجابياً آخر، دافعاً في أسباب قرارنا بالانضمام.
ثالثاً – تحفظاتنا وملاحظاتنا النقدية :
1 – يتجسد تحفظنا المركزي في مسألة غياب التوافق بين الادعاء الديمقراطي والممارسة غير الديمقراطية في وسط قوى المعارضة. هذه السمة تجلب القمع المختلف ، والإقصاء ، والاستعلاء ، تجلب نهجاً ووسائل مساعدة في ذلك ، وتسمح بالاتهامات والمبالغات والتشكيك .... وهنا المرتع الخصب للثقافة الشفهية غير المسؤولة ، هنا المرتع الخصب لنبش حساسيات الماضي ، وبعض أخطر وجوه الماضي القديم . نحن نعرف أن عملية إقصاء خطرة قد جرت في الحوارات التمهيدية للإعلان وفي العمليات المتقدمة على الرغم من محاولاتنا ومحاولات غيرنا تدارك ذلك . كل هذا يمثل شيئاً خطراً جداً عندما يأتي من قوى يفترض أنها ستقود البرنامج الوطني، يفترض أنها تقدم مثلاً مختلفاً ونقيضاً في الوطن عن النظام القائم.
أما تحفظاتنا وملاحظاتنا النقدية على النص فيمكن تكثيفها على الوجه التالي:
2 – يبدو النص بجملته وكأنه جمعٌ لنصوص وإعلانات وتوافقات مختلفة ، يجمع تناقضات في المفاهيم أحياناً، يقيم التباسات في المفاهيم ، ويظهر التفكك . ربما كانت هناك عجلة ، أوغياب للحوار الواسع والهادئ. ما نقوله هو شيء مختلف عن مفهوم التوافقات والوصول إلى نصف المسافة أوربعها بين الأطراف ، ونحن نعرف أن أمر الإعلان سيكون توافقياً في كل شيء ، لكن هذا لا يعني أبداً ألا تكون الأشياء واضحة ومحددة ، غير ملتبسة وغير متناقضة .
3 – نعتبر الوقت والتسارع الذي تم العمل لإصدار الإعلان فيه ، عملاً خاطئاً حتى لو كان مدروساً من قبل أصحابه الأساسيين . وإذا ربطنا هذا ببعض المفاهيم والتوافقات في الإعلان، يصبح الأمر أكثر وضوحاً، بشكل خاص ما يتعلق بالأمر الخارجي ، فحتى لو قيل إن واحداً من أسباب الاستعجال في الإعلان كي يأتي قبل تقرير ميليس خوفاً من الاتهام اللاحق بأنه اصطفاف في حال صدوره بعد التقرير. حتى لو قيل ذلك، فما سيخطر على البال فوراً أن الضبط الزمني مقصود للترافق مع شروط سياسية خاصة في الوطن، وأنه تقاطع مقصود، أو ملاقاة . أما ما كان سيقطع الطريق على كل هذه الشكوك والتوقعات، فهو موقف واضح ومحدد (غير ملتبس )، ملموس في المسألة الوطنية والعامل الأمريكي، وهذا ما لم يحصل.
4 – نعتقد أن النهج المعارض للعمل الوطني الديمقراطي في الإعلان، والذي يجب أن يعبّر عن نفسه بالدعوة الصريحة لتشكيل قوة معارضة أو قطب معارض، ومؤسسات ديمقراطية معارضة، وبرنامج للمعارضة ووسائل نضال، بالإضافة الضرورية والواضحة لتحديد المهمة المركزية تجاه السلطة بإلغاء احتكار السلطة القائم، وقيام نظام ديمقراطي لكامل المجتمع . وعلى اعتبار أن كل ذلك كان إما غائباً من الإعلان، أو ضعيف الحضور، وملتبساً؛ فيشكل هذا ضعفاً حقيقياً ونقصاً وإشكالاً. ولا يشكل قطعاً سياسياً، صريحاً وواضحاً، في مفهوم المعارضة تجاه النظام. ومما يؤكد ملاحظتنا، وجود عبارات عديدة ملتبسة مثل : " عملية التغيير ... غير موجهة ضد احد ، بل تتطلب جهود الجميع " ، وهذا ليس صحيحاً ، بل هي موجهة ضد سلطة شمولية ديكتاتورية ، موجهة ضد ما نسميه احتكار السلطة ، موجهة ضد المسؤولين عنها .أو عبارة " تمهيد الطريق لعقد مؤتمر وطني ، يمكن أن تشارك فيه جميع القوى الطامحة إلى التغيير ، بما فيها من يقبل بذلك من أهل النظام " أو " يبقى مفتوحاً لمشاركة جميع القوى الوطنية من أحزاب سياسية وهيئات مدنية ... وشخصيات " وهذه عبارات لا تدخل في نطاق القطع المبدئي في نهج ومفهوم المعارضة ، بل في النطاق التكتيكي للعمل ،
كل ما نذكره هنا شيء منهجي ومبدئي ولا علاقة له بالتكتيك الذي تتفق أو يجب أن تتخذه المعارضة في كل مرحلة ، بشكل خاص تجاه النظام . فالعمل المعارض المنهجي المبدئي الواضح والحازم شيء، والتكتيك شيء آخر .
5 – من يقرأ الإعلان ، سيتنبه أو سيلاحظ أن هناك خطراً أحادي الجهة أو الجانب، إنه خطر داخلي صرف يتأتى من نهج النظام واحتكاره للسلطة ، والاستبداد القائم، والمستوى الذي أوصل النظام الوطن إليه ... يظهر الوطن معزولاً عن الخارج، وتظهر المشكلة حصراً بين النظام والمجتمع وقواهما، كأنه لا يوجد أي خطر آخر، كأن الخارج لا إستراتيجية عمل له على الوطن السوري ، أو كأنها إستراتيجية عمل صحيحة وإيجابية، كأن الخارج ( الأمريكي مثلاً) ، لا استراتيجية له في المنطقة ، ولا يريد صياغتها مجدداً ولا صياغة سوريا نظاماً وقضايا عمل وطني وثقافة ،الخ .
صحيح أن المسؤولية الحاسمة في كل ما وصل الوطن إليه ،هي مسؤولية النظام ، لكن هناك خطر آخر خارجي على الوطن السوري تحديدًا ، إغفاله ملفت للنظر ، وخطأ شديد، لا تستقيم اللوحة والتحليل بدون تحديده مع مفاعيله، خاصة في هذه الظروف . هناك عبارات في البيان تسمح بالتساؤل مثل " سوريا، اليوم على مفترق طرق " ، " يجنبها مخاطر تلوح بوضوح في الأفق " " العمل على وقف حالة التدهور واحتمالات الانهيار والفوضى "
فلماذا تلوح المخاطر في الأفق ؟ وهل هناك أحد آخر غير النظام يعمل على ذلك مثلاً ؟ ومن هو ؟
6 – إن غياب التحليل الشامل والدقيق حول المخاطر التي يواجهها الوطن من الداخل والخارج ، تحديداً بسبب الصراع والاستقطاب بين استراتيجية الإدارة الأمريكية المتشددة والنظام الذي يصر على عزل المجتمع والمعارضة واحتكار السلطة ، غياب مثل هذا التحليل من جهة ، وربما قناعة البعض بدور إيجابي لبعض أطراف العامل الخارجي ، من جهة أخرى ؛ كل هذا جعل التوافق المتعلق بالعامل الخارجي ملتبساً جداً أو ربما مقصوداً أن يكون كذلك ، بينما كان يجب أن يكون واضحاً لأهميته ودوره الفعلي والاستقطابي الخطر في العمل الوطني السوري و قضاياه . فعبارات مثل " رفض التغيير الذي يأتي محمولاً من الخارج " لا تفيد بأي موقف محدد و ملموس، و نسأل: هل هناك الآن أي تدخل للخارج في العمل الوطني السوري، هل هو شيء سلبي أم إيجابي، هل نحن معه أم لا ولماذا ؟ هل هناك أي شيء محمول الآن على الخارج من أجل التغيير ؟ هل التدخل السياسي الأمريكي الكثيف هو محمول على الخارج؟ هل عملية التدويل القائمة الآن والمتسارعة للوضع السوري شيء إيجابي أم سلبي، ونحن معه أم ضده ولماذا ؟ ما هو موقفنا من أي عقوبة اقتصادية مثلاً؟ عداكم عن إمكانية استخدام الضربة العسكرية أو الاحتلال العسكري. وهل العامل الأمريكي الأشد تدخلاً من أطراف الخارج، هو عامل توحيد واتفاق في الوطن السوري أم عامل تمزيق، وكيف يجب أن نحدد موقفنا منه؟
نحن نعتقد أيضاً أن مسألة العامل الخارجي والتدخل و الاستقواء يجب تحديدها بدءاً من تحديد الخارج بدقة . فبين الإدارة الأمريكية وإستراتيجية التدخل المعادية لمصالحنا وأهدافنا الوطنية والإنسانية من جهة ، وقوى النخبة الإنسانية الراقية من جهة أخرى ، هامش واسع وقوى عديدة ، منها ما يجب أن نطلب منه التدخل وأن نستقوي به ،نعني تلك القوى الديمقراطية والإنسانية وحقوق الإنسان والأحزاب والفعاليات المشابهة ، ومنها ما يمكن أن نقبل منه تدخلات وضغوطاً إعلامية وأخلاقية و دبلوماسية . ومنها ما نرفض تدخله بأي مستوى بسبب التناقض في المصالح والأهداف وقضايا مستقبل الوطن. وهكذا فبقية العبارة حول " حقيقة وموضوعية الارتباط بين الداخلي والخارجي " وما يليها ، يصبح إنشاءً غير محدد المعالم ، وغير ملموس ، يصبح الموقف بكامله من العامل الخارجي، لا علاقة له بالتاريخ والعيان ، وهكذا في كل مرة سيُطرح فيها لاحقاً موقف معين ، فستحصل عليه خلافات . مثلاً زيارة أحد ما في المعارضة السورية لأي جهة أمريكية رسمية، إلى موضوع التدويل، إلى الضربة العسكرية...
7 – إن الفقرة الخاصة الواردة في الأسس الأولى " الإسلام هو دين الأكثرية .. ويُعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب "، بالإضافة إلى عبارات " وهنا ندعو أبناء وطننا.. وأخوتنا من أبناء مختلف الفئات .. والدينية والمذهبية " ، " والنظام الفئوي " . توحي بالتعبئة والاستعداد لمجتمع توافقي طائفي في أحسن حالاته، لماذا هذا الإصرار على الثقافة الدينية ؟ وبفرض أننا أصلحنا الفقرة وطوّرنا ها بإضافة كل الثقافات الدينية الأخرى في الوطن. ألن يكون في كل هذا التحديد والإيراد تشجيعاً للعصبيات الطائفية المتخلفة ؟ أليس ذكر ثقافة الأكثرية الدينية قمعاً لبقية المجموعات والثقافات، وتهيئةً ليكون مستقبل العمل الوطني من ذلك المنظور ؟ ما هي حاجتنا لهذه الفقرة بالأساس ؟ نعتقد أنها محشورة إرضاءً لنهج معين ، وقوى معينة، بينما نعرف من جهتنا أن قيادة التيار الديني في الخارج لم تطلب ذلك أبداً ، بل وافقت سابقاً على مشروع توافقات لإعلان دمشق الأول، وكان خالياً من أية إشارة إلى الثقافة الدينية .
عوضاً عن كل ذلك، كانت تكفي تلك الفقرات الهامة في الإعلان المناقضة لهذه الفقرة، وأكثر تطوراً من منظور قيمي وطني ،عوضاً عن كل هذا كان يجب التركيز على ثقافة مسألة الأكثرية والأقلية ، كثقافة ديمقراطية متطورة ، تقوم على البرنامج السياسي الوطني المركزي ، والانتخابات ومبادئ الدستور الذي يحفظ بالمطلق حق الأقلية السياسية ، وليصبح كل هذا شيئاً متغيراً دائماً، يشمل كامل ساحة الوطن ، ولا علاقة له بالثقافات الدينية والطوائف .
8 – نعتقد أن المسألة الوطنية برمتها ، مستوى حضورها الآن ، والتعويم الذي اتخذته ، والاستقطاب، إن كان بسبب سياسات التعبئة من جهة النظام كرد على الضغوط الخارجية في نفس الحقل ، أو استغلاله لها كعادته عند الأزمات تجاه الداخل ، أو بسبب المخاطر الجدية التي يتعرض لها الوطن من الخارج . لكل هذه الأسباب وغيرها فإن هذه المسالة تحتاج إلى موقف برنامجي واضح ، مختلف ومستقل عن النظام ، تحتاج من المعارضة إلى موقف شامل، يمسك بها، حتى ولو كانت مهمتنا المركزية إلغاء احتكار السلطة وما تفترضه من جهود أساسية ، حتى ولو كان مدخلنا إلى المسألة الوطنية بكل تفاصيلها هو الإنجاز الديمقراطي المتطور .
وبذلك المعنى نعتقد أن مسألة الجولان مسألة أساسية وهامة، تحتاج إلى فقرة خاصة بها واهتمام خاص، مختلف عن المحتوى والشكل الذي جاءت عليه في الإعلان .
9 – أما العبارة المتعلقة " بالتأكيد على انتماء سوريا إلى المنظومة العربية .. " فهو التباس إضافي آخر، ويعبر عن موقف غير موضوعي وغير تاريخي في مسألة انتماء سوريا ،وازدواجية ذلك الانتماء الحقيقية إلى الوطن السوري من جهة ، وإلى القومية والأمة العربية وضرورة العمل لتحقيق أهداف قومية محددة لها أفق تاريخي ملموس ، من جهة أخرى .
10 – إن مسألة الأقليات في سوريا أكثر تعقيداً مما عبر عنه الإعلان ، فهناك أولاً تجاهل لأقلية أصيلة أخرى غير الكردية هي " الآثورية " ونعتقد ثانياً أن الحلول المستقبلية لكامل هذه المسألة يجب أن تكون أكثر رقياً ووضوحاً ، كما يجب أن تقوم على أسس سياسية وأخلاقية نصّت عليها مواثيق وإعلانات عالمية ،مثلاً ما نصّ عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالأقليات الأصيلة والتي تمثل جزءاً من أمة أو شعب مقسم ، أو تلك المهاجرة إلى وطن آخر ما لأي سبب .وكل هذا لا يتناقض أبداً مع ضرورات الانتصار الديمقراطي العميق والشامل مستقبلاً ، لتصبح مثل هذه الحلول ممكنة ، ولا يتناقض بالمقابل مع ضرورة التركيز على المخاطر التي يواجهها الوطن السوري ، بل ربما يساعد على مواجهتها.
11 – لا شك أن هناك ضرورة قصوى لوضع أسس مبدئية و قيمية ، بل حتى تبشيرية لمستقبل وطننا الديمقراطي ، لكن علينا التنبه إلى أننا قد نضطر ، وخاصة في البدايات إلى طرح منطق وصيغ تدريجية ، وتوافقية انتقالية في مسائل عديدة، مثل مسألة الجيش ودوره السياسي الفعلي ،أو دوره الوظيفي ، بالإضافة إلى حقوق أفراده في العمل السياسي الديمقراطي ، أو مسائل الهيئات الانتقالية المختلفة وعلاقتها بقضايا صندوق الاقتراع ،فبين المبدأ والوقائع قد يصل الوطن إلى توافق " ديمقراطي" شكلاني ،وقابل للتفجر مجدداً على أسس التزرير والوحدات الصغيرة ( قبل وطنية ) .
12 – نعتقد أن هناك ملفات تمثل مفاصل هامة في سياق الانتقال الديمقراطي تحتاج لاهتمام خاص. نلفت النظر إلى ملف الاعتقال وضرورة الاهتمام الشامل به ، إن أهميته تتجاوز بكثير مسألة إفراغ السجون والفروع الأمنية من المعتقلين، تتجاوزها إلى آلاف المفقودين والمتوفين، والآلاف من الذين أُطلق سراحهم وعلى كل ذلك ترتبت مشاكل ومطالب كثيرة.
13 – هل صحيح أنه على إعلان مثل إعلان دمشق أن يهتم حصراً بالأسس والمبادئ والتوافقات، أوبالمسائل السياسية الراهنة والخطرة، كالمهمة المركزية، والمهمات الأخرى التي تأتي بعدها بالأهمية الخ . أم يجب أن يؤسس لبرنامج وطني شامل ولو بتكثيف ، وفي هذه الحالة كيف ننسى ضرورة طرح مطالب هامة ، معيشياً واقتصادياً لكتلة الشعب الهامة، وكيف ننسى طرح مطالب فئات اجتماعية محددة تجمعها قضايا خاصة ( الشباب والمرأة )، كيف ننسى طرح مشاكل أخرى هامة في الوطن ؟
رابعاً – موقفنا بين المبدئية و الممارسة ( الخط الثالث ):
1 – إن التحفظات والملاحظات التي طرحناها تمثل قناعة سنعمل مع كثيرين غيرنا للوصول إليها ، داخل إعلان دمشق وخارجه ، سنعمل إذاً على تطوير إعلان دمشق ،وتوسيع طيفه ، بل سنعمل على تحويله إلى إطار ومؤسسات وبرنامج ،إلى تحالف محدد وواضح في كل شيء ، مع معرفتنا أن كل هذا يأتي توافقياً . سنعمل مع غيرنا لتطويره إلى جبهة عمل ديمقراطي واسعة تنجز المهمة المركزية وتلاقي بقية المهمات لإنجازها .
2 - هناك فعاليات كثيرة وهامة خارج إعلان دمشق، لها تحفظاتها وموقفها النقدي ،سنعمل معها أيضاً بهامش واسع من حرية الحركة ، للوصول إلى توافقات وبرنامج الخط الثالث كما نتصوره ، وذلك بنشاطات وصيغ حزبية رسمية ، أو فردية .
3 – داخل إعلان دمشق وخارجه ،وكما سنعمل بمبدئية سياسية عالية ،فإننا سنعمل أيضاً بمبدية عالية وحازمة لمنع أي إقصاء أو مصادرة أو تعالي،ومنع صيغ التفويض بالائتمان على العمل الوطني ، لأحد أكثر من أحد ، وسنعمل على رد الاعتبار لكل من وقعت عليه أي ممارسة قمعية ، أو إقصائية من أي طراز.
4 – نعتبر الماضي القريب بوجوهه السلبية في الوصول إلى إعلان دمشق ، شيئاً ماضياً أيضاً ، لكن أي تطوير داخله ، تنظيمي أو سياسي أو برنامجي أو غيره ، مجدَداً بصيغ وممارسات خاطئة ، كواليسية ،أو بالنيابة عن الآخرين ، أوالاعتقاد بوجود حق مسبق أو أكبر من حق الآخرين ، أو بدون اشتراك الجميع بصورة ندية وديمقراطية ، فإنها ستدفعنا مثل غيرنا إلى ممارسة حقنا بالنقد العلني المباشر، والتحفظ .
حزب العمل الشيوعي – المكتب السياسي
أواسط تشرين الثاني 2005

حزب العمل الشيوعي يطلق :
حملة تبرع وطني من أجل عمل سياسي فعال ومسؤول
تتطور الأحداث السياسية بتسارع خطر ، كما ترتقي ممكنات ووقائع عملنا الحزبي العلني المعارض ، يفترض هذا تطويرا مواكبا في مستوى ممارستنا ونشاطنا السياسي والإعلامي والتنظيمي والثقافي ، ولهذا حاجاته المادية الكبيرة والجدية .
إن الوسيلة الأكثر شرفا وأخلاقية ، كما الأكثر فعالية هي إطلاق عملية تبرع وطني في وسطنا السياسي والاجتماعي والرفاقي ، كذلك كامل الطيف السياسي ، والفعاليات والمجموعات الوطنية المعارضة دون استثناء .
على هذا ندعو رفاقنا ووسطنا على العمل من أجل حملة تبرعات واسعة ، شاملة ، وناجحة ،تساعد في تأمين مسؤول لبعض حاجاتنا الأساسية .
حزب العمل الشيوعي ـ المكتب السياسي


بيان بمثابة ورقة حساب أولية

كنا نتمنى أن لا يكون غائباً عن اجتماعاتنا الحزب الشيوعي السوري الذي تأسس في الربع الأول من القرن العشرين، والذي يتمثل قسم كبير منه بالفصيلين اللذين يقفان في صف النظام القائم في سوريا. ولو أن هذا الحزب لعب دوره المنوط به منذ الحركة التصحيحية بشكل خاص، لوفر على البلاد والعباد خسائر جسيمة جداً. ومع ذلك، يبقى باب الحوار مفتوحاً للأفراد والجماعات على درب الانخراط في سبيل وحدة اليسار.
ومن جهة أخرى، تنادى عدد من الأحزاب اليسارية في المغرب العربي الى الوحدة أو الاتحاد لكي لا تبقى ساحة المعارضة في المغرب حكراً لحزب الاخوان المسلمين. ويبدو أن هذه السؤال يلح على الأمين العام للجبهة الشعبية. والتقت في سورية الأطراف الموقعة على هذا البيان، وهي: حزب العمل الشيوعي، وحزب اليسار الكردي، وأعضاء في الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي-، واللجنة التحضيرية من أجل حزب شيوعي من الطراز الجديد، ولجنة الكادر الشيوعية السورية، وأجرت حواراً معمقاً ومسؤولاً، تبادلنا فيه الرأي في الأوضاع السياسية الراهنة، التي كشفت عن انطلاق الأطراف المذكورة من مواقع المعارضة للنظام القائم في سوريا، ومن مواقع النضال الطبقي والوطني والأممي ضد الامبريالية والصهيونية العدوين اللدودين لكل شعوب العالم، ومن ضمنها شعبي الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل.
ويقف النظام القائم في سورية الآن أمام أحد خيارين أحلاهما مر: فهو إن وافق على اتجاه تقرير ميليس، وبالتالي، خضع لقرارات مجلس الأمن، وبالدرجة الاولى، القرار 1636، فكك أركان نظامه بيده، إلا اذا استطاع أن يعقد صفقة مع الولايات المتحدة. وبالتالي، خضع للارادة الأميركية مثلما خضع القذافي، فتحولت ليبيا الى مستعمرة أميريكية. وبقي النظام الديكتاتوري كما كان سابقاً طالما أن مصالحه اتحدت مع المصالح الاميركية على استثمار واستغلال الشعب الليبي حتى القطرة الأخيره، مثله مثل أي جمهورية موز في اميركا اللاتينية.. والنظام السوري إن رفض السير في هذه الطريق الطويلة والمعقدة، وكثير من المؤشرات تدل على انه سار في طريق عقد الصفقة المذكوره، وجب عليه أ ن يخفف من قبضته الأمنية عن رقبة أوسع الجماهير الشعبية، وتلبية مطالبها الملحة المتمثلة بسد الفجوة ما بين الأجر والسعر، التي أثرت وتثري الطبقة البرجوازية الطفيلية، بشقيها البرجوازي المكتبي- البيروقراطي داخل أجهزة الدولة، وغير البيروقراطي خارج أجهزة الدولة. وحارب الفساد والفاسدين والمفسدين وفتح ملف "من أين لك هذا؟"
ومن جهة أخرى فان الضغوط الأميركية على سوريا ليس سببها اغتيال رفيق الحريري، وإن كان الاغتيال قد استخدم كورقة من أهم الأوراق الهامة في يد الامبريالية والصهيونية. وكما ذكرت الصحافة فان أشخاصاً أهم من رفيق الحريري لم يُسأل أحدٌ عن قاتليهم، ولا عن أسباب قتلهم .وخدمةً للتآمر على سورية استخدم لبنان في الماضي، ويُراد له أن يستخدم في الوقت الراهن ممراً للمؤمرات التي تستهدف الشعب السوري قبل أن تستهدف النظام القائم. واذا كان النظام لايريد أن يعرض البلاد لغزو خارجي بأشكال مختلفة عسكرية وغير عسكرية، وتجنب الحرب الأهلية التي شجعها ويشجعها الأميركيون، وهي قد ذرت بقرنها في أحداث مصياف ومن ثم في القدموس، وقبلهما في السويداء والقامشلي، فان عليه أن يتخذ بسرعة الاجراءات الضرورية التالية:
1- بعد اطلاق سراح سجناء الرأي بشكل عام، كف يد المخابرات وأجهزة الأمن عن ملاحقة وتتبع الذين يشهد تاريخهم الكفاحي الطويل عن عدائهم للامبريالية والصهيونية. والتخفيف ما أمكن من مآسي السجن والتعذيب والحرمان من لقمة العيش الشريفة للعائلات والأطفال، إن كان باعادة العاملين الى أعمالهم، وتوظيف من يمكن توظيفهم، والتعويض على الجميع
2- لا يكفي طرح قانون الأحزاب على مجلس الشعب المعيّن من قبل السلطة، بل يجب طرحه على المناقشة العامة. و لا يجوز أن يكون المقصود من اصدار القانون فرض شروط تعجيزية. وتاريخياً لم يأخذ أي حزب ومن ضمنها حزب البعث العربي الاشتراكي ، اذن من أحد، ولم تكن ثمة حاجة لكسب الموافقة من أحد. ولولا رغبتنا بمتابعة الكفاح السياسي بصورة علنية وشفافة والخ..لشكل كل منا، أو قسم منا، أو كلنا، الحزب المنشود، واحتكمنا للشعب.
3- تعديل قانون الصحافة بحيث يمكن للأحزاب وللأفراد(قطاع خاص) أن يصدروا الصحف التي لا تخالف الدستور في تعبيرها عن الرأي الخاص والعام. وتحرير الأجهزة الاعلامية التي تملكها الدولة من اذاعة وتلفزيون وصحف ومجلات من هيمنة المتزلفين للحكام أيا كانوا، وعلى العكس، السماح لنسيم الحرية أن يتخللها.
4- حل القضية الكردية حلاً عادلاً وديموقراطياً يتمثل اعادة الجنسية السورية للذين سلبت منهم عام 1962، وما ترتب على ذلك من اجراءات، والاعتراف بالأحزاب الكردية القائمة،والسماح للأكراد بممارسة حقوقهم الديموقراطية المشروعة بدءاً من حقهم بالتكلم والتعلم بلغتهم الأم، وانتهاءً بانخراطهم في النشاط في الشأن العام مثل باقي المواطنين السوريين.
5- إنقاذ القطاع العام من البرجوازية الطفيلية التي تمتص دمائه، واعادة المعامل والمؤسسات المؤممة الى أصحابها، والتعويض عليهم، بعد أن كفت سورية عن السير في طريق الاشتراكية الذي أعطى المبرر للتأميم المذكور.
6- متابعة العمل لجعل القضاء نظيفاً ومستقلاً.
7- إعلان حرب لاهوادة فيها ضد الفساد والفاسدين والمفسدين.
هذا هو الخيار الثالث الذي بدونه ستركع سورية أمام الهجمة الإمبريالية الصهيونية وأمام عملائهما في الداخل والخارج بغض النظر عن حسن إخراج التمثيليات الجماهيرية المعروفة من قبل القاصي والداني باسم مُسيّرات. وان الانتقال الى أجواء الحرية والديموقراطية كفيل بانخراط أوسع أوساط الشعب في الكفاح السياسي الحقيقي والفعال.

وأخيراً، قدم كل طرف من الأطراف المذكورة اعلاه وجهة نظره بصدد النظرية الماركسية، وما بقي منها في ريعان الشباب، وما شاخ وعفا عليه الزمن. وستنشر هذه الدراسات في أقرب وقت ممكن. وظهر أن بعضنا ، مع تقديره العالي للنضالات التي خاضها فلاديمير ايليتش اوليانوف (لينين)، والاضافات التي أغنى بها النظرية المذكورة، وقع في الارادوية حين قرر أن يجعل من ثورة اكتوبر ثورة اشتراكية.

بدلاً من أن تقول للآخرين قم بكذا وكذا، تفضل قم به أنت!
بقلم نذير جزماتي

قال رئيس مجلس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس أنه طلب ويطلب من السوريين بإرادة عراقية حرة (ولا أكثر) أن يسيطروا على الحدود ويمنعوا هذا التسلل، وهذا الارهاب، ويحترموا سياسة حسن الجوار.." وأضاف:"أننا نسألهم لماذا لا يتجاوبون مع متطلبات شعبنا المشروعة (وكأنه يتجاوب مع ارادة أحد غير الأميركيين)؟ ولماذا لا يسيطرون على حدودهم ويمنعون التسلل سواء كانوا سوريين أو من بلدان أخرى يدخلون سورية؟" وأوضح الجعفري أن هناك تسللاً من الحدود السورية-العراقية من فترة الى أخرى."
واذا كانت سورية لا تستجيب لنداء واجب الأخوة العربية فتقف بملايينها على خط الحدود البالغة نحو 650كلم لمنع الارهابيين من التسلل الى العراق وازعاج المعارضة العراقية التي عادت الى العراق فوق ظهر الدبابات الأميركية، وحكمت ولا تزال تحكم بقوة حراب المستعمرين الأميركيين، فلِمَ لا تقوم هذه المعارضة بتأدية هذا الواجب بالتعاون مع أسيادها من وراء البحار؟
أم أن إثارة موضوع الحدود بين الفينة والفينة من متطلبات حصار سورية كمقدمة لا بد منها لالحاقها بالركب العراقي الأميركي والمتأمرك؟
وناشدت كنزاليسا رايس الشعب العراقي العمل بعيداً عن الانقسام الطائفي( الذي عمقته دولتها) من أجل وضع برامج تهدف الى وحدة العراق(أي جعله ثلاث كيانات على الأقل). وأضافت الوزيرة أن على العراق أن يندمج في محيطه العربي(المستهدف من قبل أميركا).. وأملت الوزيرة أن يستخدم السعوديون صلاتهم لحض السنّة على المشاركة بطريقة ايجابية في العملية السياسية ( في صالح اميركا)
وبيّن جاك سترو وزير الخارجية البريطانية الذي زار العراق يوم الخميس 10/11 أنه سلم الجعفري رسالتين، الاولى تتحدث عن خروج قوات التحالف من العراق بأسرع طريقة ممكنة وترك العراقيين يقررون موعد الانسحاب(بقوة سلاح المقاومة)، والثانية حول العمل المشترك لاعادة البناء ( وجني الأرباح الخيالية من عمليات الهدم السابقة، وعمليات البناء اللاحقة، ناهيك عن نهب البترول وغير البترول).

يطْعمك الحج والناس راجعة
بقلم نذير جزماتي

لم يعد موضع شك تراجع ادارة جورج بوش عن خطها المتشدد ازاء مختلف بلدان العالم بصورة عامة، وازاء بلدان الشرق الأوسط بصورة خاصة. فقد اقتنع الرجل ومَنْ وراءه ان العالم من دون الاتحاد السوفياتي، لم يعد كما كان في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وبالتالي، فان الديموقراطية المفروضة بقوة السلاح أو بدونه في الشرق الأوسط، قد تأتي بحكومات مناهضة للولايات المتحدة ومعادية للصهيونية. والديموقراطية لا تستقيم من دون تحرير الشعوب من أميتها التي تبلغ نسبتها في بعض البلدان العربية 65% ولهذه الأسباب وغيرها انتقلت كونزاليسا رايس من موقع الانتقاد الدائم لأوضاع الديموقراطية في الشرق الأوسط، وضرورات الاصلاح ، الى موقع المديح والثناء لما تحقق، ومن ضمنه انتخاب حسني مبارك، أو بالحقيقة تعيينه، للمرة الخامسة. وطر أ تحسن على العلاقات العلنية والسرية ما بين الولايات المتحدة والاخوان المسلمين في مصر وسوريا ولبنان والاردن (انظر "الاصلاح مؤجلاً" لجميل مطر في "الحياة" 21/11)
وأدى ذلك الى حدوث تراخي صحي relax عند الأنظمة التي كانت تُعد ساعات بقائها على رأس الحكم. والنظام السوري ليس استثناء بالرغم من كل القرقعة اللبنانية. واذا كان سيسقط فانما بسبب قلة حيلته، على عكس النظام المصري الذي يحسن القفز فوق الحبال .
وظهرت الدوغمائية جلية في "اعلان دمشق" الذي كشف مؤسسوه من العرب عن اعتمادهم على الخيار الأميركي مما دفع القادة الأكراد الى الانخراط في العملية علهم يحظون بما حظيّ به أكراد العراق بقيادة البرزاني والطالباني دون أن يتخيّل أي من الطرفين أن أميركا في طريقها الى التخلي عنهم كعادتها حين تخلى جورج بوش(الأب) عن الشيعة والأكراد في أعقاب حرب الخليج الثانية كرما عيون صاحبه صدام حسين- حسب تعبير نعوم تشومسكي (انتفاضة الجنوب).
والجديد المعلن في "اعلان دمشق" هو ما جاء في جريدة "السفير" في 24/11على لسان صدر الدين بيانوني المرشد العام للأخوان المسلمين في سوريا من أنه ليس لدى الجماعة طموح للوصول الى السلطة بالقوة أو الانتقام من البعثيين اذا سقط حكم الرئيس السوري بشار الأسد، بل سنعمل على اقامة مجتمع ديموقراطي يضم الجميع." مضيفاً أنه يريد دولة مدنية وليس دولة دينية، وان "النظام يزرع الخوف داخل البلاد وخارجها، بأنه ليس هناك بديل عنه سوى الفوضى أو الاخوان المسلمين، وهذا ليس صحيحاً."
وأشار المرشد العام للأخوان المسلمين الى أن "اعلان دمشق" فتح الطريق للعلويين والبعثيين لينضموا الى الساعين من أجل التغيير السياسي. وقال" لا أحد يسعى للقضاء على البعثيين أوالعلويين في سورية."
والخطير في كلام السيد البيانوني أن السياسة الأميركية في المنطقة جعلت مهمة جماعات المعارضة السورية معقدة من حيث أنها تكره الربط بينها وبين نزاع ادارة جورج بوش مع دمشق، موضحاً أن "أميركا تحتاج الى اثبات مصداقيتها، فسياستها في العراق لم تؤد سوى لتشجيع التشدد، واذا اتبعت نفس السياسة في سورية فقد تؤدي الى النتيجة نفسها."
وأشار البيانوني الى أن جماعته أدانت هجمات 11 أيلول والتفجيرات التي وقعت في مدريد ولندن وفي أماكن أخرى، بوصف تلك الهجمات مخالفة للاسلام، وحتى أن الجماعات الاسلامية المعتدلة تحتاج اهتماماً أكبر. وقال أن الجهل بالحركات الاسلامية المعتدلة والضغط عليها من جانب الغرب يعزز النزعات الراديكالية".
ويعني ذلك فيما يعنيه أنه يشد على يد أميركا اذا ما اتبعت سياسة المناورات أكثر من التشدد الذي أثبت عدم فاعليته..أي أن البيانوني قد انحاز أخيراً، وبصورة علنية، الى الصف الأميركي، في الوقت الذي أخذت فيه الولايات المتحدة بنصيحة البيانوني باحلال المناورات محل التشدد. ولا أدل على ذلك من قبول ميليس الاستماع الى الشهادات من قبل خمسة شهود وليس ستة في فيينا . وقالت محطة " م.نيو تي في" التلفزيونية اللبنانية مساء الاعلان عن هذا النبأ في 25/11 من أنه لم يعد لـ"للحقيقة" شعار تيار وتلفزيون "المستقبل" مكان، لا بل أنها في طريقها الى الزوال. وتحل محلها "حقيقة" أخرى تتمثل في أن الأحكام التي ستصدرها المحكمة اللبنانية الدولية المشتركة في حق المتورطين في الجريمة يسري عليها مفعول الاتفاق المذكور. وفي المقابل-حسب ساطع نور الدين في"السفير"28/11 -" لم يعد من المغامرة الاستنتاج أن السيناريو الليبي قد استبعد في الحالة السورية، لكن من دون أن تقدم دمشق تنازلات كبرى تعادل تلك التي قدمتها طرابلس من أجل أن تفك عزلة نظامها وتنهي حصار شعبها في أعقاب محاكمة لوكربي.. بل قد يكون الاتفاق، حسب المعايير الدبلوماسية، نجاحاً للمفاوض السوري الذي أصر على استرداد الضباط السوريين الخمسة بعد، استجوابهم، وحصل على ضمانات عربية ودولية بعدم توقيفهم في فيينا من قبل لجنة التحقيق الدولية..
" صحيح أن الاتفاق يبقي سوريا في دائرة الاشتباه أو الاتهام في التورط بالجريمة، لكن محصلته الأخيرة لن تتجاوز الشروع في ادخال المزيد من الاصلاحات الى المؤسسة العسكرية والأمنية السورية في أعقاب المرحلة اللبنانية الطويلة التي كانت مدمرة لها بكل المعاني، مما يمهد بشكل حاسم للاصلاحات المرتقبة منذ خمس سنوات في المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعطلة تقريباً في سوريا."
وبالطبع فان "الرمد أفضل من العمى" للأميركيين ولغير الأميركيين، ذلك أن "الأخوان المسلمين"حتى لو كانوا بقيادة صدر الدين البيانوني الحصيفة جداً، أسوأ بما لا يقاس من أي نظام مشابه للنظام القائم في دمشق. فالبيانوني وحزبه يستندون الى أساس اسلامي معاد للأجنبي غير المسلم. وتقوم أميركا بمحاربة هذه العقلية في الكتب وفي أي مكان. وأكثر من ذلك أن هؤلاء، لا يلبثوا أن يحلوا أنفسهم محل الله في اصدار الفتاوي وما شابه. ويستندون الى جمهور واسع جداً تنخره الأمية المقنعة وغير المقنعة. ولا يمكن التخفيف من التأثير الهائل لهذا التيار من دون القضاء على الأمية، ومن دون نشر التصنيع على أوسع مدى، وتحرير العلم من الأغلال التي تقيده في المدارس والجامعات. وبالتالي، لا يجوز بقاء مثل المادة 49 في دستورنا أو في قوانينا.
واذا كان شعار "المصالحة الوطنية" مرفوض من البعض، فليخرج "قانون الأحزاب" الى ساحة العلن، ولا يقرر أحدٌ السماح أو عدم السماح لقيام أي حزب، إلا الشعب الذي إما يلتف حول الحزب المعني أو يقاطعه، وإلا أن يكون هدفه، أي هدف الحزب الدعوة لهذه الدولة الاستعمارية أو تلك، وتلقي التمويل منها. الوطن أولاً
خصوصية الأقليات في ضوء المشترك الوطني
عمر إدلبي
يشهد قاموس المفردات السياسية راهناً سحب مفاهيم ومصطلحات كثيرة من التداول، شكلت منذ استقلال الدول العربية العمود الفقري للخطاب السياسي العربي، فلم نعد نسمع مفردات الوحدة والثورة والتحرير والصمود والتفاوت الطبقي وغيرها الكثير، أمام المد الطاغي لمفردات كان المواطنون يخجلون من الهمس بها، من قبيل: سني، وشيعي، وعلوي، وكردي، وتركماني....الخ، ويبدو فيما يبدو أن مفاعيل القمع الطويل من جهة وانتقال الأمريكيين للإقامة في المنطقة كجيران ثقيلي الدم من جهة أخرى بدأت تؤتي ثمارها.
وبحكم كوننا منفعلين لا فاعلين في القضايا التي تحدد مصيرنا، فإن التداعي للبحث في مسألة التنوع والتعددية في بنية النسيج الوطني، فرضه الواقع الخطير الذي يجري فيه التركيز حالياً على مسألة الأقليات وحقوقها، هذه المسألة التي تكاد تعصف بآخر ذرات الحبر التي صاغت منذ قرن من الزمان خريطة المنطقة، وللتذكير، فإن هذا الحبر لم يكن حبرنا ولا من يحزنون!!
ينظر إلى الأقليات معرفياً على أنها: مجموعات بشرية تختلف عن كتلة الأغلبية في متغيرٍ أو أكثر من المتغيرات التالية: الدين أو اللغة أو الثقافة أو العرق، مما يضفي على هذه المجموعة البشرية عدداً من الخصائص الاجتماعية والاقتصادية الحضارية، تميز سلوكها ومواقفها السياسية تجاه ظواهر مجتمعية رئيسية.
ويعرف علم الاجتماع الجماعة الإثنية بأنها: مجموعة بشرية يشترك أفرادها في العادات والتقاليد واللغة والدين وأي سمات أخرى متميزة بما في ذلك الأصل والملامح الفيزيقية والجسمانية.
والثابت تاريخياً أن ما من قومية أو وطنية كانت تخلو من هويات متعددة متشكلة داخل نسيجها، دينية أو مذهبية أو إثنية أو لغوية، وأن الأقليات انطلاقاً من هذا الثابت هي واقع اجتماعي لم يتم تجاوزه عبر التاريخ إلا بالأساليب اللا إنسانية، وهي بالمحصلة لا يمكن وضعها في حالة تناقض ومواجهة مع القوميات والوطنيات، إلا من منطق سوء الفهم لحقائق تاريخ المجتمعات البشرية.
ويكفي للدلالة على مدى التنوع الذي تتصف به البشرية على هذا الصعيد، أن نذكر أن حوالي سبعة آلاف لغة، وأكثر من ثمانية آلاف إثنية مختلفة تتوزع على ما يقارب مائة وتسعين دولة منضوية تحت جناح منظمة الأمم المتحدة.
هذا التنوع يقوم إذن على التميز في صفات سبق أن أشرنا إليها، وعندما تعي الجماعة ما تتصف به من صفات تدرك تميزها عن الجماعات الأخرى، وهذا التميز" ينطوي على عنصر ذاتي، وعلى عنصر موضوعي، العنصر الموضوعي هو وجود الاختلاف أو التباين بالفعل في أي من المتغيرات ( اللغة، أو الدين، أو الثقافة، أو الأصل القومي والمكاني، أو السمات الفيزيقية)، أما العنصر الذاتي فهو إدراك أفراد الجماعة وإدراك الجماعات الأخرى القريبة منها لهذا التباين والاختلاف، وهو يؤدي إلى الشعور بالانتماء إلى جماعة معينة في مواجهة الجماعات الأخرى.(1)
هذا الانتماء يعبر عنه ضمن الإدراك الواعي للهوية الوطنية المشتركة، في المجتمعات التي تحقق أنظمتها السياسية لمواطنيها المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بينما يغدو محفزاً على التمسك بالخصوصية، والدفاع عنها، والتمترس خلفها، حين تعجز هذه الأنظمة عن تكريس مبدأ المواطنة، بسبب ممارساتها الإقصائية، أو الإدماجية القهرية، أو التمييزية على قاعدة اللا تساوي في المواطنة، وهكذا تغدو الهوية الخصوصية للأقلية المستهدفة محل تهديد في نظر المنضوين تحت لوائها، وبالتالي يصبح التميّزُ دافعاً لتبني خيارات إجبارية متمثلة في التقوقع على الذات المتميزة، و شعور عميق بعدم الانتماء للهوية الوطنية المشتركة، واللجوء إلى التعصبات الما قبل وطنية، والتي تشكل في لا وعي هذه الأقليات الملجأَ من الذوبان وتلاشي خصوصيتها، وهذه هي بالضبط مقدمات التشظي والتمزق في النسيج الوطني، ولكنها ليست أخر المطاف الدامي ولا شك.
ولا يفوتنا في هذا المقام الإشارة إلى خطورة الدور السلبي الذي تلعبه التدخلات الخارجية في الشؤون الوطنية على صعيد إثارة قضايا وحقوق المجموعات الإثنية من الأقليات، فالغزو الصليبي لمنطقتنا جاء على خلفية الإدعاء بحماية حقوق المسيحيين من الاضطهاد الإسلامي، ومثله فعل الاستعمار الأوروبي الذي عمل ما باستطاعته على تكريس فصل الأقليات عن محيطها العام وإظهار تمايزها عن مجتمعها الوطني، وممارسات الفرنسيين في سوريا إبان استعمارهم لها تؤكد مدى أهمية عامل التنوع وخطورته على النسيج الوطني عند يراد له أن يصبح محرضاً على بروز العصبيات وتوتير بؤر الصراع المحتملة من خلاله.
إلا أن طبيعة التعامل التي تنتهجه الأنظمة الحاكمة مع الأقليات على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تظل هي الحاسمة في مسألة بناء نسيج وطني متماسك ومستقر، وليكون الاندماج ممكناً وفعالاً بين جميع المجموعات البشرية المتمايزة التي يتكون منها جسد الوطن، ينبغي على السلطات السياسية تحقيق جملة من الاشتراطات التي تكرس قيم العيش المشترك على قاعدة الاعتراف بالتنوع، والتسامح، وضمان حق الآخر في الاختلاف، واحترام حقوق الإنسان، للوصول إلى مجتمع الاندماج والانصهار الوطني، وهذه الاشتراطات لا غنى عنها من أجل أن لا يتحول وجود الأقليات في النسيج الوطني إلى مشكلة ونقمة، في الوقت الذي يجب النظر فيه إلى هذا التنوع على أنه مشهد حضاري يعكس انسجامُ مكوناته المختلفة رقيَّ أبناء الوطن وسمو أخلاقهم وغنى تجربتهم الحضارية.
في سوريا تبدو اللوحة المجتمعية معقدة بسبب تنوع مكوناتها من المجموعات البشرية، فهي مكونة من تنوع أقوامي وديني وطائفي كبير، ولم يكن التنوع الديني أو الطائفي في أي مرحلة من مراحل تاريخ سوريا سبباً في ظهور احتراب بين هذه الجماعات إلى أن تمكن النظام الأمني الشمولي من تفتيت هذا البنيان المتلاحم بلعبه لعبة الاصطفافات المخزية، وتلوين نفسه بلون طائفة واحدة على حساب البقية الباقية المضطهدة، مع التأكيد أن الطائفة التي سعى النظام للاحتماء بها، مدعياً أحقيته في تمثيل مصالحها ما تزال في غالبيتها تعاني الفقر والتهميش مثل غيرها من الطوائف، وما يميزها عن غيرها من الطوائف ميزتان اثنتان، أولاهما قلة من أعوان النظام المنعمين، ثروة وسلطة، وثانيهما محاولة استخدامها من قبل النظام كدرع واقٍ وأداة تعبوية، ويمكن القول أن تمترس النظام خلف سور الطائفة، وتجييشه الدائم للتشكيلات المجتمعية ضد بعضها بعضاً أحد أهم أسباب الاحتقان الطائفي والإثني في سوريا.
أما فيما يتعلق بالتعددية القومية، فإن القوميات في سوريا تتوزع على قوميات أصيلة وأخرى وافدة، القوميات الأرمنية والشركسية والتركمانية هي قوميات الأقليات الوافدة إلى سوريا على خلفيات كثيرة لا مجال للبحث فيها في هذا المقام، بينما تشكل القوميات العربية ـ وهي الأكثرية ـ إلى جانب الأقليات الآشورية والكردية قوميات أصيلة، عاش أفرادها عبر التاريخ على أرض سوريا، أثروا وتأثروا بكل ما من شأنه أن يسمى تاريخ سوريا القديم والحديث، هذا التفاعل القائم على التسامح والمشاركة عكس صورة نموذج راقٍ للشخصية الوطنية السورية، مما يمثل من الناحية الأنتربولوجية غنى حضارياً ينطوي على ثراء ثقافي وأخلاقي ينظر إليه باهتمام عند دراسة مدى انسجام العناصر البشرية المكونة والمساهمة في حضارة ما من الحضارات الإنسانية، وهذا الانسجام لم يتعرض للخلخلة إلا على يد النظام الذي ابتلع الدولة واختصرها وحولها منذ أربعين عاماً إلى أجهزة تتقن تماماً لعبة العزل والتهميش وضرب اللحمة الوطنية والاندماج الطبيعي، بإقامة شكل فارغ من الوحدة الوطنية القائمة على الحلول الأمنية القامعة لكل خصوصية، سواء كانت خصوصية الأكثرية أم خصوصيات الأقليات.
ولما كانت الأقليات أكثر حساسية تجاه المس بخصوصياتها، فقد أصبحت أكثر تشبثاً بانتماءاتها العميقة، مما كرس نمو الأطر والعصبيات ما قبل الوطنية الأكثر تخلفاً كردود فعل دفاعية وتكيفية بهدف حماية التميزات واستيعاب الجماعات البشرية وخصوصياتها الذاتية، خوفاً من تعرض خصوصياتها وهوياتها المقموعة إلى مزيد من القمع والإلغاء.
وبهذا صار السلم الأهلي والاجتماعي والوطني أكثر عرضة للاهتزاز من أي وقت مضى، وصار احتمال قيام صراع إثني أو طائفي أو قومي يلوح في أفق الوطن الغارق في الأزمات حتى شحمتي أذنيه، وظهرت بوادر أو بروفات هذا الصراع في أكثر من مكان في الوطن.
وما من خط دفاعي يعزز مفهوم الوحدة الوطنية ويكرس انتماءً حقيقياً للوطن مثل المواطنة الحقيقية القائمة على الاختيار الديمقراطي الحر بعيداً عن ممارسات الدمج اللا طوعي والتذويب القسري، ومن أجل تجسيد المواطنة في الواقع، على القانون أن يعامل ويعزز معاملة كل الذين يعتبرون بحكم الواقع أعضاء في المجتمع، على قدم المساواة بصرف النظر عن انتمائهم القومي أو طبقتهم أو جنسيتهم أو عرقهم أو ثقافتهم أو أي وجه من أوجه التنوع بين الأفراد والجماعات. وعلى القانون أن يحمي وأن يعزز كرامة واستقلال واحترام الأفراد، وأن يقدم الضمانات القانونية لمنع أي تعديات على الحقوق المدنية والسياسية، وعليه أيضاً ضمان قيام الشروط الاجتماعية والاقتصادية لتحقيق الإنصاف، كما أن على القانون أن يمكن الأفراد من أن يشاركوا بفعالية في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم، وأن يمكنهم من المشاركة الفعالة في عمليات اتخاذ القرارات السياسية في المجتمعات التي ينتسبون إليها.(2)
إن الاعتراف بخصوصية الأقليات في ضوء المشترك الوطني هو السبيل ليأخذ شعار "الوطن أولاً" سبيله إلى التطبيق العملي، وهذا لا يكون إلا بوضع الأوليات التالية في صلب برنامج إنقاذي للوطن، تأخذه المعارضة الوطنية على عاتقها:
1ـ اعتبار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرجعية قانونية لحقوق الأقليات في ممارسة شعائرها الدينية والتعبير عن خصوصياتها الثقافية واللغوية، نظراً لكون هذا الإعلان أهم وأكمل وثيقة متفق عليها ترعى حقوق البشر وتساهم في منع تركيز العصبيات.
2ـ اعتبار المواطنة ـ كمنظومة متكاملة من الحقوق والواجبات ـ معياراً لتمتع المواطن بحق المشاركة في مختلف قضايا وطنه، بما يهيئ لشراكة وطنية سياسياً واقتصادياً بين جميع مكونات المجتمع يسهم الجميع عبرها في بناء الوطن والانتفاع بخيراته المادية والمعنوية على قدم المساواة.
3ـ بناء حياة سياسية قائمة على الديمقراطية والعدالة، يكون جوهرها التركيز على مبدأ المساواة والتكافؤ بين جميع أفراد الوطن على اختلاف التشكيلات المجتمعية المنتمين إليها في الحقوق الدينية والسياسية والثقافية وفي الفرص الوظيفية والإدارية والسياسية و تكريس قيم التسامح و نبذ كل أشكال التمييز والإقصاء والإلغاء.
إن النزعات الشوفينية و التعصبات الدينية أو المذهبية أو القومية، لا تبني أوطاناً، وقد أثبتت عقم طروحاتها، ومدى تهديدها لطموحات البشر في العيش بسلام وأمن وطمأنينة، ومادامت الأقليات تنعم بحقوق متساوية مع حقوق الأكثرية، فإنها ولاشك وبسبب خصوصياتها الثقافية ستمارس دوراً هاماً في إضفاء المزيد من الألوان الحضارية على مكونات النسيج الوطني.
وختاماً نرى من المفيد التذكير بأن أهل هذه المنطقة على اختلاف مكونات تركيبتها البشرية، دينياً وثقافياً وعرقياً، وقفوا مرات عديدة متوحدين أمام الأطماع والهجمات الخارجية، الصليبية والمغولية ..... الخ، وعليهم في هذا الظرف الذي ينطوي على خطرين بآن واحد، خطر خارجي وآخر داخلي يمثله النظام المستبد، أن يتجهوا إلى المشترك الوطني، باعتباره المنقذ الوحيد.
هكذا كانت سوريا عبر التاريخ، والآن وبعد أن بدأت يد القمع تمتد لتعبث بالمحرمات، لا بد من وقوف أبنائها جميعاً لرد الأذى عنها، نعم الوطن في خطر، وآن للجميع ـ أكثرية وأقليات ـ أن يعوا أنهم مستهدفون.

************
هوامش:
(1) د . سعد الدين إبراهيم، تأملات في مسألة الأقليات، ص 23، دار سعاد الصباح، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، القاهرة 1992.
(2) الدكتور علي الكواري: مفهوم المواطنة في الدولة الديمقراطية، دراسة منشورة في مجلة المستقبل العربي، العدد 264/ 2001 مركز دراسات الوحدة العربية.

المشروع القومي ـ الإسلامي وإعادة إنتاج الهزائم
مفيد ديوب 24/11/2005

بعد هزيمة المشروع الليبرالي في منتصف القرن المنصرم تحت مطرقة هزيمة «النكبة» عام 1948 وإعلان دولة إسرائيل من جهة، وضعف بنية ذلك المشروع أمام حل مشكلة الأرض وتناقض الفلاحين مع كبار الملاك في الأرياف الواسعة من جهة ثانية. وبعد استلام الأحزاب حملة المشروع القومي العربي السلطة في عدة بلدان عربية وحصول عدة هزائم وطنية على أيديهم وهدر الثروات الوطنية وإضاعة العقود الكثيرة من الزمن والفرص الكثيرة، والفشل في إحداث التنمية على أي صعيد، وإنتاج دول شمولية قمعية أحكمت قبضتها على المجتمعات والاقتصاد والسياسة والثقافة. محولة جسد تلك المجتمعات إلى أشلاء ممزقة.
وبعد هزيمة المشروع الشيوعي واليساري عموماً ـ الذي لم يجرب في السلطة ـ بعد انهيار منظومة المعسكر الاشتراكي، بقيت من المشاريع التي لم تجرب ولم تخسر شيئاً من إمكانياتها ولم تحرق أوراقها مشروع الإسلام السياسي، والذي نشهد اليوم تنامي موجته كرد فعل على الهجوم العنيف من قبل الإدارات الرأسمالية في الغرب وخاصة الأمريكية على شعوبنا حروباً تدميرية، بصفة أن المشروع الإسلامي قد ساهم بالدفاع القوي عن الهوية العربية كما كان قد تم تعريفه في التاريخ المكتوب حديثاً. تعود اليوم فلول المشروع القومي مع ممثلي التيارات الإسلامية لدفع بلد عربي آخر إلى معركة خاسرة وعلى ذات الأسس التي اشتغلت عليها هي ذاتها مع النظام العراقي في الحرب الأخيرة.
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه بقوة:
لماذا يكرر القوميون والإسلاميون العرب تشجيعهم ودعمهم للنظام السوري ـ بعد دعمهم لنظام صدام حسين ـ على مواجهة إرادة دول مجلس الأمن المتمثلة بالقرار /1636/ علماً أن دعمهم وسلوك نظام صدام حسين في الصمود والتصدي أودى إلى كارثة مرعبة؟!
لا يجد المرء أي قاعدة عقلية لتفسير سلوك وذهنية القوميين والإسلاميين في تكرار انتهاج ذات الأسس التي تفضي إلى الهزائم.. سوى أن تلك القوى تخدع البسطاء من الناس والجهلة من الأنظمة وتجرهم إلى مواقف لا يحسدون عليها من أجل الحفاظ على بعض المواقع التي وصلوا إليها، أو أنهم هم ما زالوا مخدوعين بأضاليل المشروع القومي أو الإسلامي الذي تنطح للمهمات الصعبة بأدوات فكرية ومعرفية صدئة، أنتجت هزائم متكررة ولم تتمكن هذه الهزائم بالرغم من هولها من خدش تلك العقول وإحداث تساؤلات وبلبلة فيها، ترغمها على إعادة قراءة تلك المفاهيم وتفكيكها وكشف عيوبها ونقائصها.
لقد كان الدرس العراقي فاقعاً إلى درجة تفقأ العقول والعيون مؤكداً حقائق كثيرة أهمها:
ـ أن الأنظمة الديكتاتورية المعادية لشعوبها والتي نخرها الفساد وتضخّمت ثرواتها الفاحشة على حساب مستقبل الأوطان ومن جسدها، ليست معنية بالدفاع عن مصالح الوطن أو حريصة على سلامته ومستقبله مهما تبرقعت بالشعارات البراقة.
ـ إن جميع المشاريع مهما اختلفت مشاربها الفكرية أو الأيديولوجية أو الفلسفية التي لا تحترم الإنسان ولا تعيره الاهتمام الذي يستحقه هي مشاريع مهزومة وهي مشاريع انتهازية ولا أخلاقية بامتياز وهي مشاريع هدم وتخريب ولن تكون يوماً مشاريع بناء أو نصر أو تحرير.
ـ إن الأنظمة الديكتاتورية عندما تغرق في أزماتها لن تنقذها شعوبها ولن تصطف وراءها في الأزمات. كما أن تلك الأنظمة التي حرمت شعوبها من حقها في الحرية وفي الحياة الكريمة وأغلقت أمامها جميع الأبواب والآفاق قد دفعتها إلى حالة الشلل والسلبية وعدم القدرة على مقاومة أو ممانعة أي عدوان على أوطانها.
ـ إن الاستبداد والقمع العنيف الشامل لكامل جوانب المجتمع وجوانب حياة الإنسان وإغلاق جميع الآفاق وانعدام أية إمكانية لفكفكته أو تحلل هذا القمع أوصل البشر إلى الخطوط الحمر التي كان ممنوعاً الوصول إليها، وحتى مقاربتها في الذهن. وهي المفاضلة بين حالة الاستبداد الراسخة التي يصعب كسرها من الداخل وبين الخارج المعتدي القادر على كسرها وبالوقت ذاته فتح الآفاق على المجهول الذي يحتمل مخاطر لا حصر لها. فبالرغم من عدائية شعوبنا تجاه الإدارة الأمريكية المقابلة لعدائية تلك الإدارة لمصالح ومستقبل شعوبنا، رفض الشعب العراقي مقاومة الغازي المحتل ووقف على الحياد وأخذ موقف المتفرج الدامي العينين منتظراً نهاية المعركة بين نظام الاستبداد وبين الغزاة أملاً بالخلاص من طغاته أولاً والانتقال لتشكيل قواه المقاومة لتحرير الوطن من الغزاة وبناء عراقه الجديد.
لقد راهن القوميون والإسلاميون على صمود النظام العراقي وعلى قدرته العسكرية وصواريخه التي أهدر الثروة الوطنية على مدى عقود من أجل إنشائها، وراهنوا على ملايينه السبعة «التحت السلاح» وجيشه العرمرم وعلى اصطفاف شعبه معه في المقاومة وصد الغزاة. وتبين خسارة جميع رهاناتهم، خسارة فاجعة وهزيمة مروعة ونجم عنها ضحايا هائلة.. وبالرغم من كل ذلك يكرر أنصار المشروعين السابقين مراهناتهم ذاتها على نظامٍ آخر مشابه، دون أدنى مراجعة لتلك المرتكزات الفكرية والسياسية التي اعتمدوها في الهزيمة الأولى، ودون أدنى إفادة من كل تلك النتائج والدروس الفاقعة، ودون أن يلحظوا أن مشاريعهم مهزومة دوما طالما هي مستمرة في النظر إلى الإنسان ومكانته وحرياته وحقوقه بذات النظرة، أي في المقام المتدني ذاته الذي أسسوا عليه. لذا يتراكض زعماء ورموز المؤتمر القومي العربي ورموز المشروع الإسلامي لتأييد النظام السوري ودعمه دون أن يشترطوا ضرورة توجه النظام إلى شعبه وتلبية نداءاته المتعددة المطالبة أن يأخذ زمام المبادرة ويبادر إلى مصالحة شعبه وإجراء الإصلاح السياسي وإطلاق الحريات وإعادة الحقوق المصادرة منذ بداية عهده في الحكم، والاحتماء بالشعب الذي أعلن استعداده لحمايته وحماية الوطن. إن سلوك القوميين والإسلاميين الداعم للنظام السوري هذا قد زاد من دفع النظام على المضي في عناده وجر البلاد إلى مواجهة المجتمع الدولي وبذات الوقت يستمر في تضييقه على الحريات ومنع اجتماعات القوى الوطنية الديمقراطية السورية وحراكها في مواجهة الأزمة الوطنية.. لقد باتوا أشبه بالنعامة التي تدفن رأسها المثقل بالأوهام بالرمل وتمهد الطريق للأعداء للدخول والاحتلال.

مواقف حزب العمل، هل هي بهلوانية سياسية أم ماذا.؟

يقف مشروع إعادة إحياء "حزب العمل" ومنذ البداية أمام مسألتين أساسيتين : الأولى تصور لبناء حزب يفترض أنه "من طراز جديد" والثانية السعي نحو تشكيل حركة يسارية وطنية ديمقراطية علمانية في سوريا... ونفهم السياق الفعلي لحركة حاملي هذا المشروع في هذين المستويين وإن بدت الحدود بينهما ملتبسة أحياناً .
وما يهمنا هنا بالتحديد ذاك الجهد الهام الذي بُذل على صعيد إطلاق الحوار الجدي مع جميع مكونات الطيف اليساري في سوريا في سياق بناء حركة اليسار تلك .
ومؤخراَ أتحفنا الحزب بموقفين متتاليين يحتاج الجمع بينهما إلى بهلوانية سياسية : أولهما ما صدر عن المكتب السياسي من تصور لمشروع إنقاذي للوطن . وثانيهما " الموافقة مع التحفظ " ودون ذكر لهذا التحفّظ!! على إعلان دمشق ..
في الأول نغمض عيناً لنرى فقط الخطر الأمريكي ونستطرد في أجواء من رعب الحرب الطائفية لنجد أنفسنا في أحضان النظام .(محاولة "فرانكشتاينية" لنفخ الروح في جثة متعفنة ).
ثم نغمض العين الأخرى لنرى شرور النظام فنرضى "بديمقراطية طوائف" ونرضى بالليبرالية الجديدة ونضحي بالموقف الوطني والقومي ...
والحزب هنا "كغيره" يختصر دوره بالاختيار بين ثنائيات :"النظام أم الإمبريالية الأمريكية " , "ديمقراطية الطوائف أم الديكتاتورية " ..إلخ. وهو بالضبط ماتختصره مقولة " المهمة المركزية " فهي مرةً "ديمقراطية " ومرةً "وطنية " ..
إن وجود حركة لليسار الوطني الديمقراطي لايكون إلا بالتضاد مع النظام الإستبدادي الشمولي من جهة ومع الإمبريالية المعولمة من جهة ثانية .وهذا هو الآن معنى اليسار وموقعه .وبالتالي فان ما يميزه لابد أنه :
النضال ضد الإمبريالية المعولمة ومشاريعها في المنطقة ....وتأكيد البعد الأممي والقومي لهذا النضال . وضد الإستبداد من أجل ديمقراطية علمانية ....
وضد نهب وإفقار الطبقات الشعبية (أي ضد الفساد ونهب القطاع العام وأيضاً الخصخصة والوصفات الاقتصادية الليبرالية ) وذلك من أجل إبداع أو اتباع بدائل اقتصادية من شأنها النهوض باقتصاد الوطن وتوزيع عادل للثروة ...
وفي الشروط الراهنة لا معنى ليسارية "اليسار" ما لم يحمل تلك المهام كحزمة واحدة لاتتجزأ ...
ومنذ أعوام تسابقت الأحزاب التي سُميت "اشتراكية " نحو الليبرالية مؤدلجةً كالعادة بفهم طفولي يعيدنا إلى أوروبا قبل قرنين وكأن البضاعة المعروضة هي بضاعة "روسّو" وليس "وولفوويتز" ..ومن أجل الديمقراطية وفقط الديمقراطية قبلت تلك الأحزاب بالليبرالية الجديدة ومن دون خوض أية معارك تتابع التهافت مع "الإعلان " سييء الذكر فضُحِّي بالعلمانية وبالوطنية وبالقومية وبمصالح الطبقات الشعبية على مذبح "ديمقراطية الطوائف" ..وإذا كان هناك من حسنة لهذا الإعلان فهي أنه قد يشكل فرصة لتمايز القوى المعارضة وبالإخص "اليسارية " منها، لا لتجميعها كيفما اتفق كما خُيّل للبعض ،فهل سيخسر الحزب بموافقتة "الانتهازية " تلك كل ذلك الجهد المبذول لتجميع اليسار .وماذا يبقى من يسار إن تخلّى عن موقفه من الإمبريالية ..ماذا يبقى منه إن ضحى بالموقع الإجتماعي الذي يمثله ..وماذا يبقى منه إن ضحى بالعلمانية ...
وإذا كان الجذر العميق للديكتاتورية ولتخلّف المعارضة معاً هو تخلف البنى الإجتماعية الإقتصادية لمجتمعنا..فإن الخطاب "الديمقراطوي" لبعض "اليسار" يختزل نضاله إلى انتزاع الحريات السياسية وبالأخص منها قوننة وعلنية العمل الحزبي والذي يبدو وكأنه "مفتاح الفرج" . علماً أن تلك الحريات قد تمثل الخطوة المفتاحية لكسر الشمولية في عمق المجتمع لكنها بالتأكيد لا تكافئه .وما نلاحظه :
- إن تجربة الأعوام الخمسة الماضية تشير إلى تفتت البنى الحزبية التقليدية عبر "انشقاقات" صريحة أو مضمرة , لابل إن أحزاباً حديثة العهد لم تسلم من ذلك . ومن المؤكد فإن الأحزاب سرية البنى هي من سيعاني من التصدع أكثر من غيرها , وبالأخص مع ظهورها المقونن إلى العلن .
- ويشير واقع حال الأحزاب في بلدان كالأردن والجزائر إلى مسار تشرذمي مشابه بعد قوننة العمل الحزبي ..
- تظهر تجارب وبعض انتصارات اليسار في العالم ,صيغاً وإبداعات جديدة ومتنوعة : "من طراز جديد"..بل يبدو أن ثمة مخاضاً حقيقياً لولادة "يسار جديد" في العالم يتجذر ويتمايز باطراد.
- إن "القوى المعادية ثقافياً للعولمة " كاليمين الإسلامي أوالقومي تتبنى فعلياً السياسات الليبرالية الجديدة وهذا ما يجعلها مقبولة أحيانا من المؤسسات والحكومات القائدة للعولمة فيما تبقى الأحزاب "المزركشة" (الإشتراكية سابقاً ,الليبرالية لاحقا) غير مقبولة (لاحظ مثلا ماجرى مع أحزاب شعبوية "كالمؤتمر"الهندي و"الثوري المؤسسي" المكسيكي وإنشقاقات وهزائم غالبية أحزاب الإشتراكية الدولية الأوروبية ، ولا أعتقد أن هناك نيوليبراليا ويدّعي أنه "يساري" إلاّ عندنا مع العلم أن " شهادة نيوليبرالي أصيل " لن تمنح في بلد كسوريا إلاّ للكومبرادور ).
إن الملاحظات السابقة تشير باختصار إلى ملامح مرحلة انتقالية لبناء" اليسار الجديد " و بالطبع فالحديث هنا عن "حركة يسار" تمثل طيفاً ائتلافياً واسعاً من القوى والمجموعات المتميزة أساساً بالدفاع عن مصالح الطبقات الشعبية .
وإذا كانت المرحلة تتميز عالمياً بهجوم إمبريالي عنيف على شعوب العالم أي بانتفال الإمبريالية الى طور العولمة النيوليبرالية والذي يعني محلياً الإنتقال من النموذج الإستبدادي السابق إلى نموذج الدولة الهزيلة شبه المستقرة أو إلى نموذج "ديمقراطية الطوائف " ...فإن اليسار المحصور في مواقع دفاعية لايتجاوزحتى الآن حال رد الفعل وهذا ما يظهر من خلال نقديته وتجريبيته،هذا من جهة ..ومن جهة أخرى فإن الأثر المدمر لعقود الإستبداد على " قوى اليسار " قد ثقّل الحاجة موضوعياً للديمقراطية ،أياً تكن .. ومن جهة ثالثة فإن بروز المكونات ماقبل الوطنية بفعل إلغاء الحياة السياسية على مرّ عقود وتصارع السلفية الجهادية مع الأمريكان قد ثقّل اليمين وفرض إنزياحاً بإتجاهه فتعلّق " يساريون " بأطراف " الإسلام المتنور".. كل ذلك لاشك يضاف الى معيقات بناء هذا اليسار لكن يؤكد بنفس الآن الضرورة الملحة لقيام حركة عريضة لليسار الوطني الديمقراطي في سوريا وتمايزها في هذا الوقت بالذات بوطنيتها وبديمقراطيتها وبعلمانيتها وبدفاعها عن مصالح الطبقات الشعبية .
مجموعة يسارية

ملف حول إعلان دمشق
إعلان دمشق لا يوفّر الأساس لتغيير وطني ديمقراطي
إسماعيل محفوض
إصلاح سياسي أم تغيير وطني ديمقراطي يطابق الواقع الراهن والمتطلبات المستقبلية ؟ نقد الإعلان واتخاذ موقف منه يرتكز على هذا التمييز .
مع أن الإعلان يختار التغيير الوطني الديمقراطي ويقدّمه عَلَماً فإن ما انطوى عليه في الديباجة وأسس التوافق وأشكال تنظيم المشاركة والخاتمة ينطق بالإصلاح السياسي فقط . وهنا تبرز جوانب علل وتقصيرات الإعلان، لأن سورية تحتاج إلى التغيير الوطني الديمقراطي بالفعل لا بالاسم ، بالمضمون لا بالشكل والمظاهر الخارجية .
1ً- إن الإعلان اقتصر على الانطلاق من احتكار السلطة ، وتأسيسه نظاماً تسلطياً شمولياً فئوياً ، وعلى إرجاع جميع الأزمات والانهيارات والتهتكات والتدميرات والمخاطر إلى هذا النظام . فلمْ يقرأ النظام ضمن إطاره التاريخي ومنظوراته القومية والاجتماعية وبناه وصيرورته ، وأغفل دور العامل الخارجي ، ودور المتغيرات العالمية والعربية ، ودور البنى المجتمعية – الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية . كما أغفل دور قصور وعي وممارسات القوى السياسية التي هي الآن في موقع المعارضة والمطالبة بتغيير النظام . علماً بأن بعضها عارض النظام منذ 1963 حتى 1970 ، مع أنه مثل النظام يفكر ويعمل من خلال إيديولوجية تتسم بالشمولية والتسلطية والفئوية . وأن بعضها الآخر أيّد ودعّم النظام وكان له وزراء طيـــلة أعوام (1963-1970) ، والجميع ، باستثناء حزب واحد وثلاث شخصيات أو أربع ، تحالفوا مع النظام في جبهة سمّيت (الجبهة الوطنية التقدمية) منذ (1970 حتى 1975) وبعضهم الثالث استفاد من النظام وشكّل ثروة ووجاهة سياسية وشعبية وكان جزءاً من النظام حتى عام 2001 . أما بعضها الرابع فقد واجه النظام بالسلاح مرتين تحت رايات دينية وطائفية ، ونشر وعمّق في المجتمع والدولة العصبيات والانشراخات الدينية والطائفية ، وكان عاملاً من عوامل تقوية طائفية النظام وبيروقراطيته وأمنيته وشخصانيته .
إن من يطرح التغيير الوطني الديمقراطي عليه أن يقرأ جميع المعطيات ، وأن يمارس النقد الذاتي والمراجعة الشاملة والتحول فكرياً وإيديولوجياً ، وليس فقط سياسياً وبالشعارات ، إلى الوطنية الديمقراطية . بل وأن يحدد مفهوم التغيير الوطني الديمقراطي . إذ بدون هذا لا تحصل المعرفة الحقيقية ولا تحصل المصداقية بل ويكرر الدوران في دائرة الذاتوية والانتقائية والايديولوجانية والاستبداد والتأخر ، وإن على أحصنة مختلفة الأسماء : بعثية ، ناصرية ، شيوعية ، إسلامية ، ليبرالية .
2ً- معلوم أن الديمقراطية تنطلق من الأفراد لا من الجماعات . وأن العقد الاجتماعي الذي يؤسس الدولة الديمقراطية هو عقد بين أفراد وليس عقداً بين جماعات . بل وإن المجتمع الذي تبنيه الديمقراطية والذي يبني الديمقراطية هو جمع وجداء أفراد وليس جمع وجداء جماعات . فكيف إجاز الإعلان تأكيد الجماعات إلى جانب الأفراد ، أيّاً كانت انتماءاتها الدينية والمذهبية والفكرية والاجتماعية ، وحتى أنه لم يميّز بين هذه الأشكال من الانتماء وشكل الانتماء القومي؟
الحقيقة أن التأكيد على الجماعات مع الأفراد لا ينتج إلا نمطاً تلفيقياً – ازدواجياً من الديمقراطية ، حسب الصيغة اللبنانية أو الصيغة التي يخطط لإنتاجها في العراق . أي الصيغة التي تحمل في أحشائها نقيض الديمقراطية ونقضها ، بل ونقض الوطنية ، والانفتاح الدائم على حروب وصراع الجماعات . ممّا يفضي إلى أن سورية ستتراجع عمّا ارتقت إليه منذ خمسة وخمسين عاماً ، بل وإلى أن نقد فئوية النظام لا يبغي تجاوز الفئوية وإنما إحلال هيمنة فئة محل أخرى ، وتكريس الفئوية دستورياً وسياسياً واجتماعياً . وبالتالي ترسيخ الأرضية للصراعات والحروب الفئوية .
3ً- في الديمقراطية لا يُقحم الدين في السياسة ، والأحزاب التي لها سمة دينية ويُسمح لها بالنشاط السياسي هي أحزاب علمانية (بمعنى فصل الدين عن الدولة) من جهة . ومن جهة ثانية هي أحزاب أعادت فكرياً وإيديولوجياً قراءة الدين ليتحدد بالاختيار الشخصي والتسامي الروحي والأخلاقي ، وليُقيم الإخاء والمحبة والسلام بين جميع البشر على اختلاف انتماءاتهم دون أي تمييز. فكيف أجاز الإعلان إقحام الدين بالسياسة دون تأكيد العلمانية والتحدد بالاختيار الشخصي والتسامي الروحي والأخلاقي؟.
إن البند الخامس عشر من أسس التوافقات ضَمِن "حق العمل السياسي لجميع مكوّنات الشعب السوري على اختلاف الانتماءات الدينية والقومية والاجتماعية" دون أي ّ قيد أو شرط يصون وحدة المجتمع ويحول دون التمييز بين أفراده . وبآن واحد يصون حرية الفرد في الرأي والاعتقاد . أضف إلى أن البند الثالث ليس مجرد بند ثقافي ، كما يتراءى للوهلة الأولى ، إنما له قيمة سياسية ومدلول سياسي، بل ويمكن توظيفه سياسياً؛ فهو أولاً ورد في إعلان سياسي ، وبالتالي اكتسب فاعلية سياسية ودوراً سياسياً ، وهو ثانياً يطابق المنحى الفكري السياسي لجماعة الإخوان المسلمين ، الذين مازالوا حتى الآن – رغم تطورهم عدة خطوات ديمقراطياً ووطنياً وقومياً – لا يقرون فصل الدين عن الدولة ، ولم يجرأوا على مراجعة ونقد الإيديولوجيات الإسلامية – السلفية والتقليدية ليتحدد الدين بالاختيار الخصي والتسامي الأخلاقي والروحي . مع أن الدين الإسلامي لا يقل عن الدين المسيحي أو أي دين عالمي آخر سمواً روحياً وأخلاقياً والتزاماً بالحرية الداخلية للفرد ، ولا تقل مجتمعاتنا العربية والإسلامية عن المجتمعات الغربية حاجةً إلى التدامج المجتمعي والتلاحم الوطني والقومي. ثم إنهم مازالوا يمارسون توظيف الدين لأغراض سياسية واجتماعية . بل لم يجرأوا حتى الآن على انتقاد ممارساتهم السابقة التكفيرية والتمييزية وحتى الدموية .
نعم في الأسس بنود عدّة تؤكد الديمقراطية والحفاظ على وحدة الوطن والشعب ، وتجعل المواطنة معيار الانتماء إلاّ أن تغييب ربطها بالعلمانية ، وحتى تغييب أي ذكر للعلمانية ، وبآن واحد تأكيد ما لا ينسجم مع العلمانية ، أوجد التباساً بل وأوجد تناقضاً. ومن ثم غدا الإعلان مكاناً لجمع التناقضات . الأمر الذي يتنافى مع جدّية طرح التغيير الوطني الديمقراطي.
4ً- أين المرأة ؟ لا وجود للمرأة في الإعلان . فهل تستقيم الديمقراطية بدون تأكيد المساواة بين الرجل والمرأة ؟! . حقاً إنّ منطوق الديمقراطية وتأكيد مبدأ المواطنة ، والالتزام بشرعة حقوق الإنسان تتضمن اللاتمييز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات . غير أنه في مجتمعنا الذي مايزال ذكورياً في مفاهيمه وأيديولوجياته لا يُضمَّن في الديمقراطية التساوي في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة ، إنما يُقام التهرّب والتحايل بذرائع كثيرة بيولوجية ودينية وأخلاقية واجتماعية . وفي لحظتنا الراهنة حيث يطغى الفكر التقليدي فإن المرأة تُقسر لتعود إلى عهود مجتمع الحريم . بالتالي كان ضرورياً التشديد على حضور المرأة في الإعلان كمساوية للرجل . علماً بأن الوصول إلى هذه المساواة يستحيل تحقيقه راهنياً ، ويتطلب مراكمة تحولات ثقافية واجتماعية كثيرة . بل ويتطلب مواجهات سياسية وإيديولوجية عديدة . إذاً تأكيد المساواة لا يحمل واقعياً أية إمكانية للتحقيق ، وجل ما يمكنه هو إبراز الدلالة والاتجاه وفتح الطريق والصراع للتحقيق خطوة خطوة ليس إلاّ .
من هنا فإن تغييب دور المرأة يقلل كثيراً من مصداقية وعي الإعلان لقضايا تحرر مجتمعنا ومن مصداقية سلوكه طريق التغيير الوطني الديمقراطي .
5ً- أين الدور السياسي للجيش ؟ هل يمكن إعادة الجيش إلى الثكنات وحراسة الحدود ، وهو الذي أقام الانقلابات العسكرية واحتلّ واجهة القيادة السياسية في كل تاريخ سورية الحديث ، باستثناء فترات قليلة متقطعة ؟ من الصعب ، وخاصة أنّ القوى السياسية المدنية ما تزال ضعيفة ، وأن الشعب لم يرتق فكرياً وعملياً إلى مستوى إمكانية النهوض ضد أي منتزِع للشرعية الديمقراطية ، وأن التدخلات السياسية الأجنبية تدقّ الأبواب .
التفكير الواقعي الممكن يقود إلى ضرورة إشراك الجيش في العملية السياسية – الديمقراطية . كيف ؟ هذا يُطرح للتفكير والبحث . لذا فإن إغفال الإعلان دور الجيش السياسي يقود إلى الاستنتاج أنه لم يتفكر عميقاًً في رصد الواقع وإيجاد الحلول . بل إنه مأخوذ بصورة سطحية ميكانيكية – بالتجربة الغربية ، دون اعتبار خصوصية الواقع والتاريخ .
6ً- أما كان ضرورياً التأشير إلى النظام الاقتصادي – الرأسمالي الموجّه، الذي يطابق النظام السياسي – الوطني الديمقراطي ، والذي يلبي متطلبات التنمية ، ويحد من سلبيات العولمة ونهجها الليبرالي الجديد ؟ إن القول بـ "إفساح المجال أمام الفعاليات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للتعبير عن رؤاها ومصالحها وتطلعاتها وتمكينها من المشاركة بحرية في عملية التغيير " لا يكفي . بل إنه يغرس الشك والبلبلة في جميع طبقات وفئات الشعب ، خاصة وأن الفئة الرأسمالية – النهبية تستطيع -إذا لم تقيّد بضوابط – عبر تحالفها مع الشركات المتعدية الجنسية ، أن تدخل السوق بفعالية كبيرة، وتهيمن على مجمل القطاعات الاقتصادية . وبالتالي لا تجد الرأسمالية الوطنية التي تعمل وفق قوانين السوق مجالاً للاستثمار إلاّ كطرف تابع ومكمّل . وأيضاً لا تجد الطبقات والفئات الشعبية أية حماية.
من هنا حرصاً على دور الرأسمالية الوطنية ومصالح الطبقات والفئات الشعبية ، ودفعها جميعها نحو المشاركة بفعالية في عملية التغيير ، وتأكيداً على ضرورة التنمية وخصوصاً الصناعية والبشرية ، والتقدم نحو التحرر من التبعية كان يتوجب اختيار النظام الاقتصادي – الرأسمالي الموجّه .
7ً- أما كان ضرورياً التأشير إلى الموقف من قوانين الإصلاح الزراعي والتأميم ومختلف المكتسبات الاقتصادية الاجتماعية الأخرى ؟ إن إقرار النظام الاقتصادي الرأسمالي الموجّه ، في وضع كوضعنا لا يقتضي سحب الخصخصة إلى القطاعات والمؤسسات التي صار لها وضع قانوني قديم وترتبط بها مصالح فئات وشرائح اجتماعية واسعة ، إلاّ لخدمة هذه الفئات والشرائح . أي أنه في قطاع الأرض يتوجب تحويل حق انتفاع الفلاحين بالأرض إلى حق ملكية ، بل وتوسيع تمليك الفلاحين لما تبقى من أراضي أملاك الدولة الصالحة للزراعة والقابلة للاستصلاح ، وتوسيع التعاونيات الزراعية الحرّة لتشمل جميع الفلاحين . أما المعامل المؤمّمة فيتوجب تمليكها لعمالها وإدارتها من قبلهم كشركات مساهمة ، وتخضع في إنتاجها وتسويق منتجاتها لآليات اقتصاد السوق من جهة ، ولمتطلبات الدولة في التطوير والتحديث وتشغيل العمال الجدد من جهة أخرى .
بدون هذا وغيره من ضوابط ديمقراطية تخصّ العلاقة بين العاملين وأرباب العمل في الأرض والمعامل فإن التغيير الوطني الديمقراطي يضمر بين طياته منذ البداية التضاد لمصالح هذه الفئات والشرائح . بل وسيبدو حلقة تكميلية جديدة لما مارسته عليهم بيروقراطية الدولة من استغلال واستلاب ، تحت شعار الاشتراكية .
وبالتالي لن تتمكن القوى الطارحة للتغيير من جلب هذه الفئات والشرائح إلى صفّها ، إنما يحتمل اتخاذها الموقف السلبي ، واحتمال تجنيد النظام لها ضد عملية التغيير .
8ً- أين المعقول في أشكال تنظيم المشاركة، إذا كان النظام القائم لا يسمح للمعارضة بأية ممارسة سياسية واجتماعية جادة وعلنية ؟ بل وأقفل جميع منتديات الحوار وآخرها منتدى جمال الأتاسي المتنفس الوحيد للمعارضة ؟ إن الأشكال السبعة الواردة في الصفحة الثانية من الإعلان ، وخاصة الأشكال الثلاثة الأخيرة (المؤتمر الوطني ، انتخاب جمعية تأسيسية ، انتخاب مجلس نيابي ) غير ممكنة بحرية في ظلّ النظام القائم. مما يعني أن تكتل الإعلان يُضمر أشكالاً أخرى من الممارسة تفتح الباب لإمكانية ممارسة هذه الأشكال السبعة، أو أنه يسبح في ضباب الأوهام والضلال والتضليل . في الحالتين لا يتطابق ما يصرّح به الإعلان مع المعقول الممكن . بالتالي لا مصداقية له ، سواءٌ في أشكال الممارسة التي اقترحها أو في اعتباره "إقامة النظام الوطني الديمقراطي المدخل الأساس في مشروع التغيير والإصلاح السياسي " هذا الذي طرحه في البند الأول من أسس التوافقات .
9ً- إن المقابلة بين الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنية الموقعة على الإعلان وبين ما هو موجود في الساحة السورية تكشف أمرين في غاية الأهمية والخطورة :
- الأول : ممارسة الإقصائية لعدد كبير من الأحزاب والتنظيمات والشخصيات الوطنية ، وبالتالي انفتاح الطريق أمام انشقاق وتنابذ المعارضة ، ومن ثم إضعاف المعارضة كميّاً وكيفياً.
وبداهة إن النظام القائم هو المستفيد الأكبر ، إن لم نقل المستفيد الوحيد .
هل للموقعين ملاحظات وانتقادات على المقصيين ؟ إذاً لتُطرح المسألة في إطار المناقشة ، ولتتحدد بعدئذٍ المعايير .
- الثاني : الوقوع بما وقعت به المعارضة العراقية (الحاكمة حالياً) من حيث احتسابها جميع المنتمين اجتماعياً إلى طوائف معينة بمن فيهم المعارضين الوطنيين الديمقراطيين على النظام القائم سابقاً (نظام صدام حسين) أو خارج الفاعلية السياسية ، وبالتالي دفع جميع أبناء المجتمع إلى الاصطفاف طائفياً . وبالتحديد، يعني في سوريا ، دفع المنتمين اجتماعياً إلى الطائفة العلوية وإلى الطوائف المسيحية إمّا إلى الانتظام في أرتال النظام السوري القائم ، أو القعود سياسياً ، أو التفتيش عن مصادر اعتبار وإسناد خارجية .
بتعبير آخر : كان على الموقعين الاستفادة من أخطاء المعارضة العراقية وما جرّته هذه الأخطاء من انشراخات وويلات تصدم عيوننا وآذاننا ، وذلك باحتساب ضرورة الإمساك بجميع الطوائف على أساسٍ وطني ديمقراطي ، من خلال إدخال الشخصيات المعارضة الوطنية الديمقراطية الموجودة فيها ، منذ الخطوة الأولى في عملية مواجهة النظام القائم . فهذا الإمساك يُمكّن من عزل النظام وتجريده من مرتكزاته الاجتماعية ، ويمكّن من التلاحم الوطني الديمقراطي . وبالتالي يُسهّل إقامة النظام الوطني الديمقراطي . بل ويوفّر الأسس الشاملة لتعميق المتّحد الوطني السوري الراهن وتعظيم وحدته وأمنه .
بعيداً عن الاتهام فإنه من المستغرب عدم الالتفات إلى هذين الأمرين ، وعدم إيجاد حلول لهما على ضوء الوطنية الديمقراطية ، مع أن الإعلان يؤكد نبذ المشاريع الإقصائية ، ويشير إلى فئوية النظام ، وتهتيكه النسيج الاجتماعي الوطني السوري ، ويعترف بانقسام المجتمع السوري في جماعات .
هل لعدم الالتفات أسباب تكتيكية أو تحالفية أو استجابية لمزاج الشارع في المدينة ؟ أياً تكن الأسباب فإن اللا التفات خطيئة خطرة بدرجة كبرى ، ويتحمل مسؤوليتها موقعو الإعلان ، على الرغم من أنّ عواقبها ستقع على المجتمع كله .
بالإجمال لا خلاف مع التكتل على طرح بناء النظام الوطني الديمقراطي ، وتأكيد أن عملية التغيير لا تقبل التأجيل . بيد أن هذا ليس إلاّ الخطوة الأولى ، والمطلوب لتتابع الخطوات إعادة النظر ، بل والشروع باعتبار الإعلان مجرد مبادرة ، واعتبار الموقعين لجنة مبادرة لها فضل السبق وحسب .
وإلى حين تدارك النواقص والثغرات لابد من معارضة التكتل واتخاذ الموقف النقدي . قطعاً إن معارضة التكتل واتخاذ الموقف النقدي لا يعنيان ، بأي حال من الأحوال ، وبأي ظرف ، الانزلاق أو الانتقال بالفكر أو بالسلوك إلى الخندق المقابل ( خندق النظام) ، وإنما يعنيان بالضبط التراصف إلى يسار التكتل في خندق واحد.

26/10/2005
مقاربة مقترحة
لإعلان دمشق
للتغيير الوطني الديمقراطي
أولاً: المقدمة ـ قراءة لوضع سورية الداخلي والإقليمي والدولي:
تتعرض سورية اليوم لأخطار محدقة لم تشهدها من قبل وذلك بسبب تفاعل عوامل متعددة أهمها ثلاثة:
1 ـ السياسات التي سلكها النظام داخلياً وخارجياً خلال العقود الأخيرة:
أ ـ فاحتكار السلطة وتأسيس نظام تسلطي شمولي فئوي قائم على الولاءات والمحسوبيات بغض النظر عن الكفاءات أفرغ المجتمع من السياسة وقضى على الاهتمام بالشأن العام عند مختلف شرائح المجتمع، وعبر آلية الفساد والإفساد عمم أخلاق أصحاب القرار وضيق الخناق على القوى السياسية عبر مسلسل الإرهاب الذي فاق حدود التصور وحول الثروات العامة إلى ثروات خاصة وأرصدة في البنوك الأجنبية. وكل هذا بدوره أدى إلى فشل ذريع في مختلف السياسات الداخلية بدءاً من الخدمات العامة (التعليم بمختلف مؤسساته ومراحله من الروضة وحتى الجامعة، قطاع الصحة، الثقافة...) والاقتصاد بمختلف بناه وقطاعاته (الزراعية والصناعية والتجارية وبقطاعاته: العام والخاص والمختلط..)، وانتهاء بالقضاء والجيش والأمن ومختلف مناحي الحياة.
ب ـ سياساته الخارجية كانت مبنية على رؤية المصالح الضيقة والآنية للنظام وتجلى هذا في: تمييع القضايا القومية، دخوله الأول إلى لبنان لإجهاض الانتصارات التي حققها تحالف القوى الوطنية والفلسطينية، محاولة احتواء والسيطرة على الساحة الفلسطينية وتدجينها وفقاً للمصالح الضيقة للنظام، مساندة أميركا في عدوانها الأول على العراق، الرعونة والاستفشار في لبنان وصولاً إلى فرض قرار التمديد للرئيس لحود وتداعياته حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
2 ـ الوضع الإقليمي المتمثل بما يلي:
أ ـ احتلال أميركا للعراق ومحاولة تفتيته وضرب مرتكزاته كدولة وطنية وتجلى ذلك فيما يلي:
1 ـ ضرب البنية التحتية للعراق وضرب بنيته الاقتصادية.
2 ـ ضرب بنيته العسكرية وتفكيكها.
3 ـ ضرب بنيته الثقافية الحضارية (نهب المتاحف والمكتبات العامة..).
4 ـ ضرب بنيته العلمية (تسريح وإرهاب وتهجير وقتل العلماء..).
5 ـ ترتيب وضع العراق على أساس الانقسامات القومية والمذهبية والعشائرية (تفتيت العراق).
ب ـ الكيان الصهيوني.. ومحاولة التمكين له ليتمكن من أن يتبوأ مكان الصدارة والهيمنة في النظام الإقليمي المقترح للمنطقة وذلك عبر حمايته السياسية والمعنوية والقانونية ودعمه الاقتصادي والعلمي والعسكري.
ت ـ انصياع الأنظمة العربية للهيمنة الأمريكية ـ الإسرائيلية بشكل مريع (مصر، السعودية، قطر....).
ث ـ محاولة كسر شوكة المقاومة الفلسطينية وتركيعها بالحديد والنار (بالتحالف الأمريكي ـ الغربي ـ الإسرائيلي.. والانصياع العربي الرسمي).
ج ـ محاولة وضع اليد على لبنان بشكل مباشر من قبل الغرب/ أميركا ـ فرنسا.
3 ـ النظام الدولي (الجديد = القديم) حسب تعبير تشومسكي:
هذا النظام الذي ما زال قائماً على المبدأ التشرشلي «على العالم أن يحكم من قبل أغنياء الأمم الغنية وبمساعدة وكلاء محليين» والجديد فيه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، و(11/9) هو استفراد أميركا بقيادة هذا النظام والهيمنة عليه واستشراس حكومتها للمحافظة على «قيادتها هيمنتها»، وأهم ركائز سياستها (الموقع الاستراتيجي للمنطقة العربية ـ النفط ـ إسرائيل ـ تخلف وتفتت المنطقة العربية).
وبسبب من تركيب وتفاعل العوامل السابق ذكرها فإن سورية في وضع شديد الخطورة ويدعو للقلق على سلامتها الوطنية ومصير شعبها، إننا حقاً، على مفترق طرق:
1 ـ التغيير الخارجي (نموذجه العراق وأفغانستان يفضي إلى احتلال أو شبه احتلال ويكون التغيير وفق متطلبات مصالح أمريكا وإسرائيل تحت شعارات «بناء الشرق الأوسط الكبير» أو بدعوى «بناء الديموقراطية»..!!
2 ـ فوضى داخلية تهدد بتهتك النسيج الاجتماعي مفتوحة على آلام ومخاطر لا قبل لأحد بها.. ولا أحد يتمناها.
3 ـ الإنقاذ الوطني بالتغيير الديموقراطي، وذلك عبر تعبئة جميع طاقات الشعب السوري، يخرج البلاد من قبضة الدولة الأمنية التسلطية ليبني دولة مدنية سياسية حديثة تستطيع أن تصون وتعزز استقلالها ووحدتها وتمكن شعبها من الإمساك بمقاليد أموره، وتمكنه من الصمود في مواجهة التحديات الخارجية. (الخيار المطروح في هذا البيان).
ثانياً: هدف التغيير:
هدف التغيير والإصلاح السياسي هو اقامة نظام سياسي وطني ديموقراطي، أي بناء دولة مدنية حديثة، يقوم نظامها السياسي على (عقد اجتماعي جديد) يجعل منها (دولة مؤسسات) و (دولة مواطنين) قائمة على النظام الديموقراطي الحديث، تقوده الكفاءات لا الولاءات، حيث تكون فيه (السيادة الحقيقية للشعب) والشعب هو مصدر السلطات، يحكم عبر ممثليه المنتخبين انتخاباً حراً نزيهاً حقيقياً، ويسلم فيه السلطة للأغلبية السياسية، وتكون هذه السلطة مؤقتة وليست أبدية، حيث يتم (تداول السلطة) بشكل دوري وسلمي وعبر صناديق الانتخاب، وتحت المراقبة والمحاسبة أي تحت (سيادة القانون) ويكون الجميع فيها (متساوين) قانونياً وأخلاقياً بصرف النظر عن الانتماءات الدينية أو المذهبية أو الاثنية أو المناطقية، ويتمتع جميع المواطنين فيها بكامل (الحريات الأساسية) سياسية، مدنية، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية.
وتحتاج ممارسة هذه الحريات إلى شروط مادية وقانونية ومؤسسات لا يمكن للديمقراطية أن تقوم بدونها. مع ضمان (فصل السلطات) وتوازنها لأن «جمع السلطات هو الأساس البنيوي للاستبداد».
ثالثاً: شروط وأسس التغيير (مرتكزاته):
1 ـ الالتزام بسلامة المتحد الوطني السوري الراهن وأمنه ووحدته، ومعالجة مشكلاته من خلال الحوار، والحفاظ على وحدة الوطن والشعب في كل الظروف. والالتزام بتحرير الأراضي المحتلة (وعلى رأسها الجولان). وتمكين سورية من أداء دور عربي وإقليمي ودولي ايجابي فعال.
2 ـ سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي وشعبها جزء من الأمة العربية، التي تضم تكوينات متنوعة، لا تتناقض مع وحدتها، بل تشكل غنى لها، فالعام المشترك لا يلغي الخاص المتنوع.
3 ـ الإسلام بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب، حيث تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه، وبالتفاعل مع بقية الأديان السماوية والثقافات التاريخية الوطنية.
4 ـ الثقافة الحديثة بقيمها وأفكارها وانجازاتها الإنسانية، هي نتاج تفاعل ثقافي حضاري تاريخي، طويل وعميق ومتراكم، وقد ساهمت فيه كل الحضارات الإنسانية بما فيه حضاراتنا العربية..
5 ـ الإلتزام بجميع المعاهدات والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، بما لا يتعارض مع المصالح الوطنية العليا، والعمل ضمن إطار الأمم المتحدة وبالتعاون مع المجموعة الدولية على بناء نظام عالمي أكثر عدلاً، قائم على مبادىء السلام والعدل وتبادل المصالح، مع احتفاظ الشعوب بحق مقاومة الاحتلال ودرء العدوان، والوقوف ضد جميع أشكال الإرهاب والعنف الموجه ضد المدنيين.
6 ـ ضمان المساواة التامة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية، على قاعدة وحدة سورية أرضا وشعبا، ولا بد من تسوية ملف إعادة الجنسية وحقوق المواطنة للذين حرموا منها.
7 ـ مشروع التغيير الوطني هو حاجة موضوعية داخلية وطنية ملحة، وليس له أي ارتباط ويرفض الارتباط بمشاريع التغيير الخارجية الموضوعة للمنطقة مثل (مشروع الشرق الأوسط الكبير...).
8 ـ التمييز الدقيق بين الممارسات الاستعمارية الغربية ومواجهتها من جهة، وبين مكتسبات الحضارة الغربية الإنسانية وقواها التحررية والتفاعل معها من جهة ثانية.
9 ـ يجب أن يكون التغيير المطلوب سلمياً.. و.. متدرجاً.. و .. مبنياً على التوافق.. و .. قائماً على الحوار والاعتراف بالآخر.
10 ـ نبذ الفكر الشمولي والقطع مع جميع المشاريع الاقصائية والوصائية والاستئصالية، تحت أي ذريعة كانت تاريخية أو واقعية، ونبذ العنف في ممارسة العمل السياسي، والعمل على منعه وتجنبه بأي شكل ومن أي طرف كان.
11 ـ ليس لأي حزب أو تيار حق الادعاء بدور استثنائي، وليس لأحد الحق في نبذ الآخر واضطهاده وسلبه حقه في الوجود والتعبير الحر والمشاركة في الوطن.
12 ـ ضمان حرية الأفراد والجماعات وجميع التكوينات الاجتماعية في التعبير عن نفسها، والمحافظة على دورها وحقوقها الثقافية واللغوية، واحترام الدولة لتلك الحقوق ورعايتها في إطار الدستور وتحت سقف القانون.
رابعاً: خطوات ملحة على طريق التغيير:
1 ـ العمل على إلغاء كل أشكال الاستثناء من الحياة العامة، بوقف العمل بقانون الطوارىء، وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وجميع القوانين ذات الصلة، ومنها القانون /49/ لعام 1980، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وعودة جميع الملاحقين والمنفيين قسراً أو طوعاً عودة كريمة آمنة بضمانات قانونية، وإنهاء كل أشكال الاضطهاد السياسي، برد المظالم إلى أهلها، والتعويض على المتضررين، وفتح صفحة جديدة للحوار.
2 ـ العمل على إطلاق الحريات العامة، وتنظيم الحياة السياسية عبر قانون عصري للأحزاب، وتنظيم الإعلام والانتخابات وفق قوانين عصرية توفر الحرية والعدالة والفرص المتساوية أمام الجميع.
3 ـ العمل على تحرير المنظمات الشعبية والاتحادات والنقابات وغرف التجارة والصناعة والزراعة من وصاية الدولة والهيمنة الحزبية والأمنية. وتوفير شروط العمل الحر لها كمنظمات مجتمع مدني.
4 ـ العمل على تعزيز قوة الجيش الوطني، عبر إصلاحه التدريجي ورفع كفاءته، والحفاظ على روحه المهنية، وإبقائه خارج إطار الصراع السياسي واللعبة الديموقراطية، وحصر مهمته في الدفاع عن الوطن والشعب وصيانة استقلال البلاد، والحفاظ على النظام الدستوري.
خامساً: آليات التغيير:
1 ـ فتح القنوات لحوار وطني شامل ومتكافىء بين جميع أبناء الشعب السوري بمختلف توجهاته وفئاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وفي كل المناطق، وفق منطلقات قاعدية تتمثل في:
* ضرورة التغيير الوطني الديموقراطي الحقيقي في البلاد، ورفض كل أشكال الإصلاحات الترقيعية أو الجزئية أو الالتفافية.
* العمل على وقف حالة التدهور واحتمالات الانهيار والفوضى، التي قد تجرها على البلاد عقلية التعصب والثأر والتطرف وممانعة التغيير الديموقراطي.
* رفض التغيير الذي يأتي من الخارج.
2 ـ تشجيع المبادرات للعودة بالمجتمع إلى السياسة، وإعادة اهتمام الناس بالشأن العام، وتنشيط المجتمع المدني.
3 ـ تشكيل اللجان والمجالس والمنتديات والهيئات المختلفة، محلياً وعلى مستوى البلاد، لتنظيم الحراك العام الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ومساعدتها على لعب دور هام في إنهاض الوعي الوطني، وتنفيس الاحتقانات، وتوحيد الشعب وراء أهداف التغيير.
4 ـ التوافق الوطني الشامل على برنامج مشترك ومستقل لقوى المعارضة، يرسم خطوات مرحلة التحول، ومعالم سورية الديموقراطية في المستقبل.
5 ـ تمهيد الطريق لعقد مؤتمر وطني، يمكن أن تشارك فيه جميع القوى الطامحة إلى التغيير، بما فيها من يقبل بذلك من أهل النظام، لإقامة النظام الوطني الديموقراطي بالاستناد إلى التوافقات الواردة في هذا الإعلان، وعلى قاعدة ائتلاف وطني واسع.
6 ـ الدعوة إلى انتخاب جمعية تأسيسية، تضع دستوراً جديداً للبلاد، يقطع الطريق على المغامرين والمتطرفين، ويكفل الفصل بين السلطات، ويضمن استقلال القضاء، ويحقق الاندماج الوطني بترسيخ مبدأ المواطنة.
7 ـ إجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة، تنتج نظاماً وطنياً كامل الشرعية، يحكم البلاد وفق الدستور والقوانين النافذة.
وبعد... هذه خطوات عريضة لمشروع التغيير الوطني الديموقراطي، كما نراه، والذي تحتاجه سورية، وينشده شعبها، يبقى مفتوحاً لمشاركة جميع القوى الوطنية من أحزاب سياسية وهيئات مدنية وأهلية وشخصيات سياسية وثقافية ومهنية، يتقبل التزاماتهم وإسهاماتهم وانتقاداتهم، ويظل مطروحاً لإعادة النظر والتطوير والاغناء من خلال ازدياد جماعية العمل السياسي وطاقاته المجتمعية الفاعلة.
ويرى الموقعون على هذا الإعلان، أن عملية التغيير ضرورة ملحة جداً، لا تقبل التأجيل نظراً لحاجة البلاد الماسة إليها، وهي تتطلب جهود حثيثة من الجميع، ولذا ندعو أبناء وطننا البعثيين وإخوتنا من مختلف الفئات السياسية والثقافية بدون استثناء، إلى المشاركة معنا وعدم التردد والحذر، لأن التغيير المنشود لصالح الجميع ولا يخشاه إلا المتورطون بالجرائم والفساد الكبير.
إننا نتعاهد على العمل من أجل إنهاء مرحلة الاستبداد، ونعلن استعدادنا لتقديم التضحيات الضرورية من أجل ذلك، وبذل كل ما يلزم لإقلاع عملية التغيير الديموقراطي، وبناء سورية الحديثة وطناً حراً لكل أبنائها، والحفاظ على حرية شعبها، وحماية استقلالها الوطني.
مجموعة حوار وطني
في منطقة مصياف
رد على إعلان دمشق
أما آن لنا أن ننعكس

o يوسف السليمان

.. كلما اعتقدت أننا خطونا خطوة إلى الأمام , كلمّا أحبط اعتقادي هذا على يد من يدعون التطور والعلمية في التفكير , لدرجة لم أعد أعرف كيف يفكر أصحاب العقول المتنطحون لقيادة المجتمع وسيادته وكيف يستصغرون عقول الآخرين فأراهم ناطحين للعلم والمعرفة.
قبل أن ادخل في نقاش بنود الإعلان سأعقّب على عمومياته:
سيادة الحكم للأكثرية ! أليست الأكثرية بهذا المفهوم أداة تمثل القوة ؟ وبهذا تحمل في طياتها تبرير الاستيلاء على السلطة فبماذا نرد على من يمتلك أداة قوة الأقلية للوصول إلى نفس الغاية ؟
هل الأكثر عددا أكثر عدلاً ، وأكثر معرفة ؟
أليست الأكثرية حالة عددية مجردة من العقلنة والمعرفة ؟
هل غيّر التاريخ إلا من تمرّد عليه ، كأفراد مشمولا بذلك الفلاسفة والعلماء من سقراط إلى لافوازيه ؟ وقتلتهم الأكثرية .
لو رضخ أولئك إلى تلك الجموع لما كانت هناك أحداث ذات أهمية في حركة التاريخ. من العار أن يلجم العقل الحر المتنور بالجمع الكمي الغنمي (لا أقصد إهانة حزب ، أو طائفة ، أو دين , بل الكل الجمعي الذي يلتف حول مصالحه مؤلها أي حالة طوطمية , أو متعصبا لأي إيديولوجياً ، أو تابعا لأي زعيم ديني ، أو سياسي ، واعتباره مخلصا ومعصوما (الطوطم والتابو فرويد).
الآن سأتطرّق إلى بعض بنود الإعلان , وما ترك عمدا مشمولاً بما سيناقش:
1. إقامة النّظام الوطني الديمقراطي كمشروع للتغيير ، والإصلاح السياسي سلمياً.
2. نبذ الفكر الشمولي .
3. الإسلام هو دين الأكثرية وعقيدتها ... يعتبر المكوّن الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب . تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه ... بعيدا عن التعصب والعنف والاقتصاد .
4. اعتماد الديمقراطية.
5. ضمان حرية الأفراد.
أعتقد أنَّ التناقض ما بين كافة البنود والبند الثالث والذي تم التركيز عليه واضح وصريح , وأستغرب كيف يقع أشخاص متنورون وذوو تاريخ في المعرفة والتجربة النضالية في سبيل الحرية في مثل هذا المستنقع , ولن أقول أحزاباً لأنَّه وعلى ما يبدو صار الحزب في بلادنا حامل شعارات أشبه بيافطات إعلانية عن (أوكازيون) لتزيد عدد المتجمعين فتحصل على الأكثرية العددية ويقهر النوع بالكم وينهزم العقل، أو يستقيل أو يأخذ إجازة طويلة الأمد، ومن هنا ومن زمن بعيد قلت :
لا توجد أحزاب معارضة حقيقية في بلادنا لها برامجها العملية التي تترجمها على أرض الواقع بل أحزاب سلطة منها من نجح واستولى على العرش، ومنها من يسعى (حزب سلطة مع عدم إمكانية التنفيذ ).
كيف يكون الإسلام دين الأكثرية ويمكن له أن يكون ديمقراطياً في سياسته (إنَّ كلمة ديمقراطية قديمة قدم اليونان وحديثة الشعار أوربياً) , والإسلام عنده الشورى وهذا يرجعنا ألف وخمسمائة سنة إلى الوراء فالشورى ليست بديلاً وليست رديفاً للديمقراطية فالديمقراطية هي رعاية مواطنية المواطن بصرف النظر عن دينه أو حزبه .
أفلا نجد في إبراز دين الأكثرية هو ممارسة الدكتاتورية على الأقلية مهما تمنطق وتنمق أصحاب دعاته بإمكان العكس، والتاريخ مليء بالشواهد على صحة ما أقول :
(نحن بحاجة إلى قانون مدني وضعي بثقافة عصرية متطورة يتساوى فيه الإنسان بالإنسان).
أمَّا ثقافتنا التاريخية فيجب أن لا تقيّد تطورنا وتعتقل عقلنا , فكم هي الأحداث في تاريخنا التي نتمنى أن لا تكون قد حصلت ! وكم حملت في طياتها المظالم والقسوة ! وما أسهل التبرير, وبحدّه الأبسط (ما شاء ربك فعل) تاريخ مليء بالتبريرات المشوّهة الكاذبة ، ومن جميع الأطراف دون استثناء فلا عصمة لأحد فيه .
أين العلمانيون ؟ وما هو دورهم في قيادة المجتمع ، وسيادة العقل لتطور هذا المجتمع اقتصادياً، ومعرفياً، وتكنولوجياً ؟ أم هذا لا يعنيكم في شيء (أقصد ذوي العقول العلمية لا ذوي العقول المتحجرة إيديولوجياً، ولا المدافعة عن الإمبريالية التي لا ترحم).
إنَّ سيادة الأكثرية الإسلامية هو بحد ذاته وقوع في الشمولية والإقصاء , وبهذا تسقط مسألة الديمقراطية والمدنية والمواطنة الحرة.
متى كان الإسلام ديمقراطياً ؟ أفي سقيفة بني ساعدة ؟ أم في توريث الملك منذ العصر الأموي فالعباسي فالتركي (انقسم المسلمون إلى تيارات كالمعتزلة، والاشاعرة، والمرجئة، و..) وكل متربع على عرش أمير للمؤمنين فما رأيكم بأمير المؤمنين يزيد والوليد بن عبد الملك (سكر وعربدة واستباحة نساء وجواري).
قال الحجاج : والله سأقتلَنَّ عبد الله بن الزبير ولو تمسك بأسباب الكعبة , واستبيحت المدينة المنورة بنسائها ثلاثة أيام فهل هذا دين الأكثرية ؟ أم هو دين القوة؟
فهل ثقافة الإسلام عرجاء، وأحادية الجانب ؟ أم هي كبقية الثقافات التاريخية تحمل في طياتها النقائض ؟
وما الانتقائية إلا كذبة المنتفعين ، فإلى متى لا نكون صريحين ونعرض الواقع بكل وضوح وموضوعية ونترك الحكم للعقل فلا نحسّن القبائح ولا نقبح المحاسن بناء على مزاجنا وميولنا وعواطفنا.
ضمان حرية الأفراد . كيف تضمن هذه الحرية بسيادة سلطة الأكثرية ماديا ومعنوياً كثقافة سائدة؟
ألم يكن يوجد في مصر كلّها حاكم عاقل ورع حتى يولى عليها عمرو بن العاص ؟ وهذا لا أراه يختلف عما يجري على يدي سلطة دنيوية وضعية بدكتاتوريتها حيث يكون محافظ مدينة من مدينة أخرى، وغالباً عسكرياً وكأنَّه وال أرسل من أستانة دمشق بدل أن يكون من المدينة نفسها ومنتخب انتخابا . هل سنرجع إلى (أم القرى - الكواكبي) ويكون الحاكم من (مكة) ؟ أليست الجزية فرض على غير المسلمين ؟ وهل يجب أن تسقط من ثقافتنا فنقع في الارتداد أم نأخذ بها ؟
أترك الحكم لكم.
أؤكد على حاجتنا إلى قانون مدني عصري متطور .
أمن المعقول أن يكون جان جاك روسو برغم مرور زمن طويل أكثر تطوراً منا اليوم (العقد الاجتماعي)!
إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية مطلب حق يراد به حق, لأنَّه من الغريب أن يكون موجودا في سوريا ومصر والأردن والعراق وتونس و...
لأننا نخوض حربا مستمرة مع إسرائيل منذ سبع وخمسين عاماً, وإسرائيل نفسها ليس فيها قانون طوارئ ولا احكام عرفية . أليس هذا مثيرا للضحك والاشمئزاز؟
أليس غريباً أن يصدر إيهود باراك ثلاثة مراسيم لم تمس بعده؟ وهي: (إسرائيل دولة علمانية– الزواج المدني – إلغاء وزارة الأديان) رغماً عن أنف حزب شاس ، والمتشددين من اليهود, وبحسب ثقافتنا كلهم متشددون ؟
ونحن نطلق شعار سيادة حكم ، وثقافة الأكثرية بما تحمل من تناقضات وتخلف.
وعذرا سأتطرق للمتناقضات في جوهرها , وكم تمنيت ألا أنجر إلى هذا , إنّما الواقعة بالواقعة تذكر.
من المعروف أنَّ مذاهب الإسلام أربعة . أضيف لها الوهابي والجعفري (الشيعي) والذين يتبعون هذا الأخير هم أصحاب معتقد بعودة المهدي المنتظر ، والذي يعبر أصحابه بعودته عن سيكولوجية الإنسان المقهور الذين مورس ضدهم الاضطهاد عبر التاريخ من أصحاب المذاهب الأخرى مجتمعة والذين يمثلون الأكثرية. فما رأيكم حديثا بسيادة حكم الأكثرية لنكون أمام مهدي آخر منتظر من جديد؟
أريد أن أستعرض خلاف المذاهب بأبسط أشكاله كي لا يتحول الموضوع عن مضمونه متجاوزا الطرق الصوفية وتفرعاتها. والغاية عرض الثقافة الإسلامية بمضمونها لا بالحالة الشكلانية التي عرضها إعلان دمشق . على سبيل المثال .
يرى الشافعي أن لا يحكم المسلمين إلا من كان من أب قرشي وأم قرشية , بينما يرى أبو حنيفة بالاكتفاء بأب قرشي (أم أبي حنيفة فارسية).
وخلاف آخر حول حرية العبد يرى الشافعي أنَّ المملوك لا يحق له الملك أي عبودية أبدية , بينما يرى أبو حنيفة بحقه إذا استطاع الادخار بزيادة عمله ويستطيع شراء حريته بماله (الشافعي والإيديولوجية الوسطية للدكتور نصر حامد أبو زيد).
أقوال مأثورة . قال معاوية : علينا أن نتبع كثيراً من الباطل للوصول إلى الحق (عرف اليونان النكتة بعدم انسجام المقدمات مع النتائج).
حديث (صحابتي كالنجوم في السماء بأيهم اقتديتم اهتديتم).
قتل الصحابة بعضهم بعضاً في معركة الجمل ، وصفين وكلا الطرفين على حق. أهذا معقول ؟ لا يمكن لعاقل أن يرى نقيضين على صواب ( كان محمد بن أبي بكر الخليفة الراشدي الأول في صف علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ابن الخليفة الراشدي الثاني في صف معاوية ، واقتتلا وقتلا).
عمق في الرؤية :
درجات الإسلام : المسلمون، والمؤمنون، والمحسنون. كل له وظيفة وتصنيف.
مراتب الإسلام :
السلفيون: يأخذون عن السلف وأقوالهم.
الأصوليون: يأخذون بظاهر النص وهذان غير مصنفين في القرآن.
المصنفون في القرآن هم:
الفقهاء: أصحاب التأويل.
العقلاء: أصحاب الجدل والإقناع.
المتذكرون: ذوو المعرفة المسبقة عن طريقة الإلهام الإلهي .
وهؤلاء ذكرهم القرآن (لقوم يفقهون – لقوم يعقلون- لقوم يتذكرون).
هذه ثقافة الإسلام . أمَّا إذا قصد أصحاب إعلان دمشق تلك الأحداث بهشاشتها، وما ذكر منها في التاريخ حول عدالة فلان، وفتوحات العالم، ورحمة العرب على غيرهم والسرد التاريخي الممل المشكوك بصحته غالباً فلا أعتقد أن هذه ثقافة , بل تعميه ثقافية.
فالثقافة الحقيقية ليست فيها تحسين للقبائح، ولا تقبيح للمحاسن فالإمبراطورية العربية إمبراطورية استعمارية كبقية الإمبراطوريات وهذا ليس عيب لأنها استجابة موضوعية لعصرها.
فلا تعمية للعقل ولا لعبة العقل على العقل مقبولة من متنورين .
اللاإقصاء : كيف يكون اللاإقصاء لفرد أو فئة أو طائفة ومن ثم يتم إقصاء ممثلين حقيقيين لطائفة كاملة من الحضور هل يندرج هذا تحت ظاهرة الثأر الرعوية ؟ فإن كان هذا فلم لا يكون زعيم القبيلة هو الممثل السياسي لهذا التجمع ؟ ونكون لسنا بحاجة إلى هذه الظاهرة المدنية ، ورفع شعار الديمقراطية.
الموقف من الأمم المتحدة وشرعيتها . هذه المنظمة تسير إلى مصير عصبة الأمم بفقدها سلطتها ومصداقيتها، وكلنّا نعرف أنها أصبحت لعبة بين أيدي أصحاب النفوذ من الدول العظمى فسقطت الصفة الخلقية عن قراراتها . أيّ عاقل لا يرى ظلم نقض قرار يصوت عليه العالم ؟ وفي لمحة بصر يصبح لا معنى له باستخدام حق الفيتو من قبل دولة واحدة تمتلك حق نسف هذا القرار من جذوره. أمّا الالتزام بالقرارات الدولية فهذا يعيدنا إلى الوراء حول معاهدة الاستسلام لألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وكم كانت جائرة فهل عليها الالتزام بها ؟ ما رأيكم بمعاهدة الدفاع المشترك بين أمريكا والكويت !؟ لا يوجد معاهدة عادلة إلا بين قوتين متساويتين، وإلا فالمعاهدة جائرة وعندما يصبح الضعيف قويا عليه التحرر منها درءاً للظلم أتذكر كاريكاتيراً لـ"علي فرزات " مضى عليه عشرين عاما رسم فيه مندوب إسرائيل في دورة المياه وبكرة ورق معلقة على الحائط وقصاصات في سلة المهملات كتب عليها قرارات مجلس الأمن.
أختم مقالي بوجهة نظر:
إن المشاريع الاقتصادية من أهم عوامل تطور البلاد، والتي تلعب دوراً وبشكل تلقائي في تطوير وتنوير العقول ومن المعيب أن يلعب هذا الدور أشخاص أو عائلات أو شركات بينما أحزاب بعددها وعدتها , بطاقاتها البشرية والعقول الفعالة المتخصصة لا تطرح إلا الشعارات السياسية ، وهمّها السيطرة والسلطة (لا يفهمني من يقرؤني أنني أغفل الجانب السياسي , إنّ ما قصدته ألا تكون الفعالية عرجاء وأحادية الجانب) وبالتطور الاقتصادي وفعالية التكنولوجية وبالفهم العلمي للظواهر الطبيعية ، والاجتماعية ، وبالتنوير الثقافي الموضوعي ، ودراسة الواقع دراسة معمقة نستطيع أن نلعب دوراً له أهمية في التاريخ ، ويسود قانون وضعي مدني يحترم فيه الإنسان كونه إنساناً فلا تسلط أكثرية على أقلية ولا تسلط أقلية على أكثرية إن امتلكت وسائل التسلط ، فأنا ضد الفئوية ولو كانت تسع وتسعين ضد واحد (الأكثرية وسيلة وقوة للتسلط بواسطة الكم ، الدبابة وسيلة وقوة تسلط بواسطة النوع، فهل أحدهما مبرر للسيطرة).
وليس معقولاً أن تبقى هذه الأحزاب متعيشة ، ومستمرة الوجود على التبرعات، والاشتراكات كما هو الحال في بناء المساجد المزركشة المزخرفة.
وقد قال أبو علي ياسين :
أيرضى الله أن تكون بيوته بهذه الفخامة مزينة بالفسيفساء ، وعباده يعيشون في العراء، أو في بيوت كالجحور؟!

رسالة... إلى إعلان دمشق
«ليس مهماً أن يقول المرء عن نفسه، إنما المهم ما يفعله»
استهلالٌ عظيم التغيير الوطني الديموقراطي.. «تغيير وطني ديموقراطي.. يبنى على هدى المصالح الوطنية العليا أهدافه إقامة النظام الوطني الديموقراطي كمدخل لمشروع التغيير والإصلاح السياسي.. سماته التدرج السلمي. التوافق المبني على الحوار والاعتراف بالآخر، لا إقصاء. ولا وصاية ولا استئصال.. لا عنفي.. لا دور استثنائي فيه لأحد.. لا نبذ.. لا اضطهاد.. لا سلب.. لا استحواذ لا احتواء.. أدواته الشعب ووفق إرادته ومصالحه وجميع تياراته الفكرية والطبقات الإجتماعية والأحزاب والفعاليات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.. التغيير يتطلب جهود الجميع..» ولا ينسى طبعاً الإعلان أن يدعو: «...وهنا ندعو أبناء وطننا البعثيين وأخوتنا من أبناء مختلف الفئات.. إلى المشاركة معنا وعدم التردد..».
توجه وكلمات مفعمة بالجودة والحرص.. وفي ذات اللحظة التي يعبر فيها البيان عن نفسه فهو لا ينسى جزءاً وينسى الآخر.. لماذا.. ولماذا؟؟. هل القوى التي يعبر الإعلان على عدم نسيانها هي فقط الكفوءة، والقوى المنسية في الإعلان غير ذلك؟؟.
إن المتابع العادي لتطورات الوضع السياسي السوري وتفاعلاته قبل الإعلان، كان يدرك ويتحسس في أن شيئاً ما بالإمكان له أن يرى النور فيما لو توفرت له عناصر الجرأة السياسية، ونسيان الحساسيات السابقة، وتفعيل الفعل والإحساس الوطني باتجاه تفضيل العام على الحزبي، وهو وما تلمسناه قليلاً في مواثيق الشرف، عند هذه القوة السياسية أو تلك، إن بنقد طروحاتهم السابقة وممارساتهم. أو بتجديد ما يمكن تجديده، أو بالتوافقات النظرية والسياسية فيما لو اقتربت أكثر من بعضها.. وأخيراً لقاء دير الزور وما نتج عنه من لجنة متابعة، رغم مايعتريه من خلل ونواقص..إلخ أضف إلى ذلك كله تعقد أزمة النظام إقليمياً ودولياً ووصولها درجات معينة من الإغلاق أحياناً والعزلة أحياناً أخرى.. بحيث لم يعد باستطاعته الخروج منها وفق أشكاله المتبعة سابقاً، أشكال الخروج المجتزأ، والتخبط، أو الترقيع مع استمرار محاولات تكثيف الضغط الدولي والأمريكي عليه، وإصراره على شكل وأسلوب محددين يكفلان بقاءه في السلطة حتى ولو دخل الوطن برمته بحالة من الفوضى أو الاحتراب الطائفي والديني يصعب تخيل نهايتها، أو حتى لو تعرضت البلاد لحصارات اقتصادية، أو تدخلات أجنبية!! مع تزامن كل هذه العوامل. طلع علينا فجر إعلان دمشق، الذي شكّل وبلا أدنى ريب نقطة تحول إيجابي في سيرورة عمل القوى السياسية راسماً ملامح العمل السياسي المطلوب دون أن يدخل بالمتطلبات العيانية وهي الأهم للمرحلة القادمة.
لقد وضع الإعلان مادة اللحظة بين أيدي الناشطين والمهتمين بالشأن العام والنخب السياسية. وقد أثار الحدث قراءات وتوافقات وتوضعات جديدة واضحة تارة ومهمة تارةً، كما أثار انتقادات مرة إيجابية وأخرى دون المستوى اللائق بحق الأهداف العليا أو الهدف الأسمى ـ الواجب الحفاظ عليه ـ وحدة الفعل السياسي المشترك المتوافق، والحقيقة ما دفعنا كمستقلين عن كل القوى الحزبية، أو أفراداً إلى تسجيل ملاحظات على الإعلان، في عقليته، وفي الطريق والشكل الذي خرج بهما، خوّفنا المشروع من تداعيات موازية أو متناقضة تشتت القوى، وهو ما فرضه إعلان دمشق، مذكراً إيانا بعقلية سابقة في الأحزاب كانت تدير العمل السياسي بطرقها البراغماتية الحزبية.
1 ـ إن استبعاد الإعلان لإحزاب شيوعية وشخصيات شيوعية ووطنية وإسلامية وثقافية وحزبية على تنوعها واختلاف مذاهبها الدينية ـ ولا ذنب أو جريمة لأحد ما في انتمائه لهذه الطائفة أو تلك ـ إنما يشكل ويدل على عقلية متخلفة وربما متسلطة بعيدة عن أبسط معايير المدنية والمواطنة والعضر. وهي إن كانت هكذا، فهي بعيدة عن مقاييس الديموقراطية، علماً أنها استعملت كل مفرقعات الديموقراطية ودخانها.
2 ـ من المسيء جداً اختزال تجارب الناس وتضحيات الناس عبر معاناة عقدين من الاستبداد والقمع وأغلب الحالات من ذاق مرارات السجون ـ بكلمة معارضة علوية!! ومذاهب.. وما شابه من هذه الأوصاف حيث تصبح المناقشة هنا جداً محرجة ودون المستوى.
3 ـ البعض رأى أن هذه العقلية ـ في الإعلان ـ أنها بعيدة عن الشفافية وجهها الأول ظاهر معلن والآخر باطن مخفي مضمر، هي شكل وامتداد وأحياناً لامتداد العقل (التصحيح البعثي) المرتكز على عمق طائفي متعدد وفاسد يقسم العباد بشكل فئوي مقيت، الأمر الذي سيحّول الناس بعد ابتلاعهم إلى أدواته وربما دمى يحركها كيفما أراد هذا العقل، يمتص فورتها ثم ليوظفها لاحقاً في خدمة مآربه الذاتية إن استجابت لمشيئته أو يخرج عليها هذه المرة بأساليب جديدة مستحدثة (كالمنع الديموقراطي). و(العزل المدني الديموقراطي)!! هذه المرة تأكل على حسابها وليس على حساب السجون!! مشيرين إلى تجربة الحركة التصحيحية مع البعثيين في بداية عهدها ولاحقاً..
4 ـ رأي آخر يقول: إن الإعلان لم يأتِ من فراغ، فلقد شهدت الساحة السورية العديد من اللقاءات والندوات والمحاضرات في محطات كثيرة عبرت فيها القوى والشخصيات عن رؤيتها وتطلعاتها للتغيير والإصلاح، وإن قواسم مشتركة عديدة بينها، وتقاطعات وتشابهات وتطابقات أحياناً رغم اختلاف المسميات المعلنة، إن عقلية إعلان دمشق انطلقت من المعطى الراهني والمتحقق السياسي، عند هذا الطرف أو ذاك، التقطت هذا المتحقق الجمعي النظري، رتبته ونسقته، ثم تجاهلت أصحابه هنا أو هناك وحتى أولئك الذين كانوا في صلب العمل السياسي؟! لماذا. يقول أحد المتابعين: أليس في هذا العمل رؤية مسبقة للآخرين تسلطية أحياناً واقصائية أحياناً أخرى. ثم يتساءل آخر: ألا يدل هذا العمل في أحد وجوهه على استخفاف بعقل المواطن المتلقي الوطني الذي هو من أبناء هذا الشعب، لا ربما اعتبروه كذلك عقلاً مسطحاً ومجهّلاً ونستطيع تكييفه وفق مشيئتنا.
نعم لم يكن هناك انقطاعاً ملحوظاً بين دعوات الإصلاح والتغيير السابقة وبين إعلان دمشق لا نوعياً ولا سياسياً، الأمر الذي يؤكده أن أحزاباً محددة وقعت في لقاء دير الزور ووقعت ضمن إطار تحالفي في إعلان دمشق، الأمر الذي يؤكد مسألة الاستبعاد ومسألة القصدية في الإلغاء!!
إن تفجير بالونات الصخب الديموقراطي شيء يغاير ولا يوافق الديموقراطية بالتأكيد.
5 ـ إن كثيراً من المعنيين بالشأن العام يرون في الإعلان ـ وهم المتعطشين الحقيقيين لخطوة ديموقراطية تعبر عن نفسها ـ كما إعلان دمشق بمعظم ما احتواه وما جاء به، وهم بذلك يستحقون التحية على اختلاف أسمائهم مشاركين ومؤيدين ـ رأوا فيه هذه الخطوة الشجاعة التي شكلت لهم مساحة ضوء جديدة ومساحة للفعل المؤثر بالمعنيين التاريخي والسياسي الراهن، الأمر الذي يدفعنا للوقوف بمسؤولية هذه المره لاستكمال المتطلبات والنواقص من جهة وأن ندرك حجم الخطأ الذي حدث عندما تم استثناء بعض القوى والشخصيات المؤثرة، وهو ما أثر في العمق على مدى صوابية ومصداقية الإعلان لأن الصوابية في أي عمل هي الامتحان في الممارسة الفعلية له.
6 ـ يريد ويتمنى البعض من الإعلان أن لا يقع في مطب الشكلانية الديموقراطية الرجعية بما هي فعل اجترار واعادة اجترار منسخ ايديولوجي للعقل المستبد الوصائي المنتج بصيغ الإلغاء، ولسان حاله متمنياً له طرق الديموقراطية البناءة السليمة المستندة إلى التجارب الحيّة والسابقة للحركات السياسية ونفي البائد فيها هذه الديموقراطية المبنية قولاً وفعلاً على إرادة الحرية وممارسة هذه الحرية.
حرية البناء والإبداع والمشاركة والإعمار، من خلال صيغ التكيف والتجاور والتعايش الإيجابي بين الكل والجزء، وتحول الجزء إلى كل، في عملية انتقال طبيعي وقانوني يكفل التطور العام ومصالح ومواقع الجميع بهدي المصلحة الوطنية العليا.
أخيراً: إن ما تقدم لا يشكل ردّاً سياسياً على الإعلان، إنما هو على أرضية الصف الوطني والديموقراطي المشترك:
1 ـ ما تقدم لا يشكل سوى ملاحظات طيف وطني واسع كما سمعتها ورأيتها على أرضية الملاقاة ووحدة الأفعال المشتركة.
2 ـ الحرص الأخوي على تنقية الأجواء والعلاقات بين المجموع المشترك.
3 ـ الحرص في إبعاد جملة المخاوف الموضوعية والذاتية، وتغذية روح المسؤولية فينا جميعاً، وتجنب الشخصي والفردي في العمل السياسي، وتجنب المظلمة في التجارب السابقة بعد الاستفادة منه.
الأخوة الأعزاء: وكما تعرفون أن الديموقراطية هي الفعل والشكل والمحتوى والممارسة، ولا طرف من أطرافها يمكن أن يتقدم على الآخر، فهي فعل ومحصلة كلية لنشاطات البشر وحياتهم، ولا وجود لدور استثنائي بالفعل وبالقول لأحد.
إن شعوبنا ملّت الاستثناء والشخصيات الاستثنائية حتى لو أتت بالخير العميم المطلق!! حيث إمكانيات الفعل والتغيير الوطني الديموقراطي مختزنة في عمق أرضية الوعي السياسي الأصيل عند شرائح المجتمع السوري، هذا النبع الطبيعي والأصيل والثري المكتنز للطاقات الديموقراطية التي طالما حُرم من التعبير عنها، لذلك إن التوجه الحقيقي والفعلي لجميع القوى الفكرية والسياسية والحزبية والتجمعات والمنظمات والأفراد ومشاركة الجميع من أجل الجميع، إنما يمثل التوجه الأمثل والمصداقية نحو الهدف الصائب، إنه الفعل السليم والأغنى للعمل السياسي الصحيح والمشترك وهو ما لم نجده بصورته الملموسة الراهنة يحقق طموحاتنا. وبكل حال من الأحوال نرى أن يستفاد من جميع الملاحظات على موضوعيتها وبدافع من الحرص الأخوي ويتم ذلك بتصحيح الأخطاء وبنقد ما حصل وأياً تكن الطريقة، وبتجاوز السلبيات لأننا نفترض بالنوايا سلامتها وبالإرادة نبلها وشجاعتها ووحدة فعلها الوطني وعدم تفتيت وبعثرة الجهود.
من هنا يجب العمل على:
1 ـ إنضاج المتطلبات الفعلية والميدانية حاملة الإعلان.
2 ـ الحفاظ بحدقات العين على ولادة ورعاية هذا الإعلان بما يمثله من خطوة سياسية ونوعية في تاريخ العمل الوطني السوري الراهن.
3 ـ إنشاء مجالس وسيطة للتفاعل والحوار وتطوير الحلقات الأبعد عن مركزية الإعلان.
4 ـ العقلانية والديموقراطية في الممارسة الميدانية الناضجة والهادئة والمدروسة سياسياً هي ضمانة استمرار وتطوير وصولاً لأهداف الإعلان.
5 ـ إن التراخي والتراجع سيشكل في الطرف الآخر ردات فعل مشاكسة ومدمرة وكارثية على الإعلان وقواه السياسية، أخيراً يجب علينا جميعاً التعلم وتكرار محاولات التعلم في سياق ممارستنا لتجربتنا الجديدة، فلم نتذوق بعد قيم الديموقراطية، فلا أحدٌ يجعل طعم المرارة في أول الطريق أول مذاقنا، كفى ما عانت شعوبنا وقوانا جميعها من مرارات وخيبات ومآسي.

بيان من حزب العمل الشيوعي في سورية
حزب العمل الشيوعي في سورية
18/11/2005
باهتمام بالغ، ووسط حالة من الترقب والقلق والخشية من تداعيات خطيرة، استقبل الشارع السوري تقرير ميلس وفيما بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1636 اللذين وضعا سوريا في محرق اهتمام المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن، وحصل ما كنا نخشاه وحذرنا منه، وهو تدويل المسألة السورية بصدور القرار السابق الذكر بإجماع الدول أعضاء المجلس، والذي يؤكد ـ تحت البند السابع الذي يجيز استخدام القوة ـ ضرورة استجابة سوريا لمتطلبات التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقد ساهم هذا القرار في تحريك الجمود السياسي الذي وسم الشارع السوري سنوات طويلة، في الوقت الذي كانت فيه القوى الوطنية السورية متنبهة ومنذ أشهر للمخاطر والتداعيات المتوقعة من إعلان تقرير ميلس، وفي هذا السياق جاءت مبادرة الآنقاذ التي طرحها حزب العمل الشيوعي في بيانه الصادر عن اجتماع مكتبه السياسي في شهر أيلول الماضي، والتي تتلخص بضرورة تشكيل «هيئة عمل وطني للإنقاذ» يتمثل فيها كل من النظام والمجتمع والمعارضة على اختلاف أطيافها دون استثناء ودون خطوط حمر، لإطلاق عملية انتقال ديموقراطي سلمي وتدريجي وآمن، تلغي احتكار السلطة وتعد لقيام نظام ديموقراطي قادر على التعاطي مع الأزمات التي تعصف بالوطن.
وكذلك جاء «إعلان دمشق» ليصب في ذات السياق، إضافة إلى جملة من الإعلانات التي توافقت عليها القوى الوطنية السورية في غير مكان من الوطن، وكانت جميعها تجمع على قاسم مشترك محوره ضرورة التغيير الديموقراطي خياراً مجتمعياً داخلياً.
وبعكس المزاج العام للقوى الوطنية السورية بما فيها بعض الفئات الاجتماعية والسياسية المحسوبة على النظام، جاء خطاب الرئيس بشار الأسد بتاريخ 11/2005 ليؤكد أن النظام السوري مصرّ على استمرار نهجه الدكتاتوري واحتكاره السلطة وإدارته الأزمة منفرداً، متجاهلاً القوى الوطنية ومصلحة الوطن، ليأخذ السوريين كرهائن ويزجهم معه في أتون مواجهة مع المجتمع الدولي من أجل مصالحه الضيقة.
لقد رسم الخطاب المذكور ملامح التوجهات الاستراتيجية للنظام السوري داخلياً وخارجياً، واتصف بروح تعبوية، محاولاً إظهار سوريا ضحية مؤامرة دولية تحاك ضدها بسبب مواقفها القومية العربية، في حين تظهر الحقيقة أن مستوى التناقض بين استراتيجيته وتكتيك النظام من جهة والأطراف الدولية والأمريكية بشكل خاص من جهة أخرى قد وصل مرحلة كسر العظم واللاعودة، سواء فيما يتعلق بسلوك وسياسة النظام تجاه الساحات اللبنانية والعراقية والفلسطينية، أو فيما يتعلق بعدم تنفيذ النظام لوعوده بإصلاحات داخلية سياسية، وهذا الطريق المسدود مع المجتمع الدولي أوصل النظام إلى حالة من العزلة الدولية والإقليمية والداخلية لم يشهدها تاريخ سوريا المعاصر من قبل، وقد تجلت أولى بوادر هذه العزلة بمحاصرة الدور الإقليمي السوري، ومن ثم تراجع نفوذه الإقليمي إلى أدنى مستوياته ولا سيما بعد انسحاب الجيش السوري غير المشروط من لبنان.
إن الوضع الذي أوصل النظام نفسه إليه جاء نتيجة قراءته الخاطئة للمتغيرات على الساحتين الدولية والإقليمية، وعدم قدرته على التأقلم والتكيف داخلياً وإقليمياً ودولياً مع هذه المتغيرات بسبب ارتباطه بمصالحه الضيقة، ويبدو عجز النظام عن التكيف ظاهراً بجلاء حتى في برنامجه الإصلاحي الذي طرحه وعجز عن تحقيق خطوات ملموسة فيه، وعلى هذه الأرضية أتى الخطاب هجومياً قاطعاً مع المستويين الخارجي والداخلي، ويظهر ذلك من خلال النقاط التالية:
1ـ قطع الطريق على أي مشاركة أو مبادرة أو برامج مطروحة من قبل المعارضة السورية للإسهام في إنقاذ الوطن عبر الحل الديموقراطي، وأصر على احتكار السلطة والانفراد بحل الأزمة، مع ما حمله الخطاب من ادعاءات بمتانة الوحدة الوطنية واستقرار الوضع الداخلي والتفاف الشعب حول سياسة النظام.
2ـ قطع الطريق على تحسين العلاقات مع لبنان عبر استعداء اللبنانيين بالتهجم على الأكثرية النيابية اللبنانية واتهامها بالتآمر على سوريا، وهذا الموقف من شأنه تعقيد الأزمة مع الأشقاء اللبنانيين، وإثبات قدرة النظام السوري على اكتساب الأعداء أكثر من الأصدقاء.
3ـ قطع الطريق على لجنة التحقيق السورية ـ التي شكلها النظام نفسه ـ بافتراضه اليقين في البراءة، وهو افتراض يجعل من تشكيل هذه اللجنة مجرد استعراض، بالإضافة إلى كونه معيقاً حقيقياً لعملها من الناحية الواقعية.
4ـ القطع مع الخارج، ليس الأمريكي فقط، بل المجتمع الدولي بأسره، من خلال التهرب والتردد في التعاون الفعلي مع لجنة التحقيق الدولي بالصورة التي أكد عليها قرار مجلس الأمن /1636/، وبالتالي إعطاء المبررات لزيادة وتعميق القناعة الدولية بتورط النظام، مع ما تجره هذه القناعة من مخاطر على الوطن.
إن جملة المواقف التي أطلقها الخطاب تعرض سوريا لمخاطر استعداء المجتمع الدولي بأسره، وحتى لو سلمنا بما يقول النظام بأن ثمة مؤامرة دولية ضد سوريا، فإن مواجهة هذه المؤامرة وحل هذه الأزمة لا يأتي عبر إدارتها بتجاهل قوى المجتمع السوري، واستعداء القسم الأكبر من المجتمع اللبناني، والوقوف في وجه الإرادة الدولية بالتملص من التعاطي مع القرارات الدولية، ولنفترض أيضاً أن استراتيجية المقاومة في مواجهة الوضع الراهن التي طرحها النظام عبر الخطاب هي الممر الوحيد أمام النظام والمجتمع السوري، فإن هذه الاستراتيجية تقتضي سلوكاً مختلفاً يتطلب ـ قبل أي خطاب تعبوي ـ تغييراً في بنية النظام القائمة على التفرد بتقرير مصير الوطن والمبادرة إلى اتخاذ خطوات فورية تكفل الحقوق الأساسية والسياسية في المجتمع السوري، ولا سيما طي ملف الاعتقال السياسي نهائياً وحل المسائل المتفرعة عنه، وإلغاء قانون الطوارىء والأحكام العرفية والقانون /49/ والإعلان بسرعة عن قانون أحزاب عصري يستوعب الحالة السورية ويناسب أوضاع أحزابها، دون إقصاء أو إبعاد، إضافة على جملة استحقاقات أخرى هامة على الصعيد الاقتصادي والمعيشي وحرية الإعلام ومكافحة الفساد.. إلخ.
ـ ختاماً: نؤكد على الحقائق التالية:
أولاً: لقد أصبح قرار مجلس الأمن /1636/ واقعاً موضوعياً، سواء كانت هناك مؤامرة على سوريا أم لم تكن، وبالتالي يجب التعامل معه دون مماطلة لا تفيد في الأمر شيئاً، مما يجنب الوطن صداماً غير مبرر مع المجتمع الدولي، يترتب عليه عقوبات ومخاطر لا تطال النظام فحسب، بل يأتي المواطن السوري في مقدمة المتضررين منها، مع تأكيدنا على وجود أجندة أمريكية خاصة بالمنطقة لا تدخل في إطار المؤامرة بقدر ما هي سياسة معلنة ومطالب محددة يمكن رفض بعضها ومقاومتها على الرغم من التقاطع الموضوعي مع بعضها الآخر باعتبار أنها مطالب داخلية أصيلة في الأساس، غير أن معاداة المجتمع الدولي برمته والصدام معه لا يمكن أن تؤدي إلا إلى أوخم العواقب.
ثانياً: إن مصير الوطن أهم من مصير أشخاص ومسؤولين فيه، مهما علت مناصبهم وبلغ شأنهم.
ثالثاً: إن وقف الاستقطاب الذي تكلم عنه الخطاب لا يأتي عبر الأسلوب القمعي التقليدي ـ ومن ذلك اعتقال كمال اللبواني بالرغم من عدم موافقتنا على موقفه ـ بل بالانفراج الديموقراطي وتحقيق سائر المطالب التي أجمعت عليها القوى الوطنية السورية.
رابعاً: لقد شكل إعلان دمشق بداية تحول إيجابي في سلوك المعارضة السورية، ونقطة انطلاق لتجميع أطراف الطيف الوطني الديموقراطي لتشكيل قطب معارض فعال قادر على المساهمة في درء المخاطر التي يتعرض لها الوطن.
خامساً: بالرغم من راهنية القضية الوطنية فإن القضية الديموقراطية تبقى هي المهمة المركزية لكافة القوى الوطنية الديموقراطية، باعتبار أن الديموقراطية ليست قيمة بحد ذاتها فقط، بل هي مطلب وشرط لإنجاز كل المهام الأخرى، وبالتالي لا يجوز تأخيرها تحت أي ظرف كان، وإن سعي النظام السوري لوضعها في تعارض مع القضية الوطنية إنما هو محاولة لعدم تنفيذ أي منهما، فخمسة عقود من قانون الطوارىء والأحكام العرفية وتجميد الحياة السياسية!!! وكم الأفواه لم تحرر شبراً واحداً من الجولان الحبيب المحتل.
اجتماع هيئة المكتب السياسي
لحزب العمل الشيوعي في سورية
تشرين أول 2005

في ذكراك يا كريم، يتألق الانتماء
كريم الحاج حسين ـ مواليد سلمية 1966
استشهد في فرع فلسطين 25/12/1995
نقف في جلال الوطن
في جلال الشهادة نخشع لكل جهة في الوطن
في حضرة الذكرى أقسمتُ أن تكون يا كريم القول الأول
في سفْر عودة القلم عندما يخط المداد
في كل حرف.. وكل كلمة. في كل سطر وكل بداية كنت
تفعل وكان الوطن الهدف!
كريم.. مثلُ حقول «سلاّم الغربي» مثل بواديه.. مثل كرومه ونبيذه المعتق.. قريتك النائية
مثل فجرها.. وصحو شمسها كنت بيننا شعلةً.. ضحكة.. قطرة ماء..
ثماني سنوات من السجن المريع.. بعدٌ عن الأحبة والأهل والأخوات والوطن..
محاكم جائرة.. وما بعدت عن حقك واصرارك في الحياة.
وبعدها أيام وأشهر في فرع فلسطين.. تصاريح لنيل الحرية والابتسامة على شفتيك..موال ليل حزين.. يحاصرك البرد والجدران والقضبان.. يداهمك المرض.. وترحل دونما وداع.. عيناك قصائد فرحنا القادم.. وأحلامك بوطن يعيش فيه الفقراء العدل والحرية.. وجهك النازف كل الأشياء.. عدا الشعر والشوق للسلميّة.. يأتينا كل مساء.. ياشهيد فرع فلسطين.
باستمرارك كنت رمزاً للبقاء.
وبشهادتك أعلنت الانتماء.
عشر سنوات.. على رحيلك يارفيق وقبضة القهر محكمة على خناق الوطن. الاستبداد يلاحقنا.. ومازلنا نحاولُ.. أن نصنع شيئاً..
أيها الرفيق الشهيد: أيتها الروح المجبولة باقحوان الوطن.. هلاّ نشرت دمك المهدور عباءة لقلوبنا الآملة.. وهلا بقيت بذاك الركن المضيء في أعماقنا.. في تاريخ بلدتك.. مدينتك التي بكتْ.. غصتْ.. اختنقت على ابنها. السلمية مثلما بكت مضر الجندي.. سليمان غيبور.. واحسان عزو.. ومصطفى عنابي وثائر حسون.. ومحمد عبود.. وأحمد شيخوني.. وجمال أضنه لي.. وخضر جبر.. وجمال حسينو.. وزهرة كردية.. وتاج الدين ريشة «الجنين الشهيد حيدر مرتضى» وقبلهم أخوك مصطفى الحاج حسين.
تتعدد الأسماء وتطول.. بطول الحدود وتزكو العطور والذكرى.. وتسمو.. ترتفع قاماتكم بيننا.. أرواحكم تضيء بصرنا وأبصارنا.. وتبقون في القلب.. وتبقون عبق الحبق في ليلنا..
يا حالماً.. بعدلٍ يطوف المسافات..
حرموكَ الشمس.. واقتنصوا الروح.. وهجروها حتى في قبرها.
وما استطاعوا أن يحرمونا المقبلَ الآتي..
لأهلك جميعاً.. لأخوتك.. لأخواتك كلّ العزاء.
ولنا بك يا شهيدنا نُبلَ الانتماء..
مثلك سنسير على الدرب.. على درب رفيقنا الأول محمد عبود أول من خط السطر الأول لاستمرار النبض الشيوعي المخلص في شهادته..
فهل تسمعني يا رفيق!!؟ هل يسمع الشهداء أم يرون؟!!
مهما استطالت أيادي العسف.. وتلوثت.. نعرف تماماً أن سطوع الحرية لا تحجبه ظلمات الأقبية والسجون.. ولأنك قمرٌ في ليالينا المظلمة.. فلن ننساكَ يا شهيد سورية الحبيبة.
لكَ.. ولكل الرفاق الشهداء.. مذ كنتم البدء الأول.. لملامح الوطن المنشود حرية وعدلاً.. ومذ رفضتم الإذلال.. والذل.. سيبقى الشعب وفياً لأبنائه.. وفياً لوطنه. رافضاً للقتل والاستبداد والإرهاب.. رافضاً للهيمنة الأجنبية والاحتلال.
لكَ.. ولكل الرفاق الشهداء .. أربعون وردةً وشماً..
أربعون وعداً.. فاتحة للحلمِ.. في حضرةِ الحداد..
أربعون قرنفلة بيضاء.. لوطن يُسكن بالشهداء....

إهداء إلى الصديق محمد ديب
المقال موجه إلى جميع جمعيات ولجان حقوق الإنسان في سوريا وخارجها وإلى جميع أحزاب المعارضة وخاصة القياديين والمحامين فيها وإلى أصدقاء محمد ديب القدامى، بسبب الإهمال الكبير في مسألة اعتقاله.
لأننا لا ننتظر من الآخرين المطالبة بالإفراج عنه.
خيار وفقوس
هذا مثل كان يستخدم في سورية وربما في بعض البلدان العربية للتمييز بين الناس، أما الآن فقد أصبح شائعاً في كل شيء حتى في السياسة وهناك مثل شبيه به بما معناه (موت الفقير ورذيلة الغني لا أحد يسمع بهما).
وما لمسناه حتى الآن أن محمد ديب كان من فصيلة الفقوس، فهو غني النفس لكنه فقير المال والشهرة، وهذا ليس ذنبه.
إنه لا يملك المال الكافي لملء جيوب بعض المحامين (الذين ينشدون الشهرة والضجة الإعلامية) لإثارة ضجة إعلامية كافية له ولهم، أو أنه لا يملك علاقات شخصية مع أعضاء جمعيات حقوق الإنسان بكافة أشكالها في سورية والخارج.
البعض عمل حسب إمكانياته المحدودة وله جزيل الشكر والبعض الآخر تقاعس وقال إننا في دولة أمنية، أما الذين زادوا الطين بلّة فقد برأوا ذمتهم وقالوا أنهم لا يمكن الدفاع عنه لأنه قام بنسخ بيانات للإخوان المسلمين وهذا خط أحمر فأضافوا بذلك تهمة إضافية للتهم التي وجهها له الأمن وهو بريء من جميعها، فهل أصبح كسب العيش من وراء نسخ الأوراق المكتوبة خط أحمر؟ جعل الله وجوهكم حمراء من الخجل فالخيار والفقوس موضة دارجة أكثر، فأوراق المعتقل محمد حسن ديب حولت من دمشق إلى منطق السلمية، فبعد مضي أكثر من شهرين على إعتقاله في دمشق تذكروا أن مكان وقوع الجرم المزعوم في منطقة سلمية فأحالوا إضبارته إلى المحكمة في سلمية ووصلت بتاريخ 21/7/2005 وأرسلت مذكرة إحضار بتاريخ 2/8/2005 إلى سجن عدرا لإحضاره إلى مدينة سلمية، واليوم هو 27/8/2005 ولم تصل المذكرة ولم يتم إحضاره للمحاكمة، والتواريخ هنا ليست للشرح وإنما للتذكير بأن هناك مئات الموقوفين يومياً ترسل مذكرات إحضار بحقهم من مدينة إلى أخرى وذلك باليد وبواسطة شرطي ويتم إحضار الموقوف بنفس اليوم لأنهم من فصيلة الخيار.
إلى حضرة النائب العام في دمشق وحماه وسلمية وإلى كل القضاة أتمنى أن يصبح محمد ديب من فصيلة الخيار ويخلع عنه جلد الفقوس حتى ولو كان ذلك أمام المحامين المتقاعدين، وأحكموا بالعدل يا أولي المليارات على فقير لا يملك القروش.
العين لا تقاوم المخرز:
من يوم اعتقال محمد حسن ديب في 26/5/2005 وعامة الناس في منطقة سلمية وضواحيها ومن يعرفه في المحافظات الأخرى يقول: إن حسن ديب رجل اجتماعي وصادق ويحب أن يساعد كل الناس حتى من أساء إليه، لا يمكن لحسن أن يعامله بالمثل، لكن في نهاية المطاف يقولون العين لا يمكن أن تقاوم المخرز، ماله ومال السياسة؟.. (لم يدرك هؤلاء الناس أن من يقول الصدق أو يعمل به في بلدنا هو ولا شك يعمل في السياسة، ومن لا يرتشي ويمتلك اليد النظيفة هو أيضاً يعمل في السياسة، ومن هو ليس بعثياً ولا يعمل مع المخابرات، يعمل في السياسة والسياسة المضادة) من يومها عرفنا أن السلطة والأجهزة الأمنية والمخابراتية أصبحت مخرزاً في نظر عامة الشعب السوري (للتذكير المخرز أداة معدنية لها رأس مدبب ومقبض خشبي كانت تستخدم قديماً لصناعة أدوات القش المنزلية، وحالياً تستخدم لفقأ العيون) هذا المخرز الذي اختار عيون محمد ديب ليكون درساً للذين لا يغلقون عيونهم والذين يتلقون يومياً تهديدات أمنية وأصبح لها أشكال معلومة لدى الجميع، مثلاً رسائل قصيرة على الخليوي (دورك آت) وعلى البريد الألكتروني (قصر لسانك وإلا) بالإضافة إلى الفيروسات وتشفير بعض المواقع ...إلخ.
هذا كله عدا مراقبة خطوط الهواتف الأرضي والجوال، وأبواب البيوت والمحلات، وأفواه الناس متى تفتح ليغلقوها، لكن عندما تغلق أفواه الناس وعيونهم فإن هذا يتحول إلى حقد وكره يتراكم في القلوب والعقول وما أكثر الحاقدين الآن.
مع عدم الموافقة
محمود عيسى

وسط ضجيج الإصلاح ومفرداته والكلام الكثير عن الانفتاح وطي صفحة الماضي ورأب الصدع ونكئ الجراح، والبدء بتسوية أوضاع البلاد والعباد، أسرعت إلى شعبة تجنيدي في بانياس، لعلي أحظى أخيراً بنعمة الحصول على الموافقة الأمنية الميمونة لحيازة جواز سفر، ربما لا أستخدمه.
تخطيت الدرجات الخمسة عشرة الأولى بهدوء، وقفزت مثيلاتها الأخيرة قفزاً قبل أن أدخل آخر غرفة على اليمين في البهو، غرفة الموافقات الأمنية للموقوفين سابقاً كما يحبون تسميتنا، ليبادرني الموظف الجالس وراء طاولته بابتسامة باردة:
ـ لم تأت الموافقة.
ـ لماذا هذه المرة؟
وبكل ثقة أجابني: لأن لا عنوان لك في حمص!
ضحكت بمرارة وسخرية لم أكن أرغب في إخفائها، لأني لن أتخفى مرة أخرى، وعملنا سلمي وعلني وديمقراطي، والسرية والتخفي ليستا بواردنا، لا كحزب ولا كأفراد، فلقد جربت التخفي خمس سنوات قبل الاعتقال في شروط استثنائية للنضال بكل المقاييس، وأجبرت على التخفي مع العشرات غيري من حزبنا ومن الأحزاب الأخرى.
ها هي أربع سنوات ونيف مرت على خروجي من المعتقل مع مجموعة من رفاقي، وكنا الدفعة الأخيرة التي خرجت من سجن تدمر سيء الصيت، مع مئات من المعتقلين السياسيين الآخرين، وتذكرت كلمات ضابط الأمن رفيع الرتبة الذي استقبلنا في مكتبه في دمشق يوم خروجنا قائلاً بعد التهنئة:
ـ "أنتم ضحية مرحلة سابقة، لا تحكموا علينا الآن، اخرجوا واعملوا في السياسة، نظموا صفوفكم، خطنا الأحمر هو السلاح، والعلاقة مع الخارج..."
ولم ينس أن يقول: " كل شيء تغير، خلف ظهورنا الماضي، كلنا في زورق واحد، والمستقبل لنا جميعاً "
أربع سنين ونيف مع عدم الموافقة، خمس محاولات ونيف مع عدم الموافقة.
وما أضحكني كثيراً أن السبب وراء عدم الموافقة هو عدم وجود عنوان لي في حمص!!!
وتداعت الأحداث في ذاكرتي، وأنا أقلب وأعدُّ المرات التي زارني فيها رجال الأجهزة الأمنية سواء في مكان عملي الأول الذي طردت منه لأسباب أمنية،أو في مكان عملي الراهن، وحتى في منزلي!!!
تعرف الأجهزة الأمنية (العسكري والسياسي وأمن الدولة) أماكن تواجدي جميعها، ولون سحنتي، والكثير الكثير من الأشياء التي يتفردون بمعرفتها عني دون غيرهم من المخلوقات، وأتذكر أنه بعد تقديمي الطلب الأول للحصول على بطاقتي الشخصية، أبلغني الأمن السياسي عن ضرورة مراجعته، وعندما قدمت لأول مرة طلباً للحصول على جواز سفر، شرفني عناصر الأمن العسكري بزيارة إلى منزلي بحمص، وقالوا يوم ذاك: عليك مراجعة الفرع لأمر يخص جواز سفرك!!
وعندما حضرت إليهم أعطوني كتاباً لفرع الأمن العسكري بطرطوس، وقابلت يوم ذاك الشخص المسؤول الذي حولني بدوره إلى الضابط المسؤول عن الأحزاب واستقبلني قائلاً: أتريد جواز سفر؟
ـ نعم.
ـ لماذا؟
ـ لأبحث عن فرصة عمل خارج البلاد.
ـ أين؟
وأردف قائلاً: إلى أيّ حزب تنتمي؟
ـ حزب العمل الشيوعي. فأجابني: هذا الحزب انتهى.
قلت له: ربما هذه هي المرة الألف التي يقول فيها ضباط الأمن ورجال السلطة أن الحزب قد انتهى. وأضفتُ: أنا لم أترك الحزب، وما زلت عضواً فيه، وما دام هناك معتقلٌ باسم حزب العمل الذي ناضلت فيه، فأنا رفيقه، وفي السجن معه.
رنَّ ضابط الأمن جرسه وأعلن نهاية اللقاء قائلاً:
ـ لا تتفاجأ إن رفض طلبك وعاد إليك مع عدم الموافقة.
عدت إلى حمص، وفي منزلي أعلمتني زوجتي أن شخصاً يدعى فلاناً... اتصل بي، وعندما ذهبت إلى مكان عملي في الصباح كان عناصر أحد الفروع الساهرة على أمن وقهر المواطن ينتظرونني في مكان عملي، ويحملون في جعبتهم الكثير من الأسئلة، منها الأمني، ومنها السياسي، وهم بأشد حالات التهذيب واللطف!!
فقلت: ها أنتم تعرفون عنوان منزلي ورقم هاتفي ولون سحنتي وأصدقائي ومكان عملي الذي ملَّ زياراتكم.
آخر زيارة من هذه الزيارات لم يمض عليها سوى أيام قليلة، جاء عنصران من أحد الفروع الأمنية، أحدهما جديد، قدم نفسه وعرف بزميله: فلان .. مساعد في الأمن السياسي...
قلت له: محمود عيسى، عضو في حزب العمل الشيوعي.
فماذا بعد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
اعترافات
# 1 #
إلى متى أيتها المرارة تندلعين
كالنار في أحشائنا؟
تسكبين في حلوقنا طين الخنوع،
وتشعلين في مفاصلنا كآبة الهزيمة؟
# 2 #
لا أوافق أن نتبادل الكلام
على غفلة في هذا الجحيم،
أن نسبح في مستنقع الجراد
أن نرقص في علب الكبريت
نتناول القهوة، والظنون
ونمسك السراب كاليقين!
# 3 #
أعترف أن خيوط الأمل
تمسك بأعناق أسئلتي
وبأن رقصة ذراعك
تحت الرذاذ ترنيمة وداع
وبأن الكلمات الغاضبة
ترقص فوق جراحنا،
اعترف أنك معبودتي
وبأن ارتعاشي بين أصابعك
يخلقني من جديد.
***************
قصيدة: حسان ديوب

لا للاغتيالات السياسية

توج مسلسل الاغتيالات السياسية في لبنان بعقد جديد من السلسلة باغتيال النائب والصحفي البارز جبران تويني . وجاء توقيت الاغتيال قبيل تقرير ميلتس الثاني بحيث أتاح للحكومة اللبنانية تصعيد مطالبها بتوسيع دائرة التحقيق ليشمل جميع الاغتيالات السابقة من محاولة اغتيال النائب والوزير مروان حمادة حتى الراحل تويني .وإضافة الحكومة اللبنانية مطلب جديد في مجلس الأمن بتشكيل محكمة ذات طابع دولي.
إننا في حزب العمل الشيوعي ندين عملية الاغتيال الجديدة وكافة الجرائم السابقة والتي تأتي في سياق التصفيات السياسية .ونتقدم بالعزاء إلى أسرة الراحل تويني وخالص العزاء لأسرة تحرير النهار
حزب العمل الشيوعي
12/12/ 2005

رحيل الرفيق سلمان أمون
ودع رفاقنا في حزب العمل الشيوعي الرفيق سلمان أمون الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد حياة نضالية طويلة . فالمرحوم من الرفاق الذين اعتقلوا في حملة شرسة شنتها الأجهزة الأمنية السورية في العام 1984.
وعاش الرفيق حياة رفاقية كاملة في المعتقلات والسجون السورية كان آخرها في سجن صيدنا يا العسكري حتى إطلاق سراحه في عام 1991 بعد مروره بالحواجز الأمنية في فرعي ( 248، 235 )العسكريين .
ورغم محاولات الاندماج والعودة إلى الحياة الطبيعية في المجتمع وقريته. ظل الرفيق بعيداً عن الاندماج الكامل نتيجة المراحل السابقة من حياته حتى غادرنا في نهاية الشهر الحادي عشر من العام 2005.
إلى أصدقاء ومحبي وأهل وأبناء الرفيق العزاء والسلوى . ولهم طول البقاء

رفاق سلمان أمون




#حزب_العمل_الشيوعي_في_سورية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البيان التأسيسي للجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في س ...
- بيان من حزب العمل الشيوعي في سورية
- إعلان دمشق، وموقفنا بين المبدئية والممارسة- الخط الثالث
- الآن - العدد (32) تشرين الثاني 2005
- تدويل الوضع السوري ( المسألة السورية) تداعيات لجنة التحقيق ا ...
- الآن -العدد (31) أيلول 2005
- بيان اثر اعتقال بعض ناشطي (خميس الاعتصام) في طرطوس
- نداء إلى أبناء وطننا السوري حيال أحداث القدموس الثانية
- الآن العدد 29
- بيان صادر عن حزب العمل الشيوعي ـ المكتب السياسي
- الآن العدد28
- بيان من حزب العمل الشيوعي
- الآن العدد (27) أيار
- نشرة الآن العدد 26
- الوطن في خطر دعــوة الى حـوار وعمــل انقـاذي مشتـــرك
- العدد 25نشرة الآن
- نشرة الآن- العدد 24
- الآن
- الآن العدد 22 / تشرين الأول 2004
- الآن – العدد 21 – أيلول 2004


المزيد.....




- سعودي يوثق مشهد التهام -عصابة- من الأسماك لقنديل بحر -غير مح ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل ضرباته ضد أهداف تابعة لحماس في غزة
- نشطاء: -الكنوز- التي تملأ منازلنا في تزايد
- برلين تدعو إسرائيل للتخلي عن السيطرة على غزة بعد الحرب
- مصر تعلن عن هزة أرضية قوية في البلاد
- روسيا تحضر لإطلاق أحدث أقمارها لاستشعار الأرض عن بعد (صور)
- -حزب الله- يعلن استهداف ثكنة إسرائيلية في مزارع شبعا
- كييف: مستعدون لبحث مقترح ترامب تقديم المساعدات لأوكرانيا على ...
- وسائل إعلام: صواريخ -تسيركون- قد تظهر على منظومات -باستيون- ...
- رئيس الوزراء البولندي: أوروبا تمر بمرحلة ما قبل الحرب وجميع ...


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حزب العمل الشيوعي في سورية - الآن - العدد (33) كانون أول 2005