أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حزب العمل الشيوعي في سورية - اجتماع الهيئة المركزية لحزب العمل الشيوعي تحليل سياسي















المزيد.....



اجتماع الهيئة المركزية لحزب العمل الشيوعي تحليل سياسي


حزب العمل الشيوعي في سورية

الحوار المتمدن-العدد: 1437 - 2006 / 1 / 21 - 10:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


(كانون الأول 2005)
أولاً: في الوضع العالمي: يتجسد المشهد العالمي الرئيسي في متابعة العولمة هجومها السريع والشامل وتأثيراتها العميقة، بوجوهها المتعددة بحيث تدفع لوضوح اللوحة, (باصطفاف القوى والتناقضات، والصراعات)، وارتساماتها في المرحلة الانتقالية التي تعبرها البشرية عبر المسارات الجديدة والبعيدة، بتأثير مراكز القوى الرأسمالية (الاقتصادية ...إلخ)، ومن سوء حظ البشرية، أن القوة القائدة المركز الامبريالي الأمريكي، واستراتيجيته في العمل والوسائل التي يستخدمها في التنفيذ ووسائل خياراته الاستراتيجية (تدخلية، شمولية)، في محاولة السيطرة على العالم، من منطلق مصالحه وأهدافه، غير الديموقراطية، متحكم، بالعلاقة مع المراكز الرأسمالية الأخرى الحليفة، مروراً بالهيئات والمنظمات العالمية المختلفة التي تعبر عن مصالح المنظومة الرأسمالية برمتها، وصولاً إلى مؤسسات ما يسمى الشرعية الدولية (الأمم المتحدة)، واستراتيجية تقسيم العالم وفق المصالح الأمريكية، إلى (مع وضد) وتفرض ذلك على مؤسسات الشرعية الدولية نهجاً وسلوكاً انتقائيين في القضايا المطروحة وبهذا يصبح أي قرار هام في مجلس الأمن لا يمكن تحقيقه إلا بالإرادة الأمريكية، وفي حال يصعب تحقيقه في إطار الشرعية الدولية، تحققه بصورة متفردة، إلى درجة أصبح فيه جدول أعمال مجلس الأمن أجندة أمريكية وبشكل خاص في منطقتنا (القضية الفلسطينية، العراق، لبنان، إيران، سوريا ...إلخ).
وعلى الصعيد الأخلاقي، تتكشف ممارسات الإدارة الأمريكية، بملف التعذيب في (السجون العراقية، غوانتانامو، السجون السرية في أوربا والشرق الأوسط)، والعلاقة مع منظمات حقوق الإنسان بخصوص ذلك، عداك عن تبرير استخدام الفوسفور الأبيض في العمليات العسكرية داخل العراق، بالإضافة إلى موقف الإدارة من قضايا البيئة التي تهدد الأرض.
وتستخدم كافة المراكز الرأسمالية ذات الأساليب العولمية في قطبية العلاقة والتأثير المدمر لمستوى التركيز الاقتصادي والثروة بين الشمال والجنوب، وقضايا الدعم الاقتصادي للزراعة وقطع المجال على إمكانية التنافس في الإنتاج الزراعي بين القطبين السابقين والمشاكل المثارة في منظمة التجارة العالمية لذلك السبب أو أسباب حمائية تتخذها الدول الغنية على الرغم من كل الادعاءات المتعلقة بحرية السوق والعديد من المشاكل الإنسانية المتعلقة بهجوم خط الفقر وابتلاعه قطاعات بشرية أكثر اتساعاً، (المجاعات، وموت الأطفال، وتزايد الجائحات المرضية. كل ذلك ناجم عن موجة حكومات الليبرالية الجديدة ومناصريها، التي تحاول إعادة التاريخ إلى الخلف بضرب خدمات الدولة وبنضالات القوى الشعبية.. والعودة إلى جنون السوق وعلاقاته المنفلتة، باستخدام الميكيافيلية في حسم الصراعات العالمية وضبط مناطق الأزمات.
من جانب آخر نلحظ ايجابيات العولمة وفي مقدمتها تحرير المعلومة التي تتجاوز التفاعلات السريعة والموحدة ومستقبلها في تاريخ البشرية بقواها الأخلاقية والديموقراطية والإنسانية وصعوبة إخفاء أسرار الكبار، وعلى الرغم من استمرار احتكار المراكز الرأسمالية لأكثر حلقات التقنيات والاختراعات تطوراً وتحكماً، فإن موضوعية التطور العولمي حررت ذلك الاحتكار بسويات كبيرة.
تجاوزت إيجابيات العولمة التقنيات إلى الموجة الديموقراطية وضرورة إلغاء القمع والديكتاتوريات وأفسحت المجال لمواجهة مراكز رأس المال العالمي من خلال التناقض بين المراكز نتيجة للمسار الخاص بكل مركز.
وتقوم هذه الموجة في أحد وجوهها الرئيسية على ردود فعل متطورة راقية من قبل الشعوب الأوروبية ونخبها فوق السلطوية، وتأثير هذه النخب في المقارنة مع النخب الأمريكية. فالموجة الديموقراطية ترتقي لتفرض على السلطات الرأسمالية والإدارة الأمريكية تغليف أهدافها وممارساتها بإسم الديموقراطية في مواجهة بعض النظم القمعية عندما تتقاطع مصالحها لتركيز العمل في تلك الساحات.
مع تصاعد التيار الإسلامي الكبير برزت موجة الإرهاب الإسلامي التكفيري الذي طال المجتمع الأمريكي وغيره، بشكل خاص بعد أحداث /11/ أيلول، واجهت الإدارة الأمريكية هذه الموجة بدمج الأهداف على أرضية تجسد المصالح بصورة ملموسة وخلطت ما بين الأطراف الإرهابية وبعض النظم القمعية الديكتاتورية، لتختار أوليات استراتيجيتها مع كل نظام على حدى. وفي هذا السياق عملت على تجفيف منابع الإرهاب، وإعادة صياغة مناطق بكاملها بتغيير النظم القائمة فيها، ووضع علاقة مختلفة بين تلك النظم وشعوبها، علاقة توافقية مختلفة عن الماضي الاستبدادي الذي يولد قوى الإرهاب ويهدد المصالح الأمريكية (حسب ادعاء الإدارة).
ـ في مقابل المراكز الرأسمالية المذكورة سابقاً. تتجلى القوى المناهضة لها بـ:
1 ـ قوى مناهضة العولمة التي لاتزال في وضعية أولية ضعيفة غير منظمة بينما المطلوب العمل الجاد والمشترك لخلق مؤسسات أممية أخرى موازية ونقيضة، منظمة وفعالة قادرة على عملية الجمع الديموقراطي للتيارات المتنوعة المناهضة للأمركة وبقية الوجوه السيئة في العولمة. وبالنسبة لنا هناك ضرورة للإنخراط فعلياً في تلك الجهود، لنكون جزءاً هاماً وفعالاً منها. وفي الوقت الذي نعترف فيه بتقصيرنا وانشغالنا الكامل بقضايا محلية وإقليمية عربية.
2 ـ قوى المناهضة الإسلامية (أو ما يعرف بالإسلام السياسي) تخوض صراع عنفي مع الإدارة الأمريكية وتحالفاتها بسبب البرامج والممارسات القصووية لكلا الطرفين ونقل الصراع من الحقل السياسي إلى الإسلام كدين ومنظومة متكاملة من وجهة النظر الأمريكية.
ثانياً: في الوضع الإقليمي:
العراق: لا تزال طاحونة العنف في العراق تأكل كل شيء، يتحول السبب إلى نتيجة وبالعكس، تنقل أهداف الأطراف المتصارعة من سوية إلى أخرى، بما في ذلك أهداف الإدارة الأمريكية وبادعائها وجود أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها النظام العراقي، وتنسيقه مع قوى الإرهاب الدولي، ودوره الاقليمي في منع الاستقرار في المنطقة، وقضية قيام نظام ديموقراطي بديل، ونشر الديموقراطية، وانتقالها إلى هدف مقاومة الإرهاب الديني الإسلامي المحلي والعالمي باعتبار الساحة العراقية الجبهة المركزية في مقاومة الإرهاب الدولي. ومنع الحرب الأهلية في حال انسحاب القوات الأمريكية، وصياغة المنطقة والتخلص من القمع والاستبداد وإقامة نظم ضعيفة تعتمد التوافق الطائفي.
وفي الوقت ذاته تحولت أهداف العديد من الأطراف العراقية إلى مقاومة الاحتلال، وانتقل البعض منها إلى أهداف القتل على الهوية وإبقاء نيران الحرب الأهلية مشتعلة، والعمل على خلق كيانات طائفية. ودعوة قوات التحالف لاستمرار الاحتلال وعدم برمجة انسحابها بسبب التخوف من امتداد الحرب الأهلية.
ونحن في حزب العمل الشيوعي، لا نزال نعتبر أن الاحتلال الأمريكي هو الذي يرسم الاتجاهات الأساسية للتطور في العراق، ويخلق ردود الفعل القائمة بكل وجوهها واتجاهاتها، بناءً على اعتبارنا السابق الذي يفترض مقاومة الاحتلال. كما نصت عليه المواثيق والشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
إن هذا النوع من المقاومة لا يزال ضعيفاً وغير متبلور في برنامج يدمج بين العملية السياسية وهدفها المركزي إنهاء الاحتلال والأهداف الأخرى. رغم ما توصلت إليه العملية السياسية الجارية بعد مؤتمر القاهرة.
ـ إن الوجه الثاني الهام في العراق الذي برز بعد سقوط النظام الديكتاتوري، هو التمزق والاستقطاب القائم على أساس العصبيات المتخلفة والاحتمالات الخطرة لتطورها فيما يتعلق بوحدة العراق، أو تخلف العملية الديموقراطية وهشاشتها، وتحولها واقعياً في الكثير من اللحظات الحرجة إلى مشروع تقسيم أو مشروع حرب أهلية. أما الآن فهي مسؤولية القوى السياسية الأكثر نفوذاً وتحكماً «بسبب طابعها الايديولوجي ثم كقوى وشكل دعاوتها وتحريضها، والمرجعيات الفكرية التي تستند إليها». هذه القوى جاءت مع موجة المد الإسلامي، في نفس الزمن الذي كان يفعل فيه النظام الفاشي العراقي فعله التخريبي المدمر وخلق الشروط للعراق القائم حالياً.
مما تقدم نرى أهمية عالية للعملية السياسية ذات برنامج وطني مقاوم للاحتلال، ومتجاوز نهج التذرير وانفلات العصبيات، كما يتجاوز عمليات التوافق الطائفية الشكلية وتزداد ضرورة هذه العملية السياسية كلما زادت مصاعب الاحتلال، وانكشافه أخلاقياً، مما يدفع إلى توسيع المقاومة جماهيرياً بانضمام فئات أخرى من الشعب العراقي وقوى سياسية تتمفصل مع إيران (بما هي مرجعية روحية وعلاقات تاريخية).
وبدى واضحاً أن الأطراف الكردية غدت أكثر استيعاباً للشروط الداخلية والإقليمية الخاصة بالقضية الكردية ووضعت ثقلها على طريق انجاز الطريق الديموقراطي.
ويأتي الوضع العراقي في الدرجة الثانية (بعد اللبناني) من حيث الأهمية ومستوى التفاعل والتأثير في الوضع السوري، أو قدرة النظام السوري على الفعل والمناورة من خلاله.. والعراق ساحة كان النظام ولا يزال مستعداً على تقديم الكثير من التنازلات فيها بالمقارنة مع الساحة اللبنانية على الرغم من أن حجم الضغوط التي مورست عليه من أجل الساحة اللبنانية هي أعلى بكثير، وسيبقى العراق ساحة ممارسة ضغوط على النظام السوري بحكم الجغرافيا والحدود. بحكم التاريخ السياسي المعاصر وعلاقة النظام بالقوى السياسية المعارضة كلها، وحدود التناقض مع الإدارة الأمريكية، وعدم استعداد النظام للتخلي الكامل عن علاقاته ونفوذه والعديد من أشكال اللعب والتدخل.
كما أن الساحة العراقية بكامل دروسها وتركيبتها ومستقبلها.. تبقى ساحة للقياس والتفاعل على الصعيد المجتمعي والمعارضة وبقية الفعاليات السياسية على رأسها النظام، ستبقى ساحة للقياس على قضايا العامل الخارجي وتدخلاته، قضايا الاحتلال. العنف والارهاب المتبادل، المقاومة المشروعة هشاشة الوحدة الوطنية وتقدم العصبيات، عملية الانتقال الديموقراطي في الشكل والمحتوى، التركيبة الطائفية والاثنية وموقعها ودورها في تلك القضايا، صحيح أنه لكل ساحة مسارها وشروطها وتطوراتها الخاصة.. لكن الشروط تتشابه وتتقاطع في العديد من الجوانب، والتفاعلات الواسعة والعميقة حتمية لأسباب جغرافية وسياسية كثيرة، والعراق ساحة يجب أن تكون أنظارنا عليها بالمتابعة واستيعاب الدروس والتفاعلات لأخذ ذلك بعين الاعتبار في العمل الوطني الديموقراطي السوري ومساراته.
ـ لبنان: إن تطور الوضع في لبنان يشكل أهمية وتأثيراً على الساحة السورية تفوق أهمية الوضع العراقي إن كان بسبب دور النظام السوري المؤثر على مدى ثلاثين عاماً من وجوده وسيطرته العسكرية والأمنية( ما يشبه الضم والتحكم ) تتمفصل مع تركيبة القوى السياسية الوطنية اللبنانية وتحالفات قسم هام منها مع النظام السوري إن كان على أرضية الموقف من الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية وتقاطع المصالح والمواقف الوطنية وأحياناً الشخصية ( الأحزاب القومية والماركسية ،حزب الله..الخ ). ذلك يعطي الساحة اللبنانية أهمية قصوى في مستقبل الوضع السوري بحد ذاته وبالتالي هي ساحة قياس شاملة لكل القضايا التي ذكرناها (خاصة عملية الانتقال الديموقراطي ومتطلباتها، الدور الأمريكي ،المسـألة القومية والصراع مع الكيان الإسرائيلي بمنعكساتها الوطنية في كل ساحة. وهذا يقودنا إلى
التدخل الخارجي (الأمريكي خاصة) وتكتيكه بقسم القوى اللبنانية الذي أدى ويؤدي إلى ازدواجية سلطة، بالتمفصل على العامل الخارجي وأهدافه المتشابكة مع قضايا المنطقة (القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الإسرائيلي، الموضوع السوري وعلاقة النظام مع بعض القوى اللبنانية، الموضوع الإيراني..) وذلك يقود إلى تدويل الحالة اللبنانية ويضعها على حافة الانفجار،رغم أن الصراع الداخلي في لبنان جاء عموماً في إطار صراع سلمي لكنه متوتر وموقف الأطراف والقوى متناقض بصورة حادة من القضايا التي ذكرناها، ومن الصعب أن يستمر ذلك الصراع في إطار سلمي لمجرد تقدم الأجندة الخارجية (الأمريكية خاصة) المتعلقة بسلاح حزب الله والميليشيات الأخرى والمسائل الوطنية المتعلقة بالاتفاقات مع الكيان الإسرائيلي ومسألة شبعا، وقضايا المقاومة والعلاقة مع الوضع السوري برمته (النظام أساساً)، وتداعيات مقتل الحريري ،واستمرار الاغتيالات والاتهامات الحدية القائمة على أساس التناقض في المواقف من جهة الطرف المتهم بمسلسل الاغتيالات معظم ( قوى 14 آذار تتهم النظام الأمني السوري وتدعو إلى مزيد من التدخل لأجنبي) والذي يؤدي إلى تدويل الحالة السورية على الطاولة للحسم) والمعركة لا تزال تدور في لبنان وبالوكالة.
بالرغم من محاولة الإدارة الأمريكية نقل الصراع إلى سورية من خلال الضغوط والتهديد لكنها لم تنجح مما يبقي الساحة اللبنانية ساحة قابلة للانفجار، ويجعل عملية الانتقال الديموقراطي السلمي في لبنان غير قابلة للتطور العقلاني في المدى القريب( رغم الانتخابات النيابية الأخيرة وتغير الأكثرية وسياساتها) مما يعقد ويؤجل المطالب المتعلقة بتطور العملية الديموقراطية واستقرار الدولة وإقفال الملفات الكثيرة التي تعيق ذلك بالمعنى الموضوعي
( مسألة المقاومة وسلاح حزب الله.. وضرورة خضوعه للدولة) وبحكم تشابك وتناقض الأهداف والوسائل وهشاشة التركيبة الوطنية اللبنانية وعمق الطائفية السياسية، وبهذا تصبح هذه التركيبة مادة أساسية في الصراع كبقية الملفات .
ـ لا شك أن العامل السوري سيبقى ذا فعالية وحضور كبيرين في لبنان من خلال الاستعصاء اللبناني الداخلي وتناقضاته على البرامج ( مابين القوى المتحالفة استراتيجياً مع النظام السوري تتمفصل معه حول المسائل الوطنية تحالفاً، وقوى المعارضة للنظام والتي دخلت معه معركة كسر عظم ورد النظام عليها من خلال خطابه التجييشي الأخير .
إن الساحة اللبنانية لاتزال ساحة صراع دولي وإقليمي لأطراف سياسي عديدة ذات مصالح ولديها القدرة على اللعب واستخدام وسائل مختلفة بما فيها الاغتيال السياسي واستثمار الأمر، خاصة وأن هذه الأطراف لا تختلف عن بعضها كثيراً من منظورات أخلاقية، أو الاستعداد للقيام بعمليات قذرة بما فيها النظام السوري وأجهزته الأمنية .
مصر: أثارت الانتخابات المتتالية، خاصة التشريعية الأخيرة ونتائجها بتقدم التيار الديني ردود فعل سياسية مختلفة، أهم الدروس المستفادة عملية الانتقال الديموقراطي في مصر أولاً: إفلاس النظم الديكتاتورية الشمولية مهما تعاملت هذه الأنظمة بذكاء في التحكم بمجتمعاتها، على طريقة النظام المصري ( تنشيط العملية السياسية من جهة وضبطها من جهات أخرى، مستغلاً تاريخ الهامش الخاص لاستقلالية القضاء المصري) ونعتقد أن تقدم عملية الانتقال الديمقراطي ستمتد إلى كامل المنطقة . أما الدرس الثاني فيقوم على أساس صعوبة تجاوز الإسلام السياسي في المنطقة كجزء من الموجة الإسلامية التي بدأت مع انتصار التيار الديني في إيران وصعوده في أفغانستان وتبنيها اللاحق للقضايا الوطنية ومعاداة الغرب وإن كان هناك أي تراجع في هذه الموجة أو جذر فهو حتى الآن غير ملموس إلا بصورة أولية، ونضيف أن الموجات الأخرى هي مجمدة على الرف بصورة أو بأخرى، ما عدا موجة الديموقراطية والقيم الإنسانية والإصلاحية المعاصرة والتي تواجه الكثير من المصاعب والعقبات في بلداننا. إن العامل الإسلامي يأخذ وجوهاً عديدة في العملية السياسية ويمتد من الإرهاب والتكفير إلى العمل العلني تحت يافطة الديموقراطية.. وفي مصر اكتسح الإخوان المسلمون ساحة الانتخابات، وكانوا الطرف الوحيد الذي حقق انتصاراً صريحاً وكبيراً على الرغم من الجهود الهائلة للنظام المصري في الضبط والتحكم بالعملية الانتخابية، لقد خسر الحزب الحاكم والسلطة، خسرت القوى الاشتراكية والقومية.ومن المعروف أن النظام المصري حاول مضاربة التيارات ببعضها، كما فعل السادات بتقوية التيار الديني في مواجهة اليسار، لكن بعد عملية التسوية والاتفاقات مع الكيان الإسرائيلي وانطلاق الإرهاب والعنف الديني في مصر وتصاعد الموجة الإسلامية فإن التيار الديني بكل وجوهه السياسية تعرض للقمع والاضطهاد أكثر من التيارات الأخرى، هذا درس على الجميع استيعابه، والعمل لدفع العملية الديموقراطية إلى نهاياتها، واستغراق نتائجها التاريخية المحتملة حتى ولو كانت قاسية في بعض المراحل.. ومع ادراكنا لإشكالات العقائد الدينية وموقفنا منها على أرضية النقد الدائم من منظور نهضوي وتنويري وضرورة قيام مرجعية وضعية أساسها حقوق الإنسان واحدة لكل التيارات والعقائد وتجاوز الخصوصيات بما لايترك مجالاً للعب على العصبيات المتخلفة. كما أننا نعرف جيداً إشكالات البرنامج الاجتماعي عند الإخوان المسلمين وعلاقته العضوية مع النظام الرأسمالي (اقتصادياً). ورغم ذلك فهم القوة الأكثر تماسكاً بالمعنى الأيديولوجي في مقابل هشاشة وخلافات ايديولوجية لدى التيارات الأخرى. كما أن الإخوان المسلمين في مصر حافظوا خلال زمن طويل، أكثر من عشرين عاماً على خطاب نقدي سياسي للنظام القمعي والشمولي. وطوروا جزئياً خطابهم في إطار تنويري للتقاطع مع الموجة الديموقراطية.. بالاضافة إلى عملهم وسط الجماهير الواسع والفعال والمتراكم منذ زمن طويل، ولا ننسى موقفهم المتناقض من العامل الخارجي الأمريكي والإسرائيلي. هذه العوامل إضافة إلى البراغماتية السياسية لعبت دوراً إضافياً أيضاً في تقدم نفوذهم. أما الدرس الثالث فيتعلق بالأنظمة القمعية المتخلفة في كامل المنطقة، فهي بقدر ما تتقدم وبسرعة ببرامج إصلاح معاصرة، بقدر ما تحقق مصالحها وتخلق لنفسها وسائل تكيف جديدة مع متطلبات السلطة والعملية الديموقراطية، وبذلك تخرج مجتمعاتنا من الجمود وتزداد العملية السياسية نشاطاً، كذلك تتراجع الاحتقانات وشروط الحرب الأهلية، وعلى العكس من ذلك، بقدر ما تعاند وتصر على القمع وضبط المجتمع من مصالحها الضيقة، تزداد لوحة الوحدة الوطنية دماراً وتخريباً وتتقدم شروط الحرب الأهلية، وتخلق مبررات العنف وشروطه، أما الدرس الرابع فيتعلق بالتيار الديني نفسه، إذ بقدر ما يقدم نفسه متقاطعاً مع الموجة الديموقراطية والقيمية المعاصرة باحثاً ومهتماً بمرجعية عامة متطورة يقبل بها الجميع. فإنه بذلك يسحب البساط من تحت العامل الخارجي ويقطع عليه الطريق تماماً في إمكانية استخدامه واستغلاله لتناقضات المجتمعات الشرق أوسطية، واللعب على الاحتقانات والعصبيات بمضاربة الاتجاهات الإسلامية ببعضها، ومضاربتها أيضاً مع التيارات الأخرى بكل صنوفها، كما يخلق ظروفاً حمائية لتمتين الوحدة الوطنية وقطع الطريق على احتمالات الحرب الأهلية.
«فلسطين والكيان الإسرائيلي»:
سيبقى للعامل الفلسطيني قوته الموضوعية الخاصة في التأثير، سواء كان في سياق تصاعد الموجة القومية أو الموجة الإسلامية القائمة، وسيبقى إلى مدى بعيد (حتى يتحقق الحد الأدنى من الحل العادل للقضية الفلسطينية)، ويكتسب تأثيره الموضوعي والحتمي وقوة وجوده، أو عودة تصاعده بعد كل ضعف أو تراجع إلى كونه يقوم على أكثر قضية عادلة وأخلاقية عرفتها البشرية، بسبب المؤامرة اللاأخلاقية والتي لا يزال العالم بقواه الكبرى المقررة مسؤولاً عنها، ويستحيل الصمت حيال هذه القضية لصالح احتلال عنصري واستيطاني وعسكري، خاصة في هذا العصر، تلك الشروط الأساسية هي التي افترضت ولا تزال مقاومة الشعب الفلسطيني بكل أشكالها، هي التي تعيد احياءها، على الرغم من جهود الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية التي لا تهدأ لإزاحة أهداف الشعب الفلسطيني عن مسارها، وتفريغها من مضمونها. إن طبيعة المشروع الإسرائيلي كانت ولا تزال تجعل من المقاومة العنصر الحاسم للوصول إلى الأهداف العادلة للشعب الفلسطيني في حده الأدنى لا يتوقف عند إقامة دولة فلسطينية مستقلة (في القطاع والضفة متصلة وقابلة للحياة عاصمتها القدس) مع ضرورة حل بقية المسائل المفتوحة والنازفة، على رأسها عودة اللاجئين بل يتعداها إلى تصفية النظام العنصري الاستيطاني العدواني في الكيان الإسرائيلي. بدون ذلك سيبقى الموضوع الفلسطيني حياً متحفزاً يعبر عن ذاته في المقاومة المشروعة التي سمحت بها المواثيق الدولية (المسلحة ، والسلمية).
وفي مناقشة وسائل المقاومة وطبيعتها لنا ملاحظتان أساسيتان.. الأولى تتعلق بتأكيدنا على شرعية كل وسائل المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي.. إنما ننتقد الوجه الأحادي أو الطابع الجهادي الإسلامي، فهو على الرغم من فعاليته الهائلة وقوته الردعية في مواجهة عدو كالعدو الإسرئيلي، إلا أنه بشكله الانتحاري وعدم استعداده للتمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية (على الرغم من التباسها الفعلي داخل الكيان الذي يعتبر كياناً عسكرياً بقانونه العام، ويضع المستوطنين في الواجهة مما يزيد في الالتباس)، بذلك يخلق ردود فعل عالمية، رسمية نظامية، وأهلية في إطار الرأي العام للقوى الشعبية وقوى النخبة المتطورة والإنسانية، ويؤدي إلى خسارات على صعيد عدالة القضية الفلسطينية، هذا من جهة ومن جهة أخرى يعزز العصبيات داخل المجتمع الفلسطيني، حتى ولو جاء في إطار موجة إسلامية متصاعدة فيصبح من حقها اتباع وسائل خاصة بثقافتها وعقيدتها. نعتقد (وتجربة حزب الله ربما تؤكد ذلك) أن التركيز التام على الأهداف العسكرية الإسرائيلية وإيقاع خسائر جادة فيها بحد ذاته يعتبر عاملاً ردعياً مؤثراً جداً. ومع ذلك فإننا لا نحمل المسؤولية الأولى في ذلك للمقاومة، بل يتحملها الكيان أولاً وجوهرياً الإدارة الأمريكية والعالم والشرعية الدولية الدائرة في فلك تلك الإدارة، والعاجزة أو الرافضة لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
أما ملاحظتنا الثانية تتعلق بالمقارنة مابين فعالية وتأثير وجدوى كل من الوسائل السلمية والمسلحة للمقاومة داخل كل من الأراضي الفلسطينية والكيان الإسرائيلي والعالم. مع تأكيدنا على شرعية استخدام الوسيلتين حسب الشرط المرحلي.
ويأتي تصاعد نفوذ التيار الإسلامي /حماس/ في إطار تطور الموجة الإسلامية بحيث أصبحت قوة مركزية توازي فتح في مستوى حضورها (استفادت حماس من تركيز القمع الإسرائيلي على اليسار الفلسطيني في المرحلة المنصرمة والهامش الممنوح لها). أما فيما يتعلق بالتطورات التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي في محاولة قياداته السياسية إعادة التكيف مع صعود المقاومة الفلسطينية في الداخل، وتأثيره على تركيبة الأحزاب والقوى والبرامج في الكيان حيث يذهب البعض إلى درجة يعتقد فيها أن هناك انقلابات في مواقف أهم قيادات ونخبة المجتمع الإسرائيلي (توجهات شارون وطاقمه العسكري والسياسي).. أما فنحن نرى أن أسباباً أخرى في التحولات أهمها إعادة تكيف الكيان مع استراتيجية الإدارة الأمريكية القائمة في المنطقة والدور المختلف للكيان بالمقارنة على الماضي، إضافة إلى دور المقاومة الذي ذكرناه سابقاً.
وقد جاء الانسحاب من غزة بسبب قوة المقاومة والشرط البشري الفلسطيني والجغرافي في القطاع، وبسبب ضغط حاجات الدولة الإسرائيلية والتكتيكات التكيفية التي تتبعها لتأجيل الحلول المتعلقة بالقضية الفلسطينية وفرض شروط تعقيدية إضافية، منها متابعة الاستيطان والسيطرة في مواقع أخرى، واللعب على احتمالات الحرب الأهلية الفلسطينية الموضوع الذي لا يزال مغلقاً على الرغم من التناقضات القائمة بين القوى الفلسطينية واشتدادها في الأعوام الأخيرة مع تطور نفوذ حماس والجهاد وظهور قيادات شابة داخل (فتح) بعد تقادم القيادات الأولى، جمودها، وضعفها، وعدم قدرتها على الضبط والنفوذ العرفاتي السابق، وهنا نرى ضرورة توحيد القيادة أو قيام غرفة عمليات واحدة (كما الحال في الكيان الإسرائيلي)، لتحقيق الأهداف المتفق عليها رغم اختلاف الموقف من الكيان، (استراتيجياً وتكتيكياً والأشكال النضالية المختلفة)، خاصةً موضوع الدولة..
ـ تلك القضايا المختلف عليها فلسطينياً، تحاول قيادة الكيان الإسرائيلي اللعب عليها وإطلاق حرب أهلية مدمرة ومنها جدار الفصل العنصري، حيث يرى فيه البعض خطوة استراتيجية مؤكدة لحتمية قيام دولة فلسطينية بعد الانسحاب من الضفة، وحل بقية المسائل العالقة، وعلى الطرف الفلسطيني والعربي إدراك الأمر، ووقف عمليات المقاومة المسلحة استعداداً للحلول النهائية، ويندفع البعض أكثر من ذلك للإعتقاد أن المقاومة المسلحة عندما لا تدرك ذلك، فهذا إمعان في ممارسة النهج المتطرف، ورفض العملية السلمية التي تلوح في الأفق. من جهتنا نعتقد أن الأمر يختلف بحدود كبيرة. فمثلاً جدار العزل بحد ذاته خلق قضايا جديدة تتعلق بالأرض والسكان والفصل بين الشعب الواحد داخل الأراضي الفلسطينية /1948/ والقطاع وغزة. ويؤدي إلى الفصل القسري في القضايا والمهمات الواحدة، عدا عن مدلولاته العنصرية الشاذة إنسانياً. إن الجدار بالنسبة للداخل الإسرائيلي، هدفه التعاطي مع مستقبل القضية الفلسطينية أولاً من منظور حمائي باحث عن الأمن الإسرائيلي، وثانياً من منظور التعاطي مع بقية القضايا العالقة في الضفة بالمزيد من التسويف والإلغاء والتعقيد والتأجيل، نقول هذا على الرغم من الايحاء أو الانطباع الاستراتيجي الذي يعطيه الجدار بخلق غيتو خاص تحت ضغط شروط قاهرة لم تعد مقاومتها ممكنة.. ولم يعد هناك مجال إلا لقطع عملية التعايش تحت ظل الاحتلال للضفة وقصرها على أراضي الـ/48/ وحماية الكيان لذاته وبالتالي التسليم بموضوع الدولة.. على الرغم من هذا الانطباع.. فلا يزال الوجه الحاسم هو الاحتلال، والوجه المقابل ضرورة ومشروعية مقاومته، والجدار حتى زمن طويل وسيلة لتقوية المشروع الإسرائيلي ووسيلة إضافية للعب ونقل الصراع بأشكال مختلفة إلى الضفة والقطاع..
ـ وطالما حل الوضع الفلسطيني ما زال بعيداً ومعقداً فإن الساحة الفلسطينية ستستمر في قوتها وحيويتها وتأثيرها على الجوار من منظور قومي وإسلامي بفعالية عالية، كما ستبقى تؤثر على ساحتنا السورية، والشرط السوري بكامله فيما يتعلق بالصراع مع الكيان الإسرائيلي، والأراضي المحتلة (الجولان) والتحالفات السياسية بين القوى في الساحتين أو التشارك الكفاحي على الأهداف والوسائل في بعض الظروف.
إيران: إن الوجوه التي تهمنا في بحث وضع الساحة الإيرانية تتعلق بمستوى الترابط والتأثير في قضايا ساحتنا السورية، إذ يبدو للباحث المدقق أن أولويات الإدارة الأمريكية تتحرك وتنوس بين الساحة اللبنانية والسورية والإيرانية من زوايا التركيز وتصدير التهديدات والضغوط وانتقاء وسائل عمل تتجاوز السياسي منها إلى الاقتصادي و العسكري بهذا المعنى تتبادل الساحتان تركيز هجوم السياسة الأمريكية عليهما حسب شرط الإدارة والتناقض معها بحيث يجعل النظامين في وضعية تحالف حقيقي، وتقديم الدعم المتبادل على كامل القوس المتوتر من الخليج إلى لبنان ذلك الوضع قارب بين خطاب النظامين في المحتوى والشكل وردود الفعل عليهما في الوسط الدولي، إن تناقض الإدارة الأمريكية مع النظام الإيراني تتجاوز حدود القضية المتعلقة بالمفاعلات والتخصيب والاتهامات المتبادلة.. إلى الدور الإيراني الفعلي والمحتمل قريباً في العراق وتأثيره في توسيع صفوف المقاومة، كذلك دورها في لبنان والسعودية والعديد من دول الخليج التي تسكنها مجموعات سكانية شيعية، إن التأثيرات الإيرانية على هذا القوس كبيرة ليس بسبب العامل المرجعي لوحده، بل يتعداه إلى التراكمات السابقة على مدى ربع قرن من الدعوم الإيرانية في كل مكان وبسبب القوة الاقتصادية الإيرانية ومستوى تماسك النظام الإسلامي هناك والذي يتصل بثنائية التيارات والاتجاهات وحيوية النظام والدور الهام للانتخابات وإمكانية تبادل السلطة في حدود التيارات الإسلامية (رغم طابعها الاستئصالي، المتخلف، والقمعي تجاه التيارات الأخرى). كما أن الوضع الاقتصادي الإيراني يجعل علاقاتها الدولية ونفوذها في وضعية أقوى من النظام السوري، ويجعل امكانية اعتماد النظام السوري على الوضع الإيراني كبيرة.
ثالثاً: في الوضع الداخلي: أما على الصعيد الداخلي، فنعتقد أن تحليلنا وتقديراتنا حتى آخر اجتماع لهيئة المكتب السياسي، لا تزال حية ومتماسكة في الاتجاهات الأساسية، بينما يمكن لفت النظر إلى المستجدات الهامة واحتمالات تطورها في المدى القريب.
1 ـ تندفع الجهود والضغوط الأمريكية، والبلدان الأوروبية إلى تسريع عملية تدويل الحالة السورية (تداعيات اغتيال الحريري) رغم بعض الظروف المستجدة هنا وهناك (تراجع هسام عن شهادته وسواه/ تصريحات خدام والتي أدت إلى طلب لجنة التحقيق الدولية لقاء الأسد والشرع ). تركزت التوقعات على استمرار متابعة الإدارة الأمريكية ضغوطها عبر لجنة التحقيق وتقرير ميليس الثاني وإمكانية انتزاع قرار دولي أكثر تشدداً من السابق، لكن اتضح أن اللاعب السوري وأوراقه قد حققت بعض الفائدة في مجلس الأمن، إضافة لما ورد في التقرير الثاني حول التعاون السوري والذي لم يكن كاملاً، ومستجيباً بسرعة، وكان مشروطاً بحدود معينة فرضها النظام السوري.
إن التوقعات تلك لم تأتِ صائبة.. فالعامل الروسي كان حاسماً، ثم العامل الصيني، ونعتقد أن تلك الدولتين تفترضان عدم دقة الاتهام الأمريكي خاصة بعد تطورات حالة الشهود، خاصة وأن روسيا تنطلق من وضع جديد في محاولة لاسترجاع دور عالمي كبير شبه ندي. كما أن لمشاركة العرب السنة في الانتخابات العراقية دوراً في تخفيف قرار مجلس الأمن الأخير، إضافة إلى تراجع فرنسا بمستوى هجومها على الأقل من خلال توضيح موقفها الذاتي فيما يتعلق باختلافه عن الموقف الأمريكي والبريطاني، بخصوص تصفية النظام السوري (محاولات إبعاد خدام عن الأراضي الفرنسية) أو خلق فوضى داخل سوريا أو حتى فيما يتعلق بفرض عقوبات اقتصادية. وعندما تعثر الإجماع في الشرعية الدولية على الحد الأمريكي والفرنسي ِـ اللبناني المطلوب. تراجع مستوى التشدد في قرار مجلس الأمن كثيراً، وتراجع التوتر العالمي والإقليمي والمحلي وبدا النظام أكثر راحة.
من جهتنا نعتبر الموقف الروسي وكل ما يشبهه صائباً على الأقل من منظور وضرورة الاهتمام بالتحقيق وتفصيلاته والتأكد من القرائن قبل أي شيء آخر. بالتغاضي عن الزمن، فالمسألة بحد ذاتها معقدة، غير واضحة، وفي أحسن الحالات الاتهامات فيها ظنية، لا بل تقوم على المنطق السياسي للتناقضات والصراعات في لبنان أكثر مما تقوم وحتى الآن على توفر القرائن والأدلة.
بالنسبة للإدارة الأمريكية. تعتبر القرار الذي صدر وبحدوده الدنيا ضرورياً وكافياً في استمرار عملية تدويل الحالة السورية ومتابعة الضغوط والتهديدات، فالجديد في الأمر هو موضوع الوعد بتقديم المساعدة للسلطة اللبنانية في المحكمة الدولية ومد مهماتها مع لجنة التحقيق في كل جرائم الاغتيال التي وقعت في لبنان أو يحتمل وقوعها. وفي ذلك الإطار بدا أداء النظام السوري أكثر حيوية وذكاءً.
2 ـ أطلق النظام في شهر تشرين الثاني من العام الفائت عملية تعبئة داخلية وخارجية، لا تزال هذه التعبئة قائمة على الرغم من الارتياح، وتراجع التوتر، وعملية الاسترخاء القائمة بعد القرار الثاني لمجلس الأمن.
قامت التعبئة على قناعة عميقة لدى النظام، بأن القرار الأمريكي صريحاً في إسقاط النظام وليس المساومة معه لتغيير سلوكه تجاه قضايا المنطقة، دل خطاب الرئيس على القطع مع العامل الخارجي الأمريكي وخطواته التدويلية عبر الشرعية الدولية، وبنفس الوقت أعطى مؤشراً آخراً على إمكانية المساومة وبهذا لم يقطع مع الخارج. لوحظ ذلك بمقابلات رئيس الجمهورية التي تلت الخطاب وربطه تنفيذ العقوبة حيال أي متهم سوري باغتيال الحريري بتأكد السوريين من قرائن التورط والاتهام وليس مجرد صدور قرار وإرادة دولية.
إن التعبئة التي يقوم بها النظام وعلى الرغم من محاولاته جعلها مدنية وأهلية وإعطائها طابعاً إنسانياً وأخلاقياً وجعلها تبدو عفوية طبيعية، تقف وراءها مؤسسات صاحبة مبادرة ودوافعها ذاتية ووطنية بدون خطة أو قرار مسبق من السلطة وأجهزتها، بدون تدخلها، على الرغم من ذلك تكشفت التعبئة بأن النظام ومنطقه، نهجه وطبيعته الاحتكارية، والتفرد في إدارة الأزمة وعزل المجتمع وقوى المعارضة، ومنعهما من أي حراك مستقل، حتى أن قرار السلطة بمنع أي اجتماع أو أي حراك، لا يزال سارياً بشدة، كل ذلك يقف خلف التعبئة ويفضح طبيعتها في التعبئة المعنية، دفع النظام بالمسألة الوطنية إلى الواجهة، عوّمها، جعلها المحور الحاسم، ومعتمداً في المقابل على الخطاب المعلن من قبل الإدارة الأمريكية والتناقضات الصريحة في كل ذلك عن القضايا المثارة في المنطقة حول سوريا، وعلى الرغم من التاريخ التناقضي الطويل والمتراكم بين النظام من جهة، والمجتمع والمعارضة من جهة، أخرى فإنه استطاع خلق بعض التعبئة العاطفية على المستوى الداخلي في قطاع غير بسيط من المستوى الشعبي.. لكنها ستبقى تعبئة انتقالية مؤقتة، هشة، ضعيفة، بعيدة عن الملامسة العميقة والصائبة في الأهداف والوسائل ودور الديموقراطية في التعبئة تجاه المسألة الوطنية. لا يزال النظام بعيداً عن منطق الاستقواء بالمجتمع والمعارضة رغم تزايد المخاطر عليه، وكما يفترض منطق المصالح.. في المقابل يصر على لعبة الديماغوجيا في دمج مصالحه بمصالح الوطن، وأنه الوحيد المؤتمن والمفوض في هذه الظروف على إدارة الأزمة وبذلك يمضي في احتكار السلطة ورفض أية عملية إصلاح أو إنقاذ حقيقية.
3 ـ بالنسبة لنا، وعلى الرغم من أن الضغوط والتهديدات والخطر القائم من العامل الخارجي تستهدف النظام أولاً، إلاّ أنها تتجاوزه بتسارع واضح وقوه إلى الوطن وتتزايد على هذا الصعيد.
4 ـ إن القضية الوطنية تحتاج إلى تعبئة مختلفة عما يقوم به النظام لأهميتها للمجتمع السوري. ورغم ذلك فإننا لا نزال نعتبر المهمة المركزية هي المهمة الديموقراطية المركزية وتحتاج إلى قطب ثالث.
5 ـ ما ذكرناه سابقاً يفترض بالمعارضة الوطنية الديموقراطية، التنبه على خطورة انقسام صفوفها بشكل خاص على العامل الخارجي ووسائل تدخله، على مسألة الخطر الواقع على النظام أو الوطن، وعلى المسألة الوطنية، حقيقة وجودها أهميتها والمطلوب تجاهها، فالمعارضة في الأساس وعموماً موحدة على الموقف من النظام، موحدة على المهمة المركزية بالتغاضي عن بعض الاختلافات في الشعارات والخطاب، ذلك الوضع يجب أن يسهل عمليات التوافق على المسائل الأخرى خاصة الموقف من العامل الخارجي الأمريكي وتدخلاته ونفوذه، وهذا سيجعل عملية الانتقال الديموقراطي أقل تعقيداً وأقل ثمناً في كل الأحوال.
6 ـ مع تطور عملية التدويل للحالة السورية وخطرها على الوطن، فإننا نرى بالمقابل ضرورة إقدام النظام على التعاون مع قرارات الشرعية الدولية في الإطار المتعلق بالتحقيق والمحاكمة بخصوص جريمة اغتيال الحريري في حال طالبت المحكمة تسليم بعض الرموز الأمنية أو السلطوية، وقد يجر عدم التسليم خطورة على البلاد والعباد.
7 ـ وعندما استكملنا موقفنا تجاه إعلان دمشق بإصدارنا بيان واضح محدد في كل ما يتعلق بالإعلان، نود التوضيح ان هناك منطقين في المعارضة الديموقراطية الوطنية بشكل خاص داخل قوى وفعاليات إعلان دمشق. المنطق الأول يشتق خطابه، ودعاوته، لغة تحريضية ووسائله على أرضية منطق إسقاط السلطة، بالتغاضي عن وعي ذلك أو عدم وعيه، بالتغاضي عن تقصده أو التستر عليه بصور مختلفة، والمنطق الثاني يشتق موقفه على أرضية التوافق الأكثر صحة والأعلى، بين الدعوة لإنجاز المهمة المركزية في العمل الديموقراطي بصورة سلمية فعلاً تدريجية فعلاً، وآمنة فعلاً.. إلى جانب الموقف الواضح والمحدد من العامل الخارجي الأمريكي ومخاطره، ونحن في واحد من أهم أسبابنا في الانضمام إلى إعلان دمشق وتحمل مسؤوليتنا في ذلك هو قناعتنا أن هذه يجب أن تكون روحه ومحتواه وتوجهه الفعلي.



#حزب_العمل_الشيوعي_في_سورية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآن - العدد (33) كانون أول 2005
- البيان التأسيسي للجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في س ...
- بيان من حزب العمل الشيوعي في سورية
- إعلان دمشق، وموقفنا بين المبدئية والممارسة- الخط الثالث
- الآن - العدد (32) تشرين الثاني 2005
- تدويل الوضع السوري ( المسألة السورية) تداعيات لجنة التحقيق ا ...
- الآن -العدد (31) أيلول 2005
- بيان اثر اعتقال بعض ناشطي (خميس الاعتصام) في طرطوس
- نداء إلى أبناء وطننا السوري حيال أحداث القدموس الثانية
- الآن العدد 29
- بيان صادر عن حزب العمل الشيوعي ـ المكتب السياسي
- الآن العدد28
- بيان من حزب العمل الشيوعي
- الآن العدد (27) أيار
- نشرة الآن العدد 26
- الوطن في خطر دعــوة الى حـوار وعمــل انقـاذي مشتـــرك
- العدد 25نشرة الآن
- نشرة الآن- العدد 24
- الآن
- الآن العدد 22 / تشرين الأول 2004


المزيد.....




- -عُثر عليه مقيد اليدين والقدمين ورصاصة برأسه-.. مقتل طبيب أس ...
- السلطات المكسيكية تعثر على 3 جثث خلال البحث عن سياح مفقودين ...
- شكري وعبد اللهيان يبحثان الأوضاع في غزة (فيديو)
- الصين تطلق مهمة لجلب عينات من -الجانب الخفي- للقمر
- تحذيرات ومخاوف من تنظيم احتجاجات ضد إسرائيل في جامعات ألماني ...
- نتنياهو سيبقى زعيما لإسرائيل والصفقة السعودية آخر همه!
- بلينكن : واشنطن تريد أن تمنح جزر المحيط الهادئ -خيارا أفضل- ...
- القدس.. فيض النور في كنيسة القيامة بحضور عدد كبير من المؤمني ...
- لوحة -ولادة بدون حمل- تثير ضجة كبيرة في مصر
- سلطات دونيتسك: قوات أوكرانيا لا تملك عمليا إمكانية نقل الاحت ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حزب العمل الشيوعي في سورية - اجتماع الهيئة المركزية لحزب العمل الشيوعي تحليل سياسي