أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - أعذار متبادلة - قصة قصيرة














المزيد.....

أعذار متبادلة - قصة قصيرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5598 - 2017 / 8 / 1 - 19:28
المحور: الادب والفن
    


لم نكن قد تحدثنا إلي بعض منذ مايقرب من ثلاثة شهور. صباح اليوم فوجئت برقمها واستقبلته بلهفة وما إن قلت لها:"آلو"حتى هتفت:"صباح الفل. وحشتني جدا والله". قلت بصدق:" أنت أيضا". كنا نشتاق إلي بعضنا البعض بصدق رغم انفصالنا رسميا منذ عامين. لا أدري بالضبط ما الذي كان فينا يشتاق إلي ماذا فينا؟ لكن كانت تعبر بنا لحظات يعتصر الحنين فيها الروح ثم يفلتها. قالت بحيوية: "دعنا نلتقي اليوم في الخامسة عصرا. ما رأيك؟". أجبت على الفور:"بكل سرور. أين؟". لم تطل التفكير:" فليكن في كافيه كوستا بالمهندسين". قلت:" اتفقنا. نشرب قهوة وندخن ثم نخرج ونأكل في مطعم". صاحت:"الله. يكون جميل قوي". كان ثمت خيط من التفاصيل والذكريات يربطنا، خيط رفيع له طبيعة خاصة، إن لمسته بأمل أن يكون أقوى انقطع، وإن حاذرت الاقتراب منه يظل يهترىء ويتفتت على مهل في الزمن. تفاصيل جمعتنا، بعضها محبب إلي الذاكرة مثل قيامي في الصباح – عندما كنا معا - لأجدها جالسة إلي المنضدة تمضغ لقمة ببطء ولامبالاة مثل فرخ بط أو أرنب وبقايا النوم عالقة بملامحها كأنها في حلم لم تصحو منه، أيضا حين كنت ألمحها في منتصف حجرة النوم تنثني وتعلو بجذعها تشد البنطلون لأعلى وتحشر أطراف البلوزة فيه. لا أدري ما الذي كان يعجبني في ذلك المشهد. ولابد أن شيئا مني بقى في ذاكرتها بوسعه أن يحرك فيها الحنين. إلا أن الذكريات اللطيفة، متناثرة أو مجتمعة، مبهجة أو حميمة، كانت تظهر كلها في شبورة من ضجر. لم أجد تفسيرا لاندلاع علاقتنا في مطلعها ولا تفسيرا لخمودها بعد ذلك. هناك أسباب كثيرة لاشتعال القلوب وانطفائها، لكن ماجرى لنا أنا وهي بدا كأنما بلا سبب، كما أنه ما من سبب وراء تعاقب الربيع والخريف، إنه يحدث فحسب، وما من سبب أو تفسير لانزلاق سحابة بهدوء وزوالها برقة.
قررت قبل الموعد بساعتين ألا أذهب. من أين انبعث هذا القرار؟ لا أدري. وكان علي أن أجد حجة أقدمها لصفاء أعتذر بها عن عدم حضوري. لن ينطلي عليها قولي إني شعرت بالإرهاق، ولو قلت لها جاءني اتصال مفاجيء بشأن عمل مهم فلن تصدقني. قلبت في رأسي مختلف الأعذار وانتهيت إلي أن أفضلها مرض خالتي التي تسكن بمفردها قريبا مني. إذن سأتصل بها وأقول لها:" يا إلهي. أي سوء حظ هذا؟ تصوري أن خالتي اتصلت بي قبل قليل، فقد انزلقت قدمها في الحمام وانكسرت". ستعلق هي مدهوشة:" ياه. سلامتها ألف سلامة". سأضيف:"للأسف حالتها صعبة جدا". ستتنهد قائلة: "ياحرام". سأتوغل في حبك القصة:" لابد أن أذهب إليها لأصطحبها إلي أقرب مستشفى". سترد هي بنبرة مواساة أعرفها: "لابد أنها تتألم بشدة". سأصيح بإعجاب:"سبحان الله. كأنك معنا وترين ما يحدث". ستقول:" نؤجل الموعد لا مشكلة". سأعتذر:" سامحيني. حقا غصب عني". بينما أنا أهم بالاتصال بصفاء وجدتها تسبقني وتتصل :"يا إلهي أي سوء حظ هذا؟ تخيل عمتي كلمتني من دقائق وهي تبكي! وقعت في الحمام فانكسرت ذراعها". علقت مدهوشا:"ياه! سلامتها ألف سلامة".أضافت:"وضعها سيء جدا للأسف". تنهدت قائلا:" مسكينة". قالت:"حجزت تاكسي وسأمر عليها لآخذها إلي طبيب". قلت بنبرة مواساة تعرفها هي : "لابد أنها تتوجع بشدة ". صاحت باعجاب:"سبحان الله. كأنك معنا وترى ما يحدث". قلت لها:" نؤجل الموعد لا مشكلة". اعتذرت :" اغفر لي. حقا غصب عني".
أنهينا المكالمة. انتصر ضجرنا من التفاصيل الصغيرة على شوقنا إلي تلك التفاصيل. لا أدري ما الذي كان فينا يضجر ماذا فينا؟ لكن ربما تحل لحظة يعلو فيها بداخلي الحنين إلي صوتها والكلمات تتكسر كالفزدق في فمها، وتنجرف هي إلي لحظات كانت تناديني فيها وأنا سارح ببصري بعيدا لا أسمعها. متى قد يحدث هذا؟ وفقا لأي قانون يرجع المحبون إلي سيرتهم الأولى؟ ولم يكون الحب أحيانا نادرة نارا متصلة وأحيانا أخرى لايكون؟. لا أدري. لكن كل ما بوسعنا القيام به الآن هو أن ننتظر، وأن نتحين يوما آخر، طقسا آخر، وسماء أخرى. من يدري؟
***
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - نيزافيسيميا الروسية - .. هل تعتذر واشنطن ؟
- الدين لله .. والمترو للجميع !
- الثانوية العامة في مصر : الموت أو النصر !
- ماذا نعني بلغة الشعب ؟
- اللغة بين التقديس والتحديث
- تسالي أدب على العيد
- مذكرات القديس مكتشف سعاد حسني
- رمضان على الطريقة الروسية
- خمسون عاما على جرح النكسة
- قطر صغيرة قد تشعل حربا كبيرة
- طلعت حرب .. نحن والماضي
- في المرأة يكتمل ظهور الحقيقة
- عبقرية عبد الوهاب وتهمة السطو الفني
- مازن معروف .. نكات للمسلحين
- أبناء الورق والانترنت
- تحرش - قصة قصيرة
- الصحافة .. بداية ولا نهاية
- بيسا - قصة قصيرة
- الغنيمة - قصة قصيرة
- عرفانا ومحبة في عيد المرأة


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - أعذار متبادلة - قصة قصيرة