أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - ماذا نعني بلغة الشعب ؟














المزيد.....

ماذا نعني بلغة الشعب ؟


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5577 - 2017 / 7 / 10 - 12:38
المحور: الادب والفن
    


كثيرا ما نسمع أو نقرأ عن امتياز العامية لأنها " لغة الشعب". يرد هذا المفهوم أكثر ما يرد مرتبطا بشعر العامية. لكننا قلما نتوقف ونتساءل: ما الذي نعنيه على وجه الدقة بلغة الشعب؟ هل نقصد أنها اللغة التي تعبر عن الشعب من حيث مضمون ما يقال؟ أي من حيث التعبير عن تطلعات الشعب الحقيقية وثوراته وآماله؟ أم أننا نقصد بلغة الشعب شكل اللغة أي سهولتها وقدرتها على الوصول إلي قطاع عريض؟. إذا اعتمدنا على " المضمون" سنجد أن العامية والفصحى تحفلان بالتعبير عما هو تقدمي وثوري، كما تحفلان بالتعبير عما هو رجعي ومتخلف ومعاد لآمال الشعب، وسنلمس ذلك حتى في صميم الأدب الشعبي. في العامية سنجد ومض الكبرياء كما عند ابن عروس في قوله :" لابد من يوم معلوم ترتد فيه المظالم"، وسنجد أيضا المذلة في المثل الشعبي" العين لا تعلو على الحاجب". سنجد سيرة"أدهم الشرقاوي" وسنجد سيرة الجرجاوية الصعيدية حيث يتم تمجيد الأخ " متولي" الذي ذبح أخته انتقاما للشرف بل وامتداح القاضي والثناء على عدالته لأنه حكم ببراءة القاتل! وإذن فالمضمون ليس هو المعيار الذي تمتاز به العامية على الفصحى لنقول إنها " لغة الشعب". في الفصحى أيضا سنجد ما يعبر عن آمال الشعب، وسنجد عكس ذلك. سنلمس الشعور بكرامة الشعب في صيحة أحمد عرابي بالفصحى" لسنا عبيدا ولن نورث"، وفي صيحة جمال عبد الناصر:" باسم الأمة تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس.. وينتقل إلي الدولة جميع مالها من أموال"، وستعبر الفصحى عن ومضات الروح الشعبية المقاتلة كما في قول أمل دنقل" لاتصالح ولو قلدوك الذهب"! ومن ناحية أخرى فسوف نلقى في الفصحى الكثير مما يعبر عن الخنوع والتخلف والرجعية. لا نستطيع إذن أن نتحدث سواء عن العامية بصفتها " لغة الشعب" انطلاقا مما تعبر عنه أو انطلاقا من مضمونها. وطالما نقلت العامية– كما فعلت الفصحى أيضا- أفكار مختلف التيارات والطبقات المتصارعة بجوانبها السلبية وجوانبها الايجابية. والسبب الحقيقي في تنحية ذلك المصطلح " لغة الشعب" وإسقاط ذلك الامتياز عن العامية أنه لا توجد " لغة للشعب" بالمعنى المتداول، كما لاتوجد لغة للطبقة الحاكمة أو الأرستقراطية بالمعنى المتداول. فلا العامية لغة الشعب ولا الفصحى لغة الطبقة السائدة. بطبيعة الحال تنشأ حول كل طبقة تعبيراتها الأقرب إليها، وإلي حياتها، وكلماتها الأقرب إلي طبيعة تلك الحياة، وما قال عنه الشعب" الكنيف" قالت عنه الطبقات الثرية "الحمام" تعففا عن أن تردد ما يقوله الرعاع، وعندما شاعت كلمة الحمام انتقل السادة إلي كلمة"دورة مياه" وعندما شاعت الأخيرة ذهب الأثرياء إلي كلمة " تواليت". وعندما يقول رجال الأعمال: " جنتلمان" يقول البسطاء: " رجل مجدع"، وهكذا. لكن ذلك لا يسقط أن هناك لغة عامة مشتركة أساسية ، لأن اللغة تقع في نطاق خارج الطبقات، أي في نطاق توصيل الأمة أو الشعب بأكمله ببعضه البعض، ومن ثم فإنها لا يمكن أن ترتمي في أحضان فئة بعينها أو طبقة بذاتها. يظل دور اللغة هو التواصل والتفاهم لتيسيير المصالح الوطنية والاقتصادية والفكرية المشتركة والمتضاربة أيضا، لكن يظل دور اللغة الأول والأخير هو: التواصل، وهذا تحديدا ما يمنع احتكار فئة لها، وما يمنع تحجيمها بأنها " لغة" هذه الطبقة أو تلك، أو " لغة الشعب" في مواجهة الطبقات الحاكمة. أما عن العلاقة الحقيقية بين العامية والفصحى، فهي علاقة التفاعل وليس النفي. ويخطيء الكثيرون حين يعتبرون أن اللهجة العامية " لغة " رغم احتشادها بالصور الشعبية واقترابها من تصوير حياة البسطاء. فاللغة تستلزم وجود معجم لغوي يضم مفردات اللغة، وتستلزم منظومة قواعد معمول بها، بينما أكثر من تسعين بالمئة من مفردات العامية هي كلمات إما فصيحة أو ذات أصول فصيحة، وفي الوقت ذاته لا يتوفر للعامية أي منظومة قواعد تختلف عن منظومة الفصحى ماعدا أسماء الإشارة حيث يقال " اللي " بدلا من "هذا" وحيث يشار إلي المثنى في صيغة الجمع، وماشابه، وذلك كله لا يكفي للحديث عن منظومة قواعد تحكم اللغة. وقد سجلت ذات يوم حديثا بيني وبين صديق بالعامية طبعا وبعد نصف ساعة أخذنا نسمعه لنرى الكلمات العامية التي به فلم نجد سوى أسماء الإشارة وخمس كلمات لا أصول لها في الفصحى. ولا يتصور الكثيرون أن كلمة يفترض أنها عامية مصرية مثل " بقف" فصحى، وكلمة " لهوجة " و" ملهوج" فصحى، وكلمة" عامنول" محرفة عن " عام أول"، ومن الفصحى أيضا كلمة" سبهلله"، وكلمة "شوية" و" بس" وكلمة " شمحطجي" ( أضيفت إليها جي التركية علامة على المهنة وأصلها في الفصحى شمحط)،ونقول" فلان هجاس" وهي فصحى، ونقول " فلان طرطور" ومعناها في لسان العرب" الوغد الضعيف" وجمعها طراطير. العامية هي ابنة الفصحى التي تقوم بتطوير أمها الفصحى وجرها إلي العصر الحديث، لكنها ليست لغة بحد ذاتها ، وليست من باب أولى" لغة الشعب"، لكنها المعمل الذي تختبر فيه صلاحيات الكلمات الفصحى، وما يتسم منها بقدرة على البقاء وصلاحية للحياة، وما ينبغي إهماله. وقراءة متمعنة لقصائد صلاح جاهين وفؤاد حداد وشعراء العامية الكبار بمنظور البحث عن اصول الكلمات ستكشف لنا أن العامية هي الفصحى متطورة، وأن الفصحى أم العامية، والصلة بينهما صلة تفاعل وتطوير متبادل داخل إطار لغة واحدة تتفرع اللهجة منها.
د. أحمد الخميسي. كاتب وقاص مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغة بين التقديس والتحديث
- تسالي أدب على العيد
- مذكرات القديس مكتشف سعاد حسني
- رمضان على الطريقة الروسية
- خمسون عاما على جرح النكسة
- قطر صغيرة قد تشعل حربا كبيرة
- طلعت حرب .. نحن والماضي
- في المرأة يكتمل ظهور الحقيقة
- عبقرية عبد الوهاب وتهمة السطو الفني
- مازن معروف .. نكات للمسلحين
- أبناء الورق والانترنت
- تحرش - قصة قصيرة
- الصحافة .. بداية ولا نهاية
- بيسا - قصة قصيرة
- الغنيمة - قصة قصيرة
- عرفانا ومحبة في عيد المرأة
- طاهر البرنبالي .. انتصار المستحيل
- هل نطالب الأزهر بتكفير داعش؟
- على ربوة - قصة قصيرة
- أماني الخياط دعوة إلي إبادة الشعب !


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - ماذا نعني بلغة الشعب ؟