أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لطيف الحبيب - حكاية عشق سليمة مراد باشا - 2 -















المزيد.....

حكاية عشق سليمة مراد باشا - 2 -


لطيف الحبيب

الحوار المتمدن-العدد: 5558 - 2017 / 6 / 21 - 00:08
المحور: الادب والفن
    


وجهه ابي رق وشف , غمره الفرح
بدى أصغر سنا ولكنه ملتاع حزين
يطوف في تأملات حلم زمان سليمة باشا,
رواية "مطيرجي بغداد" ص379

ياللسماوات.. هذا ابوكعبي لم أراك منذ سنوات خلت , صاح ابو سعدون البدين مذهولا ,صاحب فندق الجواهري الذي تغني فيه مساء اليوم سليمة باشا مثل السنوات السابقة حين رأها ابي وتعرف عليها لاول مرة .
تعانق الرجالان طويلا محتضنين بعضهما مثل أشقاء فقدوا بعضهم, هل هذا كعبي ؟ما شاء الله،اصبحت بالفعل رجلا قال أبو سعدون وأمسك ذراعي بنفس الدفء الذي استقبل به والدي, ذهبنا من خلال ممر ودخلنا حديقة مضاءة مليئة بالناس ,الأرض تعط برائحة التربة الندية المروية والمسقية توا ,تعلق حبات الماء على العشب وحافات الاوراق والاس وتنعش فضاء الحديقة نسمات من البرد في تلك الليالي الحارة , يترك حذائي خلفي اثار مسارات رطبة , ابو سعدون قادنا الى طاولة في مقدمة الحديقة امام خشبة المسرح والمخصصة لضيوف الشرف, تردد والدي وقال:" ربما هناك اماكن اخرى", ابدا مكانك هنا اجلس , اجاب ابو سعدون بصوت حازم وحاسم , لوح ابو سعدون للنادل وقال له: "ابو كعبي هو ضيف البيت ", انحنى النادل وقال " من عيني , ساهتم بهم", شكرا جزيلا ابو سعدون لا اريد ان اعطلك عن العمل قال ابي مبتسما, يا الف مرحبا ابو كعبي ساعود اليكم , اسرع ابو سعدون بين طالات الزبائن . حشد من الناس، كلهم يهود تقريبا، يأكلون ويشربون، ويتحدثون بصوت عال, مغنية شاب اعتلت خشبة المسرح وغنت بعض الأغاني، ولكنها ضاعت بين ضجيج الجلاس ,حتى أن "ليالي الانس في فيينا " لأسمهان العظيمة لم توقف ضجيجهم . كل شيء كان ينتظر سليمة باشا، في عالم يحكم الرجل فيه المرأة, ملك يمينه ومن املاكه رغم ذلك كانت في كل تلك السنوات هي "الباشا " سليمة باشا عندليب جنتهم، ينظم الشعراء كلماتهم سجادا في طريقها ,فقط لها ,كل هؤلاء الناس يأتون الليلة لسماعها, أرادوا الاستماع اليها للمرةالأخير.ارتقت سليمة خشبة المسرح متألقة بهيجة ، وقف الحضور وحياها بتصفيق عاصف, كانت ترتدي فستانا أزرق فضفاض معلق بلا اكمام على كتفها ،اقراط من اللؤلؤ تزين أذنيها ، وقلادة بحجر براق يتراقص كالنجوم على عنقها . بابتسامة أخاذة تتطلع إلى الحضور, سحرتهم بسحرها ,حين وقع نظرها علينا, جمدت ابتسامتها على شفتيها، وبدت باهتة. تنتقل بين والدي وبيني ,ابتسمت كفت عن دهشتها وتحديقها الخارق بنا ,غضت بصرها وشاحت بوجهها عنا للحظات, زاغ بصرها لكنها ظلت مذهولة مثل حيوان أعماه ضوء مصابيح السيارة الأمامية, اشارة الى الفرقة الموسيقية وبدات تغني " يا هلا بحبايب كلبي" .
صفق الحضور مرة اخرى ورفعوا انخابهم من العرق الحليبي بناء على طلبها ,يترنح ويتمايل الحضور ذهابا وإيابا بنشوة رائحة العرق . ملأ ابي كاسي ثانية ,رطبت شفتاي بهذا السائل الذي لم اعتاده بعد ومرارة طعمه لم استسغها , و ضع, ابي كأسه على الطاولة، أخذ رشفة من الماء البارد وقال: "إنها لم تتغير وحتى ان تغيرت قليلا. فأنها صارت احلى واجمل من ذي قبل," ترخم صوتها اصبح أكثر عمقا ". نظرت في وجه هذا المرأة , كان من الممكن ان تكون امي !,لكنها لم تتمكن أن تكون، لو حدث لما كنت انا الان ,ربما تذهب بها الظنون وتعتقد كان من الممكن ان اكون ابنها . كانت امرأة نحيفة رشيقة معتزة بنفسها شعر داكن و وجه طويل، أنف نافر وعظام خدها مرتفعة , تشع دفء و مصداقية ,في حركاتها وداعة طبيعية سماحة وهدوء, بلفتة خفية يرتخي جمهورها ويسكن هادئا وباخرى حميمية يهتز لها طربا .
خلال فترة الاستراحة، جاء "أبو سعدون " الى طاولتنا . "كلشي تمام أبو كعبي؟ " تسلم ايدك"، بارك الله فيكم، "قال والدي ورفع نخبا له. "سليمة تنتظركم بعد العرض في غرفة تبديل الملابس"،همس أبو سعدون في اذن ابي وأضاف عندما رأى تعابيروجه والدي "من فضلك لا تخيبها هذه المرة،" . ارتقت سليمة، خشبة المسرح ثانية وكانت أول أغنيها: "هذا مو انصاف منك غيبتك هلكد تطول / والناس لوتسألني عنك / شرد اجاوبهم شكول؟", ثم غنت بعض الأغاني القديمة الشعبية, ببطء , بدأ خيط ضوء يغمروجه والدي مرة أخرى اشرقت عيونه وانتقل الفرح إلى شفتيه وغني معها بهمس، هز رأسه طربا وبدا بنغم "الاصبعتين " على مدار الساعة تضرب الأصابع بعضها, وجهه ابي رق وشف , غمرته تعابير الفرح جعلته يبدو أصغر سنا ولكنه ملتاعا حزين ,غارقا في تأملات حلم يطوف به في زمان سليمة باشا,عزفت الفرقة اغنية قديمة ، اختنق صوت سليمة وندعن حشرجة كلمات من نص مرتجل لها يبدو آ آتيا من أعماقها.
من يعرف الطريق الذي لا عودة فيه؟
نتمنى تكون رحلته سعيدة ,
السبيل إلى أرض الميعاد بعيد جدا .
بسرعة! تغادر الطائرة غدا
الذي يعرف الطرق التي لا تؤدي إلى عودة؟
قد تكون فكرة السفر جيدة .
أخيرا سمعوا من فمها ,كانت لهم أم وأخت، وأنه كان فعلا حلما واصبح حقيقة ,أصطفوا كما لوكانو في الصلاة ,ارتفعت جميع الرؤوس ,أومأت في نشوة، أفواه غنت بصمت جوقة ,صوت سليمة أثاراحاسيس ومشاعر الجميع ,هذا الجمع نقلوا لها ولبغداد أن معظمهم لن يروها مرة أخرى ,غنت إجلالا لهم بصوت خفيض حزين ، والدموع تترقرق في عيناها , عزيزي الله قال شخص من الطاولة التالية هل علينا نحن اليهود ان نترك كل شيئ هنا ونرحل؟؟ اختفت اخر صيحات "البرافو"، الموسيقى ملئت الهواء , لم يغادر احد منهم ,لكنهم لأ يعرفون لماذا هم باقون هنا ,مر الزمن حتى غادر اخر الزبائن , رتب والدي ربطة عنقه، وقوم سترته مرر المشط خلال شعره وامرني بالانتظار هنا . "أريد ان اتعرف عليها "اجبت ابي "لا، يا ابني" قال هذا مربتا على كتفي وكأنه متأكدا اني سابقى حيثما كنت , وهكذا ذهب" سلمان موشي العميرى"، المعروف أيضا باسم أبو كعبي الى سليمة باشا ليودعها قبل ان يغادر الى اسرائيل. عندما دخل عليها غرفة تبديل الملابس، التفت إليه ونهضت حدقا في بعضها البعض بدون كلام لفترة طويلة ثم جلست وأومأ ت له بالجلوس أيضا. "انت لم تتغيري" بادرها بالقول. " ثمانية عشر عاما ابحث عنك كل ليلة بين الجمهور" ردت عليه ,صمت ولم ينطق بحرف , ما الذي قادك الليلة الى هنا؟؟ اردت ان اراك واسمعك لاخر مرة واودعك.
أنت تذهب ؟أيضا! سحبت سيجارة تركيه من حافظة علبة سكائرها الذهبية ,ظل بعض الوقت مدهوشا , انتبه وقدم لها نارا لسيكارتها ," لم اتمكن من الحضور مبكرا " استرسل في حديثه وهو مطأطأ ينظر الى الارض, " بعد أن لذت بالفرار مثل الفئران " ’ "مثل الفئران"!!، كررت قوله بابتسامة حزينه.
"لم تكن قادرا حتى على الإجابة على رسائلي, كان يجب عليك أن تقول لابي سعدون شيئا عندما ارسلته اليك, ظل مطأطأ رأسه الى الاسفل "لم أرغب ان أصطدم بعائلتي ,تخليت عن التدريس. ومكتب المحاماة عن الغناء والعزف على العود, تزوجت من ابنة حاخام وفتحت محل لبيع الساعات خيم صمت مطبق فترة من الوقت مضت, لم ينبس احد منهم ببنة شفة , لم أستطيع أن أقدم اليك او أعطيكم شيئا ",كنت خائفا ‍ !هذا من جانب ومن جانب اخر لم اكن قويا بما فيه الكفاية لاكون زوجا لك,نظرت اليه سليمة "أنت تخجل مني كنت تعتقد أنني عاهرة".
"يا إلهي، لا أبدا.." أو حتى ان لم أفكر في ذلك تحشرج صوت ابي وبدى منكسرا،
لم تكن من أولئك الذين يواجهون ما يعتقدون وهذا هو الأسوأ ".
"أنا أحببتكم". لم يعد يهمني ذلك" بصعوبة مسكت نفسها عن البكاء صرخت حانقة "لماذا تفعل بي كل ذلك؟"
من كان الصبي الجالس بجانبك؟؟هل هو أبنك؟ "
"نعم.""كعبي . "نعم."
"عندما سمعت اسمه، كنت أعرف انك ما زالت لي لم اعتقد ابدا انك تتذكر ذلك، منذ زمان أردت أن اسميه. وتمنيت ان يكون ابننا كعبي يشبهك ."
"الضوء أبهرعيني"، قال والدي وهو ينهض من مكانه الى زر كهرباء مصباح الطاولة بكف مجربة ,أمسكت يده سليمة كما هو حالها في تلك الايم السالفة، حالما جلس تذكر مكان زر تشغيل المصباح , لماذا لم تتزوجي بعد؟ "
ممن ؟؟ انت لم ترغب بي وتركتني , واليهود لايريدون الزواج مني , لاحد يريد الزواج مني غير المسلمين , ولان حين يغادر اليهود لمن سوف اغني ؟؟ "
" لتغيري حياتك "تعال معي إلى إسرائيل الآن حان الوقت ؟
زمت فمها في زواياه تشكلت بعض التجاعيد الصغيرة ثم اضافت. "ان الوقت متأخر جد" "ومن يسمح لي بالذهاب؟ الباشا!! لم تعد تذكر ما حدث سابق الم يطلب مني الباشا الكفالة الضامنة عندما أردت السفر ألى لبنان.؟
وارتسمت لمحة من ابتسامة هازئة عبرت وجهها. مازال الباشا خائفا ان يفقدك اكثر من قبل!!عقب ابي "أنت ملكة و كل العراق يركع تحت قدميك "!!
"ملكة! بلا شعب دون وطن دون وراث ",تعثرت الكلمات في فمها ,كانت عيناها مغرورقة بالدموع. "لا شيء من هذا يستحق اهتمامك! لانك لم تفهم هذا على الاطلاق لم اعد اساوي اي شيئ ولا حتى فطرة في الارض ,مازلت منزعجة مني ؟؟
"أنا اصارع من اجل مصيري ليس غير "ترك يدها. "يجب ان اذهب."
هل تهرب مرة اخرى ؟؟ انه صعب على , لا اطيق ذلك
انك لم تكن ابدا رجلا حقا !
فوجئت به يحدث نفسه قائلا : من يدري؟ ربما كان بالفعل اعتناقي الصهيونية كلها وعملي تحت الأرض هناك لمجرد تعويض عن ذلك .واثبات رجولتي .. " اختنق صوته
"كعبي ينتظرني في الخارج ".
"أطلب منه أن يأتي الي هنا"، قالت بصوت أجش. "أريدا ن ا تعرف.
وقف ابي صارخا . "كلا".
كان واقفا لفترة طويلة أمام باب حجرتها. انك حقا لست برجل رجل حقيقي، كان يكررها بصوت هامس مع نفسه .



#لطيف_الحبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية عشق سليمة مراد باشا - 1 -
- من حكايات أطفال المحار -كاي- اوراق الشجر
- حوار مع هاينر ميللر
- تأهيل وتعليم الطفل التوحدي – 2 –
- تأهيل وتعليم الطفل التوحدي - 1 -
- عاشوراء موسم الردح على عتبة الحسين
- رحيل حارس الفنار
- غيلان.. ضباع التربية الد ينيىة
- رحل مؤيد الرواي ..يبحث عن مكان لنا
- الاحزاب الاسلامية محرقة الشعب العراقي
- نصيرات
- أصابع محترقة
- -كما تكونوا يولى عليكم-
- حراس البوابة الشرقية .. حراس المراقد الدينية
- المعوقون في العراق -1-
- صحابي عند عرش الله
- قدسية الجهل ..قدسية الدين
- الضحك اعلى من صوت الجلاد
- أقلام امراء الطوائف
- الدين والإرهاب لا وطن لهما .....العمامة أوسع من رأس الشيخ


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لطيف الحبيب - حكاية عشق سليمة مراد باشا - 2 -