أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد مسافير - صناعة الجريمة... الضحية محسن!














المزيد.....

صناعة الجريمة... الضحية محسن!


محمد مسافير

الحوار المتمدن-العدد: 5557 - 2017 / 6 / 20 - 10:04
المحور: الادب والفن
    


اسمي محسن، من مواليد العقرب، لست مولعا بتتبع أخبار الأبراج، ولا أصدق تكهناتهم، كنت أقرأها في سن مبكرة، لكني تيقنت أنها مجرد تجارة للأكاذيب، فقد لاحظت أول الأمر أن برج الجدي أقرب إلى حقيقتي من أي برج آخر، حتى بدأت أشك في تاريخ ميلادي، سألت أمي أكثر من مرة عن الموضوع، لكنها أكدت لي أنه ليس تمت أي خطأ في الأمر، فقد سجلني أبي لدى السلطات بعد إنجابي بيومين...
وما أريدكم حقا أن تعرفوه عن شخصي، هو أني إنسان مميز جدا، مختلف عنكم تماما، وتميزي هذا ليس لأني امتلك قدما أطول من الأخرى، أو لأن أمي أنجبتي في الشهر السادس دون أن يكتمل نموي، وليس بسبب "التوحيمة" الموسيمية التي تظهر على جبهتي كل فصل شتاء، والتي هي عبارة عن رأس أرنب أذناه بارزتين جدا، قالت لي أمي أنها اشتهت لحم الأرانب فترة وحمها، ورفض أبي شراءه، وبدأت لعنة الأرانب تلاحقني طول حياتي... كرهت الأرانب، وكرهت أبي... وأحيانا أمي التي توحمت على الأرنب ذو الأذنين الطويلتين، ويا ليتها توحمت على حيوان آخر لا يملك أذنان بهذا الطول...
سأدعكم تكتشفون سر تميزي عبر هذه الأحداث...
كان أبي مولعا بمشاهدة مباريات كرة القدم، وقد صادف يوم ميلادي تاريخ المباراة التي جمعت المغرب بالمنتخب الأوغاندي بنهائيات كأس إفريقيا عام 1978، أمي نفسها، كانت مدعوة إلى عرس أختها الذي كانت ترتقبه بأنفاس لاهثة، ولدت في ذاك اليوم المشؤوم...
كانت أمي ترتدي زينتها لتحضر عرس أختها الوحيدة، بينما كان أبي يشاهد المباراة، فجأة، جاءها المخاض، وبدأت تصرخ بكل ما أوتيت من قوة، هرول إليها أبي بتردد، كانت قد سقطت للتو من مقامها، حملها إلى الفراش، ثم استدعى أحد أصدقائه الذي كان يمتلك سيارة، أخذها إلى المستشفى والضغينة بادية على محياه، كان يلعن ويسب في كل لحظة... تركها في المستشفى، وعاد ليشاهد الدقائق المتبقية من المباراة، وكانت الصدمة، انهزم المنتخب المغربي بثلاثة مقابل لا شيء...
ولدت بسلامة وعافية، لكن أمي لازمت الفراش قرابة الأسبوعين، ولم تستطع أبدا حضور حفل الزفاف...
كنت أسمع دائما تلك الترنيمة القاسية التي تذكرني بمجيئي في يوم غير مناسب، جئت وأفسدت كل شيء، فعلا لم أخطط للأمر، ولم أكن أنوي كسر مواعيدهم، لكن الصدفة جعلتني مثار شؤم بالعائلة...
كبرت، لم أكن وسيما كما كانوا يرتقبون، لم أكن مجتهدا في دراستي وما كنت أحاول، لم أكن أتقن أيا من الهوايات، كنت مفلسا في كل شيء، وهذا ما زاد الطينة بلة، وزادهم حقدا علي..
ولدت لي أمي أختا وأنا في سن العاشرة، فرحتْ بها فرحا شديدا، أحسست أول الأمر بشيء من الغيرة، لكنها سرعان ما تلاشت... كنت مشاغبا نزقا، أتصرف كالمجنون، وكانت لي قطة ألعب معها، لم يكن لي أصدقاء... وذات صباح، وأمي تتحدث إلى إحدى الجارات، بدأت أركض خلف قطتي، دخلَتْ إلى غرفة أمي، ثم إلى أسفل السرير، قفزت فوقه بشدة كي أنتظر خروجها فأنقض عليها، لكن المصيبة، أن كانت أختي الصغيرة ذات الأسبوعين فوق السرير، دست على رأسها بركبتاي.. ماتت أختي... قتلت أختي...
كادت أمي تجن، وزاد حقدهما علي أضعافا، وأنا، لم أحس صراحة بأي ذنب، عدا الخوف الشديد، كنت أخاف منهما كثيرا، كنت أخاف من المدرسة، كنت أخاف من محيطي إجمالا، أحسست بنفسي مصدر كآبة الكل... غادرت البيت، ولم أعد...
غادرت مدينتي الصغيرة إلى مدينة أضخم، لم آخذ معي ملابسي، لم أكن أدري عواقب الفعل، تحملت برد الشتاء، ونمت في المحطات الطرقية، وأسفل الجسور، كنت أتسول، يشفق علي البعض، والبعض الآخر ينظر إلي بارتياب، وحين أفشل في الاستجداء، أسرق من الباعة وأهرب...
تعرضت للاغتصاب عشرات المرات، كبرت قليلا واشتد عودي، وبدأت أغتصب كل يوم طفلا، كنت عدائيا لحد لا يطاق، كنت أكره الدنيا، أكره الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة متأنقين، ثم يعودون إلى دفئ البيوت، إلى حضن آبائهم، إن آباءهم ليسوا قساة شأن أبواي اللذين لا يعرفان إلا السباب والضرب لغة، كنت أحسدهم كثيرا، أحقد عليهم بشدة...
وكي ابتعد قليلا عن قساوة المحن، جربت جميع أنواع البلايا وصنوف المخدرات، ربما أنسى، ربما أستطيع تحمل الحياة، فما عاد بها شيء يغريني، وما عاد هناك بصيص أمل إلى النجاة، كل الدروب مظلمة، كل الأبواب مغلقة في وجهي، أحس بالوحدة، أحس بالقرف، أحس بالحقد...
سمعتهم مرات كثيرة يتحدثون عني بقساوة، سمعتهم عبر شاشات المقاهي، يقولون عني أني مشرمل، لا أعرف معنى هذه الكلمة، لكني كنت متأكدا أنهم يقصدونني...
لا أعتقد أني سيء إلى الحد الذي يجعلهم يهولون من أمري، لا أعتقد أني أستحق العيش داخل هذه الجدران الأربعة، لكني متيقن من أمر واحد، أني من يستحق فعلا الحياة، فما عشتها يوما... لا أبرر استعمالي للسيوف... لكني أتساءل... لماذا لم يأخذوني بالأحضان قبل أن أصبح هكذا؟ لماذا تركوا الغل والحقد ينموان بداخلي... أتراني أستحق حاضري أنا الذي لم أمتلك أبدا ماضييَ... ربما هناك المئات ممن يستحقون السجن بدلا مني... هم أولئك الذين رسموا ماضينا، ولا زالوا يرسمون الحاضر والمستقبل...



#محمد_مسافير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هكذا يريدونك... جارية خنوعة!
- مذكرات حمار!
- إلى المقبلات على الزواج!
- لمحة من تاريخ الحركة الطلابية التونسية!
- آفاق حراك الريف...
- الإسلام... لله أو للإنسان!
- حداثية من نوع فريد!
- تنويعات سياسية!
- تنويعات في نقد السماء!
- ومن منافع الجهل...
- حيواناتهم وإنساننا!
- ضحية مرتان!
- منطق البلوغ في الدين الإسلامي!
- المرأة ونحن...
- طرائف مأسوية عن المدرسة المغربية!
- زندقات!
- عياشي يحدثكم عن الريف...
- الحركة النقابية التونسية قبل الثورة!
- الرهان المطروح لثورة ظافرة على ضوء أفكار تروتسكي!
- لمحة تاريخية على الحركة الإسلامية التونسية ما قبل الثورة!


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد مسافير - صناعة الجريمة... الضحية محسن!