ماريو أنور
الحوار المتمدن-العدد: 1446 - 2006 / 1 / 30 - 06:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إننا نعلم أنه عندما يكون هناك سعى حثيث لإحراز القوة و السيطرة فإنه يكون هناك قدر من الحسد أيضاً . إن الفجوة – بين الفرد و بين هدفه الذى لا يستطيع الوصول إليه – يتم التعبير عنها فى صورة عقدة نقص , وهذه العقدة تسبب للفرد الكثير من الكبت و القمع , وتؤثر على سلوكه العام كثيراً و موقفه من الحياة , وهذا الموقف هو الذى يعطينا الانطباع أنه أبعد ما يكون عن هدفه , وانطباعنا هذا يتأكد من خلال تقدير الفرد لنفسه , وعدم اقتناعه بحياته و عم رضاه عنها , فهو يمضى وقته فى النظر إلى الآخرين وإلى حجم نجاحهم و إنجازاتهم , وهو يشغل نفسه بالتفكير فيما يظنه الأخرون به , فهو ضحية شعوره بالإهمال , وبأن الآخرين يتحيزون ضده , رغم أن هذا الفرد – فى الواقع – قد يكون أسعد حظاَ من غيره .
أن الصور المختلفة للشعور بالإهمال ما هى إلا علامات على شعور شديد بالغيرة , و الرغبة فى الحصول على ما هو أكثر مما فى يد الغير , أ ببساطة أن يمتلك فى يديه " كل شىء " , لكن الشخص الحسود من النوع الذى لا يقول إنه يرغب فى أن يمتلك كل شىء لأن مشاعره الاجتماعية تمنعه من التفكير فى هذه الأفكار و لكنه يتصرف كما لو كان يرغب فى امتلاك " كل شىء " .
أن الشعور بالحسد يتزايد كرد فعل لاستمرار الفرد فى المقارنة بين إنجازاته و أنجازات الآخرين , وهذا لا يساعد الفرد على أن يكون سعيداً , وحيث إن الشعور الاجتماعى هو شعور عالمى , فإن هذا يجعل من الحسد أمراًَ مكروهاً عالمياً , ومع هذا فإنه لا يوجد من يخلو من الحسد تماماً , فعندما تجرى الحياة بهدوء و سلاسة , فإن الحسد قد لا يكون ظاهراً بوضوح , ولكن عندما يكون الناس فى ألم أو احتياجات البشر الضرورية عندما يفقدون الأمل فى المستقبل و يرون أنه لا يوجد مخرج من هذا الوضع التعيس , فإن الحسد يبدأ فى الظهور .
أن حضارتنا مازالت فى مراحلها الأولى , ورغم أن الأديان و المبادىء عموماً تحرم الحسد , فإننا لم نصل إلى مرحلة النضوج النفسى التى تمكننا من التخلص منه , و يمكن أن نتفهم الحسد الذى يشعر به الفقراء تجاه الأغنياء , و يمكننى القول بأن الأغنياء سوف يشعرون بالحسد أيضاً , إذا كانوا فى الموقف نفسه , وكل ما أبغى قوله هنا هو : أنه يجب أخذ الحسد فى الاعتبار كعامل مؤثر فى " النفس البشرية " والحقيقة أن الحسد يظهر الأفراد أو المجموعات بمجرد أن يظهر الحسد ما يقيد و يحد من نشاطات هؤلاء الأفراد أو المجموعات بصورة كبيرة , وعندما يظهر الحسد فى أسوء صوره , فإننا لن نتمكن من التخلص منه أو من الكراهية المصاحبة له , وهناك شىء واحد واضح بشدة لكل فرد فى مجتمعنا ألا وهو أنه لا يجوز أبداً اختبار تلك الميول التى تتصف بالحسد , أو العمل على إثارتها , كما أنه لا يجوز أن نحاول التركيز على أى مظهر من مظاهر الحسد وأو جذب الانتباه نحوه , ورغم أن هذا الأسلوب لا يساعد كثيراً على تحسين الأمور , وعلى أى حال فإن أقل ما يجب أن نطالب به الفرد هو : " ألا يتعمد أن يتباهى بممتلكاته و بتفوقه على الآخرين , لأنه قد يتسبب فى أن يؤذى شعورهم بلا داع " .
إن الأصل الذى تنبع منه هذه الخاصية الشخصية ( الحسد ) يعكس الارتباط الذى لا يفصم بين الفرد و المجتمع , فلا يوجد أى فرد يسنطيع أن يرفع نفسه فوق المجتمع , أو أن يظهر قوته وسيطرته على الآخرين بدوا أن بتسبب – فى الوقت نفسه – فى أن يتعالى السخط والاعتراض من جانب هؤلاء الذين لا يرغبون فى السماح له بمواصلة نجاحاته , وعندما حاولت الدعوة إلى تطبيق المقاييس السابقة , فإنما كنت أحاول أن أمنع الحسد وأن احقق المساواة بين الجميع , ومن المنطقى أن نصل إلى الاستنتاج الذى شعرنا به غريزياً , ألا وهو : : أن هناك قانوناً طبيعياً يساوى بين البشر جميعاً , وأن هذا القانون لا يمكن مخالفته بدون أن ينتج – عن هذه المخالفة – معارضة و خلافات كثيرة " . غن هذا القانون واحد من القوانين الأساسية التى تحكم المجتمع البشرى .
ويمكن التعرف بسهولة على مظاهر الحسد , حتى إنه يمكننا أن نرى هذه الدلائل بوضوح فى ملامحه الجسدية , فنحن نتكلم و نصف الشخص الحسود – فى أمثالنا العامية – بأنه قد تحول إلى اللون الأخضر من كثرة حسده للآخرين وهناك منطق نفسى سليم خلف هذه التعبيرات الشائعة , فإنها تلمح لأن الحسد يؤثر على الدورة الدموية , ومن هذا فإن الجسد البشرى قد عبر عن الحسد عن طريق زيادة فى انقباض محيط الشعيرات الدموية .
حيث إنه يمكننا أن نقضى على الحسد قضاءً تماماً , فإنه يجب عليتا أن نستخدمه لصالحنا , ويتم هذا إذا ما وجهنا هذه الطاقة الضاعة ( الحسد ) فى اتجاه مفيد , وبدون الإخلال بالتوازن النفسى لهذا الفرد , وهذا ينطبق على الفرد و على الجماعات أيضاً , فى حالة القرد فإنه يمكننا أن نقترح عليه أن يختار وظيفة ترفع من احترامه لذاته وثقته بقدراته , وأما فى حالة الجماعات قإننا كثيراً ما نجد – فى حياة الأمم – بلاداً تشعر أنها مهملة و تحسد جيرانها الأكثر تقدماً ورخاء , ويجب علينا أن نساعد هذه الدول على أن تنمى و تطور مواردها المادية و البشرية و أن نساعدهم على أن يحتلوا مكانهم المهم بين دول العالم .
إنه لا يمكن لآى شخص حسود طوال حياته أن يكون عضواً نافعاً فى المجتمع قإن الحسود مهتم فقط بإن يأخذ الأشياء من الاخرين و يحرمهم منها , لنه يشعر بانه – عندما يحرمهم منها – يحط من قدرهم , وفى الوقت نفسه قإنه يميل إلى خلق الأعذار لفشله فى الوصول إلى هذفه عن طريق أن يلقى باللوم على الآخرين , وأمثال هذا الفرد يكون الواحد منهم محارباً لا يمل , ولا يعطى الصداقة أى قيمة , ولا يهتم بأن يسهم فى رخاء الآخرين , وحيث إنه لا يتعاطف مع موقف غيره من الناس فإنه لا يتفهم " الطبيعة البشرية " ولا يتعامل مع البشر بالطريقة السليمة , ورغم أن أفعاله تتسبب فى الكثير من الضرر للآخرين , فإن هذا لا يؤثر فيه على الإطلاق , فإن الحسد يقود صاحبه لأن يتشفى و يبتهج بمصائب الآخرين .
#ماريو_أنور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟