أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - سلّة المصّة وسيل من إطلاق الرصاص















المزيد.....

سلّة المصّة وسيل من إطلاق الرصاص


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 5528 - 2017 / 5 / 22 - 23:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


سلّة المصّة وسيل من إطلاق الرصاص
ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي كتبها جلال (كڤود) بن يوسف صدقة (١٩٢٢٢٠٠٢) بالعبرية ونُشرت في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد١٢١٣١٢١٤، ٢٠ آذار ٢٠١٦، ص. ٢٧٢٩. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.
بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري فقط، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة ترزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّرين، الشقيقين، بنياميم ويفت، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

قربان الفسح

”تعال وانظر ما فعلوا بساحة قربان الفسح هذه السنة! صبّوا قسمًا كبيرًا منها بالإسمنت، كيما يكون الوقوف هناك أكثر راحة، غرسوا النباتات والزهور ليتمتّع الجميع بمنظر جميل، أضافوا ثلاثة أفران لشيّ الخراف جيّدًا بدون بقايا ماء، كما كان يحدث في السنوات الماضية. تغيّر منظر الساحة كليًّا، لدرجة أنّه لا يمكن التعرّف عليها. المزيد من الراحة، على حساب منظر الساحة الطبيعي.

ما زلتُ أسأل نفسي: لماذا ينبغي أن تكون هناك راحة أكثر في قربان الفسح؟ إذ أن آبائنا خرجوا من مصر على عجل، حتّى أنّ العجين لم يختمر، ومن لم يسرع بإرادته، دفعه المصريون الذين هرعوا لطرد الشعب. أين هي الراحة هنا إذن؟ دعنا نترك قربان الفسح، ونتركّز في خبز مصّة الفسح. أتستطيع أنت أصلًا، أن تقارن طريقة خبز المصّة في الماضي بما يجري في أيّامنا هذه؟ لا، لا أقصد المصّة ذاتها، إنّا هي هي، ولكن وسائل الراحة مختلفة. في الماضي كان ذلك مقرونًا بالمشقّة، إلا أنّ الفرح كان أعظم. في أيّامنا هذه، وسائل الراحة متوفّرة لحدّ كبير بخصوص خبز المصّة، إلا أنّ ذلك أصبح أمرًا مفروغًا منه، ولا يحمل في طيّاته فرحًا ملحوظا. شيء ما من فرحة الخروج من مصر، آخذٌ بالتناقص بمرور السنين. ألا تشاركني هذا الشعور؟

في الماضي كانت عملية خبز المصّة شيئًا آخرَ. وجب أوّلًا بالطبع، تجميع الحطب للموقدة، جذع شجرة مقطوع يابس جدّا، وبجانبه بعض الأغصان الجافّة لتسريع اشتعال الجذع البطيء. بعد ذلك، كنّا نصفّ اللبنات في صفّين، ونضع عليهما غطاء مقعّرًا من الحديد المسمّى بلغة العرب [بني إسماعيل] بالصاج. كنّا، بعد بعض المحاولات الفاشلة والعجقة والجلبة، نتمكّن من إشعال النار تحت الصاج. عملية الخبز كانت تبدأ بعد تسخين الصاج جيّدا. هذا ليس كلّ شيء. لا حطب مشتعلًا، بدون دخان كثيف، يدخل الأعين والخياشيم، والأفواه وماذا أيضًا، إنّه يجعل أعين العاملين في الخبز تذرف الدموع والأفواه تلهج وتلغط؛ هنا امرأة تقرّص العجين [بِتْكوبِج]، وهنا الخابز وهنا من يلتقط المصّة المخبوزة من على الصاج، وهنا من يُلقّم النار المشتعلة بالمزيد من الخطب الجافّ. بالرغم من كل الشكاوى والصيحات، كان يخيّم جوّ من الإثارة والفرح الكبير؛ تبارى الخبّازون فيما بينهم حول عدد ساعات الخبز، والعدد القياسي لما خبز من المصّة.
اليوم، في المقابل، كلّ شيء ميكانيكي تقريبًا، فرن الغاز حلّ محلّ الحطب، فرن غاز بقالب مسطّح وعليه الصاج، لا دخان ولا حاجة للمزيد من الحطب، كلّ شيء يتمّ بسرعة فائقة، بالكاد ننتهي من احتساء الشاي اللذيذ الذي تقدّمه ربّة البيت للمشتركين في العمل المقدّس.

لا شكّ يوجد بيننا استفزازيون ومتشائمون شتّى، يتوقّعون شيّ الخراف في المستقبل في أفران كهربائية، ولكن لا تُشغلوا بالكم، فهذا لن يحصل أبدًا، ليس بسبب السوّاح ولا الخوف ممّا سيقولون، ولكن بسبب السبب الأهمّ، المذاق. لا مأكلَ ألذَّ طعمًا من لحم الخروف المشويّ في فرن أرضي وفق الطرق الأصلية. والحقيقة أنّ كثيرين يشوون بنفس الطريقة في الأيّام الواقعة بين ثاني يوم العيد والسابق لآخره (عيد الفسح الممتدّ على أسبوع) لخير دليل على ما أقول، وإن أضفت لوسائل الراحة التي ذكرتها، وانعدام الضغط من حولنا، الذي نعرفه للمرّة الرابعة والعشرين [١٩٩٢]، منذ حرب ١٩٦٧، عندها أمامك الصورة كاملة.

وكي ּأعرِض لك صورة متوازنة، عليّ أن أقصّ عليك عن خبز المصّة في فترة أخرى صعبة، حيث عشنا في ضغط وجهل بما سيولِده الغد. تلك الأيّام التي كان فيها كلّ يوم جديد أسوأَ من سابقه، إنّها أيام حرب ١٩٤٨، أذكر أنّه في السنين الثلاث أو الأربع، ١٩٤٧١٩٥٠، مُنع السامريون من خارج نابلس من الوصول إلى جبل جريزيم للمشاركة في تأدية فريضة قربان الفسح. ما دار من أحداث بين اليهود والعرب، الاعتداءات المتبادلة، إغلاق الحدود السياسية بوجهنا، كل هذه الأمور أَضْفت علينا جوًّا من الضغط الشديد والهلع، شمل كل مكان تواجدنا فيه، في تل أبيب ويافا. كلّ من أخرج رأسه خارج بيته ليُلقي نظرة على ما يجري في الخارج، كان يعرّض حياته للخطر.

أخذ عيد الفسح يقترب، ولا أحد منّا، سكان يافا وتل أبيب، خدع نفسه بأنّه يستطيع أن يصل إلى جبل جريزيم. كنّا بحاجة لتأمين طحين المصّة من المحيط القريب منّا. في الخارج كانت مجموعات هائجة من مُثيري الشغب، تطلق النار على كل ذاهب وآيب تقريبا. سُمع إطلاق الرصاص من كل جهة، أطلق اليهود والعرب الرصاص على بعضهم البعض، وكنّا نحن بينهم في وَسَط نار الجحيم.

قلنا لأنفسنا لا خبز، كالمعلوم، في الفسح. مُنعنا من تقريب القربان، كلّنا كنّا بعيدين، أمّا خبز المصِّة فكان في متناول اليد. ما زلت أتذكّر أفراد الشلّة، الذين كانوا في يافا، مثل الأشقّاء، إسحق ويعقوب وسرور (ساسون)، أبناء فارس (پيرتص) صدقة،خليل (أبراهام) بن شاكر (يِسّخار) مفرج (مرحيڤ)، إبراهيم بن نور، شقيقي كمال (تميم) وأنا وآخرين. لا تسألني كيف حصلنا على المصّة، تمّ ذلك بطريقة ما، إذ لا بدّ من المجازفة حتّى، من أجل القيام بفريضة ما. في آخر المطاف، قعد خليل بن شاكر، رحمه الله، ليخبز المصّة على الصاج. جلسنا كلّنا في رِواق مدخل بيتنا. كنتُ أقلّب المصّة وإحدى النساء كانت تقرّص العجين [بِتْكوبِج] وخليل بن شاكر يبسّطه [يرقّه] ويقذفه إلى الأعلى ليستدير أكثر على وجه الصاج الملتهب بالنار التي تحته. شقيقي كمال كان يضيف الحطب بمعاونة سرور صدقة، رحمة الله عليه، الذي كان متحمّسًا لمدّ يد العون في العمل المقدّس؛ كأنّ كل شيء كان منسّقًا. كلّ تقليب مصّة على الصاج كان يرافقه سيل من إطلاق الرصاص خارج البيت، بعد ذلك سُمع صوت طائرات محلّقة وبعدها سُمع دويّ انفجارات بالقرب من البيت. تابعنا عملنا وكأنّ شيئًا لم يحدث. ألقى علينا الجيران نظراتِهم بخوف شديد وهم متراصّون على درابزينات الدرج في مداخل البيوت. حثّونا على ترك كلّ شيء والاختباء في البيت: ”كيف تجرؤون على عمل هذا والرصاص يدوّي في الخارج“؟ إنّهم سيروْن الدخان يتصاعد من بيتنا، ويبدأون بإطلاق الرصاص علينا“، زعق الجيران علينا.

لم نأبه لصيحاتهم. تأدية فريضة خبز المصّة كانت في نظرنا أهمَّ من أيّ اعتبار آخر. إبراهيم بن مفرج، إنسان ورع جدًّا في إيمانه، يُضفي من ּثقته القوية بالنفس علينا جميعًا، ابتسم وقال لجيراننا: ”لا تهتمّوا، نحن السامريون، يحمينا الله من أيّ شرّ“. عند سماعنا لكلماته اغرورقت أعيننا ولم ندر لماذا، هل بسبب الدخان الكثيف الذي انطلق من تحت الصاج، أم بسبب تذكّرنا أنّ في تلك اللحظات، يُنهي إخواننا على جبل جريزيم استعدادتِهم الأخيرة لقربان فسح العام ١٩٤٨“.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة سليم إبراهيم بولس الكفرساوي
- نور ساطع على قربان الفسح
- كتاب عن كفرياسيف
- اعتداء في عورتا
- هل تعرف كيڤن جوني؟
- لماذا الملاحظة هامّة جدّا؟
- الكاهن الأكبر خضر (فنحاس) صاحب الأعجوبة
- أعجوبة الفرن والخراف في عورتا
- بسواش قشرة بصله، أحقا؟
- الذكرى الواحدة والأربعون
- من مشاكل السامريين
- أصحاب البيت، ببساطة
- عجائب عورتا
- غياب المدقِّّق اللغوي لدى العرب، إلى متى؟
- أعجوبة قربان الفسح التي لا نهاية لها
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (د)
- للثلج كلمات كثيرة في اللغة الفنلندية
- كتاب عن عرعرة
- أربع قصص عورتا
- العربية في إسرائيل، ואללה  ...


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - سلّة المصّة وسيل من إطلاق الرصاص