أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - اعتداء في عورتا















المزيد.....

اعتداء في عورتا


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 5496 - 2017 / 4 / 19 - 15:06
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    





في ما يلي ترجمة عربية لقصّة يسرائيل بن جمال (چمليئيل) صدقة الصباحي (الصفري) (١٩٣٢٢٠١٠، كاتب ونشيط في مجتمعه، نشر نُسخًا من التوراة ومن الصلوات) التي رواها بالعبرية على مسامع بنياميم (الأمين) صدقة، الذي نقّحها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.-أخبار السامرة، عدد ١٢١٩١٢٢٠، ١ تموز ٢٠١٦، ص. ٥٣٥٦. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات على الأقلّ بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.
بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة ترزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة الشقيقين المحرّرين بنياميم (الأمين) ويفت (حسني)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).


مفرِّج بن رزق المفرجي (مرحيڤ بن شت المرحيڤي)


”في مِحور معظم قصص الطائفة، يقف بالطبع كهنة كبار، وفي قلّة منها يدور الحديث حول سامريين عاديين. والحقّ يقال إنّ قصص هذه القلّة تلمس القلب، أكثر من سائر القصص. لا ريب، أنّ تعاطفي مع هذه القصص أكبرُ لأنّي إسرائيلي من نسل منشه بن يوسف.
في هذه المناسبة، أودّ أن أتحدّث عن إحدى الشخصيات، التي رافقت هذه الطائفة سنواتٍ كثيرةً جدّا حتّى وفاته، إنّه الشيخ مفرج بن رزق المفرجي (مرحيڤ بن شت المرحيڤي) الذي كان معروفًا بيننا باسمه العربي مفرِّج. مفرِّج كان إنسانًا متواضعًا بسيطًا، قضى كلّ حياته في فقر مُدقع. بشقّ الأنفس اعتاش، عمل في العِتالة وفي خِدْمات بسيطة لكلّ من كان يطلبها. قضى كلّ حياته مع الناس مُحبًّا ومحبوبا. أبناء عائلته الواسعة، أبناؤه وعائلة پوعه صدقة أعالوه في سنواته الأولى.
أحبّت الناس مفرِّجا. اعتاد على ممازحة الآخرين الذين من حوله، وكذلك الأولاد وهم قاسون، وأحبّوا جدًّا مضايقته. كان مفرِّج مستقيمًا وَرِعا. بين الآونة والأخرى، كان مفرِّج يرافق أحد أبناء الطائفة في مشوار أو جولة قصيرة، إذ أنّه كان يقوم بأكثر أشغاله مشيًا على الأقدام، بدون استخدام أيّة واسطة نقل أو دابّة.

أسبوع من الفرح لمناسبة زواج في عورتا

إحدى القصص المعروفة عن مفرِّج، حدثت قبل أربعين سنة تقريبًا. ذات مرّة من المرّات الكثيرة جدًّا، التي دأب فيها أبناء الطائفة السامرية على زيارة مقبرة الكهنة الكبار، أبناء أهرون في قرية عورتا، الواقعة على بُعد ستّة كيلومترات تقريبًا إلى الجنوب الشرقي من نابلس. في الأساس، تركّز فرح مراسم الزيارة بجانب شاهد قبر إلعزار بن أهرون، الكاهن الأكبر. اعتاد السامريون، وما زالوا إحياءَ ذكرى شاهد القبر، تلاوة صلوات مخصوصة لذكرى الكاهن إلعزار.
في الفِناء الرحب في منطقة قبر إلعزار، أقيمت طقوس الزواج وختم التوراة. أنا بنفسي ختمت التوراة في حفل، عقده والدي في عورتا، والفرحة كانت عظيمة حقّا. حضور مفرِّج زاد من البهجة، إذ أنّه كان يمزح مع الكلّ بل وحظي بنظرة سمحة من قِبل الكاهن الأكبر، ناجي بن خضر (أبيشع بن فنحاس) المعروف عادة بجديّته وعبوسه.

مُِزاح انتهى بهياج وعربدة

لكن، كما أنّ الأمور تجري بشكل طبيعي، فإنّ الشباب لا يفهمون مزاح إنسان أكبرَ منهم سنًّا بسنوات كثيرة، إنّهم عادة يفهمون المزاح بعكس ما قصده المازح. في البداية، كان كلّ شيء على ما يُرام. مكث السامريون في الموقع لمناسبة أسبوع المأكل والمشرب، وفي مركزه عرس. وهكذا في كلّ يوم، إفراط في الأكل والشرب، في الإنشاد والغناء. عُرف مفرِّج بحفظه عن ظهر قلب كلَّ الأناشيد والتسابيح العربية، وكان له صوت جهوري يطغى على كل أصوات الحاضرين عند إعادة القرار/الردّة. أجاد ما تعلّمه شفويًّا فهو أمّي، لا يقرأ ولا يكتب، كان حُجّة في ذلك، واشتراكه ضاعف الغبطة والفرح.

مفرِّج لم يكتف بالإنشاد والغناء، بل كان يعمل جاهدًا طيلةَ النهار في تقديم الخدمة لكل طالب مقابل أجر، كان يجمع الحطب للفرن الذي شُويت فيه الخراف، ينقل الماء من البئر في عورتا، ويقطف الفواكه لتمتيع المدعوين. كما أنّه ساعد في تحضير الأطعمة الخاصّة بهذه الزيارة، وفي وقت الفراغ، جلس مع باقي المدعوين ليُنشد ويغنّي بصوته الجهوري الذي كان يُسمع من بعيد.
بما أنّه كان حاضرًا في كل شيء (يده في كل جزئية، له قرص في كل عرس) سُرْعان ما أصبحت كلّ الأيادي عليه، وبعبارة دقيقة أيدي الشباب. في البداية كان المزاح متبادلًا، كل طرف ضحك على حساب الطرف الآخر، وبشكل طبيعي تحوّل الوضع من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل. مفرِّج أخذ في تحقير الشباب والفتيان ردًّا على إذلالهم إياه. أحد الأشخاص التقط حجرًا من حجارة المكان الكثيرة، وقذفه نحو مفرِّج ولكنّه لم يُصبه. مفرِّج لم يبق مكتوف اليدين بل ردّ بالمثل، رمى حجرًا ناحية الشباب الذين تابعوا مضايقته، وسُرعان ما أخذت الحجارة تتطاير في كل حدب وصوب.
عندما قام كهول وشيوخ الموجودين لإعادة النظام إلى نصابه، وجدوا أنّ مفرِّج مصابٌ ومكدوم من رأسه إلى أخمص قدميه، أما الشباب ففضّلوا الاختباء في الزاوية، ريثما يهدأ غيظ آبائهم.

صلاة مفرِّج

مفرِّج عانى كثيرًا بسبب إصابته بالحجارة، فبعضها قد سبّبت له جروحًا غائرة في جسمه، وهو بهذه الحالة التعيسة تقدّم قُبالة كلّ الحاضرين، وضع يده على شاهد قبر إلعزار الكاهن الأكبر، ابن أهرون شقيق سيّدنا موسى، ونثّ طِلبته بصوت مختنق من البكاء. ”يا سيدي يا إلعزار خاطرك معنا بلباس التاج لا تضيعنا، لا مناص لي إلا التوسّل إليك، لتنتقمَ من هؤلاء الشباب، الذين أمعنوا وتفنّنوا في ضربي، من فضلك يا سيدي إلعزار“. قال ما قال وعاد إلى مكانه. السامريون استمعوا له، وكان مَن ضحك مستهزئًا بصلاته، ومَن أنّبه لأنه خرق الفريضة ”لا تنتقم ولا تحقد على بني عمك/قومك وخفت من إلهك، أنا الله“ [قارن سفر اللاويين ١٩: ١٨، وانظر حسيب شحادة، الترجمة العربية لتوراة السامريين، المجلد الثاني، سفر اللاويين، سفر العدد وسفر تثنية الاشتراع. القدس: الاكاديمية الوطنية الاسرائيلية للعلوم والآداب، ٢٠٠١، ص. ٩٤٩٥]. الكاهن الأكبر، ناجي بن خضر (أبيشع بن فنحاس) كان الوحيدَ الذي ما ضحك وحفظ الأمر في سرّه.
سُرعان ما تفرّغ السامريون لأمور أخرى، إذ سُمعت دعوةُ النساء لتناول وجبة الغَداء، خليط من العدس والأرز، المسمّى عندنا بالاسم ’مجدرة‘. جلس الجميع حول الأطباق والصينيات الكبيرة، لتناول الطعام قبل أن يستمرّوا في التمتّع بالغناء والإنشاد.

الاعتداء

بينما كان الجميع جالسين، الصغير والكبير حول صينيات الطعام، وإذا بصوت صخب مزعج من حولهم. رفع بنو إسرائيل (السامريون) أعينهم، فرأوا كلّ أهالي قرية عورتا محتشدين بجانب سياج منطقة القبر، ينظرون إليهم ووجوههم تنمّ عن مكائد. عرف الكاهن الأكبر أنّهم لا ينوون خيرًا، وأنّه لا شكّ أنّهم أتوا ليتحرّشوا بشباب الطائفة وليضايقوا النساء. وبالفعل، بدأ التلاسن بين الفريقين، أخذ شباب القرية العربية بإطلاق ألفاظ الشتائم والإهانات، فردّ عليهم شبابُنا بالمِثل وعلا الصياح واشتدّ الغضب لدى الجميع، لدرجة أنّ محاولة الكاهن الأكبر في الوصول لمصالحة مع مختار القرية، الذي جاء في مقدمة الأهالي، لم تثمر.
تلفّت الكاهن الأكبر يمينًا وشِمالا ليجد مفرّجا، عرف أنّه لا بدّ من عمل ما. ينبغي استدعاء مساعدة فورية من نابلس، فالشرّ قادم على السامريين. نادى مفرّجا بصوت عالٍ ولكن بدون جواب. مفرّج اختفى وكأنّ الأرض بلعته. لم يجرؤ أيّ واحد من السامريين على مغادرة المكان، لأن الجميع خافوا أن يتركوا النساء لاعتداءات عرب عورتا. وقف الكاهن الأكبر والشيوخ زمنًا طويلًا دفاعًا عن أبناء طائفتهم، وبأعجوبة لم يُصب الكاهن الأكبر ناجي من الحجارة التي أُلقيت على الشباب السامري، الذين تبخّرت شجاعتهم كليًّا واختبأوا وراء الكاهن والشيوخ. كادت بوابة مِنطقة القبر الحديدية تنكسر من جرّاء تدافع العرب، العطشى للانتقام الذين أرادوا إنزال أشدّ قصاص على الشباب السامري لأنّهم شتموا نبيّهم.

هبّ البريطانيون للمساعدة، فجأة سُمعت أصوات حوافر الخيول على الطريق الصاعدة من القرية نحو حوزة قبر الكاهن إلعزار. ساد الصمت هُنيهة. عندما أدرك سكّان القرية أنّ فِرقة من الجنود الخيّالة البريطانيين تهرع إلى المكان، بدأوا بالهرب جميعًا، وإذا بالشباب السامري يتشجّع ويلحق بهم. وفي مقدّمة الفرقة البريطانية كان يجري بما تبقّى له من حيل صاحبُنا مفرّج، الذي راح إلى نابلس مستغيثًا، بدون أن يشعر أحد بذلك.

استدعى القائد البريطاني مختارَ القرية، وبعد تضرّع وتوسّل، سامحه الكاهن الأكبر على الإصابات. خمدت الفرحة، حمّل الجميع أغراضهم على حميرهم وقفلوا عائدين إلى نابلس. علم الجميع، ومن ضمنهم الكاهن الأكبر ناجي، أنّ كلّ ذلك وقع بسبب صلاة مفرّج بن رزق المفرجي، رحمة الله عليه.“



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تعرف كيڤن جوني؟
- لماذا الملاحظة هامّة جدّا؟
- الكاهن الأكبر خضر (فنحاس) صاحب الأعجوبة
- أعجوبة الفرن والخراف في عورتا
- بسواش قشرة بصله، أحقا؟
- الذكرى الواحدة والأربعون
- من مشاكل السامريين
- أصحاب البيت، ببساطة
- عجائب عورتا
- غياب المدقِّّق اللغوي لدى العرب، إلى متى؟
- أعجوبة قربان الفسح التي لا نهاية لها
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (د)
- للثلج كلمات كثيرة في اللغة الفنلندية
- كتاب عن عرعرة
- أربع قصص عورتا
- العربية في إسرائيل، ואללה  ...
- تأثيل شعبي للاسم ’’ياسر عرفات‘‘ ساعد في إقامة المُتحف السامر ...
- جبعونيو عورتا
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (خ)
- حليمة الفنلندية ذكرت السامريين في أواخر عشرينات القرن الماضي


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - اعتداء في عورتا