أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - دامداماران [10] طمطمية عربية..















المزيد.....


دامداماران [10] طمطمية عربية..


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 5511 - 2017 / 5 / 4 - 16:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا أرى صحّة تداول المنتجات الاجنبية في حياتنا واعتمادها مناهج تطبيقية في مجالات راهننا او تاريخنا!. وذلك انه، كما في واقعنا وتراثنا أخطاء وطلاسم وخبط، هي من فعل قصور السابقين وفوضاهم، فلم يتورع المتأخرون عن زيادة الطين بلة.
وحتى هاته الايام،- أي منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، ما زالت دور النشر العربية تصدر كتبا ودراسات –حسب تصنيفها-، وهي تتداول اسئلة وأفكار طرحها الاعلام العربي اواخر القرن التاسع عشر، وما زالت تطرح اليوم بنفس الصيغة: [استفهامية او فرضية] ناقصة البث.
لدينا حتى اليوم تراكم وتكديس في كل المجالات، ولكنه تراكم فوضوي عشوائي، لا يقدم اضاءة ولم يحقق تقدما على ارض الواقع. واعتقد ان الفرد العربي اليوم، عليه ان يمتحن نفسه بالاسئلة الاساسية الوجودية، قبل اقترافه أي لقب او تخرص. وفي راهننا الاكثر تخلفا وجمودا من قرن مضى، اكثر من اشارة لمن يعنيه الأمر!.
وفيما يخص مصطلح الطوطمية/ (الطمطمية) الذي اتناوله هنا، أسجل في البدء ثلاث فرضيات..
1- سكان شبه جزيرة العرب او جنوبي غرب اسيا لم يكونوا بدائيين بالمعنى الاصطلاحي الذي استخدمه الغربيون لوصف الجماعات القديمة المعزولة عن التطور في استراليا وجنوبي افريقيا والجزر الامريكية.
2- ان لفظة (بدو) تشير الى طراز في الحياة والمعيشة ولا تتضمن معنى البدائية، ولكن سكان العرابيا لم يكونوا على درجة من الحضارة والمعرفة للجماعات المحيطة بهم. وبتعبير موجز، مثلوا -نقطة فوق البدائية ودون الحضارة والتمدن-.
3- اصطلاح (طوطمية) –هنا-، يشير الى الاعراض والممارسات الاجتماعية المترتبة عليه، وليس المعنى الانثروبولوجي الذي اراده واضعوه، عقب شيوع نظرية النشوء واصل الانواع لتشارلز دارون [1809- 1882م]، وبالشكل الذي عمل الانجليز على توظيفه لتبرير سيادتهم على بعض الجماعات والاقوام بهمزة التفوق. ولأجله قلبت (واو) اللفظ (ميما) حسب خاصة القلب في قواعد اللغة العربية لسكان الشمال، لتمييز (طمطمية) العرب عن (طوطمية) الاخرين.

لقد مرت المعرفة بثلاث مراحل تاريخية متمايزة حتى اليوم، هي: [الميثولوجيا- الفلسفة- العلم] كما تتمثل في المجتمع الغربي ومن يضاهونه حضاريا ومدنيا. بينما يتفاوت موقع سكان العالم وسواهم نسبة لهذا المعيار، بحسب ثقافاتهم وأصولهم الجغرافية.
وأعتقد ان موقع (العرب)، هو بين الاولى والثانية. وقد شارف العباسيون شواطئ الفلسفة [ابن سينا [970- 1037م] والفارابي [874- 950م]]، ولكنهم واجهوا تحجيما امام اقتراف الاسئلة وحدود الممنوع. ومنذ تلك اللحظة، ما زال العقل العربي يدور حول نفس الجبل – بالتعبير التوراتي-.
ورغم ان الفكر العربي والاسلامي وصف تلك المصادفة التاريخية بالحضارة العربية والاسلامية، فالمقصود بذلك –عمليا-، لا يتعدى عقلية ابي حامد الغزالي [1058- 1111م]، وموقفه السلبي من الفلسفة والعقل في [الجام العوام عن علم الكلام].
لقد احتاج الغرب ضمن برامج عصر النهضة، الى استعادة الجهد الفلسفي الاغريقي، والامتداد به الى الراهن، قبل أن تنبلج نقطة التحول من باطن الفلسفة الى العقل العلمي على يد نيكولاس كوبرنيكوس [1473- 1543م] وغاليلو [1564- 1642م] واسحق نيوتن [1642- 1727م]. اما نحن فما نزال نتهيب الفلسفة، ولا نميز بين العلم العقل التجريبي وعلم الدين الغيبي، ونخشى من أي شيء يمكن أن يفرط بـ-ديننا-، ويشكل مؤامرة عليه.
فالعرب ما زالوا يمارسون – البداوة- على ضفاف الحضارات والمدنيات المعاصرة، من خلال فلسفة الالتقاط والاستعارة والانتقاء والقرصنة، لتزويق مشهدهم المعاصر. وما زالت الزراعة والصناعة والانتاج والابداع والاضافة الحضارية، قمينة –بالعبيد- الذين خلقهم الله لخدمة (خير امة، لا تزرع لا تصنع، لا تحسب ولا تكتب)!.

في هذا الاطار التاريخي، نجد الغيب مهيمنا رئيسا في عقلنا الباطن –[المشاعر والقناعات والتصورات الكونية]-. وقد شاعت في شبه جزيرة العرب، جملة الفاظ وتعابير ذات دلالة على (الغيب/ ميتافيزيك)، كالروح والنفس والدهر والزمن وغيرها.
وربما كان اصطلاح (الروح) هو الاكثر شيوعا في الدلالة على القوى الخارقة التي اعتقدوا انها وراء الظواهر الطبيعية واحداث الموت والاقدار والطبائع والصفات. أما لفظة (نفس) فهي المختصة بحياة الانسان او الكائن الحي عموما. ومن هنا تمييز العرب بين (روح الله)، وبين (نفس الانسان) ومغزى الخلاف اللاهوتي فيه.
وقد صوّر الاغريق الروح في صورة (طائر)، وهي الصورة التي وردت في الانجيل في توصيف الروح القدس: [وهبط عليه الروح القدس متخذا هيئة جسمية مثل حمامة]- [لو3: 22، مت3: 16، مر1: 10]. ولاعتقاد العرب ان (الروح) موضعها في الرأس، اعتبروا ان (الهامة) وهو طائر يخرج من رأس الميت نحو الفضاء. ومنه مفهوم [الطيرة/ التطير] المشتق من نفس المصدر. وفي المقول: (كلا الزمناه طائره عنقه!).
ومن واقع الروح الطائر النازل من السماء، اشتق الفكر الديني صفة (التنزيل) للكتب الدينية، باعتبارها موحاة من الروح، ومتضمنة لتعاليم ووصايا سماوية المصدر، بما يجعل لها صورة الالزام القهري. والجانب الاخر في ظلال الفكرة، تبرز ظاهرة التبرك بالكتاب ونصوصه لدرء الشر، كما تؤكده وصايا الصلوات والقراءات واليومية. وبالشكل الدي يبعد (الشرير!) عن حياة المؤمن.
ان اثر (الروح) في ديناميكا الوجود والطبيعة، معتقد شائع في بلادنا ومجتمعاتنا عموما، وليس العرب او البدو فحسب. والديانات القديمة والكتابية لا تخلو منه. فوجوده في شبه الجزيرة ولدى اقوامها القدماء ليس استثناء. وانما هو امتداد جغرافي ثقافي في المنطقة عامة.
ان لغز اسم (جلجامش، قلقميش) ليس بعيدا عن تسمية (جاموس) الشائع في مناطق جنوبي الرافدين. سيما اذا عرفنا ان لفظة (جاموس) في اللغة التركية تكون [قامش/ كَامش]. وربما يكون معنى تسمية ملك الوركاء هو (ملك الجاموس/ أو سيد الجاموس)، كما هو [cowboy] في الافلام الامريكية.
أما اللفظ التركي الاخر للكلمة: [قامش] فمعناه: (قصب) بالعربية وهو النبات السائد، في بيئة الاهوار التي يعيش فيها الجاموس، وفيها ظهرت مدنية سومر. وفي تلك الادبيات يرد ان جلجامش هو ابن [ninsumuni]/ (البقرة المقدسة)، وهو ما يتكرر في قصيدة سرجون الاول الذي يصف طفولته بنفس الطريقة. ويبدو انه كان نوعا من التقليد الديني او القومي لديهم، كما كان الفراعنة ينسبون انفسهم الى (رع/ الشمس) او (امون/ القمر)، كنسب ملوكي مقدس.
وما زالت (البقرة) تحظى بمكانة شبه مقدسة في الحياة والميثولوجيا الهندية. وفي اشور تتحول البقرة والجاموس الى (ثور مجنح)، وهو رمز ديني وقومي لهم، ذلك قبلما تتخذ بابل الكلدانيين (الاسد) رمزا لها. ويظهر رمز (الاسد) في كتب العبرانيين في سيرة ملكهم (داود بن يسي)/(1صم 17: 37) الشبيهة بقصة صراع جلجامش وهزيمته (خمبابا) في غابة الارز. وفي سفر دانيال البابلي (6: 16) رواية اخرى لقصة [دانيال في قفص الاسود].
كما يرد الاسد في سفر حزقيال(1: 10): [كان لكل منها وجه انسان، يحاذيه الى اليمين وجه اسد، والى الشمال وجه ثور، ثم الى جواره وجه نسر]، يلحق بها اجنحة على ظهورها وأقدام عجل. وفي سفر دانيال (7: 4): [فكان الاول كالاسد بجناحين، كجناحي النسر، وبقيت انظر اليه حتى انقلع جناحاه، وانتصب على الارض واقفا على رجلين كانسان، واعطي عقل انسان].
وفي سفر الرؤيا (4: 7) يتكرر كذلك: [الكائن الاول يشبه الاسد، والثاني يشبه العجل، والثالث له مثل وجه انسان، اما الكائن الرابع فيشبه النسر الطائر]. وترد الحيوانات في وصف الوحش في سفر الرؤيا (13: 2): [وبدا الوحش مثل النمر، وله قوائم دب وفم أسد].
وفي مجال النسخ او الحلول، تظهر (الحية) بوصفها الشيطان/ (تك 3: 1)، ويهوه يتحول الى نار تشتعل في الشجرة/ (خروج 3: 2) التي كلمت موسى. وفي الحديث النبوي الاشجار تكلم محمدا. وفي الانجيل يخاطب يوحنا المعمدان العبرانيين قائلا: [لا تبتدئوا تقولون في انفسكم: لنا ابراهيم أبا!، فأني أقول لكم: ان الله قادر ان يطلع من هذه الحجارة اولادا لابراهيم]-(لوقا 3: 8).

ان (التوتم) هو (روح) اساسا، لها القدرة ان تحل في أي شيء [هواء، ماء، تراب، صوت، نبات، حيوان، بشر]. والغالب ان يبعث (المجهول) على (الخوف) نتيجة عدم القدرة على رؤيته ومعرفة خصائصه وما يريده. ومن هنا خطرت فكرة البشر في تكريم (الغيب) والتقرب اليه (بالقرابين والتقدمات) لاسترضائه والحظوة بحسناته، او اتقاء شروره وأذاه.
وهذا ما يحيل الى فكرة التطير والتشاؤم والتفاؤل. وهي مسألة مركزية لدى اغلب الناس. وقد صنف الانسان عبر الزمن، قاموسا ثريا بما يبعث على التفاؤل، مقابل ما يبعث على التشاؤم. وقد ترتب عليه التقرب لما يتفاءل به، والابتعاد عما يجلب النحس.
ولا غرابة بعدها، ان يصل الامر بتقسيم جسم الانسان نفسه، حسب جداول التفاءل والتشاؤم. فالجانب اليمين من الجسم يجلب التفاؤل، فالتحية والتناول باليد اليمنى، والدخول بالقدم اليمين، والنظرة تتجه لليمين اولا. والسلام على الناس او ابتدار الشيء يفضل من جهة اليمين. والعكس بالعكس.
هاته المعادلة المعقدة تدخل في كل شيء، ومن اول لحظة للحياة. ولضمان البركة والتفاؤل وتفادي النحوس والشرور، يتبع المرء نظاما معقدا في معاملاته الحياتية، في السكن والعمل والزواج والانجاب والعلاقات والحركة.
الجمال، العلو، الخصب، هي المقومات والقواعد الاساسية في التطبيق. العرب يفضلون الجمال في كل شيء، بدء بالمرأة الجميلة والطعام الطيب والحيوان الجميل والكلمة الطيبة. وتتخذ تعابير الجمال [حلو، زين، فاتن، باهي، كويس، يجنن، عسل، قشطه] مفهوما شموليا ينطبق على كل شيء او مجال. فالشغل حلو، والاكل حلو، والمرأة حلو، والوقت، حلو، والمكان او البيت حلو.
وقد يختلف الافراد من شخص لاخر، في تفضيل اللفظة المعبرة لديه، والتي تمنحه اشباعا اكثر، فيستخدمها اكثر من غيرها. كما يفضل استخدامها بالمعنى الضدي (مو حلو/ مش كويس) متجنبا استخدام لفظ منحوس.
وهذا ينعكس في مجال التسمية، تسمية الطفل او اسم المحل. وفي الغالب تتصدر الاسماء الدالة على الملك والثروة والجمال والبركة والتفوق، وبما يناسب طبيعة الشخص وثقافته وانتماءه. وأعتقد ان نظام (الاسامي) في المدن والحواضر، يختلف عنه في القرى والجماعات الاقل تحضرا.
والملاحظة الاخرى، هي التغير الذي طرأ على نظام (الاسامي) في النصف الاخير من القرن العشرين فصاعدا، بالاتجاه نحو ترويج الاسماء العلمانية الايجابية وصولا للاسماء الاجنبية، لدلالتها على العز والاستقرار وجمالها الضمني، وذلك من باب التفاؤل واستجلاب العز غالبا.
هذا يعني ان طريقة التسميات دالة حضارية اجتماعية. والاسماء السلبية وغير المشجعة تشير للاقل تحضرا. وهو ما يطابق طرح الجاحظ، في تبرير ميل العرب لاسماء غير جميلة او اسماء حيوانية، لتجنب الحسد. بل ثمة من يزعم ان ابليس او عزريل، يختار الناس الجيدين في طباعهم، او مستواهم المعيشي، او في اشكالهم او اسملئهم، لابتلائهم والنيل منهم. فترى امرأة جميلة لا يكون لها اطفال، وشخص غني مصاب بالسرطان، أو ذي اسم جميل محسود، يموت في حادث في شبابه. مما يدفع البعض لاتخاذ مسميات بشعة مكرا بابليس.
ولا شك ان في ذاكرة كل منا وفرة معطيات في مجال الاسماء او قصص النحس. فمن اسماء الاشخاص [صحن، بلبول، نمر، بطة، جربوع، فنطس]. والبعض يزعم ان الاغنياء او السادة يسمون ابناءهم مسميات موحشة اعتزازا بهم، ودرء للشر. بينما الفقراء والعبيد يستخدمون اسماء جميلة لابنائهم، بالعكس. وهذا التناقض او الازدواجية الفكرية والسلوكية لدى العرب، تنعكس في مجال الثياب، عندما فرض فقهاء المتوكل [822- 861م] ان تتغطى المرأة الحرة بالثياب ولا تسمح برؤية وجهها او شيء من جسمها، بينما سمح للجارية الخروج عارية الذراعين مكشوفة الشعر والوجه. فتكون الجارية والقن اكثر حرية من التي تدعى [حرّة/ سيدة] في النظام الاجتماعي.

الظاهرة الاخرى في هذا المجال، اتخاذ مرموز مادي يكون بمثابة [ايقونة، تميمة] ترافق الشخص او الجماعة او تحتل موضعا مركزيا في حياتهم او سكناهم او اجسادهم. وقد تخذ العرب، كما سواهم، احد الحيوانات من الطوائر او الدواب، رمزا للتفاؤل والتبريك عندهم، واقاموا له نصبا او بناء او رمزا، يتقربون نحوه زلفى.
ويصنف البعض تلك الرموز الى ثلاثة مستويات: رمز جماعي/ قبلي/ قومي، رمز عائلي/ منزلي، رمز شخصي/ ذاتي. وقد يكون الرمز نفسه بصور واحجام متفاوتة، وقد يكون مختلفا. وفي اكثر البيوت، يضع البعض رمزا بارزا يتفاءل به. كما يقتني كثيرون محابس واساور واقراط، او يستخدمون الوشم، مثل تميمة شخصية، لا تفارقهم. وبالعكس منه، ثمة ما يجلب النحس في نظرهم، فينفرون منه.
ولكل من هاتين الظاهرتين طقوسا وممارسات، تتعدى الشاخص المادي. وفي بلاد العرب، حيث يتراجع الحس الفني، ولا تتوفر المهارات اليدوية والحرفية، كان كثير من الاصنام واوثان القبائل، مجرد احجار او قطع من جبل او صخرة. ومنها رموز [اساف ونائلة] في مكة، تفتقد الحس الفني، ولكنها موضع تقديس لليوم.
الجانب الاخر للطمطمية العربية او الشرقاوسطية، ينعكس في السلوك والطقوس والعادات والتقاليد ومنظومة القيم. فقد وجد ان اصول بعض العادات او التسلكات نابعة من طبائع حيوانات محلية، او عاداتها. فتقاليد القتال والغزو العالمية مشتقة اصولها من سلوك الحيوان، سيما في غزوها الجماعي ونفورها عند الخوف والتهديد.
ومنها عادات الثأر والانتقام التي يتم نسبتها للجمل الصبور الهاديء، ولكنه لا ينسى ولا يغفر الاساءة، ويترصد الفرصة ويتربص عدوه في ذلك.
ومن ذلك الغيرة، سيما في مجال الجنس، وصلتها بالخنازير التي يقول فيها المثل [لولا الغيرة ما حبلت الخنزيرة]. والمراة مهما كان لديها من اطفال، اذا رأت عروسا او امرأة حامل، تجدها بعد مدة حامل وتتشهى، ليس في مجال الجنس، وانما في الثياب والزينة والطعام وفي أتفه المظاهر. وكل طرق الجماع الاساسية مأخوذة من الحيوان.
ومنه ايضا، ينسب البعض فكرة الزواج بأربع، او تحددها باربعة تقليدا لبعض مجتمعات القردة. كما تتشابه طريقة الحركة او الكلام او الخطو بين بعض الناس والحيوانات الشائعة لديهم او مقتنياتهم. ويتم احيانا تشبيه مشية المرأة (باليمامة)، أو ربط شعرها مثل (ذيل الحصان) أو قص الشعر (قصة الاسد).
وفي طقوس الولادة وتنظيف الجنين، تقوم بعض الحيوانات بلحس الحيوان الوليد وتنظيفه وارضاعه او اخفائه كما لدى بعض الاسماك. ومنها من يأخذ الوليد ويقيه في بركة ماء. مما قلده الانسان. ونفس الامر ينطبق على طقس الموت، حيث تهتم بعضها بحفر الارض وتغطية الميت بالتراب. وفي علم اجتماع وسلوك الحيوان، ارشيف كامل بتاثيث وتفسير اغلب المظاهر النفسية والاجتماعية للانسان.
والشائع ان اوزان العروض العربي ومسمياتها مشتقة من بناء الخيمة وحركات الجمل والحيوانات المقتناة في شبه الجزيرة، ومنها الخبب والرمل والمتدارك والسريع وما يرافقها من رجز وهزج. وهكذا تنتقل الصحراء بيئة وطبيعة ومشخصات لتأثيث عقلية الانسان وثقافته المحلية. أي تتحول من المادي الى النفسي، ومن الخارجي الملموس الى الداخلي والذهني.

(الدم): هو الجانب الاخر لمعتقد الطوطمية، او واسطة الروح التي يشاع وجودها في الدم. ففكرة تحريم الدم القبلية، تعود في الاصل الى قداسة الروح او تقديس (الطوطم)، الذي يمثل (اصل النوع) او (الشفيع/ الحامي) للجماعة او الفرد.
علاقة القداسة أو الروح بالدم، لابد انها قديمة، وأفضل من جسدها نصوص التوراة والعقيدة اليهودية التي تنص على مبدأ [لا كفارة بغير دم!]*، وهي تجسيد لعقدة الثأر والانتقام البدائية. وباعتبار (الخطيئة) فعلا متمردا او (جناية) بحق الرب/ الطوطم، [لأنهم لم يرفضوك أنت، بل اياي رفضوا، لكي لا املك عليهم]- (1صم 8: 7). فأن الانتقام ومنح الغفران لا يكون بغير (القتل/ الموت) -الفعلي او بالنيابة- او ملال تسييح الدم في القرابين التي يترك جريان دمها على الارض، وهذا هو مغزى تحريم (اكل الدم) لانه من حق الاله: [الرب نار آكلة، غيرتي نار آكلة]. وفي التقليد الكهنوتي كانت القرابين المقدمة للاله، تحرق بالكامل –لحم/ عظم/ شحم- ولا يجوز ان يتناول منها الكهنة شيئا، لذلك كانت ترافقها قرابين ثانوية، تخصص لاطعام الكهنة وعوائلهم.
هذا الطقس مثبت في تقليد (العقيقة) المنصوص في التوراة بحسب الجنس (ذكر/ انثى)، او المستوى المادي (غني/ فقير) ولا يعفى منه احد. واهماله خطيئة. وتقدم العوائل اضاحي/ تقدمات الولادة في اضرحة الائمة وقبور الصالحين، او تجري في مكان في العراء وتترك للطيور والهوام، والبعض يقوم بتوزيعها [نقدا او عينا] على المحتاجين.
وبعبارة وجيزة، (اولا)- ان صلة الدم أو (قانون الدم) هو الميثاق الذي يربط اتباع القبيلة سوية برباط مقدس، او يجمع اتحادا قبائليا سوية. وللقبيلة رمز لغوي/ جغرافي/ حيواني/ خرافي يكون شعارا وكلمة السر بين افرادها. وما زال الثأر قيمة مقدسة للقبيلة والمجتمع العربي والاسلامي عامة. قد يتغير شكلها واطارها ولكن جوهرها ثابت منذ القدم.
(ثانيا)- ان كل الاصول والتقاليد والطقوس الاجتماعية والاسلامية الموجودة عند العرب، اساسها في التوراة واليهودية. وفي المقابل، كل المظاهر الثانوية واللغوية تجد اصولها واسسها في حضارات اليمن القديمة ولغاتها وعاداتها.
وان اعادة قراءة التوراة واسفار العبرانيين وتواريخ اليمن القديمة قراءة جادة سوسيوثقافية ولغوية من غير اسقاط او حكم مسبق، سوف يفك طلاسم العرب والاسلام، ويكشف مدى وحدة الطبيعة والنسيج والخواص والمظاهر، التي تم التغطية والتدليس عليها قرونا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• (طوطمية)/[Totemism]: رموز وطقوس قديمة من ديانات عبادة الطبيعة، لها اثار لدى السكان الاصليين في استراليا والجز الامريكية وجنوبي افريقيا وماليزيا، جوهرها الاعتقاد بتأثير الارواح الخفية على الانسان، والوسيط الروحي لها او الكاهن يدعة (شامان). وهي كمصطلح يعود اشتقاقه للانجليزي ديفيد لونج [Longe] عام (1791م) في كتابه [رحلات مترجم هندي وأسفاره]. واورده الاسكتلندي ج. مكلينين في عام (1870م) في مقال بعنوان [الطوطمية]. كما وردت لدى عالم الاجتماع دوركهايم [1858- 1917م] وعالم النفس سيجموند فرويد [1856- 1939م] في كتاب (الطوطم والتابو).
• يلحظ ان الابراج السماوية والطوالع حملت اسماء وصفات حيوانية، ونسبت للملائكة وعالم الارواح، وهو ما ينطبق على الابراج والتقاويم الصينية والهندية، فلم تكن المشخصات والرموز الارضية غير ظلال وانعكاسات للظواهر السماوية. والديانات الشرقية والكتابية كلها قمرية/ زراعية.
• تعتبر الشريعة الموسوية هي الاكثر دموية عبر التاريخ، وبحسب طقوسها الرسمية، على كل كاهن – بحسب منطقته- تقديم ذبائح يومية : [صباحية- مسائية] بالجملة، فضلا عن القرابين والتقدمات الاسبوعية والشهرية والسنوية والمناسبات الدورية، مضافا اليها قرابين الولادات والوفيات والبواكير والخطايا والنذور والسهو. وقد استعارت طقوس الاضاحي ونظام الباكورة من ديانة البعل الكنعانية. وكان هابيل الابن الاول لادم وحواء/(تك 4: 8) واسحاق ابن ابراهيم/(تك 22: 2) – المفتدى بالكبش-/ (تك 22: 9- 13) تطبيقا لقربان البكر من كل شيء، الكنعاني. وفي هذا السياق يرد قربان/ كفارة المسيح الذي يصفه الكتاب ببكر كل خليقة (كو 1: 15). وقد قدم العديد من ملوك العبرانيين اضاحي الابناء على مذبح البعل. وحاول داود ابن يسي تغيير نظام القرابين الى التضحية بالاعداء في صراعاته الدموية المتصلة، وتوفير حياة شعبه. ولما كانت فكرة الدم تتصل بالطوطم، يورد سفر الرؤيا هاته الاشارة المحيلة على الطوطم/ شيفا/ يهوه: [وبدا هذا الوحش مثل النمر، وله قوائم دب، وفم أسد، وقد أعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطة عظيمة. وبدا واحد من رؤوسه كأنه مذبوح ذبحا مميتا، ولكن الجرح المميت شفي، فتعجب سكان الارض، وتبعوا الوحش، وسجدوا للتنين، لأنه وهب الوحش سلطته. ثم عبدوا الوحش وهم يقولون: من مثل هذا الوحش؟.. ومن يجرؤ على محاربته؟!]- (رؤ 13: 2- 4). وما يحصل من حروب راهنية، تقف وراءها الامبريالية الامريكية منذ حوالي نصف قرن، جزء من طقوس القرابين البشرية لارضاء الطوطم (x).



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دامداماران [9] ملائكة وشياطين
- دامداماران [8] عبادة النجوم
- دامداماران [7]
- دامداماران [6]
- دامداماران [5]
- دامداماران [4] امة.. امتان.. أم أمم..
- دامداماران [3]
- دامداماران [2]
- دامداماران [1]
- اربعة عشر عاما على احتلال العراق
- هل تناولت فطورك اليوم؟..
- ياهودايزم [20]
- ياهودايزم [19]
- ياهودايزم [18]
- ياهودايزم [17]
- ياهودايزم [16]
- ياهودايزم [15]
- ياهودايزم [14]
- ياهودايزم [13]
- ياهودايزم [12]


المزيد.....




- فيديو خاص.. آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة عيد الفطر في المسجد ...
- لأول مرة.. إقامة صلاة عيد الفطر في المسجد الجامع بالقرم (فيد ...
- دولتان تعلنان عيد الفطر الخميس رغم إعلانه الأربعاء بأغلب الد ...
- صلاة عيد الفطر بطهران تقام بإمامة قائد الثورة الاسلامية
- رسميًا.. الشؤون الإسلامية تعلن مواعيد صلاة عيد الفطر بالسعود ...
- الله أكبر ولله الحمد…تكبيرات العيد الصحيحة المتواترة في السن ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف ميناء حيفا النفط ...
- “عساكم من عواده” موعد صلاة عيد الفطر في الإمارات 2024  بتوقي ...
- نحن يهود فلسطينيون.. نشطاء حركة -ناطوري كارتا- يتظاهرون في ا ...
- مكتب قائد الثورة الاسلامية يعلن يوم غدا الاربعاء عيد الفطر ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - دامداماران [10] طمطمية عربية..