أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم مشارة - رحلة البحث عن رأس بوبغلة/ ملامح من قصة مناضل ضد الاستعمار















المزيد.....

رحلة البحث عن رأس بوبغلة/ ملامح من قصة مناضل ضد الاستعمار


إبراهيم مشارة

الحوار المتمدن-العدد: 5474 - 2017 / 3 / 28 - 01:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جيت نسالك وأنتيا ترد جوابــي
حشمتــك بـالله كلمنــــي
هذا وطنك وأللا جيت برانـــي
يـارس المحنــة لله كلمنــي
ثلث سنين أعداد وانا في الهانة
شـي بقالـي مكتوب يلحقنـي
ياراس الغربة الله كلمني
الداته العجوز خبيثة كهانـه
قالتلهـا يابنت واش راه يصيـر
هذي بكري كانت زوجته حسينة
وتفكرها شاوا منين كان صغير
مشطن منها قلبه اضحى في محنة
شاعل في جوفه مشهاب نار قزير
.................
شعر الأخضر بن خلوف
غناء البار عمر
منذ أن وصلت إلى باريس وضعت على رأس أولوياتي تقصي مكان وجود رأس بوبغلة والثمانية والأربعين شهيدا،فقد علمت أن أحد الطلبة الباحثين اكتشف في أحد مخازن متحف الإنسان أو متحف التاريخ الطبيعي جماجم هؤلاء الشهداء وتعود هذه الجماجم الـ38 حسب وكالة الأنباء الجزائرية، إلى شهداء المقاومة الشعبية على غرار «محمد لمجد بن عبد المالك» المعروف باسم «شريف بوبغلة» والشيخ «بوزيان» قائد مقاومة الزعاطشة (بالجنوب الشرقي الجزائري 1849) و«موسى الدرقاوي» و«سي مختار بن قويدر الطيطراوي»و «عيسى الحمادي» وكذا القالب الكامل لرأس «محمد بن علال بن مبارك» أحد مساعدي «الأمير عبد القادر الجزائري».
قصدت متحف الإنسان في التروكاديرو المواجه لبرج إيفيل والكائن في الدائرة السادسة عشرة واقتطعت تذكرة الدخول بعد أن دفعت رسم الدخول .
يقدم المتحف حوصلة دقيقة رائعة لمسيرة الإنسان منذ فجر التاريخ وتعدد لغاته وألوانه وعاداته وملابسه مع عرض بعض الهياكل العظمية والجماجم البشرية وداخل المتحف وفود من السياح مع الدليل يشرح لهم جانبا من المعروضات وحقيقتها العلمية والتاريخية لكنني كنت مشغولا بهم واحد رؤية رأس بوبغلة واستحضار تلك القصيدة البديعة التي نسبت للشاعر الشعبي الأخضر بن خلوف وغناها البار عمر، في طفولتي كانت أمي مباركة رفقة بابا الطاهر تشغل الفونغراف وتضع أسطوانة البارعمر يطرق بابا الطاهر مغمضاعينيه وربما سالت من عينيه عبرة وتحرك أمي رأسها جيئة وذهابا تعبيرا عن انفعالها بكلمات الأغنية الحزينة منذ ذلك التاريخ رسخت في ذهني القصيدة وقررت أن أستحضرها بعد الترحم على الشهداء المعروضة جماجمهم في متحف الإنسان لكنني فوجئت باختفاء هذه الجماجم سألت الدليل وكانت امرأة فرنسية تشرح لوفد من السياح عادات وملابس وثقافة الهنود الحمر:
- سيدتي إنني أبحث عن جمجمة مقاوم جزائري يدعى بوبغلة لكنني ذرعت المتحف جيئة وذهابا ولم أعثر لها على أثر.
-لا أعرف ولكن تأمل في تلك القوالب المعروضة ربما تجد بغيتك.
تعجبت أنا أحدثها عن جمجمة وهي تحدثني عن قالب.
تأملت القوالب وكانت لأجناس بشرية شتى من شتى أصقاع العالم وأدركت أنها ليست المقصودة
توجهت إلى رجل آخر من العاملين في المتحف أشار علي بالتوجه إلى متحف التاريخ الطبيعي والكائن بالدائرة الخامسة وأن ما يحتويه متحف الإنسان معروض بالكامل للزوار وأما الجماجم البشرية فهي معروضة هناك.
كنت أعرف أن متحف الإنسان بالتروكاديرو يحتوي مخازن لا تعرض لكل الناس وأن ما يعرض يشبه الجبل الجليدي فماخفي أعظم، وأن عرض هذه الأسرار لا يتأتى إلا لوفود معينة وأشخاص معينين بتصريح خاص. وكان التعب قد نال مني فقررت أن أستفيد من الفرجة العلمية مادمت قد دفعت الرسوم ذرعت المتحف لنصف يوم رأيت عجبا مسيرة الإنسان منذ فجر التاريخ ومسيرة التطور والنماء مع عرض اختلاف الألسنة والألوان والثقافات والتقاليد وكان شيئا رائعا لكن أغنية البارعمر كانت تدوي في أذني وغشت على عيني سحابة قاتمة حجبت كل المعروضات حتى حين تقدمت إلى قسم يعرض لغات العالم القديمة يكفي أن تجذب لسانا يبز من كوة في حائط عليه اسم اللغة حتى يحدثك اللسان بتلك اللغة القديمة العريقة لم أنتبه للغة العربية بل جذبت لسانا إغريقيا كرة ولسانا حدثني باللغة السواحلية كرة أخرى لكنني لم أسمع شيئا غير كلمات البار عمر:
هذا برك ولا جيت براني
ها راس المحنة لله كلمني
حين خرجت من المتحف متعبا مرهقا من التجوال بداخله حتى الإطلالة الساحرة على برج إيفيل من داخل المتحف لم أستمتع بها،كنت أبحث عن ضالة ولم أعثر عليها.
في يوم آخر قررت التوجه إلى متحف التاريخ الطبيعي بالدائرة الخامسة قرب مسجد باريس لكن هذه المرة خرجت من البيت باكرا حتى أنني وجدت الأبواب مغلقة فهي لا تفتح إلا عند العاشرة وانتظارا للموعد قررت التجول في الحديقة البديعة الموشاة بجميل الزهر والتامل في أشجار الأرز العملاقة ودراسة مخطط المتحف فبغيره تضل إنه يمتد لهكتارات وهو أقسام يضم التاريخ الطبيعي للحياة على كوكب الارض من معادنها ونباتاتها وحيواناتها وإنسانها وبين كل قسم وقسم مسافة ورسوم تدفع عند دخول كل قسم لكني راهنت على قسم التطور، وقسم الكائنات الحية الذي يضم في طابقه الأرضي الحيوانات المنقرضة كالديناصورات ولقد وقفت أمام هياكل عظمية لديناصورات بحجم طائرة الكونكورد وهياكل عظمية لفيلة عملاقة وحيوانات منقرضة أخرى ، وقفت خاشعا متأملا في العظام البشرية وتذكرت قولة تعالى : ( وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). هياكل عظمية لأجنة في شهرها الخامس والثامن وقلوب محنطة وأجنة غير مكتملة وجماحم لقرود وهيكل عظمي لإنسان تام سألت عاملا نفس السؤال الذي طرحته على الدليل في متحف الإنسان فأخبرني أنه لايوجد غير ما أراه بعيني لكن أردف:
اذهب إلى متحف الإنسان تجد ضالتك
قلت إنني جئت من هناك فاعتذر أنه لا يعرف شيئا وانسحب.
جلست مستريحا من وعثاء التجوال ،خرج رجل عليه سيماء الجد يرتدي مئزرا أببض ويضع على عينيه نظارة،حييته وأفدته ببغيتي .
نظر في مليا وأشار ببده إلى جهة تقبع فيها جماحم القرود وهيكل عظمي مكتمل لإنسان وأخبرني أن هذا كل مايعرفه.
تعجبت فالرجل تبدو عيه سيماء البحث وأدركت أنه يعرف دقائق وأسرارا ولكنه لا يبوح بها ولا يرشد إلا وفق توصيات وتصريح خاص. تركته وصعدت إلى قسم النبات لأستريح قليلا وأتفرج على غابر الأرض الأخضر ونباتاتها البديعة العجيبة لكنني كنت مشغولا بهدف خاص وفي أذني أغنية البارعمر تترد تصمها عن كل صوت وتحجب عن العين دقائق صنع الله لقد أرانا الله آياته في الآفاق وفي أنفسنا وأنا أقف أمام قارورة تضم جنينا في شهره الخامس تذكرت قول ابن سينا:
وتحسب أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الاكبر
عدت إلى الطابق الأرضي وتوجهت إلى شابين من العاملين في المتحف حييتهما وبادرتهما:
- إنني كائن فضولي جئت من الجزائر وأردت في تعريجي على المتحف رؤية جمجمة بشرية لمقاوم جزائري اسمه بوبغلة.
نظر في مليا وأبدى سيماء الاحترام:
- سيدي هل تأملت المعروضات هناك
نعم لم أترك شيئا،الأجنة ،الهياكل العظمية ،جماجم القرود، هياكل الديناصورات ، الفيلة ولم أعثر على ما أريد
- نعم سيدي هناك مخزن يحتوي على جماجم لا تحصى والمتحف لا يعرضها للعموم
- ولكن سيدي لست رجلا مشتغلا بالسياسة ،وأنا أعلم أن هذه الجماجم أحدثت خلافا بين الجزائر المستعمرة القديمة وفرنسا ولأجل ذلك سحب المتحف بأمر خاص هذه الجماجم إلى سرايدب ومنعها عن الزوار إلا بتوصية خاصة،إنه مجرد فضول ورغبة خاصة لا علاقة لها بالسياسة هل يمكنك مساعدتي؟
نظر الشاب إلى زميله ثم ذهب وعاد يحمل ورقة كتب عليها عنوانا وتأملته فإذا هو بريد إلكتروني:
- سيدي أكتب عاجلا إلى هذا العنوان وعرف بنفسك، والغرض من رغبتك في رؤية ما تريد وستجيبك إدارة المتحف سريعا وربما سمحت لك برؤية ما تريد هناك حقا جماجم لا تحصى من أصقاع العالم لكننا لا نعرضها للعموم.
شكرته وتأملت في الورقة ونظرت مليا في البريد الإلكتروني ثم رميت الورقة في سلة المهملات لقد أدركت أن السماح بالمرور إلى المخازن مستحيل ،فقد نظر الشاب في عين زميلة نظرة ذات مغزى حتى العاملة الشابة لما اقتطعت التذكرة وسألتها عن حاجتي نظرت إلى نظرة ذات معنى ففهمت كل شيئ .
كان التعب قد نال مني خرجت من المتحف حتى الزهور بشذاها الطيب والأشجار بظلالها الوارفة وحتى الشيوخ الذين كانوا يجتمعون على مدرب في رياضات الاسترخاء واليوجا وحتى قوافل الشباب التي كانت تمر قبالتي تمارس رياضة الجري لم تسرق مني تلك الكلمات التي سمعتها في صغري من البار عمر والتي ظلت تترد على مسمعي رغما عني .
أسفت على أنني لم أحقق بغيتي في رؤية جماجم أولئك الشهداء والترحم عليهم بالرغم من المصاريف التي دفعتها والإعياء الذي نال مني لدرجة أنني قررت الاستراحة في حديقة مسجد باريس وتناول غدائي فقد أوشكت الساعة على الثالثة ظهرا.
تذكرت مقولة لأم أبي عبد الله الأحمر لما بكى حين هم بتسليم مفتاح غرناطة :ابك بكاء النساء على ملك لم تحافظ عليه محافظة الرجال.، لكنني قلت في نفسي ستأتي براعم جديدة من أصلاب جزائريين أقحاح ومن أرحام طاهرة ، ستعيد تلك الجماجم إلى تربتها الطاهرة وتحظى بنومة هنية في رحاب الوطن المفدى، لكن البار عمر ترددت كلماته في أذني كرة أخرى:
هذا برك ولا جيت براني ياراس المحنة الله كلمني
ولا كونت انت في بلدك رائس
خابرك شاع الناس تتباشر بشناه
بن مورزق الجاه اتعيدلي ذا المحنة
كيما صار فيك اصحيح خبارني
حشامتاك بمول الفرقان بن يمينة
صلا الله عليه الفين بلمثنــى
انطلقـى هوازين القمنــــة
بجواب احسيـن حداثنـــي



#إبراهيم_مشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بيت هوجو
- في مملكة الجمال اللوفر في الآحاد
- حنين/ قصة الغربة،الشوق والموت
- قصتي مع السماء وأجرامها
- محنة العقل في الإسلام / أبو العلاء نموذجا
- أيام في الخليج
- كار بوكامل والحافلة الزرقاء/قصة الصراع بين القديم والجديد
- عمر المداح
- بيدي لا بيدك عمرو حول ظاهرة الانتحار عند بعض أدبائنا
- حكاية جدي من مطرقة الاستعمار إلى سندان الحنين إلى الوطن
- رقصة زوربا في حضرة راعي السويقة
- مسحوق الديب
- يا أيها الفرح زرنا مرة في السنة
- سلطة اللغة
- فتنة باريس/دفاعا عن ثقافة الأنوار
- مي زيادة وصالونها الأدبي(تحية لكل امرأة واقفة صامدة كالشجرة)
- فى حب مصر: عتاب بين يدى إيزيس
- الجواهري شاعر الرفض والإباء) نحو مجتمع مدني ديموقراطي عادل و ...
- خابية الأوهام -حاجينا وجينا-
- تأملات في عالم حنا مينة الروائي (المقال مهدى لروح صادق جلال ...


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم مشارة - رحلة البحث عن رأس بوبغلة/ ملامح من قصة مناضل ضد الاستعمار