أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - فوبيا العودة إلى المثالية الأخلاقية الدينية















المزيد.....

فوبيا العودة إلى المثالية الأخلاقية الدينية


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5461 - 2017 / 3 / 15 - 15:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لعل القضية الأساسية التي تكمن في إرادة الله من قضية الدين هي البحث عن السعادة البشرية التي يصورها الدين في أطار ما يسمى بالمستقلات العقلية في الوجود، لكن بعد إعادة ترتيب بنائها وترتيب أولوياتها وفقا للعلم الرباني فيها، هذا هو مختصر الخطاب الرباني وجوهر الفكرة الدينية، فحتى ما يفرضه الله من أحكام وصورة من الألزام والنهي لا تتعدى هذه الهدفية ولا تعتدي على الواقع إذا كان مسايرا لما هو طبيعي مماهي لنظرية العقل السليم بمعناه العقل الذي لا يقبل بالتحريف والتزييف والخداع.
لذا خاطب الله تعالى نبيه الكريم بهذا النص الذي سيبقى دوما نصا مرشدا ودلاليا في تفسير علاقة الدين بالإنسان(وما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)، البعض يتصور أن محمول هذا النص ليس عاما ولا مبدأ كامل حتى يكون دلاليا، وإنما هو من جملة المبادئ التشجيعية التي وردت في الكتاب لغرض تشجيع الرسول في المضي في رسالته والتخفيف من أحزانه جراء الهجر والتحدي الذي لقيه من خصومه والعناد والتمرد الذي لحقه من بعض أنصاره، هذه النظرة القاصرة لا يمكن تبنيهابهذه السهولة خاصة مع متابعة سياق الآية والسورة قصديا.
الدين أداة تغيير معرفية ومنهج من العقليات التي تخاطب الإنسان على أنه كائن قادر بالقوة للأمتثال للفضائل الكونية والخير بمعزل عن الروافد المؤسسة، فهو كائن أجتماعي معرفي متعقل ينظر لمجمل وجوده وعلاقاته بالذات ومع الأخر من منظار واقعي، وصحيح أن الإنسان ليس بالضرورة أن يكون مثاليا بالغالب ولكن الحس المثالي المتمثل بالجانب الروحي يبقى عنصرا أساسيا في تعامله اليومي والتفصيلي مع الحياة، لذا فالدين يحرض الإنسان على تبني الخيارات الأخلاقية والمثالية جنبا إلى جنب مع الجانب المادي فيه وبذات الطريقة التي يتعامل بها مع العنصر الأخير.
من جانب أخر ومن خلال النظر التأريخي لدور الدين في الحياة العامة للإنسان، نرى أنه ساهم وبشكل أخر في تبلور جوانب مهمة من التحولات الكونية التي قادته لأن يكون كما هو اليوم كائن عابر حتى للعقل، بدخوله بما يسمى (بعالم ما بعد العلم والمعرفة)،عالم ما بعد العلم وتحريره من الوهم والخرافة، فأنتج بمسيرته عشرات المدارس الفلسفية والفكرية وقاد نفسه بنفسه إلى مرحلة عبور الذات إلى محاولته الدؤوبة لأختراق مادية الوجود والتعمق في إدراك الكثير من التفصيلات التي لا يتصور البعض قبل قرون وعقود من الزمن أنها ستكون من ضمن الإرث العلمي والمعرفي له.
هذا التحول الجوهري هو واحد من نتائج حضور الدين وخاصة دعوته للقرأءة وطلب العلم والتفكر والتدبير فيما حوله، لا يمكن لعاقل مثلا أن يتصور لمجرد التصور أن المعرفة الدينية والخوض في تفاصيلها هي فقط إرضاء لإرادة الرب وخضوع لتعاليمه الخاصة بالعبادة فقط، هذا ظلم حقيقي عندما ننكر دور أي معرفة في حياة الإنسان وخاصة إذا كانت تعتمد في تبنيها على تحريك العقل وزجه في معنرك الوجود من أجل الخير بمعناه العام.
لو نظرنا جزئيا إلى حالات المجتمع الديني في كل التجارب التي تدخل فيها الدين وأجرينا مقارنة علمية بمنهج محايد ومتجرد مع النتائج التي أحدثها وساهم في صيرورتها، نشهد أن الإنسان كان الهدف الأساس للتغيرات والتحولات، كما أنه كان أيضا الوسيلة والأداة التي أحدثت وجسدت التغيرات والتحولات، وبذلك ساهم الدين من جانبه أن يستعيد الإنسان وعيه وأن يمارس هذا الوعي واقعيا دون أن يكون لهذا الدين مصلحة خارج الهدف هذا، لذا يمكننا القول دوما أن الدين والرسل من ضمن المسخرات له في طريقه نحو الكمالات البشرية.
أما القصور والتقصير في متابعة هذه التحولات والأستمرار بها على ذات النسق والمنهاج فهي دوما تعود لعجز الإنسان وتكاسله وفتور الإرادة في المواصلة، وهذه الأمور مع كون الإنسان ذاته كائن جدلي لا يستقر دوما على منهج ولا يخضع في كل مرة إلى الأستجابة له جعله يبتعد شيئا فشيئا عن القوة المحركة تأريخيا، أما لأنشغاله بالصراعات البينية التي تنتج من طبيعة علاقة الإنسان مع الأخر أو نتيجة تراكم الوعي الجمعي في أتجاهات مغايرة لروح الرسالات، وهكذا نشأ التراجع والتغيير والتحريف بناء على قوة الفاعل المستفيد من المصالح الخاصة والفئوية أما للسلطة بمعناها الكلي، أو نتيجة تطور المعرفة وأختلاطها بالمسميات المقارنة أو المقاربة للفكر الديني نتيجة المنافسة أو تجاوز حدود اليقين.
كانت قضايا الملكية والعبودية البشرية ونظام التعاملات المالية ونظام الأسرة وحقوق المرأة وعلاقة الإنسان مجملة مع الأخر المماثل والمنافس أو الضد، ومسائل الحث على التعلم وأكتساب المعرفة وبسط العدل كمفهومن مفاهيم المستقلات العقلية الطبيعية التي عرفها الإنسان سابقا من ضمن المنظومة الأخلاقية الأجتماعية، وتباين النظرة حول كل ذلك وأختلاف التجارب فيها من ضمن أساسيات التحول وأهداف التغيير الذي لعبه الدين في كيفية التعامل معها مركز فيها على الجانب التعليمي والتطوري تحت عنوان المصلحة الشمولية للمجتمع.
فلا الدين تدخل مثلا فيها لمصلحة الديان ولا ورد مفهوم واحد يؤكد الحاجة الفعلية لذلك، لكن المؤكد أنه جاء لرفع الشقاء عن الإنسان وتوكيد حقيقة أن الإنسان لا بد أن يعيش في حد أدنى من النظام والمعرفة المؤسسة التي لا تخترق برغبات فردية متمردة أو مراعاة لمصلحة خاصة قد لا تتوافق مع مفهوم الحرية الطبيعية له كون الكائن الإنساني في ذاته يبلغ ويسعى للصلاح والإصلاح صيانة لوجوده المحدود فرديا أو جماعيا{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}هود88.
الإنسان من حيث هو طاقة محدودة بدنيا أيضا هو كائن بلا حدود من الناحية العقلية لأنه يملك القدرة على تطويع المادة وتحويلها إلى طاقة، هذه الخصيصة هي التي جعلت منه كيانا مزدوجا يشعر بتناقض المنط التكويني له ولكنه لا يفهمه من جهة أخرى، الدين جاء في أحد جوانبه لتفسير هذه الإشكالية وحلها وفقا لحقيقة كل من المادة والعقل، المادة التي تكتنز بداخلها أسباب القوة وتجعلها ممكنة وواقعية بتفعيل النظام العقلي وخطاب الدين خطاب لهذا المكمن الخطير وتحريكا له في محاولة أستكشاف الوجود الحولي.
الذين ينظرون بتطرف للجانب المشرق من الأنجاز الحضاري للدين وتعامله مع مشكلات الإنسان وقضاياه متطرفون بالشعور أنهم أنحازوا لقضية حتمية هي أن الدين حل كامل وبالتالي منحوا كامل القوة والقدرة له، حتى لو أدى ذلك إلى تعليق فاعلية العقل في الإنجاز والعمل، في حين نجد النصف الأخر الذين ينظرون للجانب المظلم من التجربة الدينية ليس من مؤدى الفكرة والنص، ولكن من المحصلة العملية التأريخية التي عبرها بها الإنسان عن فهمه، كونها تجربة تخضع للأجتهاد والتأويل والإسقاط البشري السيكولوجي، يرون أن الدين كان العنصر المخرب والضار في بناء عالم الإنسان الخالي من الحرية وحقه الطبيعي.
هذا التناقض والتضاد في رؤية النتائج ليس بالأمر الهين لمن يريد أن يمارس الدين دوره الطبيعي كرافد من روافد المعرفة البشريه، ويساهم في كينونته الإصلاحية بتغيير خط عمل الدين وإعادة ترتيب أولوياته تجاه الإنسان وفقا للمرادات القصدية التي تتكلم عن الإصلاح وأعمار الوجود بكل ما هو ينتهي في غائية الخير، حقيقي أننا اليوم نواجه فوبيا العودة إلى المثالية الأخلاقية الدينية ونحن نواجه سيل من التهم والحوادث والفكر التخريبي الذي تركته تجربة الفكر الديني على الواقع، ولا ننكر أيضا أن موضوع الدفاع عن هذا التأريخ المشوش والمحرف ليس من العقلانية بشيء ولا يمكن حتى التسليم بأن كل ذلك حدث خارجا عن أثر الدين وجوديا.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنتصار على الذات
- رسالة الخميس مرة أخرى
- مسائل التجديد الديني 2
- مسائل التجديد الديني
- ملك اليمين... أختراع فقهي وأجتهادي لم يرد به نص ولا حكم منير
- حوار هادئ بطعم المطر
- ستمطر عسلا وسيموت الثعبان تحت الشجرة
- الدين وموقف العقلانية منه
- جلسة سياسية عراقية ليلة أعلان فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية.
- رسالة إلى حكام بغداد
- نظرية العربة والحصان في المنطق وتأسيس الوعي.
- في سهرة الخميس ... تعالي
- قصيدة الأرض وسؤال المصير
- لو كنت مرجعا دينيا في العراق.
- إلى كل ذي لب ويفهم.
- العراق المدني ومستلزمات التغيير والتحول الديمقراطي. ح1
- ماذا عرفت بعد التوهم؟ ح3
- ماذا عرفت بعد التوهم؟ ح2
- ماذا عرفت بعد التوهم؟
- كلمات طائرة بلا أجنحة 2


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - فوبيا العودة إلى المثالية الأخلاقية الدينية