أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي رحيم مذكور - الجغرافيا ... العلاقة المكانية ( العراق وايران )















المزيد.....



الجغرافيا ... العلاقة المكانية ( العراق وايران )


علي رحيم مذكور

الحوار المتمدن-العدد: 5456 - 2017 / 3 / 10 - 09:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تفرض الجغرافيا السياسة أحياناً أنماطاً تكاد تكون ثابتة في العلاقات الدولية، على رغم من تضائل قيمتها كمتغير حاسم مع التطور التكنولوجي إلّا أنها تظل المتغير المعتبر لا سيما في العلاقات بين بلدان العالم الثالث، فعلاقات العراق مع جواره تأثرت وما زالت تتأثر بحقائق الجغرافيا السياسية، خاصة أن العراق بحدوده البرية الواسعة والسهلة نسبياً لم يكن محصناً أمام التيارات والتأثيرات القادمة من محيطه، كذلك أن هذا المحيط لم يكن محصناً أمام التأثيرات والتيارات الخارجة من أرض العراق، وهذه الحقيقة تتجلى بوجه خاص في علاقة العراق بشرقه (إيران) حيث إنها الدولة الأكثر جواراً للعراق بالمعنى الجغرافي بسبب طول الحدود المشتركة، كذلك أن التفاعل المكثف بين الطرفين يمتد إلى أقدم العصور، متمثلاً بقصص طوال عن الغزوات المتبادلة والإمبراطوريات الممتدة عبر ما يعد اليوم حدوداً فاصلة بين البلدين، فلقرون طوال كان لبلاد فارس حدود تمتد إلى غرب العراق، ولقرون طوال أُخَر، كانت للدولة الإسلامية التي يحكمها العرب حدود تتجاوز أقصى شرق إيران، هذه الحقائق خلقت ميراثاً مشتركاً ومعقداً لدى شعوب هذا الفضاء الحيوي الممتد بين آسيا الوسطى وشبه الجزيرة العربية، إضافة إلى ما يمثله التقويم الجيوبوليتيكي من دور رئيسي في رسم سياسة الدولة ومكانتها الإقليمية والدولية، وفي تحديد عناصر قوتها الشاملة وبلورة إستراتيجيتها العامة، وفي إمكانية أداء دور إقليمي ودولي يتناسب مع ذلك، إضافة إلى العوامل الأُخَر.
وإنطلاقاً من هذه المقدمة، سأتناول هذا الموضوع من خلال المحاور الآتية:
الفقرة الأولى: الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية.
الفقرة الثانية: النطاق الإقليمي.
الفقرة الثالثة: مشكلة الحدود.



الفقرة الأولى: الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية
يأتي الموقع الجغرافي في مقدمة مقومات الدولة التي تساهم في وضع خصائص تتأثر بها الوحدة السياسية، ومن ثم يكون للموقع الجغرافي وزن وتقدير يضفيه على الوحدة السياسية والدور الذي تسهم به بالنسبة إلى كيانها الذاتي من ناحية، وبالنسبة إلى الوحدات السياسية الأُخَر من ناحية ثانية، كذلك أن الموقع الجغرافي يؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في سياسات الوحدة السياسية، بل قد يحدد بوضوح دورها الايجابي أو السلبي في مجال العلاقات الدولية في الحرب والسلم معاً.
إنّ لكل دولة موقعها الجغرافي وهو ثابت لا يتغير ولكن أهميته وتأثيره هي التي تتغير بصيغة مستمرة، تماشياً مع التطورات التقنية والعلمية خاصة في مجالات المواصلات والحركة، كذلك يمارس الموقع والجوار الجغرافي دوراً بارزاً في تحديد طبيعة العلاقات ما بين الدول، إذ غالباً ما تنحصر العلاقات بين دول متجاورة في شكلين لا ثالث لهما، فهي إمّا أن تكون علاقات تفاعل إيجابي، قائمة على أساس التعاون واحترام الآخر وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، أو أنها تتخذ شكل علاقات تصاعدية قائمة على أساس التنافس أو التناحر أو التنازع والصراع، فكلا البلدين (العراق وإيران) يتميزان بموقع جغرافي مهم، في منـطقة الشرق الأوسط، بل في العالم.
أولا: موقع العراق الجغرافي:
يقع العراق في نصف الكرة الشمالي، في إطار مكاني ينحصر بين دائرتي عرض (29,5) شمالاً، و(37,22) جنوباً، أمّا موقعه بالنسبة إلى خطوط الطول، فإنه ينحصر بين خطي (38,45) شرقاً، و(48,45) غرباً.
فيقع العراق جنوب غرب آسيا، وشمال شرقي الجزيرة العربية، حيث تحده من الشمال تركيا بحدود يبلغ طولها (352) كم، من مجموع حدود العراق البالغة (3708) كم، ويحده من الشرق إيران بحدود يبلغ طولها (1458) كم، تكون الحدود الأرضية البرية القسم الأكبر منها، حيث تمتد لمسافة تبلغ (1220) كم، والباقي وقدره (80) كم، وهي حدود نهرية تتبع شط العرب .
أمّا من جهة الغرب، في الشمال الغربي فتحد العراق سورية وبحدود يبلغ طولها (605) كم، ومن الغرب أيضاً يحده الأردن وبحدود يبلغ طولها (181) كم، أمّا من الجنوب الغربي فتحده السعودية وبحدود تبلغ (814) كم، أمّا من الجنوب فيحده الكويت وبحدود يبلغ طولها (240) كم، أمّا مساحته فتبلغ (312,438) كم2، ويبلغ عدد سكان العراق (28) ملايين نسمه سنة 2006 م يتوزعون على (18) محافظة، في حين تشير مصادر أُخَر إلى أن عدد سكان العراق بلغ (34) مليون نسمه سنة 2012 م.
يمتلك العراق مختلف المكونات الإستراتيجية والجغرافية الأساسية، فهو يمثل بوابة الوطن العربي الشرقية، كذلك يمثل حلقة الاتصال بين أوروبا ومنطقة المحيط الهندي، فضلاً عن أنه يمثل مركز ثقل لبلاد الشام، وموقعه هذا جعله نقطة الاحتكاك المكاني والزماني بين ثلاث حضارات كبرى هي العربية والفارسية والعثمانية، كذلك أن جغرافيته حتمت عليه أن يقع أيضاً في حدود منطقة انقسمت خلال القرن الماضي المنصرم من الناحية السياسية بين الولاء للغرب والعداء له، كذلك فرضت عليه أن يكون واحداً من القوى الفعالة في الإقليم، وهذا ما أثار لديه مشكلات جغرافية وبشرية واقتصادية عديدة مع قوى إقليمية جارة له، خاصة إيران، تبلورت حول قضايا رئيسة منها، الحدود، الأقليات،...الخ، حيث يمتاز العراق بموقع – جيوبوليتيكي – استراتيجي مهم، أكسبه أهمية كبرى، فهو يقع في قلب منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن أن العديد من الباحثين والمهتمين بالإستراتيجية الدولية، قد أشاروا إلى أهمية موقع العراق الجغرافي، يتقدمهم رواد الإستراتيجية الحديثة أمثال (سبيكمان، ماكندر، سفرسكي) إذ إن العراق يقع ضمن نظرية الإطار الأرضي أو الحافة (Rim Land) لـ(سبيكمان)، وعلى وفق هذه النظرية، فإنّ من يحكم سيطرته على منطقة الأطراف والمناطق الساحلية والهلال، يحكم أوراسيا، ومن يحكم أوراسيا يتحكم في أقدار العالم، أنظر خريطة العراق ودول الجوار.

العراق والدول المجاورة له
















أما بالنسبة إلى الموارد الطبيعية: فالعراق كما هو معروف، بلد نفطي، ومن مؤسسي منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) سنة 1960 م، وإلى جانب النفط يمتلك العراق احتياطيات كبيرة من الموارد الطبيعية الأُخَر، كالغاز الطبيعي، الفوسفات، النحاس، الحديد، الزئبق، ... إلخ.
حيث يتمتع العراق بطاقات نفطية هائلة، فمن أصل حقوله النفطية الـ(74) المكتشفة، لم يستغل منها استغلالاً كاملاً سوى (17) حقلاً، وهذا إضافة إلى عدد الآبار المحفورة التي يصل عدها إلى (1500) بئر، في حين يؤكد الخبراء أن في الإمكان إن يصل عدد الآبار في العراق إلى (100) ألف بئر، فضلاً عن أنه يمتلك مساحات غير مكتشفته وفي الأخص في الصحراء الغربية، وهذا يعني أنه في ظل غياب بدائل الطاقة الأُخَر إلى الآن وإلى زمن غير منظور يصبح قادراً ولمدد طوال على تزويد العالم بالنفط، ويمتلك العراق احتياطياً نفطياً مؤكداً يبلغ (115) مليار برميل أي ما يمثل حوالى (10%) من الاحتياطي العالمي بحسب البيانات الخاصة بمنظمة أوبك، ما يجعله في المركز الثالث على مستوى العالم من حيث الاحتياطي المؤكد من النفط، بعد كل من السعودية وإيران اللتين تمتلكان (21,264) و (150,126) مليار برميل على التوالي، ويحتل المرتبة العاشرة عالمياً باحتياطي الغاز التي بلغت (100, 4) مليار متر مكعب، بعد روسيا وإيران وقطر والسعودية والولايات المحتدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة وفنزويلا ونيجيريا والجزائر. أنظر الجداول (1، 2، 3، 4).







جدول رقم (1)
يوضح حجم الاحتياطي النفطي للعراق للسنوات 1979- 2011

السنوات الاحتياطي النفطي/ مليار برميل سنوياً
1979 35,0
1980 35,0
1988 4,0
1990 100,0
1991 111,0
2002 112,0
2003 112,5
2004 115,0
2005 115,0
2006 115,0
2007 115,0
2008 115.0
2009 115,0
2010 143,1
2011 141,350








جدول رقم (2)
يوضح الإنتاج النفطي للعراق للأعوام 2011 – 1979
السنوات إنتاج النفط/ مليون برميل يومياً
1979 3,5
1980 2,6
1988 2,7
1990 2,1
1991 أقل من 300 ألف برميل يومياً
2002 2,5
2003 1,6
2004 2,1
2005 1,9
2006 2,7
2007 2,3
2008 2,4
2009 2,4
2010 2,4
2011 2,6








جدول رقم (3)
يوضح حجم الاحتياطي من الغاز الطبيعي للعراق
السنوات مليار م2 سنوياً
1980 777
1990 2960
2000 3109
2002 3109
2003 3109
2006 3170
2011 4100

جدول رقم (4)
يوضح إنتاج الغاز الطبيعي للعراق
السنوات سنوياً 3م مليون
1980 11370
1990 1510
2000 4350
2002 4860
2003 11400
2006 11400
2011






ثانيا: موقع إيران الجغرافي:
تقع إيران في القسم الجنوبي الغربي من قارة آسيا، شمال شرقي الجزيرة العربية، يحدها من الشمال كل من تركيا بحدود تبلغ (499) كم، وأرمينيا (35) كم، وتركمانستان (992) كم، وأذربيجان (610) كم، والتي تطل فيها على دول آسيا الوسطى بحدود برية طولها (1740) كم، أمّا من الشرق فتحدها كل من باكستان (909) كم، وأفغانستان بحدود طولها (930) كم، ومن الغرب ترتبط بحدود مع العراق وتركيا، وتطل على بحر قزوين بحدود بحرية، كما تتمتع بأطلاله على ثلاث مسطحات مائية هي (الخليج العربي في الجنوب الغربي، البحر العربي والمحيط الهندي في الجنوب، بحر قزوين في الشمال) ويبلغ مجموع سواحل إيران البحرية (2524) كم، وتتوزع هذه السواحل على الخليج العربي (1180) كم، وعلى بحر قزوين (644) كم، وبهذا يحدها جنوباً الخليج العربي وخليج عُمان، بحدود بحرية طولها (1880) كم، وتبلغ مساحتها (800,164) كم2، ويبلغ سكانها (79) مليون نسمة سنة 2012م، يتوزعون بين (32) محافظة، فضلاً عن وجود المضايق كما هو الحال بوجود مضيق هرمز ما أكسبها أهمية إستراتيجية، فهي كذلك حلقة وصل بين العالم العربي والبلدان الآسيوية وجمهوريات آسيا الوسطى، كذلك أنها حلقة وصل بين أوروبا وآسيا، لذا فأنها تمثل حالة فريدة في موقعها الجغرافي الذي يمثل حلقة وصل بين هذه الأقاليم، فهي كتلة برية ضخمة، وهي هضبة تحيط بها سلاسل الجبال من كل أرجائها تقريباً، لذلك أصبحت كتلة طاردة من المركز الفقير إلى الأطراف، ومن هنا جاء التملك الإيراني لساحل الخليج العربي الشرقي ولساحل خليج عُمان الشمالي، والتغلغل في القوقاز والإطلالة على بحر قزوين، وإذا كان الجيوبوليتيكيون الغربيون ينسبون إيران إلى إقليم الشرق الأوسط، فإنها وبالوقت نفسه تربط هذا الإقليم بالأقاليم المحيطة، التي تتمايز عنه، فهي تربط الشرق الأوسط بجنوب آسيا، بواسطة باكستان وبآسيا الوسطى عبر الجمهوريات الإسلامية، وبإقليم بحر قزوين عبر بحر قزوين نفسه، وإقليم القفقاس الذي تطل عليه أذربيجان، وأوروبا الشرقية والجنوبية عبر إقليم القفقاس، والجوار التركي، ومع الشرق العربي عبر العراق، والشراكة في الخليج العربي ومع الصين ومجالها الجنوبي عبر أفغانستان.
وبهذا فأن الموقع الجغرافي لإيران، والعمق الاستراتيجي الجيد، وفر لها قدرة لا يستهان بها، نظراً إلى امتداد موقعها الحجمي والتمام شكله الخارجي وتناسب أبعاده، إذ لا تضيق في منطقة ولا يمكن شطرها أو افتراقها، ومن ثم حافظت إيران على رؤيتها الخاصة بقدرتها الإستراتيجية، وهي بذلك تؤلف موقعاً مهماً وخطيراً في منطقة تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية، (أنظر خريطة إيران).
أمّا بالنسبة إلى المواد الطبيعية: تمتلك إيران موارد هائلة من النفط والغاز الطبيعي، حيث يوجد في إيران (%12) من الاحتياطي العالمي من النفط الخام، و(13.9%) من احتياطي الغاز الطبيعي في العالم، وتعد إيران في المركز الثاني من حيث انتاج النفط في منظمة (أوبك) بكمية بلغت (850, 3) مليون برميل يومياً، وهي تمثل (3,5%) من إجمالي إنتاج النفط العالمي لسنة 2006، وتأتي إيران في المركز الثاني من حيث احتياطات النفط، حيث تقدر احتياطاتها بـ (126) مليار برميل نفط، دافعة بالعراق إلى المركز الثالث الذي بلغ احتياطيه (115) مليار برميل نفط، ويأتي هذا التطور لاحتياطات إيران من النفط، وتجاوزه لاحتياطات العراق النفطية، بعد اكتشاف حقل نفطي كبير في منطقة (خوزستان) سنة 1999 م، يسمى حقل (ياد أوران) الذي بدأ الاستثمار الفعلي فيه سنة 2007 م، حيث يقدر الاحتياطي النفطي لهذا الحقل بـ(16) مليار برميل من النفط.
كذلك تحتل إيران المرتبة الأولى من بين الدول بالنسبة إلى عدد الحقول، إذ تمتلك (25) حقلاً، (25) منها على اليابسة، و(7) حقول تقع في البحر، وكذلك تمتلك (328) بئر نفطي. أنظر الجداول (5، 6، 7، 8).




إيران والدول المجاورة لها





















جدول رقم (5)
يوضح حجم الاحتياطي النفطي لإيران للأعوام 2011 – 1979
السنوات الاحتياطي النفطي/ مليار برميل سنوياً
1979 57,1
1980 57,5
1988 77,7
1990 92,9
1991 93,9
2002 99,2
2003 125,81
2004 125,81
2005 137,5
2006 137,5
2007 136,3
2008 138,2
2009 137,6
2010 140,7
2011 154,5








جدول رقم (6)
يوضح الإنتاج النفطي لإيران للأعوام 2011 – 1979
السنوات إنتاج النفط / مليون برميل يومياً
1979 1480
1980 1480
1988 2212
1990 3125
1991 3125
2002 3,2
2003 3,7
2004 3,9
2005 4,3
2006 4,3
2007 4,3
2008 4,23
2009 4,172
2010 4,39
2011 4,32









جدول رقم (7)
جول يوضح حجم الاحتياطي من الغاز الطبيعي لإيران
السنوات مليار م3 سنوياً
1980 13735
1990 23000
2000 23000
2002 23000
2003 7416
2006 26618
2011 28919


جدول رقم (8)
يوضح حجم إنتاج الغاز الطبيعي لإيران
السنوات مليون م3 سنوياً
1980 43120
1990 54530
2000 60200
2002 87400
2003 131394
2006 94550
2011 12234




الفقرة الثانية: النطــاق الإقليمــي
إذا كان نطاق الإقليم تؤلفه قديماً القوانين الداخلية فقط باعتراف الأطراف المعينة، أو الطرق التحكمية، فإن معيار الحدود الدولية الجديدة يحظى بحماية القوانين والدساتير الوطنية، فضلاً عن القانون الدولي، ومواثيق عصبة الأمم، والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، واعتراف الحكومات، بمعنى أن (الحدود) تحدد باتفاق الدول المعينة بموجب معاهدات أو اتفاقات أو قرارات تحكيم أو حيازات سكانية أو عوامل جغرافية، أو مواريث تاريخية أو مقومات وطنية، وتكون أكثر استقراراً إذا خضعت للتخطيط من قبل لجان عمل ميدانية مختصة لتحديد إقليم الدولة التي تمارس حق سيادتها عليها، وتبسط عليها سلطتها قانونياً، أنظر الشكل (1، 2، 3، 4).










شكل رقم (1)
جغرافية الأقاليم الإيرانية والمجالات المحيطية (الفضاءات الإقليمية)






















شكل رقم (2)
جغرافية الأقاليم العراقية والمجالات المحيطية (الفضاءات الإقليمية)























شكل رقم (3)
إيران (النطاق الإقليمي)










شكل رقم (4)
العراق (النطاق الإقليمي)










وهنا يلاحظ أن إيران تكونت من أقاليم مهمة عدة، واكتسبت فضاءاتها المتنوعة كاملة مع تقادم الزمن، فغدت (فارسية) الشكل والمظهر، وأشهر الأقاليم المهمة التي تحيط بـ(الإقليم الأم)، الواسع جغرافياً والمؤثر تاريخياً والواقع في القلب، وغدت أقاليم المحور من توابعه منذ القدم إلى اليوم، هو إقليم (فارس) وعاصمته (شيراز جنوباً) و(أصفهان شمالاً) في دائرة الأقاليم المحيطة به لتؤلّف جميعها عالم إيران، فهي أذربيجان ← كردستان ← كرمشاه ← لورستان ← عربستان ← لارستان ← بلوجستان ← سيستان ← كرمان ← خراسان ← مازندان ← قزوين ← كيران ← ... إلخ حيث تنقسم إيران إلى حوالى (30) إقليماً، أما العراق فينقسم إلى (18) محافظة.











الفقرة الثالثة: مشكلـة الحــدود
تعد مشكلة الحدود الدولية من أصعب المشكلات وأعقدها، لأنها مصدر رئيس للمنازعات الدولية، كونها تتعلق بسيادة الدولة التي لا يمكن لدول أُخَر اختراقها، يطلق اسم الحدود على الخط الذي يفصل بين دولة وأخرى، وتمارس الدولة سيادتها عليه ويقع عليه مجموعة من واجبات سياسية واقتصادية، وغالباً ما تفصل الحدود بين حضارتين مختلفتين بعضهما عن بعض، كذلك تعد قضية الخلافات الحدودية، من أكثر المسائل المسببة للحروب في العالم، وبوجه خاص في دول العالم الثالث، نظراً إلى التقسيمات التي قامت بها الدول الاستعمارية بالنسبة إلى مستعمراتها التي قسمت شعوبها إلى عدة دول تجاهلت فيها الخصائص العرقية واللغوية والثقافية للشعوب كلها والتي ظهرت نتائجها بعد استقلال هذه المستعمرات وقيام دول متعددة، اشتعلت فيما بينها حروب للسبب نفسه، فالخلافات الحدودية بين العراق وإيران، عرضت في أزيد من مناسبة تاريخية، وهي تعود إلى ما قبل الفتح الإسلامي، حيث مرت مشكلة الحدود بين العراق وإيران بمراحل متعددة، وادوار مختلفة، فكانت موضوع نزاع مستمر بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية، منذ القرن السادس عشر، إلى الحرب العالمية الأولى، وقت كان العراق جزءاً من الدولة العثمانية، ثم خضع للانتداب البريطاني، لتستمر هذه المشكلة بين الدولة العراقية وبريطانيا – الدولة المنتدبة – من جهة، والدولة الفارسية – إيران – من بعد، من جهة أخرى. إنّ مشاكل الحدود بين العراق وإيران تمتد لمرحلة زمنية طويلة، إذ لم ترُسم الحدود بين الجانبين إلى الآن، وقد كانت مسألة التجاوزات الحدودية، ومسألة شط العرب، وتثبيت الحدود بين البلدين، من بين الأسباب المباشرة لتوتر العلاقات بين البلدين، بل أدى هذا النزاع إلى نشوب أطول حرب بين البلدين الجارين من سنة 1988 – 1980 م، هذا ما عد الخلافات العراقية الإيرانية بشأن الحدود من أخطر المسائل الحيوية في جيوبوليتيكية الشرق الأوسط، وخصوصاً في القرن العشرين، خاصة إذا ما علمنا أن العراق هو البلد العربي الوحيد الذي لهُ حدود برية مع إيران، كذلك أنها أطول هذه الحدود المشتركة التي تبلغ (1458) كم، ما أدى إلى مشاكل حدودية غير قليلة، فمن الاحتجاجات على التجاوزات الحدودية، إلى مفاوضات إلى اتفاقيات ومعاهدات وبرتوكولات، لتنظيم وتحديد الحدود، في حين أن كل هذا كان عبارة عن سكون في مدة محدودة، تعود لتظهر هذه النزاعات مرةً أخرى بسبب إخلال أو إلغاء أحد الطرفين بهذه التعهدات أو الاتفاقيات التي عقدت بينهما، خاصة وإن مسألة النزاع بشأن الحدود بين العراق وإيران ليست بالمسألة الحديثة بل تعود لقرون خلت ولعقود من الزمن، مع أنّ هذه الحدود قد نظمت بمعاهدات واتفاقيات عديدة وكثيرة، ويمكن تقسيم هذه المعاهدات إلى مرحلتين:
أولا: مرحلة ما قبل الاستقلال:
إن وقوع العراق تحت السيطرة العثمانية، جعل منه إقليماً تابعاً لتلك الإمبراطورية، والتي تحدها من الشرق الدولة الفارسية، وعلى هذا فأن حدود العراق الشرقية كانت على تماس مباشر مع الدولة الفارسية، ومن أجل تعيين الحدود بين الدولتين عقدت عدة اتفاقيات بهذا الشأن بدءاً من سنة 1520 م، وصولاً إلى 1932 م، كلها تناولت مسألة تنظيم الحدود، وحسن الجوار، أشهرها سميت اتفاقية (زهاب) سنة 1639 م، بحيث أخذت هذه المعاهدة بنظر الاعتبار العامل البشري واعتماد الظواهر الطبيعية في تحديد الحدود، في حين أنها من جانب آخر لم تتناول مسألة (شط العرب)، بسبب وقوعه تحت السيادة العثمانية بصورة كاملة، كذلك أن توقيع هذه الاتفاقية لم يحل دون قيام خلافات ونزاعات حدودية بين الطرفين، وهذا ما دعا إلى عقد معاهدة (أرضوم الأولى) سنة 1823 م، والتي عدت بمقام معاهدة حسن جوار لأنها لم تكن مخصصة لمعالجة مشكلة الحدود بين الطرفين. إنّ فشل هذه المعاهدة في تحقيق الأمن والسلام، إضافة إلى عدم وضوح الحدود بين البلدين، دفع إلى عقد معاهدة جديدة سميت بـ (أرضوم الثانية) سنة 1847 م، التي تخلّت بموجبها الدولة العثمانية عن مدينة (المحمرة) ، وعن جزيرة (عبادان)، وعن المرسى والأراضي الواقعة على الهضبة الشرقية لشط العرب لإيران، والتي كانت تعد ميناءً عراقياً– أنظر الخريطة رقم (3) و(4) – ثم جاء بروتكول الاستانة سنة 1913 م، الذي تنازلت الدولة العثمانية بموجبه عن جزء من مياه شط العرب، وأصبحت الحدود تمر خلال منتصف المجرى المائي، مع الاعتراف من الطرفين بحرية الملاحة في شط العرب على رغم من استمرار السيادة العثمانية – أنظر الخريطة رقم (5)- ليعبر عن فشل بروتوكول طهران سنة 1911 م، وفي سنة 1914، أجرت لجنة تخطيط الحدود، ترسيم الحدود بالتفصيل، ومن ثّمَ أصبحت معتمداً في المعاهدات الخاصة بالحدود التي عقدت لاحقاً بين البلدين.




















































ثانيا: مرحلة ما بعد الاستقلال:
بعد استقلال العراق 1932 م، أصبح دولة ذات سيادة مع انتهاء الانتداب البريطاني، وأصبح العراق وريثاً لجميع المعاهدات والبروتوكولات المعقودة بين الدولة العثمانية والفارسية، فعلى رغم من كثرة هذه المعاهدات، في حين أنها لم تستطع أن تنهي الخلافات المتعلقة بالحدود، بحيث استمرت المطالب الإيرانية بالحصول على مكاسب جديدة، رغبة منها في تعزيز نفوذها في شط العرب، وقد أثيرت النزاعات من قبل الحكومة الإيرانية بعد سنة 1925 م، عندما تدخلت الأخيرة في منطقة (المحمرة) بعد عزل شيخها وضم المنطقة إليها، إذ عد هذا الأمر مخالفاً لبروتوكول الاستانة سنة 1913م، للنص الوارد في الفقرة (هـ) من المادة الأولى، ومع تزايد الاعتداءات الإيرانية على الأراضي والقبائل والمخافر الحدودية العراقية، ومع فرض قواعد وتنظيمات الملاحة في شط العرب، التي وضعتها إدارة الميناء، قدم وزير الخــارجية العراقي (نوري السعيد) شكوى إلى مجلس عصبة الأمم سنة 1934 م، ونظراً إلى إمكانية إجراء مفاوضات جديدة بين الطرفين سحبت الحكومة العراقية شكواها استعداداً لاستئناف المفاوضات، وقد أسفرت تلك المفاوضات عن توصل الجانبين إلى عقدها معاهدة جديدة سنة 1937 م، أنظر الخريطة رقم (6).




















والتي وضعت حداً لنزاع طويل بين البلدين، كذلك تعد أول معاهدة تعقدها حكومة عراقية مستقلة بعد انفصال العراق عن الدولة العثمانية، وتضمنت تحديد الحدود البرية والنهرية مع إيران، ومنذ توقيع هذه الاتفاقية، سارت الأمور بين البلدين بصيغة جيدة، وشهدت العلاقات تحسناً ملحوظاً، وفي سنة 1938 م، جرى التوقيع بين العراق وإيران لتأليف لجنة تخطيط الحدود بين البلدين، وقامت هذه اللجنة بتنصيب (68) دعامة حدودية، في حين أن الجانب الإيراني، أقام مخفراً حدودياً داخل الأراضي العراقية في محافظة (ميسان) على (شط الأعمى) تحديداً وعلى أثر ذلك جُمدت إعمال لجنة الحدود هذه، وإلى سنة 1958م، عندما أطيح النظام الملكي في العراق، وعلى أثر ذلك تغيرت المعادلة في المنطقة، وراحت مشاكل الحدود بين البلدين تثار بشكل مستمر وعادت مشكلة الحدود تتفاقم من جديد سنة 1959 م، واستمرت بين مد وجزر إلى سنة 1969 م، عندما أعلنت إيران إلغاء معـاهدة 1937 م، من جانب واحد، بعد أن عدتها غير عادلة بحقها .
مثل انعقاد مؤتمر دول (الأوبك) في الجزائر سنة 1975 م، بداية التوجه نحو السلام من خلال عقد اتفاقية جديدة بين البلدين بفضل الوساطة الجزائرية، أنظر الخريطة رقم (7)، فقد توصل الجانبان إلى اتفاق بشأن حقوق الدولتين في شط العرب، مقابل تعهدات إيران بإنهاء دعمها العسكري للكرد شمال العراق، حيث جرى الاتفاق على عدة مبادئ منها؛ إجراء تخطيط نهائي للحدود البرية بالاستناد إلى بروتوكول الاستانة لسنة 1913 م، ومحاضر لجنة تخطيط الحدود لسنة 1914 م.
















وكذلك تحديد حدودهما النهرية في شط العرب بحسب خط التالوك، كما أشار الاتفاق على إجراء رقابة مشددة على حدودهما لوضع حد نهائي لكل التسللات ذات الطابع التخريبي، في حين أن هذه الاتفاقية لم يكتب لها النجاح كسابقاتها، فبعد وصول (صدام حسين) لرئاسة العراق سنة 1979 م وفي سنة 1980 م، أعلن إلغاءها من طرف واحد، على أساس أن العراق كان قد تخلّى عن جزء من حقوقه في شط العرب – خط التالوك – تحت ظروف قاهرة أجبرته على ذلك .
وقد عقدت الكثير من جولات المفاوضات وخاصة بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية سنة 1988م، لوضع آلية واتفاق على الحدود، ولكن لم يحسم الخلاف، واستمر هكذا الحال حتى حرب الخليج الثانية1991 م التي اضطر بعدها العراق وتحت ظروف الضغط الدولي والحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية، إلى الإعتراف باتفاقية 1975 م، وبهذا مثلت مسألة تخطيط الحدود بين العراق وإيران، أزمة مزمنة تظهر إلى العلن كلما استقوى طرف على آخر، وتختفي بحصول أحد الطرفين على مميزات ومكاسب بعقد اتفاقية أو معاهدة.
مع ذلك تبقى مشكلة شط العرب: - كما ذكرنا سابقاً - مشكلة مزمنة بوصفها المنفذ البحري الوحيد للعراق على الخليج العربي، ونتيجة لتحديد خط الحدود فيه على أساس (خط التالوك) فقد حصلت إيران على مسافة أكثر من مجرى هذا النهر، إضافة إلى ذلك، ما أوردته الدراسات الأكادمية أن شط العرب يمنح إيران سنوياً (100) دونم من اليابسة العراقية، فقد أدى غرق عدد من السفن في مجرى شط العرب إلى انحراف مجراه باتجاه الجانب العراقي، وهو ما يكبد العراق خسائر جسيمة، وقد أكدت وزارة الموارد المائية، أن المشاريع العراقية المنفذة على مجرى شط العرب غير قادرة على إيقاف زحف مئات الدونمات من الترسبات السنوية لليابسة العراقية إلى الحدود الدولية الإيرانية، المحاذية للضفة الشرقية للشط، كذلك أضاف تقرير صادر عن وزارة الموارد المائية العراقية، أن الضفة الشرقية للشط عرّضت إلى التأكل المستمر لمصلحة إيران في منطقة (سيحان) بمنطقة قضاء (أبو الخصيب) وبطول يصل إلى (6) كم، ما يؤثر في الطريق المحاذي شط العرب.
إضافة إلى ذلك، هناك مشكلة أخرى تتعلق بشط العرب، وهي اتساع رقعة المسطحات المائية الملوثة أو ما يعرف بـ(مياه البزل) التي تأتي من إيران، وتجتاح الأراضي العراقية، فرقعة المياه بعد أن كانت لا تزيد على (120) كم2 سنة 2010 م، باتت تقدر مساحتها الآن بنحو (200) كم2، وتظهر جلية في محافظة البصرة، وكأنها مستنقعات متفرقة أو مع التقدم شمالاً تتحول إلى مسطحات مائية واسعة، تكاد تنعدم الحياة فيها لارتفاع نسبة ملوحتها بحيث وصلت إلى أزيد من (40) ألف جزء في المليون، ما يعني أنها تماثل بملوحتها مياه البحر، وتركيز المواد الكيمياوية فيها، وهو ما دعا أهالي البصرة إلى تقديم شكاوى عديدة على هذه التصرفات الإيرانية، كذلك أشار قائمقام قضاء شط العرب (حيدر العبادي) إلى أن ((هذه المشكلة أدت إلى تلوث المياه الجوفية في المناطق الحدودية القريبة من التي تأثرت بمياه البزل)) وأدى تراكم كميات كبيرة من تلك المياه إلى تكوين مسطح مائي على الحدود بعرض (3-4) كم تقريباً وبطول أزيد من (60) كم، ويمتد متعرجاً من منطقة (الشلامجة) في البصرة، وإلى هور (الحويزة) في محافظة العمارة .
أما في ما يتعلق بميناء (خور العمية) فإيران تدعي أن الميناء البحري العراقي هذا يقع ضمن المياه البحرية الإيرانية، فلجأ البلدان إلى المفاوضات بخصوص المناطق البحرية، وتحديد المياه الإقليمية والجرف القاري، يذكر أن الحدود الساحلية والمجالات البحرية بين العراق وإيران لم تحسم أو تحدد إلى الآن.
إضافة إلى مسألة شط العرب، هناك قضية حدودية أخرى، تتعلق بالحدود المائية (النهرية) بين العراق وإيران، وهي (الاهوار): التي كوّنت ظاهرة للمقاومة المسلحة، لا سيما في عقد الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فبحكم طبيعتها الجغرافية، وفرت إمكانية حركة واختفاء وتسلل، ولم تأخذ الأهوار أهمية سياسية في تاريخ العراق، مثل تلك الأهمية التي حظيت بها في العقدين المذكورين، ففي تلك المُدد كانت الأهوار تؤلف مركز اختفاء العديد من العناصر السياسية المعارضة، فتحولت إلى ملجأ للعناصر الثورية لمناهضة البعث، كذلك ألّفت الأهوار مركز دعم ومأوى للثوار في أثناء الانتفاضة الشعبانية سنة1991 م، وهو ما حدا النظام البعثي على إرسال ما يقرب من (40) ألف عسكري لتشييد طرق وقواعد جديدة فيها، ورحّل سكانها الذين يقدر عددهم250 – 200) ) ألف ساكن، بسبب دعمهم للحركات والتنظيمات السياسية المعارضة وإقامة سدود ومبازل عليها، وصولاً إلى تجفيفها تماماً سنة 1994 م، يذكر أنه بعد سقوط النظام البعثي، أُعيدت المياه إلى حوالى (%35) من مجمل مساحة الأهوار، وتبلغ طاقتها التخزينية بحوالى (20) مليار م3.
المسألة الثالثة المتعلقة بالحدود النهرية بين البلدين، هي موضوع (الأنهار المشتركة) ، بين البلدين:
حيث تخترق هذه الحدود في مناطق عديدة أنهراً صغيرة ومجاري مياه متعددة، تنحدر من المرتفعات الإيرانية في قسمها الغربي باتجاه نهر دجلة داخل الأراضي العراقية، ويؤلف قسم منها روافد (نهر الزاب الكبير) و(الزاب الصغير) و(نهر ديالى)، وبعضها الأخر مجار صغيرة في أراضي محافظة (ديالى) والكوت والعمارة والبصرة، ويكون قسم من هذه الأنهار الحدود بين العراق وإيران لمسافات قصيرة، في حين يعد القسم الآخر، خط الحدود من منابعها في إيران لتصب في الأراضي العراقية المجاورة للحدود، وهذه الأنهار الحدودية عندما تدخل العراق تسير أحياناً مع الحدود، ثم تدخل أرض العراق، ولذلك فهي تؤلف حدوداً نهرية لبعض الكيلومترات، وقد بلغ طول الحدود النهرية ما يقرب من (198) كم، وذلك باستثناء شط العرب الذي يؤلف حداً بين البلدين لمسافة (180) كم، ويعتبر نهر (الكارون) من الروافد المهمة التي تصب فيه قرب (المحمرة) ، وتستفيد المناطق الحدودية الشرقية للعراق من مياه هذه الأنهار التي تدخل من إيران، في مختلف المجالات، بخاصة في مجالات الزراعة والاستعمال المنزلي، ولهذه الأنهار الأهمية التي تتأتى من كونها تجري في مناطق تتصف بالجفاف وقلة الأمطار، وتشمل هذه المناطق محافظات (العمارة، الكوت، ديالى) عدا المناطق الشمالية الحدودية من العراق بوصفها مناطق وافرة المطر، فمنطقة (كلاله بدره) في محافظة الكوت، لا يزيد معدل الأمطار السنوي فيها على (3,112) ملم، وهذه تكفي لنمو المحاصيل الزراعية الشتوية فقط، أمّا في فصل الصيف فينقطع المطر وترتفع نسبة التبخر، وتنخفض نسبة الرطوبة في الهواء، بحيث يصبح من اللازم اعتماد الزراعة في هذه المناطق على الري، سواء أكان ذلك من المياه السطحية أم الجوفية، ما يجعل الأنهار الحدودية مهمة جداً بالنسبة إلى العراق، حيث يكون للزراعة أهمية خاصة في المنطقة الحدودية الشرقية للعراق، ويتضح هذا من سعة المساحات التي تشغلها بصفتها حرفة رئيسة للسكان، كذلك ظهرت في تلك الجهات مستوطنات قامت في هذه المناطق الزراعية تعرف بـ((القصبات)) إضافة إلى وجود (21) ناحية تحاذي الحدود، وتتخذ شكلاً طويلاً من الشمال إلى الجنوب، وهذا ما يمثل ويوضح أهمية الأنهار الحدودية بالنسبة إلى العراق، أما المشاكل المثارة بخصوص هذه الأنهار الحدودية المشتركة بين البلدين، فهي:
‌أ- وضع السدود التحويلية وتحويل مجاري بعض الأنهار: قامت إيران بوضع السدود التحويلية على بعض الأنهار المشتركة لغرض تحويل مياهها إلى داخل أراضيها، بهدف الاستفادة منها في الزراعة، فقد أنشأت إيران سداً تحويلياً على نهري (كنجان جم وكلاله بدره) داخل أراضيها قرب منبعهما، ما سبب تحويل معظم مياههما وحرمان مناطق (زرباطية، بدره وجصان) العراقية من حصتها من مياه هذين النهرين، كذلك اتخذت إيران نفس الإجراءات على نهر (كنكير) و(هومان) وحولت قسماً من مياه الأخير إلى داخل أراضيها.
‌ب- غلق السواقي في الجانب العراقي وفتح سواقي إضافية في الجانب الإيراني: ففي بعض الأنهار يكون تقسيم المياه بين العراق وإيران تقسيماً عادلاً كما هو الحال بالنسبة إلى نهر (بناوه سوته) الذي تقسم مياهه بين العراق وإيران عن طريق ثلاث سواقي في الجانب العراقي، وثلاث أُخَر في الجانب الإيراني، في حين أن الإيرانيين قاموا بحفر ساقية أخرى في جانبهم، أدت بطبيعة الحال إلى قلة المياه في النهر، في الجانب العراقي.
‌ج- غلق الأنهار بسدود موقتة: قامت إيران ببناء سدود موقتة على بعض الأنهر المشتركة، وخاصة على (نهر بناوه سوته، دويريج، قره تو) لغرض تحويل مياه هذه الأنهار وخاصة في فصل الصيف، لرفع منسوب المياه داخل أراضيها.
‌د- حفر قنوات جديدة: حيث قامت إيران بحفر قنوات داخل أراضيها لغرض تحويل مياه بعض الأنهار الحدودية مع العراق، فقامت بشق قناة قرب منطقة (قصر شيرين) إمتدت إلى مدينة (خسرون) الحدودية مقابل مدينة (خانقين) العراقية وحُوّلت مياه نهر (الوند) دون النظر إلى احتياجات العراق واعتراضاته ما ألحق أضراراً بالمزارعين العراقيين في هذه المنطقة .
‌ه- وضع سدود أروائية وخزنية: قامت إيران ببناء سدود إروائية وخزنية لغرض التوسع في مجال الزراعة في الجانب الإيراني على حساب حصة العراق المائية، فالسدود والمشاريع الاروائية التي أنشأتها إيران على (نهر دويريج ونهر الطيب) حرمت العراق حصته المائية، وأدت تلك الإجراءات إلى تلف المزروعات في الجانب العراقي.
هذه الأعمال الإيرانية، أثرت تأثيراً كبيراً في الإنتاج الزراعي والسكان في المناطق الشرقية من العراق، وقد أخذ هذا التأثير عدة اتجاهات هي:
‌أ- شحة المياه وتقلص المساحات الزراعية : أدت الإجراءات الإيرانية على الأنهار الحدودية إلى شحة الموارد المائية وقلة مساحات الأراضي الزراعية، فالمياه أصبحت شحيحة في معظم هذه الأنهار فأنهار (كنجان جم، دويريج، الطيب ، كنكير، الوند، بناوه سوته) أصبحت تعاني نقصاً واضحاً في مياهها، أما (شط الأعمى) فقد انقطعت مياهه نهائياً عن العراق، كذلك أن (نهر الوند) الذي يروي (000,50) دونم من الأراضي الزراعية والبساتين في محافظة ديالى، قامت السلطات الإيرانية بتحويل مجراه، ما أدى إلى تقلص المسافات الزراعية وجفاف البساتين ونقص مياه الشرب في هذه المنطقة، كذلك أن مشكلة (نهر كنكير) تعد من أعقد المشاكل بين البلدين، فهذا النهر يروي (000,130) دونم من الأراضي الصالحة للزراعة في قضاء (مندلي) ضمن محافظة ديالى، ونتيجة لقيام إيران بالسيطرة على مياهه، أدى إلى تقلص مساحة الأراضي الزراعية، وجفاف البساتين، وانعدام الزراعة الصيفية نهائياً لعدم كفاية المياه، واقتصارها على الزراعة الشتوية، أما في ما يخص نهر (كنجان جم) و(كلاله بدره) ضمن محافظة الكوت، فيرويان مساحة تقدر بـ(450,253) دونم من الأراضي الزراعية والبساتين، ولكن بعد الإجراءات الإيرانية بتحويل مجرى نهر (كنجان جم) إلى داخل أراضيها عن طريق بناء سد وخزانات على عرض النهر، تقلصت المسافات الزراعية والبساتين إلى (000,50) دونم، كذلك الحالة نفسها في ما يخص (نهر دويريج) ضمن محافظة العمارة فهذا النهر يروي مساحة تقرب من (000,70) دونم، قبل إقبال إيران على إنشاء السدود والمشاريع الاروائية على هذا النهر، حيث تقلصت نسبة الأراضي الزراعية فيما بعد إلى (000,35) دونم، أي إلى النصف تماماً.
‌ب- هجرة السكان وتخلخل الكثافة السكانية: أدى ذلك إلى هجرة الأيدي العامة التي كانت تعتمد على الزراعة في أغلب المناطق الحدودية، فقد تناقص سكان (مندلي) من (000,53) نسمة إلى (000,39) نسمة، أما في محافظة واسط، فقد تقلص سكان (بدره) ونواحيها من (000,60) نسمة، إلى (159,18) نسمة، كذلك إن هجرة سكان المناطق الحدودية لم يقتصر على منطقة واحدة، بل شملت معظم المناطق الحدودية، وقد ترتب على هجرة السكان من هذه المناطق، تخلخل في الكثافة السكانية في الأجزاء الشرقية من العراق.
كذلك أدت هذه المشاريع الإيرانية إلى انخفاض مناسيب نهر دجلة، بسبب السدود والقنوات الاروائية وتحويل مجاري الأنهار المشتركة، إضافة إلى أن بعض هذه الأنهار تؤلف منابع وروافداً أساسية للأهوار (أهوار العظيم، هور الحويزة، هور الفلاحية، هور المنصورة) وكذلك الغابات الموجودة على أطراف الأهوار، وخاصة أنهار (الگارون، الكرخة، الدز، الجراحي، شاوور) ولكن بعد قيام إيران ببناء السدود على مجاري ومصاب هذه الأنهار، وانخفاض مناسيب المياه في (نهر الگارون)، تسبب في ارتفاع ملوحة هذه الأهوار، والقضاء على كثير من الأحياء المائية وعلى أنواع نادرة من الحيوانات والطيور وانطبق هذا الوضع كذلك على نهر دجلة وشط العرب.
ويذكر وزير الموارد المائية العراقي (عبد اللطيف رشيد) في ما يخص مسألة الأنهار المشتركة والمشروعات الإيرانية المقامة عليها. إنه ((في السنوات العشرين – الثلاثين الماضية، قامت البلدان المجاورة لنا بتشييد عدد من البنى من أجل جمع المياه أو تحويل مجراها لمصلحة أراضيها الزراعية، وعمدت في بعض الحالات إلى حرف اتجاه المياه لأغراض الاستعمال الداخلي، وكان لهذا تأثير سيء جداً، نحن لدينا عدد كبير من فروع دجلة التي نتشاطرها مع إيران، وهي في معظمها قليلة الحجم أو مجففة كلياً، وفي المدة 2007 – 2006 م، بلغت الأهوار (75%) تقريباً من مناسيبها الأصلية، أما الآن فإن المياه السطحية هي في حدود (%20) وأصبحت الموارد المائية ليست في حالة حرجة بل في حالة خطرة)) ويضيف ((كنا نتوقع أن تزيد تركيا كمية المياه، أما إيران فكانت أقل انفتاحاً، ولم نجد استجابة من هؤلاء جميعاً)) .
لهذا قامت وزارة الموارد المائية، بتنفيذ مشروع (سد مندلي) والذي يقع على (وادي حران) من أجل خزن مياه الأمطار والسيول للأغراض الزراعة وتغذية المياه الجوفية وتوفير مياه الشرب لسكان المنطقة، كذلك بحث وزير الموارد المائية العراقي (عبد اللطيف رشيد) مع وزير الزراعة الإيراني سنة 2009 م، موضوع شحة المياه المشتركة بين البلدين، ودعا الوزير العراقي إيران إلى زيادة الاطلاقات المائية في الأنهر والروافد التي تنبع من إيران وتصب في شط العرب ونهر دجلة، كذلك وقعت وزارة الموارد المائية العراقية ووزارة الطاقة الإيرانية مذكرة تفاهم في شباط/فبراير 2012 م، تضمنت التزام الجانب الإيراني بالسيطرة على تصريف البزل الزراعي بجوار الحدود ومنع تسريبها في اتجاه العراق، والاستفادة المشتركة من مياه الأنهر الحدودية وتسمية ممثلي اللجنة الفنية المشتركة الدائمة للأنهر الحدودية بين البلدين، كذلك واتفق الجانبان على ((القيام بصورة مشتركة بتحديد مصادرة التلوث التي تصب في شط العرب من البصرة من أجل خفض مستويات التلوث واتخاذ الإجراءات اللازمة والضرورية للسيطرة عليها)).
المسألة الأخرى في موضوع الحدود العراقية الإيرانية، هي قضية (الحقول النفطية المشتركة): مثل ملف الحقول النفطية المشتركة بين العراق وإيران، إحدى صور التعقيد في العلاقة بين الطرفين، ومن الأزمات التي استمرت إلى ما بعد سقوط النظام البعثي، وتظهر هذه الإشكالات في ما يتعلق بعملية استغلال وإدارة وتطوير هذه الحقول المشتركة، ومرجع هذا الأمر، الخلافات المتعلقة بترسيم الحدود السياسية، أو طبيعة الحقول النفطية المكتشفة منها والمنتجة وحتى غير المكتشفة، فالنزاع يتعلق بعائدية الحقول النفطية نفسها وتحيد وترسيم الحدود، إضافة إلى أن هناك عدداً من الآبار النفطية العراقية قريبة من الحدود الإيرانية وأقربها البئر رقم (4) الذي يبعد مسافة حوالى (250) متر، وبقية الآبار مسافة أبعد وصولاً إلى عدة كيلومترات، فلا يوجد اتفاق أو معاهدة واضحة بين العراق وإيران تنظم استغلالاً واستثماراً أو نصيباً لكل منها من احتياطي هذه الحقول ومن طاقتها الإنتاجية، يضاف إلى ذلك غياب حصر متفق عليه لعدد الحقول المشتركة، والذي قد يتسبب في إثارة مشاكل بين البلدين، فعلى سبيل المثال منعت قوات حرس الحدود الإيرانية المهندسين العراقيين من العمل في أحد حقول النفط الموجودة في منطقة (الفكة) في محافظة العمارة (ميسان) وسوغّت ذلك بعدم وجود ترسيم واضح للحدود مع العراق، وتباينت على أثر ذلك تصريحات المسؤولين العراقيين، حيث عدّ وزير النفط العراقي(حسين الشهرستاني) الحقل موضع الخلاف هو (حقل مجنون) في حين نفى (عاصم جهاد) المتحدث باسم وزارة النفط، وأكد أن الحقل المختلف عليه وحقل (أبو غرب) ، وفي سنة 2004 م، قامت قوة إيرانية باحتلال البئر رقم (4) من حقل (الفكة) في محافظة العمارة (ميسان)، وهو ما دعا وزارة الخارجية إستدعاء السفير الإيراني في بغداد، وتسليمه مذكرة احتجاج، كذلك أجرى وزير الخارجية العراقي (هوشيار زيباري) اتصالاً مع نظيره الإيراني (منوشهر متكي) بشأن هذه الأزمة، وانتهت بخروج القوات الإيرانية من حقل (الفكة) إلى داخل الأراضي الإيرانية، كذلك تجاهر إيران علناً أنها تنتج النفط من الحقول المشتركة مع العراق بمعدل (130) ألف برميل يومياً، (68) ألف برميل منها تستخرج من حقول لم يطورها العراق إلى الآن، وتؤكد في الوقت نفسه أنها لا تحاول سبق العراق على نفط هذه الحقول، على أساس أن العراق لم يستطع إلى الآن تطوير الكثير من الحقول وجعلها منتجة، كذلك أعلنت شركة الهندسة والتنمية النفطية التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية، إنها وقعت في شباط/ فبراير 2007م، عقداً بحوالى ربع مليون دولار مع شركة (دانة) للبترول المحلية لتطوير حقل (شنغلي) النفطي المشترك مع العراق، وذكرت مصادر إيرانية رسمية أن إيران تنتج (68) ألف برميل من النفط الخام في اليوم في أربعة حقول مشتركة مع العراق هي (دهلران، نفط شهر، بيدر غرب، أبان).
كذلك طورت إيران حقل (يادافاران) المشترك مع العراق، بالتعاون مع شركة (صينوبك) الصينية في إطار عقد وقع سنة 2007 م، بقيمة (6,3) مليار دولار، ويحوي هذا الحقل (12) مليار برميل من النفط الخام، و(5,12) تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المصاحب للنفط، فضلاً عن (9,1) مليار برميل من المكثفات النفطية.
كذلك طالب وزير النفط الإيراني (رستم قاسمي) في تموز/يوليو 2011 م، حكومته بوضع خطط لتطوير الحقول النفطية المشتركة مع العراق، وفي هذا الصدد يقول وزير النفط العراقي السابق (إبراهيم بحر العلوم) وهو خبير في المجال النفطي ((إن العراق هو البلد الوحيد الذي لم يعالج إلى الآن مشكلات الحقول النفطية المشتركة بجدّ، يتناسب مع الأعراف الدولية في الصناعة النفطية)).
وقد حثت لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي، على ضرورة الإسراع في إيجاد حلول منطقية بشأن الحقول النفطية المشتركة بين العراق ودول الجوار، لا سيما إيران والكويت، ونتيجة لهذا ألّفت وزارة الخارجية العراقية لجنة مشتركة من الخبراء الفنيين في حزيران/ يونيو 2009 م، بشأن الحقول النفطية المشتركة مع إيران، كذلك أعلن المتحدث باسم وزارة النفط (عاصم جهاد) أن هناك اتفاقاً مبدئياً في اعتماد اتفاقية بين العراق وإيران على غرار الاتفاقيات المماثلة عالمياً لغلق ملف الحقول المشتركة، وإنه شكّلت لجان عقدت اجتماعات في بغداد وطهران بشأن هذا الملف.
كذلك أعلنت لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي، عن تأليف لجنة من وزارة النفط العراقية تعمل على حساب الكميات النفطية المصدرة من تلك البلدان – المشتركة مع العراق في الحقول النفطية – وأشارت عضوة اللجنة النائبة (سوزان السعد) إلى أن ((هناك لجنة تعمل في وزارة النفط لحل الاشكالية هذه)) مشيرة إلى أنه ((توجد كميات من النفط الخام هي للعراق أصلاً وذهبت إلى دول الجوار)) .
كذلك أعلنت وكالة أنباء فارس في 19 حزيران/يونيو 2013 م، عن توصل إيران والعراق إلى اتفاقيات وتأليف لجنة بشأن حقول النفط المشتركة، لتطوير هذه الحقول يترأسها من الجانب الإيراني (علي رضا ضيغمي) مساعد وزير النفط، ومن الجانب العراقي أيضاً أحد مساعدي وزير النفط.
تبقى هنا المسألة الأخيرة في موضوع الحدود العراقية إلّا وهي موضوع (الامتداد السكاني في الحدود بين البلدين): فعلى طول الحدود العراقية – الإيرانية، كانت الصراعات القبليةُ والتعديات في الحدود من الأمور الروتينية، حيث لم يكن هناك ولاء واضح لأي من الشاه في إيران أو لحكام العراق، وإن وجد فيكون تحت الضغط، فضلاً عن أن مفهوم الحدود لم يكن واضحاً في أذهان شيوخ القبائل، بل كانت القبائل تنتقل إلى المشاتي ولو كانت داخل العراق، أو المصايف ولو كانت داخل فارس، وحدثت هجرات عبر الحدود حتى أقامت قبائل عربية في أرض يدعي الفرس تبعيتها، أو أقامت قبائل كردية في داخل فارس، بعضها كانت تحت حكم أسرة كردية حاكمة، مثل الأسرة (البابانية) التي أقامت جزءاً من حكمها عبر الحدود داخل فارس كذلك تعد عشيرة (الجاف) كبرى العشائر الكردية، من العشائر التي تتوزع بين العراق وإيران، وكذلك عشائر (هرك) و(جوانو) و(النهاوند) ، وعشائر عربية شيعية، كانت تناهض نظام الحكم الشاهنشاهي الشيعي، وعشائر كردية سنية كانت تناهض نظام الحكم العثماني أو المملوكي السني في العراق.
ففي سنة 1925م، سيطر الشاه (رضا بهلوي) على منطقة (عربستان) ، التي يتحدث سكانها اللغة العربية، وهي لغتهم الأولى، وينتمي معظم سكانها إلى قبائل وعشائر عربية، وهي (بني كعب، بني تميم، بني طرف، السواري، السواعد، العبيات) وغيرها من العشائر العربية، ويذكر أن القرنين السابع والثامن عشر شهدا هجرة عشائر عربية عراقية من داخل العراق إلى أطرافه الواقعة في سهول (عربستان) وأقاموا لأنفسهم مدناً أبرزها مدينة (الدورق) حتى أن السفن التجارية كانت تفضل الرسو في (نهر الكارون) دون شط العرب، بسبب سهولة التعامل مع العشائر العربية، وخاصة قبيلة (كعب) وصعوبة مع السلطات الإدارية العثمانية في البصرة، وكانت هذه العشائر المتنقلة عبر حدود البلدين كثيراً ما تثير المشكلات بينهما، وذلك نتيجة قيامهم بأعمال النهب والسلب على طرفي الحدود، والسبب الذي عقد الأمر أكثر، وهو عدم امتلاكهم جنسية أي من البلدين، وهذا ما جعل السيطرة عليهم أمراً في غاية الصعوبة، إضافة إلى ذلك التداخل الكبير بين القبائل العراقية والإيرانية، وخصوصاً عندما قام النظام العراقي البعثي، بتهجير أعداد كبيرة من العراقيين الشيعة، بحجة أنهم من ذوي أصول إيرانية، وألقى بهم على الحدود دون أوراق ثبوتية ما حداهم على اللجوء إلى إيران، وكذلك مر سابقاً فقد أقام هؤلاء وتزوجوا وأسسوا عوائل كبيرة في إيران، وأصبحوا هم أو أبناؤهم من أصحاب المناصب الإدارية العسكرية والمدنية في إيران، خصوصاً إذا ما علمنا أن الدين (المذهب) عابران للحدود القومية والجغرافية – المذهب الشيعي – في العراق وإيران، وأغلبية سكان البلدين هم من المسلمين الشيعة، ولا يبدو تداخل الجماعات بين العراق وإيران مقصوراً على الجماعات المذهبية المتمثلة بالشيعة والسنة، بل يوازيه تداخل إثني – عرقي، كما في حالة الوجود العربي في إيران، والوجود التركماني والكردي في العراق وإيران، الذي – ألّف الكرد وجودهم وتحركاتهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، الأساس الذي تحدد بموجبه طبيعة العلاقات بين العراق وإيران، وتحديداً في النصف الثاني من القرن العشرين – بعد قيام جمهورية مهاباد الكردية سنة 1946 م- إلى نهايته – الفصائل والتنظيمات الكردية الإيرانية المعارضة التي تتخذ من مناطق شمال العراق منطلقاً لها وبهذا تحكمت المسألة الكردية على مدى عقود من الزمن بالعلاقات العراقية الإيرانية دفعت تلك العلاقات نحو التوتر حيناً أو الانفراج حيناً آخر، ونحو التصادم أحياناً، فالوجود الكردي في الدولتين، ومحاربة كرد العراق المستمر للحكومات العراقية، كذلك محاربة كرد إيران للحكومات الإيرانية، دفعتا بتلك الحكومات على الجانبين إلى استعمال كل طرف للورقة الكردية لمواجهة الطرف الآخر، في محاولة لتصفية الحسابات وتسوية الصراعات بينهما، كذلك حدث ذلك مع القوى السياسية الشيعية المعارضة، التي كانت تتخذ من الأراضي ومناطق الحدود بين البلدين مأوى لها، والمنظمات الإيرانية المعارضة في العراق مثل (منظمة مجاهدي خلق).
لقد بقي السكان بين العالمين العراقي والإيراني مصدراً مهماً لمعرفة حدودهما الفاصلة في التاريخ الحديث، وكان أبناء القرى الحدودية على مر الأجيال على معرفة تامة بحدود أراضيهم ومراعيهم ومنابع مياههم وقمم جبالهم وسهولهم ودساكرهم، وكانت الدولة العثمانية تستعين بهم دوماً لإثبات حقوق العراق الإقليمية، ولم تكن الخرائط والعلوم معروفة، فلم تكن تعرف الحدود على أساس الخطوط، بل تقوم معرفتها أصلاً على أساس (التخوم) أي بمعنى ترك بعض الأراضي كـ(مجال جغرافي) لحركة التماس، والتي يطلق عليها مصطلح (الثغور) في التواريخ الوسيطة، مثلما يطلق عليها اليوم مصطلح (المناطق المحايدة) في التواريخ المعاصرة.
وعلى رغم من التقارب ما بين الحكومات المتعاقبة في إيران والعديد من القوى السياسية العراقية الحاكمة بعد نيسان/ابريل 2003 م، في حين أن ذلك لم يمنع إيران من الاستمرار بتجاوزاتها وخروقاتها، ففي تموز/يونيو 2003 م، تحدث وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) عن تقارير تفيد تحريك إيران بعض علامات الحدود على طول (25) كم، لتوسع حدودها عدة كيلو مترات داخل العراق، كذلك تحدث عن ذلك الحاكم المدني الأمريكي (بول بريمر) بالقول ((إن إيران حركت سبعاً من علامات الحدود مسافة تتراوح ما بين (3 – 1,5) كم، داخل الجنوب العراقي، كذلك أرسلت وزارة الخارجية العراقية سنة 2006 م، مذكرة احتجاج على الخروقات الإيرانية في البر والمياه العراقية، إضافة إلى ذلك قصف المناطق الحدودية العراقية الشمالية، والتجاوز على المياه العراقية، والإعتداء على الصيادين، والتجاوزات في مناطق حقول (مجنون) والمناطق القريبة منها، وصولاً إلى احتلالها للبئر رقم (4) في حقل الفكة النفطي المشترك سنة 2009 م، وفي كانون الأول/سبتمبر 2007 م، أعلن الرئيس العراقي (جلال الطالباني) عن ضرورة إعادة النظر في اتفاقية الجزائر لسنة 1975 م، والخاصة بتحديد الحدود في شط العرب بين العراق وإيران، على أساس أن الإتفاقية كانت بين (صدام حسين) و(شاه) إيران وليس بين العراق وإيران، وهذا ما رد عليه وزير الخارجية الإيراني (منوشهرمتكي) بالحديث عن وجود ضغوط أمريكية على (الطالباني) لتغيير موقفه من الإتفاقية، ليتبعه تراجع (الطالباني) عن تصريحاته، وإعلان رئيس الوزراء العراقي (إبراهيم الجعفري) أن ((التصريح فاجأهُ)) تلاها إعلان وكيل وزارة الخارجية العراقية (محمد الحاج محمود) عن تأليف لجنة مشتركة للبحث في مسألة شط العرب.
يذكر أن العراق يعتقد أن المرحلة أو الظروف التي وقعت فيها اتفاقية الجزائر سنة 1975 م، تختلف عن المرحلة الحالية، ومن ثم يقترح المسؤولون العراقيون تأليف لجنة دولية، لإعادة رسم خريطة جديدة للحدود بين البلدين، فيما تصر إيران على ضرورة التزام العراق بهذه الاتفاقية، وهذا ما أكده وزير الخارجية العراقي (هوشيار زيباري)، سنة 2009 م، بقوله: ((هناك خلاف كبير بين العراق وإيران بشأن تثبيت الحدود البرية والنهرية وترسيمها، ولدينا مشكلات بشأن شط العرب الذي بدأ ينحرف عن مساره، وان العراق يحاول إقناع إيران بضرورة التحرك لحل المشكلات التي يمكن أن تنجم عن هذا الوضع)) وإشارته كذلك إلى الخلاف بشأن بعض الحقول النفطية المشتركة، وإنه على رغم من تحسن العلاقات بين البلدين بعد 2003 م، في حين أن ذلك لم ((يعف من ضرورة حل هذه الإشكاليات)) ، لذلك وفي كانون الثاني/يناير 2010، أعلن وزير الخارجية العراقي (هوشيار زيباري) في مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني (منوشهرمتكي) في بغداد، إنه جرى الاتفاق على تطبيع العلاقات الحدودية بين البلدين، وإنه جرى الاتفاق على تأليف ثلاث لجان، الأولى؛ وهي لجنة مختصة بالشؤون الحدودية بوجه عام، والثانية؛ لجنة فنية لترسيم الحدود والدعامات الحدودية، أما الثالثة؛ فهي اللجنة الفنية المتعلقة بترسيم الحدود المائية، وفي شباط/فبراير 2014 م، وفي أثناء زيارة وزير الخارجية العراقي (هوشيار زيباري) إيران وإجراء مباحثات مع نظيره الإيراني (محمد جواد ظريف) أعلن وزير الخارجية العراقي، عن أن المباحثات تناولت قضايا الحدود البرية والنهرية، وإنه استعرضت نتائج اجتماعات اللجان الفنية المشتركة، وتوصل الجانبان إلى تفاهمات واتفاقيات كمحاولة للمضي قدماً في تنفيذها على وفق المعاهدة الخاصة بالحدود والبروتوكولات الملحقة والمبرمة بين البلدين سنة 1975 م.
ومع هذا كله تبقى مسألة الأمن على الحدود بين البلدين مصدراً للكثير من المشكلات، خاصة في ما يتعلق بتهريب المخدرات من الحدود، أو تهريب النفط، أو التوغل في داخل أراضي البلدين، وتهريب الأسلحة، والمواد الغذائية والصناعية، وأمثلة كثيرة، فقد تحدث مدير شرطة محافظة البصرة في سنة 2003 م، عن أنه ضبطت سيارات محملة بالأسلحة قادمة من إيران إلى داخل الأراضي العراقية، وإعلان وزارة الداخلية عن القبض على إيرانيين داخل بغداد، دخلوا الحدود بطريقة غير شرعية، إضافة إلى القبض على عدد من مهربي المخدرات في محافظة البصرة، سنة 2004 م، وضبط شرطة حماية الكهرباء (7) شاحنات محملة بالأسلاك ومحولات الطاقة الكهربائية متوجهة إلى إيران من منطقة (المنذرية) الحدودية، إضافة إلى تصريح نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة (حسين الشهرستاني) في نيسان/ابريل 2012 م، عن عمليات تهريب منظمة للنفط من جنوب العراق وإقليم كردستان إلى إيران، وحديث وزير النفط العراقي (كريم لعيبي) عن أن لدى ((العراق مؤشرات وتقارير تفصيلية عن المناطق التي يهرب منها النفط تجاه إيران، والتي تذهب إلى منافذ على الخليج العربي عبر (بندر عباس) و(بندر خميني) وتباع بأسعار أقل من الأسعار العالمية)).
لهذا اعتقد، أن مشكلة الحدود بين العراق وإيران، سوف تظل مثار جدل ومد وجزر، نظراً إلى طول هذه الحدود سواء البرية منها أو النهرية وما يترتب عليها من تجاوزات أو اختراقات، ورغبة أي من الطرفين التوسع على حساب الطرف الآخر، إضافة إلى الإحساس العام لدى الدولة العراقية والشعب العراقي، إن العراق قد تخلّى عن حقوقه في حدوده البرية والنهرية لمصلحة إيران، بسبب سياسات الأنظمة الطائشة التي حكمت العراق على مر السنين، أو بسبب الظروف والضغوط الإقليمية والدولية، يضاف إلى ذلك أسباب التوتر الدائمة الذي ذكرناها في السابق بشأن الامتداد السكاني بين البلدين، ومسألة أمن الحدود، والأنهار والحقول المشتركة بين البلدين، والأدهى من هذا كله أنه لم تنظم الحدود إلى هذه اللحظة على وفق اتفاقية أو معاهدة في ظل ظروف طبيعية ومستقرة في البلدين، لهذا اعتقد، مسألة الحدود سوف تبقى كالمرض المزمن الذي يتعذر علاجه في مسار العلاقات العراقية الإيرانية .
فبحكم الموقع الجغرافي المجاور للعراق وإيران فإن التطورات والتفاعلات الجارية فيهما لا بد من أن تؤثر الواحدة في الأخرى.



#علي_رحيم_مذكور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاقة القوى السياسية العراقية مع إيران بعد الاحتلال الامريكي
- ربيع عربي ام اسلامي.... ام خريف اسلامي
- التعصب .... اسبابه .... نتائجه
- الاردن موعد جديد ومختلف مع العراق الجديد
- تركيا والاكراد .... جاران حائران
- الديون والتعويضات المفروضه على العراق جراء دخوله الكويت عام ...
- الحدود العراقيه الكويتيه .... أزمه مزمنه ... تنتظر الحل
- الأزمة العراقية في إدراك السياسة المصرية
- مسقبل الوحدة العربية
- هواجس المملكه العربيه السعوديه من عراق ما بعد 2003
- العراق وجيرانه بعد الاحتلال
- التجربه الحزبيه في العراق
- (( هويه وطنيه ام قوميه ام دينيه ؟ ))
- أزدهار القوى الاسلاميه وتراجع القوى القوميه العربيه


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي رحيم مذكور - الجغرافيا ... العلاقة المكانية ( العراق وايران )