أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الغني سلامه - حبر الشمس















المزيد.....

حبر الشمس


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 5453 - 2017 / 3 / 7 - 11:21
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


حبر الشمس، أسلوب فريد من الكتابة الإبداعية.. يمزج الأدب بالتراث بالكتابة السردية.. وأنت تقرأه تحسُّ كما لو أنك تقرأ شعرا، ولكنه شعر متخفف من بحوره، ومن لزوم القافية.. فتقرأه نثرا، فتجده يفيض بالمعلومات والتوثيق.. هو ضرب من أدب الرحلات، ولكنها رحلات في قلب الوطن، أو هو من أدب المرويات، يتحدث عن مأساة الفلسطيني ووجعه من جهة، وعن فرحه، وشغفه بالحياة من جهة ثانية.. يأخذك معه في رحلة طويلة شيقة، تسمع في خلفيتها سيمفونية موسيقة حالمة.. سرعان ما تثير عواطفك، وتريح أعصابك، ثم تشدها ببراعة وقوة، دون تحريض مباشر، ودون شعارات.. لكنها تدلك على الاتجاه الصحيح، حيث ينبغي أن تكون..

خالد الحروب، الأكاديمي والكاتب والشاعر، اختبر منذ مطلع شبابه كل التوجهات الفكرية والتيارات السياسية، من الماوية في أقصى اليسار، إلى القومية، والوطنية، والإسلامية، والإخوان المسلمين.. تنقل بينها كفراشة، بعد أن طرح من كل تيار كل ما لم يستسغه وجدانه، وما رفضه ضميره، وأخذ منها كل فكرة أحبها قلبه الطيب، وتقبلها عقله النير بقبول حسن، ثم صاغها على طريقته وبأسلوبه الخاص.. بانفتاح المثقف الحقيقي، مزجها معا، واستخلص منها كل ما يقوده نحو رؤيته الخاصة، التي ظلت بوصلتها تتجه أبداً نحو نجمين: الإنسان، وفلسطين..

في كتابة الشيق "حبر الشمس" (إصدار الدار الأهلية، 2016، يقع في 123 صفحة من القطع المتوسط)، يبدأ الحروب رحلته من غزة، فيصور لنا مشاهد إنسانيتها، وإبداعها، وتعلقها بالحياة، خلافا للصورة النمطية التي دأب الإعلام على تصويرها لنا، بأنها مجرد حزام بؤس يستحق الشفقة، أو عبارة عن قلعة صلبة للمقاومة تنتظر منا القصائد والأناشيد.. ثم يصعد بنا عاليا إلى جبل الجرمق، أعلى قمة في فلسطين، ليصافح منها السماء، ويرينا من هناك جمال الكون منداحا في الجهات الخمس، ويطل من على شرفتها على مئات القرى والبلدات التي أاسقط أهلها الحرف العبري عنها، وأعادوا كتابة أسماءها العربية.. ثم يواصل السير شمالا حتى رأس الناقورة ومارون الراس في الجنوب اللبناني، ماحيا الحدود بينها وبين الجليل الأعلى..

يعود "الحروب" إلى بلدته "وادي فوكين"، محاولا رد الاعتبار لباذنجانها الذي نحلت اسمه جارتها "بتّير"، مذكرا بأن القريتين وعشرات القرى الأخرى قضم جدار الفصل العنصري أغلى وأجمل أراضيها.. ولا ينسَ أن يعرّج على "الدهيشة"، المخيم المنتصب بشموخ في قلب بيت لحم، طارحا من خلاله صورا شتى عن حياة المخيمات.. ثم يصعد شمالا إلى رام الله، مُسقطاً كل الأطروحات السطحية التي تناولت جانبها المعتم، والتي اختزلتها في "بار"، أو صوّرتها كفقاعة.. يمضي "الحروب" سهرات شيقة في مهرجانات "صيف رام الله"، بعروضها الفلوكلورية، ومع الفرق الفنية التي أتت من أصقاع الأرض، لتقدم وصلات إبداعية من الرقص المعاصر، والتي من خلالها شرعت "مصيف فلسطين" و"عاصمتها المؤقتة" نوافذها وأبوابها على العالم أجمع..

يخصص "الحروب" فصلا عن جدار الضم والتوسع، واصفا قبحه وبشاعته: "مثل سكين حاد جاف هبط من سماء العنصرية ليمزق البلاد"، ومعددا مخاطره على مستقبل أي حل، لافتا أنظارنا إلى لوحات فنية زينت الجدار وسخرت منه للمبدع البريطاني "بانسكي"..

وفي فصل آخر ممتع وحزين، يأتي على جبال الخليل، بادئا من قلب مدينتها العتيقة التي تئن تحت وطأة إرهاب حفنة من المستوطنين، مرورا بالدوايمة والسموع ليذكرنا بأن هاتين البلدتين شهدتا مجزرتين رهيبتين، الأولى أثناء النكبة، والثانية عشية النكسة، ثم يهبط جنوبا نحو النقب، مارا بمدنه الصامدة، بئر السبع وراهط واللقية وعشرات القرى غير المعترف بها..

يرجع إلى أقصى الشمال، إلى الجولان المحتل، حيث تقول الأسطورة أن آدم وحواء هبطا فيها بعد أن اطاحت بهما شهوة التفاح من جنة السماء، ليجدا جنة أخرى أرضية تفيض بالتفاح.. حيث الهضبة التي يلف أوديتها وسفوحها غموض ساحر، وحيث نهايتها بطن التاريخ.. يسهر مع أهلها الطيبين، الذين ما زالوا يدهشون زائريهم بحكايا جدلتهم مع المكان ألوف السنين..

وفي فصلين متتالين يتحدث عن المصور الفلسطيني المبدع أسامة السلوادي، الذي شربت عيناه قوة ساقيه، مستعرضا كتابين من بين عشرة كتب أنتجها رغم محنته الخاصة: "ملكات الحرير"، الذي يقدم فيه صورة بصرية مدهشة عن الثوب الفلسطيني الكنعاني، و"بوح الحجارة"، الذي تحوم فيه عدسته الرهيفة بلا كلل، يتلتقط الجمال المنثور على طول البلاد وعرضها، من بيوت قديمة، وأحياء عتيقة مرت عليها الأزمان دون أن تنال منها..

ثم يأتي على "الخضر"، قديس الحب، ابن مدينة اللد، القديس "مار جرجس"، يدافع عن صورته الشهيرة التي تحولت إلى أيقونة في الوجدان الشعبي، وهو يصارع الوحش من فوق صهوة حصانه، غارسا رمحه في قلبه.. يقول عنه: كان "الخضر" في الكنائس الفلسطينية رمزا للفداء والتضحية والحب والسلام، اختطفته أوروبا وصنعت منه راية للحروب والدماء، بهدف تسويغ حروبها الوحشية بأيقونة دينية، حيث حاربت بريطانيا ألف عام تحت رايته.. اليوم، هناك أزيد من مائة بلدة أوروبية تسمت باسمه..

وفي ثلاثة فصول، يشكو "محمود درويش" إلى ساحرة الشعر، وعن ظله الذي غطى على شعراء عصره، يحكي قصته مع الشاعر الكبير، وعن موسيقى الثلاثي جبران التي رافقته في سنواته الأخيرة، وعن موعده معه الذي لم يتحقق، بعد أن توقف قلبه منهيا صراعه مع الموت الذي قال عنه: "هزمتك يا موت الفنون جميعها".. ويحكي عن جملته الإثيرة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، منتقدا المثقفين الذين يريدون احتكار درويش لأنفسهم، مستشكثرين على سائقي الباصات والباعة الجائلين أن يرددوها بتلقائية وبساطة..

ويحكي عن راشيل كوري، شهيدة الإنسانية.. وعن ياسمين ابنة بورين التي علت روحها وإرادتها أعلى قمة في إفريقيا، فتسلقتها بساق واحدة، وعن الروائي إبراهيم نصر الله الذي صور قصتها بإبداع في "أرواح كليمنجارو".. وعن محمد عساف، الشاب الطموح، الذي تخطى قهر الحصار وبؤس المخيم إلى العالمية..

ينهي "الحروب" كتابه بسرعة تفاجئ القارئ الذي سيرغب لو أنه أطول قليلا، بالحديث عن طائر الفنيق، كما لو أنه يريد القول بأن أسطورة الانبعاث الفلسطيني، ليست أسطورة، بل حلم يكاد يقترب من المستحيل، تزنر بالأمل في مواجهة آلة البطش الإسرائيلية..

حبر الشمس، كتاب غير عادي، يشدك من بدايته لنهايته المفتوحة على كل الاحتمالات..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حماس، وقبائل الزولو
- المقدس عند نقابة الفنانين الأردنيين
- ماذا يعني حل الدولة الواحدة؟
- إدارة التوحش.. وبرنامج داعش العملي
- المسيحية الصهيونية
- مؤامرات شيطانية
- هجوم على الشيعة
- مظاهر الأبارتهايد في السياسات الإسرائيلية - دراسة بحثية
- عن التغير المناخي، مرة أخرى
- لنرحم الطفولة
- صور من التخلف التعليمي
- داعش، مرت من هنا
- رحلة الحياة .. البدايات، والنهايات..
- الموصل.. المعركة الأشرس والأخطر
- المرأة والرجل.. ورد الاعتبار
- المجاهدون الأجانب
- هيلاري، الحرب والأنوثة
- حقيقة داعش
- تسع سنوات من حكم حماس
- موجات متواصلة من العنف الطائفي


المزيد.....




- القضاء المغربي يصدر أحكاما في قضية الخليجيين المتورطين في وف ...
- خبير بريطاني: زيلينسكي استدعى هيئة الأركان الأوكرانية بشكل ع ...
- نائب مصري يوضح تصريحاته بخصوص علاقة -اتحاد قبائل سيناء- بالق ...
- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب مطالبين نتنياهو بقبول اتف ...
- -فايننشال تايمز-: ولاية ترامب الثانية ستنهي الهيمنة الغربية ...
- مصر.. مستشار السيسي يعلق على موضوع تأجير المستشفيات الحكومية ...
- طالب جزائري يخطف الأضواء في برنامج للمواهب بروسيا (فيديو)
- مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين في إطلاق نار بحفل في مدينة نيويو ...
- احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيغا ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الغني سلامه - حبر الشمس