أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم إيليا - قصة التحولات الفجائية 3















المزيد.....


قصة التحولات الفجائية 3


نعيم إيليا

الحوار المتمدن-العدد: 5443 - 2017 / 2 / 25 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


((توقّع راغب أبو خليل إثر هذا الحدث ( قرار اعتزال الكتابة) الذي ارتكبه وهو بكامل قواه النفسية، وبذروة نشاطه الذهني، أنْ تزحف إليه الكآبة فتغشِّي قلبه كما غشّت على أيام حياته عقب أن عبرت زوجُه إلى الضفة الأخرى من الحياة في زورق من الآلام المضيئة. كانت زوجه (ر) مندمجة في روحه، في جسده مثلما كان الإبداع مندمجاً في عقله ووجدانه وحواسه، كانت أنفاسها التحمت بأنفاسه، وخلاياها بخلاياه، حتى صار يحسبها إياه. غير أنّ ما توقع أن يحدث له، لم يحدث له! ما حدث له كان بعكس ما توقعه تماماً: أحسّ راغبٌ، فور أن أغلق حاسوبه، بما يحس به رجل كانت كتلة متخثرة سدّت مجرى الدم في شريان فكره، فلما تحللت الكتلة وذابت؛ تدفق الدم رُخاء تلوَ تحللها في شريانه. لحظة فريدةّ، يا لها من لحظة فريدة!
وجاشت في نفسه رغبة ملحة بشراب ساخن. قهوته كان نسي أن يشربها، بردت. فقام إلى المطبخ ليغلِّي ماءً فوق الموقد. ثم عاد يحمل كوباً من الشاي. جلس، وقد شملته طمأنينة رحبة صافية، على أريكته أمام التلفزيون، يرشف شايَه على مهل.
وإذ عنَّت له الفرجة، تناول الجهاز وطفق يقّلب به برامج البثّ التلفزيوني بحثاً عن برنامج يوافق مزاجه، يعمق إحساسه بالبهجة التي يستشعرها. ولكنه لا يعثر على شيء مما ودَّ أن يسمعه وأن يراه. كانت قنوات التلفزيون منشغلة بنقل أحداث عصره: تطورات الأزمة الاقتصادية العالمية، الإرهاب المقدس، آثار العولمة ونتائجها، تغيّر المناخ وعواقبه، أخطار النفايات النووية، الاستنساخ وإجراء التجارب المخبرية على الأجنَّة، تدفق المهاجرين، صعوبات دمجهم في بيئتهم الجديدة، حقوق المثليين، مشكلة الإجهاض، الأعاصير والبراكين والكوارث والحرائق، المآسي الاجتماعية والصراعات الدموية، الجرائم المنظمة، غرق السفن، تحطم الطائرات والمركبات الفضائية... فهمس لنفسه بلا مبالاة: عصر كسائر العصور، لا جديد تحت شمسه. عصور تتعاقب ولا يكاد عصر منها يختلف عن الآخر إلا فيما يستجد بداخله من موضوعات وقضايا يتفرد بها عما سبقه وعما سيلحق به. مبدأ واحد ثابت يصنع جميع العصور، ويحركها: إنه الصراع... إله الخير والشر! ولقد أدرك أنه من الغباء أن يحلم كما يحلم كثير من الناس بزوال شره وإدامة خيره. وهو يدرك الآن أكثر من ذلك؛ يدرك أنه سيكون أشد غباء – إن كان للغباء درجات - حين يدع نَكادَ عصره وشروره تنكّد عليه.
أسكت التلفزيون، أشاح عنه، أشاح عن أزمات عصره، عن نكاده. وانصرف إلى ذاته يتأمّل مشاعره الجديدة النامية فيها. مشاعره تنمو. وما زالت تنمو حتى بلغت مستوى من القوة أغراه لحظةً أن يهمَّ بارتداء ثيابه، ويخرج ليطوف في حارات المدينة وأزقتها، يخبط الليل تحت الثلج على غير رشاد، حتى إذا تعب من الطواف، دخل مقهى ليليّاً يستريح فيه، ويتناول عشاء خفيفاً مع كأس من شراب في جو رائق أنيس. ولكنه إذ تذكّر الدوام في الغد، تراجع عن تنفيذ رغبته، عدل عنها إلى محادثة صديقه بالهاتف. كان لا بدّ له من أن يفعل شيئاً، أي شيء. الشعور بالسعادة حين يعظم في نفس صاحبه، يلزمه غالباً بالتعبير عنه بحركةٍ، بتصرف، بفعل، بسلوكٍ ما. إن هذا الشعور، لكالماء إذا طغى في باطن الأرض، لا مناص له من أن يعبِّر عن طغيانه السعيد بأن ينبجس ينبوعاً رقراقاً في مكان خفيض رخوٍ لا يقاوم الانبجاس.
لم يكن الوقت متأخراً. كانت الساعة تقترب من العاشرة. صديقه في هذا الوقت – فيما يعهد من أمره - لا بد إما أن يكون مستيقظاً يعلُّ خمرته بتلذذ بطيء مع شرائح اللحم الرقيقة وسلطة الخضار أمام شاشة التلفزيون؛ وإما أن يكون دعا إليه غانية من غواني الليل وانهمك عليها في مخدعه؛ وإما أن يكون مستلقياً فوق سريره، يقرأ مسرحية أو رواية، وإما أن يكون جالساً إلى حاسوبه يتنزه بين مواقعه المفضَّلة على الشبكة العنكبوتية.
صديقه (ن) هو ابن خالة زوجته. متخرج من قسم الفنون المسرحية. ولكنه لم يلازمه التوفيق في حياته العملية، لازمه الفشل، حتى التقى (ي) صديقة زوجته في يوم احتفال زوجته بعيد ميلادها الخامس والعشرين. فتعلق كل منهما بالآخر عقب ذلك اللقاء. وانتهى التعلق بهما إلى الزواج. استطاعت (ي) أن تقنعه بفكرة العمل معها في إدارة مكتبتها الشهيرة العريقة الرائجة الموروثة عن جدها في شارع (...) مقابل المبنى الأول لجامعة العلوم والتكنولوجيا. بيد أن زواجهما لم يدم طويلاً. انهار زواجهما؛ فانفصلا دون ضجيج قبل أن يتمَّا العام الثالث منه. وكان من نتائج هذا الانفصال أن أقال نفسه من العمل في مكتبة زوجه السابقة، وراح يبحث عن عمل جديد.
مكث (ن) نحو عام بعد تركه عمله في مكتبة (ي) يبحث ويبحث ويبحث عن عمل حتى تمكن أخيراً من العثور على وظيفة متواضعة في مؤسسة اجتماعية حكومية لتأهيل المراهقين. وهو إلى يومه هذا مواظب عليها راضٍ بها لا ينقّ.
كان صاحبه، واسع الطموح، حديد العزيمة، دائم البحث عن فرص مؤاتية لتحقيق طموحه، شغوفاً بالثقافة على ألوانها، متميّزاً بحرصه الشديد على مظهره الخارجي، فيتأنّق: في ملبسه، في مأكله ومشربه، في كلامه، في سلوكه. تحثه على التأنق فضلاً عن روحه المتألقة، متانةُ بنيته، إشراقةُ طلعته، جاذبيته التي لم تكن تلقى مقاومة من أزهد النساء بالرجال.
مرَّ عامان على زواجه من (ي)، وأنجبا طفلهما (لُوِي). مع بداية العام الثالث ألمّ بصاحبه تغيّرٌ مفاجئ بدا في أول الأمر بسيطاً، ثم ما عتم بتتابع الأيام والشهور أن تطور فتعقد وصار له تأثير باهظ عليه. تغير مزاج صاحبه ، تغير سلوكه، تغيرت هيئته. بات تأثير التغير عليه فادحاً حقاً: قلَّ اكتراثه بحاضره ومستقبله، تراخت همته في العناية بمظهره الخارجي، انقطع أو كاد ينقطع عن تجديد أفكاره حتى باتت أفكاره مهدَّدة بالخمول والتسطّح والذبول، جعل يفرط في تناول الأطعمة الدسمة؛ فامتلأ إلى حد قريب من البدانة وثقلت حركته شيئاً، واستوطن عينيه شرودٌ هادئ . بيد أنه، مع كل هذه التغيرات الباهظة التي نزلت بساحته، لم يفقد صاحبه بشاشته، لم يفقد استهانته بالصعاب، لم يفقد تعلّقه بابنه لوي، لم يفكَّ عروة التزامه برعايته، لم تتلف فيه ضريبة الدفاع عن حقِّه إذا ضيم حقُّه، لم تنضب طيبة قلبه الثرة الطفلية.
سمع جرس الهاتف يرن على دفعات متقطعة قبل أن يرفع صديقه السماعة، ويرد بصوت خشن متهدج:
- أهذا أنت؟
- هذا أنا.. ما بك؟ أزعجتك؟
- لا، أبداً!
- أبك وعكة؟
- كلا، أنا عائد إلى البيت في التو.
- أين كنت إلى هذا الوقت؟
- كان لي موعد مع (ي) طليقتي. ألم أنبئك به؟
- آآا .. بلى! وكيف كانت النتيجة؟ عساكما اتفقتما!
- لم نتفق.
- لم تتفقا!؟
- لم نتفق، ما لي أراك تتعجب؟ أوَتظن الاتفاق مع امرأة مثلها أمراً يمكن أن يتحقق بيسر من أول لقاء؟
- كنت آمل ذلك !
- لا أمل في اتفاق معها.
- فقدت الأمل؟
- ربما، ولكني سأحاول رغم يأسي أن أصل إلى اتفاق معها في لقاء ثان.
- حسناً تفعل، حاول، فمن يدري! لعلها تقتنع بفكرة التأجيل؟
- تقتنع!؟ لن تقتنع. ولكن لا بأس سأحاول مرة ثانية وربما ثالثة. سأحاول. من واجبي أن أحاول إقناعها بتأجيل زواجها من صاحبها ولو لستة أشهر قادمة، إلى أن يتهيّأ طفلنا لوي تهيؤاً نفسياً لتقبله.
- تصرف حكيم.
- من أجل ابني لوي أسفح كبريائي تحت قدميها.
سأله بغتة:
- ولماذا من أجل لوي؟
- لماذا؟ ماذا تقصد؟
- لوي طفل ذكي، مرن الحواس، لديه مؤهلات فطرية عالية للتكيُّف مع واقعه الجديد.
- لم أفهم!
- أعني: دع الأمور تسر في مجراها، لا تعاندها إن لم تجدِ معها المحاولة.
- ماذا دهاك!؟ قبل لحظة وافقتني على وجوب تكرار المحاولة لعل وعسى، والآن أسمعك وكأنك تنقض ما كان منك قبل لحظة.
- أعني: لا تعاندها في أمر هو حق من حقوقها. دعها وشأنها، لا تنازعها لئلا يجرفك النزاع معها إلى مصبّ مقرف يغرقك بتفاهته وعبثه.
رد صاحبه بتطامن:
- أنا في الحقيقة، في قرارة عقلي أكره أن أفاوضها في حقّ من حقوقها.
- ولكنك مع ذلك لا تمتنع عن مفاوضتها؟
- ماذا أفعل؟ كيف تريدني أن أتصرف؟ إنه ليشقّ عليّ أن أسلِّم بزواجها. إنني حين أفكر بأنها ستتزوج، ينفجر بداخلي بركان من الغيظ.
- بهذا إنما تعترف بأن لوي ليس المشكلة حقيقةً!
- لوي...؟ بل هو المشكلة، هو المشكلة الأولى، ولعلني المشكلة الثانية.
سمعه يضحك ضحكة قصيرة متوترة، وهو يردف متسائلاً:
- ترى ما الذي يجعل صدري يضيق كلما خطر أمرُ زواجها بفكري؟ هل لديك تفسير لذلك؟
- إن لم يكن لوي هو السبب، فإنه...
قاطعه مستدركاً:
- دعك الآن من قضية لوي، وقل لي: لماذا يحدث لي ذلك؟ لماذا يأكلني الغيظ كلما فكرت بزواجها من صاحبها؟.
- هذا، على الأغلب، لأنك رجل. والرجل منا قلما يهون عليه أن يرى امرأته بعد طلاقها منه تتزوج، حتى لو لم يكن بينهما أطفال أو حب ومودة. وربما ودَّ الرجل منا ألا تنعم طليقته من بعده بحياة جميلة نكاية وتشفياً وانتقاماً!
- أأنت واثق مما تقول؟
- لا أجد تفسيراً آخر.
- ولماذا الأمر كذلك؟
- إنها، إن صدق رأيي، طبيعة الذكر الأنانية.
- والنساء؟ ألا توجد هذه الطبيعة فيهن؟
- ربما.
- حسنٌ، فكيف العمل؟ كيف يمكن أن يتغلب المرء على طبيعة متأصلة فيه؟
أجاب مداعباً:
- أن تتزوج امرأة جديدة تنسيك القديمة، تحرِّرك من التبعية النفسية لآثارها المحفورة في أعماقك.
فرد صاحبه وقد تفطن أخيراً لأمره:
- سأعمل بنصيحتك. ولكن قل لي ما الذي دفعك إلى محادثتي في هذا الوقت؟
- ماذا تظن أن يكون دافعي إلى محادثتك؟
- أتكون فرغت من كتابة روايتك؟
- لا، لم أفرغ منها، ولن أفرغ منها بتَّةً.
- أوَتعني أنها لقيت حتفها في حادث سخط منك عليها؟
- كلا يا عزيزي
- فماذا تعني إذاً؟
- اسمع، هل لديك ما يحول دون لقائنا غداً بعد الدوام في مطعم بوكيت؟
- غدا ً!؟ ولكنّ غداً يوم الجمعة.
- أعلم هذا..
- تعلم هذا وتطلب مني أن نلتقي غداً! ألا ترى طلبك غريباً منافياً لنظام حياتك؟
- لا.
- لا أكاد أصدق، أثمة جديد تخفيه عني؟
ردَّ بحزم:
- أفضِّل أن نلتقي غداً.
صمت صاحبه خمس ثوان تقريباً قبل أن يعلن له موافقته:
- حسناً، كما تريد. فلنلتقِ غداً. ولم لا نلتقي غداً؟ لست أملك في الغد ما يحول دون اللقاء، وأنا في كل الأحوال سأعرج على مطعم بوكيت لأتناول غدائي بعد الدوام.
وضع السماعة في مكانها. حالة صاحبه النفسية، عاجزة ظلالها عن العبور إلى حصن سعادته! بل لم يشعر أن صاحبه يعاني حالة نفسية تستلزم منه التعاطف والمشاركة. ألأنه سعيد؟ ربما! فالسعيد لا يشعر شعوراً عميقاً بما يعانيه الآخرون ولو كانوا من أقرب الناس إليه. السعادة أنانية، عمياء عما حولها. حيثما اتجهت السعادة، وقعت على ذاتها.
وقف خلف النافذة ، غفا ذهنه في حضن التأمل. ولكن صرخات جارته (س) الصخّابة التي اخترقت الجدار الفاصل بينهما فطرقت سمعه بعنف؛ أيقظته عنوة من تأمله.
ما فتئت جارته (س) منذ ما يقرب من شهر، تنكّل بزوجها (ه) جاره الطيب الأنيس مذ صار عاطلاً عن العمل بلسان حاد سليط، تصرخ فيه؛ فيودّ كلما بلغت أذنيه صرخاتُها المجنونة الهستيرية، أن يطرق عليهما الباب، فيعنِّفها بتقريع وتوبيخ. وربما ودَّ حيناً لو يشكوها إلى الجهات المختصَّة. ولكنه الآن لا يودُّ شيئاً من ذلك، ليس في دخيلته الآن ما يدعوه إلى أن يعبأ بصرخاتها المجنونة الهستيرية، وإن كانت نبهته من غفوة تأمله اللذيذة لدقائق.
أغلق أذنيه عن صراخها، استرد غفوته اللذيذة المنتهكة، مضى في تأمله. من خلف زجاج نافذته، يتأمل أحداث الطبيعة. يتأمل الثلج كيف يتساقط على مصباح الشارع، على فروع الشجرة، على قرميد حائط المدفن المواجه له حيث ترقد زوجه بسلام أبدي.. يتأمله كيف يتراكم ندفة فوق ندفة مغطياً الرصيف والشارع المضاء بدثاره، ويتأمله كيف يهب لهذه الأشياء معاني جديدة. وما برح يتأمل ويمعن في تأمله حتى امتد به التأملُ إلى تأمل ما يستولده المتأمَّل خلف نافذته في حواسه الداخلية من هسيس يتخلله لحن شوق فتي إلى جديد من الحياة جميل...)).
من النافل أن أقول إن القصة تتحدث عن تحوّل مجرى حياة كاتب تحولاً مفاجئاً. إن هذا واضح وضوحاً لا يعمى عنه حتى المتبلد. ولكنه ليس من النافل أن أقول: إن تحول مجرى حياة كاتب تحولاً مفاجئاً، هو حالة أو واقعة، ليس من العسير أن يستولدها كاتب أفكاراً جديدة قوية التأثير، إلا إذا كان هذا الكاتب مبتدئاً يحبو، أو ذا موهبة لا تمطر. فلما لم يبدُ أن الزحلاوي تمكن من أن يستولد واقعة التحول هذه، فكرةً جديدة قوية التأثير؛ فإنه من الغفلة أن تنسب القصة إليه، وهو من عمر إبداعه في طور النضج؟ إن جميع الأفكار الواردة في القصة مألوفة مطروقة مكرورة، فكيف تجوز الزكانة، كيف يجوز اليقين بأن قصة مكرورة الأفكار، يمكن أن تكون من صنع كاتب بلغ من الإبداع سن الرشد؟
زد على ذلك أن هذه الأفكار معدومة التأثير! فالفكرة التي تَمثِّلَ فيها شوقُ بطله إلى التحرر من (عبودية) الإبداع.. إلى الخلاص مما يستدعيه الإبداع عادة من تكاليف جسيمة تستنفد طاقات المبدع الحيوية، وتقصيه عن التمتع بلذات العيش التي يتمتع بها الإنسان الخليُّ من هموم الإبداع، وأعبائه، وتكاليفه - وهذه الفكرة، أظهر أفكاره المتناثرة داخل نسيجه السردي – ليست عند التحري سوى فكرة أدنى إلى الابتذال منها إلى الطرافة والجدة والابتكار.. ليست غير فكرة متداولة مكرورة لم تك قطُّ من إنشاء كاتبنا وابتكاره. وما خير فكرة متداولة مكرورة لاكتها أقلام وأقلام؟ ألا ما أكثر الكتاب الذين تناوشوا هذه الفكرة من قبله بأساليبهم الخاصة المتنوعة! فمن منا لا يذكر الكاتب شريفاً الاسكندرانَّي، على سبيل المثال، في قصته (سجين قلم) التي سبق أن نشرت عنها دراسة تحليلية استوفت مضامينها الفكرية في العدد الرابع والثلاثين من مجلتنا الأدب الحر؟
وليس هذا فحسب، فثمة فكرة العبودية. إن فكرة العبودية بحد ذاتها، سواء أكانت مكرورة أو لم تكن مكرورة، فكرةٌ محدودة التأثير - إن لم تكن عديمة التأثير - لا تروق قارئاً مثقفاً، لا تمتع عقلاً واسعاً متمرساً بالتفكير. وما ذلك إلا لأنها ليست من الأفكار التي يمكن أن تنطبق بصدق على حال الأدباء في واقعهم الحي. فإن الأدباء في الواقع – وإن شقوا بعبء الإبداع ووطأته – يستشعرون من عبوديتهم لذة، أين منها لذة الشراب لدى من هم شديدو التعلق بالشراب؟ بل إن كثيراً من الكتاب يجد الكتابة عالماً ساحراً يعوضهم عن بؤس عالمهم الواقعي القبيح.
ولم يكن الناقد السيد عمار محاجنة على حق تماماً عندما حاول في دراسته المنشورة في (بريد عمان) تبرئة أفكار القصة من العيوب التي أشرت إليها بقوله:
„ … ينبغي أن نعلم أن الأديب في جميع الأعصر، في جميع الآداب العالمية، لا يخترع الفكرة، لا يبدعها، وإنما هو يستكشفها مثلما يستكشف الفلكي كوكباً جديداً، أو مثلما يستكشف البحار المغامر قارة كانت مجهولة. فلا الفلكي اخترع الكوكب، ولا البحار المغامر ابتدع القارة ...“
إذ قد فات السيد محاجنة أن المستكشف (الأول) لفكرة ما، مادية ً كانت أو ذهنية، يعد مخترعاً. وإن لم يكن مخترعاً لها حقيقةً. ولأضرب على ذلك مثلاً المستكشف كولومبوس: فهل ينكر أحد حقيقة أن كريستوفر كولومبوس (استكشف) قارة جديدة؟ ولكن هل يَعدُّ أحد من العقلاء مَنْ أبحر ويبحر إليها من بعد استكشافه لها، مستكشفاً؟
كما لم يكن الناقد السيد جبار عبد الحسين الموساوي، على حق تماماً في مقالته المنشورة في مجلة (المسحاة) التي تصدر في بغداد، حين كتب بهذا الصدد:
„ إن المعول عليه هنا ليس الفكرة من حيث هي جديدة أو قديمة، مبتكرة أو مكرورة ... فكل الحلويات العجينية تتكون من الطحين. الطحين يتكرر وجوده في الحلويات العجينية على اختلاف أنواعها ومذاقها، فهل نقول إن الحلويات هذه تفسد فلا تؤكل بسبب تكرر وجود الطحين فيها؟ فإن كنا لا نقول ذلك، فكيف نقول إن القصة تفسد، أو تفقد قيمتها إن جاءت فكرتها مكرورة غير مبتدعة؟ وإنما المعول عليه حقاً هو كيف يقدِّم الكاتب الفكرة للقارئ؟ بأي أسلوب؟ بأي منهج فني وطريقة؟ فإن الطريقة الفنية التي يستخدمها الكاتب في عرض فكرته على الناس، هي التي تجعل قصته قصة، وهي التي تجعلها قابلة أن تحيا سنين مديدة أو إلى الأبد. فمثلاً: لدى الفلاحين الأميين حكايات تتضمن أفكاراً جليلة، ولكن الفلاحين لا يجيدون التعبير عن هذه الأفكار بطرائق الكتابة الفنية ومناهجها، فهل يسمح هذا المانعُ لهذه الحكايات ذات الأفكار الجليلة أن ترقى إلى مستوى القصة بمفهومها الاصطلاحي الأدبي المعروف؟
ويجب علينا هنا ألا نغفل عن عامل آخر له دور فاعل في إدراك القصة غايتها من النجاح، لا يقل أهمية عن دور الطرائق الفنية؛ وأعني به تفاعل الكاتب بقواه العقلية والنفسية واللغوية مع الفكرة تفاعلاً فريداً جريئاً عميقاً، حتى لتضحي الفكرة على شيوعها مع هذا التفاعل الفريد الجريء العميق وكأنها جديدة مبتكرة مبتدعة... “
فالسيد جبار الموساوي، وهو في غمرة اندفاعته، لا يلحظ أنه يرتكب مغالطة – ولا أقول متعمدة - حين يعامل قصة التحولات الفجائية معاملة القصة التي تحققت لها شروط الفن بالمزايا الماتعة التي ذكرها لهذه الشروط. لقد كان ينبغي للسيد الموساوي، لكي لا يتهم بأنه يغالط، أن يقدم لنا البرهانَ على أن الطريقة الفنية التي استخدمها الزحلاوي في بناء قصته؛ طريقةٌ فنية فذة تأدَّى لها أن تظهر أفكارَ قصته وكأنها من ابتداعه واختراعه.
وبعد، فإنْ صدَقَ حكمي – وهو صادق - على فكرة العبودية، فقد صدق أيضاً على بقية أفكاره الموزعة على مسارات القصة وعطفاتها: مثل فكرته التي تتوخَّى الجواب عن سؤال لم يفتأ - حسبما يذكر الكاتب - يراود أذهان المبدعين، ولا سيما أولئك الذين لم يبلغوا بعد شأواً في عالم الأدب يصرف انتباهاً جدياً إليهم: "لماذا نكتب ما دمنا لا نجد لكتاباتنا سوقاً رائجة بين الناس؟" ومثل فكرته عن الإخفاق بتداعياته النفسية المؤلمة المحبطة اليائسة المظلمة، ومثل فكرته الفلسفية الخمولِ من ترفٍ، هذه التي نراها تتمطى في سأم على شفة السؤال: "وما جدوى الإبداع؟" ونراها تتثاءب وهي تتمطى كما يتثاءب على شفاه العدميين سؤالهم: "وما جدوى الحياة؟“
وقد اجتمعت هذه الأفكار جميعاً في المقطع التالي وهو مقطع قد صاغه الزحلاوي بلفظ يحيل الأذن العصرية إلى ألحان الرومانسيين المملة وعواطفهم السقيمة؛ مقطع لن يجد القارئ فيه فكرة واحدة جديدة مستكشفة، أو فكرة واحدة قوية التأثير في العقول والقلوب، تكون مصداقاً لرأي النقاد في أن القصة من أعمال الزحلاوي المتأخرة:
((كنت من قبل أن تشتد أزمتي مع فعل الكتابة، أطرح على قلمي سؤال الجدوى مما أكتب. كنت أتساءل: أي شيء هو هذا الذي يحرّك أصابعي؟ ما هو هذا الذي يستحثني على الكتابة بمثل هذا الاندفاع؟ ما الذي يدفعني كأنما قهراً إلى اقتراف فعل الكتابة؟ ما عساه أن يكون؟ ما عسى أن تكون غايته من إرغامي أن أكتب هكذا بملء جوارحي وعقلي ؟
وكنت آنذاك ربما أجبت: “أكتب لأحقّق طموحاً منهوماً بألق الشهرة" أو "أكتب لأحقّق ذاتي المنشطرة التائهة بين سطور الحياة، كما يحقّق دارسٌ كتاباً أنهك الزمن متونه” أو "أكتب للناس متصدقاً عليهم بخلجات روحي وعقلي تصدُّقَ السخي على العفاة” أو "أكتب كي أبدِّد غيمة الضجر التي تلفني بدكنة ترهق الروح مني والبدن“.
لم أكن، وأنا في تلك الفترة الهيفاء من عمري، أُبالي بمعرفة غايتي مما أكتب على حقيقتها. كان حسبي أن أؤمن بأن لي غاياتٍ في منتهى النبل والسمو والنفع والجمال وكفى.
ولأن ذلك لم يشغلني، لم يشغلني أيضاً تفكير في الجهد الذي أبذله في سبيل تلك الغايات.. لست أذكر أنني فكرت يوماً بأن الجهد الذي أبذله في تحقيق غاياتي، يمكن أن يكون جهداً ضائعاً، كما أفكر بذلك الآن. ولكنني بعد مرور أعوام طويلة من مثابرتي على فعل الكتابة، أستكشف فجأة أن ما كنت أسعى إلى تحقيقه من هذه الغايات، محالٌ تحقيقه أو هو، في أحسن الأحوال، بمنزلة أدنى ما تكون إلى المحال.
حدث فعل الاستكشاف قبل شهر من مغادرة صديق لي أديب موقعه من الحياة عنوة. في هذا الوقت، بالتحديد، استيقظت تساؤلات ملتهبة في صدري! استيقظت فيه شكوك رهيبة أحسستني معها وكأنني ناسك تستيقظ في صدره شكوك مرعبة في حقيقة وجود معبوده الذي نذر له كل حياته. وسرعان ما طفق عقلي يلفظ تساؤلاته وشكوكه المحرقة جهراً أمام سحنتي التي تلبدت بتجاعيد الكآبة، كما يلفظ مريض أوجاعه على وسادة بللها رشح حمى:
"ما لك تتجشّم السعي إلى غايات قد نأت عنك حتى بات الوصول إليها محالاً؟ ما لك تجري لاهثاً وراء سراب خادع لن تدركه ما دمت حياً؟
لمن تكتب أيها المهجور؟ من ذا الذي يقرأ ما يسفحه فكرك، وتناجي به روحك، ويسطره وجدانك؟ „
وأذكر أنني توجهت بسؤالي النادب (لمن تكتب...؟) إلى صديقي الأديب الشاعر - وكان سبقني إلى هذه الصنعة - عساي ألقى لديه عزاء لكربي! وكان هذا قبل أن يقع حادث الطائرة التي هوت به وبمن كان على متنها من السيّاح في أعماق البحر الأحمر الدامسة المختبطة، بالقرب من منتجع شرم الشيخ؛ سألته:
"لمن تكتب يا صديقي، وقد أقفرت دار القراءة من أهلها؟”
وصديقي يومئذٍ في أوج عطائه! يكتب بحماسة غزيرة.. يكثر من الكتابة، لا يناله منها كلال ولا ملال. غير أنه كان مثلي عاثر الحظِّ، لا يكاد يحظى بقارئ واحد يحفل بما يكتب، فأجابني في رسالة قصيرة، ما زلت أحتفظ بها بين وثائقي داخل أرشيفي، غلفها بخياله الجميل، متظاهراً – أو هكذا خيل إلي - بأنه لا يعبأ بما يلقاه من تجاهل وقلة ذيوع وانتشار بين القراء:
" … أنا طائر يغرّد فوق الأفنان. حسبي أن أرسل ألحاني في الفضاء الممتدّ الرحيب، ولا عليّ بعد ذلك من بأسٍ، إنْ سواي لم يطرب لألحاني".
فذكرته في ردي بأسطورة أورفيوس، قلت له:
“كان أورفيوس إذا داعب قيثارته، أطرب الشجر والحيوان والإنسان والحجر، وأنقذ بها العانين الأسرى وأولئك المشرفين على الهلاك. ترى أكان أورفيوس سيظل يلازم قيثارته ويعكف عليها ويصونها من الإهمال، لو أن قيثارته أمست فجأة لا تطرب أحداً إلاه، ولا تنفع امرءاً سواه؟“ ومثل شاعر ثملٍ من الغرور، متمرّدٍ في صلف وتيه، قال صاحبي في ردّ سريع:
"فلتذهب قيثارة أورفيوس إلى (حيث ألقتْ رحلها...) أنا أغرّد إذاً أنا موجود. أنا موجود على فنني، أغرد تغريداً يشجيني. وهذا يكفيني! فما لي وللناس؟ ما لي وللشجر؟ ما لي وللعاني؟ ما لي وللحجر ؟”.
كانت هذه الكلمات القليلة ولكن المعبرة تعبيراً أشفَّ من الماء عن شخصيته هي آخر ما كتبه لي صديقي؛ وأرسله إلي قبيل أن يصبح طعاماً للأسماك التي ستصبح بدورها طعاماً للبشر بعد أيام أو شهور أو أعوام. ولكن كلماته لم تقع موقعاً رضياً من نفسي.. لم تقنعني كلماته؛ لذا قررت قراراً لا رجعة فيه أن أتخلص من عذابي، قررت ألا أواصل التغريد، كما كان هو يحبُّ أن يواصله. أنا بعكس صاحبي، أكره أن أنشد أفكاري... يعذبني أن أغني أشواقي في فضاء يصمُّ أذنيه عن أناشيدي، عن أفكاري. أنا لست صاحبي! لست مثيلاً له، ولن أكون يوماً مثيلاً له؛ فلأحطّم قيثارتي إذاً، ولألقِها كالحطب الجذل في النار.
وداعاً قارئَ كلماتي، مَنْ كنتَ، وحيثما كنت!“.
فأي جديد أتى به الكاتب في هذه المعزوفة المملة؟ إنه لم يزد في بعضه على أن كرر ما قالته الكاتبة ليلى المحيميد في آخر لقاء لها مع الصحافة قبل أن تكسر قلمها وتلوذ بصمت مطلق. ولعل القارئ يذكر السؤال الذي ألقته عليها محررة موقع (بستان الكلمة) “ هل لك أن تطلعي قراءك على السبب الحقيقي لتوقفك عن الكتابة؟” ويذكر معه جوابها:
„ وهل لي قراء لكي أطلعهم على السبب؟ لو كان لي عشرون قارئاً لا أكثر، ما كنت كسرت قلمي”
وقد علق أحد القراء المشاغبين على تصريحها تعليقاً لاذعاً.. عرَّض بها بمثل معروف: „ قالوا للراقصة: لم تحسني الرقص، قالت الراقصة: الأرض التي رقصت عليها لم تكن مستوية”
وأي جديد سيأتي به الزحلاوي في المقطع التالي الذي يسرد فيه بانشراح مسهب لقاء بطله أبي خليل بصديقه الأثير (ن) في مطعم بوكيت؟ ولا يفوتني هنا التنويه بأن الزحلاوي في هذا المقطع يذكر لانقطاع أبي خليل عن الكتابة أسباباً تختلف عن الأسباب التي ذكرها في المقطع السابق:



#نعيم_إيليا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة التحولات الفجائية 2
- قصة التحولات الفجائية
- قضية الفعل (جَبَرَ) بين العقاد وجبران
- ذهان رويدة سالم 4
- ذهان رويدة سالم على منهج الأورغانون 3
- ذهان رويدة سالم على منهج الأورغانون 2
- ذهان رويدة سالم على منهج الأورغانون
- العرقيون
- حلم فرانتس كافكا
- محاورة المؤرخ شلومو زاند
- حديث الروح والمادة
- ديالكتيك الدين والدَّيِّن
- خابية الكنز المفقود 9
- خابية الكنز المفقود 8
- خابية الكنز المفقود 7
- خابية الكنز المفقود 6
- خابية الكنز المفقود 5
- خابية الكنز المفقود 4
- خابية الكنز المفقود 3
- خابية الكنز المفقود 2


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم إيليا - قصة التحولات الفجائية 3