أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (20)















المزيد.....

ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (20)


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5440 - 2017 / 2 / 22 - 09:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في الحلقات السابقة بينت ان مفهوم العدالة الاجتماعية منسجم مع تراتيبية عالم النفس ماسلو في الاحتياجات الانسانية وضرورة اشباع الاحتياجات الاساسية من مأوى وغذاء قبل اشباع الحاجات الروحية (1). ولكون مفهوم العدالة الاجتماعية يتعلق باشباع الاحتياجات المادية فقط. فهو يحيل الانسان الى حيوان ويقف بالتالي على النقيض من الماركسية التي تهدف في مشروعها الشيوعي الى اشباع الحاجات الروحية كهف اسمى, او مع فلسفة وايتهيد العضوية والجمالية.

بالطبع ان اشباع الحاجات الاساسية هو حق من حقوق الانسان. ولكن ماذا تعني عبارة "العدالة الاجتماعية"؟ بقدر تعلق الامر بالعدالة - على المصاريف ان تتماشى مع المدخولات؛ تحقيق انسجام بين السبب والنتيجة والثواب والعقاب بنسب صحيحة, وكذلك التوافق السليم بين البشر في ما يخص ما هو هادف وما هو غير هادف- هو شيء رائع. ولكن هذه امور تتضمنها العدالة. انها العدالة، وليس من الضروري أن يتم توصيفها ب"الاجتماعية".

على الرغم من أنني لست متأكدا تماما ما يعنيه هذا المصطلح, العدالة الاجتماعية, الا انه غالبا ما يتم استخدامه في إشارة إلى إيجاد مساواة مادية أكثر عدالة بين الناس. وذلك يعني أن العلاقات المادية بين الناس غير عادلة، وتحقيق العدالة لهم يتطلب مكافأة بعضهم على حساب البعض الآخر. فهي تهدف (لربما) لاثراء الفقراء عن طريق أفقار الأغنياء. وهنا نستشف اختزالا للماركسية الى مذهب اقتصادي, او, بتعبير آخر, الى نوع من الروبن هودية, سلب الاغنياء اموالهم ومنحها للفقراء.

ولكن الروبن هودية هي ليست صنوا للعدل او العدالة. العدل ينبغي ان يوزع استنادا الى معيار موضوعي في ما هو صائب وما هو خاطئ, في كل شيء. وهذا الكلام ينطبق على جميع الأشخاص. العدالة الاجتماعية هي على العكس تماما من العدالة، لكونها علاقة منشودة بين الأفراد من خلال معيار شخصي لأفراد آخرين. انها ليست بخصوص "أين موقعي بالنسبة إلى الصحيح"، بل انها بخصوص "أين أنا بالنسبة لك". العدالة الاجتماعية قد تبرر الفساد "الصغير!" بحجة وجود الفساد الكبير, فتصبح صنوا للعدالة في الفساد. انها منطق من يردد بينه وبين نفسه "اذا كان الآخرون فاسدين بلا حدود, فان فسادي بحدود لا يقارن بفسادهم. ان هدفي هو العيش فقط ولذا علي ان اكون فاسدا بالرغم من ارادتي, فبدون الفساد لا استطيع العيش او تأسيس عائلة او رعاية اطفالي. ان فسادي, على عكس فساد الفاسدين الكبار, الذين فسادهم هو من اجل الفساد نفسه, هو فقط من اجل العيش او البقاء على قيد الحياة". وهكذا يتجلبب الفساد (الصغير) بجلباب الفضيلة: اننا "اصحاب الايادي النظيفة"! ولكهم لا يكملون العبارة. فالعبارة الكاملة تقول "اننا اصحاب الايادي النظيفة قياسا الى الآخرين وليس قياسا الى معيار اخلاقي وموضوعي ينطبق على كل الناس". الاخلاقية تصبح هنا امرا نسبيا. ولذلك يوحي لنا هؤلاء انهم اخلاقيون, ليس لكونهم فعلا اخلاقيون, ولكن لكونهم اقل فسادا من الآخرين. وقلة فسادهم قد تكون ايضا انعكاسا لعدم وجودهم في موقع السلطة. ومنطق كهذا هو مناقض للعدالة بالطبع, لان العدالة والفساد هما نقيضان لبعضهما البعض, ولا يغير من هذا الاستنتاج حجم الفساد بكبره او صغره. وهذا المنطق المُضلل يخلق نوعين من الفساد: فساد مُبرر وفساد غير مٌبرر. والحدود عائمة بين الاثنين. ولا احد منا يستطيع ان يقرر متى يصبح الفساد "المبرر" فسادا غير مبرر, وذلك على الاقل لان ممارسي الفساد الصغير لا يعتبرون فسادهم, بالمقارنة, فسادا, بل انهم "اصحاب الايادي النظيفة". وهم يطلبون منا بدون اية اخلاقية الى ان نُخضع انفسنا الى منطقهم اللااخلاقي وننصاع الى مبدأ نسبية الاخلاق او نسبية الفساد, او ان الفساد المبرر مبرر فعلا- ونحن نعلم ان الميكيافيلية هي نقيض للماركسية. والشيوعيون, او سواهم, الذين يرفعون شعار العدالة الاجتماعية يبررون الفساد, شاؤوا ام لم يشاؤوا. العدالة الاجتماعية تصبح بذلك صنوا لشريعة الغاب على صعيد المجتمع. انها داروينية اجتماعية. والداروينية الاجتماعية هي ايديولوجية رجعية شكلا ومضمونا. (معظم الناس لا تضع انفسها في المعادلة عندما تتحدث عن العدالة الاجتماعية. وبدلا من ذلك يفكرون بخصوص موقع مجموعة من الناس بعلاقتها بمجموعة أخرى من الأشخاص)

ليس فقط ان العدالة الاجتماعية هي نقيض العدالة كما تفهم بشكل صحيح، بل هي أيضا مفهوم مادي بحت, ولذلك لكونها نتاج ماركسية مبتذلة او مادية تختزل الانسان الى حيوان. العدل هو مفهوم أخلاقي أو روحي، الذي يمكن أن يكون له عواقب مادية. اذا انتهك احدنا القانون الأخلاقي عن طريق السرقة, مثلا, فعليه دفع تعويض مالي او خلافه. العدالة الاجتماعية هي مفهوم مادي، والتي يمكن أن يكون لها عواقب أخلاقية أو روحية: "هذا الشخص لديه ممتلكات أقل من ذلك الشخص", لذا يجب أن نشعر بالغضب ونعيد توزيع السلع (الاستهلاكية), هم يعتقدون! في هذا الصدد، العدالة الاجتماعية هي نوع من عبادة الأصنام البشرية والمادية, لانها تجعل الآخرين من البشر معيارا للقياس، والمواد الممتلكة وحدة للقياس. والانسان ليس حرا طالما سعادته تتوقف على السعادة النسبية لمن حوله: هؤلاء يعتقدون بوجود قانون اقصادي للسعادة, اي ان كمية السعادة لكل البشر هي كمية ثابتة, لذا ان سعادة الآخر تنتقص من سعادتهم. ومن الواضح ان هؤلاء يعاملون السعادة كمفهوم مادي او اقتصادي بحت, وهذا هو تعبير آخر لماركسية او مادية مبتذلة. ونحن نعلم بما يقوله الفيلسوف الهندي الكبير Jiddu Krishnamurti
It is no measure of health to be well adjusted to a profoundly sick society
(2)
"التكيف الجيد مع مجتمع مريض للغاية ليس معيارا للصحة"

ونحن لا تراودنا الاوهام ان وراء الرغبة في المساواة المادية هو الرغبة في أن يكون الشخص أفضل من جاره, والافضل تعني هنا اكثر غنى او امتلاكا للسلع. انهم عبيد السلعة التي يقدّسونها باسم الدين او شيوعية مرادفة للجشع والطمع والروح الاستهلاكية. وهؤلاء الشيوعيون الاستهلاكيون هم حجر عثرة كأداء في الطريق الموصل الى اشباع الحاجات الروحية. ان شيوعيتهم تقف على طرف النقيض من الماركسية ومن المشروع الشيوعي على حد سواء.

ودعاة العدالة الاجتماعية من "الشيوعيين" يرفعون شعار "شعب سعيد". ولكن سعادة الشعب لن تتحقق من خلال معادلة اقتصادية لا تشمل الخيال والقيم والعواطف والمواقف والطموح والخوف والذكريات. وبالتالي فإن السعادة ليست على الاطلاق مجرد مسألة او حقيقة اقتصادية خالصة، او انها مقدار ما يكسبه الشخص او ينفقه. ان المعادلة الاقتصادية للسعادة هي نقيض للشيوعية وهدفها الاسمى المتمثل في اشباع الحاجات الروحية للبشر. وهنا نستشعر نحن الحاجة الى تأمل ما يعلّمنا غوته بخصوص علاقتنا بالمال (3).
يتبع
-----
المصادر ذات الصلة
1. Maslow s Hierarchy of Needs
http://www.simplypsychology.org/maslow.html
2. Krishnamurti: “It is no measure of health to be well adjusted to a profoundly sick society
http://www.wildmind.org/blogs/quote-of-the-month/krishnamurti-measure-of-health
3. How to Worry Less About Money
https://www.brainpickings.org/2013/05/13/how-to-worry-less-about-money/



#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (19)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (18)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (17)
- انفلاب 63 وسلام عادل: مازخية-سادية وفاشية!
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (16)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (15)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (14)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (13)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (12)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (11)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (10)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (9)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (8)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (7)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (6)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (5)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (4)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (3)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (2)
- ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (1)


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طلال الربيعي - ماركس ووايتهيد والميتافيزيقيا والديالكتيك (20)