النثر الفني في القرن الرابع الهجري من أروع ما كتب ... حديث عن الدكاترة زكي مبارك

شكيب كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 5417 - 2017 / 1 / 30 - 20:04
المحور: الادب والفن
    

لقد شهد النصف الأول من القرن العشرين، ظهور مجموعة من الأدباء والكتاب والباحثين، كان لهم الفضل الاوفى في ازدهار حركة الأدب العربي الحديث، بمكان لا يصدر كتاب من غير ان يتناوله النقاد والكتاب بالحديث والمدارسة، وكانت المعارك الأدبية، ما تهدأ الا لتشتعل كرة اخرى، وكانت الصحف والجرائد ميدانا لهذه المناقشات والمشاكسات، او (المباكسات) على لغة الأديب المصري الكبير وديع فلسطين، – امد الله في عمره – لكن من المؤسف ان نجد انحسار هذه المناقشات في العقود الاخيرة، مما يشير الى تراجع في متابعة المنشور، فضلا على ضيق صدر المنقود.

فقد شهدت مجلات (الرسالة) و(البلاغ) و(الأثنين) و(الأديب) اروع انواع المساجلات الادبية، وما كانت وقفا على بلد معين، بل كانت على الرغم من عدم وجود اجهزة الأتصال الحديثة والشبكة العنكبوتية تمتد ليشارك فيها ادباء بلدان اخرى، ومازالت في الذاكرة مناقشات الزهاوي مع عباس محمود العقاد، مما فصله الاستاذ عبد الرزاق الهلالي – رحمه الله – في كتابه (الزهاوي في معاركه الأدبية والفكرية) الذي اصدرته دار الرشيد للنشر التابعة لوزارة الثقافة والإعلام العراقية عام 1982، وكان من اكثر الكتاب الذين خاضوا غمار هذه المساجلات الدكتور زكي مبارك، الذي كان يحلو له ان يلقب بـ (الدكاترة)! إعتدادا بنفسه وفخرا بها، وذلك لكونه قد حصل على ثلاث شهادات للدكتوراه كانت الأولى من الجامعة المصرية عن رسالته الموسومة بـ (الأخلاق عند الغزالي) التي نوقشت يوم 15/ من مايس/ 1924 اما الثانية فأنه قد حصل عليها من جامعة باريس عن رسالته العلمية الرائعة والمهمة، والتي تمثل افضل ما كتب وعنوانها (النثر الفني في القرن الرابع الهجري) واجيزت يوم 15/ من نيسان/ 1931 بدرجة مشرف جدا، وكتبها بالفرنسية، ولدي الطبعة الاولى من هذه الرسالة التي طبعت طبعات عدة، والصادرة عن مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة عام 1352 هـ/ 1934م وقد اهداها الى استاذه الدكتور منصور فهمي، وصديقه – المسيو كومنين – وقد يوفقني تعالى للوقوف عند هذا الكتاب المهم يوما. ومن مشاكساته في هذا الكتاب انه يعد القرآن الكريم نثرا جاهليا فالسجعات احدى سماته! والدكتوراه الثالثة حصل عليها من جامعة فؤاد الاول (القاهرة فيما بعد) عام 1937 وكانت تحت عنوان (التصرف الإسلامي في الادب والاخلاق).

لقد كان من المؤمل ان يحيا الدكاترة زكي مبارك واسمه الكامل (محمد زكي عبد السلام مبارك) حياة هانئة لو انه تخلى عن بعض صراحته، التي كانت الى الجفاوة اقرب، والتي جرت عليه المصاعب والمصائب والاذى، فأدت به الى ان يخرج ولا اقول يطرد من كلية الآداب بجامعة فؤاد الاول (القاهرة) بأمر من الدكتور طه حسين بوصفه عميدا للكلية، كذلك تعرض لمضايقات القانوني الضليع الدكتور عبد الرزاق السنهوري، وزير المعارف وقتذاك. لقد ظلمه الناس، ولم يعرفوا قدر نفسه فأدى ذلك الى نكوصه وعزلته المدمرة المريرة، وقد اشتدت الأزمة به في اخريات ايامه، ودفعته الى ان يتخذ من الخمرة مداويا ومسليا.

صدور مجموعة

لقد كان الدكاترة زكي مبارك من هذه المجموعة، التي شغلت الناس وستبقى تشغلهم لسنوات اتيات من هنا نجد صدور مجموعة من الكتب والدراسات التي تناولت حياة الدكاترة زكي وادبه، وكان الشاعر معروف بن عبد الغني الرصافي قد عقد مناقشة طويلة لما جاء في كتابه النثر الفني في القرن الرابع الهجري) نشرها في ضمن فصول كتابه الفكري المهم الذي أثار ضجة واسعة عند صدوره عام 1944 وجمعت نسخه من سوق الوراقين والكتب وعنوانه (رسائل التعليقات) واراه من افضل ما كتب الرصافي فكريا، بعد كتابه (الشخصية المحمدية) الذي نشرته دار الجمل بكولونية المانية سنة 2000 وكذلك كتاب الاستاذ عبد الرزاق الهلالي (زكي مبارك في العراق) فضلا على كتاب (زكي مبارك – سيرته الأدبية والنقدية) للباحث الكبير الاستاذ الدكتور نعمة رحيم كريم العزاوي، وكتاب للباحث المصري انور الجندي عنوانه (زكي مبارك) وكتاب استاذي الدكتور احمد مطلوب الصادر سنة 2001 المعنون بـ (عاشق بغداد) وهناك كتاب آخر عنوانه (صفحات مجهولة من حياة الدكتور زكي مبارك) لمؤلفه الكاتب المصري محمد محمود رضوان والذي يقع في مئة وست وسبعين صفحة تتناول فيها مختلف جوانب حياته لكن رأيت الاستطراد يميز الكتاب هذا، فهو لا يعدو كونه عرضا لحياة المترجم له وادبه. اما المنهج النفسي الذي ذكر المؤلف انه قد سار على هديه في دراسة ادب الدكتور زكي مبارك، فلم تجد انه قد اعلن نفسه بصورة واضحة، واين هي من دراسة عباس محمود العقاد لابن الرومي، او دراسات الدكتور محمد النويهي لشخصية بشار بن برد او ابي نواس، وكذلك دراسة استاذي الدكتور علي احمد الزبيدي لابي نواس كذلك؟

الكتاب الذي الفه الاستاذ محمد محمود رضوان، مفيد للقارئ الذي يود التعرف على ما جريات الامور، ولاسيما الثقافية في النصف الأول من القرن العشرين، واضعين في الحسبان، ان المؤلف أقتبس اقتباسات مطولة من ما كانت تنشره الجرائد والمجلات انذاك، لهذه الكوكبة من الأدباء، فضلا على تسجيله لمعارك زكي مبارك الثقافية مع ادباء وكتاب تلك السنوات امثال الدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد وابراهيم عبد القادر المازني وسلامة موسى وغيرهم. بقدر ما كانت حياته مأساوية، جاءت ميتته لتمثل ذروة المأساة، وقد اجمع الناس على ان سبب مأساته هي سلاطة لسانه، وقوله الحقيقة عارية من غير مواربة او تغطية مما ادى من ثم الى وقوعه اسير مشاكل جرتها عليه صراحته هذه، او كما وصفه الكاتب المصري الكبير وديع فلسطين بـ (اكبر كاتب مشاكس (…) ولو اختصرت حياته لقلت: انه اكبر اديب مشاكس عرفه العصر الحديث، فلا اظن ان هناك اديبا عاش في معارك متصلة ومباكسات لا تنتهي كزكي مبارك (…) ولو ان الحياة انصفت زكي مبارك ووضعته حيث كان ينبغي ان يوضع لأنصرف الى إعداد كتب جليلة اخرى من طراز (النثر الفني) و(التصوف الاسلامي) و(الشريف الرضي) تراجع مقالة (حديث مستطرد عن زكي مبارك) للأستاذ وديع فلسطين. مجلة (الاديب) اللبنانية عدد يونيو/ حزيران 1975 . اقول: جاءت ميتته مأساوية ايضا، فهو في غمرة المشاكل التي سحقته اخريات ايامه لجأ الى الشراب ليقتل سأمه، واذا انفض مجلس الشراب مساء الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني من سنة 1952، هم بعبور الشارع، واذا بسيارة مسرعة تباغته، ما ان تخلص منها وهو الذي كان منتشيا وقد تعتعه السكر حتى سقط على ام رأسه فأصيب بشج في جمجمته وارتجاج في مخه.. (فمات بمخه الذي عذبه طويلا، وعذب كذلك جميع معاصريه!).

#شكيب_كاظم (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل