أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الحكمة الصوفية في رواية -قواعد العشق الأربعون- إليف شافاق















المزيد.....


الحكمة الصوفية في رواية -قواعد العشق الأربعون- إليف شافاق


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5417 - 2017 / 1 / 30 - 09:56
المحور: الادب والفن
    


الحكمة الصوفية في رواية
"قواعد العشق الأربعون"
إليف شافاق
يميل بعض الكتاب نحو التوغل في التاريخ، لكنهم يقوموا بصياغته بلغتهم هم، بطريقتهم الخاصة، وهنا يكون النص التاريخي قد تحول من تاريخ قديم وماضي إلى فعل معاصر وحتى آني، بهذا يكون الكاتب قد ابدع مرتين، مرة عندما قدم فكرة/معلومة/حدث قديم لم نكن لنلقي له بال، إلى حدث يأخذ حيز من اهتمامنا وتفكيرنا، ومرة عندما عرفنا وامتعنا بلغته وبطريقة كتابته لهذا الحدث.
كاتبة تركية "إليف شافاق" تقدم لنا حقيقة الفكر الصوفي من خلال رواية، هذا الفكر الذي كان في زمانه يشكل حالة تمرد/ثورة/رفض للواقع السياسية والاجتماعي والاقتصادي، وليس مجرد طقوس وحركات رقص أو هز رؤوس كما يصوره البعض لنا، فالفكر الصوفي هو ثورة وتمرد على ما هو كائن، على الفساد الحاصل، على الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، وهو دعوة لنا لكي نحرر جسدنا وفكرنا من كل ما يعيقنا من التقدم نحو الحقيقة، من انفسنا، من الطبيعة، من الله، فالصوفية هي الانسجام بين الأنا والحقيقية، هي ذروة الصدق بين الأنا والآخرين، والتماثل والقاء بين القول والفعل، والتوحد بين الإيمان والسلوك، كما أنها تمثل التحرر من كل قيد، حتى قيد الشريعة تكسره الصوفية عندما يكون حائلا بيننا وبين الله، وهذا من أهم الأفكار التي يحملها الصوفي.
ما يميز هذه الرواية أنها تتحدث عن الصوفية بشكل دقيق جدا، تقدم لنا العديد من القصص التي تدعم وتوضح الفكرة التي يريد طرحها، وهذا يؤكد تمكن الكاتبة من موضوع روايتها، من هنا نجد العديد من الحكم والمأثورات لصوفية، فوجود اكثر من أربعين حكمة في الرواية يجعلها رواية صوفية بامتياز وبثوب عصري.
ومن جماليتها وجود حديثين متباعدين زمنيا لكنهما متوازيين روائيا، كلا منهما يتحدث عن الفكرة الصوفية، وما يضاف إلى هذه الجمالية تركيز الكاتبة على ضرورة وحيوية التعدد والتنوع الفكري والمذهبي والديني والقومي في الرواية، فالرواية توحدنا إنسانيا للقاء الحقيقية، حقيقة أنفسنا، حقيقة الله، وكأنها كتبت لترد على من يقول بوجوب وحتمية التوحد حول فكرة واحدة، وأو دين واحد، أو قومية واحدة أو شخص واحد، فالرواية تدعوا إلى التعدد والتنوع لأنه منسجم مع الطبيعة المتنوعة والمتعددة التي خلقها ألله.
حضور المرأة وحيويتها ودورها الفاعل في الراوية يقدمنا كشرقيين إلى فضاء جديد لننهي كل افكرنا السلبية عنها، فهي تشكل حالة التوزان في الحياة، من هنا نجد "وردة الصحراء" بتمردها على صاحبة المبغى تتوازى مع تمرد "الرومي" على مركزه الاجتماعي والاقتصادي والديني.
الحكمة
كما قلنا اهم ميزات هذه الراوية كمية ونوعية الحكم التي تقدمها لنا، فمن خلال من تحمله من أفكار نستطيع تحديد ماهيتها، فالرواية تهتم بالجوانب الاخلاقية تحديدا، وتعطيها أكبر مقدار من المساحة، ولهذا نجد كم كبير جدا من هذه الحكم متعلق بالأخلاق، أو بالأفكار التي تنعكس على السوك.
"عندما يذكر المرء الله بسوء، فإنه يسيء التكام عن نفسه" ص47، فهذا الحكمة متعلقة بالألفاظ قبل أن تكون متعلقة بالمضمون، بمعنى أن الإنسان الذي يستخدم الفاظ سيئة بالضرورة أن تحمل هذه الالفاظ شيئا من طريقة تفكره/رؤيته للحياة، للأشياء، للأحداث، لهذا تم الربط بين ذكر الله بالسوء مع سوء نفس الذاكر.
"أبتي... فلست طيرا داجنا كتب عليه أن يمضي حياته في خم للدجاج، فالماء الذي يخيفك، يبث الحياة في، لأني لست مثلك، فأنا أعرف السباحة، لذلك سأسبح، إن المحيط هو موطني، فإذا كنت معي، تعال إلى المحيد، وإذا لم تأتي، فكف عن التدخل في حياتي، وعد إلى خم الدجاج" ص59و60، نظرة الابناء إلى الحياة، إلى المستقبل، والتباين بين رؤيتهم ورؤية الاباء، كما نجد اصرار الابناء على التغيير والخروج على المألوف، والبحث عما هو جديد، ومخالف العادة، لما هو قناعة راسخة عند الابناء، وعند المجتمع.
وإذا تأملنا باللغة التي استخدمها "شمس التبريزي" مع اباه سنجدها لغة تحمل شيء من القسوة، وكأنها ثورة/تمرد على كل ما يحمله الأب/المجتمع، ولهذا نجده يقول في نهاية كلامه: "وعد إلى خم الدجاج" وهذا اللفظ يؤكد على الثورة والخروج على ما هو عادي عند "التبريزي".
"إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب، لا من الرأس، فجعل قلبك، لا عقلك، دليك الرئيسي، واجه، تحد، وتغلب في نهاية المطاف على "النفس" بقلبك، إن معرفتك بنفسك ستقودك إلى معرفة الله" ص62، القلب هنا هو العنصر الأهم في الإنسان، في تحديد أين نتجه، وكيف نعمل، وتركيز القول على ضرورة الانتصار على النفس، على أهواء النفس يجعلنا أقرب ما نكون إلى الله، إلى ما يريده منا الله، وبعد أن نتغلب على اهواءنا وميول النفس نحو الشهوات والرغبات يمكننا أن نتعرف، نتقرب مع الله.
"عندما أشعر بأنني يجب أن أقول شيئا، فسأقوله حتى لو مسكني العالم كله من رقبتي وطلب مني أن اسكت" ص75، تأكيد على مبدأ الثورة التي يؤمن بها "التبريزي" فهو يرفض أن يصمت أو أن يقمع ذاته، لأن هذا يعني توقف الأفكار الثورية، الأفكار المتمردة التي يدعوا ويعمل بها.
"لا يوجد جمال على وجه الأرض يدوم إلى الأبد" ص75، المقصود من هذا القول التأمل في الحياة والطبيعة، فليس هناك ما هو دائم، كل يوم/شهر/سنة تحدث تغييرات وتبديلات على الإنسان أو على النباتات.

"لا تحكم على الطريقة التي يتواصل بها الناس مع الله، فلكل امرئ طريقته وصلاته الخاصة، إن الله لا يأخذ بكلماتنا، بل ينظر في أعماق قولبنا، وليست المناسك أو الطقوس هي التي تجعلنا مؤمنين، بل إن كانت قلوبنا صافية أم لا" ص79، طرح يقربنا بشكل حقيقي من الله، فالله لا تخفى عليه خافية، ويعلم ما نسر وما نعلن، من هنا هو لا يهتم بالشكليات كحال البعض منا، بل بالجوهر/بالمضمون والذي يعبر عنه القلب بل وضوح.
"لا تأخذ الكلمات بمعناها الظاهري مطلقا، وعندما تلج دائرة الحب، تكون اللغة التي نعرفها قد عفى عليها الزمن، فالشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بالكلمات، لا يمكن إدراكه إلا بالصمت" ص101، تأكيد على أن الله يعرف ما في قلوبنا، من نحمله في داخلنا، ما نحتاجه منه، دون أن نطلبه باللسان، وتأكيد على أن التقرب إلى الله لا يكون بالنطق وحسب بل أيضا من خلال تأملنا فيما خلق الله، وهنا يكون التأمل/الصمت أبلغ وأعمق من الكلام.
"فالصوفي لا يحمد الله على ما منحه إياه فحسب، بل يحمده أيضا على ما حرمه منه" ص112، تأكيد وتماثل مع مفهوم الإسلام على ضرورة الحمد في لسراء والضراء.
"لا يعني الصبر أن تتحمل المصاعب سلبا، بل يعني أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية التي ستتمخض عن أي عملية" ص113، أهم ما في هذا الطرح الحث على التأمل/التفكير المستقبلي لنتيجة الصبر/الجلد الذي نبديه وقت المصائب والشدة.
"إن القذارة تقبع في الداخل، لا في الخارج" ص162، المصدر الرئيسي للخير والشر يكمن في داخلنا، وليس فيما نظهره قولا أو عملا.
"لو كانت جنة الله مخصصة لأمثالك لفضلت أن أحترق في نار جهنم" ص205، تأكيد على أن المظاهر/الاعمال/الاقوال ليست بذات قيمة عندما تكون قلوبنا/دوافعنا غير منسجمه مع أفعالنا/أقوالنا.
"ولكي تبقى على قيد الحياة يجب أن تقاتل" ص275، واقع الحياة من منظور الناس العاديين، غير العارفين بحقيقة الله.
"فعندما نكون محاطين بأعداء متوحشين من كل جانب، فكيف يمكننا أن نكون مسالمين؟" ص277، أيضا كلام/مفهوم الناس العاديين الذي يتعاملون مع الحياة كما هي، دون أن يدخلوا إلى عمقها، إلى المراد منها.
"توجد في داخل كل رجل درجة من الأنوثة" ص290، تكسير لمفهوم الذكور عند الشرقي، الذي لا يعرف إلا القسوة والعنف، ولا يعرف العاطفة/البكاء/الحنين.
"بهجة إنسان واحد تجعلنا جميعا نبتسم" ص304، ضرورة الاهتمام بسعادة الآخرين، ففرحهم فرحنا، وتعاستهم تعاستنا.
"فكل ما تقوله، سواء أكان جيدا أم سيئا، سيعود إليك على نحو ما" ص308، عندما نمارس إنسانيتنا تجعلنا أفضل وأجمل، لكن عندما نمارس وحشيتنا نكون أقبح وأوحش.
"إن الصمت الذي يعقب كارثة هائلة، هو أشد الأصوات التي يمكننا سماعها هدوءا على سطح البسيطة" ص319، الصمت، ما نحمله في القلب، أشد وأعمق وأصدق وأبلغ مما نظهره، كما أن هذا الصمت هو بحد ذاته فهل يعبر بصدق عما علق بنا من هول.
"إني أشفق على ثلاثة أنواع من الناس: الغني الذي فقد ثروته، والمحترم الذي فقد احترامه، والحكيم الذي يحيط به الجهلاء" ص330، ليس هناك أجمل من هذا الفعل الإنساني، كيف نعامل من يفقد شيء تربى عليه، وهذا يتوافق تماما مع الحديث النبوي: "أرحموا عزيز قوما ذل".
"إن الإيمان والحب يجعلان البشر أبطالا، لأنهما يزيلان الخوف والقلق من قلوبهم" ص337، حكمة لا يختلف علها اثنان، فالإيمان والحب يجعلنا نعمل المستحيل وننجح فيه، مهما كانت الموارد/الموجودات/الامكانيات متواضعة.
"ففي بعض الأحيان، يجب أن تحطم كل ارتباطاتك حتى تفوز بنفسك" ص 348و349، ليس هناك علاقة إنسانية مطلقة، بل علاقة نسبية، حتى مع أقرب الناس علينا وإلينا.
"إن المبادئ والقيود الدينية مهمة، لكنها يجب إلا تتحول إلى محرمات" ص356، المضمون أهم بكثير من الشكل، مضمون الفعل يبقى المعيار الذي نقيس به ايجابية أو سلبية فعلنا، حتى ما هو متعلق بالمحرمات.
"ليكون الله وحده دليلك، أحرص على إلا تصنع من الحقائق التي تتكون لديك أوثانا" ص357، من اعمق الافكار التي تدعونا لكي نبقى يقظين من تضخيم ما نصل إليه، فالله وحدة هو المطلق فقط، وما دونه يبقى نسبي.
"لكن اللقاءات السيئة ليست حتمية فقط في بعض الاحيان بل ضرورية" ص367، العلاقة الإنسانية توجب علينا أن نتعامل مع الآخرين، حتى لو أظهروا أنهم غير مناسبين لنا، فهناك أمور مخفية عنا وعلينا أن نجدها فيهم ومن خلالهم.
"رجل لديه الكثير من الآراء ولكن ليس لديه أسئلة! ثمة خطأ في ذلك" ص368، الإنسان الجيد/المثقف/الناضج يطرح أسئلة أكثر من الأجوبة.
"إن المرء الذي يعتقد بأن لديه جميع الأجوبة هو أكثر الناس جهلا" ص369، تأكيد على أن من يدعي أنه عارف بكل شيء هو في الحقيقة جاهل، فليس هناك معرفة مطلقة عند أيا كان، سوى عند الله فقط.
"الذي يتذمر من الآخرين في معظم الاحيان يكون مخطئا هو نفسه" ص373، دعوة لتقبلنا لمن هم مناقضين/مخالفين لنا، وعدم عزلهم/تكفيرهم.
"فلكي نستخرج الحرير، يجب أن تموت دودة القز" ص 401، العلاقة الجدلية بين الموت والحياة، فالكل موت ضرورة لوجود حياة جديدة، ولكل حياة جديدة موت ضروري لوجودها.
"ليست الأشياء المتشابهة أو المنتظمة، بل المتناقضات الصارخة، هي ما تجعلنا نتقدم خطوة إلى الأمام" ص444، فكرة جود محفز/دافع يجعلنا مبدعين، بينما الرتابة والتماثل يجعلنا ساكنين غير فاعلين.
"لماذا علينا أن نحارب كل شيء" ص466، دعوة للمسالمة وعدم التدخل في الطبيعة، في تعددها في تنوعها، وهذا الأمر ينطبق على التنوع والتعدد عن الناس أيضا.
"فعندما تكسر إحدى الجرتين، فإن الجرة الأخرى تنكسر أيضا" ص485، قول قيل للأحول بصرا وبصيرة الذي لا يفرق بين الأشياء الواحدة، الموحدة.
"فكل منتصر ينحو للاعتقاد بأنه سيكون منتصر إلى الأبد، وكل مهزوم يميل إلى الاعتقاد بأنه سيكون مهزوما إلى الأبد" ص491، الأشياء ليست بظواهرها، بل بما هو كائن داخلها، فليس هناك ما هو دائم.
التنوع والتعدد
الراوية تدعو إلى التعدد والتنوع لفظا/قولا، وتقدم لنا مشاهد تؤكد على هذا الأمر، على ضرورة أن نكون مختلفين، ومتنوعين، في كل شيء، فالتنوع الفكري/الديني يعد أحد ضرورات هذا المجتمعات الإنسانية، "فإن أول شيء أفعله هو أن ألتقي بركة الأولياء الصالحين، سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا، لأنني أومن بأن الأولياء الصالحين يترفعون عن هذه الفروقات الأسمية التافهة، وهم ينتمون إلى سائر البشرية" ص147، فهنا مسألة التقوى والإيمان والتميز غير متعلقة بجهة محددة دينيا، بل تطال الجميع إن كانوا مخلصين لأفكارهم/لمعتقدهم الإيماني، فالله للكل وليس لطرف بعينه، لكل المؤمنين به، العارفين به.
تحدثنا الراوية على لسان بطلها "التبريزي" فيقول عن المجتمع العربي الإسلامي الذي عاش فيه: "فقد كنت أعرف أطفالا مسيحيين سموا بأسماء إسلامية، وأطفالا مسلمين ترضعهم أمهات مسيحيات، إن عالم سلس يتدفق فيه كل شيء ويمتزج" ص264، تأتي أهمية هذا المشهد في وقت ينشر فيه الفكر الداعي لشطب/محو/إزالة الآخرين فإذا كان المجتمع العربي الإسلامي منسجم قبل ما يقارب الألف عام، فما بال البعض يدعوا/يطالب/يعمل على إحداث خلل في هذا المشهد، وجعل لكل يخضع لأفكار معينة؟.
يخلص لنا "التبريزي" موقفه من تحديد ملته/دينه بهذا القول: "لست مسيحا ولا يهوديا، ولا مسلما، لست بوذيا ولا هندوسيا، ولا صوفيا ولا من أتباع زن، لا اتبع أي دين أو نظام ثقافي، لست من الشرق، ولا من الغرب.
إن مكاني هو اللامكان، أثر اللآأثر" ص270، عدم تحديد الدين الذي ينتمي له التبريزي يؤكد شمول دعوته وإنسانيتها، فهي تشمل كافة الناس ما داموا متأخين، فالإنسانية صفة جامعة وموحدة لكن الناس، بهذا لنظر الإنسانية يدعونا "التبريزي".


الشكل والمضمون
من أهم سمات الفكر الصوفي اهتمامه بالمضمون واهماله الشكل، فغايته القلب/اللب/الداخل/الجوهر وليس الخارج/المظهر/الشكل من هنا أول عمل قام به "التبريزي" مع "جلال الدين الرومي" تجريده من الشكل/الهيبة/المكانة/العظمة ومن ثم أستطاع أن يدخل إلى قلب الله، أن يصل إلى ذروة التوحد مع الأنا، ولهذا عندما يطلب التبريزي من رجل الدين صاحب الهيبة والمكانة أن يذهب إلى الحانة ليمكث فيها بعض الوقت ثم يشتري خمرة، وضح له التبريزي الفرق بين الشكل والمضمون بهذه القاعدة لصوفية: "عندما يدخل عاشق حقيقي لله إلى حانة، فإنها تصبح غرفة صلاته، لكن عندما يدخل شارب الخمر إلى الغرفة نفسها، فإنها تصبح خمارته، ففي كل شيء نفعله، قلوبنا هي المهمة، لا مظاهرنا الخارجية، فالصوفيون لا يحكمون على الآخرين من مظهرهم أو من هم، وعندما يحدق صوفي في شخص ما، فإنه يغمض عينيه ويفتح عينا ثالثة، العين التي ترى الالم الداخلي" ص209، ما احوجنا اليوم إلى مثل هذه الافكار، حيث اصبحت العبادة/الشكل/المظهر الأهم في حياتنا، ولم نعد نلقي بالا إلا للشكل، فهذا له لحية كبيرة، وذاك يلبش على السنة، وهذا ذهب إلى الحج، وهو يؤم المساجد في اوقات الصلاة، لكن لا احد يهتم بالجوهر/بالداخل، تعلقنا بالشكل وأهملنا المضمون، تعلقنا بالمظهر وتركنا اللب، فأصبحنا في مهب الريح، تأخذنا اهواءنا حيثما تريد ولسنا قادرين على السيطرة عليها، فنحن سفينة تائهة في عاصفة هوجاء، في محيط عظيم، وليس لنا/معنا ادوات تساعدنا على الخروج مما نحن فيه.



المسيح والمسيحية
لم يقتصر التنوع والتعدد على ما ذكر سابقا، فهنا طروحات تتماثل وتتلاقى تماما مع طرح المسيح وما جاء به الانجيل، وهذا يعد تأكيدا على ضرورة وحيوية التعدد في الفكر الصوفي، فهو فكر شامل/جامع/موحد لكل الأطياف الدينية دون استثناء، "فإن أول شيء أفعله هو أن أتلقى بركة الأولياء الصالحيين، سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا، لأنني أومن بأن الأولياء الصالحين يترفعون عن هذه الفوارق الأسمية التافهة، وهم ينتمون إلى سائر البشرية" ص147، هناك قاعدة تقول من يستوعب الآخرين هو الأكبر والأشمل، ومن يضيق بهم هو الأصغر والمحدود، من هنا كان الفكر الصوفي يستوعب الآخرين بصرف النظر عن معتقدهم الديني، فما دام الله هو الهدف، هو البوصلة التي يسترشدون بها فهي بوصلة صحيحة وهم يسيرون على الطريق الصحيح.

"فقد كنت أعرف أطفالا مسيحيين سمو بأسماء إسلامية، وأطفالا مسلمين ترضعهم أمهات مسيحيات، إن عالمنا سلس يتدفق فيه كل شيء ويمتزج، وإن كانت توجد حدود بين المسيحية والإسلام...فإن المسيحيين العاديين والمسلمين العاديين يشتركون في أمور أكثر مما يشترك رجال دينهم." ص264، كأنما التبريزي يخاطبنا الآن، في هذا الوقت، في هذا العصر الذي انتشرت فيه أفكار القتل والتكفير والتحريم، فالفكر الحي، الإنساني يبقى حيا وفاعليا وحيويا حتى لو مضى عليه مئات الأعوام.

بعد هذه المقدمات تنقلنا الصوفية إلى مرحلة أخرى، بعيدا عن هذا التنوع والتعدد، بحيث تضمحل كل هذه التسميات ويتوحد الإنسان مع الإنسان بحيث لا يعود هناك أي فروقات مذهبية، فالله يوحد الكل ويجمع الكل ويصهر الكل، "..فعندما تحب الله، وعندما تحب كل مخلوقاته من أجله، وبفضله، تذويب جميع الانقسامات وتختفي، من هنا، لا يعود هناك شيء يدعى "أنا" وكل ما تبلغه هو صفر كبير يغطي كيانك كله.
..لست مسيحيا ولا يهوديا ولا مسلما، لست بوذيا ولا هندوسيا، ولا صوفيا ولا من أتباع زن، لا أتبع أي دين أون نظام ثقافي، لست من الشرق، ولا من الغرب.

إن مكاني هو اللامكان، أثر اللاأثر" ص270. اعتقد بأن هذا الطرح الإنساني قادر على صهر الكل في الكل، فيس هناك فكر يستطيع أن يوحد الناس كمثل هذا الطرح، طرح يستوعب الكل ويجمعهم على طريق واحد، طريق الله، وحب الله.
الله

الله هو الغاية، الهدف الذي يسعى له الإنسان، فهو المرشد والهدف والطريق، هو الخير والحب الذي يسعى له وبه الإنسان نحو الخلاص، للصوفي رؤية خاصة عن الله، فالله عندهم ليس بشيء محدود، لا يتصف بالأوصاف البشرية، ولا يمكن أن يكون هناك شبه بينه وبين الأفعال البشرية، يقول الله عن ذاته: "ما وسعني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن.
إني أشفق على الأحمق الذي يظن أن حدود عقله البشري هي حدود الله عز وجل، إني أشفق على الجاهل الذي يعتقد بأنه يستطيع أن يساوم الله ويساوي حساباته وديونه معه، هل يظن هؤلاء الله بقالا يزن حسنات وسيئاتنا في ميزانين منفصلين؟ هل يظنون أنه يسجل ذنوبنا في دفتر حساباته بدقة حتى نسدد له ما علينا ذات يوم؟
إن إلهي ليس بقالا ولا محاسبا، بل إنه إله عظيم، إله حي! فلماذا أريد إلها ميتا؟ إنه حي، اسمه الحي، القيوم، لماذا اتخبط في مخاوف أبدية وقلق لا ينتهي" ص266 و267، بهذا الرؤية عن الله يستطيع أي كان أن يجد ويحب ويتعامل مع الله، فالله منفتح على عباده وأبوابه مفتوحة ورحبة تتسع لكل، فما علينا إلا التقرب منه لندخل في رحمته.
كما أن الله لا يعاملنا كما يعاملنا التاجر أو المحاسب، فهو واسع الرحمة ويعفو عنا، فلسنا أمام حاكم صارم يحاسبنا على كل صغيرة وكبيرة، بل أمام الله، الذي لا يمكن أن نقارنه بأي شيء، فهو مطلق الرحمة والعفو والمحبة، لماذا نجعل منه "غول إذن؟.
كما أن الصوفي يجد جنة الله والجحيم بطريقة مغايرة لما نراه نحن، "إن الصوفيين يحبون الله، لا خوفا من العقاب في نار جهنم، ولا رغبة في الثواب والمكافأة في الجنة، بل يحبون الله لمجرد محبته الخالصة، محبة نقية وسهلة، غير ملوثة، خالية من أي مصلحة" ص269، هذا الكلام جاء بعد حديث التبريزي عن يوم القيامة والجحيم والجنة، وعن دوافع الناس لعمل الخير وتجنب الشر، فالصوفي يترفع عن هذا المقياس ويجعل عمله ناتج/نابع عن حبه لله فقط، فالله لوحده يكفي المؤمن، أن أحب المؤمن لله سيجعله يعمل بدوافع هذا الحب كل ما يرضي لله ويبتعد عن كل ما يغضب الله، فهل هناك حب أعظم من هذا الحب؟.
رقصة الصوفي "سما"
الصوفي يقوم برقصة تتمثل بالدوران حول النفس، يد يرفها للسماء وأخرى تشير إلى الأرض، فما هي الغاية من هذه الرقصة، وإلى ماذا ترمز؟ يجيبنا جلال الدين الرومي قائلا: "تدعي هذه الرقصة سما، أي رقصة الدراويش، ومن الآن فصاعدا، سيرفعها الدراويش في جميع الأزمنة، يد متجهة إلى السماء، واليد الأخرى متجهة إلى الأسفل نحو الأرض، فكل نقطة حب ننالها من الله، نتعهد بتوزيعها على الناس جميعا" ص389، إذن الغاية منها نثر الحب على الناس وتوزيع الخير والجمال الذي نناله من الله على كافة الناس، مهما اختلفنا معهم، فمثل هذا العطاء يتماثل مع العطاء الإلهي الذي لا يفرق بين مؤمن وكافر. الله يرزق ويعطي كافة مخلوقاته، وهذا أيضا يحاول الصوفي أن يقوم به.
الجنس
الراوية "إليف شافاق" تسرد لنا حدثين في الرواية، واحد عن جلال الدين الرومي وشمس التبريزي، وآخر عن "عزيز وإيلا" شمس التبريزي يتزوج "كيميا" ويختلها بها لكنه لا يرضى/يقبل أن يمارس علاقة الزوج مع عروسه، حتى بعد أن تجملت وجاءته بشكل مغري ومثير، وأيضا نجد "عزيز" الذي يختلي ب "إيلا" في الفندق لا يقبل/يرضى أن يمارس الجنس، كما نجد موت عزيز ومقتل التبريزي في نهاية الرواية.
الرواية تقدم فكرة روحية خالصة، لا مجال للشك بها، فحب الله يجعل الإنسان يترفع عن فعل الجنس، حتى لو كان مباح، فالصوفي يترفع عن هذا الفعل حيث نظر/كرس/وهب ذاته لله فقط.
الرواية من منشورات طوى للثقافة والنشر والإلام، لندن، الطبعة الأولى 2012.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأنيث في مسرحية -عالم ذكور- عفيف شليوط
- الأنثى في كتاب -الشاعرة والمعاناة- هاني أبو غضيب
- فرح الشاعر
- الشعر والمرأة والغضب في ديوان -الصافنات الجياع- محمد العموش
- العهد التركي في رواية -نابلس جمر تحت الرماد- هاني أبوغضيب
- صوت المرأة في ديوان - أنثى المطر الأول- وفاء عياشي بقاعي ال ...
- أنا الأسود وهم الأبيض في قصيدة -مسخ لغوي-
- أثر الواقع على الكتابة مالك البطلي
- التماثل بين اللفظ والفكرة في -ذات مساء- -محمد لينسي-
- الفاتحة في سردية -أيلول الاسود- شريف سمحان
- المخاطب في ديوان -غفوة في المهب- منصور الريكان
- ونحن والاحتلال في رواية -كافر سبت- عارف الحسيني
- الحب في -أنغام حب- أحمد محمد الدن
- المرأة وأثرها على الشاعر في -هذه الليلة- أياد شماسنه
- التغريب والياس في قصيدة -يا صاحبي السجن- مفلح أسعد
- كتاب -رواية السجن الفلسطينية-
- الإنسان في رواية -وجوه في درب الآلام- مشهور البطران
- سخافات رجال الدين
- البطل لمطلق في رواية -الأسير 1578- هيثم جابر
- التعذيب في رواية -المسكوبية- أسامية العيسة


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الحكمة الصوفية في رواية -قواعد العشق الأربعون- إليف شافاق