أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - الثورة القوميّة الديمقراطية أم الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية ؟ – النقطة 3 من الفصل الرابع من كتاب - نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعية















المزيد.....



الثورة القوميّة الديمقراطية أم الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية ؟ – النقطة 3 من الفصل الرابع من كتاب - نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعية


ناظم الماوي

الحوار المتمدن-العدد: 5416 - 2017 / 1 / 29 - 00:09
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الثورة القوميّة الديمقراطية أم الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية ؟ – النقطة 3 من الفصل الرابع من كتاب - نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعية

لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
( عدد 30 - 31 / ماي- جوان 2016 )

" هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".

( كارل ماركس : " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).

====================================

" قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "
( لينين – مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة )
---------------------------
" يستعاض عن الديالكتيك بالمذهب الإختياري [ الإنتقائية ]، و هذا التصرّف حيال الماركسية هو الظاهرة المألوفة للغاية و الأوسع إنتشارا فى الأدب الإشتراكي – الديمقراطي [ الشيوعي ] الرسمي فى أيّامنا . و هذه الإستعاضة طبعا ليست ببدعة مستحدثة ... إنّ إظهار الإختيارية بمظهر الديالكتيك فى حالة تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية ، يخدع الجماهير بأسهل شكل ، يرضيها فى الظاهر ، إذ يبدو و كأنّه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحى العملية ، جميع إتجاهات التطوّر ، جميع المؤثّرات المتضادة إلخ ، و لكنّه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة و ثوريّة عن عمليّة تطوّر المجتمع ."
( لينين ، " الدولة و الثورة " ص 22-23 ، دار التقدّم ، موسكو )
---------------------------------
" أمّا الإشتراكي ، البروليتاري الثوري ، الأممي ، فإنّه يحاكم على نحو آخر : ... فليس من وجهة نظر بلاد"ي" يتعين علي أن أحاكم ( إذ أنّ هذه المحاكمة تغدو أشبه بمحاكمة رجل بليد و حقير ، محاكمة قومي تافه ضيق الأفق، لا يدرك أنّه لعبة فى أيدى البرجوازية الإمبريالية ) ، بل من وجهة نظر إشتراكي أنا فى تحضير الثورة البروليتارية العالمية، فى الدعاية لها ، فى تقريبها . هذه هي الروح الأممية ، هذا هو الواجب الأممي ، واجب العامل الثوري ، واجب الإشتراكي [ إقرأوا الشيوعي ] الحقيقي ."
( لينين " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي" ، دار التقدّم موسكو، الصفحة 68-69 ).
-------------------------------
" إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدم ، و لا بدّ أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم . فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا ، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي . "

( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية "
12 مارس/ أذار 1957 " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22 )

-------------------------------------

إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي-اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ السواء.

( ماو تسى تونغ " قضايا الحرب و الإستراتيجية " نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني)



كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005).
مقدّمة :
ما من شكّ فى انّ سلامة كيلة صار منذ سنوات قامة من أهمّ قامات " اليسار الماركسي " وقد لمع نجمه حتّى أكثر فى المدّة الأخيرة ليغدو إلى حدود من الوجوه الإعلاميّة البارزة فى الحوارات و المداخلات على الفضائيّات سواء عربيّا أم عالميّا ، هذا فضلا عن كونه ينشر المقالات فى صحف و مواقع أنترنت لها باعها و صيتها و يلقى المحاضرات فى عدد لا يحصى من المنابر الفكريّة و الثقافيّة .
و قد تابعنا كتاباته لفترة طويلة الآن و إن بشكل متقطّع أحيانا ، لا سيما على موقع الحوار المتمدّن ، و كنّا من حين لآخر نشعر بالحاجة إلى نقاش مضامين مقالاته و كتبه و نهمّ بالقيام بذلك إلاّ أنّنا فى كلّ مرّة نكبح هذا الإندفاع لسببين إثنين متداخلين أوّلهما أنّنا لم نكن على إطّلاع كافى شامل و عميق بأطروحات هذا المفكّر و خشينا أن نسقط فى مطبّات و نفقد خيط الحقيقة التى عنها نبحث على الدوام أو أن لا نفيه حقّه و ثانيهما أنّ الرجل غزير الإنتاج و له عدد لا بأس به من الكتب و الحوارات و المقالات ما يقتضى دراسة أو دراسات معمّقة للإحاطة بها و الإلمام بمضامينها و من ثمّة ضرورة تخصيص حيّز زمني قد يمتدّ لأسابيع و أشهر للقيام بذلك و نحن لم نكن نملك مثل هذه الفسحة الزمنيّة . لذلك كان مشروع النقاش الجزئيّ أو الأشمل يتأجّل المرّة تلو المرّة ، دون أن نكفّ عن متابعة ما يؤلّفه سلامة كيلة و أن نسجّل ملاحظات عدنا إليها فى الوقت المناسب .
و عندما حان وقت العمل على نقاش أطروحات هذا المفكّر إنكببنا على النهوض بالمهمّة بحماس و بنوع من التهيّب فى البداية و دام الإشتغال على هذا النقاش أشهرا – تخلّلتها تقطّعات – و كنّا و نحن نتوغّل فى هذا الحقل نزداد يقينا بأنّ ما ننجزه ضرورة أكيدة ذلك أنّنا نحمل و ندافع و ننشر و نطوّر مشروع الإطار النظري الجديد للثورة البروليتارية العالمية أي الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الروح الثوريّة الماركسية – اللينينية – الماوية المطوّرة و المركّزة على أسس علميّة أرسخ ، شيوعيّة اليوم ، و هذا المشروع يتعارض موضوعيّا مع مشروع سلامة كيلة لتجديد الماركسية و لم يكن من الوارد و المحتمل وحسب بل من الأكيد ، فى تقديرنا ، آجلا أم عاجلا ، أن يتواجه هذان المشروعان ( و غيرها من المشاريع ) فى إطار نقاشات و حتّى جدالات و صدامات فكريّة ليس بوسعنا توقّع مدى حدّتها الآن فالرهان ليس أقلّ من مستقبل الحركة الشيوعية العربيّة فى إرتباط عضوي بمستقبل الحركة الشيوعية العالمية .
و قد أنف لنا أن خضنا الصراع مع تيّارات متباينة تدّعى الشيوعية فى مقالات و كتب نشرناها على موقع الحوار المتمدّن و بمكتبته و قد شملت البلشفيّة الجديدة و الخطوط الإيديولوجية و السياسيّة لعدّة أحزاب كحزب الوطنيّين الديمقراطيين الموحدّ و الحزب الوطني الإشتراكي الثوري و حزب الكادحين الوطني الديمقراطي و حزب العمّال التونسي ، كما ساهمنا فى دفع صراع الخطّين صلب الحركة الماويّة العالمية و العربيّة بمقالات و كتب نقدت رؤية آجيث لعلم الشيوعية و تعرّضت بالنقد لخطوط مجموعات ماويّة سقطت فى مستنقعات القوميّة و الديمقراطيّة البرجوازيّة و الدغمائيّة . و تصدّينا لتشويه الماويّة و روحها الشيوعية الثوريّة على يد فؤاد النمرى و عرّينا جوانبا هامة من مشروعه البلشفيك إلخ. و نواصل فى هذا الكتاب الذى نفرده للخطّ الإيديولوجي و السياسي لسلامة كيلة ، مشوار إبراز حقيقة جعلناها عنوانا لنشريّتنا " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " و الروح الثوريّة للماويّة كمرحلة ثالثة فى تطوّر علم الشيوعية المطوّرة اليوم هي الخلاصة الجديدة للشيوعية ، شيوعية اليوم .
و " تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية ، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيئ مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "( " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، الجزء الأوّل ، جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007 .)
فى هذا الإطار بالذات يتنزّل إذن عملنا هذا و ليس فى أيّ إطار آخر قد يخترعه البعض و يلصقونه بنا قصد تشويهنا و تشويه مقالاتنا و كتبنا . غايتنا هي المساهمة قدر الإمكان فى نشر علم الشيوعيّة و تطبيقه و تطويره للمساهمة فى القيام بالثورة البروليتاريّة العالميّة بتيّاريها و حفر مجرى جديد للتقدّم و تحرير الإنسانيّة من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي ببلوغ هدفنا الأسمى ألا وهو الشيوعيّة على النطاق العالمي . و قد نأينا و ننأى بأنفسنا عن التهجّم على الأشخاص أو كيل التهم و الشتائم أو النقاش من أجل النقاش إن صحّ التعبير . جهودنا تنصبّ على تسليح الرفاق و الرفيقات و المناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبيّة الواسعة بسلاح علم الشيوعية للتمكّن من تفسير العالم تفسيرا علميّا صحيحا و تغييره تغييرا شيوعيّا ثوريّا .
و لنا حقّ النقد ولن نتنازل عنه فالتنازل عنه يعنى ضمن ما يعنيه التنازل عن الماركسية بما هي ، فى جانب من جوانبها ، فكر نقدي . إلاّ أنّنا نسعى قدر الطاقة أن يكون نقدنا ملموسا ، دقيقا و علميّا معتمدين البحث عن الحقيقة مهما كانت مزعجة لنا و لغيرنا فالحقيقة وحدها هي الثوريّة كما جاء على لسان لينين و صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء كما ورد على لسان ماو تسى تونغ .
و فى نقاشنا هذا ، لا مندوحة من عرض آراء سلامة كيلة عرضا مطوّلا فى بعض الأوقات يخوّل حتّى لمن لم يقرأ ما ألّف مفكّرنا تكوين فكرة و لو أوّليّة عن مواقفه لمتابعة النقاش ( و نحن بطبيعة الحال ندعو إلى دراسة تلك الأعمال دراسة جدّية )، و لا مندوحة من تناولها بالنقد باللجوء إلى التحليل النقدي و التلخيص و تقديم البدائل طبعا باللجوء فى الكثير من الأحيان إلى مصارد ماركسية كلاسيكيّة و حديثة و هو ما سيجعل فصول الكتاب تزخر بالمقتبسات و الإستشهادات التى ليس من الممكن الإستغناء عنها فى مثل هذه الجدالات ؛ لذا نعوّل على سعة صدر القرّاء و نرجو منهم التركيز قدر المستطاع لأنّ التمايزات تخصّ من حين لآخر مصطلحات و جملا و صيغا و فقرات فى منتهى الأهمّية . و مثلما قال لينين فى " ما العمل ؟ " :
" ينبغى للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال بين الفرق و التحديد الدقيق للفروق الصغيرة أمرا فى غير أوانه أو لا لزوم له . فعلى توطد هذا " الفرق الصغير" أو ذاك قد يتوقف مستقبل الإشتراكية – الديمقراطية [ لنقرأ الشيوعية ] الروسية [ العالميّة ] لسنوات طويلة ، طويلة جدا."
و يتضمّن كتابنا هذا ، أو العدد 30 و 31 من نشريّة " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " ، على الفصول التالية ، إضافة إلى المقدّمة و الخاتمة :
الفصل الأوّل :
" الإشتراكية و الثورة فى العصر الإمبريالي " أم عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ؟
1- تحديد مادي جدلي أم مثالي ميتافيزيقي لعصرنا الراهن
2- تشويه سلامة كيلة لتناقضات العصر
3- الأممية البروليتارية ليست التضامن بين بروليتاريا مختلف الأمم ولا هي" إتّحاد الأمم وتحالفها "
4- المنطلق الشيوعي : الأمّة أم العالم أوّلا ؟
5- من هو الشيوعي و من هي الشيوعية اليوم ؟
6- خطّان متعارضان فى فهم الإشتراكية
الفصل الثاني :
" الماركسية المناضلة " لسلامة كيلة أم الروح الثوريّة المطوّرة للماركسية – اللينينية – الماوية ؛ الخلاصة الجديدة للشيوعية ؟
1- " ماركسية مناضلة " نكوصيّة و مثاليّة ميتافيزيقيّة
2- الماركسيّة منهج فقط أم هي أكثر من ذلك ؟
3- المادية الجدليّة وفق رؤية سلامة كيلة أم المادية الجدليّة التى طوّرها لينين و ماو تسى تونغ و أضاف إليها ما أضاف بوب أفاكيان
4- الماركسيّة ضد الدغمائيّة و التحريفيّة : نظرة سلامة كيلة الإحاديّة الجانب
5- عمليّا سلامة كيلة مادي جدلي أم مثالي ميتافيزيقي فى العديد من تصوّراته ؟
6- تضارب فى أفكار سلامة كيلة : " حقيقة هنا ، ضلال هناك "
الفصل الثالث :
تقييم سلامة كيلة المثالي لتجارب البروليتاريا العالمية أم التقييم العلمي المادي الجدلي الذى أنجزته الخلاصة الجديدة للشيوعية ؟
1- غياب التقييم العلمي المادي الجدلي لدى سلامة كيلة
2- سلامة كيلة يتلاعب بلينين
3- سلامة كيلة يشنّ حربا تروتسكيّة و خروتشوفيّة ضد ستالين
4- سلامة كيلة يغفل عمدا حقائقا جوهريّة عن الثورة الديمقراطية الجديدة الصينية
5- سلامة كيلة يشوّه الماويّة ماضيا و حاضرا
6- مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة و إضافات الخلاصة الجديدة للشيوعية
الفصل الرابع :
عثرات سلامة كيلة فى قراءة واقع الصراع الطبقي و آفاقه عربيّا
1- فى المعنى المشوّه للثورة و تبعاته
2- سلامة كيلة و الفهم المثالي اللاطبقي للديمقراطية
3- الثورة القوميّة الديمقراطية أم الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية ؟
4- ملاحظات نقديّة لفهم سلامة كيلة للإنتفاضات فى تونس و مصر
5- ملاحظات نقديّة لفهم سلامة كيلة للصراع الطبقي فى سوريا
6- عن تجربة سلامة كيلة فى توحيد" اليسار "
خاتمة الكتاب
المراجع

الملاحق (2)
=============================================================
الفصل الرابع :
عثرات سلامة كيلة فى قراءة واقع الصراع الطبقي و آفاقه عربيّا
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------
و قد قمنا بجولة إستغرقت وقتا طويلا نسبيّا فى ثنايا فهم مفكّرنا العربي للشيوعية و تاريخها و مستقبلها و للماركسية و مكوّناتها و تطوّرها ، تحطّ بنا القافلة الآن عند واقع الصراع الطبقي و آفاقه فى الوطن العربي حسب نظرة سلامة كيلة التى نتقصّد بحثا عن منتهى الوضوح تبويب نقدنا لها فى عدّة نقاط لصيقة بالقضيّة التى نعالج هنا ، مؤكّدين مع لينين و ماو تسى تونغ أنّه :
- " لا حركة ثوريّة بدون نظرية ثورية . إنّنا لا نبالغ مهما شدّدنا على هذه الفكرة فى مرحلة يسير فيها التبشير الشائع بالإنتهازية جنبا إلى جنب مع الميل إلى أشكال النشاط العملي الضيّقة جدّا ".
( لينين ، " ما العمل ؟ " ، فقرة " إنجلز و أهمّية النضال النظري " )
- " صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء " ( ماو تسى تونغ )
============
3- الثورة القوميّة الديمقراطية أم الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية ؟
بصراحة وفى أكثر من موقع يلمح سلامة كيلة إلى أنّه إستقى مفهوم الثورة القوميّة الديمقراطيّة من مفكّرين آخيرن و بالذات من إلياس مرقص و ناجي علّوش و كلاهما يعدّان بالأساس رمزين للقوميّة و إن تقاطعت نشاطاتهما مع أحزاب أو منظّمات ماركسية . و لعلّ دراسة و بحثا جدّيين قد يوضّحان أكثر مدى قوميّة و/ أو ماركسيّة هذان الرمزان . و نحن لا ندّعى الإلمام فى الوقت الحاضر بمجمل أطروحاتهما و لا نطلق بالتالى أحكاما لهما أو عليهما و على مدى تأثيرهما فى أفكار سلامة كيلة ومشروعه قبل الدراسة اللازمة التى لا نملك الآن الوقت الكافي للقيام بها و ندعو من يهمّه الأمر لإنجازها و لا غرو فى أنّها ستكون ذات فوائد جمّة على مستوى الماركسيين عربيّا .
و المهمّ هنا و الآن هو أنّ هذا المفهوم الذى ينافح عنه مفكّرنا يحلّ القوميّة قبل الديمقراطيّة فى الوقت الذى يتفطّن فيه القرّاء المنتبهون إلى أنّ المسألة القوميّة تدرج ضمن المهام الديمقراطية فى وثيقة " المهمات الديمقراطية والاشتراكية ":
" المهمات الديمقراطية (الصناعة ، التحديث ، المسألة القومية ، الدمقرطة والعلمنة ) "
و عليه ، لماذا هذا التقديم و الإبراز ؟ ينبع هذا التقديم و الإبراز من نزعة قوميّة كان و لا يزال تأثيرها جارفا فى الأقطار العربيّة بالشرق الأوسط خاصة . وهذا شقّ من الإجابة و الشقّ الثاني هو أنّ سلامة كيلة أحلّ " القوميّة " محلّ "الوطنيّة " ( لقد إستخدم كيلة " الوطنية الديمقراطية " فى نصّ " من أجل تأسيس تحالف وطني ديمقراطي علماني يدافع عن الطبقات الشعبية في سورية " ) لإعتباره أنّ " الوطنيّة " تنطوى على دلالات قطريّة وهو مناهض للقطريّة التى يرى أنّها معرقل للتصنيع و التقدّم .
و بذلك يضع " القوميّة " فى المصاف الأوّل لإعتبارات توحيد قوميّة و تصنيعيّة و لا يتفطّن إلى أو لا يهتمّ بأنّ المصطلح لا يفى بالدلالة التى ينضح بها مصطلح " الوطنيّة " المتضمّن لمعنى مكافحة الإمبريالية وهو أدقّ فى التعبير عن ضرورة كسر شوكة الإمبريالية و علاقة التبعيّة ( " الرأسمالية التابعة " مصطلح لسلامة كيلة ) لها فى عالم اليوم .
و هنا نقف على نوع من تداخل الأفكار و التبسيط المخلّ و تطويع قسري للمفاهيم لديه بما لا يعكس الواقع و متطلّبات تناقضاته إنعكاسا صحيحا .إنّما النزعة القوميّة لا تزال تلقى بظلالها على تفكيره .
و من اللافت أنّ سلامة كيلة ، فارس " الجدل المادي " يسقط فى أحابيل الفصل بين السياسي و الإقتصادي بالرغم من إستشهاده بمقولة لينين بأنّ السياسي تعبير مكثّف عن الإقتصادي . و نشرح فنقول إنّ سلامة كيلة و بنظرة مثاليّة ذاتيّة يعلن أن الغالبيّة الساحقة من البلدان العربيّة مستقلّة فى ذات الوقت الذى يبيّن فيه أنّها " تابعة " فى بنيتها الإقتصادية ! كيف يمكن أن تكون إقتصاديّا " تابعة " و سياسيّا " مستقلّة " ؟ إلى هذه اللخبطة التروتسكيّة توصل الإنتقائيّة و المثاليّة الذاتيّة ومنها مثلا : " ((الدول)) العربية قد استقلت سياسياً، فإن سيطرة اقتصادية لازالت قائمة، بل أنها تترسخ، حيث أن الوطن العربي، لازال جزءاً تابعاً في إطار النظام الإمبريالي العالمي، وهذا يعني التحكم بآليات النشاط الاقتصادي لمصلحة الرأسمالية في المركز الإمبريالي، وبالتالي نهب الدخل القومي، من خلال تلك الآليات (توظيفات الرأسمال المالي، التجارة، الديون…)." ( " اطروحات من أجل ماركسية مناضلة " ).
و لا تفوتنا الإشارة كذلك إلى أنّ مفكّرنا لم ينبس ببنت شفة عن متى و كيف وقاعدة التحوّل من إنجاز المهام الديمقراطية إلى الثورة الإشتراكية و علاقة ذلك بالطبقات و البرامج و السياسات و الهدف الشيوعي الأسمى إلخ عدا الحديث عن أنّ تحقيق المهمّات الديمقراطية " ضرورية لتحقيق الإنتقال إلى الإشتراكية " (" المهمات الديمقراطية والاشتراكية " ) . هو يؤجّل هذه المرحلة كما يؤجّل الحديث عن الإشتراكية كما مرّ بنا إلى يوم يبعثون . ويساعد هذا الفصل بين المراحل الديمقراطية و الإشتراكية و تاليا الشيوعية التى لا يخصّها بالكلام وكأنّها ليست الهدف الأسمى الذى يرتبط به نضالنا جميعه ، على تحويل الشيوعيين و تقزيمهم إلى مجرّد ديمقراطيين برجوازيين مطوّرى رأسماليّة دولة لا غير .
وتندرج أطروحة سلامة كيلة عن " التصنيع " كأولويّة الأولويّات ضمن الإنحراف الذى إقترفه تحريفيّون و منهم تروتسكي وليوتشاوتشي و دنك سياو بينغ و قد لخّصه الماويّون الصينيّون فى ما أسموه " نظريّة قوى الإنتاج " و تفاصيل هذه النظريّة لخّصنا جوهرها فى النقطة السادسة من الفصل الأوّل و تحديدا فى " ب- سلامة كيلة و نظرية قوى الإنتاج ".
و لم يستطع مفكّرنا تلافى الإستناد إلى بعض المصطلحات التى غالبا ما إعتمدها و يعتمها الماويّون عند الحديث عن الثورة فى البلدان " الرأسمالية التابعة " حسب تعبير كيلة . فنعت البرجوازية فى هذه البلدان ب" الكمبرادورية " ( نص " حول مشكلات السلطة والديمقراطية في الأمم التابعة ملاحظات في صيغة تصورات " و نصّ " بصدد الماركسية " ) و النظم القائمة ب " النظم الكومبرادوريّة " ( " طريق الإنتفاضة لماذا تثور الطبقات الشعبية ؟ " ) و إتّكأ فى شروحاته على مصطلحات من مثل " علاقات شبه إقطاعية " و " نمط شبه إقطاعي " ... ( " بصدد الماركسية " ).
و يعزى هذا على الأرجح إلى كون هذه المصطلحات صارت رائجة فى أوساط " اليسار " لا أكثر و لا أقلّ . و هذا يثير سؤال : هل من إختلاف جوهري بين أطروحات سلامة كيلة بشأن الثورة الديمقراطية و الأطروحات الماويّة التى يرفع رايتها أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية ؟
بإستثناء بعض المصطلحات التى أشرنا إليها للتوّ ، الغالب هو الإختلاف بين الأطروحات . فالماويّة ما عدّت أبدا أنّ غالبيّة البلدان العربيّة " مستقلّة " و لم تعلن مثل سلامة كيلة " انتهى الاستعمار" ( " نقد نزعة الأنتي إمبريالست" ) و " الاستعمار رحل منذ زمن طويل " ( " نقاش خفيف مع -الرفيق- محمد نفاع - الإمبريالية والاستعمار والثورة السورية " ) بل هي عن حقّ شخّصت الإستعمار الجديد ( أنظروا كتاب شادي الشماوي " نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخية " و خاصة " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية " و " مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد " ، بمكتبة الحوار المتمدّن ) و بالتالى هي مستعمرات جديدة أو أشباه مستعمرات إن لم تكن مستعمرات ترزح تحت وطأة الإستعمار المباشر الإمبريالي أو الإستيطاني الصهيوني ورّط حكّامها و طبقاتها الرجعيّة و يورّطون الجماهير الشعبيّة فى مآس ويلات لا نهاية لها.
و الماويّة أعلنت حقيقة إنسداد أفق الثورات الديمقراطية البرجوازية القديمة و إستحالتها فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية منذ أربعينات القرن الماضي :
" فى هذا العصر إذا نشبت فى أي بلد مستعمر أو شبه مستعمر ثورة موجهة ضد الإمبريالية ، أي ضد البرجوازية العالمية و الرأسمالية العالمية، فهي لا تنتسب إلى الثورة الديمقراطية البرجوازية العالمية بمفهومها القديم ، بل تنتسب إلى مفهوم جديد ، و لا تعدّ جزءا من الثورة العالمية القديمة البرجوازية و الرأسمالية ، بل تعدّ جزءا من الثورة العالمية الجديدة ، أي جزءا من الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية. و إنّ مثل هذه المستعمرات و شبه المستعمرات الثورية لم تعد تعتبر فى عداد حليفات الجبهة الرأسمالية العالمية المضادة للثورة ، بل أصبحت حليفات للجبهة الإشتراكية العالمية الثورية." ( ماو تسى تونغ ، " حول الديمقراطية الجديدة " ، من فقرة " الثورة الصينية جزء من الثورة العالمية " )."
و " إن الجمهورية الديمقراطية الجديدة تختلف عن الجمهورية الرأسمالية من النمط الأوربي الأمريكي القديم والخاضعة لديكتاتورية البرجوازية ، إذ أن هذه الأخيرة هي جمهورية الديمقراطية القديمة التي قد فات أوانها ، و من جهة أخرى فإنها تختلف أيضا عن الجمهورية الإشتراكية من النمط السوفياتي والخاضعة لديكتاتورية البروليتاريا ، فإن مثل هذه الجمهورية الاشتراكية تزدهر في ارض الاتحاد السوفياتي وسوف تعمم في جميع البلدان الراسمالية ، وأكيد أنها ستصبح الشكل السائد لتركيب الدولة والسلطة السياسية في جميع البلدان المتقدمة صناعيا . ولكن مثل هذه الجمهورية ، خلال فترة تاريخية معينة لا تصلح للثورات في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة ، ولذا فلا بد أن يتبنى خلال تلك الفترة التاريخية المعينة شكل ثالث للدولة في ثورات جميع البلدان المستعمرة والشبه المستعمرة . ألا و هو جمهورية الديمقراطية الجديدة . وبما أن هذا الشكل مناسب خلال فترة تاريخية معينة ، فهو شكل انتقالي ، ولكنه ضروري لا بديل له."(من فقرة " سياسة الديمقراطية الجديدة " ).
و فى " بيان الحركة الأممية الثورية " لسنة 1984 ، نقرأ فقرة تلخص هذه المسألة تلخيصا صحيحا :
" و من أجل تتويج ثورة الديمقراطية الجديدة، يترتب على البروليتاريا أن تحافظ على دورها المستقل و أن تكون قادرة على فرض دورها القائد فى النضال الثوري وهو ما تقوم به عن طريق حزبها الماركسي - اللينيني- الماوي . و قد بينت التجربة التاريخية مرارا و تكرارا أنه حتى إذا ما إشتركت فئة من البرجوازية الوطنية فى الحركة الثورية فإنها لا تريد (ولا تستطيع ) قيادة ثورة الديمقراطية الجديدة و من البداهة إذا ألآ توصلها إلى نهايتها. كما بينت التجربة التاريخية أن "جبهة معادية للإمبريالية " ( أو " جبهة ثورية " أخرى من هذا القبيل ) لا يقودها حزب ماركسي- لينيني – ماوي لا تؤدى إلى نتيجة حتى إذا ما كانت هذه الجبهة (أو بعض القوى المكوّنة لها ) تتبنى خطا "ماركسيا" معينا أو بالأحرى ماركسيا كاذبا . و بالرغم من أن هذه التشكيلات الثورية قد قادت أحيانا معاركا بطولية بل و سدّدت ضربات قوية للإمبريالية ، فإنها أظهرت أنها عاجزة على المستوى الإيديولوجي و التنظيمي ، عن الصمود أمام التأثيرات الإمبريالية و البرجوازية . و حتى فى الأماكن التى تمكّنت فيها هذه العناصر من إفتكاك السلطة ، فإنها بقيت عاجزة عن تحقيق تغيير ثوري كامل للمجتمع فإنتهت جميعا ، إن عاجلا أم آجلا ، بأن قلبتها الإمبريالية أو أن تحولت هي نفسها إلى نظام رجعي جديد يعمل اليد فى اليد مع الإمبرياليين . "
و سلامة كيلة لا يعرّج على ذلك قط و يكتب و كأنّه مكتشف هذه الحقيقة التى يعيدها إلى ما بعد تجارب حركات التحرّر أي و كأنّه مكتشفها بعد عقود من توضيح الماويّة لها .
الأكيد أنّ تغيّرات جدّت فى الوضع العالمي ، فى الأرياف و المدن و تتطلّب من الماويين دراستها و إستخلاص الدروس ، مثلما من الأكيد عدم الإكتفاء التجارب القديمة أو نسخها . و الماويّة تعيّن الرأسماليّة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة على أنّها رأسماليّة كمبرادورية / بيروقراطية وثيقة الصلة بالإمبريالية و فى خدمتها لذلك وجبت الإطاحة بها هي و الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبريالية و طريق الثورة ليس " طريق الإنتفاضة " كما يرتئيه كيلة بل هو طريق حرب الشعب الطويلة الأمد لأسباب يطول شرحها و بتطبيق مبدأ ماركسي صاغه ماو كالآتى :
" إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي-اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ السواء ".
( ماو تسى تونغ " قضايا الحرب و الإستراتيجية " نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني)

و الماويّة على عكس " الماركسية المناضلة " ، ترى الثورة متكوّنة من مرحلتين مترابطتين من نمط جديد كجزء من الثورة البروليتارية العالمية :
" و على الرغم من أنّ الثورة الصينية فى المرحلة الأولى هذه ( لمراحلها الصغيرة المتعدّدة ) هي ، من حيث طبيعتها الإجتماعية ، ثورة ديمقراطية برجوازيّة من نمط جديد و لم تصبح بعد إشتراكية بروليتاريّة ، إلاّ أنّها قد أصبحت منذ زمن طويل جزءا من الثورة العالميّة الإشتراكية البروليتارية ، بل أصبحت بالأحرى فى الوقت الحاضر جزءا بالغ الأهمّية من هذه الثورة العالميّة و حليفا عظيما لها . إنّ الخطوة الأولى أو المرحلة الأولى لهذه الثورة لن تكون ، و لا يمكن أن تكون إقامة مجتمع رأسمالي خاضع لدكتاتوريّة البرجوازية الصينيّة ، بل ستنتهى هذه المرحلة الأولى بإقامة مجتمع للديمقراطيّة الجديدة خاضع للدكتاتورية المشتركة لجميع الطبقات الثوريّة فى الصين بزعامة البروليتاريا الصينيّة . و من ثمّ ستتطوّر هذه الثورة إلى المرحلة الثانية التى سيقام فيها مجتمع إشتراكي فى الصين " .
(ماو تسى تونغ ، " حول الديمقراطية الجديدة " 1940 ، فقرة – " الثورة الصينية جزء من الثورة العالمية " )
و بالتالى لا تفصل الماوية بين المرحلتين بل تجعل الأولى تعبّد الطريق للثانية بعدّة طرق سيأتى ذكرها . وعمليّا ، طبّق الماويّون أثناء حرب الشعب لأكثر من عشرين سنة فى الصين برنامج الثورة الديمقراطية الجديدة وعقب بضعة سنوات من الإستيلاء على السلطة عبر البلاد بأسرها ( إلاّ جزيرة فرموز ) و نجاح الثورة سنة1949 ، إنطلقت الثورة الإشتراكية لتتواصل لعقود عدّة آخرها عقد الثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى ، إلى 1976 و الإنقلاب التحريفي الذى أعاد تركيز الرأسمالية فى الصين .
و الماويون لا يخفون برنامجهم الإشتراكي و لا حتّى هدفهم الأسمى على عكس ما يدعو إليه السيّد كيلة كاتب الجمل التالية فى مقال " المهمات الديمقراطية والاشتراكية " :
" بالتالي فإذا كانت الأولوية الآن لتحقيق المهمات الديمقراطية، لأنها أولوية في الواقع، وإذا كان تحقيق هذه المهمات ضرورة لتحقيق الانتقال إلى الاشتراكية، فلماذا إذن يرفع شعار الحد الأقصى؟ إن رفع هذا الشعار يشق التحالف الضروري لتحقيق هذه المهمات، ويترك الفلاحين والبرجوازية الصغيرة لتأثير قوى أخرى، قد تجرها في سياق يحقق مصالح فئات محدودة من البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة أو الفلاحين. ويضع الطبقة العاملة في موقع ضعيف."
بل يكرّسون المبدأ الشيوعي الذى أعرب عنه ماو تسى تونغ فى هذه الفقرة :
" نحن الشيوعيين لا نخفى آراءنا السياسية أبدا. إنّ منهاجنا للمستقبل أو منهاجنا الأقصى هو نقل الصين و التقدّم بها إلى المجتمع الإشتراكي و الشيوعي ، و هذا أمر مؤكّد لا يتطرّق إليه أدنى شكّ . و إسم حزبنا ذاته و نظرتنا الماركسية إلى العالم يشيران بكلّ جلاء إلى هذا المثل الأعلى للمستقبل ، الذى هو غاية فى الإشراق و الروعة."
( " الحكومة الإئتلافية " ( 24 أبريل- نيسان 1945) ، المؤلفات المختارة ، المجلّد الثالث.)
فالماويون لا يخفون نهائيّا أنّ الثورة الديمقراطيّة الجديدة بقيادة البروليتاريا و حزبها و إيديولوجيّتها الشيوعيين جزء لا يتجزّأ من الثورة البروليتارية العالمية وهي تيّار من تيّاريها ( التيّار الآخر هو الثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية ) . و ينطلقون من الأمميّة البروليتارية الثوريّة كما نظر لها و طبّقها لينين و طوّرها بوب أفاكيان و لا يتهرّبون من مسؤوليّاتهم الأمميّة و ينظرون إلى الصراع القومي على أنّه فى آخر المطاف صراع طبقي :
" إنّ النضال القومي هو فى التحليل النهائي مسألة صراع طبقي ..."
( ماو تسى تونغ ،" بيان لتأييد الزنوج الأمريكان فى نضالهم العادل ضد التمييز العنصري للإمبريالية الأمريكية " ( 8 أغسطس- آب- 1963) - شادي الشماوي ،" مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " – مكتبة الحوار المتمدّن ) .
‘نّ سلامة كيلة وهو يبحث و يؤسّس نظريّا ، يعمد إلى المفاهيم الديمقراطية و القومية الرجراجة فيوطّن "ماركسيّته المناضلة " فى تعارض جلي مع ما قال به علم الشيوعية المتطوّر أبدا و يدخل الشيوعيين و الشيوعيّات فى دوامة ديمقراطية و قوميّة لا تخوّل لهم النهوض بالدرو الشيوعي الثوري المنوط بهم .
و فى خضمّ جدالاتنا ضد الإنحرافات الديمقراطية البرجوازية ، شرحنا بتاريخ 15 فيفري 2011 ، ضمن العدد الأوّل من نشريةّ " لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية ! " ( مكتبة الحوار المتمدّن ) الفرق بين الديمقراطية القديمة و الديمقراطية الجديدة فى المقال أدناه :
" الديمقراطية القديمة البرجوازية أم الديمقراطية الجديدة الماوية ؟
لا زال مفهوم الثورة الديمقراطية الجديدة غامضا أو مشوّها لدى الكثيرين ، إن لم يكن مجهولا تماما. فقلّة هم المناضلون و المناضلات ، في أوساط الحركة الشيوعية العربية لا سيما الشباب منهم ،الذين يعرفونه حق المعرفة فى الوقت الحالي. في الستينات و السبعينات و إلى حدود معيّنة فى بدايات الثمانينات ، كان أكثر رواجا و إنتشارا إلاّ أنّ الماويين فى الأقطار العربية باتوا أقلّ تأثيرا و إستعمالا لهذا المفهوم لصالح مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الذى شابته تشويهات لا تحصى. لذلك إنسجاما مع مفاهيم الحركة الماوية العالمية و توضيحا لمفهوم الثورة الديمقراطية الجديدة للرفاق و الرفيقات وللأجيال الجديدة ، نصوغ هذا المقال ونرجو من القرّاء شيئا من رحابة الصدر لطول بعض الإستشهادات التي نراها ضرورية لملامسة مختلف جوانب الموضوع الذى نحن بصدده و للردّ بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الترهات و الخزعبلات و التشويهات التحريفية و الرجعية للماوية.
ديمقراطية أم ديمقراطيات :
لعلّ قول إنّ الديمقراطية ديمقراطيات قد يصدم أصحاب الرؤى المثالية و القوالب الجاهزة بينما فى الواقع طبقيا. فمنذ العبودية وجدت الديمقراطية فكانت ديمقراطية أسياد العبيد و فى نفس الوقت مظهرها الآخر ، دكتاتورية على العبيد المشكّلين للسواد الأعظم للشعب. و بعد ذلك عرفت الإنسانية ديمقراطية / دكتاتورية الإقطاعيين و النبلاء ضد الأقنان و تاليا الديمقراطية / الدكتاتورية البرجوازية ضد البروليتاريا فى المجتمعات الرأسمالية ( و الرأسمالية الإمبريالية منذ القرن العشرين و بلوغ الرأسمالية مرحلتها العليا الإمبريالية ). و بفضل الثورة الإشتراكية بقيادة شيوعية فى روسيا، شهد الإتحاد السوفياتي زمن لينين و ستالين ديمقراطية / دكتاتورية البروليتاريا كما شهدت الصين الماوية ديمقراطية جديدة / دكتاتورية الديمقراطية الشعبية إلى أواسط الخمسينات فديمقراطية / دكتاتورية البروليتاريا إلى حدود الإنقلاب التحريفي لسنة 1976 و إعادة تركيز الرأسمالية هناك .(1)
و تعلّمنا الماديّة التاريخية أنّ الطبقة ( أو الطبقات ) الحاكمة تمارس الديمقراطية فى صفوفها و تسمح حتى لمعارضيها من الطبقات الأخرى الذين يقبلون بإطار دولتها و لا يطالبون سوى ببعض الإصلاحات بهوامش من ديمقراطيتها غير أنّها تمارس الدكتاتورية المتستّرة أو المفضوحة ضد أعدائها من الطبقات الأخرى الذين يعملون فى سبيل تحطيم دولتها و الثورة عليها و إيجاد دولة بديلة تحكمها طبقة أو طبقات أخرى تجعل من الطبقة (الطبقات) السائدة و المهيمنة سابقا طبقة (طبقات) مسودة و مهيمن عليها و عرضة لدكتاتورية الطبقة (الطبقات) الحاكمة الجديدة. و ليس من المستغرب أيضا أن تلجأ الطبقة أو الطبقات الحاكمة ، فى ظروف معينة من تطوّر الصراع الطبقي،إلى إستعمال العنف و الدكتاتورية حتى ضد فئات من صفوفها إذا ما إقتضت المصالح العامة للطبقة أو الإئتلاف الطبقي الحاكم ذلك كما لا يستغرب أبدا أن تعمد الطبقة أو الطبقات الحاكمة إلى تقديم تنازلات إقتصادية و إجتماعية و سياسية - ديمقراطية برجوازية- إن لزم الأمر فى ظرف تاريخي معيّن من تطوّر الصراع الطبقي محلّيا و عالميّا من أجل المحافظة على حكمها و دولتها لتعود لاحقا إلى الإلتفاف على هذه الإصلاحات البرجوازية كلّما خوّل لها ذلك ميزان القوى الطبقي و مدى تطوّر الصراع الطبقي أو فرضه عليها سير نظامها و مصالحها الآنية و البعيدة المدى.
ومسألة ذات صلة بما نحن بصدده هي مسألة الأقلية والأغلبية.و فى هذا المضمار أكّد التاريخ أنّ ديمقراطيات/ دكتاتوريات أسياد العبيد و الملوك و النبلاء و البرجوازيات كانت بلا مراء ديمقراطيات/ دكتاتوريات الأقلّية ضد الأغلبية فالطبقات الحاكمة لم تكن تمثّل إلاّ نسبة مائوية قليلة جدّا من المجتمع. و بالمقابل كانت الديمقراطية الجديدة فى الصين فى المناطق المحرّرة ثمّ فى الصين قاطبة من 1949 إلى أواسط الخمسينات ديمقراطية / دكتاتورية الأغلبية ضد الأقلية ، ديمقراطية / دكتاتورية الطبقات الثورية – الأغلبية بقيادة البروليتاريا وهم من العمّال و أقرب حلفائهم الفلاحين الفقراء ثمّ الفلاحين المتوسطين و البرجوازية الصغيرة المدينية و فئات من البرجوازية الوطنية - ضد الأقلية و هم أعداء الثورة من إمبرياليين و كمبرادور و إقطاع .
و خلال مرحلة بناء الإشتراكية و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا فى الصين منذ أواسط الخمسينات إلى أواسط السبعينات ،عرفت الصين ديمقراطية / دكتاتورية البروليتاريا المتحالفة مع الفلاحين الفقراء خاصة وهي أيضا ديمقراطية / دكتاتورية الأغلبية بقيادة البروليتاريا و حزبها الطليعي الماوي آنذاك، الحزب الشيوعي الصين ، ضد الأقليّة من البرجوازية القديمة منها و الجديدة التي تظهر داخل الدولة و الحزب البروليتاريين.و إبّان الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى كطريقة و وسيلة لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، تمّكنت جماهير الكادحين بقيادة ماويّة من منع إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين لعقد ( فضلا عن مكاسب أخرى ليس هذا مجال تفصيلها ) و تكريس ديمقراطيتها و دكتاتوريتها على أوسع نطاق عرفه تاريخ البشرية ، فى الأرياف و الحقول و فى المدن و المصانع وفى الحقل الثقافي إلخ و مارست اهمّ حقّ من حقوقها السياسية ألا وهو حقّ التحكّم فى وسائل الإنتاج و الدولة و الحزب القائد للدولة البروليتارية و توجيه المجتمع صوب الشيوعية . و بذلك كانت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التي هزّت الصين و العالم هزّا والتى شرّكت إلى أقصى حدّ الجماهير الشعبية فى الصراع الطبقي من أجل المضيّ قدما فى بناء الإشتراكية فالشيوعية أعلى قمّة بلغتها البروليتاريا العالمية فى تكريسها للديمقراطية / الدكتاتورية البروليتارية فى سيرها نحو الشيوعية و إلغاء كافة الطبقات و كافة أنواع الإضطهاد و الإستغلال.
و إذن من مغالطات البرجوازية و تضليلاتها الحديث عن ديمقراطية كتعبير مطّاط و بصفة عامة دون ربطها بالطبقة أو الطبقات التي تستفيد منها و الطبقات التي تمارس عليها الدكتاتورية ، المظهر الآخر الملازم لأية ديمقراطية ، كوحدة أضداد أو تناقض. وفى المجتمع الطبقي ، من الحقائق الموضوعية أنّه لا وجود لديمقراطية فوق الطبقات أو خارجها وليس هناك طبعا بالنسبة لمن يتبنىّ وجهة النظر البروليتارية للعالم و المنهج المادي الجدلي و المادي التاريخي ديمقراطية للجميع مثلما يدافع عنها أتباع المنطق الشكلاني البرجوازيين لتضليل الجماهير.و فى عالم اليوم ، عالم القرن الواحد و العشرين ، لم تعد هناك (و منذ 1976) أية ديمقراطية / دكتاتورية بروليتارية بينما تتواصل الديمقراطية / الدكتاتورية البرجوازية الإمبريالية مهيمنة فى البلدان الرأسمالية الإمبريالية وهي تفرض فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات شكلين أساسيين لدول الإستعمار الجديد حسب تطوّر الصراع الطبقي ؛ شكل ديمقراطية دولة الإستعمار الجديد أو شكل فاشية دولة الإستعمار الجديد. " الديمقراطية هي شكل للدولة ، نوع من أنواعها " ( لينين " الدولة و الثورة " ص106). و نظرة سريعة على ما يحصل فى العالم لعقود تأكّد ذلك بلا أدنى شكّ.
و لا ينبغى أن ننسى أو نتناسى أنّ حتى البرجوازية الإمبريالية عادة ما تعتمد الشكل الديمقراطي للحكم إلاّ أنّها فى فترات معيّنة من إحتداد الصراع الطبقي تلجأ إلى الشكل الفاشي لصيانة دولتها و مصالحها الطبقية و تاريخيا ألمانيا النازية و إيطاليا الفاشية خير أمثلة على ذلك. وقد أخطأ الشيوعيون خطأ فادحا و مميتا فى إيطاليا و فرنسا و غيرها من البلدان حينما ساندوا ديمقراطية الدولة البرجوازية و إكتفوا بالعمل فى إطارها ضد الشكل الفاشي عوض الإطاحة بالدولة البرجوازية الإمبريالية مهما كان شكلها و تركيز دولة بروليتارية /إشتراكية عوضا عنها.
و بما هي شكل من أشكال الدولة فإنّ الديمقراطية آيلة للزوال مع زوال الدولة ذاتها التي تعدّ مرحلة من مراحل تطوّر المجتمع الإنساني و نتاجا تاريخيا له بدايته و نهايته التي تستدعى الخروج من إطار المجتمع البرجوازي و إعادة بنائه على أسس إشتراكية و توسيع و تعميق الديمقراطية البروليتارية و التقدّم نحو الشيوعية التي بحلولها عالميا تضمحلّ الدولة الديمقراطية البروليتارية ذاتها و بالتالى الديمقراطية.
قال لينين فى " الدولة و الثورة " : " الديمقراطية ليست البتّة بحدّ لا يمكن تخطّيه ، فهي ليست غير مرحلة من المراحل فى الطريق من الإقطاعية إلى الرأسمالية و من الرأسمالية إلى الشيوعية " (ص 105) و" إنّ إلغاء الدولة هو إلغاء الديمقراطية أيضا و إنّ إضمحلال الدولة إضمحلال الديمقراطية " ( ص 87) . و عليه من الأكيد و الأكيد للغاية أن نتصدّى للأوهام التحريفية البرجوازية حول الديمقراطية /الدكتاتورية كأحد أهمّ و أوكد المهام فى الصراع الإيديولوجي و السياسي للشيوعية الحقيقية ،الثورية ضد مشوهيها و أعدائها.
الديمقراطية القديمة أم الديمقراطية الجديدة ؟
" إنّ التناقضات المختلفة من حيث طبيعتها لا يمكن أن تحلّ إلاّ بطرق مختلفة طبيعيّا " (ماو تسى تونغ " فى التناقض" )
كانت الثورات الديمقراطية القديمة ضد الإقطاع ، قبل القرن العشرين ، ثورات برجوازية تفرز دولا رأسمالية برجوازية. أمّا الثورات الديمقراطية الجديدة فتتعارض تمام التعارض مع الديمقراطية القديمة أي مع الديمقراطية البرجوازية الراسمالية - الإمبريالية بمعنى أنّ نتيجة الثورة الديمقراطية الجديدة الحقّة لن تكون دولة ديمقراطية قديمة برجوازية مجتمع رأسمالي تسوده البرجوازية و إنّما دولة ديمقراطية جديدة ، دولة ديمقراطية شعبية لطبقات ثورية مناهضة للإمبريالية و البرجوازية الكمبرادورية / البيروقراطية و الإقطاع تقودها البروليتاريا و تمهّد الطريق للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية .
بهذا المعنى الديمقراطية الجديدة مرحلة إنتقالية من مجتمع المستعمرات الجديدة أو أشباه المستعمرات إلى مجتمع مستقلّ ديمقراطي بقيادة بروليتارية و بتحالف وثيق مع الفلاحين الفقراء كخطوة اولى تليها خطوة ثانية لبناء مجتمع إشتراكي و هذا تيّار من تياّري الثورة البروليتارية العالمية و تياّرها الثاني هو الثورات الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية الإمبريالية.
و لشرح الديمقراطية الجديدة كتب ماو عام 1940 كتيّبا لم يكن فى منتهى الأهمّية لإنتصار الثورة فى الصين فحسب بل بات ذا مغزى عالمي و أحد أهمّ مساهمات ماو تسى تونغ فى تطوير علم الثورة البروليتارية العالمية ، و منه نقتطف لكم الفقرات التالية الطويلة نسبيّا للضرورات التي ألمحنا إليها فى المقدّمة :
--- " فى هذا العصر إذا نشبت فى أي بلد مستعمر أو شبه مستعمر ثورة موجهة ضد الإمبريالية ، أي ضد البرجوازية العالمية و الرأسمالية العالمية، فهي لا تنتسب إلى الثورة الديمقراطية البرجوازية العالمية بمفهومها القديم ، بل تنتسب إلى مفهوم جديد ، و لا تعدّ جزءا من الثورة العالمية القديمة البرجوازية و الرأسمالية ، بل تعدّ جزءا من الثورة العالمية الجديدة ، أي جزءا من الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية. و إنّ مثل هذه المستعمرات و شبه المستعمرات الثورية لم تعد تعتبر فى عداد حليفات الجبهة الرأسمالية العالمية المضادة للثورة ، بل أصبحت حليفات للجبهة الإشتراكية العالمية الثورية." ( من فقرة " الثورة الصينية جزء من الثورة العالمية " ).
--- " إن الجمهورية الديمقراطية الجديدة تختلف عن الجمهورية الرأسمالية من النمط الأوربي الأمريكي القديم والخاضعة لديكتاتورية البرجوازية ، إذ أن هذه الأخيرة هي جمهورية الديمقراطية القديمة التي قد فات أوانها ، و من جهة أخرى فإنها تختلف أيضا عن الجمهورية الإشتراكية من النمط السوفياتي والخاضعة لديكتاتورية البروليتاريا ، فإن مثل هذه الجمهورية الاشتراكية تزدهر في ارض الاتحاد السوفياتي وسوف تعمم في جميع البلدان الراسمالية ، وأكيد أنها ستصبح الشكل السائد لتركيب الدولة والسلطة السياسية في جميع البلدان المتقدمة صناعيا . ولكن مثل هذه الجمهورية ، خلال فترة تاريخية معينة لا تصلح للثورات في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة ، ولذا فلا بد أن يتبنى خلال تلك الفترة التاريخية المعينة شكل ثالث للدولة في ثورات جميع البلدان المستعمرة والشبه المستعمرة . ألا و هو جمهورية الديمقراطية الجديدة . وبما أن هذا الشكل مناسب خلال فترة تاريخية معينة ، فهو شكل انتقالي ، ولكنه ضروري لا بديل له."(من فقرة " سياسة الديمقراطية الجديدة " ).
--- " ان الجمهورية التي يجب إقامتها ...لا بد أن تكون جمهورية للديمقراطية الجديدة سياسيا واقتصاديا على حد سواء . ستكون المصاريف الكبرى والمشاريع الصناعية والكبرى ملكا للجمهورية " إن كافة المشاريع أكانت صينية أم أجنبية والتي تحمل طابعا احتكاريا أو هي أكبر من أن يديرها الأفراد، مثل المصارف والسكك الحديدية والخطوط الجوية يجب ان تشرف عليها الدولة وتديرها ، حتى لا يستطيع الرأسمال الخاص أن يسيطر على وسائل معيشة الشعب ، هذا هو المبدأ الرئيسي لتحديد الرأسمال " ...ففي الجمهورية الديمقراطية الجديدة الخاضعة لقيادة البروليتاريا سيكون القطاع العام ذا طبيعة اشتراكية ، وهو يشكل القوة القائدة في مجموع الاقتصاد القومي بيد ان هذه الجمهورية لا تصادر الأملاك الرأسمالية الخاصة الأخرى ، ولا تحظر تطور الإنتاج الرأسمالي الذي " لا يسطر على وسائل معيشة الشعب " وذلك لأن اقتصاد الصين لا يبرح متخلفا جدا .
وستتخذ هذه الجمهورية بعض التدابير اللازمة من أجل مصادرة أراضي ملاك الأراضي وتوزيعها على الفلاحين الذين لا يملكون أرضا أو يملكون قطعا صغيرة ، تطبق بذلك شعار ... القائل " الأرض لمن يفلحها " وتلغى العلاقات الإقطاعية في المناطق الريفية ، وتحيل ملكية الأرض إلى الفلاحين . أما اقتصاد الفلاحين الأغنياء في المناطق الريفية فوجوده مسموح به . تلك هي سياسة تحقيق المساواة في ملكية الأرض و شعار " الأرض لمن يفلحها " هو الشعار الصحيح الذي يترجم تلك السياسة. وفي هذه المرحلة لن نسعى على العموم الى إقامة الزراعة الاشتراكية . بيد ان أنوعا مختلفة من الاقتصاديات التعاونية التي تكون قد تطورت على أساس " الأرض لمن يفلحها " سوف تحتوي على عناصر اشتراكية " ( من فقرة " إقتصاد الديمقراطية الجديدة " ).
---" أمّا الثقافة الجديدة فهي إنعكاس إيديولوجي للسياسة الجديدة و الإقتصاد الجديد وهي كذلك فى خدمتها." ( من فقرة : ثقافة الديمقراطية الجديدة.) " إنّ ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه ثقافة وطنية تعارض الإضطهاد الإمبريالي و تنادي بالمحافظة على كرامة الأمة ... و إستقلالها. هذه الثقافة تخصّ أمتنا ، و تحمل خصائصها الوطنية. و يجب عليها أن ترتبط بالثقافة الإشتراكية و ثقافة الديمقراطية الجديدة لسائر الأمم ، بحيث تتشرّب من بعضها البعض و تتبادل المساعدة لتتطوّر سويّا فى سبيل تشكيل ثقافة جديدة للعالم ...إنّ ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه ثقافة علمية تعارض سائر الأفكار الإقطاعية و الخرافية و تنادي بالبحث عن الحقيقة من الوقائع، و بالإلتزام بالحقيقة الموضوعية ، كما تنادى بالوحدة بين النظرية و الممارسة العملية... إنّ ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه هي ثقافة جماهيرية وهي بالتالى ديمقراطية . و ينبغى لها أن تخدم الجماهير الكادحة من العمّال و الفلاحين الذين يشكّلون أكثر من 90% من سكّان بلادنا ، و أن تصبح بصورة تدريجية ثقافتهم الخاصّة." ( من فقرة " ثقافة وطنية علمية جماهيرية ").
و عليه ، واهمون هم أولئك الذين يتصوّرون إمكانية وجود مجتمع رأسمالي ديمقراطي برجوازي على غرار ما يوجد فى أوروبا ، فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات فى حين أنّ هذه الإمكانية منعدمة تاريخيا وواقعيّا.و القوى القومية و " اليسارية " المرتكبة لإنحراف قومجي ، الداعية للتحرّر الوطني رئيسيا و المتناسية للطابع الديمقراطي أو المقلّصة من أهمّيته مشدّدة على مواجهة العدوّ الإمبريالي غاضة الطرف عن البرجوازية الكمبرادورية / البيروقراطية ( و متحالفين معها أحيانا ) و الإقطاع على خطإ واضح و جلي ؛ و القوى "اليسارية" التي تشدّد التشديد كلّه على الطابع الديمقراطي بمعنى الحرّيات السياسية حصريا تقريبا مخطئة هي الأخرى لتقليصها لمضمون الثورة التي تتطلبها المرحلة فى المستعمرات الجديدة وأشباه المستعمرات و طبيعتها و إستهتارها بالجبال الرواسي الثلاثة ألا وهي الإمبريالية و البرجوازية الكمبرادورية و الإقطاع.
الديمقراطية الجديدة تطوير لعلم الثورة البروليتارية العالمية أم تحريف له ؟
رغم محاولات الحركة الشيوعية العالمية و الأممية الشيوعية بقيادة البلاشفة الذين كانوا على رأس جماهير الشعب فى إنجاز ثورة أكتوبر المجيدة ،أن تطوّر خطّا متكاملا للثورة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ، فإنّ لينين أقرّ بمحدودية تلك الجهود و بالحاجة الأكيدة لتطوير طرق جديدة و عدم إتباع طريق أكتوبر.و قد صرّح فى تقرير فى المؤتمر الثاني لعامة روسيا للمنظمات الشيوعية لشعوب الشرق فى 22 نوفمبر 1919 ، بالآتى :
" أنتم تمثلون منظمات شيوعية و أحزابا شيوعية تنتسب لمختلف شعوب الشرق . و ينبغى لى أن أقول إنه إذا كان قد تيسر للبلاشفة الروس إحداث صدع فى الإمبريالية القديمة ، إذا كان قد تيسر لهم القيام بمهمة فى منتهى العسر وإن تكن فى منتهى النبل هي مهمة إحداث طرق جديدة للثورة ، ففى إنتظاركم أنتم ممثلى جماهير الكادحين فى الشرق مهمة أعظم و أكثر جدة ...
و فى هذا الحقل تواجهكم مهمة لم تواجه الشيوعيين فى العالم كله من قبل : ينبغى لكم أن تستندوا فى الميدانين النظري و العملي إلى التعاليم الشيوعية العامة و أن تأخذوا بعين الإعتبار الظروف الخاصة غير الموجودة فى البلدان الأوروبية كي يصبح بإمكانكم تطبيق هذه التعاليم فى الميدانين النظري و العملي فى ظروف يؤلف فيها الفلاحون الجمهور الرئيسي و تطرح فيها مهمة النضال لا ضد رأس المال ، بل ضد بقايا القرون الوسطى . وهذه مهمة عسيرة ذات طابع خاص ، غير أنها مهمة تعطى أطيب الثمرات ، إذ تجذب إلى النضال تلك الجماهير التى لم يسبق لها أن إشتركت فى النضال ، و تتيح لكم من الجهة الأخرى الإرتباط أوثق إرتباط بالأممية الثالثة بفضل تنظيم الخلايا الشيوعية فى الشرق ... هذه هي القضايا التى لا تجدون حلولا لها فى أي كتاب من كتب الشيوعية ، و لكنكم تجدون حلولها فى النضال العام الذى بدأته روسيا . لا بد لكم من وضع هذه القضية و من حلها بخبرتكم الخاصة ..."
و بفضل التجارب العملية و النظرية، السلبية منها و الإيجابية، المراكمة وإستجابة لمتطلبات واقع المستعمرات الجديدة و اشباه المستعمرات ، طوّر ماوتسى تونغ ضمن مساهماته العديدة فى تطوير علم الثورة البروليتارية العالمية و الماركسية فى مكوناتها الثلاثة ، طرقا جديدة للثورة بداية مع ثورة الديمقراطية الجديدة ثم الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا.
و إثر وفاة القائد البروليتاري الصيني العظيم و إنقلاب التحريفيين فى الصين معيدين تركيز الرأسمالية هناك ، نظّم هجوم سافر على ماو تسى تونغ و مساهماته التى أثبت التاريخ صحّتها ، من طرف الإمبريالية العالمية و الرجعية و التحريفيين الصينيين و كذلك الخوجيين عبر العالم . و إنبري الشيوعيون الثوريون الماويون حقّا للدفاع عن إرث ماو تسى تونغ الذى هو إرث البروليتاريا الثورية العالمية و خاضوا جملة من الصراعات على شتى الأصعدة أدّت ضمن ما أدّت إليه إلى تشكيل الحركة الأممية الثورية سنة 1984 من عدّة أحزاب و منظمات من جميع قارات الكوكب أصدرت بيانا عالميا فى تلك السنة منه نقتطف لكم بضعة فقرات متصلة بالموضوع الذى نحن بصدده وبدروس متعلّقة بهذا النوع من الثورات :
" و لا تزال النظرية التى بلورها ماو تسى تونغ خلال السنوات الطويلة للحرب الثورية فى الصين تمثل المرجع الأساسي لصياغة الإستراتيجيا و التكتيك الثوريين فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة أو المستعمرات الجديدة . فى هذه البلدان تمثل الإمبريالية الأجنبية و كذلك البرجوازية البيروقراطية و " الكمبرادورية " و الإقطاعيون- بإعتبار الطبقتين الأخيرتين طبقات تابعة و مرتبطة بقوة بالإمبريالية - مرمى الثورة (هدفها ). و تعبر الثورة فى هذه البلدان مرحلتين : ثورة أولى هي الثورة الديمقراطية الجديدة التى تؤدي مباشرة فيما بعد إلى ثورة ثانية هي الثورة الإشتراكية . و طبيعة و هدف و مهام المرحلة الأولى من الثورة تخوّل للبروليتاريا وتقتضى منها إقامة جبهة واسعة متحدة تجمع كل الطبقات و الشرائح الإجتماعية التي يمكن كسبها لمساندة برنامج الديمقراطية الجديدة .و مع ذلك ، فإن البروليتاريا تسعى إلى بناء هذه الجبهة المتحدة بما يتفق مع مبدأ تطوير و دعم قواها الذاتية المستقلة وهو ما يستتبع مثلا أنه على البروليتاريا أن تكون لها قواتها المسلحة الخاصة متى حتمت الظروف ذلك و أنه عليها أن تفرض دورها القيادي تجاه قطاعات الجماهير الثورية خاصة تجاه الفلاحين الفقراء. و يتخذ هذا التحالف كمحور أساسي له تحالف العمال مع الفلاحين كما يجب أن تحتل الثورة الزراعية (أي النضال ضد الإستغلال شبه الإقطاعي فى الريف و /أو شعار " الأرض لمن يفلحها " ) مكانة مركزية فى برنامج الديمقراطية الجديدة . ...
و من أجل تتويج ثورة الديمقراطية الجديدة، يترتب على البروليتاريا أن تحافظ على دورها المستقل و أن تكون قادرة على فرض دورها القائد فى النضال الثوري وهو ما تقوم به عن طريق حزبها الماركسي -اللينيني-الماوي . و قد بينت التجربة التاريخية مرارا و تكرارا أنه حتى إذا ما إشتركت فئة من البرجوازية الوطنية فى الحركة الثورية فإنها لا تريد (ولا تستطيع ) قيادة ثورة الديمقراطية الجديدة و من البداهة إذا ألآ توصلها إلى نهايتها. كما بينت التجربة التاريخية أن " جبهة معادية للإمبريالية " (أو " جبهة ثورية " أخرى من هذا القبيل ) لا يقودها حزب ماركسي – لينيني - ماوي لا تؤدى إلى نتيجة حتى إذا ما كانت هذه الجبهة (أو بعض القوى المكوّنة لها ) تتبنى خطا " ماركسيا " معينا أو بالأحرى ماركسيا كاذبا . و بالرغم من أن هذه التشكيلات الثورية قد قادت أحيانا معاركا بطولية بل و سدّدت ضربات قوية للإمبريالية ، فإنها أظهرت أنها عاجزة على المستوى الإيديولوجي و التنظيمي ،عن الصمود أمام التأثيرات الإمبريالية و البرجوازية. و حتى فى الأماكن التى تمكّنت فيها هذه العناصر من إفتكاك السلطة، فإنها بقيت عاجزة عن تحقيق تغيير ثوري كامل للمجتمع فإنتهت جميعا ،إن عاجلا أم آجلا ، بأن قلبتها الإمبريالية أو أن تحولت هي نفسها إلى نظام رجعي جديد يعمل اليد فى اليد مع الإمبرياليين .
و يمكن للحزب الشيوعي فى الوضعيات التى تمارس فيها الطبقات المسيطرة ديكتاتورية عنيفة أو فاشية أن يستغل التناقضات التى يخلقها هذا الوضع بما يدعم الثورة الديمقراطية الجديدة و أن يعقد إتفاقات أو تحالفات مؤقتة مع عناصر من طبقات أخرى . و لكن هذه المبادرات لا يمكن لها أن تنجح إلا إذا واصل الحزب المحافظة على دوره القيادي و إستعمل هذه التحالفات فى النطاق المحدّد بمهمته الشاملة و الرئيسية و المتمثلة فى إنجاح الثورة ، دون أن يحوّل النضال ضد الديكتاتورية إلى مرحلة إستراتيجية للثورة بما أن محتوى النضال المعادي للفاشية ليس إلا محتوى الثورة الديمقراطية الجديدة ويتعين على الحزب الماركسي -اللينيني- الماوي لا فقط أن يسلّح البروليتاريا و الجماهير الثورية بوسائل فهم طبيعة المهمّة الموكولة للإنجاز مباشرة (إنجاح الثورة الديمقراطية الجديدة ) و الدور و المصالح المتناقضة لممثلى مختلف الطبقات (الصديقة أو العدوّة ) و لكن أيضا أن يفهمهم ضرورة تحضير الإنتقال إلى الثورة الإشتراكية وواقع أن الهدف النهائي يجب أن يكون الوصول إلى الشيوعية على مستوى العالم .
ينطلق الماركسيون – اللينينيون - الماويون من مبدإ أن على الحزب أن يقود الحرب الثورية بما يجعلها حرب جماهير حقيقية . و يجب عليهم حتى خلال الظروف العسيرة التى تفرضها الحرب أن يعملوا على تربية واسعة للجماهير و مساعدتها على بلوغ مستوى أرقى نظريا و إيديولوجيا و من أجل ذلك يتوجب تأمين نشر و تطوير صحافة شيوعية منتظمة الصدور و العمل على أن تدخل الثورة الميادين الثقافية .
فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة ( أو المستعمرات الجديدة )، تمثّل الإنحراف الرئيسي فى الفترة الأخيرة ( و لا تزال) فى الميل إلى عدم الإعتراف أو إنكار هذا التوجه الأساسي للحركة الثورية فى مثل هذه البلدان : الميل إلى إنكار الدور القيادي للبروليتاريا و للحزب الماركسي – اللينيني - الماوي و إلى رفض أو تشويش إنتهازي لنظرية حرب الشعب و إلى التخلى عن بناء جبهة متحدة على أساس تحالف العمال و الفلاحين تقودها البروليتاريا .
و قد تجلى هذا الإنحراف التحريفي فى الماضي فى شكل " يساري " أو فى شكل يميني مفضوح . و لطالما نادى التحريفيون الجدد ب " الإنتقال السلمي للإشتراكية " (و خصوصا إلى حدود الماضى القريب ) و سعوا إلى دعم القيادة البرجوازية فى نضالات التحرر الوطني و لكن هذه التحريفية اليمينية التى لا تخفى سياستها الإستسلامية ، كانت دائما ما تجد صداها فى شكل آخر للتحريفية تتقاطع معها اليوم أكثر فأكثر : نوع من التحريفية المسلحة " اليسارية " تدعو لها فيمن يدعو لها ، من حين لآخر القيادة الكوبية و تؤدى إلى سحب الجماهير بعيدا عن النضال المسلح و التى تدافع عن فكرة دمج كل مراحل الثورة و عدم القيام إلا بثورة واحدة، ثورة إشتراكية مزعومة. و تؤدى هذه السياسة عمليا إلى محاولة دفع البروليتاريا إلى أفق محدود جدا و إلى إنكار واقع أن على الطبقة العاملة أن تقود الفلاحين و قوى أخرى وأن تسعى بذلك إلى تصفية كاملة للإمبريالية و للعلاقات الإقتصادية و الإجتماعية المتخلفة و المشوّهة التى يتمّعش منها رأس المال الأجنبي و التى يجتهد فى تدعيمها . و يمثل هذا الشكل من التحريفية اليوم واحدة من الوسائل الرئيسية التى يستعملها الإمبرياليون الإشتراكيون للإندساس فى نضالات التحرر الوطني و مراقبتها .
ويجب على الماركسيين - اللينينيين - الماويين ، حتى يمكّنوا تطور الحركة الثورية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ( أو المستعمرات الجديدة ) من إتخاذ توجه صحيح ، أن يواصلوا تكثيف النضال ضد كلّ أشكال التحريفية و الدفاع عن مساهمات ماو بإعتبارها أساسا نظريا ضروريا من أجل تحليل عميق للظروف الملموسة و بلورة خط سياسي مناسب فى مختلف البلدان من هذا النوع . ( من فقرة " المهام فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ( أو المستعمرات الجديدة ) " )
و عقب أقلّ من عقد من النضال النظري و العملي و تطوير منظّمات و أحزاب و حرب الشعب فى عدّة بلدان لا سيما فى البيرو فى ثمانينات القرن العشرين ، خطت الحركة الأممية الثورية خطوة نوعية أخرى بتبنّيها للماركسية-اللينينية-الماوية و إعتبارها الماوية مرحلة ثالثة جديدة و أرقى فى علم الثورة البروليتارية العالمية .وهي تفسّر مساهمات ماو تسى تونغ فى " لتحي الماركسية – اللينينية - الماوية " سنة 1993 خطّت الأسطر التالية بشأن الثورة الديمقراطية الجديدة :
" و تمكّن ماوتسي تونغ من حلّ مسألة كيفية إنجاز الثورة في بلد تهيمن عليه الإمبريالية . فالطريق الأساسي الذي رسمه للثـورة الصينيــــــة يمثــــل مساهمة لا تقدر بثمن فى نظرية وممارسة الثورة وهي مرشد لتحرير الشعوب التى تضطهدها الإمبريالية. و هذا الطريق يعنى حرب الشعب و محاصرة الأرياف للمدن ويقوم على الكفــــــاح المسلح كشكل أساسي للنضــال وعلى الجيش الذى يقوده الحزب كشكل أساسي لتنظيم الجماهير وإستنهاض الفلاحين وخاصة الفقراء منهم و على الإصلاح الزراعي و بناء جبهة موحدة بقيادة الحزب الشيوعي وذلك قصد القيــام بثـورة الديمقراطية الجديدة ضد الامبريالية والإقطاع والبرجوازية البيروقراطيــــــة و تركيز ديكتاتورية الطبقات الثورية تحت قيادة البروليتاريا كتمهيـــد ضروري للثورة الإشتراكية التي يجب أن تتلو مباشرة إنتصار المرحلة الاولى من الثـورة . وقدم ماو الأطروحة المتمثلة في " الأسلحة السحرية الثلاثة " : الحزب والجيش والجبهة المتحدة " كأدوات لا بد منها لإنجاز الثــــورة فى كل بلـــــد طبقا للظروف و طريق الثورة الخاصين . "
و بناء على ما تقدّم نستشفّ أنّ الديمقراطية الجديدة ليست تحريفا و تشويها لعلم الثورة البروليتارية العالمية و إنّما هي تطوير خلاّق قائم على دراسات وتجارب عملية فى الصين طوال عقود من الحرب الأهلية و على حقيقة أثبت تاريخ الصراع الطبقي فى الصين و غيرها من البلدان صحّها و انّ مدعي إتباع طريق أكتوبر – الإنتفاضة المسلحة المتبوعة بحرب أهلية و ليس حرب الشعب و محاصرة الريف للمدن- يطرحون طريقا خاطئا لن يقدر الشعب إذا ما إنتهجه أن يحقّق التحرّر الديمقراطي الجديد و التمهيد للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية و فى تحالف مع التيار الآخر للثورات البروليتارية ، تيار الثورات الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية. و كلّ القوى الشرعوية و الإصلاحية "الديمقراطية " من الطراز القديم التي تسعى إلى العمل فى إطار دولة الإستعمار الجديد لن تستطيع أبدا ان تنجز الثورة الديمقراطية الجديدة التي تستدعى القضاء على هذه الدولة لبناء دولة الديمقراطية الجديدة عوضا عنها و على أنقاضها.
الثورة الديمقراطية الجديدة / الثورة الوطنية الديمقراطية :
فى خضمّ الجدال الكبير للحزب الشيوعي الصيني و على رأسه ماو تسى تونغ ضد التحريفية المعاصرة منذ الخمسينات و خاصة الستينات ، صاغ الرفاق الماويون الصينيون وثيقة تاريخية مثّلت حجر الزاوية فى القطع النظري و العملي مع التحريفية المعاصرة السوفياتية منها و اليوغسلافية و الفرنسية و الإيطالية ...و فى بناء الحركة الماركسية - اللينينية العالمية و نقصد " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية " بتاريخ يونيو/ حزيران عام 1963( دار النشر بالغات الأجنبية ، بيكين 1963) .
فى تناقض مع الأطروحات التحريفية المعاصرة و للتشديد على التناقضين الأساسيين الذين على حركة التحرّر الوطني بقيادة شيوعية معالجتهما ، كتب الرفاق الماويون الصينيون ضمن النقطة 8 :
- " إنّ مناطق آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية الواسعة هي المناطق التي تتجمّع فيها مختلف أنواع التناقضات فى العالم المعاصر، و الإستعمار أضعف ما يكون سيطرة فى هذه المناطق ، وهي مراكز عواصف الثورة العالمية التي تسدّد الآن الضربات المباشرة إلى الإستعمار.
إنّ الحركة الوطنية الديمقراطية الثورية فى هذه المناطق و حركة الثورة الإشتراكية العالمية هما التياران التاريخيان العظيمان فى عهدنا الحاضر. إنّ الثورة الوطنية الديمقراطية فى هذه المناطق هي جزء هام من الثورة البروليتارية العالمية المعاصرة. " ( ص 14)
وشرحوا مهام الأحزاب البروليتارية وحذّروها من مغبّة السقوط فى خطإ التذيّل لقوى برجوازية أو إقطاعية فى النقطة 9:
" و إذا أصبحت البروليتاريا ذيلا للإقطاعيين و البرجوازيين فى الثورة ، فإنه لا يمكن أن يحقّق نصر حقيقي كامل للثورة الوطنية الديمقراطية بل و حتى إذا تحقّق نوع من النصر فإنّه من غير الممكن أيضا أن يوطّد ذلك النصر. و فى مجرى النضالات الثورية التي تخوضها الأمم و الشعوب المضطهَدَة يجب على الحزب البروليتاري أن يضع برنامجه الخاص به الذى هو كلّيا ضد الإستعمار و الرجعية المحلّية و من أجل الإستقلال الوطني والديمقراطية الشعبية، و عليه أن يعمل مستقلاّ بين الجماهير و يوسّع بلا إنقطاع القوى التقدّمية و يكسب القوى الوسطى و يعزل القوى الرجعية ؛ و بذلك فقط يمكنه ان يسير بالثورة الوطنية الديمقراطية إلى النهاية و يوجه الثورة إلى طريق الإشتراكية."( ص 20)
و هكذا ماويا الثورة الوطنية الديمقراطية التي طرحت فى " الإقتراح..." صياغة مساوية و متماهية مع الثورة الديمقراطية الجديدة ، موجهة سياسيا إلى الحركة الشيوعية العالمية بكلمات مشدّدة على المهام الأساسية و الصراع ضد الأطروحات التحريفية المعاصرة. و قد تبنّت عديد الأحزاب و المنظّمات الماركسية-اللينينية عبر العالم حينها و فى لاحق الأيام هذا المفهوم ، مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية.
وفى تونس مثلا ، أكّد عليه أنصار الحركة الماركسية - اللينينية بقيادة ماو تسى تونغ فى تناقض مع الأطروحات التروتسكية و التروتسكية الجديدة القائلة بطبيعة المجتم الرأسمالية وبالثورة الإشتراكية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات، إلى درجة أن البعض بات فى السبعينات و الثمانينات من القرن العشرين يطلقون خطأ على أنفسهم إسم طبيعة الثورة المنشودة فى بلد شبه مستعمر شبه مستعمر ( الوطنيون الديمقراطيون بتلويناتهم العديدة ) . و فى المغرب أيضا تبنّت الحركة الماركسية - اللينينية ، لا سيما " إلى الأمام "، أفكار ماو تسى تونغ ومفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية و طبيعة المجتمع شبه المستعمر شبه الإقطاعي ( أنظروا: دفاعا عن التاريخ - موقع فكر ماو تسي تونغ في تجربة الحملم بالمغرب - طريق الثورة - ).
و فى أواخر الستينات و إثر إعادة تشكيله و قطعه مع التحريفية المعاصرة إستجابة لدعوة " الإقتراح..." والحزب الشيوعي الصيني على رأس الحركة الماركسية - اللينينية العالمية لأن يتمايز الشيوعيون الثوريون على كافة الأصعدة مع هذه التحريفية ، إنطلق الحزب الشيوعي الفليبيني بعد إعادة تشكّله فى حرب الشعب و بنى الجيش الشعبي الجديد كما شيّد الجبهة الوطنية الديمقراطية الشهيرة عالميّا .و ما إنفكّت هذه "الأسلحة السحرية الثلاثة" تناضل إلى يومنا هذا من أجل إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة كجزء من الثورة البروليتارية العالمية... و على من يرنو دراسة دقيقة و تفحّص عن كثب لأمثلة خاصة و ذات خصوصيات لبرامج الماويين فى الثورة الديمقراطية الجديدة فعليه البحث فى الأنترنت - مواقع الأحزاب التي نذكر- عن مثلا برنامج الحزب الشيوعي الفيليبيني و برنامج الحزب الشيوعي الهندي (الماوي) و برنامج الحزب الشيوعي الإيراني (الماركسي-اللينيني-الماوي) إلخ.
و تأسيسا على ما مرّ بنا و نظرا للتشويهات التي طالت مفهوم "الثورة الوطنية الديمقراطية "( من تذيّل للقوى القومية و الأصولية ؛ إلى الشرعوية و النقابوية / الإقتصادوية و الإنتفاضوية إلخ) و إنسجاما مع المفاهيم الماوية المتداولة عالميّا على الشيوعيين الماويين بذل قصارى الجهود النظرية و العملية لإزالة الغبار من على المضمون الأصلي و الحقيقي لهذا المفهوم و ربطه بالديمقراطية الجديدة فى إتجاه ترسيخ مفهوم الثورة الديمقراطية الجديدة و نقترح أن نستعمل من هنا فصاعدا صيغة الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية للتمايز مع الأطروحات و المفاهيم غير الماوية .
طريق الثورة الديمقراطية الجديدة : حرب الشعب أم الإنتفاضة المسلّحة ؟
إذا تجاوزنا الحديث عن التحريفيين الكلاسيكيين الذين يدعون إلى الإنتقال السلمي و بالتالى البرلمانية ، و الإصلاحيين من كلّ رهط الذين لا يسعون إلاّ إلى إصلاحات فى إطار دولة الإستعمار الجديد ، دولة الكمبرادور و الإقطاع المتحالفين مع الإمبريالية ، فإنّ ما يسترعي الإنتباه هنا هما تياران إثنان خطيران على البروليتاريا و قيادتها الشعب لتحقيق الثورة الديمقراطية الجديدة : التيّار الخوجي و التحريفية المسلّحة.
فى تنكّر لتاريخ الثورة الألبانية التى تحقّقت بفضل حرب الشعب و محاصرة الريف للمدينة ( أنظروا " حرب التحرير فى ألبانيا " لمحمّد شيخو، دار الطليعة ، لبنان) و إنقلاب على المواقف المساندة و المتبنّية و المثمّنة للخطّ الماوي طوال الستينات و النصف الأوّل من السبعينات ، نظّم أنور خوجا ، أواخر السبعينات ( فى " الإمبريالية و الثورة " ) هجوما مسعورا لا مبدئيا و دغمائيا تحريفيا ضد الماوية و ممّا أدار له ظهره طريق الثورة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات مدافعا من جهة عن " طريق أكتوبر" أي الإنتفاضة فى المدن الكبرى المتبوعة بحرب أهلية لإفتكاك السلطة و الزحف من المدن إلى الأرياف و مدينا من جهة أخرى طريق الثورة الصينية أي طريق حرب الشعب طويلة الأمد. وهو بذلك ينكر التاريخ الألباني و الصيني و الفتنامي و الكوري ... و الواقع العياني حينها حيث كانت قوى ماوية عديدة تواصل حرب الشعب التى إنطلقت فيها منذ سنوات ، فى تركيا و الهند و الفيليبين ...
و قد أثبت تاريخ الصراع الطبقي أنّ طريق حرب الشعب الماوية هو الطريق السليم و الصحيح الذى مكّن الشعب الصيني بقيادة بروليتارية ماوية من الظفر فى الثورة الديمقراطية الجديدة شأنه فى ذلك شأن الفيتنام لاحقا كما أثبت أنّ ما من بلد شهد مطلقا إنتصار ثورة الديمقراطية الجديدة التى شوّهها أنور خوجا مستعملا مفاهيم أخرى تحريفية برجوازية ،عن طريق الإنتفاضة فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و ذلك لأنّه طريق خاطئ أصلا لا يميّز بين البلدان الرأسمالية-الإمبريالية و البلدان المستعمرة أو شبه المستعمرة شبه الإقطاعية و بالتالى لا يميّز مثله مثل التروتسكيين بين تياري الثورة البروليتارية العالمية كما حدّدهما لينين. و أثبت تاريخ الصراع الطبقي للقرنين العشرين و الواحد و العشرين أنّ الخطّ الماوي هو الخطّ الصائب و القادر على تحقيق الظفر للبروليتاريا و الشعوب التوّاقة للتحرّر الديمقراطي الجديد و الإشتراكي و أنّ الخطوط الأخرى بشتّى تلويناتها فشلت فى ذلك و لا تستطيع بحكم خطإ خطّها إلاّ أن تفشل. و الأنكى هو أنّ الحركات و الأحزاب التى تجاهلت التعاليم الماركسية - اللينينية - الماوية بهذا الصدد تعرّضت لمذابح و نكسات لم تقدر على تجاوزها لعقود و يكفينا هنا التذكير بما حصل فى أندونيسيا و الشيلي كأمثلة لا أشهر منها.
و يشهد تاريخ الثورة الصينية انّ خطّ وانغ مينغ – الإنتفاضة فى المدن الكبرى و إفتكاك السلطة فيها أوّلا – لم يؤدّ إلى خسائر جسيمة فحسب بل أيضا إلى كوارث كادت تسحق الثورة سحقا لولا المسيرة الكبرى وإنتصار الخطّ الماوي فى قيادة الحزب منذ 1935 . و نجم عن الخطّ الماوي الصحيح تعزيز قوى الثورة و تمكّنها من الإنتصار على أعدائها عبر البلاد بأسرها ( بإستثناء هونكونغ) سنة 1949 و مكّن الفيتنام و كوريا من إلحاق الهزيمة بالأمريكان ( هذا دون الحديث عن حرب التحرير بألبانيا) .
و الأحزاب الماوية التى إنطلقت فى حرب الشعب الطويلة الأمد كطريق للثورة الديمقراطية الجديدة فى المستعمرات الجديدة و اشباه المستعمرات منذ الستينات – الهند و الفيليبين- و السبعينات- تركيا – و الثمانيات – البيرو- و التسعينات – النيبال- خوّل لها الخطّ الماوي الصحيح تعزيز قوّتها و التقدّم بالثورة غير أنّ إغتيال قادتها أو سجنهم و إرتكاب أخطاء و إنحرافات عن الجوهر الثوري الحقيقي للماوية جعلها فى فترات معيّنة تفقد الكثير من قوّتها و زخم الثورة . و مع ذلك تلك القوى التى لا تزال ماوية رئيسيا قولا و فعلا لم تسحق وهي مع تصحيحها للأخطاء تعود بقوّة لقيادة تقدّم الثورة مثلما هو الحال راهنا فى الفيليبين و الهند .
أمّا التحريفية المسلّحة فى نسختيها الغيفارية و الجبهوية / الإنتفاضية ( على غرار الجبهة السندينية و خطّ فيالوبوس الذى أسقطه الثوريون الماويون داخل الحزب الشيوعي الفليبيني و خطوط مماثلة فى السلفادور و كولمبيا ...) فإنّها تسعى إلى تحقيق إنتصار يعدّونه سريعا و تقاسما للسلطة مع فئات من الطبقات الحاكمة لدولة الإستعمار الجديد بعيدا عن تحطيمها و تشييد دولة الديمقراطية الشعبية و تمهيد الطريق للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية.وهي إن لجأت إلى الكفاح المسلّح فكتكتيك مكمّل للبرلمانية أو لتفرض على فئات من حاكمة فى الدولة المفاوضات و الحلّ الذى ينعتونه بالسياسي و ليس كحرب شعب طويلة الأمد ماوية لإستنهاض الجماهير الشعبية و بناء سلطة حمراء و أجهزة دولة جديدة فى مناطق الإرتكاز بالريف للزحف شيئا فشيئا على المدن و الدولة القديمة و تحطيمها كلّيا جيشا و شرطة و بيروقراطية/ دواوينية كي تمارس الجماهير الشعبية و الطبقات الثورية بقيادة البروليتاريا ديمقراطية صلب الشعب و دكتاتورية ضد الأعداء من إمبرياليين و برجوازية كمبرادورية / بيروقراطية وإقطاعيين؛ و تعبّد الدولة الجديدة الطريق للثورة الإشتراكية على كافة الأصعدة. و لأنّ المجال لا يسمح بالخوض فى تفاصيل خطّ من هذا القبيل، نحيلكم على دراسة وثائق ماوية منها " غيفارا ، دوبريه و التحريفية المسلّحة " لماويين أمريكان – متوفّر بموقع الفكر الممنوع بالأنجليزية- و وثيقة نشرها ماويون من الهند بمجلّة "عالم نربحه" عن الإقتصادوية المسلّحة ووثيقة أخرى نشرها ماويون من كولمبيا فى ذات المجلّة عن حرب الشعب و الإستراتيجيا الإنتفاضية فضلا عن وثائق حملة التصحيح للحزب الشيوعي الفليبيني.
ودون التوسّع أكثرفى الموضوع ، من المهمّ هنا أن نشير إلى أنّ الطريق الإنتفاضى الخوجي يلقى صداه فى تونس عن وعي و تنظير مفضوح أو متستّر او عن غير وعي لدى مجموعات تطلق على نفسها نعت الوطنية الديمقراطية إضافة إلى حزب العمّال الشيوعي التونسي الذى تبنّى الخوجية و دافع عنها صراحة منذ نشأته و هو عالميّا منخرط فى منظمة الأحزاب و المنظمات الخوجية . و فى هذه المدّة الأخيرة يبثّ أصحاب الطريق الإنتفاضي الخوجي و الإصلاحيين الإنتهازيين الآخرين الأوهام البرجوازية حول الإنتفاضة الشعبية فى تونس معتبرينها ثورة فى حين أنّ ما حقّقته و قد تحقّقه لا يتجاوز الإصلاحات البرجوازية ( تنازلات إقتصادية و سياسية و إجتماعية طفيفة قابلة للإتفاف عليها فى أقرب الفرص السامحة لأعداء الشعب بذلك ) فرضتها النضالات الشعبية التى لا تمسّ من جوهر دولة الإستعمار الجديد و جيشها و نمط إنتاجها و الطبقات التى هي تمثّلها وتخدمها (2). و عربياّ تجسّد الجبهات الفلسطينية ، و منها بالخصوص الديمقراطية و الشعبية النزعة التحريفية المسلّحة ، علما أنّ هتين الجبهتين كانتا تعدّان الإتحاد السوفياتي الإمبريالي الإشتراكي صديقا للشعوب و كانتا تنسّقان معه المواقف و هما لعقود تقدّمان التنازلات تلو التنازلات إلى درجة أضرّت بقضية التحرّر الوطني الديمقراطي الفلسطينية حتى لا نستعمل كلمات أخرى.
و بإختصار نستخلص من تاريخ الصراع الطبقي للبروليتاريا العالمية أنّ طريق حرب الشعب الطويلة الأمد الماوية هو الطريق الثوري الوحيد فى المستعمرات و أشباه المستعمرات للقضاء على الجبال الرواسي الثلاثة ، الإمبريالية و البرجواية الكمبرادورية / البيروقراطية و الإقطاع وهو طريق أهمّ ما يقتضيه محوريا و مركزيّا تأسيس و بناء حزب بروليتاري ثم جيش شعبي و جبهة متحدة كأسلحة سحرية ثلاثة قادرة على قيادة الشعب لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة و بناء دولة جديدة ،دولة الطبقات الثورية بقيادة البروليتاريا تمهّد الطريق للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية المسترشدة بالماركسية – اللينينية - الماوية.
و من هذا تتجلّى حقيقة ساطعة على الثوّار البروليتاريين إدراكها ألا وهي " لا حركة ثورية دون ماوية ! ".
========================
الهوامش :
1- و كذلك الواقع طبقيا الإشتراكية إشتراكيات . و يكفى بهذا المضمار التذكير بعنوان كتاب إنجلز " الإشتراكية العلمية و الإشتراكية الطوباوية " من ناحية أولى ؛ و فقرات ماركس و إنجلز فى البيان الشيوعي : " الإشتراكية الرجعية : أ- الإشتراكية الإقطاعية ب- الإشتراكية البرجوازية الصغيرة ج- الإشتراكية الألمانية و الإشتراكية " الحقّة " ، الإشتراكية المحافظة أو البرجوازية ، من ناحية ثانية؛ و مقالات لينين عن الإشتراكية الديمقراطية و عن الإشتراكية الإمبريالية من ناحية ثالثة ؛ و كتابات الشيوعيين الماويين،زمن ماو و بعده، عن الإمبريالية الإشتراكية و عن مفهوم الإشتراكية دون صراع طبقي الخوجية و عن الإشتراكية ( دكتاتورية البروليتاريا و نمط إنتاج) كمرحلة إنتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية مديدة تعجّ بالصراعات الطبقية و تتضمنّ كلا من إمكانية التقدّم نحو المجتمع الشيوعي العالمي و إمكانية إعادة تركيز الرأسمالية ...
2- مثال ذلك ما ورد فى جريدة " الشروق " التونسية – السبت 5 فيفري 2011 بالصفحة 15- على لسان شكري بلعيد الناطق الرسمي بإسم حركة " الوطنيون الديمقراطيون " ، متحدّثا عن" طبيعة هذا النظام و طبيعة هذه المرحلة التاريخية" من :
- " نحن اليوم فى مرحلة إنتقال ثوري" و" نحن إزاء ثورة ذات طبيعة ديمقراطية " دون ربط هذه الديمقراطية بطبقة أو طبقات معينة مع إستعمال مصطلح ثورة عوض ما هو فى الواقع ، ماركسيا إنتفاضة قد تؤدّى إلى إصلاحات ديمقراطية برجوازية شكلية أو تنازلات أخرى يمكن الإلتفاف عليها و سحبها لاحقا مثلما حصل فى الشيلي فى السبعينات و الفليبين فى الثمانينات...
- " مرحلة سياسية تتميّز بإزدواجية السلطة " التي لا نراها فى الواقع أصلا حيث لا تزال حكومة الجنرال المخلوع-حكومة الغنوشي القديمة الجديدة- مطعّمة بوجوه إصلاحية غير تجمّعية صراحة تحكم البلاد و الرئيس هو ذات رئيس مجلس النواب سابقا و المجلسين –النواب و المستشارين- لم يحلاّ بل رأيناهم بفضل الإعلام المرئي ينشطان بصفة عادية تقريبا و حيث مراكز القوّة و النفوذ فى السلطة و فى كافة نواحي الحياة السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و الإعلامية لا تزال تسيّر جوهريّا دواليب الحكم و حيث فى خيال بلعيد فقط توجد سلطة أخرى موازية لمؤسسات وسلطة دولة الإستعمار الجديد التي لم يطل عامودها الفقري ( الجيش و شتى أصناف قوات القمع) إضعاف كمّي أو نوعي لا بل إنّ حتى فى المناطق التي هجرتها لفترات معيّنة قوات الأمن/ القمع تولّى السكّان بصفة مؤقتة و بتنسيق مع جيش دولة الإستعمار الجديد القيام باللازم من حماية الأشخاص و المؤسسات و منها مؤسسات حكومة الغنوّشي القديمة –الجديدة و لم يشكّلوا بالتالى سلطة موازية فما بالك بسلطة دولة جديدة موازية !
- و " بناء الجمهورية الديمقراطية الإجتماعية " كمفهوم غريب عن الماركسية نرجو من صاحبه شرحه فى لاحق الأياّم، هو و جملة المفاهيم الأخرى التي نجدها فى ذات الصفحة و الفقرة : " المجلس التأسيسي ... أداة الثورة... و أداتها أيضا فى بناء مؤسسات النظام الديمقراطي الجديد لتونس الحرّة." !!!
وبالمناسبة نسأل أصحاب حركة الوطنيين الديمقراطيين هل أنّ هذه و غيرها من المقولات إمتداد للأطروحات الوطنية الديمقراطية للثمانينات أم هي قطيعة معها ؟ و إن كانت قطيعة كمّية أو نوعيةّ فكيف تمّت و لماذا و متى ؟ و نكون شاكرين سلفا لمن يقدّم لنا أجوبة على هذه الأسئلة تكون مدعومة طبعا بالوثائق التاريخية لهذه المجموعة."
( إنتهى المقتطف



#ناظم_الماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلامة كيلة و الفهم المثالي اللاطبقي للديمقراطية – النقطة 2 م ...
- فى المعنى المشوّه للثورة و تبعاته – النقطة 1 من الفصل الرابع ...
- مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة و إضافات الخلاصة الجديدة للشيوع ...
- سلامة كيلة يشوّه الماويّة ماضيا و حاضرا – النقطتان 4 و 5 من ...
- دعوة إلى نقاش ردّ حزب الكادحين فى تونس على نقد ناظم الماوي ل ...
- سلامة كيلة يتلاعب بلينين و يشنّ حربا تروتسكيّة و خروتشوفيّة ...
- الإنتخابات الأمريكيّة و الديمقراطية و الفاشيّة : دروس و عبر ...
- غياب التقييم العلمي المادي الجدلي لتجارب البروليتاريا العالم ...
- عمليّا ، سلامة كيلة مادي جدلي أم مثالي ميتافيزيقي فى العديد ...
- الماركسيّة ضد الدغمائيّة و التحريفيّة : نظرة سلامة كيلة الإح ...
- تطوير ماو تسى تونغ للجدلية : التناقض هو القانون الجوهري للدي ...
- المادية الجدليّة وفق رؤية سلامة كيلة أم المادية الجدليّة الت ...
- - الشيوعية الجديدة : العلم و الإستراتيجيا و القيادة من أجل ث ...
- الماركسيّة منهج فقط أم هي أكثر من ذلك ؟ - النقطة 2 من الفصل ...
- - ماركسية مناضلة - نكوصيّة و مثاليّة ميتافيزيقيّة - النقطة 1 ...
- نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم - خطّان متعار ...
- من هو الشيوعي و من هي الشيوعية اليوم ؟- النقطة 5 من الفصل ال ...
- الأممية البروليتارية ليست التضامن بين بروليتاريا مختلف الأمم ...
- تشويه سلامة كيلة للعصر و تناقضاته – النقطة 1و2 من الفصل الأو ...
- مقدّمة كتاب جديد لناظم الماوي : نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلا ...


المزيد.....




- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - الثورة القوميّة الديمقراطية أم الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية ؟ – النقطة 3 من الفصل الرابع من كتاب - نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعية