أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعد حميد الصباغ - حديث في رواق المدرسة















المزيد.....

حديث في رواق المدرسة


سعد حميد الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 5414 - 2017 / 1 / 27 - 09:27
المحور: مقابلات و حوارات
    


دخلتُ مدرسة ابنتي الأبتدائية في ولاية أوهايو الامريكية , فشاهدتُ بوستراٌ معلقاٌ في نهاية الرواق كُتِبَ عليه جملة تقول: (هناك عشرة طرق لأكتساب المعرفة), وفي أدنى هذه الجملة كُتِبَت كلمة أقرأ عشر مرات!

وقفتُ أمام البوستر وكأنني أقف أمام محراب للصلاة وأنا أتمتم وأكرر كلمة أقرأ مع نفسي عشر مرات ! في أثناء ذلك خرجت احدى المعلمات من أحد الصفوف ورأتني على تلك الحالة. تقدمت نحوي وحيّتني بأدب جمّ وابتسامة عريضة, ثم قالت : هل أعجبك البوستر؟

قلت:سيدتي. انه لم يعجبني. انه أذهلني وسحرني رغم بساطة كلماته !
قالت: أنا سعيدة جداٌ أنه أعجبك. شكراٌ لأنك توقفت وقرأته !

ماذا ؟! تشكرني لأني توقفتُ وقرأتُ البوستر؟! وماذا فعلتُ حتى تشكرني هذه المعلمة المهذبة ؟ هل تبرعتُ للمدرسة بمبلغ من المال حتى أستحق هذا الشكر ؟!

قلتُ: بل أنا أشكركم لأنكم وضعتم مثل هذا البوستر الجميل الذي زيّن مدرستكم والذي يقول أشياء كثيرة بكلمات في غاية البساطة. أنا فخورٌ أن ابنتي تتلقى تعليمها في مدرستكم, مدرسة تُعلي من شأن العلم والمعرفة.

قالت : شكرا لك. ثم أردفت قائلة بخجل: هل لي ان اسألك سؤالاً ؟
قلت بنبرة فيها توكيد واصرار: نعم . بالتأكيد سيدتي.
قالت: من أي بلد أنت؟ ثم أستدركتْ وكأنها أرتكبت ذنباً: عفواً. اذا وجدتَ سؤالي غير مناسباً فأخبرني أرجوك!

قلتُ وقد أدهشني رقي خُلقها وأدبها الجم: أرجوك يا سيدتي أن لاتُبدي أي أسف لأن سؤالكِ في غاية الأدب وفي غاية البساطة. حسنا. أنا أجيبك بكل سرور وأقول لك: أنا من العراق.
قالت: حقا أنتَ من العراق, بلاد مابين النهرين؟!
قلتُ وقد طربتُ لسماع كلمة ( مابين النهرين): نعم. أنا من العراق. يبدو لي أن لديكِ معرفة جيدة بالتاريخ؟

قالت: أنا أعشق الغوص في قراءة التاريخ, لأن التاريخ فناً من الفنون ولابد أن نجيد قراءة هذا الفن!

ياسلام! هذه أول مرة أسمع فيها هذا التعبير الجميل: ( التاريخ فنٌ من الفنون)
قلتُ: أنتِ مُحقة فيما تقولين. فالأنسان لايستطيع أن يفهم نفسه, ولايستطيع ان يُحسن التصرف في حاضره ومستقبله بمعزل عن فهم الماضي .

قالت: تماماً. وأحب أن أضيف شيئاً. نحن وأنتم جميعنا نشترك في صنع الخير للأنسانية. أنتم لديكم حضارة موغلة بالقِدم قدمت للأنسانية أنجازات عظيمة, ونحن كذلك لنا من الاسهامات والأنجازات مثلما كان لديكم. أنظر لهذا البوستر الذي قرأته وأعجبك. لقد أشتركنا نحنُ وأنتم بصنعه. أنتم أشتركتم بصنعه بأختراعكم الكتابة ونحن قمنا بأخراجه بتلك الحُلة !

كلامها جعلني أشعر بشيئ من السعادة والفخر, وتذكرتُ انني قرأتُ كلاماً شبيهاً بهذا في كتاب لجورج جرداق كنت قد قرأته منذ زمن بعيد وكان عنوانه ( عليٌ والقومية العربية ).

قلت : ماتقولينه حقاً رائع. أنا لم يسبق لي أن سمعت تحليلاٌ للتاريخ كهذا من امريكي من قبل. للأسف أقول لك ان كثيرا من الناس هنا لايعرفون عن تاريخنا شيئاً سوى ان لدى كل عربي بئرٌ من النفط في بيته, وان العرب لايشربون الخمر ولايتناولون لحم الخنزير وانهم يعبدون صندوقا أسوداٌ في الصحراء كونهم يعتقدون أن العرب جميعم مسلمون!

قالت: هذا صحيح الى حد ما والسبب الرئيسي في ذلك يقع على عاتق الاعلام, الا ان ذلك لايعفي الناس من مسؤلية الجهل في هذه الامور.

ما أن انتهت من كلامها حتى نظرت في ساعتها, ثم قالت والابتسامة لاتفارقها: لقد سعِدتُ جدا بالحديث معك. أتمنى لك يوما مُباركاً. الى اللقاء.
قلتُ: وأنا سعيد كذلك بلقائك سيدتي. الى اللقاء.

ما أن ذهبتْ , حتى التفتُ الى البوستر ثانية وراحت كلماته تعبث بأفكاري وتساؤلاتي, وقلتُ مع نفسي : انه العِلم !

نعم. لكي نحيا وننهض ونسود لابد أن نقرأ في كل ميادين العِلم, لأن المعرفة قوة ولأن الأمية هي أسوأ ما في الأمة. ان القراءة ليست ترفا فكريا, بل هي قيمة معرفية تؤسس لوعي يمكن له ان يتطور وينمو في علاقة جدلية مـــع المحيط , من خلالها يبدع الانسان ويبتكر وتسود ارادته.

كانت كلمات البوستر تقول لي في تلك اللحظة : ان الغرب بتقديسه للعِلم والمعرفة قد عرف السر في ان يسود ويفرض علينا ارادته ,فكان يفعل ما يشاء, وكان علينا ان نقبل ما يتوجب علينا القبول به. ومن كان حاله هكذا, يصبح رأسه كمقبض الباب يستطيع أن يديره كل من يشاء!

لقد قرأ القوم في كل مياين العلم وابتكروا في كل سوح المعرفة وكان رائدهم في ذلك هو ايمانهم بهذا الثالوث المقدس: الوقت والجهد والوعي. يُحكى عن العالم توماس اديسون أنه أجرى أكثر من ألف تجربة حتى تمكن من اختراع البطارية الكهربائية, وذات مرة سأله أحد الصحفيين عن محاولاته الألف الفاشلة في صنع البطارية . أجابه اديسون قائلا: ولماذا تسميها ألف محولة فاشلة, أنا الان أعرف أكثر من ألف طريقة غير صحيحة لأختراع البطارية, فماذا تعرف أنت؟!

لانريد من هذا البيان ان نقوم بعملية مقارنات ظالمة بيننا وبين من يمتلك ارادة العلم والتفوق, ولسنا نريد ان نمارس النقد من أجل النقد, بل هو مجرد بيان لواقع ماثل امامنا وتشخيص لداء لازالت تعاني منه مجتمعاتنا التي لازالت تعيش وهم المعرفة وترفض ان تستيقظ لتضع حدا لسحر العادة والتصديق الجاهز. وما لم يكن لدينا الحس النقدي, فأننا لن نجد مستقبلا مزدهرا لفكرنا ووعينا.

ولكي لانسقط في فخ هذه المقارنات الظالمة نقول بأطمئنان انه ليس المطلوب منا لكي ننهض ونسود ان نستنسخ تجارب الغربيين وان نحذوا حذوهم شبرا بشبر وذراعا بذراع كما يقرر ذلك بعض كبار المثفقين والمفكرين العرب, لأن من شان ذلك أن يزلزل ثقتنا بأنفسنا ويضر بهويتنا حين ينتابنا شعور بالضألة والانسحاق امام من يمتلك جبروت العلم والمعرفة.

لكن هذا الاحتراس في الوقوع في فخ الانبهار لايمنعنا من الأعتراف ان شعوبنا تعاني من جهل نشط نتيجة لعسر القراءة لأنها شعوب فقدت الاحساس بألم المعرفة وفقدت معها القدرة على الاحساس بقلق الأشياء وأصبح القلق الذي تعشقة هو الثرثرة على خطى الوقت الهارب كما يقول مالك بن نبي.

ان الاحداث لاتجري من فوق رأس الانسان, بل تجري من بين يديه, يصنعها بعلمه ومعرفته ونضاله المرير. انها سُنّة كونية وضعها الله تعالى, ولكي نكون نحن من يصنع الحدث ويفرض الارادة ويكون لنا مكان لائق لنا بين الامم, لابد أن نأخذ بأسباب العلم ومقرراته وان نضع جانبا مهمة تغيير العالم الى الغائب المنتظرلأن في ذلك عجز وبلادة واستخفاف بالسنن الكونية.

"عندما تصبح المكتبة ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ عندئذ يمكن القول بأننا أصبحنا قومًا متحضرين " ( ميخائيل نعيمة ).



#سعد_حميد_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذاكرتي العراقية
- قطار الموت: قصة الألم العراقي
- كم أشتهي أن تقول ليّ: أحبكِ
- في رحاب العادات والتقاليد... ( التصريح باسم المرأة امام النا ...
- حكايتي مع أبي
- انجازاتنا في زمن الاختلاف
- شِعر


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعد حميد الصباغ - حديث في رواق المدرسة