التملق والنفاق الاجتماعي في رواية السقطة للبير كامو

عباس موسى الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 5407 - 2017 / 1 / 19 - 20:13
المحور: الادب والفن
    

التملق والنفاق الاجتماعي في رواية السقطة
ترجمة: عباس موسى الكعبي
الخميس 19/ 1 / 2017
يتضمن هذا المقال معلومات لمن اراد ان يتعرف أكثر على فلسفة البير كامو...
ملخص الرواية:
في حانة في مدينة أمستردام في القرن العشرين، نلتقي بجان بابتيست كلامانس – الراوي – وهو محامي باريسي ونرجسي محب لذاته ومتعطش للتسلط على الاخرين – يلتقي برفيق فرنسي في تلك الحانة. ومن خلال حديث احادي مطول حول حياته وأفكاره غير المبدئية، نجح كلامانس في التنفيس عن نفسه وإضعاف معنويات رفيقه.
في البداية، كان كلامانس وديا ومفيدا، وتصرف كوسيط بين زميله الفرنسي المهاجر والنادل الناطق باللغة الهولندية، لكنه سرعان ما اصبح أكثر من مجرد رجل سامري صالح. والمونولوج القادم أبعد ما يكون عن الدردشة اليومية. إذ تحدث كلامانس عن تأثير المجتمع الحديث على العقول البسيطة وعن الطابع البرجوازي للمجتمعات والطبيعة البشرية بشكل عام. وقدم نفسه على أنه "قاض تائب" – مهنة لا تخلو من مفارقة، إذ ان كلامانس يتولى السرد كله لشرح وجهة نظره. يحاول رفيق كلامانس عدم اشراك نفسه في هذا السرد الاحادي، ويستعد للمغادرة طالبا من كلامانس ارشاده للوصول إلى الفندق الذي يقيم فيه. ولم تكن استجابة كلامانس لتوفير المعلومات الارشادية التي طلبها رفيقه، بل يصر على مرافقة الرجل إلى عتبة الفندق. وبينما تتطور احداث الرواية، اصبح رفيق كلامانس أكثر انخراطا في السرد، والذهاب إلى أقصى من ذلك بزيارة كلامانس في منزله.
وهما يسيريان بعد لقائهما الأول، يروي كلامانس بعض الاحداث عن: الشخصية المزدوجة وعنف الإنسان المعاصر، فضلا عن اوجه الشبه بين أمستردام وجحيم دانتي. ويهدف هذا الحديث إلى تعزيز الفكرة التي جسدها عنوان الرواية: السقطة. فكلامانس ورفيقه بمثابة عضوين في مجتمع فاسد ضمن عالم منبوذ.
ويمضي كلامانس بتقديم سجل عن حياته وفلسفته، ويشرح إيمانه بضرورة العبودية، ووجهات نظره الساخرة حول العلاقات الإنسانية وعدم ايمانه بالاديان. وعكس ما نتصوره في البداية، فان الهدف الأساسي لكلامانس ليس الاعتراف، وبالتأكيد ليس الغفران. وبصفته قاض تائب، فهو الوحيد الذي يقرر تهمته ويضع لها عقابا. والنية الحقيقية لكلامانس هي تثبيط عزيمة أي شخص يقترب منه عبر سرد قصته البائسة.
يخبر رفيقه، انه كان يعمل محامي دفاع في باريس ومتخصص في الترافع عن قضايا الناس البؤساء والمنبوذين بشكل خاص، مثل القتلة الذين يقتلون لمجرد اكتساب الشهرة والفقراء والمضطهدين. فهو يتوكل بهذه القضايا ليس لشعوره بالإحسان، وإنما كوسيلة لاكتساب الشهرة لنفسه. فغروره وانانيته لا حدود لهما.. وشعوره بالحاجة إلى أن يكون معشوقا ومحبوبا هو السائد في تصرفاته. ولفترة طويلة جدا، كان يعيش معتمدا على قدراته الذاتية - باستخدام مواهبه الطبيعية للحفاظ على احساسه بالتفوق. وذات ليلة، كان كلامانس الشاهد الوحيد حينما القت امرأة شابة بنفسها من فوق الجسر لتلقي حتفها. وهذا الحدث يعتبر نقطة تحول بالنسبة للراوي. وعلى الرغم من أنه اراد أن ينقذ المرأة الشابة، إلا انه وجد نفسه مشلولا عن الحركة والخوف يعتري جسده. وللمرة الأولى في حياته ادرك مدى ضعفه. واستمر هذا الحادث يطارد كلامانس حتى نهاية الرواية، لا سيما حينما اصبح مشهد انتحار المرأة مشهدا مدمرا لجسده الواهي المفعم بالغرور والانانية ونكران الذات. وذات ليلة، وهو يعبر جسرا آخر، سمع كلامانس ضحكة خلفه، التفت، لكنه لم ير احدا. وهذا يشير إلى تغيير في الإطار الفكري لكلامانس – وهنا قد لا يدرك كلامونس نفسه مغزى تلك الضحكة، لأن الضحكة لم تصدر من شخص اخر، فلا بد أن تكون صدى لضميره. وعندها شعر كلامانس في قرارة ذاته بانه مثير للسخرية. وبطبيعة الحال، كان يحارب هذا التصور بكل ما يملك من أسلحة، ولكن في نهاية المطاف تغلب عليه الضحك. وفي الصفحات الأخيرة من الرواية، يكشف كلامانس انه - رغم كل شيء، فانه يعتقد انه هو الغالب – مع انه ما زال يسمع الضحكة مرارا وتكرارا.
وتنتهي رواية السقطة مع كلامانس وهو مريض، حيث يخبرنا بان هدفه يكمن في رفع شأنه من خلال الحط من قدر الآخرين. وبعد أن علم سر سعادته، تمادى كلامانس في اشباع رغباته في كل شيء، في كل نبضة - حتى الاستحواذ على لوحة مسروقة من ألتربيس التي تعود الى القرن الخامس عشر. والأهم من ذلك، شعر كلامانس أخيرا بانه مازال معشوقا ومحبوبا من الاخرين!!.

#عباس_موسى_الكعبي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل