أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إلهام مانع - مواجهة مع شهريار














المزيد.....

مواجهة مع شهريار


إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ


الحوار المتمدن-العدد: 5401 - 2017 / 1 / 13 - 11:09
المحور: الادب والفن
    





وددتُ يا سيدي لو فكرتَ مرّة.
لو استخدمت خلايا عقلك كما أراد الخالِقُ لها أن ُتستخدم...أعني في التفكير.
لو كففت عن الهروب إلى الخلف والتعلّق بحبال الماضي… والخوف.
لو تعاملت مع الحياة على أنها رهنُ إرادتك.
وأدركت أن مصيرَك بيدك أنت.
أنت الذي تخلقه وأنت الذي تُميته.

لو نظرت إلى الواقع كما هو،
ببشاعته...وجماله،
بفقره... وإمكاناته.

ونظرت إلى نفسك كما هي،
بلا تضخيم أو تهويل،
كما أنت.

لأنك يا عزيزي عندما تنظر إلى المرآة يُعجُبك ما تراه.
وهذه مُصيبة.
وتتمعن في تقاطيع كينونتك وأنت مبتسم مبهور،
وتقول لنفسك
"آه ما أعظَمني… ما أروعَني… وما أكثرَ الحاسدين".
وهذه كارثة.
وتخاف من ظّلك وأنت مع من تسميهم "هم".
تنظر إليهم وتقول: "يريدون بنا الأفاعيل، يحقدون علينا، وطبعاً يريدون دمارَنا".
وهذه داهية.

وددت يا سيدي لو إستمعتَ إليَّ لوهلة،
وكففت عن التشكيك في نّياتي،
وتعاملتَ مع كلماتي بموضوعيّة.
لأنك حذفت من قاموسك تلك الكلمة "موضوعية"،
ومعها أخواتها من "عقلانية" و"نقدية" و"منطقية".
وأصبحت تحيا بمنطق اللاموضوعية، واللامنطقية، واللاعقلانية.
وفقدتَ معهن مَلَكة الشك.
ياحسرة العقل.

قررت أن لا تفكر.
ولم أعرف سواك أتخذَ قراراً عامداً متعمداً بعدم التفكير،
ولم أعرف غيرَك هوى بسيفه على عقله ثم حفر قبراً له بيديه الاثنتين.
اكتفيت بالمؤامرة… كحلٌّ مريحٍ بسيطِ جميل.
آه ما أجملَ الأجوبة السهلة.
ما أرطب وقعَها على النفس.
مريحةٌ إلى حدِّ الموت.
مخدرةُ كالأفيون.
لاتزُعجُ ولاتُقلقُ ولاتثيرُ الحواسَّ والمدارك.

كأنك لم تكن.
كأنك غيرُ موجود.
كأنك غيرُ مسؤول.
كأنك بلا إرادة.
بلا ذاتٍ ولا مقدرة.
قشةُ أو فتلة أو حتى بعوضة… بل لا شيء.
هكذا تصوّرُ لي نفسك كّلما تحدثت عن المؤامرة.
هكذا تقول لي عندما تتحدث عن "حقدهم".
وأنت الذي تحقد،
وأنت الذي تغار،
وأنت الذي تموت غيظاً،
وتدعو الله ليلَ نهار أن يُسوّيَهم بالأرض،
تدعوه أن يدكَّهم دكاً، لكنّه لايستجيب.

يا سيدي أنا منك وفيك،
ولعلي خيطٌ يصل بينك وبينهم.
جسرٌ،
أو حلقةُ وصل.
سمّني ما شئت.

غير أني منك،
من كيانك،
من صميم حزنك
وماء دموعك.

فلو كنتُ غيرَ ذاك لما قذقت الصورة تلو الُأخرى أصفعها على وجهك،
لما بصقت اللهب كُتلاً من نار على صفحات نفسك،
لما صرخت بأعلى صوتي أسُألكَ أن تستيقظ،

أنا لا أراهن على غيري.
راهنت عليك، عساك تُصدّق.
ولم أُرِدْ طعنك.
بل طعنتُ جُرحك،
هل رأيت الصديد وهو يخرج منه؟

كما أني لم أكذب.
بالله عليك هل تجنيت فيما قصصته عليك؟
هل افتريت؟
ألم أرُسمْ لك من نسيجٍ أنت الذي غزلته؟
نسيجُ فصّلته أنتَ على مقاسِ أهوائك ورغباتك.
وغرستَ فيه أشواكاً ودبابيس
وأرغمتني على ارتدائه كساءا
دمائي تسيل لكنك تبتسم كالمعتوه وتقول: "هاك حُرّيتك. سوف تصونك من الغريب".
رغم أنك تعرف أني أبحث عن حريةٍ تصونني منك أنت لا من الغريب.

شهرزاد أنا يا سيدي،
لكن حكاياتي لا تسعى إلى سُباتك،
أقصَّها عليك ياشهريار كي أقرع على أُذنك بدويِّ كالطّبول،
فلاتنام.

ثم أني لم ألعب على قناعتهم.
فجُزءٌ كبيرٌ من صورتهم… موجودٌ فيك.
وأنا وأنت أدْرى،
فلا تكذب.ْ

كلُّ ما أردت قوله بسيط: "كلُّنا يا سيّدي في الخطيئة إنسان.
وأنها هنا كما أنها هناك.
لكنها لدينا أكبر، لأننا لا نريد أن نراها.
وهي لدينا أعظم، لأن الخوف يُكمّم أفواهنا.
وهي أفظع، لأن الصّمتَ لدينا دواؤها.
وأننا يوم نُدرك ذلك سنواجه خطيئتنا… ونحيا.
نحيا كما نريد،
ونحيا بلا خطيئة".

أنا الصّدى يا سيدي،
صدى أنينك وانينها،
لكن صوتي جَبله حُبّي لك ورحمتي بك،

وحُبّي لها كان أعظم،
ورحمتي بها كانت أشد،
وهي بضعٌ مني،
وهي الأنين،
وهي النزيف،
ولذا فإن قلبي يدقُّ بنبضاتها،
وصدري يتنفّس بهوائها،
وليَتني كنت فداءها.

ثمَّ إني القربان،
قدمته لك طوعاً،
وهبته لك اختياراً،
فأمنُتّك بالله أن لا تجعله يضيعُ هباءً،
أقسمت عليك أن لا تركُلَه بقدمك كما ركلت كلَّ مَنْ أحبَّك،
بل تمعن في كلماتي،
دقّق فيها،
وفكّر،
استخدم عقلَك هذه المرّة،

ثمَّ أغتسل بها بعد ذلك سبعَ مرّات،
وقل "أدركت" بعد كل غسله.

وتيمّم بحبري،
عفر جسدك به سبعينَ مّرة،
ثم قل "عَقِلتُ" بعد كلَّ عفره.

ثم أرجع عن الخطيئة
عُد عنها،
وقل "سأفكر" لتصبح طاهراً.

وكن "عاقلاً" كي تكون إنساناً،
وقُلْ "عَزمت" كي تصبح رجلاً،
وقُلْ "آمنت بوجودي" كي تكون شيئاً،
ثم قُلْ "سأعمل" كي تكون جديراً بالحياة!

قُلْ "سأكون"

"سأكون إنساناً لا يلبس حلة شهريار"،
"ولا يسلط عليها سيفَ مسرور،
"سأكونُ
إنساناً....
تثق فيه إمرأتُه.
يعيش بلاجوارٍ،
يعيش بلا مؤامرة،
يحترم الماضي،
وحاضره مريض،
لكن له مستقبل".

قُلْها كي أكون معك.


د. إلهام مانع (من "صدى الأنين"، دار الساقي، بيروت 2005)



#إلهام_مانع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قال -أعياد كريسماس سعيدة- فطالبوا بقتله!
- -اليأس خيانة-
- صلينا للرحمن… هذا كل ما فعلناه
- خطبة الجمعة لصلاة مشتركة، القتها إلهام مانع
- محاكم التفتيش.... بدأت في تونس
- الرق في موريتانيا لا الرسول الكريم - من يخش من الموريتاني مح ...
- يحدث في اليمن: شكرا لكم اشقاؤنا العرب
- عن المثلية الجنسية - صعب هذا الحديث
- الطائفية ليست المحرك الرئيسي للضربات الجوية السعودية في اليم ...
- ماذا فعلت إسرائيل في صعدة؟
- -في الإنسانية نقف متحدين- نص خطاب قبول جائزة الشجاعة لقمة جن ...
- عن داعش ونظرية المؤامرة!
- إلى من هددني بالقتل: رسالة محبة!
- هل تذكرون الأقلية الآيزيدية؟ حكاية ريحانة
- التطرف واحد، سنياً كان، شيعياً، أو زيدياً
- سنقولها حتى تطلقوا سراحه: الحرية لرائف بدوي
- وقت مجابهة داعش التي في داخلنا الآن
- هل الصمت جوابنا كل مرة؟ اليوم أنا آيزيدية أيضا
- أنا لا زلت موجودة، انا لازلت مغيبة
- وبكت شهرزاد …


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إلهام مانع - مواجهة مع شهريار