أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توفيق آلتونچي - احتضار الديمقراطية في الشرق















المزيد.....

احتضار الديمقراطية في الشرق


توفيق آلتونچي

الحوار المتمدن-العدد: 5386 - 2016 / 12 / 29 - 16:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الديمقراطية بمعناه الواسع في قبول تعددية الفكر في المجتمع واختيار الطوعي لممثلي الشعب لتطبيق تلك الافكار عن طريق الانتخابات الحرة كان ولا يزال طوح شعوب الشرق. هذه الشعوب تاريخيا حكمهم اشخاص مستبدون وكان ثقافة العنف السائدة خلال دهور. الشخص تحول الى قدر يصل احيانا الى درجة التقديس. هنا طبعا المعضلة الكبرى فمن وصل الى تلك الدرجة يتحول الى طاغية وكما قال الامام علي رضي الله عنه " من ملك أستأثر". هذه الثقافة تؤدي الى تكوين شخصيات لا تفقه في مجرى التاريخ ولا تقرأ التاريخ بتأمل و تعقل. لان معظم الطغاة في التاريخ لا توجد لهم قبور على الارض. اما المجتمع الذي تربى فيه افراده على تلك الثقافة فتراه بعد وهلة يختار طاغية اخرى ثم يتباكى وبحنين على الماضي قائلا: " لنسترحم سارق الكفن".
تركيا و لبنان نموذجان لتطبيق الديمقراطية في الحكم في الشرق. كلاهما حاد عن الطريق والمفهوم الحقيقي للديمقراطية. النموذج اللبناني انهى بحرب اهلية وانقسامات عقائدية وطائفية استمرت لحد يومنا هذا وبات الحكم وراثيا يتقاسمها عدد من العائلات وأبنائهم.
استثني دولة تونس في هذه المادة لكونها تجربة جديرة بالتعمق بين دول شمال افريقيا وتأثرت بصورة مباشرة بالتجربة التركية والخط العلماني وقبول الاخر والتحديث الذي قام به مصطفى كمال. لا ريب ان ليس من المفارقة التاريخية ان يبدا ما يسمى ب "الربيع العربي " من ارض تونس الخضراء والتطورات ألاحقة اكدت بان الاتجاه الديمقراطي لجميع الاحزاب هو الغالب في هذا المجتمع المنفتح وربما ستكون الرائدة كتجربة ديمقراطية تعددية المنشاء والأصول في المستقبل.
اما النموذج التركي الذي يصل سنوات تطبيقه الى ما بعد نهايات الحرب العالمية الاولى فقد مر بمراحل تاريخية عديدة. بقى الجيش والنظام الامني الحاكم الفعلي للكيان السياسي خلال قرن من الزمن. هذه المؤسسة كانت بتركبها تؤمن بأفكار مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال اتاتورك. تلك الافكار التي ادت الى تأسيس كيان سياسي علماني جرد رجال الدين هيمنتهم على سدة الحكم ابان الحكم العثماني بإصدارهم الفتاوى في الحرب و السلم وتوجيه سدة الحكم حسب توجهاتهم او توجهات السلطان. طبعا كان السلطان بقى دوما راعيا لتلك الافكار ويستجيب الى اراء رجال الدين ويصدر الفرمان بعد الفرمان. حتى سنوات ما قبل الحرب العالمية الاولى حيث بدا تيارات تطالب بالتحديث وما يسمى ب "المشروطية" الاولى والثانية. يعتبر اعلان الجمهورية التركية عام 1922 بعد خلع السلطان محمد السادس وإنهاء عهد السلاطين العثمانيين نموذج للدولة الحديثة تجربة حديثة في عالم التناقضات التي نعيشها اليوم وحدا فاصلا بين العلمانية وشمولية هيمنة النظام الديني على مرافق الدولة والحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الشؤون الشخصية. الارث الثقيل الذي تركته الدولة العثمانية التي حاولت جاهدة مع نهايات القرن الثامن عشر الى إجراء تغيرات جوهرية على شكل ادارة الدولة والجيش وصولا الى الملابس العسكرية وتنظيم الجيش وتسليحه والدساتير والقوانين المرعية. باءت بالفشل جميع محاولات الدولة العثمانية في جعل دستور الامبراطورية ملائمة للتطورات الحديثة ورياح التغير القادم من الغرب وخاصة فصل الدين عن الدولة وسن قوانين جديدة على غرار القوانين الاوربية من ناحية ومن ناحية اخرى المحافظة على الخاصية الاسلامية للمجتمع والدولة. مثال على ذلك الزواج في محاكم الدولة ومن ثم عقد القران عند رجال الدين او بالعكس. وقد بدا رياح التغير انذاك منطلقا من الخارج بدعوة بعض مثقفي ألمهجر (العثمانيين الجدد) الى التجديد ومن العاصمة البريطانية لندن توج دعواتهم تلك لاحقا بانهيار الامبراطورية العثمانية بالكامل و ولادة شرق اوسط جديد مع نهايات الحرب العالمية الاولى حيث تم تعديل خارطة دولها السياسية عدد مرات وخاصة في معاهدة سيفر و لوزان واتفاقية سايكس- بيكو الملغية بعد مرور 100 عام على توقيعها.
بقى ان نعلم ان فكر الاسلام السياسي بقى نديا بين ابناء المجتمع ويذلك تأسست احزاب سياسية تأخذ من الدين غطاء للوصول الى سدة الحكم. تلك الاحزاب تغير اسمائها بتغير السلطة الحاكمة. وصلت تلك الاحزاب الى سدة الحكم في ائتلافات حكومية ضمن اللعبة الديمقراطية ولكنها لم تحصل قط على الاغلبية المطلقة. الا ان حزب العدالة والتنمية التي يتزعمها اليوم الرئيس اردوغان حصل على حصة الاسد في السنوات الاخيرة وبدا بتغير جذري في المجتمع وجميع مؤسسات الدولة. طبعا الحزب بنفسه هو استمرار للاحزاب السياسية الاسلامية ذات التوجهه الاسلامي والتي كما اسلفت بقت محافظة على افكار منفتحة و معتدلة خلال عدده عقود حيث راقبت عن كثب التطورات السياسية على الساحة التركية لكن الملاحظ انه كان هناك حالة من الشفافية الفكرية بعيدة عن الانغلاق والتعصب وحتى قبول ضمني لمبدأ العلمانية وفي قبول التعددية. هذا التطور يوازيه تطور موازي في نبذ القوى الكردية للعنف والتوجه الى السلام من ناحية ومن ناحية اخرى التطورات ألاحقة و المتسارعة على الساحة العالمية والأوربية منذ انهيار جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وتأسيس وتطور الاتحاد الاوربي. المؤسسة العسكرية قامت بخمس انقلابات منذ 1960 كان اخرها العام الحالي 2016 حيث تقوم السلطات اليوم بتقديم الجناة الى المحاكم.
ان تاريخ الحركات السياسية التي اعتمدت على العنف كوسيلة نضالية عريق في القدم ولا يمكن لوم أي حركة سياسية مسلحة خاصة في بدايات تشكيلها وبلورتها ضمن السياق التاريخي الى حركة سياسية تنبذ العنف وتتوجه الى الاساليب الديمقراطية السلمية في النضال حين تحين الفرصة التاريخية السانحة في تغير من الدرجة الثانية جذري الى درجة عدم قبول أي توجه اخر خاصة تلك الرجعية التي ترى في الماضي وكل حوادثها ومتغيراتها مقدسا وايجابيا. في حين ان أي تغير من الدرجة الثانية يستوجب بالدرجة الاولى نقد الذات والعودة الى استخدام طرق نضالية جديدة. هذه التغيرات تفرض نفسها على الجيل القديم الثوري الذي يتحول الى حركة رجعية تنادي بالعودة الى اساليب القديمة ولا ترى أي سلبيات فيها.
ان المتتبع للحركة التحررية الوطنية الكوردية في تركيا يشاهد كل تلك التوجهات الفكرية والتغيرات السياسية فعلا على ارض الواقع خاصة فيما يخص حزب العمال الكوردستاني الذي تغير عدد مرات على الاقل فكريا وغير اساليبه النضالية ونرى ان اجيال متعددة من المفكرين قد توالوا في قيادات الحزب منذ تأسيسها و لأول مرة كحركة ثورية يسارية اعتمدت النضال المسلح في مقابل حركة كوردية مسالمة صغيرة كانت تنادى دوما باستخدام الطرق الديمقراطية في الوصول الى الغايات والأهداف المرسومة. اليوم نرى ان تلك المجموعة الصغيرة تحولت الى حركة سياسية كبيرة ترى في الطرق الديمقراطية في النضال مخرجا اساسيا في حل كافة المعضلات القومية الكوردية ضمن الدولة التركية.
هذه الحركة السلمية المباركة اتخذت مسارات عديدة ضمن سياق التاريخ السياسي الحديث في تركيا وقدم كوكبة من المناضلين والمثقفين من كافة القوميات التي نادت دوما بحقوق جميع الشعوب في العيش الكريم المبارك.
ان التحولات الفكرية في تركيا لا تزال متباطئة جدا مع التغيرات العالمية. ان توجهات دولة تركيا الحديثة في الانضمام الى الاتحاد الاوربي يخلق مسارا جديدا فكريا متغيرا في كافة المجالات ضمن تركيبة المؤسسة الحزبية والعسكرية السلطوية التركية. لا ريب ان الكثير من المنظمات الفلسطينية لم تكن حالها افضل من تلك التي هي عليها حزب العمال الكوردستاني فهم ناضلوا على سبيل المثال مستخدمين نفس تلك الاساليب الثورية في النضال المسلح واستخدام العنف كوسيلة نضالية. بقى ان نعلم ان جل تلك المنظمات الثورية اعترفت ضمنا بحق اسرائيل في الوجود مع بقائها محتفظة بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني كهدف نهائي لا يمكن تجاوزها.
ان تركيبة المجتمع التركي تركيبة اسلامية التوجه وتعددية الثقافة فلا ريب ان الاعراف السائدة في ريف كوردستان لا يمكن ان تكون نفسها في مدن والحواضر الكبيرة ك انقرة و ازمير واستانبول مثلا. فالريف الكوردي لا يزال يعاني من تراكمات خلفتها الجهل والبطالة ومسار الحركة التاريخية للمجتمعات في تحولاتها من مجتمعات زراعية اقطاعية الى مجتمعات صناعية عمالية تعتمد على الطبقة العاملة التي بدورها لها اعراف وتقاليد اخرى. اما تلك المجتمعات التي تعتمد على المعلوماتية وتكوين الشبكات العلاقات المتطورة كما هي عليها في الغرب حيث الحديث جاري حول المجتمعات ما بعد المعلوماتية والعولمة في الوصول الى القرية الكونية الواحدة.لا توجد هناك خطوط حمراء مطلقة في الحوار الذي يبدأ دوما بمد يد المصافحة وينتهي الى عقد شراكة دائمة. ليس بسجن دعاة الديمقراطية سيبنى مجتمع تركيا في المستقبل. ان كل الحملات التي تجريها السلطات الحاكمة في تركيا تقوض اسس الديمقراطية وتاتي بالتطرف والاستبداد الفكري للمجتمع وستجلب على البلاد الويلات تلو الويلات. ناهيك انها تتدخل دوما في شؤون الجيران من دول المنطقة والتي ستكون خاتمتها بناء اسس جيرة تعتمد على الكراهية والعنف.
تركيا ديمقراطيا تحتضر وهي تدخل عاما جديدا مضطربا سياسيا في كافة انحاء الدنيا. ففي اوربا مسار جديد وتزيد لنشاط القوى القومية السلبية و العنصرية يزيدها نارا القوى المتطرفة للطرف الاخر. كما ان في الولايات المتحدة تنتظر قيادة جديدة تؤمن بالانغلاق وقدمت حلولا جذرية عنصرية لكافة مشاكل المجتمع الامريكي. الروس ايضا يدخلون اللعبة بإيقاد نار العداء والفكر الامبراطوري ومعاداة العالم وخاصة دول اوربا باحتلال اراضي وجزر وتهديد الجيران والمشاركة في حرب الاهلية في سوريا. اوربا نفسها منقسمة في الوقت الحاضر من حيث قبول فكرة الاتحاد الاوربي السلمي بعد انسحاب بريطانيا منها. العالم يسير بخطى بطيئة نحو الهاوية و الحرب والانقسامات وسواد مبدا العنف الشديد والارهاب والسلام العالمي في خطر وربما سنرى ونعيش كوارث انسانية كبيرة وتدعوا من جديد: مسترحمين سارق الكفن .



#توفيق_آلتونچي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرسام العراقي خالد المدلل: أعمالي مستمده من الواقع الاليم
- في اللغة و التطرف القومي (3:6 )
- في اللغة و التطرف القومي (القسم الاول 2:6 )
- في اللغة و التطرف القومي (المقدمة 1:6 )
- الاديب عطا ترزي باشي والرحيل بصمت


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توفيق آلتونچي - احتضار الديمقراطية في الشرق