أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد النور إدريس - الجسد بين فينومينولوجيا ميرلو بونتي وسيميولوجيا رولان بارت














المزيد.....

الجسد بين فينومينولوجيا ميرلو بونتي وسيميولوجيا رولان بارت


عبد النور إدريس
كاتب

(Abdennour Driss)


الحوار المتمدن-العدد: 1423 - 2006 / 1 / 7 - 10:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تطرق ميرلو بونتي في آخر كتاب له" العين والروح" – 1960- إلى العديد من الأسئلة التي كانت حاضرة في كتابه فينومينولوجيا الإدراك" 1945- phénoménologie de la perception ، وهي نفس النظرة التي تتطرق إلى الرؤية والعلاقة التضادية بين الموضوع والشيء المتواجهيْن كمكونين مختلفين، مع استحضار بعدهما من خلال الرؤية التي تحدد هوية كل من الجسد والعالم في تمازجهما ليصبحا واحدا مركبا : جسد- عالم ، وبذلك يصبح الجسد غير مستغني عن العالم وبدوره يصبح العالم منصهرا كليا في الجسد ،يقول: " وتجربة الجسد تصبح هنا تجربة اللاقطيعة بين الأشياء والأنا" .
فاللغز الذي يتمحور حوله فكر ميرلو بونتي يجعل الجسد من جهة ناظرا، ومن جهة أخرى منظورا إليه، فهو الجسد الذي يتطلع إلى كل الأشياء ومن خلال النظر إليها يتعرف على الجهة الأخرى في قوتها الناظرة.
- فكيف يمكن للروح أن تدرك معنى العلامة ؟
- كيف للآخر بكل الاختلاف الذي يشكله أن يكون مرآة للأنا ؟
إن الآخر عندما يُختزل في نظرة الآخر إليه ترتسم إذاك العلاقة الفينومينولوجية بين الآخر كجزء من كل والكل كجسد خارجي ، فتعدد النظر إلى الجسد من الآخر (آخرين) تحدده في استمراره كجسد سوسيولوجي ومن ذلك يبتعد الفضاء عن حدود كونه واقعا منطقيا لمناولة الأشياء وإدراكها بل يبقى الوسيلة التي تتحقق بها تموضعات الأشياء.
ولقد تطرق لوكر يسLucrèce (99-55 av.jc) في كتابه De la nature إلى العلاقة بين الجسد والروح التي تلعب بدورها دور الحارس والحامي للجسد ولا يمكن التفريق بينهما بدون تدميرهما.
قد تكونا منصهرتين منذ لحظة نشأتهما ليعيشا قدرا واحدا وإدراكا مشتركا ، ففي اتحادهما عند لوكريس وحركتهما يشتعل بداخل الإنسان توهج الحياة .
فالجسد يُحرم من الإحساسات إذا تعطلت الروح.
وانتهى Lucrèce بوضع فرضية لا تخلو من إدانة للجسد باعتباره قاصرا عن إدراك جوهر الشيء في ذاته عندما صرح بأن الجسد هو وسيلة فقط لعبور الأحاسيس فالروح تجد صعوبة في نقل تلك الأحاسيس ومن ثم افترض "أن الروح ممكن أن ترى جيدا لو تخلصت من العينين وتلك المنافذ التي تشوش عليها .
وقد عاد ميرلو بونتي في كتابه فينومينولوجيا الإدراك إلى طرح السؤال على وجودنا وقد قسمه إلى الشيء والوعي فاعتبر أن هناك معنيين فقط لكلمة وجود " exister " فقال بتواجده كشيء أو كوعي وجعل من تجربة الجسد الخالص هي من يبوح لنا بشكل الوجود المتعدد في معناه.
والجسد الخالص بالنسبة لميرلو بونتي في كتابه الأخير الظاهر والمختفي (le visible et l’invisible) 1964- ليس فكرة لوعي دائم وليس شيئا ماديا ولكنه منبع إحساسات دائمة ، ويعتبر الظاهر والمختفي فلسفة للكائن الخام، كثافة المادة الجسدية التي تجعله يرى الأشياء ويقترب منها ولكنه لا يتماهى معها وهذه المادة la chaire عند ميرلو بونتي ليست ذات الطابع المادي بل هي " تقوقع المنظور على الجسد الرائي ، هي ما نلمسه فوق الجسد الملموس (...) la chaire ( التي للعالم أو لي ) ليست اعتباطية ، عمياء لكن نسيجية ترجع لذاتها وتدعو لنفسها "
وبحسب ما طرح ميرلو بونتي من خلاصات حول التصور الفينومينولوجي، هناك قوله بجسد للروح وهناك روح للجسد وهناك " الشيازم" le chiasme التي تعني عنده " تحديد الروح بمثابة الجهة الأخرى للجسد " والجهة الأخرى تعني لديه أن الجسد غير قابل للوصف وهو جهة أخرى حقيقية التي يختبئ فيها.
فبما أن للجسد جهة أخرى غير قابلة للوصف بالمعنى الموضوعي فهذه الجهة هي الجهة الأخرى للجسد.
بينما ميز رولان بارت ما بين العلاقة الحقيقية للجسد وما بين الشكل الذاتي له حيث قال " العلاقة البشرية هي أن جسد الآخر عندي ودوما صورة لأجلي ، وجسدي دوما صورة من أجل الآخر ، لكن ماهو أكثر وضوحا وأكثر أهمية هو أن جسدي بالنسبة لي شخصيا الصورة التي اعتقد أنها بحوزة الآخر عن هذا الجسد" (1).
إن الصور الشيطانية التي تحيد بالأجساد وتشوه مظهرها عن طريق الحب أو الغضب جعلت رولان بارت يمركز الإشكالية حول خصائص تلك الصور التي تصبح من المعطيات المباشرة بمجرد وضع السؤال حول الجسد .
فالصورة تضع نفسها في رحاب النظر أو في تظاهرة جسدية لفكرة ما ، فحيث هناك جسد هناك دائما استعراض ممكن للجسد الذي يحتوي على جانب فيزيائي ذو فضاء محدود.
هذا الفضاء قد يتعلق بالأساس بكل ماهو سيميولوجي من حيث أنه لا توجد هناك مثالية في الجسد يمكن أن تعادل مثالية الأعداد أو القيم .
فالجسـد من خلال هذا المعطى يحيلنا مباشرة إلى المعطى الامبريقي ومن هنا " فالجسد المثال ليس دائما هو الجسد الحقيقي" (2 ).
رغم ذلك يبقى الإنسان متشبثا بالبعد المتأصل للجسد الخالص لكل واحد منا، ومن ثم يبقى قبل كل شيء جسدا حقيقيا مع الصور الحقيقية التي يعطيها عن نفسه والتي يعطيها لنفسه أمام الآخرين.
فحيث لا أحد يدرك جسده بشكل موضوعي فكل جسد هو بالضرورة عجائبي Fantasmé ، ويبقى الخطاب النفسي- التحليلي هو الكفيل بتشخيص الأبعاد المعرفية التي تجعل الإنسان يختلف جسديا ضد طبيعة الأشياء الواقعية الممنوحة من طرف الطبيعة.
فالجسد بذلك أصبح لعبة سوسيولوجية ذات وظيفة متخيلة، لمضاعفة أوجه مستنسخة من الصورة الاجتماعية المتجددة في جسد المجتمع، وهي سلسلة الصور التي كان من المفروض أن تبقى في الملكية الخاصة لكل جسد ، ومن هنا نستخلص أن النموذج المثالي للجسد هو الذي يعزل باستمرار كل الاختلافات حول طبيعته إلى حدود التحييد الشامل للإخلاف الجنسي.
وإذ تُعدِّد الحضارة من صورها حول الجسد ترسخ جسدا معينا مملوءا بالصحة والشباب وهي استيهامات تأبيد صورة جسد تصنع منه فخا للمتلقي في رغبة ليست له، ولهذا نعرف مع رولان بارت أننا عبر صورة الجسد لا نملك سوى ضعفنا.

الهوامش
1- Bruno Huisman/ Francois Ribes « les philosophes et le corps,Dunod, paris, 1992, p, 311

2 - Ibid, p :312.



#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)       Abdennour_Driss#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيمون دي بوفوار والجنس الآخر
- الأدب النسائي ... إشكالية المصطلح والمفهوم
- النقد النسائي بين فيرجينيا وولف وجوليا كريستيفا
- وضعية المرأة السوسيو- ثقافية بين الثابت والمتحول
- الجسد الأنثوي وفِتنة الكتابة
- مقاربة سوسيو- جندرية لوضعية المرأة الصفيحية بالمغرب
- المرأة المثال في وجدان الشعر العربي
- أنثى مُنْطَفِئَة...شعر
- الضوابط السوسيولوجية والقانونية للنفقة بمدونة الأسرة المغربي ...
- تفكيكية جاك ديريدا...من ميتافيزيقا الحضور إلى لعبة-الاخ(ت)لا ...
- صمت الزوبعة
- الرواية النسائية ونظرية التلقي
- المرأة والكتابة إلى أين؟-حوار مع القاص والباحث الفلسطيني زكي ...
- تأوهات حروف غجرية تحت قمر مُكَسَّر
- دوما....أتدرين
- نحن ورثة الانتظار
- دراسة في رواية قلادة قرنفل لزهور ﮔرام
- ...عندما تشبهينني
- مدونة الأسرة المغربية: الضوابط السوسيولوجية وإستراتيجية البن ...
- المرأة و مدونة الشغل المغربية...مقاربة سوسيولوجية*.


المزيد.....




- ما هي القاذفة الأمريكية الشبح -بي-2- التي تعول عليها إسرائيل ...
- رئيس الأركان الإسرائيلي: دمرنا نصف منصات إطلاق الصواريخ الإي ...
- تحمل اسم -باقري-.. العثور على حطام مُسيّرة إيرانية في جنوب ...
- إسرائيل.. حريق هائل وإصابات في استهداف صاروخي إيراني لمدينة ...
- فيديوهات الذكاء الاصطناعي تتنبأ بحرب عالمية ثالثة بطريقة ساخ ...
- إسرائيليون يفرون من القصف إلى الخارج عبر الأراضي المصرية
- الإعلامي السوري موسى العمر يعلن عن استثمارات ضخمة في جبل قاس ...
- حسّون في بلا قيود: إسرائيل من أقوى الدول النووية لكنها دولة ...
- خبير عسكري: إيران تستخدم صواريخ نوعية ومتطورة يصعب اعتراضها ...
- تمارين القوة.. سلاح ذكي لوقف زيادة الوزن المصاحبة لانقطاع ال ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد النور إدريس - الجسد بين فينومينولوجيا ميرلو بونتي وسيميولوجيا رولان بارت