أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فارس حميد أمانة - اليوم خمر .. وغدا أمر















المزيد.....

اليوم خمر .. وغدا أمر


فارس حميد أمانة

الحوار المتمدن-العدد: 5354 - 2016 / 11 / 27 - 15:43
المحور: كتابات ساخرة
    


اليوم خمر .. وغدا أمر

كتب الكثير عن موضوع تمرير مجلس النواب قانون واردات البلديات والذي تضمن فقرة تتعلق بحظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها مع فرض غرامات مالية كبيرة على ذلك .. أيد الكثير من الناس ذلك القرار وتحدثوا عن ايجابياته وعارضه البعض الأقل بل وانتفض قسم منهم في مظاهرات تعلن الرفض .. من يؤيد يتحدث بلغة الدين ويلبس رداء الإسلام ومن يعترض يلبس رداء الحرية المدنية .. كل فريق يرى انه على حق ويبرز دفاعه وحججه التي يرى من وجهة نظره أنها المنطق بعينه وفي سجالات تشبه إلى حد بعيد السجالات المستمرة منذ قرون بأحقية من في الخلافة .. علي أم عمر ؟ هل إن كل المدافعين عن القانون متدينون ومسلمون حقيقيون مع وجود كل هذا الكم الهائل من الفساد والسرقات والتداعيات ؟ وهل أنهم لا يشربون في الخفاء أم إن دفاعهم المستميت عن القانون هو ركوب للموجة الدينية وطوفان الإسلام السياسي ؟ أم هو دعاية انتخابية وكسب لأصوات في مجتمع غارق في التظاهر بقشور الدين دون تطبيق حقيقي للدين ؟

هل إن كل من يرفض القانون هو شارب للخمر ومروج للرذيلة ؟ من يا ترى المخطئ ومن المصيب منهم ؟ لماذا حشرت فقرة المنع ضمن مشروع قانون واردات البلديات وفي الساعات الأخيرة ولم يطرح كقانون منفصل وما هي العلاقة بين واردات البلديات وموضوع حضر الخمور الذي بدا بعيدا كل البعد عن مضمون قرار واردات البلديات كليا ؟ هل إن قانون منع تصنيع وتداول الخمور أهم من إقرار قانون يمنع مزدوجي الجنسية من تسنم مناصب في مناصب مهمة بل خطرة وتمس أمن الدولة والمجتمع ؟ هل إن القانون أهم من وضع قوانين تمس الحفاظ على البنى التحتية الاجتماعية كالتعليم والصحة والقضاء وغيرها ؟

هل سيكون القانون الذي يهدف إلى فرض الشريعة الإسلامية بقوة مفتاحا لقوانين مجتمعية جديدة تجرم ترك الصلاة ( مثلا ) وتخول السلطات التنفيذية متابعة وتجريم تارك الصلاة ؟ هل سيكون هناك قانون يلزم أو يجبر الفتيات والنساء على ارتداء الحجاب لكون عدم ارتداءه مخالف للشريعة الإسلامية ؟ هل سنجبر المسيحيات على ارتداء الحجاب خوفا من فتنتهن ؟ ماذا بقي عن إمكانية تشريع قانون يعاقب المدخن بالجلد في الشارع وأمام العامة ؟ ما الفرق إذن بين هذه التوجهات وأفكار داعش والتنظيمات المتطرفة ؟هل إن عبارة " رفض أي قانون يتعارض مع الشريعة الإسلامية " والواردة في الدستور تخول السلطة التشريعية سن قوانين لمتابعة تنفيذ الشريعة ؟ كم قانونا سنحتاج وما هي المساحة المتبقية للحرية الشخصية إذن ؟ إن التاريخ لم يذكر منع الإسلام لغير المسلمين من بيع أو تناول أو صنع الخمور فلماذا هذه الفتنة الجديدة التي ستسبب كوارث مجتمعية أكثر من نتائج تناولها ؟ لذا قررت أن أدلو بدلوي بين الدلاء مغامرا بالتعرض للنقد أو الشتم ربما ..

تحضرني هنا كلمات للسيدة بان الجواهري التي كتبت عن ذكرياتها أيام المراهقة وبدايات الشباب عندما كانت تذهب إلى دور السينما مع صديقاتها ثم يرجعن للبيت بمفردهن مرورا بشارع السعدون الذي يعج بالبارات دون أن يخشين شيئا ودون التعرض للمضايقات وتقارن تلك الذكريات بخشيتها من الخروج هذه الأيام بمفردها لاسيما بعد غروب الشمس ؟ لست هنا بصدد الدعاية للخمر والخمارين لكن الإنسان بشكل عام مجبول بحرصه على ما منع وسلوكه مختلف الطرق الشوهاء للوصول إلى غاياته .

ومثلما يحق للمتدين أن يمارس طقوسه وعباداته في بلد يفترض أن يكون ديمقراطيا فان لشارب الخمر أن يترك الخمر بإرادته وبقناعته لا أن يكون ذلك تحت ظل قانون يجرمه ويفرض عليه الغرامات المالية .. إن قانون منع الخمور في الولايات المتحدة قبل حوالي قرن كان من أول أسباب ازدهار الأسواق السوداء والمافيات الخاصة بتهريب الخمور . كما إن منع بيع الخمور بشكل علني في العراق أبان " الحملة الإيمانية " قد أدى إلى نتيجة كارثية وهي فتح سري لبارات ومواخير دعارة قرب الحانات لا سيما في منطقة البتاويين مع انتشار تعاطي المخدرات والجريمة المنظمة بينما كانت تلك الدور تجد الحماية من مسئولين في الدولة .

نصت المادة 14 – أ من قانون واردات البلديات على حضر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها .. حسنا إذن .. ماذا عن تناولها ؟ هل يعني هذا إعفاء شارب الخمر من العقوبة في حال تمكنه من الحصول على الخمر وعدم تمكن الدولة من معرفة المستورد أو المصنع أو البائع ؟

لنتساءل من يشرب الخمر في العراق ؟ سيكون الجواب حتما : المسيحيون والأيزيديون والصابئة والمسلمون من غير المتدينين على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم .. هل بقي طيف من أطياف العراق لم يذكر هنا ؟ هذا يعني أن قرار المنع قد شمل كل أطياف العراق ..

من وجهة النظر الدينية فان الفيصل هنا سيكون القرآن الكريم باعتباره دستور المسلمين حيث لا توجد آية صريحة تحرم تناول الخمر بل هناك أمر باجتنابه أي إن الأفضل تركه وهذا نص الآية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .. وفي آية أخرى نجد إن هناك إقرارا بوجود الضدين معا النفع والضرر وهو تنبيه لتحكيم العقل لاتخاذ قرار التناول أو الترك وفقا للحالة والحد الممكن وهذا نص الآية : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) .. إن موضوع تناول الخمر هو موضوع شخصي فردي يتعلق بالإنسان وحده ومن الخطأ التعميم بوجود ضرر على المجتمع جراء ذلك ولنتساءل كم نسبة الجرائم التي ارتكبت تحت تأثير الخمر قياسا إلى الكم الهائل من الجرائم التي ترتكب في صحوة وإصرار من العقل بسبب الدوافع النفسية والرغبات الشخصية والنزعات الديكتاتورية ودوافع شهوات التسلط ؟

ومن وجهة النظر الدستورية فقد نصت المادة الثانية على عدم جواز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية والسؤال هنا كيف سيحفظ هذا القانون حرية الفرد وتحت ظل ديمقراطية مزعومة ؟ كيف سيحفظ للأقليات حقوقهم ومنها حقهم في تناول أو بيع أو صنع الخمور ؟

لنرجع إلى تداعيات تنفيذ القانون المحتملة وتأثيراتها على المجتمع العراقي ولنوضح ما يلي :

1. . ان هناك شريحة كبيرة من العراقيين من سكنة سهل نينوى كبعشيقة وبحزاني وعين سفني وقرقوش وكرامليس وبغديدا وتلكيف والقوش وبرطلة وبازوايا وتلسقف وباطنايا والعديد العديد من القصبات الأخرى ممن يعتاش على مهنة تصنيع الخمور محليا أو مهنة بيعها وشراءها أو تقديم الخدمة وما شابه ذلك .. وقرار المنع يمس المقدرات الاقتصادية لهذه الشريحة ويدفعهم بشكل أو بآخر للهجرة خارج البلد لإفراغ العراق من وجود هذه الأطياف لا سيما من المسيحيين أو على الأقل الانفصال عن نينوى بمحافظة ثم الاتحاد مع إقليم كردستان الذي أعلن عدم التزامه بتنفيذ هذا القرار .. وهذه هي اللبنة الأولى في تقسيم العراق على أساس طائفي لتنتج عنه أقاليم أو دويلات هشة وليس بعيدا عنا مطالبات سابقة لبعض السياسيين لإقامة إقليم خاص بطائفة معينة مستندا على الحجة الواهية والفتنة التي لا تنام وهي فتنة حماية تلك الطائفة من إرهاب طائفة أخرى ونتساءل هنا ماذا عن الطائفة الأقل عددا التي ستشترك مع الأكثرية في أي إقليم جديد ؟

2. . إن القرار يدفع جبرا متعاطي شرب الخمور للبحث عنها بطرق غير مشروعة مما يؤسس لسوق سوداء غير رسمية ومن المعروف ما لهذا من تأثير شخصي اقتصادي أولا متمثلا بدفع المتعاطي لمبالغ إضافية ترهق ميزانيته مع تعريضه لمخاطر تطبيق القانون أما على الصعيد الاجتماعي فهو يؤسس لولادة شريحة من التجار غير القانونيين في مجتمعنا وقد تكون أولى مخاطرها الواردة والحاضرة بقوة هنا أن تستغل من قبل شرائح من السياسيين كمورد سري لتمويل الأحزاب والكتل .

3. . كما إن القرار يدفع المتعاطي للبحث عن بدائل ممكنة وهذا يؤسس لترويج تجارة المخدرات التي قد تستخدم كمصدر إضافي خفي لتمويل الأحزاب واتلكتل السياسية وبالتالي التأثير السلبي في مجتمع يجاهد الكثير من المثقفين والناشطين للحفاظ على تماسكه .. وليس بخاف على المتتبعين دور تجار المخدرات الإيرانيين وجعلها ممرا للمخدرات التي تنتج في أفغانستان وتستهلك في إيران وبقية دول المنطقة وسيكون العراق السوق الجديدة لإيران لترويج المخدرات والخمور كما إن تجربة العربية السعودية في هذا المجال وأقصد مجال ترويج الخمور والمخدرات بشكل سري يعاني منه المجتمع السعودي؟.

4. . إن القانون بالتأكيد سيكون عقبة في مجال السياحة وعاملا غير مشجع لها كما سيكون عقبة في مجال الاستثمار الذي نحن بأمس الحاجة له لإعمار البنى التحتية المنهارة .

5. سيدفع القانون الكثير إلى التصنيع المنزلي للخمور وربما بطرق غير سليمة لينتج عن ذلك كميات رديئة التصنيع وربما ذات سمية وتسبب أضرارا صحية كبيرة وبالتالي إنتاج أجيال من المرضى أو المعاقين وهذا له تأثير سيء على بنية مجتمع صحي خال من الأمراض .

عندما جاء إلى امرؤ القيس من يخبره بمقتل والده قال قولته الشهيرة " اليوم خمر .. وغدا أمر " .. ولعل واضعي ومؤيدي القانون سيسكرون بخمرة انتصارهم على الخمارين " اليوم " دون النظر لما سيجره على المجتمع تطبيق القانون من أمر " غدا" ..







#فارس_حميد_أمانة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة حب
- أطفال داعش .. اندماج .. أم قنابل مخبأة
- هدى جرجيس سعيد .. المسيحية -الكافرة-
- أنا .. ارهابي ( الجزء الثالث والأخير)
- أنا .. ارهابي .. الجزء الثاني
- أنا .. ارهابي
- الرحيل بعد صعود الجلجلة
- احتراق
- تحليق
- ندم مجدلية
- ندم المجدلية
- لا تندمي .. لا
- من دونك يا بغداد
- البحث عن عبد اللطيف علو
- بدونك
- ارتديني معطفا عند العناق
- ﺇ-;-متطاء صهوة الجنون
- أوجاع البجعة البيضاء
- هدى جرجيس سعيد .. أيقونة المحبة
- عانقيني .. راقصيني


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فارس حميد أمانة - اليوم خمر .. وغدا أمر