أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - انعكاس الثقافة القومية على الأدب (5)















المزيد.....



انعكاس الثقافة القومية على الأدب (5)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5340 - 2016 / 11 / 11 - 12:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


انعكاس الثقافة القومية على الأدب (5)
طلعت رضوان
أعتقد أنّ الأديب خيرى شلبى كان أحد الذين وعوا أهمية الثقافة القومية لشعبنا، من سيرة شعبية كتبها مبدعون مجهولو الاسم ، وأحيانــًـا يكتبها أكثر من شخص ، خاصة عندما تنتقل من جيل إلى جيل (وهى ظاهرة موجودة لدى أغلب الشعوب) والسيرة الشعبية مجهولة المؤلف ، تتميز بعدة خصائص : الأولى أنها تأتى كتعبير صادق عن رؤى وطموحات الشعب . الثانية أنها تنبض بالميثولوجيا الثقافية لهذا الشعب ، من أمثال وحِكــَمْ ونكت (جمع نكتة وهى صحيحة لغويًا) وعادات وطقوس إلخ . الخاصية الثالثة أنها تأتى كنوع من البوح عن الشعور الجمعى . الخاصية الرابعة أنها تكشف عن سمات الشخصية القومية بكل إيجابياتها وسلبياتها . الخاصية الخامسة أنها تأتى مُحملة بالنقد للمنظومة الاجتماعية والسياسية السائدة وقت كتابتها .
لذلك كانت سعادتى بالغة عندما قرأتُ للأديب الكبير خيرى شلبى روايته البديعة المعنونة (الآمالى لأبى على حسن : وِلْدْ خالى – سيرة ذاتية شعبية فى ثلاثة أجزاء : أولنا ولد ، وثانينا الكومى ، وثالثنا الورق) الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب – عام 1997)
تعود أهمية هذه الرواية ، إلى أنّ مؤلفها تقمّص شخصية الراوى الشعبى ، وجلس مكانه على الدكة فى مقهى شعبى أو فى وسعاية شعبية ، كما كان يفعل الفلاحون قبل غزو التليفزيون لقرى مصر. ومن هنا يأتى أسلوب السرد فى المقام الأول ، ليكون متسقــًا مع مضمون الأحداث .
كاتب السيرة لم يعط المبدع له اسمًا ، ربما عن عمد ، ليكون مثل كاتب السيرة الشعبية مجهولة المؤلف ، جاء إلى القاهرة ليتعلم فى الأزهر ، وهو يعيش فى كنف ابن خاله حسن أبو على ، ينام فى قصره ويذهب إلى الأزهر فى سيارته ، ويحب مشاهدة التليفزيون ليرى الأفلام والتصاوير ، فقال له حسن أبو على : ولماذا الأفلام والتصاوير يا ولدى ؟ أنا عندى لك من الأفلام والتصوير ما هو أحسن من هذه وأنفع . ومن هنا جاءتْ فكرة كتابة السيرة الذاتية . حسن أبو على يحكى وقريبه الطالب يكتب . وفى الاستهلال كتب أنه تحمّس لكتابة هذه السيرة الذاتية لأنه درس ولـْدْ خاله وخبزه وعجنه وقال ((عرفتُ عنه الكثير مما تقشعر منه الأبدان ، ولكننى مع ذلك أحببته . وكلما ضقتُ به وبثرثرته ، تذكرتُ أنّ الواقع فى صفه . والغريب أننى كلما دققتُ فى الاستماع إليه ، وجدتُ حِكمًا خطيرة ، وجنيتُ فوائد جمة لا تحصى . بصراحة وجدته على حق ، إذْ أطلتُ الجلوس أمام الشاشة الملونــــة ، فأصابنى التكرار بالكآبة ونظرتُ فى كتب الدراسة فما وجدتُ إلاّ علومًا تتقعر فى الفراغ بعيدًا عن مجريات الحياة : علوم هذه الكتب كلها تسير فى وادٍ ، وتسير حياتنا فى وادٍ آخر، وليس ثمة من صلة بينهما على الاطلاق ، فكل يمضى فى فلكه بعيدًا عن الآخر . والناس فى بلادنا يتخرّجون فى الجامعات والمعاهد والأكاديميات ، ليُصبحوا فى النهاية مجرد موظفين ، إنّ أمثال ولــْدْ خالى هم وجوه المجتمع الحقيقيين ، أصحاب رأس ماله ، وأعضاء مجلس شعبه ، وتاجرو مخدراته . أمثال ولـْدْ خالى حسن أبو على هؤلاء هم الفائزون على الدوام ، وليس يُصيبنا من التعليم سوى النفقات والعناء الشديديْن .. لكل هذا فأنا أستمع وأدون كل حكاوى ولـْدْ خالى حسن أبو على التى طقتْ فى مخه فجأة ، فطلع فى دماغه أنْ يُمليها علىّ .. وقد أملاها علىّ فى استمتاع شديد ، ودوّنتها فى استمتاع أشد .. لقد أدلى بشهادته كاملة غير منقوصة ، لما رأى أنّ الجميع فى هذه الأيام يهتمون بكتابة شهاداتهم ، كل من هبّ ودبّ يتطوع بالادلاء بشهادته ، فأراد ولد خالى أنْ يُلقنهم درسًا فى نوع الشهادات التى يجب أنْ تــُـكتب اليوم ، فهو يكشف عن الجانب الدقيق المخفى من حياتنا المتعتقه ، فيعترف بكل مدهش ومثير.. وإذا هى شهادة جديرة بأنْ يحملها ضمير الأمة كما قال)) ( من ص 11- 13)
أعتقد أنّ هذا الاستهلال تم توظيفه (بنائيًا) لأنه مهّد للقارىء الشكل الروائى من ناحية ( أى تقمص أسلوب الحكاء الشعبى) كما أدان شهادات المثقفين بطريقة غير مباشرة عندما قال : فلعله آن الأوان ليستمع (الشعب) إلى شهادات العامة من أفواه المواطنين (ص 13)
000
تبدأ السيرة منذ السنوات القليلة السابقة على استيلاء الضباط على حكم مصر يوم 23 يوليو 1952 ، وحتى اغتيال الرئيس السادات . يتذكر حسن أبو على شخصية (على السايح) الصادر ضده عدة أحكام قضائية كلها اعتداء على الحكومة وقتل أعيان من رجالها ((مع أنّ الحكومة هى التى تبدأ دائمًا بالعدوان . هل هناك من يتعدى على الحكومة من الباب للطاق ؟)) تم القبض على (على السايح) وترحيله إلى النيابة ثم محكمة أسيوط الجنائية التى حكمت عليه بالتأبيدة الرابعة ، رغم أنّ محاميه (عبدالفتاح باشا الطويل) أثبت أنه عند اشتعال المعركة ، كان المتهم عند أخواله فى نجع حمادى ، وأنه وصل بعد انتهاء المعركة ، ولهذا لم يُشارك فيها ، ولو شارك فيها كان أمامه متسع للهرب ، كما أنه ليس لدى الحكومة شهود ، لا من رجالها ولا من أهل البلدة ، لأنّ الجميع كانوا قد ماتوا فى المعركة )) (من ص 19- 23) ما حدث مع شخصية (على السايح) هو المدخل لحياة ( أهل الجبل ) فى الصعيد عندما نتعرّف على شخصية (خرابه) ثم أرملته التى تولت الزعامة بعد قتله على يد الحكمدار .
يتذكر حسن أبو على والده الذى كان يعيش على ذراعه ، يشتغل يومًا ويبطل عشرة . ويتذكر أنه يوم (السوق) لابد أنْ تطبخ كافة الدور.. الدار التى لا يتصاعد منها الدخان ليلية السوق هى دار اليتامى (ص 17) لذلك كان الراوى محقــًا عندما بدأ هذا الفصل المعنون ( الفاتحة ) بهذه الكلمات (( الله لا يُعيدها من أيام .. الفقر وحش يا ولدى .. وأكل العيش مر)) (ص 15)
تحت سياط هذا الفقر دفعته أمه إلى السرقة من المزارع المجاورة قالت له ((إذهب وهات شيئـًا نأكله .. إنها مزروعة قمحًا .. خذ القفة واملأها عن آخرها بالسنبلات .. احذر أنْ يراك أحد وأنت تفعل هذا .. لا يهم أنْ يراك وأنت مُـقبل بها .. المهم ألا يراك وأنت تسرق .. فاتكل على الله يا جدع .. اتكل على الله)) (ص 31) هكذا كانت بداية حسن أبو على مع السرقة ، التى تدرّجتْ من سرقة سنابل القمح بهدف سد غول الجوع ، إلى سرقات أكبر ، فعندما غادر قريته فى صعيد مصر إلى القاهرة ، واختلط ببلدياته الصعايدة ، تعلم منهم سرقة حبال الغسيل ، وسرقة محلات البقالة ، ثم تصاعدتْ الخبرة ، عندما تعرّف على الحاج (السنى) الذى جنّد بعض موظفى القطاع العام لسرقة منتجاته ، من حديد تسليح إلى أسمنت إلخ مقابل نسبة معينة توزع على من يتسلمون البضاعة ومن بينهم حسن أبو على ، وذلك على النحو الوارد تفصيلا فى فصل شيق بعنوان ( ليلة ق . ع ) من ص 342- 353 . وعندما أراد أحد مقاولى الأنفار خدمة حسن أبو على أخذه معه للعمل فى معسكر الهايكستب ، ورأفة به أعطاه مبلغًا من المال ليشترى السكر والشاى ووابور الجاز، لعمل الشاى للعمال والعساكر والضباط . ولكن حسن أبو على عرف طريق تهريب السلاح والذخيرة ، ولأنه ((ليس كل مرة تسلم الجرة)) تم القبض عليه . ولأنّ العقوبة قد تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة ، فقد صدر الحكم ضده بسنة واحدة ، بفضل وكيل النيابة الذى كان محبوسًا معه ، وقال له عليه أنْ يطلب من المحكمة أنْ تنتدب له محاميًا ، وكتب له مذكرة الدفاع التى يُسلمها للمحامى ، وفيها أنّ على البوابة عساكر ، يُفتشون كل من يخرج من المعسكر ، وأنه تم ضبطه خارج المعسكر ، وبالتالى فإنّ أقواله صحيحة .
كانت تجربة السجن ، وشطارة وكيل النيابة المحبوس معه ، من التجارب المهمة فى حياة حسن أبو على الذى بدأ يتعرّف على كبار تجار تهريب الآثار ، مقابل عمولة معينة ، ومن تهريب الآثار بدأ الثراء الذى هيأ له الترشيح لعضوية مجلس الشعب ، وبعد نجاحه فى الانتخابات بدأ نجمه فى الصعود ، إلى درجة أنْ أصبح أحد المقربين من الرئيس السادات .
طلب الرئيس السادات من أجهزة الأمن أنْ تـُحضر له الشيخة سعادة لتقرأ له مستقبله . رفضتْ الشيخة مقابلة الرئيس ، فلجأ إلى الشخصيات العامة القريبة منها ، خاصة بعد أنْ علم أنها العرافة ((التى يطلبها علية القوم من مجلس قيادة الثورة)) (ص 693) وأنّ ((بعض أعضاء السفارة الأمريكية دعوا الشيخة للتعرف عليها . وأنّ رجل أعمال سعودى يعمل بالسياسة هو الذى نقل لهم أخبارها ، وقال لهم إنها ساحرة تـُجيد قراءة الطالع السياسى للأشخاص وللدول . وأنّ الحاج نوار الدين قال إنّ الأمريكيين فتنوا بها وأكرموها كرمًا زائدًا)) (ص 780) صمّمتْ الشيخة سعادة على رفض المقابلة . علم الرئيس السادات أنّ حسن أبو على من بلدياتها ، فطلب منه التوسط لديها لحضورها إلى مقر الرئاسة لتقرأ له مستقبله .
كان هذا الطلب من الرئيس هو الورطة الكبرى التى وقع فيها حسن أبو على . فهو شقيق الشيخة سعادة التى أعلنتْ الحرب على شقيقها ، لأنه يعمل فى التجارة الحرام ، ولذلك قرّرتْ فض الشراكة بين شركاتها وشركاته وقالت له (( شوف يا خوى .. لقد نصحتك كثيرًا ، لكنك تـُصر على أنْ تستمر فى الضلال .. أنتَ بصراحة تـُعتبر فى نظرى ونظر شرع الله من أكابر المجرمين فى البر المصرى .. كل ثروتك التى جمعتها من وراء شركاتك المتعددة هى حرام فى حرام .. أنت تقبل الحرام على نفسك وعلى أولادك)) وعندما ردّ عليها ((كسبنا صلاة النبى)) قالت له (( لا تذكر اسم الله على لسانك .. لأنك تفعل كل ما يُغضب الله)) ( ص 1013) بعد هذا الموقف ، وبعد فض الشراكة بينهما ، وبعد أنْ قرّرتْ الشقيقة مقاطعة شقيقها ، اعتبر حسن أبو على أنّ علاقته بشقيقته قد انتهتْ تمامًا ، لذلك عندما طلب منه الرئيس السادات التوسط لديها ، شعر بالرعب من مقابلة شقيقته ، وشعر بالحرج من مجرد رفض طلب الرئيس . وحدث ما كان يتوّقعه ، إذْ كاد أنْ يموت على يد رجال الشيخة سعادة ، ولكنها فضلتْ الابقاء على حياته . وقالت له فى تبرير موقفها (( إننى صرتُ مقتنعة بأنّ قتلك أصبح واجبًا وحلالا .. غير أننى سأتركك حيًا لسببين : الأول أنْ تبلغ رسالتى لأنور السادات ، والثانى لأنه هو الذى سيقتلك بنفسه.. لقد عرف أنك شقيقى منذ وقت طويل .. وهو يضعك تحت الاختبار.. وعرف أنى أحاربه .. فأرسلك طعمًا ليصطادنى بك .. لكنه نسى أنّ مخابراتى أنشط وأقوى من مخابراته)) وعندما سألها عن مضمون الرسالة التى يحملها للرئيس قالت (( قل له إنّ الكتاب لا يكذب .. والنبوءة لابد من حدوثها .. لقد أنذرته.. وقد أعذر من أنذر.. لكنه لم يرعو.. بل ازداد جهالة على جهالة.. وكرّر صورة الطاغوت (تقصد الرئيس السابق عبد الناصر) مضروبًا فى مائة)) (ص 1099)
الشيخة سعادة شخصية تراجيدية من طراز رفيع . بدأتْ حياتها مجرد فتاة صعيدية اسمها (سعدية) تزوّجتْ من قاطع طريق ورئيس عصابة اسمه (خرابة) وبعد أنْ قــُـتل زوجها على يد الحكمدار ، ارتدتْ زى فارس وقتلتْ الحكمدار، ومنذ ذاك اليوم صعدتْ إلى الجبل وحلتْ محل زوجها القتيل . وبدأتْ مسيرتها بالعطف على الفقراء . ووجدتْ أنّ الثراء الأعظم يأتى عن طريق تهريب الآثار المصرية ، كثرتْ الأموال تحت قدميها ، وغيّرتْ اسمها من سعدية إلى الشيخة سعادة ، وأدّتْ فريضة الحج ، وكثرتْ الشخصيات العامة والمسئولة فى الدولة الذين يتودّدون إليها والجلوس بالقرب منها لقراءة طالعهم السياسى . والتراجيديا تأتى من التحول الدرامى فى هذه الشخصية ، فهى فى فترة من حياتها تلقى بالمواعظ التى تختلط فيها السياسة بالأخلاق بلغة الأصوليين الدينية ، فتقول عن شخصية (المهرج) مضحك الملوك والرؤساء أنّ (( ظله يبقى زاحفـًا أمام كل طاغية.. ما بقى الطاغية طاغوتـًا متسلطــًا. إنه ظل الدكتاتور.. وجهه الآخر.. قرينه النقيض.. لقد أمتـُهنتْ كرامة النيل.. ألقى فيه بالروث.. ركبه الكفرة الفجرة. وتلك علامة الانهيار.. والأفظع منه أنْ يتخلى الطاغية باختياره عن العبء صراحة أو من وراء ستار.. وكل الشواهد تـُشير إلى قرب رحيل الطاغوت واعتلاء المهرج سرير السلطة.. وحينئذ تموت البلاد ميتتها الأولى.. فالبلاد لا تموت بنكسة أو هزيمة.. إنما يبدأ الموت حينما ينزوى المسئول ويظهر المهرج.. وقد ظهر المهرج بالفعل فى الاذاعة واضعًا (شنبه فى المصيدة) ، (الفيل فى المنديل) ، (الفلة فى الفانلة) ، (البغل فى الابريق) وقالت أيضًا ((المستفيدون من انتشار الفساد يكثرون.. ومعفرو جباههم تحت أقدام أثرياء النفط يكثر عددهم تحت راية الدين والدين منهم براء..وحينئذ تموت مصر ميتتها الثانية. وقالت إنّ شخصية (الحكيم) هو روح مصر الباقية.. وأنّ صبر المصريين على البلاء.. الصبر الذى يظنه الأغبياء تبلدًا واستسلامًا للعبودية .. الصبر الذى بنى الأهرامات وامتطى النيل وشيّد للعبادة بيوتـًا ذات عُمد راسخة.. الصبر الذى نقش على حجر الصوان قصة الخلق والحياة قبل الموت وبعده.. الصبر الذى حنـّط الأجساد بعد صعود روحها إلى بارئها.. هو صبر من الحكمة وحكمة من الصبر.. فإنْ رأيتم المصرى يمشى لاهيًا خالى البال غير معنى بمن يركبه.. من يمص دمه.. من يستعبده.. فاعلموا أنكم مخطئون إنْ تصوّرتموه هكذا لأنه فى الواقع يعرف كل شىء. يُدرك كل شىء. إنه حكيم طويل البال (من ص 791- 808)
ولكنها فى مرحلة تالية من حياتها تتحول إلى أصولية مشغولة بتكفير الحكام والمحكومين. وفى زيارة شقيقها لها الأخيرة فى الجبل ، رأى أحد الشيوخ يلقى درسًا دينيًا عن كتابات (ابن تيميه) فى معاملة الحاكم . وعن عذاب القبر. وكانتْ الكلمات الأولى التى استقبلتْ بها شقيقيها هى ((ماذا وراءك أيها الكافر الفاجر.. يا من تستحق السحل.. خير لى أنْ ألقى بك حيًا فى النار وأستمتع برؤيتك وهى تسلقك وتشويك)) وقالت عن الرئيس السادات وشبيهه (محمد أبو شناف) (( كلاهما آثم فى نظرى .. كلاهما قنطرة يعبر فوقها الفساد لتخريب ديار الإسلام.. ويفتح الباب للكفر حتى يُصبح الإسلام غريبًا فى بلده)) وعندما حضر حسن أبو على احتفال السادس من أكتوبر، وجلس بجوار الرئيس السادات ، وشاهد اللحظات المأساوية لاغتيال الرئيس قال ((فوجئتُ بالرصاص ينطلق فى وجوهنا .. مُصوّبًا على رقبة الرئيس السادات نفسه.. جمّدنا الذهول يا خال .. وإذا بشاب ضخم الجثة يُقبل مهرولا نحو أنور السادات .. يصب الرصاص فى صدره مع الصرخات الآمرة المتشفية.. هبطنا كلنا تحت الكراسى كالأرانب المذعورة..حدثتْ دربكة هائلة.. فرّ من فرّ.. عينى جاءتْ فى عين الشاب الضخم الذى اقترب من المنصة.. تحلف يمين يا خال أننى رأيته بنفسه.. بعينيه.. فى مخبأ الشيخة سعادة)) (ص 1091، 1096، 1116)
شخصية الشيخة سعادة التراجيدية ، لخصها شقيقها حسن أبو على بطل هذه السيرة الشعبية قائلا : أختى ((فرّطتْ فى اخوتها .. سلمتُ أمرى لله فيها .. كانتْ فى غاية القسوة رغم رقتها الظاهرة.. كانتْ شخصية رابعة أشد هولا وخيالا من الشخصيات الثلاث السابقة : سعدية زوجة خرابة قاطع الطريق . زعيمة الجبل الملكة عليه . الشيخة سعادة العرافة)) وفى تقييمه لموقفها الأخير المتبنى تيار العنف والتصفية الجسدية للخصوم ، كما حدث مع اغتيال فضيلة الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق ، رغم تبحره فى الفقه الإسلامى . فى تقييمه لتحول شقيقته قال حسن أبو على ((أهى اللوثة الدينية التى أصابتْ البلاد فى مقتل ؟ ولكن كيف تسرّبتْ جرثومة القسوة والعمل الدينى المسلح .. ليس ضد الدولة فحسب .. بل ضد الناس كلهم .. صالحين وفاسقين معًا.. ومن يُدريها يا خال ، إنْ كان هذا أو ذاك من البشر فاسقــًا أم صالحًا ؟ وما مقياس الفسق ومقياس الصلاح فى نظرها ؟ هذه اللوثة جرثومة وفدتْ علينا من خارج البلاد يا خال . وأنا على يقين من أنّ الشيخة سعادة على علاقة وثيقة بأمراء ومشايخ نفط أثرياء وشيوخ دين مصريين أكثر ثراءً ، يعيشون فى قلب أمريكا وأوروبا . رأيتُ الكثيرين من أمثال هؤلاء وأولئك عندها كثيرًا فى الجبل فى أسيوط . رأيتُ عندها فى الجبل حقائب سفر ملآنة بالفلوس : دولارات على فرنكات على استرلينى على كويتى وسعودى وعراقى .. إنها بنك من البنوك .. وعندما سألتها ذات يوم : هل تتاجرين فى العملة ؟ سلقتنى بنظرة أحرقتْ صدرى وقالت ((إنها نفحات من باب الله إلى باب الله)) ( من ص 1094- 1095) وقال عن شقيقته أيضًا ((الواقع يا خال أننى صرتُ حائرًا فى أمر الشيخة سعادة .. فأنا على ثقة أنها تحب الوطن والعدل والانصاف .. بقدر ما فى نفسها من ورع وتقوى.. فكيف بها هى نفسها تقبل المتاجرة فى الآثار ، وتأوى فى مملكتها سفاحين وقتلة ومدمنى إجرام)) ( ص 889)
وإذا كانت الشيخة سعادة شخصية تراجيدية ، فإنّ بطل السيرة (حسن أبو على) لا تقل حياته الزاخرة بالتقلبات والتحولات ، من تصاعد درامى ، يجعل منه شخصية تراجيدية أيضًا ، فعندما حذرته شقيقته من التجارة الحرام ، ومن استغلال عضويته فى مجلس الشعب لتحقيق مصالحه الشخصية إلخ ، مال إلى أنْ يقف مع نفسه .. ويتجرّأ لإجراء نوع من النقد الذاتى ، ثم يٌفكر فى التوقف عند هذا الحد ، ليبدأ حياة جديدة ، ولكنه يمر بأقصى لحظات الصراع النفسى ، فيأتيه الصوت الداخلى الآخر ليُقنعه بالاستمرار فى حياته كما هى دون أدنى تغيير ، ولكنه يكذب على نفسه ، ويُصدٌق أنّ هذا الصوت الآخر هو صوت أحد أتباعه.. صوت شخص اسمه (بسبوسه) تعرّف عليه أيام (الصياعة الأولى والسرقات الصغيرة) قبل أنْ ينتقل إلى (سرقات الكبار) الذين كلما كبرتْ سرقاتهم ، كلما زاد نفوذهم وارتفعت مناصبهم ، تحت سياط تلك الحيرة قال حسن أبو على وهو يُملى سيرته الذاتية ((موجز القول يا بوى أننى نويتُ أنْ أوفق بين صورتيْن يزعقان فى صدرى بقوة . صوت الشيخة سعادة وصوت بسبوسة : أنْ أخدم ما استطعت .. وأنْ أكسب ود الحكومة ما استطعت . بشرط أنْ يؤدى هذان السبيلان إلى تكبير مصالحى ووضعها فوق كل اعتبار)) ويتذكر كلام (بسبوسه) الذى قال له (( شوف يا صاحبى.. نحن عيال جدعان نساوى ثقلنا ذهبًا . علمناك التفتيح والشغل المربح . عاشرتنا وعاشرناك . على الحلوة والمرة . لكن الله أعطاك وكبرتْ . هنيئــًا لك يا عم . مهمتنا الآن تكبيرك أكثر وأكثر. ففى تكبيرك مصلحة لنا . أنت الآن عضو فى البرلمان تملك الحصانة . ووقوفنا معك الآن لا يزيد عن وقوفنا معًا فى أى عملية قمنا بها . كنا نسرق ونهجم ونكسر الدكاكين .. كنا بالأمس لصوصًا صغارًا يسرقون الأفراد فى جنح الظلام .. سرقات صغيرة . أما الآن فقد انضممنا إلى صف الكبار لنسرق شعبًا بأكمله فى وضح النهار.. تحت حماية قانونية وبموافقة المعتدى عليهم)) (من ص 883- 884)
حسن أبو على بعد أنْ (تمرمط) فى السرقات الصغيرة ، فلسف الموقف قائلا وهو يُملى سيرته الذاتية (( السجن ليس للص الكبير فى بلادنا يا بوى . إنه عقوبة اللص الصغير فحسب . كلما تفهتْ ( من التفاهة) مسروقاته عظمتْ عقوبته . لهذا أعدك يا بوى أننى لن أكون هذا اللص أبدًا . إنما سأكون ذلك الكبير الذى يعلو بنفوذه ، فلا تطوله هامة القانون ، ولا تعرف طريقه عربات العسكر)) ( ص 461) والتناقض فى شخصيته يجعله يمزج بين التدين ، وبين أفعاله غير المشروعة ، فهو كلما كان فى موقف مرعب يقول ((ألقيتُ بنفسى عنوة فى قلب الظلمة المدلهمة. لا أبغى رؤية شىء ولا التفكير فى شىء . صرتُ أقرأ الفاتحة مرة بعد مرة . وسورة ياسين وآية الكرسى ، حتى انقطع سياق الآيات فجأة وكفّ طنينه فى دماغى )) ( ص 465) وبعد أنْ امتلأتْ جيوبه بالمال ، فكر فى عمل الخير، ففى زيارة لقريته رأى المرأة (كامله) التى اضطرتْ إلى بيع جسدها لمن يدفع ، فقرّر أنْ يتزوّجها ، وقال عندما رآها (( المؤكد أنه سبحانه جرّ رجلى إلى البلدة لكى أكفر عن ذنوبى وأفعل ما سأفعل)) سألها عن أحوالها ، فعلم منها أنها تعمل فى خدمة المقدس (جرجس غطاس) الذى اشترط عليها حُسنْ السمعة وأنها رحبتْ بذلك . طلب منها حسن الزواج على سنة الله ورسوله ، فشهقتْ من المفاجاة ، وبعد أنْ عاد لها وعيها قالت ((إنْ كنت تريد أنْ تتزوجنى حقــًا ، فإنك تقدر أنْ تخطبنى من المقدس جرجس . إنه الآن ولى أمرى)) وبعد أنْ تركها تمضى لحال سبيلها ، قابل حبه القديم ، الفتاة (حنه) وهى الأخرى ذاقت مر الفقر ، المر الذى مرّر حياتها ، وبدون تفكير طلب منها الزواج على سنة الله ورسوله ، فقالتْ له إنها الآن تعمل فى دار المقدس (ميخائيل إبراهيم ) الذى أخذها من دار العمدة ، بعد أنْ علم أنّ أولاد العمدة يتحرّشون بها ويفترون عليها . وأنّ المقدس ميخائيل ((يحوش لى الماهية كل شهر. ويُطعمنى ويكسينى)) سألها : هل أخطبك منه ؟ فقالت : (( لا أحد غيره)) فرحتْ البنية ومضتْ ((تتلعبط كالبلطية)) هكذا هى شخصية حسن أبو على ، يخطب فتاتيْن فقيرتيْن تائبتيْن فى يوم واحد ، وقد عبّر عن مشاعره قائلا (( كنتُ فى حالة فرح واغتباط لا مثيل لهما فى حياتى : فغدًا أو بعد غد أنام على سرير ذى جناحيْن ، على يمينى حنه وعلى يسارى كامله.. ولقد حلفتُ برأس أبى لأجمعنّ بينهما فى سرير واحد)) ( من ص 472، 477) وبعد حوار مع أحد الحيتان الكبار حول صفقة مشبوهة يتربح منها كلاهما قال حسن أبو على عن هذا الشخص (( رأيتُ فى لمعان عينيه قاطع طريق يقتل القتيل ويمشى فى جنازته.. خُيل إلىّ أنّ نهايتى ستكون على يديه والعياذ بالله)) ثم قال لنفسه (( تشجّع يا ابن أمك .. وأمكر به مثلما يمكر بك . لا تضعف لأنّ ضعفك قوة له ، وهو لن يأكلك إلاّ إذا تأكد من ضعفك . فكن أقوى منه تأكله)) ( ص 740) وعندما انغمس فى تجارة تهريب الآثار المصرية ، ورغم أنه لم يُكمل تعليمه ، إلاّ أنه عندما سمع السياح يتكلمون مع أحد المصريين المتاجرين فى تهريب الآثار باللغات الأجنبية قال لنفسه (( صرتُ كالأطرش فى الزفة.. تحلف يمين كأننى ثور الله فى برسيمه.. غلى الدم فى عروقى . جاءنى صوت مجهول يُدوى فى صدرى قائلا : من لم يتعلم الكلام الإنجليزى أو الفرنساوى يبقى طول عمره حمارًا . ندمتُ لأننى على كثرة معاشرتى لأكثر من ترجمان ، ولد أعمى لم أتعلم منهم كلام الخواجات)) وصمّم على أنْ يتعلم اللغتيْن الإنجليزية والفرنسية . وعندما وقف أمام أحد تماثيل الملك رمسيس قال (( واه يا بوى . بحق الله من هذا الذى حدّد الملامح فوق كتلة من المرمر ، حتى جعلها تكاد تنطق . كيف رسم الانفعال على الوجه والأبهة الملوكية فى وقفة رمسيس الجامعة بين الكبرياء والتواضع . بين الألوهية والبشرية. بين الخيال والواقع . بحق جلال الله يا خال هذا لا يُقدّر بثمـــن . مجرد النظر فى تمثال كهذا يُعلمك معنى الجمال . يزرع فى قلبك الحب لمصر ولأهلها القدامى)) (ص 744، 745)
صاحب السيرة الذاتية الشعبية يتبوأ دور المؤرخ :
حسن أبو على تمتلىء ذاكرته بالأحداث السياسية التى مرّت بها مصر ، فهو يتذكر أحداث العدوان الثلاثى الذى قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ضد مصر عام 1965 ، ويتذكر أنه كان يستمع إلى راديو ماركة (صوت العرب) وسمع صوت أم كلثوم وهى تـُغنى : صوت السلام هوّ اللى ساد واللى حكم . ثم تلاشتْ هى الأخرى ودخلت المجموعة تصدح بجعير يفزع القلوب حماسة : الله أكبر.. الله أكبر)) (ص 166) وتعبير (راديو ماركة صوت العرب) تكرر كثيرًا فى الرواية عن عمد (أنظرالصفحات 166، 218، 335، 502) ومثل أى مؤرخ لا يكتفى بالرصد ، وإنما يتولى تحليل المواقف والأشخاص ، فإنّ حسن أبو على عندما دخل إحدى المقاهى رأى صورة عبد الناصر وصورة المشير، فقال وهو يُملى سيرته الذاتية (( على الحائط الخلفى للنصبة صورتان بالألوان . واحدة للرئيس أبو عبد الناصر والأخرى للمشير أبو عامر. الرئيس ينظر نظرة ناشفة مُرعبة لشخص مجهول لعله العدو الصهيونى البريطانى الذى يحكون عنه فى الجرانين والراديو. أما المشير فإنه يبتسم ابتسامة سبهللة . وفى عينيه نظرة دبلانة . نائمة . متساهلة .. كأنها تقول لك إفعل من وراء ظهرى ما تشاء وإبسط نفسك . فأنا عارف ومتغامض . لكن إذا استغفلتنى مصيبتك سوداء . خُـيل لى والله يا خال أنّ سعادة المشير يكاد ينطق قائلا لى : إلهف ما تشاء وإجر . كدتُ أفعل والله ياخال ، لكن نظرة أبو عبد الناصر كانت تـُسمّرنى فى مكانى وتـُرعشنى .. إلخ ( ص 173) ولكن هذا الشعور نحو عبد الناصر تغيّر، فقال فى موضع آخر من سيرته الذاتية ((حتى أبو عبد الناصر نفسه بلدينا ، صرتُ لا أحبه. صار قلبى ينزعج كلما سمعتُ اسمه. عمرك رأيتَ جديًا صغيرًا يُعاشر الذئاب ويعيش فى سلام ؟! حلال ماذا وحرام ماذا يا خوى ؟ لقد خربتْ الدنيا . أهل الثورة سرقوا أراضى الناس ورأسمالهم الذين لموه بعرق جبينهم ثم وزعوه على أهل لهم . وحرسوا عليه اللصوص ومن جاء فى ركبهم)) ( ص 402) ولأنّ حسن أبو على تقلد موضع المؤرخ الشعبى ، لذلك ينقل فى مذكراته ما قاله صديــقه ( كمبر ) صاحب الخبرة الحياتيـــــــة : (( المشير أصله ضرب مخ الجميع بمرض الفنانات . وآخر المُـتمة جاء ينتحر لى . فتكَ البلد وانتحر . أما الآخر (عبد الناصر) فقد نال أمنًا وجاء يعتذر ويتنحى . بلد مسمومة يا جدع . الثورة تأكل عظمنا ، وباشوات زمان طفشوا بفلوسهم . والضباط صاروا باشوات أوسخ من الباشوات . وإسرائيل لابدة لنا فى حقول الذرة العالية . وحقول الذرة هذه هى أمريكا إنْ كنت لا تفهم . وخلّ بالك إننى عجوز أكبر من شكلى. الذى مات مات فى كسحة. المشير نفسه مات . والبطل واللوطى كلاهما يموت فى النهاية ويتساويان فى القبر والكفن . ومصر كلها ماتت)) وبعد أنْ سمع حسن أبو على كلام (كمبر) تأمل صورة عبد الناصر ((المعلقة فى برواز مذهب على الحائط ، وكانتْ نهبًا للريح مشبوكة فى فتلة دوبارة دائبـة . فأخذتْ تـُصدر هذا النقرزان العنيف ، فقلتُ فى عقل بالى : لعله دبور زنْ على خراب عشه)) (من ص 523- 527) فى هذا المشهد فإنّ المبدع مهّد على لسان حسن أبو على لوفاة عبد الناصر. وفى جلسة من جلسات الحشيش مع أعضاء مجلس قيادة الثورة ، قال عنهم إنهم ((جالسون يُحششون ويسكرون ويرضعون فى أثداء الراقصات فى أحلك الليالى وفى أشد الأزمات التى تمر بها البلاد . يقولون إنّ الثورة أممت الشركات والمصانع وصادرتْ (أموال) الباشوات والاقطاعيين . أما هؤلاء الذين يجلسون أمامك الآن فإنهم أمموا الثورة نفسها . ترى أبناءهم وألاضيشهم يكتبون افتتاحيات الجرانين . ويتكلمون بالارهاب فى الاذاعة . ويخطبون بالحماس فى سرادقات المحافل . ويعيشون نفس الحياة التى كان يحلم بها الباشوات فى عز ثرائهم . ويُلحقون أولادهم بالمدارس الأجنبية . إنهم يملكون الأموال والنفوذ . ويُمولون كافة المعارك بجميع أنواعها ، إبتداءً من معركة فى حارة درب عجور بين إثنين من متسلقى الاتحاد الاشتراكى إلى معركة بين عبد الناصر وعبدالحكيم . ومنهم من يلبس ثياب الثورة وهو من ألد أعدائها)) (ص 605) والمؤرخ الشعبى (حسن أبو على) ينقل عن صديقه (بسبوسه) أنّ الثورة بعد أنْ وضعتْ يدها على العرش.. وضعتْ يدها أيضًا على كل مجوهرات العائلة المالكة.. وكلفت لجنة بجرد هذه المجوهرات أعضاؤها كلهم من الضباط (الأحرار) ومن مجلس قيادة الثورة. مجوهرات وحلى وتماثيل . والساعات والولاعات كلها من الذهب والفضة ، بعضها مُطعم بالأحجار الكريمة ، كالدر والياقوت والماس .. ويقال أنّ بعض أبناء علية القوم ضُبط فى أوروبا يبيع ماسة أهدتها ملكة إيران ذات يوم لملكة مصر)) (ص 620، 621) وعندما حدثتْ معركة بين عائلتيْن فى قرية من قرى الصعيد ، تم حرق القرية ، فقال الراوى وهو يتذكر ((الحكومة لم تحرقنا يا جدع . أقصد أقول لك إنّ الحكومة لم تحرقنا وحدها . الذى أحرقنا بحق وحقيق هم أهل المشير)) ولذلك يرى أنّ (( أيام الملك والإنجليز لم تذهب ، ولكن اسمها هو الذى تغير)) ً (من ص 285- 287) ويتذكر المؤرخ الشعبى بحسه الفكاهى الساخر أنه فى ذاك الزمن انتشرتْ بعض السلع المهربة فى الأسواق وتحمل أسماءً غريبة مثل (إنت عمرى) وماركة (هذه ليلتى) وماركة (المشير) وماركة (الأطلال) (ص 562) وبعد أنْ صار حسن أبو على عضوًا فى البرلمان ، أسس شركة للتصدير والاستيراد ، فطلب من صديقه (بربش) أنْ يدله على أساتذة يفهمون فى الاقتصاد ، فاقترح (بربش) تعيين بعض الشخصيات الكبيرة ، منهم وزراء سابقين وضباط (أحرار) متقاعدين وضباط شرطة مغضوب عليهم . وما أكثر المغضوب عليهم يا بوى من أعلى الكفايات فى مصر. ((هذا ما كشفه لى (بربش) وهو يحكى لى عن عمالقة فى العلم والاقتصاد والسياسة والقانون ، غضبتْ عليهم الثورة السوداء . فركتهم وحاربتْ بعضهم فى رزقه وحريته)) (ص 989)
والمؤرخ الشعبى يبدأ سيرته الذاتية مخاطبًا الجيل الجديد فيقول لهم (( إنكم جيل الفقر والحروب وعسكر الاحتلال واحتلال العسكر. فمن أين تجيئكم المرجلة (= الرجولة) عدم المؤاخذة !! من السمن الهولندى والقمح الأمريكى المدفوع فيه شرفكم ؟! أم من الفراخ الفاسدة ولحوم الكلاب المفرومة التى يُورّدها عبد الحى وعبد الميت .. إلخ )) (ص 19) ولكنه هو نفسه الذى سخر من الذى استورد لحوم الكلاب ، فإذا به يسافر إلى أوروبا ويتعاقد على صفقة بولوبيف معمولة أصلا للكلاب ومكتوب عليها هذا بصريح العبارة بلغة أجنبية. وتعاقد على لحوم الديوك الرومى وتبين أنها طيور جارحة كطعام للكلاب أيضًـــا . ولكى يُبرىء ذمته قال لصديقه ومدير أعماله (بربش) : وهل يرضى ضميرك بهذا يا بربش ؟ فقال بربش : ضميرماذا يا حاج ؟ هل فى البلاد كلها شىء اسمه ضمير حتى نتمسك نحن به . الناس جعانه وحياتها أرخص من الأموال بكثير. وكان تعقيب حسن أبو على الذى أصبح مليونيرًا (( الناس فعلا جعانه يا بوى . والجائع ممكن أنْ يُصدق كل شىء . وأذكر كلمة لعمى الفقيه الكبير قالها ذات يوم ورسخت فى بالى : قال الإمام الشافعى رضى الله عنه : لا تـُشاور من ليس فى بيته دقيق)) (من ص 994- 997) هنا يكون حسن أبو على قد جمع بين المؤرخ الذى لا يكذب ، وبين المليونير الذى يمص دماء الفقراء ، مستندًا إلى قول الإمام الشافعى ولكن فى سياق غير السياق .
ومن طرائف المؤرخ الشعبى تلك النكتة التى حكاها له الرئيس السادات الذى زار مدينة السويس بعد أنْ تولى الرئاسة.. دفعه الحنين لزيارة بعض السائقين أثناء هروبه . زار أحدهم الذى كانت زوجته تلد . وعندما وضعت مولودها سأله السادات : ولد ولاّ بنت ؟ فقال : ولد يا سيادة الريس . فسأله : وناوى تسميه إيه ؟ فقال السائق : بصراحة بصيت فى وش الولد .. لقيت شكله كِشر وباين عليه ح يطلع مفترى .. رُحتْ مسميه جمال عبد الناصر)) (ص 986)
الوعى بمفردات الشخصية المصرية :
الأديب الكبير خيرى شلبى واحد من المبدعين المصريين الذين اهتموا بالميثولوجيا المصرية بكل تنويعاتها . وأعتقد أنّ اختياره لاسم بطل السيرة لم يكن اعتباطيًا ، فاسم (حسن أبو على) هو نحت مصرى تعمّد (= هذا النحت) قلب الحقيقة ، لأنّ الإمام حسن هو ابن الإمام على بن أبى طالب ، ومع ذلك أطلق جدودنا المصريون على كل شخص اسمه حسن (حسن أبو على)
كما أعتقد أنّ أية دراسة لهذا العمل الإبداعى لابد أنْ تربط بين المضمون والشكل ، إذْ أنّ الشكل هنا لصيق بالمضون ، بل إنه جزء لا يتجزأ منه ، ودليلى على ذلك أنّ أغلب صفحات الرواية تمتلىء إما بالتعبيرات المصرية ، أو بالكلمات المصرية أو بالموروث المصرى .
نماذج من التعبيرات المصرية :
(( أصبر على الرز حتى يستوى)) (ص 359) وهو تعبير مصرى شائع يُقال للشخص المتعجل الذى لايهمه النتائج السليمة. (( فلان قارش ملحة فلان)) (ص 364) يُقال عن الشخص الذى على وعى تام بأفكار وتوجهات شخص آخر . ((فلان قاعد للساقطه واللاقطه) (ص 495) أى الشخص الذى يتصيد كل (سقوط) ويلتقط كل ما يقترب منه . ((ثور (ينطقها المصرى تور) الله فى برسيمه)) (ص 744) تعبير يٌقال عن الشخص الذى لا يتواصل مع شخص آخر رغم أنهما يتكلمان لغة واحدة . ((فلان زى شرابة الخرج)) (ص 831) ولأنّ (الخرج) أقرب إلى الشوال ولكن بحجم أصغر، و(الشرابه) هى الشىء التافه فى قعر الخرج ، فيكون المعنى المقصود هو أنّ هذا الشخص لا يمكن الاعتماد عليه لضآلة شأنه . ((شايل طاجن ستك)) (866) تعبير مصرى عن الشخص الحزين البائس إلخ . ((إطلع من دول يا عكروت)) (869) تعبير (إطلع من دول) يقوله أولاد البلد لبعضهم البعض ، عندما يحاول أحدهم أنْ يتصنع الحداقة والفهلوة أو التذاكى (من الذكاء) إلخ فيكون المعنى (( ح تتشطر على مين وتعمل لى فيها أبو العريف)) وهوتعبير يترادف مع تعبير مصرى آخر هو (( إحنا دفنينه سوى)) وقد ترجم أحد الروائيين المصريين الكبار تعبير(إطلع من دول) من المصرى إلى العربى فكتبه ((أخرج من هؤلاء)) مما أربك المترجم الإنجليزى الذى لم يستطع فهم المعنى . ((فــُـتــّـك فى الكلام)) (917) أى نسيت أقول لك كذا . ((يلخبط اللخبطان)) (ص 1056) أى الكلام غير المفهوم بالنسبة لعقل وثقافة المستمع . ((دبور زنْ على خراب عشه)) (ص 1112) يُقال عن الشخص الأحمق الذى يُصر على شىء معين ، رغم أنّ هذا الشىء يُسبب له الضرر.
نماذج من الكلمات ذات النحت المصرى :
((فلان ولد الفرطوس)) (ص 40) فكلمة الفرطوس منتشرة فى جنوب مصر ، وتقال كنوع من الإهانة. ((زيطه وزنبليطه)) (ص 45) كلمتان تقالان كتعبير عن الهرج والمرج سواء فى المناسبات السعيدة أو الحزينة ، لأنّ المقصود هو عدم الهدوء كما فى الأوقات الطبيعية. ((فلان إتعلم الكــُـفت)) (ص 49) فكلمة الكفت كناية عن الخبرة العميقة التى يتمبز بها بعض الأشخاص دون غيرهم . وربما جاءت الكلمة من خبرة الصناع المهرة الذين يُُكفتون النحاس بالفضة . ((فلان طوّل إيده على بتاع الناس)) (ص 53) فكلمة (بتاع) ذات الحروف العربية هى ترجمة لأداة الملكية فى اللغة القبطية ، لذلك نقول (الكتاب بتاعى) (الشنطه بتاعتى) إلخ ((جلس فلان منجعصًا)) (ص 56) فكلمة (منجعص) كناية عن الشخص الذى يجلس فى حالة استرخاء تام ولا يُبالى بمن يجلس معه . (سبهلله) ص 63 كلمة مصرية كتعبير عن الفوضى وضد كل شخص لا يحترم النظام العام أو العرف السائد . ((فاشخ حنكه)) (ص 66) ترجمة عربية لمن يفتح فمه عن آخره . ((الشعب المصرى مهاود)) (ص 69) فكلمة مهاود تعنى التظاهر بالموافقة ، فى حين أنّ الحقيقة غير ذلك ، وكان المبدع موفقــًا عندما أضاف ((كالبوصة الخيزران .. تطويها دائرة فى إصبعيك ، فتتخيل أنها ملك يديك ، فإذا ما غفل إصبعك برهة وجيزة اندفع الطرف وارتدّتْ البوصة عصا مستقيمة)) ((ملعلط)) (ص 75) كلمة مصرية كناية عن الشىء البراق اللامع إلخ . ((الصرمه)) (ص 82) كبديل لكلمة حذاء . ((فلان تنطع)) (ص 87) فهذه الكلمة تُقال عن الشخص بليد الحس ، ويطلب أشياء لا يستحقها أو يُحوّم حول أغراض لا تخصه إلخ وإذا تصوّر أحد أنّ المصدر (نطع) العربية فإنّ معناها (طلـْع) كتبع ودرع إلخ (أنظر: مختار الصحاح للشيخ محمد بن أبى بكر الرازى – المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911 ص 691) واستخدم خيرى شلبى تعبير((أجعص جعيص)) (ص 104) كبديل لتعبير (أكبر كبير أو أتخن تخين) واستخدم كلمة (لجلجه) ص 118 كناية عن التردد . وكلمة (باظت) ص 128 كبديل للخسارة . وكلمة (تكسكس) ص 131 كناية عن الرجوع إلى الوراء . واستخدم تعبير((حتتك بتتك)) (ص 211) وهما كلمتان من اللغة القبطية للتعبيرعن حالة النهم فى أكل الطعام . واستخدم كلمة ((شكمه)) (ص 235) بمعنى أخرسه فى حالة الحوار، وبمعنى الضرب فى حالة المشاجرة . وكلمة (خلبوص) ص 239 للدلالة على الشخص غير السوى فى المعنى المصرى . وكتب ((مخى يتبرجل)) (ص 243) فكلمة (يتبرجل) بديل لحالة الصدمة التى جعلت الشخص فى حيرة من أمره ولا يملك القدرة على رد الفعل . ((فلان مخربش ومتلطم)) (ص 304) كناية عن الشخص صاحب السوابق فى الحياة العملية. واستخدم كلمة (بس) ص 335 وهى كلمة قبطية نقولها فى حياتها اليومية مئات المرات ولها أكثر من استخدام ، فهى تعنى (فقط) وتعنى (ولكن) إلخ . واستخدم ((الجعجعه والبرطمه)) (ص 406) والأولى تعنى الكلام الفارغ الذى لا معنى له . والثانية تعنى الكلام المضغم غير المفهوم . وكلمة (نتبختر) ص 418 وتعنى المشى بزهو وتمايل ودلال وتفاخر وإعجاب بالذات إلخ . واستخدم كلمة ( العكروت) ص426 وهى كلمة من اللغة القبطية EkROTI وأصلها هيروغليفى وكانت تعنى الطفل أو الصبى . وفى العصر الحديث أصبحتْ تعنى الولد الشقى أو الولد العفريت أو الولد الحدق إلخ فى حين أنّ معناها فى سوريا (القواد) أما معناها فى قواميس اللغة العربية فهى تعنى الرجل الذى ثقبتْ شحمة أذنه ، أى العبد الذى ثقبتْ شحمة أذنه لإدخال حلقة معدنية تـُميزه عن الرجل الحر (نقلا عن الكاتب السورى عبدالهادى البكار- صحيفة القاهرة 19/7/2005ص 8) وكتب خيرى شلبى ((لتوّك شاعر بيهم)) (1088) وكلمة (توّك) هى الترجمة المصرية للمعنى العربى ((الآن فقط بدأتَ تشعر بهم)) وكتب ((فى عينيه نظرة دبلانه)) (ص137) وهنا سيطر الحس المصرى على الأديب بانتصارالبنية اللغوية المصرية ، بمراعاة أنّ الكلمة العربية هى (ذابلة) وأنّ (دبلانه) مثل حيرانه وبردانه وكسلانه إلخ أى صيغة صرفية واحدة بدلا من تعدد الصيغ فى اللغة العربية (ذابلة) وعلى وزنها حائرة ، تشعر بالبرد ، كسولة على التوالى) وأود أنْ أنوه إلى أنّ الأمثلة التى ذكرتها هى على سبيل المثال ، وهناك أمثلة أخرى عديدة ، الأمر الذى يؤكد أنّ خيرى شلبى كان واعيًا بأنّ شكل الكتابة جزء من المضمون .
نماذج من مفردات الشخصية المصرية :
((يأكلون الأرز باللبن مع الملائكة)) (ص 413) وهو تعبير مصرى عن الشخص المستغرق فى نوم عميق . ويدخل فى هذا الإطار توظيف المصريين للدين ، سواء على المستوى الشخصى البرجماتى أو على المستوى السياسى ، فعندما تقدم رجل مسن ولكنه من الأثرياء للزواج من احدى شقيقات حسن أبو على الذى اعترض فى البداية ثم وافق بعد أنْ حسمتْ أمه الموقف قائلة ((النبى محمد عليه الصلاة والسلام تزوج ستنا عائشة وكانت سنها تسع سنوات وهو فى بحر الخمسين)) (254) والوعى بين التدين الحقيقى والتظاهر بالتدين عبّر عنه حسن أبو على عندما وصف القاهرة بأنها مدينة كافرة فاجرة رغم أنها تمتلىء بالجوامع فى كل حارة وكثرة الحجاج والأفندية الذين بيدهم مفاتيح المخازن وأدراج الأوراق وأبواب المصالح (394) وحسن أبو على عندما بدأتْ أموره المالية تستقر، قال لنفسه ((ليلتك فل يا ولد الحرام . وأنت لا تستأهل كل هذا النعيم من الله. ولابد أنْ تصلى له منذ الآن)) (431) وإذا كان هذا الموقف منه يدخل فى منظومة (اللاوعى الجمعى لأهمية الدين) فإنه ينتقد أحد المتعاملين معه فيقول عنه ((ما معنى أنْ يكون رجلا شرموطــًا كالحاج السنى يفعل كل الموبيقات من وراء لحية ممدودة ومسبحة مطرودة ومائدة منضودة ؟ إلخ)) (456) واللص المحترف (زرديه) قبل أنْ يُباشر عمله يبدأ بالبسملة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) (499) والحاج السنى المتخصص فى تهريب الآثار المصرية وغيرها من كل الأعمال غير المشروعة يقول لأحد المشترين (وشرف امرأتى وبنتى التى أتمناها من ربنا . وحق صلاتى وصومى وحجى والقرآن المجيد ، هذه تقديرات أصحاب الشأن بالمليم وأنا سأخرج من المولد بلا حمص)) (731) وحسن أبو على عندما قبل دعودة أحد كبار التجار الذين يتاجرون فى كل شىء حتى فى البشر، وعاين القصر الذى يعيش فيه هذا التاجر، وأنواع التحف والتماثيل المصرية والأثاث إلخ ، قال لنفسه ((ما الذى بقى من الجنة لم يستحضره هذا الرجل ؟ ماذا أبقى هذا الرجل للجنة يا ترى ؟ هذه هى الجنة من غير إحم ولا دستور يا بـــوى . وما علينا الآن سوى انتظار بنات الحور والولدان المخلدين وأباريق الخمر والعسل المصفى)) (ص 313، 314)
الوصف :
يتميز الأديب خيرى شلبى بقدرة فائقة على الوصف الأدبى ، فيجعل كاتب السيرة يصف صاحبها هكذا ((وجهه مثلث الشكل . منحوت . يُشبه مبخرة فخارية . يُشبه الجوفايه المتقيحة الناشفة . فى عينيه ألف قتيل وقتيل دفنهم ومشى فى جنازتهم باكيًا بحرقة.. بدهاء ملفوف فى براءة تصل إلى حد البلاهة أحيانًا)) (ص9) وحسن عندما يعترف بأنه لص صغير ويقارن بينه وبين غيره من اللصوص ، يستخدم مفردات البيئة الزراعية التى نشأ فيها فيقول ((لص أنا قيراط أما هو فأربعة وعشرين قيراطــًا)) (49) وفص الأفيون نظرًا لصغر حجمه فهو (عدساية أفيون) (ص57) وحالة الحزن تعكس نفسها على الطبيعة فيقول حسن ((والشمس صرفتْ لونها الأصفر ولبستْ الأحمرالمشتعل وهاهى ذى بدأتْ تتفحم وتذبل جمرتها المتقدة)) (106) بينما فى حالة شعورية مختلفة تكون الشمس ((متبرجة على أتم زينتها فى ملاقاة صبحها الفتى . قد صبغتْ وجهها وخدودها باللون الوردى)) (696) وفى حالة شعورية ثالثة يقول ((فى اللحظة التى فقدتُ فيها الأمل يا خال . لحظة الغسق واختناق الشمس على صليب الأفق)) (1083) وإذْ يتعرّض لموقف محرج ولايستطيع الكلام يقول ((زلطه خِشنه انحشرتْ فى حلقى يا بوى)) (119) وإذْ يشعرأنه مطارد ولأنه من جنوب مصر، فيقول ((انحط على قلبى جبل من الجرانيت الأسود)) (186) وإذْ يتعذر عليه رؤية السماء يقول ((فكأننى أنظر فى جوف مئذنة منبعجة بعدة أدوار مقببة. تنتهى فى شاهق البصر بعمة تـُشبه عمة الجيلاتى فوق كأس البسكويت)) (439)
وإذا كان الأديب وضع على الغلاف أنّ ما كتبه هو سيرة شعبية ، فلابد أنْ تحتوى على الكثير من الأمثال الشعبية ، مثل (لسانك حصانك إنْ صنته صانك وإنْ هنته هانك) (563) وهذا المثل له شبيه فى المعنى إلى حد التطابق فى التراث الأدبى لمصر القديمة. وتردّد المثل الشعبى (حاميها حراميها) كثيرًا (ص589كمثال) وهذا المثل له ترادف آخر هو((جبناكى يا حكومه تحمينا . حميتى النار وكويتينا)) (الشخصية المصرية فى الأمثال الشعبية- د. عزة عزت- كتاب الهلال- سبتمبر97ص214) ويرد حسن على النكت التى تسخر من الصعايدة فيقول ((والله لو الصعايده روّحوا بلادهم ، القاهرة تنتن . بكره يرحلوا على الخليج يعمّروه ونبقى ندور على نفر بطلوع الروح (897) والشيخة سعادة قبل أنْ تنحرف نحو الأصولية الدينية قالت ((الحضارة صاعدة طالعة من أرض مصر الطيبة كى يظل المصريون حملة لواء السلام والوئام إلى العالم أجمع)) (846) وبطل السيرة رغم كل مساوئه ، يطفو حسه المصرى ، إذْ عندما دخل الجبل ورأى الوديان والممرات السرية والسراديب التى لايمكن اكتشافها إلاّ صدفة قال وهذا (( لا يكون إلاّ من شغل الفراعين ، قاهرى الصخور والموت والفيضانات)) (1078) وهكذا كأنما أراد المبدع – على لسان صاحب السيرة- أنْ يوقظ الذاكرة القومية لمجابهة حالة موات العقل والضمير التى يتعرّض لها شعبنا كما جاء فى أحداث هذه الرواية البديعة ، التى جلس مؤلفها على دكة الراوى الشعبى ، ليؤرخ لنا ما جرى ولكن بأسلوب فن الرواية ، ولذلك هى تصلح للمعالجة السينمائية.
*****



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انعكاس الثقافة القومية على الأدب (4)
- محمود تيمور ومشكلات اللغة العربية
- انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب (3)
- عروبيون وينتقدون اللغة العربية
- انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب (2)
- انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب
- الأقليات الدينية والثقافة السائدة
- كيف كسر الولاء للدين مصطفى كامل
- هل البديهيات تحتاج إلى توضيح ؟
- هل يستطيع البشر التخلص من الغيبيات ؟
- هل الدين - أى دين - قابل للتجديد ؟
- الأدب الروائى ومقاومة الأصولية الإسلامية
- أصحاب العقول الحرة وموقفهم من العروبة
- هل اختار (الله) شعبه أم العكس ؟
- تناقضات الديانة العبرية (2)
- هل توجد أدلة مادية على ما جاء فى العهد القديم ؟
- هل للعرب مساهمة فى العلوم الطبيعية ؟
- الصراع بين العلم والخرافة
- هل تعلم العرب شيئًا من (التفكير العلمى) ؟
- هل عاش توفيق الحكيم فى البرج العاجى ؟


المزيد.....




- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - انعكاس الثقافة القومية على الأدب (5)